fbpx
ترجمات

أسرار الديون السعودية على الولايات المتحدة الأمريكية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

المصدر: أندريا وونج، أسرار الديون السعودية على الولايات المتحدة الأمريكية في 41 عاما: القصة غير المروية، كيف توسط تاجر سندات أسطوري من “سالومون براذرز” في صفقة حياة أو موت أعادت تشكيل العلاقات الأمريكية-السعودية لأجيال، منشورات بلومبرج، 31 مايو، 2016(1).

في يوليو عام 1974، أشرقت الشمس على سماء ملبدة بالغيوم بعد ليلة خفيفة المطر حين انطلق ويليام سايمون، وزير الخزانة الأمريكي المعين حديثا، ونائبه جيري بارسكي في الثامنة صباحا في رحلة من قاعدة أندروز الجوية. سادت على متن الطائرة أجواء من التوتر. كانت آثار أزمة البترول قد مست الولايات المتحدة تلك السنة، وأدى حصار من قِبل الدول العربية في منظمة الأوبك – انتقاما من الولايات المتحدة لدعمها العسكري للإسرائيليين أثناء حرب يوم الغفران (أكتوبر 1973)، إلى مضاعفة أسعار البترول أربعة أضعاف، ارتفع معدل التضخم بشكل جنوني، وانهارت سوق الأسهم، وتداعى الاقتصاد الأمريكي بشكل مفاجئ.

رسميا، أعلن أن رحلة الأسبوعين التي انطلق بها سايمون هي جولة دبلوماسية اقتصادية خلال أوروبا والشرق الأوسط، مليئة باللقاءات الترحيبية والولائم المسائية المعتادة، لكن المهمة الحقيقية، التي أبقِي أمرها سرّا بين دائرة المقربين للرئيس ريتشارد نيكسون، كانت ستنفذ أثناء توقف مؤقت لأربعة أيام في مدينة جدة الساحلية بالمملكة العربية السعودية.

الهدف كان تحييد النفط الخام كسلاح اقتصادي وإيجاد وسيلة لإقناع المملكة العدوانية بتمويل العجز المتزايد في الموازنة الأمريكية من خلال ثروتها المحصَّلة حديثا من تصدير البترول. وحسب بارسكي، فقد وجه نيكسون بوضوح إلى استحالة إمكانية العودة دون إنجاز، الفشل لم يكن فقط ليعرض صحة أميركا المالية للخطر، بل كان من الممكن أن يفسح مجالا للاتحاد السوفيتي لينتهك مساحات جديدة داخل العالم العربي.

“لم تكن مسألةً إمكانية تحقيق ذلك من عدمها،” بحسب بارسكي، البالغ من العمر 73 عاما، وأحد المسؤولين القلائل الذين حضروا المحادثات السعودية مع سايمون، هي الموضوع.

للوهلة الأولى بدا سايمون، الذي كان قد أنهى للتو مهمته كقيصر الطاقة لدى نيكسون، غير مناسب لدبلوماسية ناعمة بهذا الشكل. قبل أن يستخدمه نيكسون، كان المدخن الشره وابن ولاية نيو جيرسي مدير قسم الخزينة ببنك “سالومون براذرز” الاستثماري.

بالنسبة للبيروقراطيين المخضرمين، بدا تاجر سندات وول ستريت الأرعن – الذي قارن نفسه ذات مرة بجنكيز خان – صاحب مزاج حاد وأنًا متضخمة جعلاه شاذا في واشنطن، قبل أسبوع واحد من وصوله إلى السعودية، وجه اللوم والإهانة علنا إلى شاه إيران، الذي كان حليفا إقليمياً مُقرباً حينها.

لكن سايمون فهم أكثر من أي شخص غيره جاذبية الديون الحكومية الأمريكية وكيف يُقنع السعوديين بفكرة أن أميركا هي المكان الأكثر أمانا لإيداع حصيلة ثروتهم من البترول، وبناء على علمها ذاك، دبرت الإدارة خطة حياة أو موت قدّر لها أن تؤثر على جوانب العلاقات الأمريكية – السعودية كلها تقريبا على مدار العقود الأربعة التالية (توفي سايمون عام 2000 عن عمر يناهز 72 عاما).

