fbpx
ترجمات

أشد الأخطار تهديداً للعالم خلال 2018

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تُصدر مجموعة أوراسيا – التي تضم نُخبة من أشد المهتمين بالسياسة الدولية – بشكل دوري تقريراً سنوياً حول توقعاتها للعام الجديد. وقد أصدرت المؤسسة في الثاني من يناير 2018 هذا التقرير عن المخاطر السياسية التي من المرجح أن يتعرض لها العالم خلال عام 2018، وفي إطار نقل المعارف، مع حفظ حقوق الملكية الفكرية قامت وحدة الترجمة بالمعهد المصري للدراسات، بالترجمة الدقيقة للنص الكامل للتقرير وذلك على النحو التالي:

نظرة إجمالية

دعونا نكون صادقين مع أنفسنا: لا يُتوقع أن يكون عام 2018 عاماً جيداً. نعم، تشهد الأسواق نمواً كبيراً، وحالة الاقتصاد ليست سيئة؛ ولكن المواطنين منقسمون. ولا تقوم الحكومات بكثير من واجباتها. والنظام العالمي على وشك أن ينفرط عقده. إلا أن هناك، في حقيقة الأمر، تحديات سياسية هائلة تواجه العالم. فقد تضاءلت شرعية الديمقراطيات الليبرالية كثيراً عما كانت عليه منذ الحرب العالمية الثانية، ولا يبدو أن معظم مشاكلها الهيكلية قابلة للإصلاح. وعلاوة على ذلك، فلا تُبدي أقوى قيادات العالم اليوم اهتماماً كبيراً بالمجتمع المدني أو بالقيم المشتركة بين الأمم.

وعلى مدى السنوات الـ 20 الماضية منذ أن بدأنا مجموعة أوراسيا، شهدت البيئة العالمية حالات مختلفة من الصعود والهبوط. ولكن إذا كان علينا أن نرجح عاماً قد تحدث فيه أزمة كبيرة لا يمكن التنبؤ بتفاصيلها – ما يُعادل جيوسياسياً الانهيار المالي في عام 2008 – فيبدو أنه بالتأكيد سيكون عام 2018.

وفي العام الماضي، كتبنا أن العالم سيدخل فترة من الركود الجيوسياسي. وبعد ما يقرب من عقد من الزمان من التوجه ببطء نحو حالة من اللا استقرار فإن انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة قد سرع من وتيرة الانحدار إلى حالة من الفوضى العارمة في السياسة الدولية. فالعالم الآن أقرب إلى الدخول في حالة من الركود الجيوسياسي منه إلى العودة إلى حالة الاستقرار التي كانت سائدة في الماضي.

فقد أضعفت نزعة “أمريكا أولا” (التي تبناها ترامب) والسياسات التي نتجت عنها – النظام العالمي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة بشكل كبير، في حين لم تكن هناك دولة أخرى أو حتى مجموعة من الدول على استعداد للقيام بإعادة بنائه من جديد … وهذا ما يزيد من حجم المخاطر اتي يتعرض لها العالم بشكل كبير. وبتعبير أكثر وضوحا، فإننا نشهد اليوم عالماً بلا قيادة تقريباً.

فالتحديات التي تسببها توجهات دونالد ترامب في الشؤون الدولية هي نتيجة مباشرة لأجندته الفردية وتقليص الإنفاق، مما خلق حالة من الارتباك عند حلفائه وأعدائه على حد سواء.

ماذا تريد الولايات المتحدة؟ وما الذي تأمل إدارة ترامب في تحقيقه؟ هل دونالد ترامب شخصية ثورية أم شخصية برجماتية؟ هل اللهجة العدائية في بعض خطاباته ومعظم تغريداته هي مجرد تعبير عن أسلوبه في التفاوض أم أنه فعلا يتخذ إجراءات تدفع الولايات المتحدة وغيرها إلى حافة الحرب؟ هل شعار “إعادة أمريكا العظمى من جديد” يمثل سياسة أمريكية حقيقية أم أنه مجرد درب من فنون الأداء السياسي؟

إن تراجع النفوذ الأميركي في العالم سيتسارع في عام 2018. فالجمع بين القوة الناعمة والليبرالية الاقتصادية والسياسية يواجه الآن أزمة مصداقية. ونتيجة لضعف اهتمام الإدارة الأمريكية تحت قيادة ترامب بالتوجه الاستراتيجي، فإن قوة ونفوذ الولايات المتحدة في العالم، والتي استخدمها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن بتعسف شديد، ثم استخدمها الرئيس السابق باراك أوباما على استحياء كبير، قد تصل إلى نهاية الطريق على يد الرئيس الأمريكي الحالي.

وتشكل المخاوف بشأن آفاق الركود الجيوسياسي خلفية الأخطار العشرة الأكثر تهديداً للعالم خلال هذا العام والتي سنتناولها في هذا التقرير:

أولاً: الصين تتطلع إلى شغل الفراغ (الذي تتركه واشنطن)

جاء المؤتمر التاسع عشر للحزب ليُشكل نقطة تحول في تاريخ الصين المعاصر، وسوف يُنظر إلى الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جين بينغ هناك بكل تأكيد على أنه الحدث الأكبر الذي تجدر ملاحظته من الناحية الجيوسياسية منذ أن قام ميخائيل جورباتشوف بحل الاتحاد السوفياتي بشكل رسمي (في 21 ديسمبر 1991). فحتى العام الماضي، كانت الصين تتجنب الحديث عن قيادة العالم، ونادرا ما كانت تبدو الصبغة الأيديولوجية على خطابها الدبلوماسي ناهيك عن الإنجيلية. ولكن في عام 2017، حولت بكين بشكل علني ​​استراتيجيتها الرسمية. فلم تعد الصين تتأهب في سكون انتظاراً للفرصة. فقد أسس الرئيس الصيني “شي” الآن قوة محلية كافية لإعادة تحديد السياسة الخارجية للصين ووضع قواعد جديدة لها. واستفاد الرئيس الصيني من فرصة التوقيت الملائم لذلك. فتخلي ترامب عن التزام الولايات المتحدة بالتعددية الدولية التي تقودها واشنطن أثار الكثير من الشكوك بشأن الدور الأمريكي المقبل في آسيا؛ مما تسبب في إحداث فراغ في القوة والنفوذ هناك يتيح للصين أن تبدأ في شغله من الآن.

وعلى مدى عقود، كان الكثيرون في الغرب يعتقدون أن مجرد ظهور طبقة وسطى في الصين سيجبر الحكومة هناك على اتخاذ إجراءات ليبرالية في السياسة الصينية من أجل البقاء والاستمرار. وبدلا من أن يحدث ذلك، فإن النموذج السياسي الصيني الآن – على الرغم من التحديات المحلية – يُعتبر أقوى مما كان عليه في أي وقت مضى، وذلك في الوقت الذي يضعف فيه النموذج السياسي الأمريكي. أما من حيث شرعية الحكومة في نظر مواطنيها، فقد تكون الولايات المتحدة اليوم بحاجة إلى إصلاحات سياسية هيكلية مثل الصين تماماً على أقل تقدير. إنه تعبير صادم للغاية وأشد غرابة في هذا الخصوص هو مجرد التفكير في الأمر بهذه الدرجة من الوضوح. فلم يحدث أن سمعنا بذلك ولو مرة واحدة في واشنطن، من أي من الحزبين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي). أضف إلى ذلك أن الصين الآن تشهد أقوى رئيس لها اعتلى سُدة الحُكم منذ ماو تسي تونغ، في حين تٌعايش الولايات المتحدة واحداً من أضعف رؤسائها في التاريخ الحديث، فبالتأكيد حينها ندرك أننا أمام لحظة تاريخية لإعادة ترتيب النظام العالمي من جديد.

وهذا يعني أن الصين تضع معايير دولية جديدة، في الوقت الذي لا تجد فيه من المقاومة ما كانت تجده في أي وقت مضى. في الحقيقة، سنرى أن هذه الفرضية صحيحة في ثلاثة من المجالات الآتية، بينما هي غير صحيحة تماماً في المجال الرابع:

1- التجارة والاستثمار: لم تضع أي دولة حتى اليوم استراتيجية فعالة للتجارة والاستثمار على الصعيد العالمي كما فعلت بكين. وبينما تُنفق الصين الأموال وتنشئ هيكلاً عالمياً للتجارة والاستثمار، فإن البعض لا يزال يفكر في ذلك على المستوى المحلي أو بشكل ثنائي. ويجذب هذا النموذج الصيني اهتمام الكثير من الحكومات في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، وحتى أمريكا اللاتينية، التي باتت تتجه بشكل أكبر نحو سياسة بكين، حيث أصبحت المعاملات المباشرة معها أكثر نفعاً عن ذي قبل.

