fbpx
تحليلاتقلم وميدان

أبعاد مشاركة مصر في القمة الأفريقية 2016

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تساؤلات عدة أثارتها مشاركة السيسي في القمة الأفريقية أل 26 للاتحاد الأفريقي التي عقدت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في يناير 2016، لعل أبرزها ما يتعلق بأسباب وأهداف المشاركة لاسيما وأن السيسي لم يحضر القمة السابقة عليها في جنوب أفريقيا “يونيو 2015″، وكذلك أمام الملفات المصرية أمام القمة، وما ترتب عليها من نتائج:

أولاً: أسباب وأهداف المشاركة:

لعل أول تساؤل هو المتعلق بحرص السيسي على المشاركة في هذه القمة، وتغيبه عن سابقتها. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى توقيت انعقاد كل منهما من ناحية، وأهداف المشاركة من ناحية ثانية، فالسيسي لم يشارك في قمة جنوب أفريقيا لاعتبارات سياسية وليست قانونية تتمثل في عقوبات الإعدام التي كان القضاء المصري ينتوي إصدارها بحق الرئيس المعزول محمد مرسي وقيادات جماعة الإخوان المسلمين بعد القمة بأقل من أربع وعشرين ساعة، وهي قرارات تخالف بداية ميثاق اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان الذي لا يقر هذه العقوبة، كما هددت اللجنة في حينها برفع شكوى للقمة منذ قرار إحالة أوراق هؤلاء للمفتي قبل شهر من انعقاد القمة تمهيدا لإعدامهم، وبالتالي لم يرد السيسي أن يقع في حرج. أما القول بأن الرجل لم يشارك خشية تعرضه للاعتقال بسبب ما ارتكبه من جرائم حرب في مصر، أو حتى في غزه إبان العدوان الإسرائيلي عليها العام الماضي، وقيامه بإغلاق معبر رفح، فإنها أمور لا تقوم على دليل لا سيما أن المحكمة الجنائية ومن قبلها مجلس الأمن لم يحرك دعوى ضده، كما أن الاتحاد ليس معني بقضية الصراع العربي الإسرائيلي لأنها تقع في نطاق الجامعة العربية بالأساس. (1)

ويرى البعض أيضا أن من أسباب عدم المشاركة في قمة جنوب إفريقيا هو ما تنامى إلى علم النظام الحاكم بالترتيب لاحتجاجات شعبية واسعة حال وصول السيسي إلى جنوب إفريقيا مما قد يسبب له الكثير من الحرج، خاصة أن موعد القمة كان في أعقاب زيارة السيسي لألمانيا التي واجه فيها احتجاجات شعبية واسعة أيضا، ورفض رئيس البرلمان الألماني استقباله.

أما بالنسبة للمشاركة في القمة الأخيرة بإثيوبيا، فإن الوضع يختلف، فضلا عن الأهداف التي سعى لتحقيقها من المشاركة، فالسيسي حرص على المشاركة لعدة أسباب:

1ـ رئاسة مصر للجنة رؤساء الدول والحكومات الأفرقة المعنية بتغير المناخ، والتي يفترض أن تقدم تقريرها للقمة عن نشاطها خلال الفترة الماضية، وبيان أبرز الجهود التي قامت بها مصر في هذا الشأن.

2ـ ترشح مصر لعضوية مجلس السلم والأمن عن شمال أفريقيا بدون منافس لمدة ثلاث سنوات، بعد تجميد عضويتها فيه بعد الانقلاب، وبالتالي فإن نجاحها مضمون، مما يعني جمعها هذه المرة بين عضوية مجلس السلم والأمن الأفريقي، ومجلس الأمن الدولي.

3ـ عرض وجهة نظره في ملف الإرهاب، ومحاولة إقناع الأفرقة بأن القضية الأساسية التي تعيق الاستقرار والتنمية هي الإرهاب، وليس استبداد الأنظمة وتخليها عن قواعد الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان التي تشمل أيضا النساء، رغم أن شعار القمة هذه المرة، حقوق الإنسان، مع التركيز على حقوق المرأة بمناسبة مرور 30 عاما على دخول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان حيز النفاذ.

