fbpx
دراساتالخليجخرائط قوى

خريطة القوى الداخلية في المملكة العربية السعودية

عناصر قوة الدولة والتوظيف الاستراتيجي لها

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

الجزء الأول

عناصر قوة الدولة والتوظيف الاستراتيجي لها

مدخل:

تتميز المملكة العربيَّة السعوديَّة بمساحة جغرافيَّة وتنوع سكاني، مما أوجد العديد من الخصائص الثقافيَّة التي تظلها القيم والمبادئ الإسلاميَّة السمحة، التي تشكل الهويَّة الثقافيَّة للمملكة وشخصيتها المميزة.

ولقد صاحب مسيرة التنمية في المملكة العربيَّة السعوديَّة وظهور النفط وما استلزمه ذلك من استقدام العمالة المختلفة من جميع دول العالم، على اختلاف لغاتهم وأديانهم وطباعهم، وانفتاح المملكة على دول العالم، وتطور التقنيات الاتصاليَّة، ما يدعو إلى المحافظة على الهويَّة الثقافيَّة وتنقيتها من الشوائب الدخيلة عليها والعمل على إبرازها وإظهار أثر الإسلام في تطور المجتمع في الجزيرة العربيَّة وبيان العمق التاريخي لهذه الثقافة وتميزها.

وفي ظل التطور الثقافي، وتنوع وتقدم وسائل الاتصال، وفي ظل الزخم الحضاري للمملكة منذ القدم وما تم اكتسابه من منجزات ثقافيَّة في التاريخ الحديث استدعي أن تكون زاوية النظر إلى قضيَّة الثقافة قادرة على استيعاب الحقائق التاليَّة:

1. أن ثقافة المملكة العربيَّة السعوديَّة جزء لا يتجزأ من الحضارة الإسلاميَّة دينًا وأخلاقًا، مثلما هي جزء لا يتجزأ من الحضارة العربيَّة لغة وتاريخ وتراثًا أدبيًّا، وأن هذا الاتصال قائم أبدا بحكم المصير، مثلما كان بحكم التاريخ، وعمق التراث.

2. في ظل ما أصبح يدفع هذا الفيض من تقدم تقنيات الاتصال، وشبكات الأقمار الصناعيَّة وتدفق المعلومات في فضاء واحد للأرض، ومن تحول العالم إلى قرية صغيرة، أصبح أيضًا الاتصال بالثقافات الأجنبيَّة في عمقها الحضاري فكرًا وأدبًا وفنًا، ضرورة أساسيَّة ليس لرفد ثقافتنا العربيَّة بما يثريها فحسب، وإنما لترشيد هذا الاتصال بالعالم الخارجي في مداه الأعم.

ويرتبط الجانب الاجتماعي والثقافي لتطور المملكة ببعض الجوانب الاقتصاديَّة القائمة؛ حيث كان للتغير الاقتصادي وظهور النفط، تأثير في حياة الناس؛ حيث انتقل مئات الألوف من البوادي والقرى للعمل في المدن في والوظائف الحكوميَّة المختلفة وفي المؤسسات الخاصة، وفي الصناعة والتجارة بعد أن كانت حياة الرعي والزراعة هي السائدة، وانعكس ذلك على حياة الأسرة السعوديَّة.

ويمكن إبراز أهم التغيرات المجتمعيَّة التي جرت في المملكة في العقود الماضية في:

1. أدى التطور العلمي والتقدم التقني وما يتم محليًّا وعالميًّا من اختراعات واكتشافات، إلى تغير في حياة المجتمع السعودي في جوانب عدة، أهمها الجانب الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

2. أثرت العلاقات الدولية ومصالح الدول المختلفة على المجتمع السعودي نتيجة لوضعه الاقتصادي وما وهبه الله من خيرات في أرضه.

3. النضج الاجتماعي والوعي الثقافي والسياسي، كنتاج لتطور وسائل الاتصال وتطور التقنيَّة وانتشار العلم والتعلم وارتفاع النضج الاجتماعي والوعي بالكثير من القضايا الثقافيَّة والسياسيَّة.