2- التقنية: توجه كل من الصين والولايات المتحدة معظم جهودهما للاستثمار في التكنولوجيا الجديدة – الذكاء الاصطناعي، على وجه الخصوص. فبالنسبة للولايات المتحدة، تأتي الريادة في ذلك للقطاع الخاص. أما في الصين، فالمبادرة تأتي من الدولة، التي تتفق في ذلك مع أقوى الشركات والمؤسسات في البلاد، وتحرص على أن تُظهر أن المواطنين في انسجام تام مع ما تريده الدولة. وهذه قوة كبيرة لتحقيق الاستقرار بالنسبة للحكومة الصينية الاستبدادية التي تدير رأسمال الدولة. وستجد حكومات أخرى هذا النموذج الصيني مقنعا، لا سيما أولئك الأكثر قلقا بشأن الاضطرابات الاجتماعية التي يمكن أن تحدث داخل حدودهم. وفي هذا الصدد، تؤدي هيمنة الاقتصاد الصيني إلى مواءمة قطاعات التكنولوجيا في الدول الصغيرة مع المعايير والشركات الصينية.

3- القيم: القيمة السياسية الوحيدة التي تُصدرها الصين هي مبدأ عدم التدخل في شئون الدول الاخرى. وهذا أمر جذاب للحكومات التي اعتادت على المطالبات الغربية بالإصلاح السياسي والاقتصادي مقابل تقديم المساعدات المالية لها. ومع ظهور سياسة دونالد ترامب الخارجية “أميركا أولاً” والمشتتات الكثيرة لقادة أوروبا، فلا توجد أي مقاومة لتوجهات الصين غير القائمة على القيم في كل من التجارة والدبلوماسية.

4- الأمن: وهذه الفرضية هي الوحيدة غير الصحيحة. فالنموذج الصيني لن يكون أكثر جاذبية (من النموذج الغربي) على الجبهة الأمنية الوطنية، حيث تظل الصين في أحسن الأحوال مجرد قوة إقليمية (في حين أن الولايات المتحدة تتفوق عليها بشكل كبير من جهة الإنفاق في هذا الخصوص)، ولم تكن كذلك لاعبا أساسيا في الحرب ضد الإرهاب.

وتنقسم المخاطر (التي تهدد العالم في 2018) هنا إلى ثلاثة أقسام:

(أ) على بيئة الأعمال العالمية أن تتكيف مع مجموعة كاملة جديدة من القواعد والمعايير والممارسات التي فرضتها الصين والتي تتباين مع القواعد التنظيمية لبيئات الأعمال، مما سيؤدي إلى رفع التكلفة عند ممارسة الأعمال التجارية. ولكن هذا الأمر لن يقتصر على السوق المحلية الصينية – التي لها أصلاً أهمية متزايدة للاقتصاد العالمي – بل إنه سيتوسع أيضا ليشمل مجموعة من الدول في جميع أنحاء العالم التي تتزايد باستمرار في ظل هيمنة النفوذ الاقتصادي الصيني، وما يرتبط به من نفوذ سياسي.

(ب) ستكون هناك مقاومة ضد توسع الصين الذي يستقطب آسيا، وذلك من خلال وضع الصين من ناحية ضد الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين في الناحية الأخرى. وحينها ستعتبر أكبر دول آسيا وأكثرها نموا – اليابان والهند وأستراليا وبدرجة أقل كوريا الجنوبية – أن أجندة الرئيس الصيني “شي” تمثل تهديدا كبيراً لنموذجها الرأسمالي الديمقراطي. هذه الديناميكية يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الاحتكاك في بحر الصين الجنوبي، وحول كوريا الشمالية، والعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

(ج) إن التصعيد المتزايد من الرئيس الصيني قد ينذر بحدوث آثار سلبية في الداخل وقد يؤدي إلى تهديد كبير للنموذج الصيني على المدى البعيد. وكذلك يخاطر “شي” من خلال إحكام سيطرة الحزب على القطاع الخاص بالبلاد، وتأكيد هيمنة الحزب على الإدارة العليا للشركات الصينية الخاصة وكذلك الشركات الصينية التابعة للشركات الأجنبية متعددة الجنسيات. إن المخاطر التي تواجهها عملية اتخاذ القرارات المؤسسية وتقييم الأصول واضحة ويمكن أن تؤثر على المسار الاقتصادي لكل من الصين ومن يحذون حذوها على المدى البعيد.

ومع ذلك، فمنذ عام 2008، شهدنا تراجعا تدريجياً في التصورات العالمية لجاذبية الديمقراطيات الليبرالية الغربية. وهناك الآن بديل ملائم.  فبينما لا تبدو الصين بديلا جذابا بالنسبة لمعظم الدول الغربية، إلا إنها تُعتبر بديلاً معقولاً بالنسبة لمعظم الدول الآخرى. ومع استعداد الرئيس الصيني “شي” لتقديم هذا البديل وتوسيع نفوذ الصين، فإن هذا يُعتبر أكبر خطر يهدد العالم خلال هذا العام (2018).

ثانياً: الأزمات السياسية:

لم تحدث أي أزمة جيوسياسية كبرى في العالم منذ 9/11، ولم تتسبب الحكومات كذلك في إشعال أزمات كبرى منذ أزمة الصواريخ الكوبية (بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، 1960-1962). ولكن من المستحيل تجاهل خطر إمكانية حدوث أزمات من هذا القبيل اليوم، لأن هناك أماكن كثيرة في العالم يمكن أن يؤدي فيها الخطأ أو سوء التقدير إلى إثارة صراعات دولية خطيرة، وخصوصاً في ظل بيئة دولية أقل مرونة.

وعلى الرغم من أننا لسنا على شفا حرب عالمية ثالثة، إلا أن العالم أصبح أكثر عُرضة للخطر عن ذي قبل، وذلك في ظل غياب الأمن العالمي والاننتشار الملحوظ لجهات فاعلة غير حكومية (ودون الوطنية) قادرة على زعزعة الاستقرار في العالم. وقد ارتفعت احتمالات وقوع حوادث جيوسياسية بشكل كبير، وهو اتجاه مرشح للاستمرار. وقد يحدث خطأ عارض في وقت ما يكون السبب في إيصال العالم إلى مواجهة كبرى. وفي مرحلة ما، قد يقع خطأ ما من هذا القبيل يؤدي إلى مواجهة. وهناك بعض الأخطار المحتملة خلال عام 2018 تستحق منا مزيداً من إمعان التفكير فيها:

1- الهجوم السيبراني:

وقد ازداد خطر وقوع هجوم سيبراني كبير في وقت أدى فيه انعدام الثقة بين الدول وتآكل القواعد والمعايير والتخطيط المشترك إلى صعوبة تنسيق الرد على تلك الهجمات عند وقوعها. وهذا ما يرفع من نسبة خطر المبالغة في رد الفعل، حتى في ظل وجود ما يبرر القيام بردود الأفعال. ويأتي هذا التهديد من دول معينة مثل (روسيا والصين وكوريا الشمالية)، ومن جهات فاعلة غير حكومية مثل (مجهولين-أنونيموس). إن القدرة على محاولة إحداث الفوضى تتزايد بسرعة، خاصة في ظل وجود ثغرات أمنية كثيرة حسب تسريبات من مصادر رفيعة المستوى من داخل وكالة الأمن القومي الأمريكية.

وهناك احتمالات مؤكدة اليوم بوقوع هجوم إلكتروني كبير يهز العالم اقتصاديا، سواء كان ذلك عن طريق تدمير جزء أساسي من البنية التحتية أو من خلال “الشفافية القسرية” التي تشل مصداقية شركة رائدة ما أو مصرف أو حتى سوق؛ أو حتى إزالتها من على الإنترنت. وإذا كانت الجهة الفاعلة المجهولة التي تخطط للهجوم السيبراني تسعى وراء تحقيق مثل هذه الأهداف، فإن العواقب ستكون غير معروفة. لذلك فالسيبرانية، دون جميع “الحوادث” الجيوسياسية المذكورة هنا، تستحق أن تكون في أعلى القائمة.

2- كوريا الشمالية:

وهي الخطر الجيوسياسي الأكثر وضوحا في العالم من بين جميع الحوادث الجيوسياسية المحتملة. ويبقى الوضع الراهن غير المرضي مرشحاً للاستمرار بشكل كبير في عام 2018. فالجميع يعرف أن الخيارات أمام الولايات المتحدة هي فقط الخيارات العسكرية البغيضة. ومع أن الكوريين الشماليين ليسوا انتحاريين، فإنه من المرجح أن تستمر وتيرة تجارب الصواريخ الكورية الشمالية، ولكن لا يُتوقع أبداً توجيه ضربة مباشرة على الخصم. ومع ذلك، فإن تجارب إطلاق الصواريخ فوق الأراضي اليابانية هي في حد ذاتها أمر شديد الخطورة ويمكن أن يُثير ردود أفعال تصعيدية، مثلها مثل المناورات العسكرية الموسعة وتحليق الطائرات من قبل الكوريين الشماليين والأمريكيين والحلفاء على نطاق قريب يُسهل من احتمالية إطلاق النار المتبادل.

