fbpx
مختارات

الإخوان المسلمون: بين المراجعات واستشراف المستقبل

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

منشورات موقع المونيتور، 22 مايو 2016، متاح (English)

تمهيد(1):

رغم مرور أكثر من عامين ونصف على إطاحة الجيش بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بعد الثورة، وما تلا ذلك من حملة تنكيل وملاحقة من قبل قوات الأمن المصرية ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي تنظميا، إلا أن جماعة الإخوان مازالت قادرة أن تظل جزءا من المشهد المصري عبر النقاشات التي تدور حول مستقبلها وتحولاتها ومدى علاقتها بالعنف في مصر، والمراجعات التي تجريها، ورؤيتها للعلاقة مع العالم الخارجي سواء العربي أو الغربي، ومصيرها في ظل تصعيد مستمر من النظام المصري ضد كل خصومه ومعارضيه.

بإختصار رغم مرور أكثر من عامين ونصف على إطاحة الجيش بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بعد الثورة، وما تلا ذلك من حملة تنكيل وملاحقة من قبل قوات الأمن المصرية ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي تنظميا، إلا أن جماعة الإخوان مازالت قادرة أن تظل جزءا من المشهد المصري عبر النقاشات التي تدور حول مستقبلها وتحولاتها ومدى علاقتها بالعنف في مصر، والمراجعات التي تجريها، ورؤيتها للعلاقة…

الدكتور عمرو دراج القيادي بجماعة الإخوان المسلمين ومسئول المكتب السياسي للجماعة في الخارج الآن ووزير التخطيط والتعاون الدولي السابق وعضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة تحدث في حوار مطول مع «المونيتور» حول تلك القضايا وغيرها، مقدماً ما يمكن إعتباره رؤية واسعة لموقف الجماعة ودورها حالياً وذلك من خلال عدة محاور.

محور المراجعات

يتطرق دراج في حواره إلي أهمية قيام الجماعة “بمراجعات شاملة” يأتي في صلبها أهمية “فصل  النشاط الحزبي عن باقي أنشطة الجماعة لتلافي الأخطاء السابقة التي نتجت من تداخل الدعوة مع الحزبية”.

إلا أن دراج في طرحه هذا مازال يرى فكرة مرجعية الإسلام في شؤون الحياة لكنه يدعي إلي التخصصية في العمل فــ”جوهر الرؤية التي أطرحها، أن الإسلام دين شامل لكن المؤسسات التي تعمل لخدمته يجب أن تكون متعددة لأن الأمور أصبحت أكثر تخصصية وليس كل الناس تسطيع فعل كل شيء”.

فالخطأ الأكبر بنظر دراج ” أن تنافس قطاعا كبيرا من الشعب سياسيا وفي نفس الوقت تعمل معه اجتماعيا، هذا شيء غير قابل للتحقق”

لذا فالوضع الأمثل هو “أن تركز الجماعة في الأمور الدعوية والاجتماعية وتترك مؤسسة أو مؤسسات أخرى تدخل العمل السياسي التنافسي، وعضو الجماعة الذي يرغب في العمل الحزبي ودخول البرلمان مثلا ينضم لحزب سياسي، لكن الجماعة نفسها لا يكون لها حزب”. معلنا التمسك بشعار الجماعة المعروف “الإسلام هو الحل”

ويبدو أن دراج في هذا المحور ينطلق من رؤية مفادها ترميم الجزء الدعوي من الجماعة والذي تصدع بفعل السياسة، ليؤصل لرؤية تعيد الجماعة إلي سيرتها الأولى في نشأتها كجماعة دعوية تنفصل عن العمل الحزبي، لكن تظل مؤثرة سياسياً في صورة أقرب إلي جماعات الضغط، وهو طرح يحمل قدرا من الجرأة في الوقت الحالي، خاصة مع رؤيته بأهمية ألا يكون للجماعة حزب.

محور العلاقات الخارجية

ويصف دراج في حواره موقف الاتحاد الأوروبي منذ ما قبل فض رابعة والنهضة حتى الآن بأنه “مؤسف جدًا”، معتبرا أن الموقف الأوروبي منذ الإطاحة بمرسي ولفترة طويلة ” أظهر استعدادا دوليا لقبول أن النظم الديمقراطية التي تحكم يمكن الانقلاب عليها دون أن يحاسب الذين قاموا بذلك”

ويذهب دراج إلي أن التقارير التي خرجت تحمل مضمونا ضد الإخوان في بريطانيا وأمريكا بأنها “جاءت عبر ضغوط من دول خليجية وتحديدا دولة الإمارات عبر لوبيات تابعة لها”، إلا أنه يفرق بين التقرير البريطاني وتقرير اللجنة القضائية الأمريكية، فالبريطاني “تغاضي عن نشر أشياء إيجابية احتواها التقرير عن الإخوان، مثل الدور الايجابي في محاربة التطرف”، أما الأمريكي فيراه دراج ” تتماشى مع الدعاية الانتخابية ضد الإسلام والمسلمين بصفة عامة وكل ما يرتبط بهم”

ويؤكد دراج على أنه “لا يوجد تنسيق ولا أي نوع من أنواع التواصل مع الإدارة الأمريكية” ، معتبرا أن “هناك قدر كبير من الازدواجية في المعايير الأمريكية يجعل نظرة شباب الإسلاميين، وشباب المنطقة بشكل عام، شديدة السلبية ناحية الولايات المتحدة الأمريكية”، خاصة أن “أمريكا غضت الطرف عن هذا الانقلاب وساهموا في استقراره وتثبيت أركانه”، لذلك “فهناك مسئولية تتحمل أمريكا جزء كبير منها”.