4. تغير أسلوب استخدام ثروات البلاد، بعد أن كان يعتمد على تصدير البترول الخام وتأثره بالتقلبات العالميَّة والسياسيَّة، تم الاتجاه إلى الصناعات البتروكيميائيَّة والتي أحدثت تغير بإنشاء مدن صناعيَّة ونمو اتجاهات للتدريب المهني والتقني.

5. تعقد مجالات الحياة وتنوع وتشعب الأدوار التي يقوم بها الأفراد في حياتهم الأسريَّة والمجتمعيَّة حيث تغيرت الأدوار لنمو الوظائف الحكوميَّة والخاصة وانشغال بعض الآباء والأمهات بهذه الوظائف.

6. تسبب ارتفاع المستوى الاقتصادي لكثير من الأفراد إلى كثرة أسفارهم واحتكاكهم بالمجتمعات الأخرى مما قد يؤثر في سلوكه وأسلوب حياته.

ويمكن إجمال القول بأن هنالك الكثير من التغيرات المجتمعية مثل الاتجاه نحو العلم والتزايد السكاني، بالإضافة إلى مشكلات البيئة والصحة والتغير التقني والسياسي والاجتماعي في بعض العادات والتقاليد، وفي أسلوب الحياة، وأساليب التفكير.

كما أنه بطبيعة الحال الصحوة الإسلامية في جميع مجالات الحياة، والتطور الإعلامي، والاتجاه إلى ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، والتطور في الأساليب والنظم التربويَّة، كل هذه التغيرات وغيرها تستلزم المواكبة من النظام الحاكم حتى يتم السيطرة على اتجاهاتها حتى تسير في طريق إيجابي وليس سلبيًّا في صالح المملكة وليس ضدها.

وفي هذا الإطار، فإن هناك العديد من المحددات السياسية التي حكمت تطور المجتمع السعودي وصيرورات الدولة خلال العقود الماضية، ومن بين أهمها ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح “الإصلاح الدستوري”، والذي أدخله الملك فهد بن عبد العزيز على المنظومة الحاكمة للمملكة، في العام 1992.

في هذا الإطار، تأتي أهمية تناول العوامل المؤثرة على عملية صناعة القرار، وعلى منظومة السياسة والحكم في المملكة العربية السعودية، مع التركيز على كيفية توظيف ذلك في عملية صناعة الرأي العام والسياسة الخارجية للمملكة وخاصة ما يرتبط منها بالسياسة الخارجية السعودية تجاه التحولات السياسية التي شهدتها مصر منذ ثورة 25 يناير 2015 وحتى الآن. وفي إطار هذه العوامل يمكن التمييز بين مجموعتين أساسيتين، الأولي الثوابت والثانية المتغيرات، وذلك على النحو التالي:

المجموعة الأولي: الثوابت الحاكمة للسياسة السعودية:

1. الجانب الديني:

تتسم أيدولوجية المجتمع السعودي بخصوصية فكرية تنبع منه بذاته وتراثه وفكره التراكمي عبر الأجيال المتتابعة، ومن أبرز ما يميز المجتمع السعودي هو أن الإطار العام الجامع الذي يغطي كافة مجالات الحياة في المجتمع السعودي هو الإطار المحافظ الذي يستمد هويته من الدين. ويعني لفظ مجتمع محافظ أي أن الجانب الديني يأخذ الحيز الأكبر؛ حيث هو واجهة المجتمع، وهو الأمر الذي يشكل محل فخر لأفراد المجتمع السعودي، كون مجتمعهم محافظ يتخذ من الإسلام منهجًا ودستورًا، كما يوجد محكمات تعمل على تشكيل الإطار العام للنسق الاجتماعي السعودي، كتلك المتعلقة بـ”الفكر القبلي”، بحيث تحكم العادات القبلية على الفكر الديني ولو بظهور خجول.

2. الجانب السياسي:

بدأت أغلب الشرائح المجتمعية السعودي في الاهتمام بالجانب السياسي؛ خلال الفترة الماضية استجابة للعديد من الأمور، من بينها الانفتاح الكبير الذي قاده خادم الحرمَيْن الشريفَيْن الملك سلمان،

والتطورات الكبيرة الحاصلة في المجالات الإعلامية والوسائط الثقافية والمجتمعية بشكل عام.

وكان لأحداث بعينها، مثل جلسات الحوار الوطني السنوي، وربيع الثورات العربية، دور كبير في إعادة توجيه اهتمام المجتمع السعودي للنواحي السياسية، المحلية والخارجية على حد سواء.

