fbpx
دراساتالخليج

السياسة السعودية والقضايا الإقليمية: الجزء الخامس

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 (1) تنويه:

تعرض هذه السلسلة، على حلقات، أجزاء من أطروحة علمية بعنوان: “السياسة الأميركية تجاه المملكة العربية السعودية: دراسة في تأثير البعد الديني، قُدمت للحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، وتمت المناقشة بتاريخ 19 ديسمبر 2009، وكانت تحت إشراف، الأستاذة الدكتورة: نادية محمود مصطفي، وشارك في المناقشة الأستاذ الدكتور مصطفي علوي رئيس قسم العلوم السياسية الأسبق، والأستاذ الدكتور مصطفي الفقي، رئيس الجامعة البريطانية، وتمت إجازة الأطروحة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولي والتوصية بالطبع والتبادل بين الجامعات العربية والأجنبية.

الجزء الخامس: السياسة السعودية تجاه القضية العراقية، (الصفحات 339-357):

برز البعد الديني في السياسة الأميركية تجاه القضية العراقية على العديد من المستويات، المستوى الأول، مستوي التوجهات والمواقف من العراق، ابتداءً، حيث اتجه فريق من المحللين إلى أن غزو العراق هو بالأساس تنفيذ لإحدى النبؤات الدينية التي يؤمن بها التيار الديني الذي ينتمي إليه الرئيس بوش، كما أنه يتفق والمعتقدات الفكرية والأيديولوجية للتيار الديني والمحافظ المؤثر في توجهات السياسة الخارجية الأميركية، في ظل إدارة الرئيس بوش 2000 ـ 2008.

أما المستوى الثاني، فهو مستوي التنفيذ، حيث اتجهت الولايات المتحدة لاستخدام الدين كأداة لفرض سيطرتها وتحقيق الاستقرار في العراق، من خلال الحوار مع إيران بشأن الشيعة في العراق، وخاصة أنهم أصبحوا التيار المهيمن على الأوضاع السياسية في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، كما اتجهت لاستخدام المملكة العربية السعودية كأداة لاحتواء السنة العراقيين، والقيام بدور الوسيط لإقناعهم بالمشاركة في العملية السياسية في العراق، بل إن الولايات المتحدة استخدمت الانقسامات المذهبية، وتحديداً بين السنة والشيعة، لتحقيق السيطرة على الأوضاع في العراق.

وفى تقييمه لنتائج السياسة الأميركية فى العراق، قال هنرى كيسنجر(2): “ما من شك في أن أخطاءً كثيرة قد ارتُكبت؛ لكن التركيز عليها الآن لن يفيد في شيء. لهذا ينبغي لنا أن نتجنب إمكان ظهورِ فريق في العراق يشبه طالبان، أو ظهورِ نظامٍ أصولي جهادي، حتى لو لم يكن شبيها بنظام طالبان، ولا بنظام إيران أيضا. وأن نتجنب وضعا نكون فيه وحدنا الجهة التي تطفئ النار في البلد، ولا نتنبه إلى مصدر الحريق. فهذا عمل عسير وقاس للغاية”(3).

وأضاف: “لقد وصلنا إلى نقطة يتعين على الإدارة أن تتنازل فيها عن بعض طموحاتها بشأن العراق، وأن تواجه الاختيار بين الديمقراطية والاستقرار. من الملائم لأميركا أن تكون بجانب الديمقراطية. إذ لا يمكن لها أن تذهب إلى منطقة معينة وتقول لأهلها إن كل ما نريده هو الاستقرار. لكن الحقبة الزمنية التي يستغرقها تحقيق الأهداف، والدرجة التي يمكن لأميركا أن تتدخل مباشرة في كل مرحلة منها، يجب أن تُعَدَّلا ويعاد ضبطهما حتى تتلاءما مع التجربة وتتوافقا مع الظروف. فالعراق لا يمثل أمة بالمعنى التاريخي للكلمة. العراق شُكِّلَ من ثلاث مناطق كانت تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية، ولم يسبق له أن حُكم قط ككيان موحد. لهذا السبب تمثل الأمة العراقية ظاهرة مختلفة عن الأمم التي عهدناها في تجربتنا”(4).

وأمام الأهداف الدينية والمصلحية التى قامت عليها السياسة الأميركية فى العراق، وما شهده الواقع الفعلي من تحديات، اتجهت الولايات المتحدة نحو استخدام المملكة العربية السعودية، بنموذجها الديني، كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الأميركية فى العراق، سواء فى تشكيل التحالف الدولى المضاد للنظام العراقي قبل الحرب، أو استخدام المملكة كمسرح أو شريك إستراتيجي أثناء العمليات العسكرية، أو استخدامها كأداة لتهدئة الأوضاع ودعم التحولات السياسية التى تقوم بها الولايات المتحدة بعد احتلال العراق.

وفى إطار هذه الأدوار، يمكن تناول طبيعة السياسة الأميركية، ببعديها الرسمي وغير الرسمي تجاه القضية العراقية، والدور السعودى فيها، من خلال المحورين التاليين:

المحور الأول: الدور السعودى فى السياسة الأميركية تجاه العراق

فى تحليله للإستراتيجية الأميركية تجاه العراق، يري د. مصطفى علوى أنه من غير المتصور أن تأتي الولايات المتحدة بهذا الحجم الكبير من القوة العسكرية لتخوض حربا كبيرة ولتحقق أهدافا تعتبرها أهدافا استراتيجية رئيسية ثم تنسحب بعد أعوام قليلة‏.‏ فمع المقاومة العراقية المتصاعدة، سيكون انسحابا أميركيا سريعا محققا لضرر بالغ بمكانة الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمي غير مسبوقة‏،‏ وإيذانا بفشل سريع لمشروعها في الشرق الأوسط الكبير، وربما لمشروعها الإمبراطوري العالمي الأكبر‏، فالوجود العسكري الأميركي الكبير في العراق، يشكل ركنا أساسيا في سياسة الضغط والمساومة من أجل تحقيق استراتيجية تغيير بلدان الشرق الأوسط الكبير من الداخل، سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، فالمخطط الأميركي يقوم علي استثمار ذلك الوجود العسكري في تغيير العراق من الداخل‏.‏ ثم تقديمه نموذجا للبلدان الأخرى بالمنطقة‏.‏ ولكن واشنطن اكتشفت خطأ حساباتها وتقديراتها بشأن سهولة المهمة بالعراق، فتحولت بمخططها من البدء بالعراق وتقديمه نموذجا، إلي الضغط انطلاقا من وجودها الكبير بالعراق علي دول المنطقة لقيادة حركة الإصلاح والتغيير منها من الداخل في كافة المجالات، وبدور وبإشراف مباشرين من الخارج، وبالذات من واشنطن‏.‏ وفي هذا الإطار، يصبح الوجود العسكري الكبير المستمر بالعراق أساسيا في استراتيجية الولايات المتحدة في التعامل مع الشرق الأوسط الكبير‏(5).‏

وفى إطار هذه الاعتبارات، تحركت السياسة الأميركية، بشقها الرسمي فى إدارتها للقضية العراقية، على الجبهة السعودية، على مستويين، الترغيب والترهيب، ففى المستوى الأول، برزت مطالبة الولايات المتحدة للمملكة بالتدخل لإقناع السنة العراقيين بالمشاركة في العملية السياسية فى العراق، بما ينعكس على استقرار الأوضاع في العراق، وفى المستوى الثاني، قامت الولايات المتحدة بتوجيه العديد من الاتهامات للمملكة بأنها وراء دعم العنف والإرهاب الذي تواجهه القوات الأميركية في العراق، وبين هذين التوجهين يمكن تناول طبيعة المواقف الأميركية الرسمية تجاه المملكة، فيما يتعلق بالقضية العراقية، والإجراءات التى قامت عليها، وخاصة فيما يتصل بالعلاقة بين البعدين الديني/ القيمى، والمصلحى/ الإستراتيجي، على النحو التالي:

أولاً: السعودية ودعم السنة فى العراق:

في الحادي عشر من نوفمبر 2005، دعت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس، المملكة العربية السعودية إلى حث العرب السنة في العراق على المشاركة الإيجابية في الانتخابات البرلمانية (ديسمبر 2005). وقالت رايس: إن “السعوديين لديهم العديد من الاتصالات مع العرب السنة وآمل أن يتم حثهم على المشاركة بطريقة إيجابية في العملية السياسية للبلاد”(6).