أما عربيا فيذهب دراج فيتهم دراج “السعودية والإمارات قاموا بضخ عشرات المليارات من الدولارات لدعم الإنقلاب” واصفا الزيارة التي قام بها الملك سلمان لمصر مؤخرا  بأنها “مخيبة لآمال الكثيرين الذين عولوا علی تغير موقف المملكة”. وحتى المبادرات التي طرحت من قبل عن طريق شخصيات كراشد الغنوشي، فبحسب دراج “في النهاية لم يترتب أي شيء عملي على هذه المبادرات”.

ويصف دراج حركة حماس بأنها “حركة تحرر وطنية ذات مرجعية إسلامية تعمل على تحرير أراضيها” ومن هذا المنطلق “فقط” تقوم العلاقة بين الجماعة والحركة التي تنسب نفسها في النشأة لفكر جماعة الإخوان،

يسعى دراج في هذا المحور أن يتمسك بالدبلوماسية كطريقة لتوصيف علاقة الجماعة بالملف الخارجي وبالأطراف الخارجية، لكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يخفي تحميل المسؤولية لهذه الأطراف الموجودة لما يحدث في مصر والمساهمة فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، لكنه أيضا كسياسي يفهم موازين القوى يعلم أن تجاوز هذه الأطراف سواء عربية أو غربية لا يمكن وبالتالي يسعى لأن ينبه على دورها في نزع المشروعية عن النظام الحالي، والإبقاء على صورة الإخوان لديها كلاعب عاقل يحتاجونه في المشهد.

محور العنف

يبدأ دراج حديثه في هذا المحور بالتأكيد على “نفي أي تبني للإخوان لسياسات تدعو إلي العنف والإرهاب أو العسكرة” ويستدل على ذلك بقوله “الجميع يعلم حجم الإخوان في مصر، ورغم وجود آلاف من المعتقلين، لا زالت هناك أعداد ضخمة من الإخوان ومؤيدوهم، فلو كانت هناك أية نية أو توجه لاستخدام العنف “كانت البلد ضاعت من زمان”، وعن بعض أعمال العنف القليلة التي أقدم عليها بعض الشباب، فيراها دراج “أمر متوقع في ظل هذا القدر من القتل والإصابات والاعتقال والاغتصاب ومذبحة رابعة وما يجري لأهالي سيناء”.

ويجادل دراج في مسألة ما يعرف باللجان النوعية التي ارتبطت باسم الإخوان شبابها قائلا ” ما يحدث هو أن السيطرة على بعض الأفراد لم تعد بالضرورة كما السابق، فقيادات الصفوف الثلاثة الأولى أغلبهم في السجن ومن تم تصعيده للقيادة لا يستطيع التواصل بشكل جيد مع القواعد وبالطبع ستجد جزءا من شباب الإخوان من الممكن أن ينخرط مع غيرهم في عمليات فرعية  كإشعال النار في سيارة شرطة أو إلقاء زجاجة مولوتوف، وهي أمور كلها لم ترتبط بالإخوان ولم تتبناها الجماعة”.

ويعرف دراج المنهج الثوري الذي يرى أن الجماعة تتبناه حاليا بأنه ” رفض هذا النظام ورفض الإعتراف به وبشرعيته أو إستمراره لسنوات طويلة، والسعي على إزالته بالطرق التي جربتها شعوب كثيرة من الأعمال المدنية التي لا تتسم بالعنف، وليس التعامل معه من داخله كمعارضة”.

يسعى دراج في هذا المحور إلي التأكيد على أن فكرة أي ممارسات عنيفة صدرت من المنتمين للجماعة لا تعود إلي أسباب أيدولوجية لكن لأسباب تتعلق بالمظالم الواقعة عليهم من قتل واغتصاب وتشريد، ورغم أنه يؤكد على تَغير الجماعة وتبنيها حالياً لما يسمى بالنهج الثوري إلا أنه يصر على عدم تبني الجماعة “ككل” لفكرة العنف، وهو بذلك يكشف عن حالة التأرجح التي أصابت الجماعة طوال أشهر ماضية لضبط مفهوم الثورية وكبح جماح الانتقام في الأوساط الشبابية فيها لعدم الإنزلاق في فخ العنف الممنهج أو التدميري، وهو ما يكشف أن ثمة حالة من التثوير جرت داخل الإخوان لكنها تسببت في شرخ داخلها بين من يرغب في الانتقام ومن يحذر من حدوثه عشوائياً.

محور مرسي والعلاقة مع النظام

في هذا المحور يشرح دراج رؤيته للعلاقة بين النظام والجماعة قائلا “إذا أعترف العالم كله بالسيسي هذا لا يعطيه الشرعية”، معترضا على فكرة القبول بالأمر الواقع قائلا “موقفنا مبدئي وغير متعلق لا بشخص الرئيس ولا جماعة الإخوان”، رافضا الحديث عن وجود “نتفاوض مع النظام على أي شيء، هو يريدها معركة صفرية”.

معتبرا أن رحيل السيسي أو سقوطه ” يعتبر تقدم كبير جدا “للحراك الثوري”، وطبعا الثورة لا يتعلق نجاحها بسقوط شخص السيسي”، وعن رؤيته إذا جرى ذلك أشار “الظروف والتوازنات وقتها ستفرض أمورا كثيرة”.