3. الجانب الاقتصادي:

يعتبر تأثيره على أيديولوجية المجتمع السعودي ليس بذلك التأثير القوي داخليا، نظرًا لتقارب المستوى الاقتصادي بين أفراد المجتمع السعودي، وأيضًا أضف إلى ذلك أن المملكة العربية السعودية ليست دولة رأسمالية، إلا أن الأمر يختلف على المستوى الخارجي، فما يميز المواطن السعودي أو يلفت النظر عليه أكثر من غيره بحكم قوة السعودية الاقتصادية ومكانتها كدولة بترولية غنية، فذلك شكل نظرة للعالم بأن كل مواطن سعودي غني.

4. الجانب “الرياضي”:

بالنظر إليه كأحد المؤثرات في هوية المجتمع السعودي؛ حيث نجد أن تأثير الأندية الرياضية ومشجعيها على المجتمع تأثيرًا واضحًا للعيان، وقابل للتطور مستقبلاً، فبإلقاء نظرة عامة على واقع الشباب السعودي المهتمين بالرياضة وتواجدهم في عدة أماكن كمنتديات الأندية السعودية بشكل خاص ومنتديات الرياضة بشكل عام؛ فتجد روحًا تعصبية قوية ونظرات متفاوتة بين فئة وأخرى، وقد تزيد على حدود المعقول.

5. الجانب الاجتماعي:

شغلت العديد من الممارسات والعادات الاجتماعية “الممنوعة” فكر المجتمع السعودي؛ بل وصلت لحالة ترقب لدى العالم؛ ليروا ما سوف تذهب إليه تلك المطالبات، كتلك المتعلقة بقيادة المرأة للسيارة ودخولها للوزارات وشغلها للمناصب القيادية في الدولة، وهذه هي ربما النقطة الأكثر ارتباطًا بالحديث عن الفكرة الليبرالية في المجتمع السعودي.

وفيما يخص مسألة قيادة المرأة للسيارة، ستجد، وعلى الرغم من حالة القلق التي تسببها مثل تلك المسألة؛ إلا أن الواقع يعكس البعد الحقيقي للقضية، ففي الوقت الذي تطالب فيه قلة بالسماح للمرأة السعودية بقيادة سيارتها؛ يظهر رأي الأغلبية من المجتمع ودوره في تسيير أو إيقاف هذه المطالبة، لذا فإن الأمر في الحقيقة مسلم في النهاية إلى مسألة القبول المجتمعي.

ومن الأمور الأخرى التي تتخذ حيزًا داخل العقل الاجتماعي السعودي، هو دخول المرأة و قيادتها لزمام أقسام ووزارات كان يستحيل عليها دخولها، ولكن الأمر قد بات مسلمًا به، وهذا مما لا شك فيه سيعطي دافعًا لثقافة قد تكون بدأت بالتغيير أو ستبدأ به.

6. الجانب الثقافي:

إذا ما أردنا أن نتحدث عن تأثير الثقافة في المجتمع السعودي؛ هنا سنجدها تتمحور حول القراءة والبحث عن المعلومة سواء بالتكنولوجيا الحديثة أو بالطرق التقليدية، إلا أن هناك الكثير من القصور في هذا الجانب تسعى الدولة لمعالجته من خلال التعليم وتحسين مستوى الممارسة الثقافية داخل المجتمع من خلال وسائل دعم مثل المكتبات العامة.

7. المؤسسة الدينية:

أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن المؤسسة الدينية  في المملكة، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي هيئة دينية تمارس ما نص عليه الشرع من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تواجه العديد من الانتقادات في السنوات الأخيرة.

ولكن هذا لم يتقبله فئة من المجتمع السعودي وهي قليلة جدًّا ممن كونت لديهم صورة عن هذه الهيئة وممارساتها، وهذه الصورة تكونت إما بموقفٍ ما قد تعرض له هذا الفرد المعارض لدور الهيئة أو مما قد انساق وراء ما قرأ وسمع عن هذه الهيئة الدينية. كما يؤكد الواقع على إسهامات الهيئة الفعالة في تشكيل ثقافة المجتمع السعودي المحافظ، وحمايتها، وهو الدور الذي قد جنى ثمار عدة وحسن صور كثيرة منها الديني والأخلاقي، مع الأخذ في العلم بأن هذه الهيئة كأي جهاز بالدولة مُعرض للخطأ مثل ما يتعرض له أي جهاز آخر ولكن التركيز على ممارساته قد أوقعت البعض في حرج من ذلك.