واستندت الإدارة الأميركية فى مطالباتها إلى عدة اعتبارات، اعتمدت عليها لإثارة المخاوف السعودية من الأوضاع فى العراق ودفعها للتعاون مع الولايات المتحدة، من بينها:

1ـ تنامي دور الشيعة في المملكة: ظل الشيعة في المملكة، وفق العديد من التقارير الدولية والأميركية، يعانون من التمييز ضدهم، وعلى الرغم من أن منطقتهم تنتج معظم نفط السعودية إلا أنهم يجدون صعوبات في الحصول على الوظائف في الشركات النفطية بسبب عدم الثقة بهم. كما أنهم لا يحظون بالتمثيل السياسي الكافي ويجري اضطهادهم.

إلا أنه في أعقاب التحولات التي شهدها العراق، وهيمنة الشيعة في العراق على العملية السياسية، تنامت مطالب شيعة المملكة، بإعادة النظر في أوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وزادت معدلات حراكهم السياسي والفكري والاجتماعي، وهو ما برز في العديد من الفعاليات أبرزها تعدد العرائض والبيانات التي تم رفعها من جهات ومفكرين منتسبين لشيعة المملكة، إلى المسئولين السعوديين، وكذلك تزايد مشاركتهم في مؤتمرات الحوار الوطني، وعرض رؤاهم في مختلف القضايا ذات الصلة بأوضاعهم، ويتزايد الشعور بالخطر فى المملكة فى ظل طبيعة التداخل القبلي بين السعودية والعراق، وكذلك الديني/ المذهبي، والذى له آثار مباشرة، غير تلك الآثار العامة التي أفرزتها نهاية النظام العراقي، حيث سيتأثر الشيعة في المملكة أكثر من غيرهم، وسيشعرون بأنهم دخلوا في وضع جديد يحفّزهم للمطالبة بحقوقهم، مدفوعين بروح معنوية عالية. كما أن هناك قبائل عديدة على الحدود بين المملكة والعراق سينالها التأثر، ويمكن أن تشكل أداة ضغط على المملكة (7).

2ـ الانقسامات المذهبية في العراق: تؤثر الانقسامات المذهبية فى العراق على الأوضاع فى المملكة، فى ظل ما يرتبط بهذه الانقسامات من أبعاد، فالمملكة تميل لدعم سنة العراق، فى مواجهة الشيعة، التى ترى أن ولاءهم يتجه لإيران، من ناحية، وخوفاً من أن يؤدى صعود شيعة العراق إلى التأثير على شيعة المملكة، وهو ما حرصت الإدارة الأميركية على الترويج له، واستخدامه كورقة ضغط ضد المملكة.

وفى هذا السياق يري سيمون هندرسون أن وجود حكومة شيعية مستقرة في العراق هو لصالح السعودية، لكن السعودية لا ترى ذلك، لأنها تميل نحو تشجيع ودعم السنة لخلق حالة اللااستقرار في العراق. وعلى الرغم من ترحيب السنة في العراق بقرار التقسيم لأنه سيوفر لهم الحماية من الشيعة إلا أن ذلك الخيار يمثل مصدر قلق للسعودية لأن الشيعة هم الأغلبية في المناطق الجنوبية من العراق المحاذية للسعودية. كما أن محاولات السعودية إثارة القلاقل في إيران سيعود عليها بالضرر لأن إيران ستفعل نفس الشيء داخل المملكة (8).

3ـ العائدون من العراق وتحديات الاستقرار في المملكة: يشكل استمرار الحرب في العراق عامل جذب للشباب السعودي، وخاصة من الراغبين فى الانضمام لفصائل المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال الأميركى، كما أن العائدين من العراق إلى المملكة يقومون بتدريب الكثيرين وتجهيزهم للجهاد بتمويل من علماء الدين في المملكة إلا أن الولايات المتحدة استخدمت هذه الورقة كأداة ضغط ضد المملكة، بتخويفها من أن يكون هؤلاء العائدون كالعائدين من أفغانستان، بعد خروج الاتحاد السوفيتي منها(9).

حيث يري جون برادلي: أن هناك آلاف من المجاهدين السعوديين الذي تسللوا إلى العراق، سيعودون إلى المملكة متى استقرت الأحوال في العراق. وسيكونون حينئذٍ قد تدربوا على حرب المدن، بما في ذلك كيفية تخريب الأنابيب النفطية. وكما حدث بعد سقوط نظام حركة طالبان في أفغانستان، فإن هؤلاء السعوديين سيعودون ومعهم إرهابهم. وتوجد بعض المؤشرات المزعجة، فالتكتيكات التي تتبناها المقاومة العراقية ظاهرة في الهجمات التي شنت على الغربيين في المملكة . ويضيف: إن تدفق المجاهدين السعوديين إلى العراق فيه مصلحة للنظام السعودى على المدى القصير، طالما أنهم يفجرون أنفسهم الآن في بغداد، وليس باستطاعتهم فعل ذلكفي نفس الوقت في الرياض. غير أن هنالك احتمال لحدوث انتكاسة على المدى البعيد، كما حدث مع “الأفغان العرب” عندما عادوا من أفغانستان في التسعينيات (10).

ومن جانبه يؤكد “هيلسوم”، أن العائدين من العراق يمكن أن يصبحوا مثل العائدين من أفغانستان، ويُدخلوا العنف مرة أخرى إلى المملكة. وهذه المخاوف هي الأساس الذي يستند إليه تأخير الإصلاح. فلو كان يُنظر إلى الإصلاح على أنه متوافق مع الإسلام، فسيكون حينئذٍ مفيداً في الحرب على الإرهاب. ولكن لو كان يُنظر إليه على أنه منافس للإسلام، فربما أدى ذلك إلىتشجيع المتطرفين، فيقومون بشيء ما مجدداً(11).

5ـ الإصلاحات فى العراق وتداعياتها على الإصلاحات فى المملكة: فقد اتجهت الولايات المتحدة للنظر لتجربتها فى العراق على أنها تشكل النموذج الذى تسعى لبنائه فى المنطقة، وأن نجاح هذا النموذج سيكون البداية لسلسلة من التحولات التى ستشهدها دول المنطقة، نحو الديموقراطية والحرية، وفق الخبرة الأميركية، وقد استخدمت الولايات المتحدة هذه الأطروحات للضغط على دول المنطقة، ومن بينها المملكة، للتوافق مع سياساتها، والتعاون معها في تحقيق ما تسعى إليه من أهداف.