4ـ الحصول على مزيد من الشرعية من خلال المشاركة في أكبر محفل أفريقي، فضلا عن محاولة توطيد العلاقات الثنائية مع العديد من الدول الأفريقية عبر اللقاءات التي تعقد على هامش القمة.

5ـ التباهي أمام الأفرقة بغلق ملف الانقلاب بصورة نهائية بعد انتهاء المرحلة الأخيرة من خريطة الطريق الخاصة بالانتخابات البرلمانية وذلك خلال الجلسة المغلقة التي يعقدها رؤساء الدول والحكومات صباح اليوم الأول للقمة قبل جلسة الافتتاح الرسمية لبحث ملفي الانتخابات والحكومة، وذلك بغض النظر عن كون هذه الانتخابات حقيقية أم شكلية، ومدى مشاركة المعارضة بها، فضلا عن حجم المشاركة الشعبية في عملية التصويت.

ثانياً: أبرز الملفات المصريةأمام القمة:

تعددت الملفات التي حملها السيسي إلى القمة ما بين ملفات بيئية تتعلق بالمناخ، وأخرى مالية تتعلق بتمويل أنشطة الاتحاد الأفريقي والمساهمة المصرية بها، وثالثة تتعلق بملف الإرهاب في ظل غياب كامل للحديث عن ملف حقوق الإنسان الذي يعد الملف الأساسي للقمة في دورتها الراهنة:

1ـ ملف المناخ:

قدم السيسي تقريراً إلى القمة بصفته رئيسٍا للجنة رؤساء الدول والحكومات الأفرقة المعنية بتغير المناخ، تضمن نتائج قمة باريس لتغير المناخ التي عقدت في ديسمبر 2015 والجهود التي بذلتها مصر في إطار قيامها بالتفاوض نيابةً عن أفريقيا بها، كما طرح مبادرتين بشأن التوسع في استخدام الطاقة المتجددة في الدول الأفريقية، وتنويع مصادر تمويل تكيف الدول الأفريقية مع متطلبات مواجهة التغيرات المناخية والحد من انبعاثات الغازات وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض (2).

2ـ قضية تمويل أنشطة الاتحاد:

أكد السيسي في كلمته أهمية بحث سُبل زيادة الموارد المتاحة لتنفيذ البرامج والمشروعات الطموحة التي أقرتها القمم الأفريقية المتعاقبة للبدء في تنفيذ “أجندة أفريقيا -2063″(3)، باعتبارها الرؤية الاستراتيجية لتحقيـق التنمية الشاملة في القارة الأفريقية، فضلاً عن ضرورة تفعيل ما أقرته القمم السابقة من تعزيز مساهمة الدول الأعضاء في تمويل أنشطة الاتحاد بشكل تدريجي بهدف تغطية كامل الميزانية التشغيلية وزيادة نسب مساهماتها المخصصة لتغطية الميزانية البرامجية وميزانية حفظ السلام.

ولقد ناقشت القمة زيادة التمويل المخصص للشق البرامجي من ميزانية المنظمة لعام 2016 بمقدار حوالي 25 مليون دولار يتحملها الشركاء، علمًا بأنه سبق لقمة يونيو 2015 أن أقرت الميزانية المقترحة للاتحاد الأفريقي للعام المالي 2016 بإجمالي 416 مليونًا و867 ألفًا و326 دولارًا أمريكيًا، حيث تبلغ حصة مصر نحو 20 مليونًا و380 ألف دولار أمريكي، بنسبة 12% من مساهمات الدول الأعضاء.