واعترف دراج بأن “هناك بالفعل ثقة مفقودة بين الطرفين (الإخوان والآخرون من رافضي النظام)، بسبب اتهام كل طرف للآخر عن مسؤوليته عن وجود العسكر ودخولهم بهذا الثقل في الحياة السياسية”

وحول رؤيته لدور الجيش المصري “أن يحمي الجيش مصر واستقرارها عبر قيامه بدوره الصحيح المحدد في الدفاع عن البلاد وأمنها القومي وليس في مواقع سياسية أو حكم أو في المجال العام وتدخل في الاقتصاد”.

يسعى دراج في هذا المحور لترسيخ فكرة تغير الجماعة من حيث قبلوها بتفاهمات مع النظام كما كانت سابقاً، فهو يؤكد على مواصلة المقاومة لكل النظام وليس السيسي فقط، وأنه لا إعتراف إلا بشرعية مرسي، لكن رغم هذا لا يقدم رؤية لما بعد السيسي تاركا هذا لحينها، إلا أن إعترافه بعدم وجود ثقة مع الأطراف الأخرى المصطفة ضد النظام إلا أنه رؤيته التفاؤلية بإحتمالية حدوث تقارب ربما ستصطدم بصخرة الواقع.

محور الخلافات الداخلية:

ويقدم دراج بوصفه أحد ممثلي التيار الذي يقول أنه يدعوا للتغير رؤيته داعيا لأن تكون الجماعة “أكثر شفافية وانفتاحاً على المجتمع” وأن يكون للشباب “تمثيلا في القيادة واتخاذ القرار، وكذلك النساء لابد أن يكون لهن مساحة في المواقع القيادية” هذا مع “فصل اختصاصات مؤسسات العمل داخل الجماعة عن بعضها والمحاسبة على الأخطاء السابقة”، ونظرا لغياب مكتب إرشاد حالي ومجلس شورى يراقبه “فالبديل هو انتخاب مجلس شوري ومكتب إرشاد جديدين يكون بهما عدد كافٍ من الأعضاء”.

ويصف دراج قرارات محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام بأنها “صادمة للكثيرين من أبناء الصف” ورغم أنه يحذر من “تزايد احتمالات الانقسام في الجماعة” لكنه يرى أن الجماعة “ستعود أكثر قوة”.

يسعى دراج في هذا المحور لتقديم رؤية مختلفة عن الجماعة في تعاملها مع الشباب والمرأة وتقديم نفسه بإعتباره صاحب رؤية جذرية في التغيير نحو المؤسسية والشفافية داخل الجماعة، ورغم نبرة القلق من احتمالية الانقسام لكنه يحاول أن يبدوا متفائلا وغير متصادم مع الأطراف الأخرى في الخلاف داخل الجماعة”. وإلى نص الحوار:

محور المراجعات

المونيتور:  تكتب الآن بعض مقالات عن المراجعات، لكن حتى الآن الجماعة لم تعتذر بشكل رسمي عن أخطاء ارتكتبها في فترة الحكم، ما تفسيرك لهذا؟

المراجعات هي عملية صحية ينبغي أن تقوم بها المنظمات الكبيرة من وقت لأخر، وهذا بصرف النظر عن قضية الاعتذارات، وممارسات الجماعة في السنوات العشرين الماضية، فضلا عن المتغيرات الكبرى التي مرت وتمر بها مصر الان يقتضي القيام بمراجعات شاملة نخرج منها باستنتاجات عما يجب أن نفعله لتكون جماعتنا أكثر صحة ومؤسسية وتأثيرا، وما كتبته مثلا عن أهمية فصل  النشاط الحزبي عن باقي أنشطة الجماعة هو مراجعة أطرح من خلالها نموذجا على الناس لشكل العلاقة بين الجماعة والحزب يتلافي الأخطاء السابقة التي نتجت من تداخل الدعوة مع الحزبية.

المونيتور:  كيف يمكن فصل الدعوي عن الحزبي؟ أشرح لنا الفكرة ومنطلقاتها.

هناك نقطتان جوهريتان يجب توضيحهما أولا أن الإسلام دين شامل وعام، هو دين ودولة وله وجهة نظر في كل الممارسات الاجتماعية والسياسية وكل مناحي الحياة، وفي نفس الوقت وجهات النظر تلك بها قدر كبير من المرونة بحيث تسع الناس باختلاف زمانهم ومكانهم، ولكن هذا لا يعني أن المؤسسة التي تقوم على خدمة هذا الدين ينبغي أن تكون هي القائمة على كل هذه الشؤون التي يشملها ، وهذا هو جوهر الرؤية التي أطرحها، أن الإسلام دين شامل لكن المؤسسات التي تعمل لخدمته يجب أن تكون متعددة لأن الأمور أصبحت أكثر تخصصية وليس كل الناس تسطيع فعل كل شيء.

المونيتور:  كيف ستطبق هذا على مستوى الممارسة؟ وما الوضع الأمثل الذي تراه للجماعة في المجتمع؟

الطرح يقتضي أن يكون مجال عمل جماعة الإخوان  مع الشعب المصري كله، فلا يمكن أن تنافس قطاعا كبيرا من الشعب سياسيا وفي نفس الوقت تعمل معه اجتماعيا، هذا شيء غير قابل للتحقق، وهذا هو الخطأ الأكبر الذي حدث، فالأخطاء في الممارسات السياسية تحملتها الجماعة على الرغم من استفادة الحزب من دعم الجماعة.

أما الوضع الأمثل من وجهة نظري هو أن تركز الجماعة في الأمور الدعوية والاجتماعية وتترك مؤسسة أو مؤسسات أخرى تدخل العمل السياسي التنافسي، وعضو الجماعة الذي يرغب في العمل الحزبي ودخول البرلمان مثلا ينضم لحزب سياسي، لكن الجماعة نفسها لا يكون لها حزب ولا يكون لها ما يسمى بالذراع السياسية ، وهذا سيجعل الجماعة تستعيد مكانتها في المجتمع كالسابق.