وعن حدود الضغط الأميركي فى هذا الاتجاه، ودرجة الاستجابة السعودية معه، يرى جوزيف مكميلان، أن المملكة تأخذ بجدية احتمال أن تشكل التطورات السياسية فى العراق، تهديداً لنظامها السياسي فى شكل زيادة تطلعات الجماهير إلى إصلاح سياسى، إلا أنها تعتقد أن ذلك لن يحدث، لعدة أسباب، منها: أن النظام السياسى السعودى برهن على أنه أكثر مرونة وتكيفا وأقدر على التعامل مع الأزمات، ووجود إحساس قوى لدي السعوديين بأن لهم خصوصية استثنائية، فنظامهم وتاريخهم وثقافتهم أشياء ينفردون بها فى نظرهم، وهم يعترفون بوجود مطلب للإصلاح عند السكان وأنه من الضرورى الاستجابة، ولكنهم يميلون إلى تجاهل وجود أى تماثل بين هذه المطالب وبين تجارب مماثلة عاشتها بلاد أخرى، ويعبرون عن شكوك قوية فى أن أية تجربة فى دولة أخرى يمكن نقلها إليهم، هذا بجانب أن السعوديين لا يعتقدون أن الديمقراطية يمكن أن تنجح فى العراق، في ظل الطبيعة السياسية والاجتماعية والدينية والعرقية للشعب العراقي، والتي يمكن أن تنعكس سلباً على مستقبل الاستقرار السياسي في البلاد(12).

ـ عمليات التصفية التي يتعرض لها السنة في العراق على أيدي الفصائل الشيعية: حيث تعددت التقارير التي تشير إلى تورط جماعات وفصائل شيعية في عمليات اعتداء على السنة، وهو ما دفع بعض القيادات السياسية السنية بإصدار توجيه إلى المواطنين السنة لمنحهم آلية للهرب من عمليات القتل التي تتم بعد تحقيق سريع عن الهوية المذهبية وحدها(13).

ثانياً: الاتهامات الأميركية للسعودية بدعم الإرهاب في العراق:

في اتجاه مناقض لمطالبتها المملكة بدعم السنة في العراق، وجهت الولايات المتحدة، عبر عدد من مسئوليها، وكذلك عبر عدد من مفكريها، العديد من الانتقادات للمملكة، بأنها تقف وراء دعم فصائل المقاومة في العراق، ومن بين هذه الاتهامات:

أ) تسهيل دخول المقاتلين السعوديين في العراق: يقول “كوربا” إن الحدود بين المملكة العربية السعودية والعراق مغلقة رسمياً، لكن الكثير ممن يطلق عليهم “المجاهدون في العراق” يرجعون عن طريق الحدود السعودية مع اليمن، تلك الحدود التي أصبحت مشكلة بالنسبة للسعوديين الذين قاموا ببناء مانع خرساني بطول 900 ميل نظراً لأن قوات الأمن صادرت آلاف الأطنان من المتفجرات والذخيرة من المهربين عبر الحدود اليمنية (14). وأشارت تقارير الجيش الأميركي في العراق، في يوليو 2007، إلى أن العدد الأكبر من المقاتلين الأجانب الذين يقومون “بعمليات انتحارية” فى العراق يأتون من السعودية، فحوالي 45% من المقاتلين الأجانب الذين يستهدفون القوات الأميركية والمدنيين العراقيين والقوات الأمنية هم من السعودية، كما أن نصف الأجانب المحتجزين في العراق هم سعوديون(15).

وفي يوليو 2007، قال السفير الأميركي في العراق، “زلماى خليل زاد” أنه كان يشير إلى السعودية عندما قال إن العديد من الدول المجاورة للعراق، وليس فقط سوريا وإيران، بل بعض الدول الصديقة للولايات المتحدة تتبع سياسات تزعزع الاستقرار. وأضاف قائلا: “نعم، لا شك في أن السعودية وعددا من الدول الأخرى لا تبذل كل ما بوسعها لمساعدتنا في العراق”. وتابع: “إنهم حلفاء رائعون لنا في تلك المنطقة ومستقبل العراق هو أهم مسألة تؤثر على المنطقة في الوقت الحاضر”. وأضاف: “ولذلك، نتوقع ونرغب منهم أن يساعدونا في هذه المسألة الإستراتيجية أكثر مما يفعلون الآن. وفي بعض الأحيان فإن بعضهم لا يكتفي بعدم تقديم المساعدة، بل إنهم يفعلون أشياء تقوض جهود تحقيق أي تقدم”(16).

ج) تقويض العملية السياسية فى العراق: فقد انتقدت الولايات المتحدة السعودية بدعوى عدم استغلال نفوذها للضغط على السنة فى العراق من أجل الاشتراك في العملية السياسية، وعدم إرسال بعثة دبلوماسية إلى بغداد، وعدم منع المتطوعين من الالتحاق “بالمتمردين” الذين يقتلون الجنود الأميركيين في العراق، وعدم بذل الجهد الكافي لمنع تدفق أموال سعودية إلى المسلحين في العراق وأفغانستان، وعدم تقديم الدعم المالي الكافي للحكومة العراقية(17).

كما أعلن خليل زاد: “إنه احتج لدى السعوديين حول وثائق مزيفة تم توزيعها في بغداد عن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، تقول أنه عميل لإيران، كما حذرت الوثائق رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر من التضييق الذي تفرضه الولايات المتحدة على مليشياته المعروفة بجيش المهدي. وأعلن أنه نبه السعوديين، دون جدوى، بأن إقامة حكومة مستقرة في العراق هو من مصلحتهم، وأنهم سيعانون من انهيارها إذا انهارت(18).

ودعماً للاتهامات الأميركية للمملكة فقد اتجهت بعض الفصائل العراقية، وخاصة الشيعية منها، إلى اتهام المملكة بأنها تقف وراء تمويل الإرهاب في العراق، وخصوصا الإرهاب الطائفي، الذي هدفه تصفية الشيعة العراقيين، وأن المملكة استخدمت بعض العبارات في الإعلام لتحريك السنة ضد الشيعة، مثل مقولة “الصفويين” و”المتعاونين مع الاحتلال”(19).

وتري بعض الفصائل العراقية، أن الإسلاميين الأصوليين في السعودية يوجهون المتشددين الذين يصممون على قتل الكفار للالتحاق بالخارجين على النظام في العراق، بدلاً من التجاوب مع دعوة أسامة بن لادن الرامية للإطاحة بالأسرة الحاكمة في البلاد، ووفقاً لما يراه المنشقون السعوديون، فإن العراق تشكل ساحة قتال وحلاً للمأزق الذي يواجه رجال الدين السعوديين الذين يعملون على استرضاء الحكام وقاعدتهم الدينية في نفس الوقت(20).

كما قامت منظمة حقوقية دولية برفع دعوى قضائية لدى محكمة العدل الدولية ضد الداعية السعودي “عبد الله بن جبرين” بدعوى التحريض على إبادة الجنس البشري في فتاواه الدينية(21). وقالت “منظمة الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية” التي يشرف عليها لاجئون عراقيون ومقرها في الولايات المتحدة أن الدعوى تدخل ضمن تصنيف “جرائم الحرب والتحريض على إبادة الجنس البشري”. وذلك استنادا إلى عدد من فتاوى الشيخ بن جبرين التي أفتى فيها بجواز قتل المسلمين الشيعة وهدم المراقد المقدسة (22).

وإذا كانت الاتهامات الأميركية الرسمية للمملكة بدعم عمليات العنف والإرهاب فى العراق، وبأنها تعمل على تقويض التسوية السلمية والتحولات الإصلاحية، قد جاءت بصورة مباشرة، فقد حرصت الولايات المتحدة على توجيه الاتهامات للمملكة بصورة غير مباشرة، من خلال عدد من الفصائل والتيارات العراقية، لتحقيق هدفين، الأول تكثيف الضغوط على المملكة لدعم التوجهات الأميركية في العراق، والثاني إجبارها على المشاركة فى حفظ التوازنات الإقليمية في المنطقة بما يتفق والمصالح والأهداف الأميركية.

