fbpx
قلم وميدان

حصار قطر: ما زال الخطر قائماً !!

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد:

أكد الدكتور عصام عبد الشافي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة صقاريا التركية، ومدير المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية في مدينة اسطنبول التركية، أن دول الحصار لا تتمتع باستقلالية في صنع سياساتها الخارجية، ولها أهداف تخريبية وانتقامية تسعى إلى تحقيقها.

وكشف في حواره مع صحيفة “الشرق” القطرية عن أن الوجود التركي في قطر خلط أوراق دول الحصار وأفشل مؤامراتهم، وأربك المشهد وضرب كل حسابات المحاصرين، التي خططت منذ اليوم الأول للحصار أنه سيكون لبضعة أيام ثم يكون الغزو العسكري.

واعتبر أن التماسك الداخلي والترابط القوي بين القيادة والشعب، وتلاحم الشعب خلف قيادته، وثقته الكبيرة في إدارتها للأزمة، وعدالة القضية القطرية والموقف القطري في مواجهة دول الحصار أسهمت في إفشال مخطط دول الحصار.

وتوقع أن تصعد دول الحصار الحملة على قطر من خلال بعض الإجراءات، لكنه في المقابل ذكر بعض الآليات التي يمكن لقطر أن تتخذها لمواجهة هذا التصعيد.

وإلى نص الحوار..

س: كيف تقرأ اجتماع وزراء خارجية دول الحصار؟

ابتداء لابد من التأكيد على أن هذه الدول لا تتمتع باستقلالية في صنع سياساتها الخارجية، نعم لها أهداف تخريبية وانتقامية تسعى إلى تحقيقها، نعم توجد نظم سياسية تسلطية تسعى للحفاظ على البقاء مهما كان حجم التداعيات التي يترتب على عملياتها وممارساتها، وبالتالي فما حدث في المؤتمر هو تكريس لحالة التبعية التي تعاني منها هذه الدول، حيث كانت تمني نفسها ببيانات نارية وتصريحات انتقامية وإجراءات تصعيدية عقابية، ولكن ما إن جاءت أوامر ترامب حتى ارتبك الممثلون الذين يؤدون أدوارهم في المسرحية، وعجزوا عن إيجاد التفسيرات والعبارات التي تعبر عما أصابهم من يأس وإحباط، وخاصة بعدما تأجل مؤتمرهم عدة ساعات، للتفكير فيما يحفظ لهم ماء وجوههم.

س : إلى أي مدى يتسق اعلانهم مع مطالبهم السابقة؟

الاعلان لا يتسق من قريب أو بعيد مع المطالب الثلاثة عشرة التي طالبت بها دول الحصار، وخاصة أنه بعد تقديم هذه القائمة من المطالب، تعددت التصريحات على لسان عدد من وزراء خارجية هذه الدول، بالتهديد والوعيد، والتأكيد على أنه لا مجال للحوار أو التفاوض حول هذه المطالب، وأنها وضعت لتقبل دون شروط من الجانب القطري، بل إن بعض المسئولين في هذه الدول ربط بين تاريخ انتهاء مهلة العشرة أيام الأولي، قبل أن يتم تمديدها ليومين آخرين، وسقوط نظام الحكم في قطر، بل وتطرف بعض المحسوبين عليهم وقال إنه سيحدث للقطريين ما حدث للمصريين في ميدان رابعة العدوية في 14 أغسطس 2013، بعد الانقلاب العسكري في مصر في 3 يوليو 2013.

س: هل تعتقد أن تقدم دول الحصار على رفعه قريبا؟

لا أعتقد ذلك، بل أعتقد أنه سيتم القيام بعدد من الإجراءات التصعيدية عبر العديد من هناك عدة مسارات ستتحرك فيها دول الحصار ضد قطر خلال المرحلة القادمة، وهو ما يجب التفكير فيه بجدية والعمل على بناء آليات فاعلة للمواجهة:

1ـ تجميد عضوية قطر، أو طردها من مجلس التعاون الخليجي، ثم من جامعة الدول العربية.

2ـ العمل على استهداف الأرصدة القطرية في الخارج، وتجميدها في الدول التي ستقبل بذلك، وكذلك سحب الأرصدة التي لهذه الدول في قطر، للنيل ممن اقتصادها، وتهديد استقرارها المالي والمجتمعي.