المونيتور:  هل معنى ذلك أن شعار الإسلام هو الحل مازال شعار الجماعة أم ترى أنه من الواجب تجاوزه؟ ولماذا؟

نعم مازال شعار الجماعة ، فلا أحد يجادل في أن الإسلام هو الحل كشعار يعني أن الإسلام دين شامل وبه حل لكثير من المشاكل التي نواجهها،  لكن التفاصيل تكون فيما يتعلق بممارسة أو آليات تنفيذ هذا الشعار.

المونيتور:  لكن البعض يرى أن الجماعة لم تحقق نجاح تحت هذا الشعار؟

صحة المبادئ أو الشعارات لا يغيرها نجاح أو فشل القائمين عليها، وفي مصر من الصعب جدا على أي شخص أن يقول شيئا بعيدا عن الإسلام أو مرجعيته. عموما ينبغي على الجماعة أن تقوم بمراجعات كثيرة في مجال الممارسات وأساليب الادارة وصنع القرار حتى تتطور الى جماعة تتناسب مع طبيعة العصر والتحديات التي تواجهنا، وفي هذا تفاصيل كثيرة وتفاعلات تجري حاليا ستؤدي بالضرورة من وجهة نظري أن تخرج الجماعة أقوى مما كانت لتؤدي المهام المطلوبة منها مجتمعيا ودعويا بكفاءة ونجاح.

محور العلاقات الخارجية

أولا: العلاقات الأوروبية والأمريكية

المونيتور:  كنت أحد المشاركين في المفاوضات التي جرت مع كاثرين آشتون قبل فض رابعة، كيف تقيم أداء الاتحاد الأوربي ما قبل فض رابعة وحتي الآن؟ ولماذا؟

في الحالتين الأداء مؤسف جدًا. لأن في  الفترة التي سبقت فض رابعة كان الحديث أساسًا عن كيفية انتهاء المشكلة الموجودة وكيفية  إنهاء الاعتصام بشكل سلمى وبما يحقق في نفس الوقت مطالب “الثوار” الموجودين في الشارع، لكن الرسالة التي كانت تأتي بها آشتون وباقي المسئولين الأوروبيين والأمريكان كانت هي أنه ينبغي القبول بالوضع القائم وقتها، رغمًا أن هناك رئيس منتخب بإرادة شعبية وهناك دستور قائم، تمت إزاحتهم بالقوة العسكرية، وهذا قطعا أظهر مع الأسف استعدادا دوليا لقبول أن النظم الديمقراطية التي تحكم يمكن الانقلاب عليها دون أن يحاسب الذين قاموا بذلك.

واستمر هذا الأمر بعد ذلك لدرجة الدعم المباشر ما أعطى المشروعية للنظام الانقلابي أن يكون موجودا ومستمرا، وهذا يتناقض بشكل كامل مع كل المباديء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان التي ينادي بها الاتحاد الأوربي في مقابل المصالح الموجودة سواء عن طريق بيع أسلحة أو صفقات اقتصادية.

وعلى الرغم من أن القرارت والتوصيات الصادرة من الاتحاد الأوروبي عقب الإنقلاب بأقل من شهرين كانت واضحة في وقف بيع أية أسلحة أو معدات لمصر تستخدم في قمع الاحتجاجات، إلا أن هذه التوصيات لم تنفذ، وبالتالي كان الأمر لا يعدوا أن يكون حبرا على ورق، فكان الموقف العام داعم للنظام الانقلابي بدلا من أن يكون مصطفا مع القيم والمبادئ والديمقراطية، وحتى عندما طال القمع مواطن أوروبي هو جوليو ريجيني بشكل مباشر،.فضلا عن اريك لانج الفرنسي الذي قتل وهو رهن الاعتقال، لم يتخذ الاتحاد الأوروبي موقفا جادا تجاه حماية مواطنيه من بطش النظام القمعي.

المونيتور:  كيف رأيت تقرير بريطانيا وتوصيات اللجنة القضائية لمجلس النواب الأمريكي عن الإخوان؟

مبدئيا هناك اختلاف ما بين الحالتين على المستوى السياسي، لكن المشترك بينهما أنها تقارير جاءت عبر ضغوط من دول خليجية وتحديدا دولة الإمارات عبر لوبيات تابعة لها، في الحالة الأمريكية، هذا على الرغم من اختلاف مسار خروج التقريرين أو ما يعكسانه.

المونيتور:  أشرح لنا هذا الاختلاف؟

بالنسبة لحالة بريطانيا فالجميع يعلم حجم المصالح المالية والاقتصادية للإمارات في بريطانيا، فضغطت بشكل مباشر وكنتيجة هذه الضغوط تم البدء في عمل ما يسمي بالمراجعة لجماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، وبالتالي كان مجال التحقيق هو بريطانيا وتأثير جماعة الإخوان الموجودين فيها عليها، ولأن الغرض الرئيسي من التقرير كان سياسيا من الدول التي تضغط على الحكومة البريطانية، فلم يعلن الا ملخص مبتسر للتقرير بعد عام ونصف من انتهاء العمل به، واستند إلي معلومات قيل أنها جاءت بعد انتهاء التحقيق الأصلي ودون الرجوع لأحد للإستفسار، وهذا شيء مؤسف بالطبع، خاصة مع  التغاضي عن نشر أشياء إيجابية احتواها التقرير الأساسي عن الإخوان، مثل الدور الايجابي في محاربة التطرف في وقائع محددة، على الرغم من أنه قال أن بعض الممارسات قد تؤدي للتطرف دون إدانة الإخوان بأي شيء.