وفى إطار هذه الاعتبارات، تعددت الاتجاهات التحليلية لطبيعة دور المملكة العربية السعودية فى الإستراتيجية الأميركية فى العراق، ففى تقرير صادر عن معهد السلام الأميركي، أعده جوزيف مكميلان(23)، يقول: “هناك نظرة سلبية متبادلة بين السعودية والعراق، يدعمها تاريخ العلاقات بين الدولتين. فمنذ البداية عندما كانت العائلات الحاكمة المتناحرة تحكم الأراضى فى مناخ من العداء المتبادل، بدا كل جانب فى نظر الآخر معاديا، وزادت حدة التوترات الأيديولوجية بين البلدين، بعد الإطاحة بالملكية العراقية عام 1958، ووصول حزب البعث إلى السلطة، وتشدد السياسة الخارجية العراقية تجاه المملكة، والتي نظرت إلى أن العراق يحيطها بطائفة معادية من القوى المناهضة للملكية كالحكومة الماركسية فى اليمن الجنوبى إلى الجنوب وكمعارضى نظام اليمن الشمالى اليساريين إلى الجنوب الشرقى، وكالجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربى فى عمان إلى الجنوب.

وأضاف: إن المملكة تحدد هويتها، في الغالب، بمفردات يغلب عليها الطابع الدينى، ولذلك شكلت القضايا الدينية جانبا مهما فى التفاعلات السعودية ـ العراقية. ففى عهد صدام حسين، كان الدين يجمع عادة بين البلدين، فقد كان الجانب السنى، ممثلاً فى هيمنة العرب السنة على نظام الحكم، يعادل فى أهميته عروبة العراق عندما تعلق الأمر باختيار السعوديين مساندته فى الحرب ضد إيران الفارسية الشيعية.

ورغم أن العائلة المالكة فى السعودية لم تعبأ بالصدام مع البعثيين، فإن القلق قد انتابها من احتمالات غزو عراقى عام 1990، إلى حد أنها استعانت بتحالف دولي، للدفاع عن المملكة، وكان من الواضح أن المملكة إذا خُيِّرت بين عراق يحكمه صدام وعراق يحكمه الشيعة. فإنها ستختار صدام. وفى الوقت نفسه، فإن السياسة السعودية التى تتمثل فى نشر دعوتها الوهابية لم تمتد إلى العراق الذى أحكم صدام قبضته عليه. أى أنه لم يكن لدى أى من الحكومتين مخاوف منبعها الدين أو شكاوى تتعلق بالحكومة الأخرى. إلا أن كل ذلك تغير بعد تغيير النظام فى العراق، فقد أعلنت المملكة أنها ليست قلقة من اكتساب الشيعة العراقيين نفوذا، وأن وجود عراق يحكمه الشيعة لا يمثل تهديد خارجى، لأن معظم العراقيين الشيعة اعتبروا أنفسهم عراقيين أولا وشيعة ثانيا، كما أن القيادات الكبرى للشيعة العراقيين، لم تدافع عن عقيدة ولاية الفقيه، وإنما فضلت منهجا أكثر هدوءا لدور رجال الدين فى الحكومة. والقضية الحقيقة فى نظر السعوديين، وفق مكميلان، تتمثل في انعكاسات حكم أغلبية شيعية معتدلة فى العراق على شيعة عرب آخرين فى الخليج.

وأضاف مكميلان: “إن المسئولين السعوديين يصرون على أنه مهما حدث فى العراق لن يكون له تأثير على شيعة المملكة، الذين يؤدون دورا إيجابياً بسبب الدينامكية الداخلية. وأن الأمر لا يحتاج لانعكاسات تأتى من شمال المملكة لإدخال الشيعة السعوديين فى النظام السياسى السعودى المتطور”(24).

وفى تقرير صادر عن معهد دراسات الشرق الأدنى، أعده سيمون هندرسون (وآخرون)، ذكر أن العراق شكل في عهد صدام، “كابوسا” للسعودية، وظل كذلك حتى بعد سقوط نظام صدام. في ظل القلق من مخاطر تنامي تأثير صعود الشيعة في العراق على الأقليات الشيعية في السعودية والبحرين وباقي دول الخليج(25).

فالسعودية وجدت نفسها، بعد سقوط نظام صدام حسين، بين تأثيرين: الأول الضغط القادم من قيادات السنة الذين خسروا مراكزهم  القيادية بسقوط نظام صدام، والثاني جموع المواطنين العراقيين من السنة الذين أصبحوا أقلية خارج الحكم مقارنة بالشيعة والأكراد. وترتبط العديد من قبائل وعشائر العراق من السنة بروابط قوية مع قبائل السعودية، كما أن “المجاهدين” من السعودية الذين استطاعوا الوصول إلى العراق لمقاتلة “الكفار” الأميركيين والبريطانيين، في العراق جاءوا بالدعم المعنوي والمادي لأقرانهم من قبائل ومجاهدي السنة بمن فيهم منتسبي القاعدة. وعلى الرغم من الموقف الرسمي للمملكة المناهض للإرهاب وتنظيم القاعدة داخل المملكة، إلا أن هناك سياسة واضحة في محاولة استغلال رغبة المجاهدين الشباب من السعوديين للقتال في العراق، لإسقاط الحكومة التي تسيطر عليها الأغلبية الشيعية والتصدي للتأثير الإيراني في العراق.

وهنا يري هندرسون أن السعودية تنتهج سياسة ذات وجهين إزاء العراق، جوهرها التواصل مع الحكومة العراقية وإظهار الدعم لها من جهة، ومواجهة التأثير الإيراني في العراق من جهة أخرى. وتتضح تفاصيل هذه السياسة من عدة وقائع، منها: محاولة الإصلاح بين السنة والشيعة في العراق. ومعارضة فكرة تقسيم العراق. وإعفاء العراق من جزء كبير من مديونيته للسعودية. والمشاركة في مؤتمر بغداد للدول المجاورة للعراق (10 مارس 2007)، ومؤتمر شرم الشيخ (3 ـ 4 مايو 2007). والتوقيع على اتفاقية التعاون الأمني مع العراق. والعمل على مواجهة إيران في العراق(26).

إلا أن هذا لا ينفي، أن المملكة، كانت من بين المستفيدين من تطورات الأوضاع في العراق، فقد استفادت من انهيار المشروع الأميركي، لتغيير الأنظمة في المنطقة. مع تخلي الإدارة الأميركية عنه تحت ضغط الوضع الأمني العراقي وتخبط صيغته السياسية الداخلية، وانتهت حقبة “تغيير الأنظمة”، وحافظ النظام السعودي على استقراره، كما استفاد من تحول السياسة الأميركية مرة أخرى نحو أولوية التحالف مع المملكة، في مواجهة التحدى الإيراني في المنطقة (27).

وبين المكاسب والخسائر، تأتى أهمة التأكيد على أن مخاطر التحول فى المشهد العراقي تتصاعد، وهذا التصاعد من شأنه أن يكون عامل ضغط على المملكة، لانتهاج إستراتيجيات جديدة في إدارة الأوضاع والتعاطي معها داخلياً وخارجياً، فما حدث في العراق لن يشهد تراجعاً إلى الخلف، فالمنعطف التاريخي حدث، حتى لو فشل صاحب المشروع الأصلي في تحقيق أهدافه.