8ـ الجوانب النفسية والعقلية:

لا تكتمل عملية رصد طبيعة مجتمع ما؛ إلا بالنظر إلى محتواه النفسي والعقلي، وعند محاولة رصد الجوانب النفسية للمجتمع السعودي؛ سنجد أنه يتصف بأنه مجتمع من نوع فريد في طبيعته النفسية التي تتكون من مزيج سياسي ديني قبلي تناسقت فيه أمور لا تتناسق عادة، وتعايشت فيه اختلافات من الغريب أن تتوافق من دون وجود صدام أو جدال كبير.

إضافة إلى ذلك فإن طبيعة الشعب السعودي هي طبيعة شعوب القارات التي تعدد فيها أنماط الناس وتتباين بدرجة كبيرة، ومن الطبيعي أنه لن يتحقق التوافق المطلوب بين الفئات السعودية المختلفة إلا إذا حرصت على الدوام على بناء مجتمع ذي قيم رفيعة واضحة متفق عليها أو على أكثرها، التي تعضد بدورها التعايش بين أفراد المجتمع، وتؤدي إلى نشأة وطن قوي يشعر الفرد بحاجة الانتماء إليه.

ومما يساعد على بناء ذلك الفكر المتوافق هو تبصير الفرد السعودي وإعادة تشكيل تصوره لوطنه من الفكر الوطني التقليدي إلى الفكر القاري، لأنه ينتمي إلى بلد قد تعدى بتنوع شعبه من طبيعة الوطن المعتاد إلى طبيعة القارة التي تتألف عادة من شعوب مختلفة بدرجة كبيرة يمكن لبعضها أن تكون دولاً وأوطانًا.

لكن عددًا من العوامل أدت إلى توحيد هذه المجموعات التي تعيش على أرض شبه الجزيرة العربية في بلد واحد لكنه ذو طبيعة قارية؛ فلزم أن يدرك السعوديون تلك الطبيعة التي تستلزم منهم إعادة تعريف علاقة الفرد بالآخر داخل مجتمعهم وخارجه، وكذلك الحقوق والواجبات أخذين في الاعتبار طبيعة بلدهم القارية ثم متغيرات العصر المتسارعة.

ولعل السبب النفسي في عدم جود التصادم الجلي بين الفئات السعودية المتناقضة، هو أن الفرد السعودي يعيش عادة بحالة من الرضا والاكتفاء داخل مجموعته الصغيرة ضمن مجموعة الوطن الكبيرة، وإذا اضطر للتعامل مع الأجنبي أو حتى مع الغريب عن مجموعته الصغيرة من بني وطنه؛ فإنه يتعامل معه حسب حاجته إليه ثم يعود إلى مجموعته تلك.

ولقد زاحمت هذه المتغيرات الاجتماعية المتسارعة عقل المتلقي السعودي الذي تربى في أصله بتشكيلة معينة لم تهيؤه للتعامل مع المتغيرات الخارجية، وإنما أعدته للتوافق مع المتغيرات الداخلية.

إن الاضطراب المعاصر في فكر بعض الشباب السعودي، ليس فقط نتاجًا لظروف اجتماعية سيئة كالبطالة، وذلك لأن هذه الظروف لم تصل إلى الحد الشديد كما هو في بعض البلدان العربية، ولم تستمر مدة كافية لتفجر مثل ذلك السلوك المتطرف؛ وإنما هي نتاج لاستعداد قد تشكل عندهم بسبب الأسلوب التربوي الاجتماعي الذي نشأوا عليه، وشعور عام بالإحباط لأحوال المسلمين الذي تم استغلاله بذكاء من قبل الجماعات المتطرفة.