وفي ظل ضعف الثقة / التنسيق بين جميع الجهات الفاعلة والتوترات الشديدة بينها، تؤدي الأخطاء، عند حدوثها، إلى إشعال الحريق. إن احتمال نشوب حرب، والتي من شأنها أن تتسبب في أضرار جسيمة لحليف رئيسي للولايات المتحدة –كوريا الجنوبية- وتؤثر على مسارات الإمداد العالمية، لا تزال غير محتملة. ولكن الأمر اليوم جدير بالتفكير والنظر أكثر من أي وقت مضى. ولا تزال الهجمات الإرهابية التقليدية أكثر احتمالا وخطورة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب / جنوب شرق آسيا عنها في العالم المتقدم.

3- سوريا:

ستستمر وتيرة الحرب في سوريا في الانخفاض خلال عام 2018، وستظل هناك كثير من الآليات المدمِرة في حوزة العديد من الأطراف في ظل عدم الثقة بينها. وتطير القاذفات الروسية والاميركية بانتظام فوق مناطق تمركز القوات الأخرى، وهناك احتمالية ان يؤدي القصف الخطأ إلى قتل أفراد من القوات الاميركية او الروسية. ويتواجد الجنود الأمريكيون مع القوات الكردية حول الرقة ومناطق أخرى شرق الفرات، مما قد يجعلهم هدفا لهجمات من روسيا أو إيران، حيث أن مستوى العلاقة بين واشنطن وطهران في سوريا شديد الخطورة. فترامب يريد أن تخرج إيران من سوريا تماماً.

4- روسيا:

يرغب ترامب أيضا في اقامة علاقات أفضل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. غير أنه لا يمكن أن يتحقق له ذلك في ظل خضوع مقربين منه لأحد أكبر التحقيقات الرئاسية منذ فضيحة ووترجيت، وقيادة الجمهوريين للكونجرس، ووسائل إعلام عدائية، وكثير من المناوئين داخل إدارته. وعندما يقدم المستشار الخاص روبرت مولر نتائج تحقيقاته، سيركز على علاقات حملة ترامب (وربما ترامب شخصياً) مع الدائرة الداخلية للكرملين في روسيا. وسوف يطالب خصوم ترامب عندها بتبني سياسة متشددة للرد على ذلك، والتي من المرجح أن يدعمها الكونجرس، ولكن لن يوافق عليها ترامب. وسيتم نشر الكثير من غسيل الكرملين، وقد يميل بوتين إلى الرد، ربما من خلال هجوم معلوماتي قد يطال جمهوريين بارزين بين أهدافه. وبعيدا عن بوتين وترامب فالعلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا صارت عدائية علنا. وبمجرد أن ينتهي مولر من التحقيق، سيكون هناك سبب لتدهور العلاقات بينهما أكثر من ذلك.

5- الإرهاب:

لا تزال الهجمات الإرهابية التقليدية هي الأكثر احتمالا وخطورة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا عنها في العالم المتقدم. لكن إنهاء “خلافة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا” دفعت العديد من المقاتلين الأجانب إلى العودة إلى أوطانهم، مما يسبب مخاطر متزايدة في أوروبا، وقد يؤدي تطور الدولة الإسلامية في المجال الإلكتروني (الإنترنت) إلى تسهيل القيام بالمزيد من الهجمات السيبرانية. ولا يزال من غير المرجح وقوع هجوم كارثي في ​​الولايات المتحدة. ولكن إذا حدث هجوم من هذا القبيل، فإن النتيجة ستؤدي إلى مزيد من الانقسام داخل الولايات المتحدة وإلى رد مبالغ فيه من قبل ترامب الذي يقع تحت حصار شديد بالداخل ويبحث عن مخرج من أزمته السياسية، كمن “ينتظر حكة من أجل بدء القتال”. ومن شأن هذا الأمر أن يكون له تأثير في إلحاق الضرر اقتصاديا بسياسات الهجرة والأمن، مما سيترتب على ذلك توجيه ضربة لقوة المجتمع المدني الأمريكي. وحتى في أوروبا، فإن المزيد من هذه الهجمات سيستمر وسيكون له أثر في مزيد من التأجيج للنزعة الشعوبية والمزيد من التحركات من أطراف مؤسسات الحكم لتبني سياسات أكثر تطرفاً.

ثالثاً: الحرب الباردة في التكنولوجيا العالمية:

تتسارع وتيرة التقدم المثير في مجال التكنولوجيا باستمرار. وفي السنوات الأخيرة، مكنت ثورة الاتصالات الأفراد من الوصول بشكل غير مسبوق إلى المعلومات وتعزيز التعاون عبر الحدود. واليوم، فإن الموضوع الكبير هو البيانات، وبشكل متزايد ثورة الذكاء الاصطناعي، التي تمكن المنظمات الهرمية من التحكم في تلك المعلومات وفحصها. ولكن هذه الموجة الأخيرة من الابتكار تجري في وقت من التوترات الأوسع نطاقا داخل الإنترنت ومساحات التكنولوجيا التي ستلعب دورا هاما بالنسبة للأسواق العالمية في 2018.

وعلى المدى الطويل، فالتقارب بين الذكاء الاصطناعي، والبيانات الكبيرة، والشبكات فائقة السرعة هو ما سيغير اللعبة تماماً. انها تجربة اجتماعية لم يسبق لها مثيل: الحصول على الهواتف الذكية في يد كل شاب مع القدرة الاقتصادية، وإتاحة الفرصة لهم للتفاعل مع العالم، ورؤية ما يحدث بينما هم يكبرون. وسوف يتطور هذ الأمر كثيراً مع مرور الوقت. إن تحقيق الهيمنة في التكنولوجيات الناشئة هو المعركة الأكثر أهمية في العالم من أجل القوة الاقتصادية.

وفيما يلي أهم علامات التصدع في عام 2018:

1ـ التكنولوجيا المتقدمة:

هناك سباق محموم بين الولايات المتحدة والصين في مجال التكنولوجيا المتقدمة. ويتسابق عمالقة التكنولوجيا في البلدين في إتقان الذكاء الاصطناعي والحوسبة الفائقة بين تكنولوجيات الجيل القادم ذات الكثافة الاستثمارية العالية. وسيتمكن الفائز منهما من أن يهيمن على العالم اقتصاديا وجغرافيا وسياسيا على مدى العقود القادمة. وتزداد الخطوط الفاصلة بين الولايات المتحدة والصين حدة: فلا يزال لدى الولايات المتحدة أفضل المواهب، ولكن بكين تقوم على تدريب العديد من التقنيين. وستواصل الصين ضخ المزيد من الاموال في قطاعاتها الوطنية للبحث والتصنيع، بينما تبذل الولايات المتحدة جهوداً كبيرة في هذا السياق مع سيطرة أقل على أداء القطاع الخاص مقارنة مع بكين. والسباق على أشده في هذا المضمار.

وسيستمر التنافس المحموم بينهما من أجل الهيمنة على السوق في بلدان ومناطق أخرى أفريقيا والهند والبرازيل وحتى أوروبا سيتعين عليها أن تقرر أي المنتجات والمعايير (الأمريكية أم الصينية) ستختار. وتتنافس الصين مع الولايات المتحدة على مستوى العالم لتكون المُورد الرئيسي للتكنولوجيا لمختلف شركائها الدوليين. ويتم إدارة هذه المعركة على ثلاث جبهات هي: البنية التحتية المدنية (من كابلات الألياف البصرية إلى التخزين السحابي)، والسلع الاستهلاكية (إيصال الجيل التالي من الهواتف الذكية إلى كل يد)، والتوريدات الحكومية ومعدات الأمن.

ويُعتبر هذا المجال الأخير في غاية الأهمية، تماما مثل صفقات الأسلحة التقليدية بالأمس القريب – فالربط بين حكومتين في مجال الأمن السيبراني يخلق تبعيات فنية طويلة الأمد يتم ترجمتها إلى علاقات سياسية قوية. تقليديا، وقد استفادت الصين من الشعور بعدم الثقة الذي تولد تجاه الولايات المتحدة بعد المعلومات التي كشفها إدوارد سنودن عام 2013 (إدوارد جوزيف سنودن هو فني كمبيوتر أمريكي، وموظف سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، ومتعاقد سابق لحكومة الولايات المتحدة- قام بنسخ وتسريب معلومات سرية من وكالة الأمن القومي في عام 2013 دون تفويض)، وكذلك من تقديم أسعار أرخص بجودة أقل. ولكن اليوم مثل هذه الادعاءات هي موضع شك لأن المنتجات الصينية أصبحت أفضل من أي وقت مضى، تماما كما يبدأ الأوروبيون وغيرهم الآن في إثارة الشكوك حول التحديات الأمنية في حال القيام بأعمال تجارية مع بكين.