المحور الثاني: الاستجابة السعودية للسياسة الأميركية في العراق

في إطار تحليل طبيعة الدور السعودي في العراق، برز اتجاهان، يؤكد الأول أنه لا يمكن إنكار الدور السعودي في العراق ومحاولته لتحقيق توازنات تحد من الانحدار المستمر نحو الحرب الطائفية التي تدور في العراق، حيث يدرك السعوديون، أكثر من غيرهم، ماذا يعني تفاقمها، فصانعي القرار السياسي في المملكة يدركون أن قواعد اللعبة قد بدأت تتغير؛ ففي الوقت الذي أصبحت فيه إيران تسيطر على جنوب العراق وتقف على الحدود السعودية وتسعى نحو طموحات دينية وسياسية في الجزيرة العربية، تزداد محاولات محاصرة هذا النفوذ عبر قنوات وتفاهمات ما تزال غير واضحة في معظمها.

بينما يري الثاني أن الدور السعودي كبير ومؤثر في مجريات الأحداث في العراق، ولم ينحصر هذا الدور في مواقف الحكومة السعودية من عدم القبول بما انتهت إليه الحرب في العراق، أو في قبولها ودعمها لشخصيات دون أخرى، وتبنيها واحتضانها لمؤتمرات وشخصيات من خارج العملية السياسية أو من داخلها، كما لم يقتصر هذا الدور على تصريحات المسئولين السعوديين، ومواقف رجال الدين والفتاوى الصادرة عنهم، بل مارست دور كبير من خلال قنوات مختلفة، سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية.

كما أن احتمالات التقارب بين إيران والولايات المتحدة، تربك القيادة السعودية، التي تراجعت هيمنتها حتى على بعض الدول الصغيرة في الخليج، وهو ما دفع بصانع القرار السعودي إلى أن يعيد حساباته في تدخله بالشكل الاستباقي في المنطقة، فالعراق كما تراه الرؤية السعودية مشروع حرب أهلية، تتقاطع محوريا في صراعات إقليمية، تقف السعودية، فى كثير من الأحيان، غير قادرة على التعاطى معها بفاعلية، بسبب القيود التى يفرضها عليها تحالفها الإستراتيجى مع الولايات المتحدة، هذا التحالف الذي يعمل ككابح لحركتها في المنطقة، بل واستخدامها كما يريد فى الوقت الذي يراه، وبما يحقق الأهداف والمصالح الأميركية فى المنطقة.

وبين القدرة وعدم القدرة، تفاوتت الاستجابات السعودية للضغوط الأميركية فى التعاطى مع السياسة الأميركية تجاه العراق، وهو ما يبرز فى المواقف التالية:

أولاً: السعودية ودعم السنة:

في 30 نوفمبر 2006، نشر نواف عبيد، المستشار الأمني بالحكومة السعودية ومدير مشروع “تقييم الأمن الوطني السعودي”، مقالة بعنوان “السعودية ستحمي سُنَّة العراق”، من بين ما جاء فيها: “أنه طوال عام 2005 طالبت أصوات من السعودية(28)، بحماية السُّنّة في العراق، وطلبت شخصيات عراقية عشائرية ودينية بارزة، إلى جانب قادة مصر والأردن ودول عربية وإسلامية أخرى، من القيادة السعودية تزويد العراقيين السُّنّة بالأسلحة والدعم المالي. كما أن هناك ضغطاً داخلياً قوياً للتدخل. وتطالب العشائر السعودية الرئيسة، التي ترتبط بعلاقات تاريخية واجتماعية وطيدة مع نظيراتها في العراق، باتخاذ إجراء. وتحظى هذه العشائر بدعم جيل جديد من أعضاء العائلة المالكة السعودية، الذين يحتلون مناصب حكومية إستراتيجية ويتوقون لرؤية المملكة تلعب دوراً أكثر قوة في المنطقة”(29).

وأضاف عبيد: “لأنّ الملك عبد الله يعمل لتقليل التوتر الطائفي في العراق والإصلاح بين الشيعة والسُّنّة، ولأنه وعد الرئيس بوش بعدم التدخل في العراق، ولأنه سيكون من المستحيل التأكد من أن ميليشيات تمولها السعودية لن تهاجم القوات الأميركية، فقد تم رفض جميع هذه الطلبات، ولكن ستتم الاستجابة لها إذا بدأت القوات الأميركية انسحابها التدريجي من العراق. وبما أن السعودية هي موقع القوة الاقتصادية في الشرق الأوسط، ومكان ميلاد الإسلام، والقائد الفعلي للعالم المسلم السُّنّي، الذي يضم 85% من مسلمي العالم، فإن لديها الوسائل والمسؤولية للتدخل(30).

وأضاف: نظراً لأنه لم يكن متخيلاً أن يسحب الرئيس الأميركي، أعداداً كبيرة من الجنود الأميركيين في العراق، ولكن بما أن ذلك محتمل الآن، فإن القيادة السعودية تستعد لإجراء مراجعة جوهرية لسياستها في العراق، وذلك أمام الاعتبارات التالية، والتى تمثل دوافع للتدخل السعودى لحماية السنة:

ـ أن خطر الحرب الأهلية، على سُنّة العراق أكثر من خطرها على الشيعة، وذلك في ضوء أن الشيعة يشكلون 65% من سكان العراق، بينما تتراوح نسبة السُّنّة ما بين 15% و20% فقط، وبذلك سيعانون تطهيراً عرقياً في حال اندلاع حرب أهلية.

ـ أنه لا الحكومة ولا الشرطة العراقيتان، ستحميان السُّنّة في العراق من الميلشيات الشيعية المدعومة من إيران، خاصة أن عشرات الآلاف من رجال الميليشيات الشيعة يشغلون، حالياً، مناصب في قوات الشرطة تلك. والأسوأ أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لا يمكنه عمل شيء بهذا الخصوص، لأنه يعتمد على دعم القيادات الشيعية الأساسية في العراق.

وفى حال تم هذا التدخل، فقد طرح عبيد عدد من الخيارات التي يمكن أن تقوم عليها السياسة السعودية لدعم السنة فى العراق، ومن ذلك:

1ـ تزويد القادة العسكريين السُّنّة، وهم بشكل رئيسي أعضاء سابقون في الجيش العراقي البعثي السابق، الذي يشكل القاعدة الأساسية للتمرد، بأنواع المساعدة ذاتها، التمويل والأسلحة والدعم اللوجيستي، التي تقدمها إيران للجماعات الشيعية المسلحة منذ سنوات.

2ـ تشكيل ألوية سُنّية جديدة لمحاربة الميليشيات المدعومة من إيران.

3ـ محاصرة الدعم الإيراني للميليشيات الشيعية من خلال سياسة نفطية مضادة، فالمملكة إذا عمدت إلى رفع الإنتاج وتخفيض سعر النفط إلى النصف، تبقى قادرة على تغطية مصروفاتها، بينما إيران التي تعاني صعوبات اقتصادية حتى في ظل ارتفاع أسعار النفط، ستجعلها تلك السياسة النفطية غير قادرة على دعم الميليشيات بمئات الملايين من الدولارات سنوياً.

وخلص عبيد إلى أن هناك سبب للاعتقاد أن إدارة بوش، على الرغم من الضغوط الداخلية، ستهتم بنصيحة السعودية، وتؤكد زيارة نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، إلى الرياض (نوفمبر 2006)، لبحث الوضع في العراق، أهمية السعودية في المنطقة وأهميتها للإستراتيجية الأميركية في العراق. لكن إذا بدأ انسحاب تدريجي للقوات فسيتصاعد العنف على نحو مثير. وفي هذه الحالة، فإن البقاء في وضع المتفرج لن يكون مقبولاً للسعودية، وسيعني غض الطرف عن مذابح العراقيين السُّنّة التخلي عن المبادئ التي قامت عليها المملكة، وسيؤدي ذلك إلى تقويض مصداقية السعودية في العالم السُّنّي، وسيمثل استسلاماً لأعمال العسكرة الإيرانية في المنطقة. وإذا كان التدخل السعودي في المنطقة ينطوي على مخاطر كثيرة، فقد يؤدي إلى إشعال حرب إقليمية، فلتكن، لأن نتائج الوقوف جانباً أسوأ بكثير(31).