إن المجتمع السعودي بطبعه مجتمع متدين، والمتأمل بعمق في شخصية المتدين وغير المتدين السعودي يجد التشابه الكبير الحاصل عند غير المتدين مقابل الانضباط الزائد أحيانًا عند بعض المتدينين إلا اختلاف سلوكي طفيف، أما البنية الشخصية فهي متقاربة،؛ لأنها نتاج ذات التربية الاجتماعية التي تجاوزت واستوعبت واحتوت وشكلت طريقة التربية الدينية في محيطها؛ لأن التربية الاجتماعية كانت الأقوى والأكثر تجذرًا وعمقًا في سلبياتها وإيجابياتها.

ومن الملاحظ أيضًا أن المتدين السعودي يفضل الانتماء إلى الأمة الإسلامية أكثر من الانتماء إلى وطنه، رغم أن الانتماءين لا يتعارضان، مثله في ذلك غير المتدين السعودي حيث ينتمي إلى قبيلته أو أسرته أكثر من الانتماء إلى وطنه، مما يعكس لنا اضطراب المفاهيم الذي حدث لدى الفريقين على حد سواء بسبب طبيعة التربية الاجتماعية أكثر من سواها، كما يرى البعض.

والناظر في المجتمعات العربية عامة والسعودية خاصة، يجد أنه بسبب أهمية الدين لديه وخبرته التجارية وطبيعته التقليدية منذ أمد بعيد وكذلك قدرات ذلك المجتمع على التعايش رغم صعوبة الظروف، قد جعلته يدخل في انقسام وصراع بين مثالية الدين وسمو قيمه والفكر التجاري وما يتبعه من سلوكيات وتبعية التقاليد بخيرها وشرها.

ثانيًاً: المتغيرات التي طرأت على المجتمع وتأثيرها على سياسة الدولة:

1. الخلاف غير المعلن داخل الأسرة الحاكمة في المملكة:

هناك خلافات داخل الأسرة الحاكمة في المملكة، وعلى الرغم من أن هذه الخلافات تكاد تكون محصورةً في أروقة السياسة والحكم، وفي داخل الأسرة الحاكمة ذاتها؛ إلا أن هناك بعض المعالم العامة لهذه الأزمة، وتتلخص في صراع الأجيال؛ حيث أن هناك أجيال جديدة نشأت منفصلة عن القواعد والأركان التي نشأت عليها الأجيال الأكبر سنًّا.

ونشير هنا إلى أن الأجيال الجديدة نشأت في مجتمع عادي، بعيدًا عن فكرة الكفاح من أجل النشأة وتهيئة الأوضاع في الكيان الجديد، وهو الدولة السعودية الثالثة، جيل نشأ في ظل تأثيرات الانفتاح الذي خلقته وسائل الإعلام الجديدة والقيم الوافدة، بعيدًا عن الطبيعة التقليدية للمجتمع السعودي، وعاداته.

ومن بين تأثيرات تباين الأجواء التي نشأت فيها الأجيال المختلفة داخل الأسرة الحاكمة، أن وُجِدَ بعض الأمراء الأصغر سنا ممن يدعون إلى ذات الأفكار التي يتبناها التيار الليبرالي، وخصوصًا على المستوى السياسي والاجتماعي، مثل الدعوة إلى ملكية دستورية بدلاً من الملكية المطلقة حاليًا في المملكة، وكذلك المزيد من الانفتاح، والدعوة إلى احترام حقوق الإنسان والمزيد من الحقوق للمرأة.

كما كان للانفتاح الاقتصادي الذي صاحب الطفرة النفطية، تأثيرات اجتماعية وثقافية داخل المجتمع السعودي، لم تفلت الأسرة الحاكمة من تأثيراتها القيمية، ولقد أدت هذه الأحوال إلى دعم أصحاب الاتجاهات الليبرالية على حساب التيار الديني التقليدي.

على صعيد متصل لعبت وتلعب بعض الشخصيات الأميرية التي عملت لفترة طويلة في الولايات المتحدة، دورًا في تعميم تجربتها مع القيم الغربية على السياسة والحكم في المملكة.

ولا أدل على وجود هذه التأثيرات والمتغيرات، المطالب التي تناولتها بعض المصادر الإعلامية بأن بعض الأمراء الأصغر سنًّا طالبوا بتعديل نظام هيئة البيعة في المملكة.