2ـ تفتيت التكنولوجيا:

بمعنى التعدد والتناحر دون التكامل والتعاون، وهو آخر مثال شديد الوضوح على هذه الحرب الباردة في مجال التكنولوجيا العالمية. ويظل مستخدمو الانترنت الصينيين البالغ عددهم أكثر من 700 مليون وراء جدار الحماية العظيم للمنتجات الصينية. وتُطبق الصين وروسيا ودول أخرى تريد السيطرة على تدفق المعلومات قوانين صارمة تتعلق بالأمن السيبراني، وتعمل على إقامة حواجز تحول دون تدفق البيانات عبر الحدود في إطار سعيها للحد من اعتمادها على الأجهزة والبرمجيات الغربية مما يدعم الفضاء الإلكتروني الخاص بها. وتتبنى الولايات المتحدة أيضا سياسة أكثر صرامة بشأن الاستثمار الأجنبي في شركات التكنولوجيا الأمريكية، وذلك ردا على تقدم الصين من جانب، وعلى المخاوف من تهديدات الأمن السيبراني من جانب آخر، في حين أن هاجس خصوصية البيانات لدى أوروبا يجعلها تبقي حذرة تجاه المراقبة الإلكترونية الأمريكية.

ويؤدي التفتيت إلى نشوء مخاطر سوقية، حيث تعمل الشركات التي تروج لها الدولة وشركات القطاع الخاص بشكل أقرب إلى الاحتكار في مجالات نفوذها. وتصبح الأسواق أقل قدرة على المنافسة، وبالتالي، أقل كفاءة. ولعل الأهم من ذلك – وبشكل مباشر – يتآكل عنصر الأمن أيضا نتيجة لذلك. فمن الصعب أن تحمي من الفيروسات العالمية من خلال شركات مكافحة الفيروسات المحلية، ولا يمكن كذلك الابتكار في غياب الشراكات الدولية. وفي النهاية، لن يوقف أي شيء السير نحو نظام اقتصادي وسياسي جديد يعاد تشكيله بواسطة التكنولوجيا، ولكنه بالتأكيد سيجعل الأمر أكثر فوضى.

رابعاً: المكسيك

سوف يكون عام 2018 عاما صعبا بالنسبة للمكسيك. حيث سيكون العام المقبل لحظة حاسمة لمستقبل البلاد على المدى البعيد، والذي سيعتمد بشكل كبير على نتيجة إعادة التفاوض بشأن اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية من جهة، وعلى الانتخابات الرئاسية التي ستجري في البلاد في الأول من يوليه من جهة أخرى. وكلاهما يحمل مخاطر سوقية كبيرة.

1ـ بالنسبة لإعادة التفاوض بشأن اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية فلا يزال من الممكن إعادة التفاوض بنجاح خلال عام 2018، بعيداً عن استمرار ترامب في تهديداته بخصوص الانسحاب من الصفقة. وحتى في حالة قيام ترامب بذلك، فسيكون ذلك حيلة لتعزيز النفوذ الأمريكي في المفاوضات المستقبلية وليس سعياً وراء تدمير الاتفاق. وللأسف، هذا هو الخبر الجيد الوحيد بالنسبة للمكسيك.

ويذكر أنه قد أُعيد التفاوض على الصفقة، التي استمرت 23 عاما، في أغسطس الماضي وامتدت إلى النصف الثاني من العام مع تحقيق نتائج ضئيلة. وقد أدت مقترحات الحماية المتزايدة من جانب الولايات المتحدة إلى إبطاء هذه المفاوضات. وتهدف كندا والولايات المتحدة والمكسيك إلى التوصل الى اتفاق بحلول نهاية مارس قبل بدء الحملة الرئاسية في المكسيك. لكن إعادة التفاوض بنجاح يعتمد على إمكانية تبني الولايات المتحدة لمواقف أكثر مرونة. المكسيك وليس لدى كندا ما يحفزها كثيراً للتوصل إلى حل توافقي مع إدارة ترامب، لأنهم يعرفون تماماً أن مجتمع الأعمال الأمريكي يعارض بشدة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية.

فإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق أو إذا بدأ ترامب عملية الانسحاب، فلن يشكل هذا نهاية الاتفاقية، لكنه سيضع حدا للمفاوضات. وستنسحب كندا والمكسيك، على الأقل في البداية، مما يخلق أجواءً من الشكوك بشأن مليارات الدولارات من النشاط الاقتصادي في المنطقة الأكثر ازدهارا في العالم. وعلى الرغم من أن الجميع سيتقاسم الخسارة، إلا أن الاقتصاد المكسيكي وأولئك الذين يستثمرون فيه سيعانون بشكل كبير جداً، نظرا لاعتماد البلاد الشديد على التجارة مع الولايات المتحدة.

ومن المرجح أن تتداخل مناقشة الاتفاقية مع الانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد مع ارتفاع درجة المخاطر التي قد يسببها كل منهما للآخر. وبمجرد أن تبدأ الحملة الرئاسية في مارس، سيصبح من الصعب جدا على المفاوضين الحكوميين أن يوافقوا على حلول وسط ذات معنى دون أن يظهروا بمظهر الانحناء لـ “الجارة المهيمنة” الأميركية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن منافس الحملة الرئاسة هو “أندريس مانويل لوبيز أوبرادور”، الذي يتبنى خطاباً مناهضاً للولايات المتحدة ويتبنى سياسة اقتصادية تنادي بهيمنة الدولة.

2ـ إن غضب الناخبين من الحكومة المكسيكية في ارتفاع، وذلك بفضل قضايا الفساد المستشرية في البلاد، وتدهور الوضع الأمني، وتباطؤ النمو الاقتصادي. وعلى الرغم من أن مرشح حزب الثورة، وزير المالية خوسيه أنطونيو ميد، يستقطب الناخبين المستقلين، فإن ارتباطه بالرئيس إنريكي بينا نييتو الذي لا يحظى بشعبية كبيرة سيشكل عبئا على ترشيحه.

أما لوبيز أوبرادور فهو ليس متطرفا كما يصوره بعض منافسيه، لكنه يمثل معارضة أساسية للنموذج الاقتصادي الصديق للمستثمرين الذي يتم تطبيقه في المكسيك منذ الثمانينات، وخاصة بالنسبة لفتح قطاع الطاقة مؤخرا للاستثمار الأجنبي الخاص. إن القيود المالية وانعدام أغلبية تؤيده داخل الكونجرس من شأنه أن يحد مما يمكنه تحقيقه، ولكن رئاسته للبلاد، خاصة إذا كان مستقبل اتفاقية التجارة الحرة غير مؤكد، سيجلب مخاطر كبيرة على السوق في المكسيك.

خامساً: العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران

سواءً كان دونالد ترامب على صواب أم على خطأ، فإنه يرى أن إيران هي موطن الشر على مستوى العالم. وفي عام 2018، ستكون العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران مصدرا لمخاطر جيوسياسية واسعة وكبيرة. ومن المحتمل أن يستمر الاتفاق النووي، المعروف باسم الخطة الشاملة للعمل المشترك، خلال عام 2018، ولكن هناك احتمالات كبيرة بأنه لن يستمر، مما سيؤدي إلى دفع المنطقة إلى فترة أزمة حقيقية.

وتعتزم الولايات المتحدة تنفيذ استراتيجية شاملة لمكافحة النفوذ الإقليمي لإيران وطموحاتها النووية. وهذا يعني تقديم الولايات المتحدة لدعم قوي للمملكة العربية السعودية وبذل جهود أكثر نشاطا لاحتواء إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن. كما ستعاقب الولايات المتحدة إيران بشكل أكبر على إجراء تجارب صواريخ باليستية، وتقديم الدعم للإرهاب، وانتهاكات حقوق الإنسان. كما أن دعم ترامب العام للاحتجاجات المستمرة في إيران سيزيد من حدة التوترات بين البلدين.

وسوف ترد إيران على ذلك من خلال مضايقة السفن البحرية الأمريكية، وهي مقامرة يمكن أن تؤدي إلى أعمال تصعيدية خطيرة. ويمكن أن يؤدي صراع الحرب بالوكالة إلى قتلى بين صفوف القوات الإيرانية أو الأمريكية. أما المملكة العربية السعودية وولي عهدها المندفع نحو المخاطر فقد يعتبر أن دعم الولايات المتحدة له بمثابة ضوء أخضر لمواصلة مواجهة إيران، مما قدد يسبب أخطاراً كبيرة في المنطقة. وتتعرض العلاقات الإيرانية-السعودية المتوترة لمخاطر شن هجمات إلكترونية متبادلة ستشكل تحديات أمام المستثمرين الذين يسعون إلى الاستثمار في كلا البلدين.