إلا أنه في أعقاب نشر عبيد هذه المقالة، أعلنت المملكة انه لا صحة لما جاء في مقال عبيد (32). وأكدت المملكة على أن الموقف السعودي الرسمي من الأوضاع في العراق، يشير إلى أن المملكة لا تنظر إلى العراق طائفيا، وأنها تنظر وتتعامل على أن شيعة العراق وسنته عرب، متآخون، يتجاورون في نفس المدن، يتحدثون نفس اللهجات، متصاهرون، قبائلهم العربية تجمعهم، وإن انقسم أبناء نفس القبيلة إلى سنة وشيعة(33).

وأنه إذا كان الإيرانيون يدعمون شيعة العراق وينفقون الأموال في محافظات الجنوب ويدربون المليشيات ولهم رجالهم وأحزابهم. وأن المملكة يمكن أن تفعل الأمر نفسه في الوسط العراقي مع السنة العرب وبينها وبينهم تداخل قبلي يضاف إلى البعد المذهبي، إلا أن الحكومة السعودية تري أنها لو فعلت ذلك لكانت قد وقعت فيما حذرت منه، أي تقسيم العراق. وأنها لو اختارت السنة حلفاء لها في العراق، دون غيرهم فهذا إضعاف لها ولعلاقتها بكل العراق(34).

وفى وقت لاحق أعلن السفير السعودي في الولايات المتحدة الأميركية، تركي الفيصل، (3/12/2006) أنه تم إنهاء خدمات نواف عبيد، مع الحكومة(35).

وفي تحليل لمستقبل الخيار السعودي في دعم سنة العراق، أشار تقرير صادر عن معهد السلام الأميركي، أنه فى البحث عن سبل التأثير على التطورات فى العراق، ستكون الورقة الوحيدة التى يمكن أن تستخدمها المملكة هى “العرب السنة”. وربما لا تسعى المملكة عن عمد إلى فرص للتدخل فى السياسة العراقية الداخلية، ولكن يرجح أن يمارس ضغط قوى فى دوائر المملكة النافذة لتكون راعية وحامية للعرب السنة الذين سيعتبرهم السعوديون عرضة لخطر هيمنة الشيعة.

وقد ترى المملكة فى الاتصالات بالعشائر أداة للتأثير على العرب السنة العراقيين، فشبكة العشائرية الواسعة تمتد عبر العراق والمملكة والأردن وسوريا، وقد يكون هناك احتمال كبير أن تكون روابط المصاهرة هذه سببا في تشكيل معالم التطورات عبر الحدود الإقليمية.

وأشار التقرير إلى أنه إذا كانت المملكة تسترشد بأحداث الماضى، سيكون رد فعلها هو اللجوء لرابطة الدين، وليس لرابطة النسب بوصفها الأداة الرئيسة لسياستها. وسواء ساد اعتقاد أن هدف السعودية فى العراق هو بناء نفوذ، فالوسيلة التى يمكن أن تعتمد عليها السعودية واحدة، وهي المساعدة فى بناء وتجهيز المساجد وتقديم تعليم “دينى” سنى ونشر معلومات “دينية”، إلا أن أية جهود سعودية فى هذه المجالات ستصطبغ بالمعتقدات الوهابية المتشددة؛ فليس لدى المملكة شكل آخر للعقيدة يمكنها نشره. لكن ستكون هناك العديد من الآثار الضارة الأوسع نطاقا التى يمكن أن تترتب على تلقين المذهب الوهابى، فالتعصب الشديد ضد الشيعة يمكن أن يؤثر على زعزعة الاستقرار وارتداد الأمور ضد السنة العراقيين مما يضر بأهداف المملكة في العراق”(36).

وبين الدعوات بالتدخل، ونفيها، وأمام ما يشهده الواقع الفعلى من ممارسات يمكن القول أن الولايات المتحدة الأميركية نجحت فى استخدام السعودية بنموذجها الديني، كأداة لتهدئة الأوضاع فى العراق بما يتفق والمصالح الأميركية، وهذا النجاح يأتى امتداداً لخبرات أميركية سابقة فى استخدام النموذج الإسلامى الذى تمثله المملكة العربية السعودية ضد بعض النماذج الدينية والأيديولوجية التى تتعارض مع التوجهات والمصالح الأميركية، كما حدث ضد القومية العربية في الستينيات من القرن العشرين، وضد الثورة الإسلامية الإيرانية فى السبعينيات والثمانينيات، وضد الشيوعية طوال سنوات الحرب الباردة.

فاستخدام المملكة بنموذجها الديني كأداة لخدمة الأهداف والمصالح الأميركية فى العراق، ليس جديداً ولكنه امتداد للعديد من الاستخدامات المشابهة التى شهدها تاريخ العلاقات بين الدولتين، بل إنه تم استخدامه كذلك فى حالات أخرى لحفظ التوزانات الإقليمية فى المنطقة(37).

ثانياً: السعودية والرد على اتهامها بدعم العنف فى العراق:

رداً على الاتهامات التي تعرضت لها المملكة، سواء من جانب الولايات المتحدة، أو من جانب بعض الفصائل العراقية، صدرت عدة بيانات عن علماء دين ومفكرون ودعاة سعوديين، منددين بالممارسات الأميركية في العراق، ومؤيدين للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي، معتبرين أن هذه المقاومة نوع من أنواع الجهاد ضد الغزاة المحتلين، ومن بين هذه البيانات:

1ـ بيان “معاً لصيانة كرامة الإنسان”: في الثاني من يونيو 2004، وجه علماء وقضاة ومحامون ومثقفون، أغلبهم سعوديون، بياناً للمثقفين الأميركيين، بعنوان “معاً لصيانة كرامة الإنسان”، طالبوهم فيه بالعمل سويًّا “لإزالة احتلال الحكومة الأميركية من العراق”، والتعاون على رفع الظلم الذي توقعه السياسات الأميركية بالعالم الإسلامي، وذلك رداً على الانتهاكات الأميركية التي تم الكشف عنها في سجن “أبو غريب” العراقي، وفي مدينة القائم العراقية(38).

2ـ خطاب مفتوح للشعب العراقي: في الخامس من نوفمبر 2004، وجه 26 داعية وعالماً سعودياً، خطابًا مفتوحًا للشعب العراقي أكدوا فيه على مشروعية المقاومة وتحريم التعاون مع المحتل ضد أعمال المقاومة، ودعوهم في ذات الوقت إلى حقن دماء المسلمين العراقيين وعدم استهداف رعايا الدول التي ليست طرفًا في النزاع والمتواجدين في العراق.

وأكد العلماء السعوديون في خطابهم على أن قتال المحتلين واجب على ذوي القدرة وهو من جهاد الدفع.. مؤكدين على أن المحتلين في العراق هم من “المحاربين المعتدين الذين اتفقت الشرائع على قتالهم”، وخلصوا إلى أن المقاومة حق مشروع وأنه لا يجوز لمسلم أن يلحق الضرر بأحد من رجال المقاومة أو يدل عليهم بل تجب نصرتهم وحمايتهم، وأفتوا بحرمة تقديم أي دعم أو مساندة للعمليات العسكرية من قبل جنود الاحتلال معتبرين أن ذلك “إعانة على الإثم والعدوان”.