المونيتور:  ما هي هذه الأشياء التي لم تنشر؟ وكيف تعاملت الجماعة مع التقرير لتلافي تداعياته السلبية؟

هناك أشياء كثيرة من التقرير الضخم الذي عرفنا أجزاء كبيرة منه، من بينها تلك القضية المشهورة لمسجد في لندن كان يتبع بعض الشخصيات المتطرفة منذ أكثر من عشر سنوات، وقتها بدأ الإخوان في التأثير الإيجابي مع الشباب المترددين على المسجد في إيصال الفهم لصحيح الدين، وهو ما أشار إليه التقرير صراحة أن جماعة الإخوان لها دور إيجابي في بريطانيا لمحاربة التطرف والعنف.

أما عن التداعيات فمبدئيا لا توجد تداعيات سلبية عملية تُذكر من التقرير، لكن هذا يعتبر تشويها للسمعة غير مقبول، ونحن من جانبنا لدينا محامين يسعون بشكل قانوني للتعامل مع الحكومة البريطانية في هذا الأمر لإزالة أية آثار سلبية ممكن أن تؤثر على سمعة الإخوان، فالاخوان ليس عندهم ما يخفونه ولا يوجد لدينا تصرفات تشيننا.

المونيتور:  وماذا عن تقرير اللجنة القضائية بالكونجرس؟

منذ فترة طويلة وهناك محاولات متكررة من بعض أعضاء الحزب الجمهوري تحديدا، لإثارة أمر إدراج الإخوان ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في أمريكا وخاصة من هؤلاء الذين لديهم تحالفات مع اللوبي الإماراتي، كما نشر موقعكم “المونيتور”، أو من يريدون تحقيق مكاسب سياسية داخلية في هذه الفترة.

وبالتالي نحن نرى أن ما يجري يأتي في سياق مزايدات تتماشى مع الدعاية الانتخابية ضد الإسلام والمسلمين بصفة عامة وكل ما يرتبط بهم، كما نرى في دعاية مرشحيهم خاصة دونالد ترامب الذي ينشر خطاب كراهية يرفضه كثير من الأمريكيين.

المونيتور:  وكيف تتعاملون مع هذا الأمر؟

من الواضح أن الإدارة الأمريكية الحالية لن تستجيب لتوصيات اللجنة، وقد أوضحت مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى أنه لا يوجد ما يستدعي ذلك، فضلا عن أنهم مدركين خطورة قرار غير مسئول كهذا.

لكن الخطورة التي ندركها هو أن تؤول الإدارة القادمة للجمهوريين مع أغلبية لهم في الكونجرس، لذلك فنحن في الحقيقة نحاول بكل الأشكال أن نتواصل مع أكبر قدر ممكن من النواب من كلا الحزبين في اطار حملة علاقات عامة نوضح بها ما هي جماعة الإخوان وما الدور الذي تقوم به، وما هو مكانها في سلم الاعتدال بالنسبة لمجالات العمل العام الذي له دور كبير في مكافحة التطرف والإرهاب والعنف وبالتالي من الخطورة بمكان هذا الاتهام الجزافي.

المونيتور: بعض شباب الإخوان ينظرون للقيادات أنهم يحاولون استرضاء الغرب وأمريكا ويقيسون درجة سلميتهم على مقياسهم وأنهم أسرى الهيمنة الغربية عليهم ما ردك؟

يوجد اتجاهين في التعامل مع الخارج والقوى الكبرى، الأول يظن أن مقاليد إدارة العالم هي بيد الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وأن هذه الجهات تملك أدوات تستطيع محاصرة عمل أي جهة، وبالتالي من الأفضل أن يكون هناك إلتزام بالولاء لها أو على الأقل عدم الاختلاف معها، وهذه رؤية قاصرة وفيها كثير من التبسيط للأمور، ولا يؤمن بها الإخوان المسلمون.

فالجماعة تتحرك طوال تاريخها بقناعتها التي تؤمن بها من مقاومة الاستبداد والهيمنة الخارجية، وهي لا تنتظر ضغطا من أحد حتى تتماشى مع النهج السلمي التدريجي بالنسبة للتغير، والأوقات اللى استخدم فيها نوع من العنف كان ضد المحتل والمتعاونيين معه وكان هذا منذ أكثر من 70 عاما، لكن في النهاية بعد زوال الاحتلال البريطاني أصبح انخراط الإخوان في العمل العام متماشيا مع أصلها كحركة مجتمعية تقوم على العناية بالمجتمع والنهوض به وفي نفس الوقت تُعلي من قيم عدم التعدي على الناس وعدم ترويع الآمنين، وأيضا ممارسة العمل الديمقراطي واعتماد خيارات الشعب.

فالإخوان من هذا المنطلق لديهم مسئولية أساسية أمام شعوبهم وليس أمام أمريكا أو الغرب، وبالتالي هم يقاومون حملات التشويه الكبيرة التي يمكن أن تستغل لعدم توصيل الصورة الصحيحة عن الإخوان أو الإسلاميين بشكل عام، ويحرصون على توضيح الصورة لشعوب العالم المختلفة والتواصل معها، ونحن مستمرون في طريقنا بعد عامين ونصف من الانقلاب دون أي تهاون في العمل لأن الشعب المصري يستحق المسار الديمقراطي.