يعتبر هذا الأمر شديد السوء، ولكن الأسوأ من ذلك هو ما قد يحدث إذا انهار الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران. فالآن وفي هذه المرحلة، يظل الاتفاق باقياً فقط على شعرة. إن قرار ترامب الذي قد يكون صادماً حول الأمر الخاص بالتصديق على تجديد الاتفاق من عدمه في 13 أكتوبر المقبل سيظهر سياسته النهائية في هذا الخصوص. وسوف يقف الاتحاد الأوروبي والدول الاعضاء فيه ضد مطالب ترامب الرئيسية “بتصحيح” الاتفاق النووي. وحيث أن إيران تحصل على فوائد مالية كبيرة من وراء الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، فإنها ستعمل على استمراره.

بعد كل ما ذُكر، يمكننا القول إن هناك احتمال كبير أن يفشل الاتفاق النووي في عام 2018. أما انسحاب إيران من الصفقة فهو احتمال مستبعد تماماً. وستكون إيران حريصة دائماً على إلقاء اللوم على واشنطن وستحاول إبقاء الدول الأوروبية إلى جانبها. وكانت طهران في الأساس قد وافقت على الاتفاق لأسباب مالية ومن أجل حفز اقتصادها وخلق فرص عمل جديدة. ومن شأن الأمر التنفيذي الجديد – الذي قد يصدر من الولايات المتحدة من جانب واحد لتغيير الاتفاق النووي، والعقوبات الأمريكية الجديدة، والخطاب الأمريكي المعادي الذي انتشر مؤخراً – أن يسمم المناخ الاستثماري الإيراني، مما يؤدي إلى إضعاف الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد. وقد تقرر النخبة في إيران تحت ضغط من المتشددين، خلال عام 2018، أن الصفقة لم تعد في مصلحة البلاد. وستكون طهران في هذه الحالة حريصة على إلقاء اللوم على الولايات المتحدة، خاصة إذا اتخذ ترامب خطوات في إحداث خرق مادي للاتفاق.

وقد يقوم ترامب بإنهاء الاتفاق تماماً. وهذا أقل احتمالا، ولكن لا يزال وارداً. ففي أي لحظة، يمكن للرئيس الأمريكي أن يقوم بإلغاء التنازلات وإنهاء تخفيف العقوبات، مما يسفر عن قتل الاتفاق فعلياً. ولا يمكن التنبؤ بما قد يفعله هذا الرئيس عندما تظهر نتائج تحقيقات مولر. فقد يقرر القيام بالتصعيد في موضوع الاتفاق النووي تحت الضغط الهائل الذي يعاني منه داخلياً.  وإذا فشل الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، فسندخل في ديناميكية جيوسياسية جديدة وخطيرة.

وفيما يتعلق بتخفيف العقوبات والبرنامج النووي الإيراني، هناك سيناريوهان محتملان:

1- على الأرجح، فإن فرض الولايات المتحدة لعقوبات إضافية على إيران سيقود معظم الشركات الأوروبية واليابانية إلى مغادرة إيران. وسيقرر مستوردون للنفط في أوروبا وكوريا الجنوبية واليابان عدم شراء النفط الإيراني. لكن الصين والهند لن تقبلا مطالب الولايات المتحدة بتخفيض وارداتها من إيران بشكل كبير، خصوصاً إذا كانت إيران تقدم لكلا المشترين خصم كبير. وستعزز إيران حينها من برنامجها النووي، وستبدأ في استخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة والتي هي قيد التخزين حاليا والعمل على نطاق واسع في التجريب والإنتاج لنماذج أكثر تقدما منها. وستؤدي التهديدات بتوجيه ضربات أمريكية و / أو إسرائيلية مرة أخرى إلى مزيد من المخاطر في المنطقة وكذلك إلى زيادة أسعار النفط.

2- سيناريو أقل احتمالا، وهو أن توافق أوروبا وروسيا والصين على “الخطة شاملة للعمل المشترك الثانية” مع إيران. وحينها يتراجع ترامب عن تنفيذ قراره أو يقرر عدم تطبيق العقوبات الإضافية. ويعلن التنازل من أجل المصلحة العامة حتى لا يؤدي إلى المزيد من التمزق في العلاقات عبر الأطلنطي. وفي حين أن وتيرة الاستثمار الأجنبي ستتباطأ، فإن الشركات التي أنشئت بالفعل في إيران ستبقى كما هي وستنضم إليها شركات أخرى جديدة. وسيواصل المستوردون الأوروبيون والآسيويون شراء النفط الإيراني. وستواصل إيران الامتثال للشروط النووية لبرنامج العمل المشترك. ومع أن التأثيرات الجيوسياسية لهذا السيناريو محدودة، فإن العلاقات الأميركية – الإيرانية المتوترة سوف يمتد تأثيرها إلى الجيوسياسية الإقليمية. ومن شأن القلق بشأن إمكانية حدوث تحول شديد في سياسة العقوبات لترامب أن يثير مخاوف المستثمرين تجاه إيران.

سادساً: تآكل المؤسسات

يؤدي عدم إصلاح المؤسسات السياسية إلى ضعفها وتآكلها مع مرور الوقت حتى لو كانت قوية الآن. وتعتمد شرعية المؤسسات على مصداقيتها، وكما قال السياسي البريطاني السابق الذي ينتمي إلى المحافظين مايكل جوف في الفترة السابقة للتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، “لقد كان لدى شعب هذه البلاد ما يكفي من الخبراء.” وعبر العالم المتقدم (باستثناء اليابان)، انخفضت الثقة الشعبية في المؤسسات التكنوقراطية / البيروقراطية بشدة، نتيجة للتدخل السياسي المباشر في عملها في بعض الحالات. وهكذا، فإن معظم الديمقراطيات الصناعية المتقدمة على الجانب الأيمن العلوي من “منحنى جيه ” – الذي يصف العلاقة بين الاستقرار والانفتاح – قد بدأت تهبط إلى جهة اليسار. وسوف يكون ذلك خبراً مهماً على مستوى العالم في عام 2018.

أما في المملكة المتحدة، فهناك انتقادات لمن يتحدثون بشكل محبط عن البلاد من خلال استمرار الجدل حول على شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي الولايات المتحدة، أصبحت الهجمات التي توصف بالحزبية على مكتب الميزانية الكونجرس غير الحزبي أمرا شائعا. ووجدت المحاكم اليونانية أن رئيس المكتب الإحصائي السابق مذنب بالعصيان وخرق الواجب للكشف عن الحجم الحقيقي للعجز في البلاد. وقد فقدت قطاعات أوسع من الجمهور وممثليها الثقة في أداء الوظائف البيروقراطية. وليس من قبيل الصدفة أن عبارة “الدولة العميقة” – التي بدأت لأول مرة منذ ما يقرب من قرن من الزمان في تركيا في عهد مصطفى كمال أتاتورك – قد وجدت الآن طريقها إلى واشنطن وفي تغريدات الرئيس على تويتر.

وفي الولايات المتحدة، انخفضت شرعية وسائل الإعلام الرئيسية بشكل كبير. ويعتقد الكثير من الجمهور الآن أن التقارير عادة ما تكون “مسيسة”، مما يغذي نمو نظريات المؤامرة والحركات السياسية التي كانت الأجيال السابقة تعتبرها غير مقبولة. كما تآكلت الثقة في العملية الانتخابية عن طريق تأجيج القلق من أن الديمقراطية في البلاد “مزورة”. ويُخشى أن يؤدي تصاعد “الأخبار المزيفة” إلى أن يقوم المرشحون بالتلاعب بالنظم الانتخابية، وتزوير المناطق، والقواعد المصممة لجعل التصويت أكثر صعوبة – كلها تشوه عملية التصويت والانتخابات برمتها. ويدل انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات عبر أوروبا والولايات المتحدة على تزايد نسبة اللامبالاة العامة. وقد أصبحت الاحتجاجات على التصويت بين المتقدمين أكثر شيوعا.

كما نشهد الآن تآكلاً كبيراً للمؤسسات السياسية في جميع أنحاء أوروبا الشرقية، وفي إسبانيا وتركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا ودول أخرى. ورغم أن النزعة الشعبوية تتصاعد في العالم المتقدم اليوم، وبشكل أكبر في الأسواق الناشئة، فإنها لا تؤثر على صنع السياسات بشكل كبير. ولا تزال جماعات المصالح الخاصة قوية جدا، ولا زال المحرومون ضعفاء جدا، ولا تزال المشاكل المزمنة شديدة التعقيد بالنسبة لمعظم الحكومات ولا تتيح لها إحداث تغييرات جذرية في السياسة العامة. ولكن تزايد مشاعر التعصب المقيت بدأت تُضعف شرعية المؤسسات السياسية حتى في الديمقراطيات الراسخة.