وأكدوا على أن المحافظة على وحدة العراق أمر مطلوب وحيوى، وأن الاحتراب الداخلي سيحدث أكبر الضرر على العراقيين ويقدم “خدمة مجانية لليهود الذين يتسللون إلى العراق، ولقوى التحالف التي توظف الخلاف لترسيخ سيادتها وتسليط كل طرف على الآخر”، وألمح الخطاب إلى وجود أيادٍ خفية تحاول “إيقاد نار الفتنة وتمزيق العراق إلى طوائف وإثارة المعارك الداخلية بين الشيعة والسنة أو بين الأكراد والعرب”، ولهذا يجب أن يتواضع العراقيون جميعًا على أن من حقهم “أن يعيشوا بسلام بعضهم إلى جوار بعض”. مؤكدين على أن الأولوية في هذه المرحلة هي لترسيخ وحدة البلد والمصالحة الداخلية وتجنب أسباب الفتن والاحتراب وكف بعض الطوائف عن بعض”(39).

وتعكس هذه البيانات وغيرها، من وجهة نظر الباحث، موقفاً مغايراً تبنته المملكة فى تعاطيها مع القضية العراقية، فمع إدراك المملكة للصعوبات التى تواجهها الولايات المتحدة فى العراق، أمام تصاعد عمليات المقاومة العراقية، وكذلك تعدد التحديات الداخلية التى واجهتها إدارة بوش فى فترة ولايتها الثانية، وتراجع الضغوط التى مارستها ضد المملكة، اتجهت المملكة لاستخدام الداخل السعودى لمواجهة الداخل الأميركي من خلال البيانات والرسائل المضادة، وخاصة الصادرة عن علماء دين ومرجعيات دينية، وكان الهدف الرئيس من هذا الاستخدام هو اكتساب مزيد من الشرعية للنظام السياسي من ناحية، وتحسين الصورة الذهنية للمملكة ومواجهة الاتهامات التى تتردد بين الحين والآخر بحرصها على تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة حتى لو كان ذلك على حساب المصالح العربية والإسلامية، من ناحية ثانية.

كما أن هذه التحركات السعودية تعكس محدودية تأثير الضغوط الأميركية على المملكة فيما يتعلق بالقضية العراقية، خلال فترة الرئاسة الثانية للرئيس بوش، أمام الرغبة الأميركية فى استخدام المملكة فى ملفات أخرى أكثر أهمية خلال هذه المرحلة، من الملف العراقي، ملفات ترتبط بالتوازنات الإقليمية فى المنطقة، كالأمن الخليجي والصراع العربي ـ الإسرائيلي، والبرنامج النووى الإيراني، والأزمة اللبنانية، وغيرها.

——————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

(2) Kissinger, H., “Back to Realism”, New Perspective Quarterly, Winter, Vol. 24, issue 1, 2007, pp 43- 45.

(3) يقول كيسنجر، يتعين علينا أن نضع مسألة العراق في سياق دولي. وكنتُ من جهتي قد دعوتُ، منذ سنتين خلتا، إلى تأسيس مجموعة اتصال دولية. ومازلت أعتقد أن هذه المجموعة تمثل عنصرا من عناصر المقاربة التي ستفرض على الناس أن يحددوا أهدافهم وينظروا فيما إذا كان بالإمكان أن يتوافقوا عليها ويتوحدوا لتحقيقها. وعلى هذه المجموعة، إذا شُكِّلت يوما، أن تتضمن سوريا وإيران. بل يجب علينا أن ندعو للانضمام إليها بلدانا كالهند وباكستان، وروسيا أيضا. وهذا في حد ذاته أمر سيخلق إطارا يسمح إلى حد معين بتدويل المسألة العراقية. لن يَحُلَّ التدويلُ المشكلَ، لكنه سيساعدنا حتما في حصره وتحديده.

(4) يري كيسنجر أن احتلال ألمانيا واليابان ليسا نموذجين كما ظَنَّ بعض الناس. ففي البلدين معا بقيت الإدارة هي هي، ولم يشمل التغيير إلا نسبة 10% من قيادتها، بل لم يصل التغيير في اليابان حتى إلى هذه النسبة. ولم يكن هناك مشكل أمني، لا في ألمانيا ولا في اليابان. لهذا السبب لا يمكن الاستناد إلى ما جرى في ألمانيا واليابان وجَعْله نموذجا مثاليا للوضع في العراق.

(5) د‏.‏ مصطفي علوي، إستراتيجية البقاء الأمريكي في العراق، صحيفة الأهرام، القاهرة، عدد 2/6/2004.

(6) أوضحت رايس “إن دور السعودية لحث سنة العراق على المشاركة في الانتخابات، سيكون على رأس جدول أعمال مؤتمر المنامة”، (11 و 12 نوفمبر 2005)، لبحث المبادرة الأمريكية لإصلاح “الشرق الأوسط الكبير”، انظر: رايس ـ تصويت سنة العراق مهمة سعودية، إسلام أون لاين.نت. 11/11/2005.

(7) خالد الرشيد، العائلة المالكة عاجزة عن إدارة الدولة وعلاج مشاكلها الداخلية، مجلة شؤون سعودية، النسخة الإلكترونية، النص متاح على الرابط

(8) سيمون هندرسون “السعودية وكابوس العراق”، مصر سابق.

(9) قال نواف عبيد أمام الاجتماع السنوي لمجلس العلاقات الأمريكية ـ العربية (30 اكتوبر2007): أن إجمالي عدد السعوديين الذين قتلوا في العراق حتى أكتوبر 2006م بلغ 655 شخصا وهو أقل من الجهاديين من الجزائر (1875 قتيلا) وسوريا ( 1170 قتيلا) واليمن (1050) والسودان (920) ومصر (890) ولكنه يشكل “هاجسا للحكومة السعودية”. كما صرح وزير الخارجية سعود الفيصل (يناير 2007م) بأن “القاعدة في العراق لا تهدد فقط السعودية بل المنطقة بأسرها”. كما يهدد المملكة خطر “ولاءات بعض رجال الأمن السعوديين للمتشددين الإسلاميين” وكذا استمرارية الخطر على منشآتها النفطية من هجمات الانتحاريين المنتمين إلى القاعدة.

(10) جون برادلي، القاعدة وآل سعود: عداء أبدي أم زواج سري؟، 14/10/2005. ترجمة النص متاحة على الرابط

(11) ليندي هيلسوم، اعتدال العربية السعودية، 14/5/2006. النص متاح على الشبكة الدولية للمعلومات على الرابط

(12) جوزيف مكميلان، مصدر سابق، ص ص 4 ـ 6.

(13) أنظر: صحيفة “المصريون” الإلكترونية، عدد 18/3/2006. النص متاح على الرابط.

(14) يقول “آلان كوربا”: إن مجموعات الشبكات الإرهابية الممولة من السعودية والعاملة في الولايات المتحدة تتجمع في ولايتي فرجينيا وفلوريدا، لكن لا شيء يقال علناً عن ذلك من قبل إدارة بوش، حول الحقيقة الواضحة بأن السعوديين في حربهم المفتوحة ما زالوا يشنون جهاداً مقدسًا بالولايات المتحدة. ويضيف “إن اليوم ليس بعيدًا عندما ينتهي هذا التظاهر الكاذب بالفضيلة والدين‏ من السعوديين، وسيأتي اليوم الذي تتحرك فيه القوات العسكرية الأمريكية إلى الرياض، والمدينة، ومكة المكرمة لتضع حداً للتمرد الشامل وتشكل حكومة مؤقتة جديدة أخرى في الشرق الأوسط”. أنظر:

Alan Caruba. Sleeping With the Saudi Enemy, (San Francisco, Chron Watch, 2004).