3ـ توسيع الحصار الاقتصادي من خلال ممارسة العديد من الضغوط على الدول الداعمة لقطر لوقف امدادها باحتياجاتها الأساسية، وتخيير هذه الدول بين الاستثمارات والأرصدة السعودية والإماراتية، وبين الاستثمارات والأرصدة القطرية.

4ـ استهداف قطر في المحافل الدولية والمنظمات الدولية، بدعوى دعم الإرهاب، ومحاولة استصدار أى قرار من أية منظمة لإدانة قطر، والبناء عليه، في ممارسة المزيد من الضغوط.

5ـ الحملات الإعلامية الممنهجة ضد قطر ومؤسساتها ورموزها، ليس فقط عبر المؤسسات الإعلامية، المتعارف عليها، التقليدية والحديثة، ولكن أيضاً عبر المنابر الدينية كالمساجد والعلماء والشيوخ المحسوبين على دول الحصار، لخلق مزيد من البلبلة وعدم وضوح الرؤية بين الشعوب، التي تغلب عليها العاطفة الدينية، ويمكن أن يتأثر العوام منها بمثل هذا الخطاب العدائي، والخطب والفتاوى الدينية، مع رهان حكومة الرياض على مكانة بلاد الحرمين الدينية.

6ـ التحرك الجاد، وفق خطة واضحة للانقلاب الداخلي في قطر، ولو بعد حين، وذلك من خلال العمل على تأليب بعض المكونات الاجتماعية والقبلية، سواء داخل قطر، أو تلك التي لها امتدادات خارجها، سواء تم هذا التنسيق فعلياً، أو تم الترويج لها بالباطل إعلامياً.

7ـ العمل العسكري ليس مستبعداً، وسيكون الرهان على عسكر السيسي كأداة لموازنة الوجود التركي في قطر، من خلال نشر عسكر السيسي في الإمارات أو البحرين، وخاصة بعد أن خلط الوجود التركي في البحرين أوراق دول الحصار وأربك لهم مخططاتهم، وأفسد مؤامراتهم ضد النظام والشعب القطري.

وفي إطار هذه المسارات، يجب مراعاة عدد من الاعتبارات الأساسية:

1ـ أنه لا يجب الرهان من جانب قطر ومن يقف بجوارها على القانون الدولي والمنظمات الدولية إلا لتوثيق جرائم المحاصرين فقط، وليس كأدوات لحفظ الحقوق القطرية أو وقف الممارسات الإجرامية ضدها، فالاعتبارات السياسية حاكمة.

2ـ الدور الأميركي حاسم وفاعل في المؤامرة ضد قطر، وما كان كل ما حدث ليتم لولا توافق أمريكي أو ضوء أخضر أمريكي، كما حدث في الغزو العراقي للكويت 1990.

3ـ أن استهداف قطر، بجانب النيل منها وتدمير قدراتها الذاتية، تم لتمرير عدد من الملفات، كالانقلاب الداخلي في بلاد الحرمين، على حساب الأمير محمد بن نايف، وتمرري صفقة بيع جزيرتي تيران وصنافير المصريتين إلى الكيان الصهيوني عبر النظام السعودي، وتمرير ضرب غزة، والتطبيع العلني مع الصهاينة من جانب دول الحصار التى تدير هذه العلاقات بشكل غير معلن، وتمكين حفتر في ليبيا.

س: اعتبر البعض أن الإعلان تراجع واضح من قبل دول الحصار. .ما أسباب هذا التراجع؟

لا أعتقد أن هناك تراجع، ولكن وجهة نظري، أن هناك أوامر أو توجيهات صدرت من الراعي الرسمي لدول الحصار، وأن الأمر لا يعدو، عدم الإثارة الإعلامية من جانب هؤلاء المسؤولين، مع الاستمرار في العمل دون ضجيج، مع ترك الإثارة لوسائل الإعلام التابعة لهذه الدول، أو التي تحركها أو تمولها في الداخل والخارج. بدليل تحرك هذه الدول عبر مسارات مختلفة في إطار تشديد الحصار على قطر.