المونيتور:  ما طبيعة العلاقة بين الإخوان وأمريكا؟ وهل يوجد تنسيق أو تعاون بين الإدارة الأمريكية وقيادات الإخوان؟

لا يوجد تنسيق ولا أي نوع من أنواع التواصل بهذا الشكل، وكل ما يحدث هو لقاءات بشكل غير رسمي سواء مع أعضاء البرلمان أو المراكز البحثية، فعندما نزور أمريكا نقابل بعض الباحثين المهتمين بالشأن المصري وفي نفس الوقت نكون حريصين أن نقابل بعض نواب البرلمان لنوضح الصورة بشكل تفصيلي، لكن لم نطلب أن نلتقي  بممثلين  عن الإدارة الأمريكية ولا الإدارة الأمريكية طلبت كذلك، لذا فالزيارات تكون في سياق شرح وجهة نظرنا والإجابة على أسئلة الباحثين وليس أكثر من هذا.

المونيتور:  ما الدور الذي تراه لأمريكا في حل الأزمة المصرية بشكل عام؟ ودورها في العلاقة الصدامية الآن بين الإخوان والنظام؟

في حقيقة الأمر حاليا أمريكا تضع مصر في مؤخرة اهتمامتها ضمن قضايا المنطقة، وهو يعود للرؤية الاستراتيجية التي لا تنظر للمنطقة ككل بنفس درجة الأهمية كما كان يحدث قديما، لكن أمريكا بوصفها القوة الأولي والعظمي في العالم من المفترض أن يكون عليها مسئوليات، كأن تدافع عن القيم التي تنادي بها، فهي تقول أنها تدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية واحتفلت مع الناس بظاهرة الربيع العربي ودعمته، لكن حينما حدث انقلاب عسكري على الشعب وعلى نظامه الديمقراطي تم تعامل الإدارة الأمريكية معه بشكل طبيعي، ولم تتأثر المساعدات. وبالتالي هناك قدر كبير من الازدواجية في المعايير يجعل نظرة شباب الإسلاميين، وشباب المنطقة بشكل عام، شديدة السلبية ناحية الولايات المتحدة الأمريكية لأنها تري فيها ازدواجية، وأنها لا تتحدث عن حقوق الإنسان إلا بما يتعلق بمصالحها، وهو ما أثر على المنطقة كلها، سواء بإنتشار الممارسات الاستبدادية أو حتي الحروب الأهلية الناتجة عن الابتعاد عن المسار الديمقراطي، وأظن على المدي القريب أو المتوسط سيكون هناك تأثيرات شديدة السلبية على وضعية الولايات المتحدة كقوة عظمي أولي بسبب هذا.

المونيتور:  إذن أنت تتفق مع رأي كثير من الإخوان وخاصة الشباب منهم بأن أمريكا ساهمت في تدبير الإنقلاب؟

لن أجادل في هذه المساحة لأن الأمريكان ينفونها بشكل قاطع، لكن الحقيقة الموجودة أمامنا الآن، أن أمريكا غضت الطرف عن هذا الانقلاب وساهموا في استقراره وتثبيت أركانه. ويمكن مقارنة ردة الفعل وقت اندلاع الربيع العربي حينما أيدت أمريكا نتائج هذه الثورات، ثم الآن تساهم في استقرار الانقلاب عليها، بل تطور الأمر لغض الطرف عن أعمال القتل والاعتقال والتعذيب، لذا فهناك مسئولية تتحمل أمريكا جزء كبير منها.

المونيتور:  الإخوان متهمون بأنهم أضاعوا فرصة التوقيع على معاهدة روما والآن يدفعون ثمن عدم قدرتهم محاكمة السيسي أمام المحكمة الجنائية الدولية؟

قضية الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية مرتبطة بوجود برلمان،وبالطبع الكل يعلم ظروف حل البرلمان في مصر، لكن الأهم أن آليات المحكمة الجنائية الدولية تسمح أن يقدم الطلب أحد الممثلين عن الدولة، وعندما قُدم الطلب من الدكتور مرسي لم يقبل بدعوى أنه ليس له صفة لتقديم هذا الطلب على الرغم من أنه رئيس منتخب يطلب التحقيق في إزاحته، وهذا اعتراف من المؤسسات الدولية بشرعية الإنقلاب.

الأمر الآخر أن هذه المحاكمات والقرارت تخضع لموائمات دولية وسياسية كثيرة، وهناك شواهد كثيرة على ذلك، يجعل فرصة الاتهامات الجنائية الدولية مع بقاء الرؤساء في مناصبهم أمر شديد الصعوبة، وكما يعلم كثيرون فإن رئيس الجمهورية يُحصن من بعض القضايا طالما هو في منصبه إلا إذا تم تقديمها إلي مجلس الأمن، ومجلس الأمن في الظروف السياسية الحالية مستحيل أن يخرج بهكذا قرار.

المونيتور:  البعض يرى أن هذا يكشف عن فشل جماعة الإخوان المسلمين في ملف القضية المصرية وملف قضيتها وأن النظام تفوق عليها في إدارة الملف في الخارج؟

الحقيقة أن هذا تقييم ظالم جدا لأن الانتهاكات الموجودة ليست ضد الإخوان فقط، رغم أنهم أصحاب الحظ الأوفر منها، كما أن إنهاء الحكم العسكري وتقديم المجرمين للعدالة ليس مسئولية الإخوان بمفردهم، والجهات التي تجري تحقيقات عادلة وأصدرت تقارير واضحة كهيومان رايتس ووتش، سمي مسئولين مصريين بالاسم، وهذه التقارير من المفروض أن توضع في أيدي المجتمع الدولي لإحقاق العدالة، فالأدلة ليست خافية.