وسيؤدي هذا الاتجاه إلى نقاط تحول سلبية في الأسواق في البلدان التي تعاني فيها المؤسسات من أضرار بالغة وتبدو أنظمتها أقل مرونة. والنتيجة الحتمية لذلك في كثير من الأحيان هو عدم الاستقرار أو الحكم الاستبدادي. وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى تدهور مناخ الاستثمار، خاصة عندما يتحكم المقربون من الرئيس في الاقتصاد. كما أن المؤسسات الضعيفة تزيد من عدم القدرة على التنبؤ بما قد يحدث – أثناء صنع السياسات. وتُعتبر المؤسسات هي صمام الأمان في الدول. وتٌقلل المحاكم ووسائل الإعلام القوية من الحاجة إلى الاعتماد على أفراد أقوياء من أجل الاستقرار.

وأخيرا، فإن التآكل المؤسسي في العديد من البلدان ينذر بعدم الاستقرار الهيكلي في النظام العالمي عموماً.

وسيكون للطبقات الوسطى الساخطة اليوم في الأسواق الناشئة – سيكون لها فرصة أكبر لاتخاذ طريق مباشر نحو السلطة، كما كان الأمر في السوق المتقدمة “التي تجاوزها الزمن” بسبب العولمة. وفي ظل غياب تقديم حلول من قادة العالم – والتي لا يُنتظر تقديمها في المستقبل القريب – فإن العلاقات الدولية التقليدية التي ترتكز على الدولة ستصبح أكثر فأكثر في حالة من اللا استقرار، وسيصبح الصراع أكثر احتداماً بين حين وآخر، وستتدهور آلية صنع القرار، وستشيع الفوضى الداخلية.

سابعاً: الحمائية 2.0

يعاود مفهوم “الحماية” الظهور من جديد نتيجة الضغوط الشعبية الكبيرة، وانتشار الرأسمالية الحكومية، والركود الجيوسياسي المستمر. وقد أدى صعود حركات تعمل ضد المؤسسات في الأسواق المتقدمة إلى دفع أو تمكين صناع السياسات من التحول نحو نهج أكثر إلى “المركنتيلية” من أجل المنافسة الاقتصادية العالمية ويبدون وكأنهم يفعلون شيئا بخصوص “الوظائف المفقودة”. لكن الحقيقة أن الجدران آخذة في الارتفاع أكثر فأكثر. (المركنتيلية حسب المعجم هي: “نزعة للمتاجرة من غير اهتمام بأي شيء آخر”، وهي كذلك مذهب سياسي-اقتصادي ساد في أوروبا فيما بين بداية القرن السادس عشر ومنتصف القرن الثامن عشر.”

وعلى الصعيد الدولي، أثار تزايد التأكيد على النزعة الصينية – ولا سيما في مجال شراء الأصول الأجنبية الاستراتيجية – القلق من أن عمليات نقل الملكية الفكرية تجري بوتيرة متسارعة مما يتطلب رداً سياسياً عليها. ويحدث كل هذا في سياق ما يُعرف بـ “جي زيرو وورلد” (يشير مصطلح “جي-زيرو وورلد” إلى الفراغ في السلطة على مستوى السياسة الدولية بسبب تراجع التأثير الغربي). والانسحاب العام للقيادة الأمريكية يعني أنه لم يثبت أي من القيادات أن لديه استعداد وقدرة على ضمان كتابة قواعد جديدة للعبة لإدارة مثل هذه التحولات السريعة.

ساعدت جميع هذه التوجهات معاً على ظهور مبدأ “الحماية 2.0 “، مع حواجزه المعروفة في كل من الاقتصادات “القديمة” و “الجديدة”. فالحكومات لا تحاول حماية المزايا النسبية في القطاعات التقليدية مثل الزراعة، والمعادن، والمواد الكيميائية، والآلات من أجل الاهتمام بالفرص المفقودة أو المصالح الاقتصادية المحلية فقط. بل إنها تتدخل كذلك في الاقتصاد الرقمي والصناعات كثيفة الابتكار، بهدف أساسي هو الحفاظ على الملكية الفكرية والتكنولوجيات ذات الصلة باعتبارها عناصر حاسمة في القدرة التنافسية الوطنية.

والحواجز الجديدة أقل وضوحا أيضا. وبدلا من التدابير التقليدية مثل التعريفات الجمركية على الواردات وتخصيص الحصص، تشمل أدوات الاختيار اليوم تدابير “عابرة للحدود” مثل عمليات الإنقاذ والإعانات ومتطلبات “شراء المصنوع محلياً” المصممة لدعم الشركات والصناعات المحلية. ولا تحيد هذه التدابير بالضرورة عن قواعد منظمة التجارة العالمية. وهناك عجز جماعي عن تحديث وتعزيز قواعد التجارة العالمية القائمة.

إن الشكل الجديد للحمائية يولد المزيد من الحيرة لأنه غالبا ما يستهدف الخصوم السياسيين. وباختصار، فإنه من المهم معرفة من أين تأتي التجارة والاستثمار. ويتزايد تسييس أصل الاستثمار الأجنبي المباشر وتنظيمه، حيث يزداد قلق الدول بشأن السيطرة الأجنبية على الداعمين المحليين والتكنولوجيات الحساسة. وتبدو هذه الشكوك على أشدها بين أوروبا / الولايات المتحدة   الصين / روسيا.

ومن شأن هذا الاتجاه أن يخلق مخاطر تجارية جديدة خلال عام 2018:

1: يتم وضع قواعد جديدة للاقتصاد العالمي دون أي معايير أو إشراف مشترك، لذا فإن الفحص والتوازن في مواجهة النزعة الحمائية غير موجود.

2: ستصبح البيئة العالمية المنظمة أكثر تعقيدا وتناقضا لأن هذه الحمائية الجديدة سوف تكون متعايشة مع استمرار الدفع في اتجاه اتفاقات التجارة الحرة الإقليمية. وسيتعين على الشركات والمستثمرين أن يديروا سلسلة إجرائية للتوريد أكثر تعقيدا وأن يتخطوا المزيد من القيود على تدفقات البيانات وغيرها من الحواجز غير المرئية أو التي لا يمكن تمييزها. وسترتفع تكلفة ممارسة الأعمال التجارية، وستكون سلاسل التوريد أقل مصداقية. وسوف يتحمل المستهلكون العبء الأكبر من الخسائر.

3: في حين أن الحمائية الاقتصادية قد تبدو وكأنها وسيلة حميدة للمنافسة الدولية، فإن الاستياء السياسي الذي ستتسبب فيه بين القوى الكبرى يعرض العالم لخطر الانتقال إلى مجالات أخرى من الدبلوماسية. وفي نهاية المطاف، فإن الحمائية 2.0 سوف تتسبب في إحداث كثير من الضرر الجيوسياسي أكثر مما يتوقع أولئك الذين يطبقون قواعد هذه الحماية بالفعل.

ثامناً: المملكة المتحدة

قد لا يكون عام 2018 جيداً بالنسبة للمملكة المتحدة، بل سيكون أسوأ مما سبق. وستأتي مشاكل البلاد من مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوربي الشائكة والسياسة الداخلية الصعبة. أما بالنسبة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن صفقة ديسمبر بشأن نقل المفاوضات حول المادة 50 من قضايا المخارجة من الاتحاد إلى القضايا المتعلقة بالعلاقات المستقبلية – هذه الصفقة لن تؤدي إلى التفاوض السلس لرئيسة الوزراء تيريزا ماي. فالقضايا التي يجب التفاوض بشأنها الآن معقدة للغاية، كما أن السياسات كذلك تبعث على الانقسام.

وستمثل ايرلندا الشمالية صداعا كبيرا للمملكة المتحدة. فعلى الرغم من أن صفقة العام الماضي تلزم المملكة المتحدة بتجنب خلق حدود صلبة بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، إلا أن وسائل التخلص من هذه المشكلة لا تزال غير واضحة. فبعض أنواع الحدود يجب أن تكون موجودة بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، حتى لو تم الاتفاق على مواءمة تنظيمية محدودة بين الأطراف الإيرلندية. ولكن أي صفقة خاصة لإيرلندا الشمالية ستشكل سابقة خطيرة، حيث ستطالب حينها مناطق أخرى في المملكة المتحدة بنفس الشيء. وسيكون هذا الأمر واحدا من أصعب القضايا التي يجب حلها، وخاصة في ظل التشكيلة السياسية الحالية في لندن ودبلن. وقد تفقد رئيسة الوزراء وظيفتها بسبب إدارتها لعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وهناك المزيد في هذا السياق. حيث لم تنته بعد المفاوضات حول الأموال التي ستضطر المملكة المتحدة لدفعها للاتحاد الأوروبي. وسيتم دفع أي مبلغ نهائي لذلك إلا إذا كانت المملكة المتحدة ترغب فيما كانت تحصل عليه من خلال التجارة، وهذا هو الحوار الصعب. وحيث أن السائد الآن أنه “لا يتم الاتفاق على أي شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء”، فإن الاتفاق الهش الذي تم التوصل اليه في اواخر العام 2016 يمكن أن يتم نقضه. ولن يكون التفاوض حول الترتيبات الانتقالية للمملكة المتحدة من أجل لتجنب التعريفات الجمركية لمنظمة التجارة العالمية في مارس 2019 – لن يكون هذا التفاوض سهلاً كذلك.