س: كيف تنظر لمستقبل دول الحصار؟

دول الحصار تعاني تحديات كبيرة، رغم ما تمتلكه من إمكانيات وقدرات مالية وبشرية وعسكرية كبيرة، ليس فقط على مستوى استقرار النظم السياسية فيها، ولكن على مستوى الوجود والبقاء والاستمرار أيضاً، وهو ما يبرز في عدد من المؤشرات، من بينها:

1ـ بالنسبة للسلطة الحاكمة في القاهرة:

الوضع غير مستقر على مختلف المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهو ما يبرز في الجوانب التالية:

  • أمنياً: تدهور الأوضاع في شبه جزيرة سيناء، وتفاقم الخسائر التي يتعرض لها النظام فيها، بجانب العمليات الفردية التي تحدث بين الحين والآخر في مختلف مناطق الجمهورية، وكان أبرزها، من حيث الأضرار، استهداف الكنائس والمسيحيين في القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنيا.
  • سياسياً: عدم استقرار النظام حتى الآن، رغم مرور 4 سنوات على انقلاب يوليو 2013، وعدم قدرته حتى الآن على ترسيخ شرعيته، في ظل وجود رئيس شرعي مختطف، وفي ظل وجود عشرات الآلاف من المعتقلين والمطاردين، مع إفراطه في استخدام القمع والقهر ضد كل من يخالفه، وكذلك تصاعد دعوات الاتهامات بالخيانة لأركان هذا بعد تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين في المدخل الجنوبي الشرقي لشبه جزيرة سيناء.
  • اقتصادياً: تدهور الأوضاع الاقتصادية على مختلف المستويات، سواء من حيث ارتفاعات الأسعار المتتالية، وارتفاع حجم الديون الداخلية والخارجية، وانهيار سعر العملة المصرية أمام العملات الأجنبية، رغم عشرات المليارات من الدولارات التي حصل عليها نظام الانقلاب منذ يوليو 2013 وحتى الآن، سواء في شكل قروض أو منح أو مساعدات، مادية أو عينية، مباشرة أو غير مباشرة، علنية أو كشفت عنها التسريبات الإعلامية.

 

2ـ بالنسبة للسلطة الحاكمة في الرياض:

الوضع غير مستقر كذلك على مختلف المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهو ما يبرز في الجوانب التالية:

  • الانقلاب الداخلي الذي تعرضت له هذه السلطة عبر سلسلة الأوامر التي صدرت في يونيو الماضي وأطاحت بولي العهد الأمير محمد بن نايف لصالح محمد بن سلمان، وتعدد التقارير الإعلامية التي تشير لوضع ابن نايف قيد الإقامة الجبرية.
  • التورط في المستنقع اليمني منذ مارس 2015، وحتى الآن وعدم القدرة على الحسم، وخسارة عشرات المليارات من الدولارات في هذه العمليات، ومئات الجنود كذلك، بجانب تهجير سكان عشرات القرى الحدودية مع اليمن جراء تصاعد العمليات القتالية واستهداف الصواريخ الحوثية لهذه المناطق.
  • الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يتعرض لها النظام، جراء انهيار أسعار النفط، المصدر الرئيس للدخل من ناحية، ونفقات حرب اليمن، والمساعدات المادية والعينية للانقلاب في مصر، وتمويل بعض الجماعات في سوريا، ثم الجزية الضخمة التي تجاوزت 460 مليار دولار، في شكل صفقات واستثمارات، حصل عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب سواء خلال زيارة محمد بن سلمان للولايات المتحدة، أو خلال زيارة ترامب للرياض، واتجاه سلطة الرياض في المقابل بفرض المزيد من الضرائب والرسوم على المواطنين والمقيمين وعلى تأشيرات الحج والعمرة.
  • عدم الاستقرار الأمني والتوترات في المنطقة الشرقية من بلاد الحرمين، ذات الأغلبية الشيعية، والأحاديث المتواترة عن دور إيراني، وخاصة مع وجود ما يشبه الحصار الإيراني للنظام الحاكم في الرياض، مع تنامي نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

 

3ـ بالنسبة للسلطة الحاكمة في أبو ظبي:

الوضع غير مستقر فيها أيضاً على مختلف المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهو ما يبرز في الجوانب التالية:

  • التغييب السياسي لأمير البلاد، خليفة بن زايد، بدعوى مرضه، ولكن الوقائع تؤكد انقلاب داخلي من جانب محمد بن زايد على خليفة.
  • التوتر السياسي بين الإمارات وبعضها البعض، في ظل خلفيات تاريخية دامية، شهدت العديد من عمليات القتل والاغتيال والخيانة بين أبناء الأسر الحاكمة وبعضها البعض.
  • القضايا والتحديات الداخلية مثل غسيل الأموال وتجارة المخدرات، والاختلالات المجتمعية، والاتهامات بتمويل الإرهاب والتي تطال سلطة أبو ظبي.
  • تورط أبو ظبي في اليمن وليبيا، وإهدار عشرات المليارات من أموال الشعب في مغامرات خارجية لا علاقة لها بها، وكذلك إنفاق عشرات المليارات لدعم النظام الإنقلابي في مصر، بل والتورط في الصومال وإرتريا وأفغانستان وسوريا، ودعم الانقلاب ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في يوليو 2016، ودعم الكيانات الانفصالية الكردية في سوريا والعراق، وغيرها من ملفات على حساب الشعب ومقدراته.

س: برأيك ما الأوراق التي تملكها قطر واستطاعت بها الصمود؟

هناك مجموعة من العوامل الأساسية التي ساهمت وبقوة في الصمود القطري خلال المرحلة الماضية من الأزمة، في مقدمتها:

  • التماسك الداخلي والترابط القوي بين القيادة والشعب، وتلاحم الشعب خلف قيادته، وثقته الكبيرة في إدارتها للأزمة.
  • عدالة القضية القطرية والموقف القطري في مواجهة دول الحصار، وتجبرها وتطاولها، ومحاولتها إملاء شروط ومطالب تتعارض وكل مبادئ القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار، بل ومع كل نظم وقوانين مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ تأسيسه في 1981.
  • الدعم الشعبي الإقليمي والدولي للموقف القطري، والذي يرتبط بعدالة القضية أولاً، وبكفاءة وفاعلية مصادر القوة الناعمة القطرية التي نجحت قطر في ترسيخها وتعزيزها خلال العشرين عاماً الماضية، ومن صورها الشبكات الإعلامية القوية، والمراكز البحثية الفاعلة، والعمل الخيري الواسع، والارتباط القطري بإرادات الشعوب في مرحلة ما بعد الثورات العربية 2011، خلافاً لدول الحصار التي قمعت هذه الإرادات وحاربت الثورات، ودعمت الاستبداد والتسلط والانقلابات.
  • الدور التركي القوى والمؤثر والذي أربك المشهد وضرب كل حسابات دول الحصار، التي خططت منذ اليوم الأول للحصار أنه سيكون لبضعة أيام ثم يكون الغزو العسكري، وهو ما أفشله الموقف التركي الداعم للقضية القطرية، في ظل إدراك تركي حقيقي أن الاستهداف ليس مقصودا به فقط قطر، ولكن أيضاً تركيا وتجربتها ونموذجها التنموي ونظامها السياسي.

س : هل قطر قبل الأزمة تختلف عن قطر ما بعد الأزمة؟

يقيناً ستختلف قطر بعد الأزمة، فالوضع الذي فرضه الحصار والممارسات التي تمت خلاله على المستويات الاجتماعية والانسانية والاقتصادية والسياسية خلقت جرحا سيبقي غائراً في صدور وعقول الكثيرين، كما حدث مع تداعيات الغزو العراقي لدولة الكويت في أغسطس 1990.

س : برأيك هل صمود قطر سيؤثر بالإيجاب على مسار الربيع العربي؟

نعم بكل تأكيد، فدولة قطر كانت من أهم داعمي هذا المسار، ووقفت بقوة خلف إرادة شعوب دول الثورات، وصمودها في هذه الأزمة، ونجاحها في الخروج منها سيشكل ورقة قوة كبيرة لشعوب هذه الدول، وهو ما تدركه دول الحصار جيداً لذلك يجب التحسب لخطوات هذه الدول القادمة، كما يجب على شعوب دول الثورات أن تقوم بدورها في استعادة المسار الثوري، حفظاً لحريتها وكرامتها وثرواتها وأوطانها أولاً، وردا لجميل دولة قطر ثانياً، والحيلولة لمخططات النظم الحاكمة في دول الحصار القائمة على تفكيك وتدمير شعوب ودول المنطقة (1).

————————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close