وليس من العدالة أيضا أن تقارن إمكانيات شعب بما فيه الإخوان وغير الإخوان، بنظام يمتلك أجهزة أمنية وخارجية وسفارات في كل العالم ودعم من كل الأجهزة وأموال طائلة من لاعبين إقليميين تنفق على اللوبيات لا قدرة لأحد أن ينفق مثلها فالأدوات المستخدمة لا يمكن إطلاقا مقارنة ما يتوفر للدول منها بما يتوفر للشعوب وخصوصا إذا كانت هذه الدول مدعومة بشكل ضخم مثل النظام المصري.

والمعلومات الواردة في المسودة الأولى لقرارات البرلمان الأوروبي، كانت حصيلة مجهود كبير، لكن لم يتم استخدامها من قبلهم إلا عندما طالهتم آثار وتداعيات الظلم ممثلة في قضية جوليو ريجيني، وهذا يعكس قدرا كبير جدا من الظلم الموجود في المنظومة الدولية. ولا ننسى أن تحريك دعاوي في بريطانيا أثر في منع سفر 43 مسؤول مصري مع السيسي في زيارته الأخيرة لبريطانيا، ومن الظلم أنك تقارن إمكانيات شعب أعزل يقتل يوميا ويسجن يوميا وله عدد محدود من ممثليه السياسين متفرقين في عدد من بقاع العالم والموجود في مصر مطارد، وبرغم كل ذلك الحراك مستمر، بإمكانيات دولة كما ذكرت.

المونيتور:  أنتم متهمون بإنشاء برلمانا “كرتونيا” في الخارج، ويتسأل الناس عن دوره ؟

الحقيقة أن العمل الدبلوماسي الخارجي طويل المدي ولا نرى نتائجه إلا بعد فترة، فعلى سبيل المثال أعضاء البرلمان الأوروبي لكي يكونوا صورة كاملة عن الواقع المصري، جلسوا كثيرا مع نظراء لهم في مناقشات ومناظرات عديدة حتى يقتنعوا بتبني موقف في لحظة مناسبة، وهو جهد مستمر وثماره تحتاج ظروفا مواتية.

أيضا حينما رفض رئيس برلمان ألمانيا مقابلة السيسي كان هذا بناء على مقترح من أعضاء البرلمانيين الموجودين، كل هذا كان حصيلة جهد البرلمانيين السابقين، فهذا عملهم الذي يجيدونه، ولديهم خبرة فيه، لذلك أرى أن الأحكام أحيانا في موضوع البرلمان تكون متعسفة، ولكن مع ذلك كل هذا لا ينفي إطلاقا وجود بعض السلبيات في الآداء لكن لم يقصر أحد ولم يبع أحد القضية ويلتفت لحياته الخاصة.

ثانيا: العلاقات العربية والإخوانية الخارجية

المونيتور:  ما مدي التقارب بين الإخوان والسعودية بعد مجيء الملك سلمان؟ وما الفارق بينه وبين سابقه الملك عبد الله؟

كان هناك  تصور وقناعة موجودة عند الجانب السعودي خصوصا الملك عبد الله إن نجاح تجربة الإسلام السياسي المعتدل يشكل تهديدا للنموذج المختلف الموجود في دول الخليج، ومهما حاول الإسلاميون إقناعهم بأن هذا غير صحيح، وإن ثورات الربيع العربي قامت نتيجة عوامل استبدادية داخل هذه البلاد، إلا أن السعودية والإمارات قاموا بضخ عشرات المليارات من الدولارات لدعم الإنقلاب.

وعندما جاء الملك سلمان رأينا في البداية تراجع نسبي في مستوي الدعم للنظام وانخفض كثيرا عما كان مقدما أيام الملك عبدالله، لكنه بالطبع لم يكن يعني تحولا إلي تأييد الربيع  والإخوان، وهو ما دفعنا للاعتقاد بأن ثمة اختلاف في الموقف بين الملك الحالي والسابق، وكنا نتمنى أن يُبنى عليه منطق محايد يتجاوب مع طموحات الشعوب وألا يكون فيه دعم لنظم انقلابية غاشمة، لأن هذا أيضا يضر بمكانة وصورة المملكة قي أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي، ولكن مع الأسف جاءت الزيارة التي قام بها الملك سلمان لمصر مؤخرا والدعم السياسي والاقتصادي الكبير لنظام السيسي والذي تمخض عن الزيارة جاء مخيبا لامال الكثيرين الذين عولوا علی تغير موقف المملكة.

المونيتور:  ولماذا لم نرى أي إنعكاس أو محاولة من الإخوان في الاستفادة من هذا الموقف في حل المعضلة المصرية؟

السعودية لديها رؤية محددة لأهمية أمن مصر واستقرارها، ودائما يصرحون بأن هذا لا يُمكن تحقيقه إلا إذا حكم الجيش مصر، وحتى الآن مازال نظام المملكة داعم الانقلاب، لكن أنا أظن كتحليل إن هذا قد يتغير إذا تبين لهم أن النظام الموجود حاليا فاشل جدا وأن هذا الفشل ممكن أن يؤدي إلي حدوث حالة من عدم الاستقرار قد يحمل مصر إلي المجهول، وهو ما لا تريده المنظومة الخارجية والأقليمية،فالسعودية قد يكون لديها مشكلة مع السيسي كشخص، لكنها مازالت متمسكة بالجيش كمسئول مسئولية كاملة عن أمن مصر واستقرارها.