2. النمو الاقتصادي بزيادة الموارد المالية:

شهد العالم أجمع تغييرًا في أنماطه الاقتصادية، وانعكس ذلك على المستوى المحلي للدول، وكان من بين تلك الدول المملكة العربية السعودية؛ حيث سعت الحكومة السعودية عبر العهود المتعاقبة منذ فترة السبعينيات على العمل من أجل رفع معدل نمو المدن، وهو الأمر الذي شكل أحد أهم مؤشرات ونتائج التغير الاقتصادي والاجتماعي الذي يشهده المجتمع السعودي.

وعملت الخطط التنموية تلك على خلق حالة من الحراك على المستوى المادي والاجتماعي للسكان، فمع ارتفاع أسعار النفط العالمي وزيادة العوائد منه، ارتفع مستوى معيشة الفرد السعودي، كما ارتفعت مستويات البنية التحتية للمدن، ومعها ارتفعت الخدمات العامة المقدمة للفرد السعودي.

إلا أن حالة الحراك تلك قد أنتجت علاقات من نوع جديد تتناسب والمجتمع الجديد المتمدن المرتفع في مستوى معيشته، ومن بين تلك المتغيرات مستوى الاستقلالية التي أصبحت المنازل تتمتع بها مما أثر سلبيا على علاقات الجيرة التي عرفت بها المدن السعودية التقليدية.

واستبدل الأفراد السعوديون تلك العلاقات بنمط جديد نشأ عبر الفضاء الالكتروني، فمع ارتفاع مستويات الخدمة العامة ارتفعت وسائل الاتصالات فأصبحت معظم المنازل مزودة بخدمات الانترنت، وبأكثر من حاسب آلي، فأصبح الفضاء الالكتروني بديلاً يغني عنى العلاقات الاجتماعية الحميمة.

كما أثر التطور المدني على الثقافة الاستهلاكية للأفراد فبتوفر السلع المستوردة توفرت رغبة أكبر لشراء المنتجات المتعارف عليها في المجتمع الغربي، كالأكلات سريعة التحضير مثل “البيتزا” وغيرها من المأكولات التي توصل للمنازل. وفي المقابل، تم الاستغناء عن الجو الأسري والاحتياج للأم في صنع الطعام، وهو ما أثر سلبًا على أهم نقاط تجمع لدى الأسر السعودية وهي مائدة الطعام، فأصبح كل فرد يأكل بمفرده عقب طلبه الطعام الذي يرغب فيه عبر الانترنت أو الهاتف.

كما تغيرت الثقافة الشرائية في الملبس، فأصبح الشباب يتجه إلى الملابس المتشبهة بالخارج، كالبنطال الجينز الضيق والقمصان الضيقة التي تبرز الجسد، فاستبدل الشباب السعودي الجلباب الأبيض والشماغ بالبنطال والقميص، مما جعل مثل هؤلاء مسخًا شبيهًا بأبطال الأفلام الأجنبية التي يشاهدونها عبر شبكات الانترنت والفضائيات. ويسرت وسائل الإعلام ذلك، بتوفيرها فرصة الاحتكاك بالثقافات الأخرى، لاسيما الثقافة الغربية عبر محتواها المقدم للشباب عبر صورة غير واقعية. كما شكل هذا الكم الرهيب من المعلومات المتداولة، والتي لا تلتفت إلى الشريحة العمرية، فأصبح الأطفال يستعرضون المعلومات التي لا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة.

وهي من الأمور التي يقلق الوالدين بشأنها، في ظل العجز أمام في هذا السيل الهائل من المعلومات، مما جعل الأطفال والشباب والمراهقين في علاقة احتكاك مباشر بالثقافات الأخرى عن طريق السلع والبضائع والموسيقى، مما يضعف قبضة الوالدَيْن عليهم وقدرتهم على السيطرة وضبط سلوكهم.

وأصبحت الثقافة التي تعتنقها الأجيال الصاعدة مزيجًا ما بين المحلية والعالمية، فوقع على عاتق الأسرة والمجتمع على حد سواء مهمة مواجهة تواجه تحديات عده، من بينها الحفاظ على الهوية الدينية والمحلية في مجابهة تيارات التغيير والعولمة.

وفي إطار هذه الثوابت وتلك المتغيرات يأتي هذا الملف الذي يتناول خرائط القوى والتفاعلات الداخلية في المملكة العربية السعودية.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close