كان الإطار العام بسيطا للغاية، الولايات المتحدة ستشتري النفط من المملكة السعودية وتوفر لها دعما ومعدات عسكرية. وفي المقابل، سيعيد السعوديون إيداع مليارات من إيراداتهم في سندات الضمان الأمريكية ويمولون الإنفاق الأمريكي. وقال بارسكي أن الأمر تطلب بضعة لقاءات سرية للمتابعة والاتفاق على كل التفاصيل. ولكن بعد انتهاء شهور من المفاوضات، تبقى لإحكام الاتفاق نقطة صغيرة لكن بالغة الأهمية: طالب الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود أن تبقى مشتريات بلاده من سندات الخزانة “سرية للغاية،” حسب برقية دبلوماسية حصلت عليها بلومبرج من قاعدة بيانات الأرشيف الوطني.

حُفظ السر مع بضعة مسؤولين بالخزانة الأمريكية والبنك المركزي الأمريكي لأكثر من أربعة عقود – حتى الآن. ردا على طلب مقدم بموجب قانون حرية المعلومات من قبل وكالة أنباء بلومبرج، أعلنت الخزانة عن أرصدة المملكة العربية السعودية هذا الشهر للمرة الأولى بعد “الحكم بأن الإفصاح عن تلك البيانات موافق لمبدأ الشفافية وللقانون،” حسب المتحدثة الرسمية ويتني سميث، ويجعل هذا الكنز الدفين بقيمة 117 مليار دولار من المملكة العربية السعودية إحدى أكبر الدائنين الأجانب للولايات المتحدة.

لكن المعلومات قد أثارت أسئلة أكثر مما قدمت إجابات، يقول أحد المسؤولين السابقين بالخزانة الأمريكية، الذي تخصص في احتياطيات البنك المركزي وطالب بعدم الإفصاح عن هويته، أن الرقم الرسمي يقلل بشدة من قيمة الاستثمارات السعودية في الدين الحكومي الأمريكي، والتي قد تقدر بالضعف أو أكثر.

الرقم الحالي يمثل فقط 20% من أرصدة السعودية الأجنبية التي تقدر ب587 مليار دولار، وأقل بكثير من نسبة الثلثين التي تبقي عليها البنوك المركزية عادة كأصول دولارية. ويتساءل بعض المحللين إن كانت المملكة تقنِّع ممتلكاتها من ديون الولايات المتحدة من خلال الحصول على السندات من مراكز مالية خارجية تظهر في بيانات دول أخرى.

إن القيمة المحددة للديون الأمريكية لدى المملكة العربية السعودية هي أمر يعد اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى. فبينما عمّق انهيار البترول من مخاوف أن تضطر السعودية لإسالة سنداتها لتوفير النقود، بدأ تخوف أشد في الظهور، وهو شبح أن تستغل المملكة حجمها الهائل في أهم سوق للديون في العالم كسلاح سياسي، تماما كما فعلت إزاء البترول في السبعينات.

لقد حذرت المملكة العربية السعودية في أبريل 2016، أنها ستشرع في بيع ما قد يصل إلى 750 مليار دولار من السندات وغيرها من الأصول إن مرر الكونجرس قانونا يجعل المملكة عرضة للاستهداف القانوني أمام القضاء الأمريكي على خلفية أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وفق ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز.

ويأتي هذا التحذير وسط تجدد مطالبات المرشحين الرئاسيين ونواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالإفراج عن 28 صفحة من تقرير حكومي أمريكي أُعد في 2004 يُعتقد أنه يوضح تفاصيل تورط جهات سعودية محتملة بالهجمات. ومقترح القانون، الذي مرره مجلس الشيوخ في 17 مايو، معروض حاليا على مجلس النواب.

وزارة المالية السعودية رفضت التعليق على رد الفعل المحتمل ببيع السندات، ومؤسسة النقد السعودي العربي لم تجب مباشرة على الأسئلة حول تفاصيل الحجم الكلي لديونها على الحكومة الأمريكية.

مارك تشاندلر، الرئيس العالمي لاستراتيجية العملة في بنك “براون براذرز هاريمان”، قال “دعنا لا نفترض أنهم يثرثرون” حول التحذير بالانتقام. “السعوديون تحت الكثير من الضغط. أقول أننا لا ننصف أنفسنا إن قللنا من شأن التزاماتنا” تجاه الدائنين الكبار.