3ـ ملف الإرهاب:

حاول السيسي إظهار ريادته في عملية مواجهة ما أسماه “الجماعات الإرهابية”، وأهمية التضامن الجماعي الأفريقي بشأنها، كما حاول وضع “روشتة” نظرية لكيفية المواجهة، وأكد خلال القمة أنه سبق وأن حذر من خطر الإرهاب في العديد من المناسبات، ما يُحتم على دول القارة حشد الموارد والقدرات اللازمة لتعزيز جهودها في هذا المجال. كما أشار إلى ضرورة تبني ما أسماه “استراتيجية شاملة للمواجهة”، لا تقتصر على الجانبين العسكري والأمني فقط، إنما تشمل العمل على زيادة التوعية، والارتقاء بالتعليم، وتصويب الخطاب الديني، والتعريف بجوهر المبادئ الدينية السمحة، من خلال تعزيز برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتمكين الشباب، وتوفير فرص عمل لهم (4)، وهي نفس الاستراتيجية التي ذكر أن مصر تتبعها.

خلاصات:

من العرض السابق يمكن استخلاص مجموعة من الملاحظات العامة

1ـ أن السيسي نجح في الترويج لنفسه داخل المحفل الأفريقي من خلال رئاسته للجنة المناخ، وتسويق ريادته في مواجهة الإرهاب، فضلا عن فوز مصر بعضوية مجلس السلم والأمن. وقد ساعده على ذلك أن الملفات الشائكة مثل انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، والانقلاب لم تعد تشغل بال القادة الأفرقة كثيرا –ليس خلال هذه الدورة فحسب، ولكن منذ قمة مالابو 2014 التي شارك فيها السيسي بعد إلغاء قرار تعليق عضوية مصر بالاتحاد الأفريقي. بل إنه من المفارقات أن القمة اختارت رئيس تشاد رئيسا لها هذه الدورة وهو الذي يحكم البلاد منذ 26 عاما بقبضة حديدية ومتهم بانتهاكات عديدة لحقوق الإنسان وذلك خلفا لرئيس زيمبابوي المستبد روبرت موجابي الذي يحكم بلاده منفردا منذ عام 1981.

2ـ أن هذا النجاح الرمزي لم يقابله نجاح حقيقي على صعيد أزمة ملف سد النهضة، حيث لم يثر الموضوع في القمة، كما أن المحادثات الثنائية بين السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا على هامش القمة لم تسفر عن شيء ملموس في هذا الشأن.

3ـ أن الاستراتيجية التي تحدث عنها السيسي لمواجهة الإرهاب هي استراتيجية نظرية لم يتم تطبيقها في سيناء منذ توليه الرئاسة قبل أكثر من عام ونصف. فلم يهتم بتنمية سيناء اقتصاديا، ودمج أبنائها اجتماعيا مع باقي ربوع البلاد، بل إنه اقتصر على الحل العسكري رغم إدراكه أنه لن يساهم في القضاء على الإرهاب، بل قد يخلق بحسب تسريباته الشهيرة إبان توليه حقيبة الدفاع-عداوات بين القوات المسلحة والمدنيين في سيناء.

————————————————–

الهامش

1 د. بدر حسن شافعي “القمة الأفريقية. قراءة أولية مركز الجزيرة للدراسات 23يونيو2015، الرابط
2 بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، فقد أقر القادة الأفرقة بالإجماع المبادرتين.
3 هذه الأجندة تستهدف تحقيق ثلاثة أمور هي الوحدة، الرخاء، السلام. وذلك عبر الاستفادة من خبرات الماضي، ومن الموارد المتاحة في المدى القريب والمتوسط لتحقيق أفضل نتائج لشعوب القارة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي بحلول عام 2063 وذلك من خلال مناقشة القضايا الحرجة ووضع حلول لها مثل الوضع الإقليمي، إعادة توزيع الموارد، التغير الطبيعي في علاقة القارة بباقي العالم الخارجي، لمزيد من التفاصيل أنظر الرابط.
4 يوسف أيوب، ماذا حققت القمة الأفريقية لمصر؟ 03 فبراير 2016، الرابط
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close