وفيما يتعلق بمسألة القيادة البريطانية، فمن المحتمل أن تحتفظ تيريزا ماي برئاسة الوزراء في عام 2018، لكن إدارتها لعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد تكلفها وظيفتها.

وهناك سيناريوهان محتملان في حال رحيل ماي – وكلاهما سلبي:

الاحتمال الأول: على الأرجح، سيتم استبدال تيريزا ماي بشخص أكثر تشدداً من خلال ما يمكن أن يكون نوعا من انقلاب داخل القصر. وهذا من شأنه أن يزيد الأمور حول المادة 50 تعقيداً.

الاحتمال الثاني: وهو السيناريو الأكثر سلبية أنه ستجري انتخابات جديدة تؤدي إلى استبدال تيريزا ماي بزعيم حزب العمال جيريمي كوربين. وهذا من شأنه أن يضر بكل من مفاوضات المادة 50 والسياسة الاقتصادية المحلية على السواء.

وستعتمد احتمالات كل سيناريو على قدرة ماي على الوصول إلى حالة من إنهاء علاقة الدولة مع الاتحاد الأوروبي والدخول في مفاوضات المادة 50. وللقيام بذلك، سيتعين عليها أن تحدد بوضوح أكثر ما تريده حكومتها: أن تبقى قريبة من أوروبا من الناحية الاقتصادية وتخضع لبعض قواعدها، أو أن تعطي الأولوية لاستقلال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوربي، بصرف النظر عن المخاطر الاقتصادية التي تجلبها. ومجلس الوزراء منقسم حول ذلك الأمر. فإذا كانت ماي تعطي الأولوية للاقتصاد، فإن اليمين سيتحرك للإطاحة بها، وربما يحل محلها المتشددون. وإذا أعطت الأولوية للسيادة والاستقلال، فإن المحافظين المؤيدين لأوروبا، وكذلك المعارضة يستطيعون أن يستخدموا حق النقض (الفيتو) على الصفقة التي تجلبها ماي إلى البرلمان عند التصويت على المادة 50 في خريف هذا العام. ولن تنجو الحكومة الحالية من هذه الخسارة، ومن المرجح كذلك أن يفوز كوربين في انتخابات عامة مبكرة.

تاسعاً: سياسات الهوية في جنوب آسيا

احتلت سياسات الهوية في أوروبا والولايات المتحدة مركز الصدارة في السنوات الأخيرة، وسنرى المزيد من الأدلة على ظاهرة مماثلة في جنوب شرق آسيا وفي شبه القارة الهندية خلال عام 2018. هذا الاتجاه يهدد بشكل متزايد مستقبل هذه المناطق المزدهرة، مما سيؤدي إلى خلق تحديات غير متوقعة للمخططين الاقتصاديين والمستثمرين الأجانب.

وتأتي سياسة الهوية في جنوب آسيا في أشكال عديدة منها: الإسلامية أو الإسلاموية، والنفور تجاه الأقليات الصينية وغيرها، وتعزيز القومية الهندية.

وتُغذي الإسلاموية في أجزاء من جنوب شرق آسيا أشكال الشعبوية المحلية وأبرزها في إندونيسيا وماليزيا. ففي إندونيسيا، تُمكن المخاوف من أن يصبح غالبية السكان المسلمين في البلاد ضحايا للظلم الاقتصادي والسياسي – تُمكن الجماعات الإسلامية من العمل، بالتوازي مع معارضين آخرين للرئيس جوكو ويدودو (جوكوي)، لاستغلال هذا الاستياء في تحقيق مكاسب سياسية. وستستمر سياسة الهوية في تشكيل المشهد السياسي الإندونيسي مع توجه البلاد نحو الانتخابات الرئاسية لعام 2019. كما أن الاسلام السياسي أصبح أكثر بروزا في ماليزيا حيث يواصل رئيس الوزراء نجيب رزاق التودد للمسلمين الملايو من أجل كسب أصواتهم للفوز بإعادة انتخابه في وقت لاحق من هذا العام.

وهناك أيضا مشاعر مناهضة للعرق الصيني ومناهضة كذلك للأقليات في جميع أنحاء المنطقة. وكانت مشاعر الاستياء تجاه الصينيين، الذين يحوزون حصة غير متناسبة مع عددهم من ثروات عدة بلدان، مسألة قديمة في اندونيسيا. ولكن هذه المشاعر قد عادت بقوة مؤخرا، لا سيما بعد حملة ناجحة قام بها ناشطون لهزيمة وسجن الحاكم السابق لجاكرتا الذي ينتمي إلى العرق الصيني. وفى مناطق اخرى في جنوب شرق اسيا، أثار اضطهاد أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار، الذين لا تعترف بهم حكومة ميانمار رسميا كمواطنين، اسوأ ازمة انسانية شهدتها المنطقة منذ عقود.

أما في الهند، فبعد أن كانت العلمانية والاشتراكية والانخراط مع البلدان ذات الأغلبية المسلمة حجر الزاوية في رؤية حزب المؤتمر للبلاد، فسوف يلجأ رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي وحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم إلى محاولة استخدام الخطابات والسياسات القومية الهندوسية للفوز بدعم الهنود الغاضبين من “استرضاء” الجماعات الإسلامية وغيرها من الأقليات للاحتفاظ بمنصبه. حتى الهندوس العدائيون أو المعتدلون يتشككون في نموذج حزب المؤتمر الذي عايشوه على مدى عقود، مما يجعل رؤية حزب بهاراتيا جاناتا المتعارضة مستساغة لهم. فالنزعة الهندوسية سوف تشكل الأساس الذي سيسعى حزب بهاراتيا جاناتا من خلاله لتوحيد غالبية الهنود حوله.

فالإسلاموية، والمشاعر المعادية للصينيين والأقليات الأخرى، والقومية الهندية الأكثر تشددا، تخلق مخاطر كبيرة لبيئة الأعمال في المنطقة. وستبدي الديمقراطية العلمانية في إندونيسيا المرونة، لكن الضغوط الشعبية وأسلمة السياسة ستقوض شرعية المؤسسات الديمقراطية والحكم في البلاد، وستضعف حكم القانون هناك.

ومن الناحية المالية، فمن المحتمل أن يعالج جوكواى عدم المساواة من خلال العمل على إنفاق الرفاه الاجتماعي، الذي يفيد الاندونيسيين، ولكنه سيضر بالتوازن الاقتصادي الكلى للبلاد. وفيما يتعلق بالمسائل التنظيمية، سيبدأ تطبيق علامات “الحلال” الإلزامية في عام 2019، مما سيؤثر على المنتجات المباعة في قطاعات تشمل الأغذية والمشروبات والمستحضرات الصيدلانية ومستحضرات التجميل. وهذا سيزيد من التكاليف التنظيمية للشركات. كما أن الشعبوية الإسلامية المتزايدة تعزز القومية الاقتصادية والحمائية.

كما أدت أسلمة السياسة إلى الصعوبة في سن قوانين أكثر صرامة لمكافحة الإرهاب، وتهيئ الشعبوية الإسلامية بيئة أكثر ملاءمة لمقاتلي الدولة الإسلامية العائدين من الشرق الأوسط لنشر أيديولوجيتهم والقيام بتجنيد أعضاء جدد، مما يزيد من خطر وقوع هجمات في المنطقة. كما أن التوترات الاجتماعية المتزايدة تجعل أصحاب الأعمال الصينيين الإثنيين الأثرياء أقل استعداداً لإعادة الأموال التي كانوا يستثمرونها ويحتفظون بها منذ فترة طويلة في مواقع مثل سنغافورة، مما سيؤثر سلبا على المحاولات الإندونيسية والماليزية لزيادة الإيرادات الضريبية.

في الهند، يكمن الخطر من استخدام مودي للقومية لتعزيز دعمه قبل انتخابات 2019 والذي يمكن أن يعطي تغطية لعناصر متطرفة من المجتمع تريد استهداف المسلمين والطبقات الدنيا من الهندوس، مما يؤدي إلى مخاطر عدم الاستقرار المحلي.