المملكة العربية السعودية، التي طالما وفرت رعاية صحية مجانية، ودعما على المواد البترولية، ورفعا روتينيا لأجور المواطنين استنادا إلى ثروتها من البترول، تعاني بالفعل من أزمة مالية شديدة. في العام الماضي فقط، استهلكت السلطة النقدية 111 مليار دولار من الاحتياطي لسد أكبر عجز للموازنة خلال ربع قرن، وللإنفاق على حروب عالية التكلفة لهزيمة الدولة الإسلامية، ولشن حملات بالوكالة ضد إيران. ورغم أن سعر البترول قد استقر على قرابة 50 دولار للبرميل (بعد أن كان أقل من 30 دولار في بدايات هذا العام)، إلا أنه ما يزال أقل كثيرا من سنين زهوه حين وصل النفط الخام إلى 100 دولار للبرميل. لقد صار وضع السعودية حرجا لدرجة أن المملكة تبيع حاليا قطعة من جوهرة تاجها – شركة البترول الوطنية أرامكو السعودية.

علاوة على ذلك،  يبدو أن الالتزام الذي امتد لعقود بسياسة “الاعتماد المتبادل” بين الولايات المتحدة والسعودية، التي نشأت من صفقة ديون سايمون وربطت في نهاية الأمر بين بلدين لا يجمعهما من القيم المشتركة سوى القليل، قد بدأ يضعف. فقد اتخذت الولايات المتحدة خطوات تجريبية نحو مصالحة مع إيران، توّجها الاتفاق النووي التاريخي للرئيس باراك أوباما العام الماضي. كذلك فقد قلل رواج الوقود الصخري الأميركي كثيرا من اعتماد الولايات المتحدة على النفط السعودي.

وقال ديفيد أوتواي، الزميل بقسم الشرق الأوسط بمركز وودرو ويلسون الدولي بواشنطن، أن “شراء السندات كان استراتيجية لإعادة تدوير ثروة البترول إلى الولايات المتحدة ثانية.” لكن سياسيا، “دائما ما كانت علاقة غير واضحة المعالم واضطرارية.”

ولكن في 1974، لم يحتج إنشاء تلك العلاقة (والسرية التي تطلبتها) إلى الكثير من التحليل، بحسب بارسكي، الذي يرأس الآن مجموعة “أورورا” لرأس المال – وهي شركة متخصصة في مجال الملكية الخاصة ومقرها في لوس أنجيلوس. الكثيرون من حلفاء أميركا، بما فيهم المملكة المتحدة واليابان، كانت حاجتهم إلى النفط السعودي عظيمة وكانوا يتنافسون بهدوء لتعود المملكة لاستثمار الأموال في اقتصادياتهم.

وقال غوردن براون، أحد المسؤولين الاقتصاديين التابعين لوزارة الخارجية في السفارة الأمريكية في الرياض بين 1976 و1978 أن “الجميع – في الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، واليابان – كانوا يسعون لوضع أيديهم في جيوب السعوديين.” وبالنسبة للسعوديين، لعبت السياسة دورا كبيرا في إصرارهم على بقاء كل استثماراتهم في السندات سرية.

كانت التوترات ما تزال تنفجر حتى عشرة أشهر بعد حرب أكتوبر 1973، وفي العالم العربي كان هناك الكثير من العداوة تجاه الولايات المتحدة لدعمها لإسرائيل. بحسب البرقيات الدبلوماسية، فإن تخوف الملك فيصل الأكبر كان إدراكه أن الأموال من البترول السعودي سينتهي بها الأمر، “بشكل مباشر أو غير مباشر،” في أيدي أكبر أعدائها في هيئة دعم أمريكي إضافي.

وحل مسؤولو الخزانة المعضلة من خلال إدخال السعوديين من الباب الخلفي، في اتفاق كان الأول من بين اتفاقات خاصة كثيرة، حيث سمحت الولايات المتحدة للسعودية بتجاوز العملية التنافسية الطبيعية لشراء السندات من خلال ما يعرف بالسندات الإضافية (add-ons). تلك المبيعات، التي تم استثناؤها من الأرقام الإجمالية للمزاد على السندات، أخفت كل ملامح التواجد السعودي في سوق الديون الحكومية الأمريكية.

قال براون، “حينما وصلت إلى السفارة، أخبرني أناس هناك أن هذه مسألة تخص الخزانة. تم التعامل معها بسرية شديدة”.