(15) نيد باركر، الصراع في العراق: الدور السعودي في التمرد، لوس أنجلوس تايمز، عدد 17/07/2007. الترجمة على الرابط

(16) خليل زاد يتهم السعودية وغيرها من حلفاء واشنطن في المنطقة بتقويض جهود إنهاء العنف في العراق، راديو سوا، 30/7/2007

(17) محمد عبد العاطي، ما وراء الاتهامات الأمريكية للسعودية بتقويض العراق، الجزيرة نت، 31/7/2007.

(18)  Ewen MacAskill, White House warns Saudis over machinations in Iraq, Guardian Unlimited, Friday July 27, 2007. available on link

(19) إياد عبد الرزاق، السعودية حكومة وشعبا أكبر ممول للإرهاب في العراق، صحيفة الأخبار العراقية، عدد 28/4/2007. النص متاح على الرابط

(20) شهير زادي فارامارزي، رجال الدين السعوديون يوجهون المتشددين للذهاب إلى العراق، أسوشيتد برس، 3 يناير 2005م.

(21) مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي حول الحرية الدينية الدولية لعام 2007، (واشنطن: وزارة الخارجية الأمريكية، 14 سبتمبر 2007).

(22) دعوى ضد حاخام الوهابية “بن جبرين” في محكمة العدل الدولية، شبكة راصد الإخبارية 6/7/2007، الرابط

(23) جوزيف مكميلان، المملكة العربية السعودية والعراق: النفط والدين وتناحر طويل، واشنطن، معهد السلام الأمريكي، تقرير خاص، رقم 157، يناير 2006، نسخة (PDF) مترجمة للعربية متاحة على الموقع الإلكتروني للمعهد. www.usip.org، ص ص 2ـ 3.

(24) جوزيف مكميلان، مصدر سابق، ص ص 4ـ 10.

(25) استعار هندرسون لفظ “كابوس” من حديث الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في مايو 2006م عندما قال: “إن أمامنا كابوسين في علاقتنا بإيران: الأول امتلاكها للقنبلة النووية، والثاني قيام الولايات المتحدة بضربها عسكريا لمنعها من إنتاج القنبلة النووية. فإذا كان كابوس العراق أيام صدام يكمن في سياسة بغداد والتي جعلت المنطقة غير مستقرة، فإن كابوس ما بعد صدام يكمن في الفراغ السياسي وتصاعد التأثير الإيراني ـ الشيعي”. أنظر: سيمون هندرسون “السعودية وكابوس العراق”، ضمن: ديفيد بولوك وسيمون هندرسون وباري روبن وديفيد شينكر، “مع جيرة كهؤلاء: العراق والدول العربية المحاذية له”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يونيو 2007، ص ص 6 ـ 9.

(26) سيمون هندرسون “السعودية وكابوس العراق”، مصدر سابق. نسخة إلكترونية.

(27) جهاد الزين، الصراع الإيراني ـ السعودي ـ خلاصات من واشنطن، صحيفة النهار اللبنانية، عدد الأربعاء 29 نوفمبر 2006.

(28) في هذا السياق استرشد عبيد بتصريحات سفير السعودية فى الولايات المتحدة، الأمير تركي الفيصل (أكتوبر 2006): “بما أن أميركا جاءت للعراق غير مدعوة، فلا يجب أن تغادر العراق غير مدعوة. وإذا ما فعلت فإن أول النتائج ستتمثل في تدخل سعودي كبير لوقف المسلحين الشيعة المدعومين من إيران، عن ذبح العراقيين السُّنّة”.

(29) نص مقال نواف عبيد، متاح على الشبكة الدولية للمعلومات على الرابط

(30) في مقال كتبه فيليب شيرويل في صحيفة صنداي تليجراف، قال: إن إيران الشيعية والسعودية السنية، القوتين العسكريتين الرئيسيتين في الخليج، تدعم كل منهما الطائفة الموالية لها في العراق. وهذا ينذر باحتمال تفجر صراع مفتوح بينهما على أنقاض هذا البلد، في ظل توقع كلتا الدولتين لانسحاب وشيك للقوات الأميركية. فالسعوديين ربما بدأوا بالتفكير الجدي في توفير الدعم المالي واللوجستي وحتى العسكري للقادة العسكريين السنة كما تفعل إيران للمليشيات الشيعية. وهذا سيعني أن السعودية، أهم حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي، تفكر في دعم التمرد المناهض لأميركا في العراق لخشيتها من أن يترك السنة في العراق يواجهون مصيرهم سياسيا وعسكريا حسب ما تمليه الأغلبية الشيعية.

وأكد شرويل أن زيارة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني إلى الرياض (نوفمبر 2006) جاءت استجابة لطلب قدمته السعودية للرئيس الأميركي بأنها تريد أن تجري مباحثات على مستوى عال مع الولايات المتحدة. وأن المملكة أخبرت تشيني أن إيران تحاول تحويل نفسها إلى القوة المهيمنة في المنطقة عن طريق تعزيز نفوذها في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية. وإن المخاوف السعودية تفاقمت بعد ما تبين أن مسئولين في الاستخبارات الأميركية حثوا إدارة بوش على التخلي عن المحاولات اليائسة للوصول إلى حل وسط مع المقاتلين السنة، وأن تطبق بدلا من ذلك سياسة “الحل بنسبة 80%” أي إقصاء السنة الذي يمثلون 20% من سكان العراق البالغ عددهم 26 مليونا .أنظر: فيليب شرويل، السعودية وإيران تستعدان لخوض معركة فوق جثة العراق، صحيفة صنداي تلجراف، ترجمة النص متاحة على الرابط

(31) نواف عبيد، السعودية ستحمي سُنَّة العراق، واشنطن بوست، عدد 30/11/2006، الترجمة العربية على الرابط

(32) نشرت وكالة الأنباء السعودية بيانا (1/12/2006) نسبته إلى “مصدر مسؤول” رفض أفكار عبيد. وقال البيان “ما نشرته جريدة واشنطن بوست الاميريكية … منسوبا للكاتب نواف عبيد ليس له أساس من الصحة … كما أن الكاتب لا يمثل أي جهة رسمية في المملكة العربية السعودية وأن ما نشره لا يمثل سوى وجهة نظره الشخصية ولا يعبر بأي حال من الأحوال عن سياسة ومواقف المملكة التي تؤكد دائما على دعم أمن ووحدة واستقرار العراق بجميع طوائفه ومذاهبه”. أنظر: السعودية تطرد عبيد من منصبه بعد مقاله عن سنة العراق، موقع إيلاف الأربعاء 6 ديسمبر 2006، النص متاح على الرابط

(33) أعلن الأمير سعود الفيصل، أن السياسة الأمريكية الحالية في العراق ستؤدي إلى تقسيمه طائفيا، بل وتسليمه إلى إيران، وعندما سئل عما إذا كانت المملكة ستقوم بأي مبادرة أو مساعدة للمسلمين السنة في العراق، رد قائلا “لا، نحن لن نتعامل مع السنة في العراق، نحن نتعامل ونتعاون مع كل العراقيين”.

(34) جمال خاشقجي، لماذا يمد السعودي ذراعيه لكل عرب العراق، النص متاح على الرابط

(35) سلطان القحطاني، نظرة إلى الداخل في حياة نواف عبيد بعد الزوبعة، موقع إيلاف، 5/12/2006، النص متاح على الرابط

(36) جوزيف مكميلان، مصدر سابق، ص 10.

(37) سيكون هذا محور المبحث التالي

(38) موقع الإسلام اليوم، 3/6/2004. نص البيان وأسماء الموقعين عليه متاح على الرابط

(39) 26 عالما سعوديا، المقاومة في العراق جهاد، وحدة الاستماع والمتابعة، إسلام أون لاين.نت، 6/11/2004.

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close