عاشراً: أمن أفريقيا

يظل الحديث عن “صعود أفريقيا” له جاذبية، ولكن هذا العام سيشهد تحديا جديدا لأفريقيا. وقد هيأت البلدان الرئيسية في القارة (كوت ديفوار ونيجيريا وكينيا وإثيوبيا وغيرها) مناخا استثماريا قويا، وقد تم عزلها بشكل عام عن مشاكل “محيطها” (مالي وجنوب السودان والصومال وما إلى ذلك). ولكن في عام 2018، ستؤدي التداعيات السلبية من محيطها الأفريقي غير المستقر إلى إفساد قصص النجاح في القارة بشكل ملحوظ.

ويكمن التهديد في المخاطر الأمنية في: التشدد والإرهاب. والأخطار التي تشكلها حركة الشباب في شرق أفريقيا والقاعدة في غرب أفريقيا ليست جديدة، ولكنها تتجه نحو التصاعد. وعلى الرغم من خسارتها للأراضي في عام 2017، فإن حركة الشباب لا تزال تنفذ هجمات مفاجئة، وستتطلع إلى القيام بهجمات على أهداف دولية في عام 2018. ومن المرجح أن تزيد الدولة الإسلامية من نشاطها في غرب أفريقيا، وأن تتوسع إلى شرق أفريقيا، بعد طردها من معاقلها الرئيسية في الشرق الأوسط.

وتبدو البلدان المستهدفة بالإرهاب أكثر ضعفا مما كانت عليه منذ سنوات، بينما يبدو الشركاء الخارجيون أقل قدرة على إقامة جبهة موحدة لدعم هذه الدول. فالجهات الفاعلة المحلية في البلدان “الأساسية” تعاني بالفعل من ضعف القدرة السياسية. وستركز الحكومة الكينية على الانتعاش الاقتصادي بعد دورة انتخابية ممتدة. وتدخل نيجيريا موسم الانتخابات مع وجود شكوك بشأن صحة زعيمها الحالي. وتواجه جنوب أفريقيا صراعا سياسيا داخليا. أما أنجولا فهي مشغولة بانتقال جديد للسلطة. ومازالت موزمبيق تعاني من فضيحة الديون التي استمرت سنوات.

وقد انشغل الشركاء الأجانب الذين كانوا يساعدون على استقرار الحكومات الضعيفة في الماضي بأمور أخرى. ففي الشرق، قلصت أوروبا من دعمها لرواتب قوات بعثة الاتحاد الأفريقي المكلفة من الأمم المتحدة إلى الصومال والتي تعمل في المنطقة الساخنة ضد حركة الشباب. وعلى امتداد الساحل، تعتزم مجموعة الـ 5 لمكافحة الإرهاب من تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا- تعتزم إطلاق قوة قوامها 5000 شخص في مارس 2018. ولكن الخلافات بين فرنسا والولايات المتحدة ومسؤولي الأمم المتحدة ستبطئ من توفير التمويل اللازم لذلك، تاركين المنطقة تتعرض للخطر، على الرغم من ضخ دعم مالي لها من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ويترتب على الهشاشة المتزايدة لأفضل البلدان أداء في أفريقيا آثار عديدة. فكينيا، ونيجيريا، وأوغندا، وإثيوبيا تواجه زيادة في تكاليف الأمن في وقت تحتاج فيه حكوماتها إلى خفض الإنفاق. ومن شأن ارتفاع الهجمات أن يقوض أيضا احتمالات الاستثمار الأجنبي التي تأثرت بالفعل كثيراً بسبب العنف المتصل بالانتخابات في كينيا، وحركة الاحتجاج الاجتماعي المتنامية في إثيوبيا، والشكوك بخصوص خلافة الرئيس في نيجيريا وأوغندا.

وقد يرى المستثمرون الأجانب أن أصولهم مستهدفة مباشرة. وستكون المنشآت السياحية والطاقة معرضة للخطر بوجه خاص. ومن شأن ذلك أن يضع ضغوطا شديدة على الاستثمار الأجنبي المباشر في القارة، مما يجعل التنمية تعتمد على رأس المال المحلي المحدود. كما أن ضغط تدفقات اللاجئين المتصلة بالأمن على بلدان المنطقة وفي أوروبا لن تخف حدته خلال 2018، مما سيخلق صداعا لصانعي السياسات على جانبي البحر الأبيض المتوسط.

.. وأخيراً

1ـ بيت ترامب الأبيض

كان مشروع قانون الضرائب نصراً لترامب والحزب الجمهوري. وعلى الرغم من ذلك، ففي عام 2018 فالواقع يقول إن ترامب سيظل محتفظاً بوضعه كأضعف رئيس أمريكي دخل البيت الأبيض منذ عقود في نظام لا يستطيع حتى الرئيس القوي أن يفعل الكثير. ولا يمكن لأحد أن يوقف ترامب عن التغريد على تويتر، ولكن 280 حرفا لا تساوي السياسة. فلديه هامش ضئيل في مجلس الشيوخ مع عدد قليل من أعضاء مجلس الشيوخ من حزبه قد تحولوا ضده. وتتسع الانقسامات بين الجمهوريين في مجلس النواب كذلك. ويواجه ترامب خطر التعرض لخسارة كبيرة في مقاعد الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي.

وبالنسبة لعام 2018، فيستطيع ترامب على الأكثر أن يُنهي عددا محدودا من الأولويات التشريعية الجارية حالياً ويُصدر بعض الأوامر التنفيذية. وإذا حدثت أزمة كبيرة لا قدر الله، فسنصبح جميعاً في ورطة. وما عدا ذلك، فالبيت الأبيض سيتجه نحو تشتيت الانتباه بشكل كبير عن تحقيق مولر الذي هو على وشك الانتهاء. وهذا يبشر بعام من عناوين يومية مشتعلة دون جديد تقريباً في مجال السياسة على أرض الواقع.

2ـ منطقة اليورو

سيكون عام 2018 عاماً مليئاً بالأحداث بالنسبة لأوروبا. فعلى ألمانيا استعادة مسيرتها بعد موسم انتخابي مضطرب، وستواجه إيطاليا انتخابات مثيرة للجدل، ولن تصبح حرب الرئيس إيمانويل ماكرون من أجل الحفاظ على المصالح المكتسبة أسهل في فرنسا. لكن نظرة فاحصة على مسارات الدول منفردة في منطقة اليورو تشير إلى أن المنطقة ببدو أنها ستشهد سنة أخرى بناءة نسبيا بعد مفاجأة المراقبين بالارتفاع الملحوظ في عام 2017.

وستتوحد السياسة الالمانية من جديد وتستعيد حيويتها بعد الاضطرابات الأخيرة – على الاقل للسنوات القليلة القادمة. وقد لا تكون مسيرة الإصلاحات الفرنسية سهلة، لكن حكومة ماكرون ستقدم تدريبات مهنية جديدة وتصلح نظام إعانة للبطالة خلال الأشهر المقبلة. وتتعرض إيطاليا لخطر الخروج من موسم الانتخابات بحكومة ائتلافية ضعيفة أو حتى حكومة أوروبية راديكالية، ولكن في أي من الأحوال سوف ينهار اقتصاد البلاد. ولن يختار الإيطاليون مغادرة منطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي. وسوف نستمر في انشغالنا بالسياسة الأوروبية خلال عام 2018، ومع ذلك ستشهد منطقة اليورو عاماً آخر مشجعاً ولكن بشكل متواضع.

3ـ فنزويلا

تتعرض فنزويلا الآن لتضخم كبير، وتواجه نقصا حادا في معظم السلع الأساسية. ولكن على الرغم من أن الاقتصاد في وضع سقوط حر، فالرئيس نيكولا مادورو يدخل إلى عام 2018 وهو في وضع مريح نسبيا. وقد عزز السيطرة على مؤسسات البلاد، ويحظى بدعم عسكري، وقام على نحو فعال بتقسيم المعارضة وإضعاف معنوياتها، مما جعلها غير قادرة على فرض تغيير النظام. وستجرى الانتخابات الرئاسية لعام 2018 على شروط مادورو ضد مرشح من المعارضة يقوم هو باختياره، حتى لو كان ذلك يأتي على حساب تعريض البلاد لعزلة دولية أكبر، وهي معادلة يستطيع النظام أن يتحملها.

وتُخلف الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في فنزويلا أوضاعاً اجتماعية هشة، مع وجود احتمال ضئيل بأن ينفجر النسيج الاجتماعي السياسي للبلاد في وقت ما هذا العام. ولكن حتى في مثل هذا السيناريو، ستكون النتيجة إيجابية، لأن الاضطرابات الواسعة والمستمرة من المرجح أن تدفع الجيش إلى التخلي عن مادورو في النهاية، مما سيؤدي إلى انتقال للسلطة عن طريق التفاوض، وإجراء انتخابات جديدة، وحكومة معارضة بناءة. ويمكن أن يسبق هذا التحول فترة انتقالية قصيرة، غير أن خطر تحول هذا التحرك إلى حرب أهلية أو حدوث تأثير غير مباشر أكثر حدة في المنطقة سيكون ضئيلا. (1).

————–

الهامش

1 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close