وبحلول عام 1977، كانت المملكة العربية السعودية قد امتلكت ما يقارب 20 بالمائة من إجمالي سندات الخزينة الأمريكية المملوكة بالخارج، حسبما ذكر في كتاب “اليد الخفية للهيمنة الأمريكية: إعادة تدوير البترودولارات والأسواق العالمية” للأستاذ بجامعة كولومبيا ديفيد سبيرو.

أحد الاستثناءات الأخرى التي صنعت خصيصا للملكة العربية السعودية كان عندما بدأت الخزانة الأمريكية بإصدار تقارير شهرية عن ملكية الديون الأمريكية لكل دولة على حدة. فبدلا من الإفصاح عما تملكه السعودية، ضمنتها الخزانة مع أربع عشرة دولة أخرى، كالكويت والإمارات العربية المتحدة ونيجيريا، تحت العنوان الجامع “مصدرو البترول” – التقليد الذي استمر لواحد وأربعين عاما.

جاء هذا النظام ومعه العديد من المتاعب، بعد إتاحة إجراء السندات الإضافية (add-ons) للبنوك المركزية الأخرى، حيث هدد الطلب الخارجي غير المنضبط وغير المعلن بدفع الولايات المتحدة فوق الحد الأقصى المخطط لديونها في عدة مناسبات.

وقد أوضحت مذكرة داخلية صدرت في أكتوبر 1976 كيف حصلت الولايات المتحدة من غير قصد على أكثر من 800 مليون دولار كانت قد عمدت لاقتراضهم في أحد المزادات. حينها لجأ بنكان مركزيان لم تحدد هويتهما إلى استخدام السندات الإضافية (add-ons) لشراء ما قيمته 400 مليون دولار إضافية من السندات لكل منهما. ولمنع الولايات المتحدة من تجاوز حد الاقتراض، تأخر تسليم أحد البنكين حصته يوما كاملا.

معظم تلك المناورات والعثرات تم التغطية عليها، وبالغ كبار مسؤولي الخزانة في جهودهم للحفاظ على الوضع القائم وحماية حلفائهم في الشرق الأوسط بينما كانت الرقابة على أكبر مقرضي الولايات المتحدة في ازدياد. ومع مرور الوقت، لجأت الخزانة بشكل متكرر إلى قانون مسح الاستثمار الدولي والتجارة في الخدمات لعام 1976، الذي يحمي الأفراد في الدول التي يقل مقدار السندات المملوكة فيها، كخط دفاعها الأول.

استمرت تلك الاستراتيجية حتى بعد أن وجد مكتب المساءلة الحكومية في تحقيق عام 1979 أنه “لا يوجد سند إحصائي أو قانوني” للتعتيم. لم يملك المكتب القوة الكافية ليفرض على الخزانة تسليم البيانات، ولكن استنتج أن الولايات المتحدة “أخذت على عاتقها التزامات خاصة بالسرية المالية تجاه المملكة العربية السعودية” وربما دول أخرى في الأوبك.

اعترف سايمون، الذي كان قد عاد إلى وول ستريت، في شهادة أمام الكونجرس أن “إيراد المملكة ضمن تقارير إقليمية كان الوسيلة الوحيدة التي كانت السعودية لتوافق بها” على الاستثمار باستخدام نظام السندات الإضافية (add-ons). وقد قال ستيفن ماكسبادن، المستشار السابق للجنة الكونجرس الفرعية التي ضغطت من أجل تحقيقات مكتب المساءلة الحكومية، أنه “كان من الواضح أن فريق الخزانة لم يكونوا ليتعاونوا على الإطلاق. كنت قد خدمت في اللجنة الفرعية لسبعة عشر سنة، ولم أر طوال تلك المدة شيئا كهذا.”

اليوم، يقول بارسكي أن الاتفاق السري مع السعوديين كان يجب تفكيكه منذ سنوات وأنه تفاجأ أن الخزانة حافظت عليه كل هذه المدة. لكن رغم ذلك، فهو ليس نادما على شيء. إتمام الاتفاق “كان أمرا إيجابيا بالنسبة لأميركا.”

ملاحظة: الموضوع الأصلي نشرته بلومبرج وأعادت نشره عدة مواقع دولية مهمة، منها:

The Independent، وFrancais Express، وSputnik.

——————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close