المونيتور:  ما مدي وجود قناة أو وساطة بين النظام السعودي وبين الإخوان (مبادرة الغنوشي نموذجًا)؟

بخصوص المبادرات فالحقيقة هناك كثيرون تطوعوا لمحاولة طرح مبادرات مثل الشيخ الغنوشي أو غيره، لكن في النهاية لم يترتب أي شيء عملي على هذه المبادرات، ولم تلقى هذه الدعوات استجابة من السعودية، فالإخوان ليسوا من رفض الوساطة فهم جزء من الشعب يحاول إيصال صوته بكافة الطرق، ونحن مهتمون بالفعل أن يكون لنا علاقة متوازنة مع السعودية.

المونيتور:  إذن هل ثمة قنوات تواصل مع القادة الجدد في السعودية؟

لا يوجد بشكل مباشر لكن في مناسبات كثيرة نلتقي بعض الأكاديميين السعوديين أو الإعلاميين ونعبر عن مواقفنا فيها بشكل واضح.

المونيتور:  وما هي طبيعة هذه الرسائل؟

أننا لا نتدخل في الشئون الداخلية لأي بلد شقيق، وأن كل ما نطمح إليه هو أن نستعيد حريتنا وديمقراطيتنا ونفرج عن المعتلقين ويتم التوقف عن دعم النظام الحالي، ونرى أن هذا من باب المصلحة الاستراتيجية للملكة،هو الوقوف بجانب الشعوب واختيارتها، وخصوصا أن التهديدات الكبيرة التي تواجهها، تتقاطع مع الشعوب وبالذات الإسلامية منها، سواء من إيران في اليمن وسوريا أو المنظمات الإرهابية كداعش.

المونيتور:  ما علاقة الإخوان حاليا بحماس وكيف تنظر الجماعة لها؟

حماس حركة تحرر وطنية ذات مرجعية إسلامية، ولها خصوصيتها كمؤسسة أو حركة تعمل فقط على تحرير أراضيها، وبالتالي علاقة أي فرد بها، هي علاقة من هذا المنطلق، وكثير من الحكومات في العالم تعاملت مع حماس مثلما تعاملت مع فتح وكل الفصائل الأخرى التي عموما عنوان عملها هو تحرير الأرض من الإحتلال.

المونيتور:  لكن علاقتها بكم تؤثر على علاقتها بالنظام المصري سلبا؟

هذه اتهامات متهالكة لا أساس لها من الصحة، فحماس لا تعادي النظام المصري بل هو من يعاديها، لأنها تدرك أنه لابد من وجود علاقة بشكل أو بأخر مع أي نظام يحكم مصر ، والمفاوضات الأخيرة بين حماس وفتح التي تمت في الدوحة جعلت النظام المصري يدرك أن فقدان ملف رعاية المصالحة الفلسطينية ليس في مصلحته فبدأ جهاز المخابرات في التقارب ودعوة وفد رفيع المستوى من حماس لزيارة مصر، وفوجئنا بعد هذه الدعوة بوزير الداخلية يحمل حماس مسئولية حادث اغتيال النائب العام، ثم بعد ذلك بأيام قليلة جاء وفد رفيع المستوي من حماس ودخل عبر معبر رفح لمقابلة رئيس جهاز المخابرات، وهذا يُظهر أن جميع هذه الاتهامات غير جادة وأن بعض أجهزة الدولة التي تفهم طبيعة الأمن القومي المصري لا تلقي لها بالا، وأن ثمة مصالح مهمة جدا بين الشعب المصري والفلسطيني يجب أن تراعي. وبالمناسبة أظهرت هذه الحادثة تحديدا مدى التخبط والتعارض بين أجنحة النظام المصري، مما يلقي ظلالا من الشك حول من يحكم مصر حقيقة.

محور العنف

المونيتور:  كيف تري علاقة الإخوان بالعنف بعد كل الاتهامات والإشارات الواردة خلال عام ونصف مضي تحديدًا ارتفعت فيه نبرة توجيه الاتهام للإخوان باستخدام العنف بكافة درجاته؟

لا يوجد أي تبني للإخوان لسياسات تدعو إلي العنف والإرهاب أو العسكرة، لأننا  نرى  كجماعة أن عسكرة الثورة يجر وليات كثيرة على الشعوب ويفتح بابا واسعا للتدخل الأجنبي والخارجي، فضلا عن أن هذا ضد مبادئ الإخوان في طرق التغيير. الجميع يعلم حجم الإخوان في مصر، ورغم وجود آلاف من المعتقلين، لا زالت هناك أعداد ضخمة من الإخوان ومؤيدوهم، فلو كانت هناك أية نية أو توجه لاستخدام العنف “كانت البلد ضاعت من زمان”. وإذا كان الإخوان انتهجوا منهجا فيه عنف أو يدعو للعنف فالجميع يعلم حجم الإخوان في مصر وما سيترتب على مثل هذا التوجه من انتشار للعنف.

ودائما ما أقول في المحافل الخارجية إنه يجب توجيه التحية للإخوان والشعور بالامتنان لهم لعدم إنزلاقهم في ممارسات إرهابية أو عنيفة رغم كل ممارسات القمع التي يمارسها النظام منذ عامين ونصف في محاولة منه لدفع الناس لممارسات إرهابية لكي تطيل بقاءه لأنه يعيش على تقديم نفسه كمحارب للإرهاب، فيسعى لتصنيعه عمليا، ورغم ذلك فإن الإخوان أبقوا بشكل واضح وقوي على المسار السلمي للثورة ولهذا يستحقون التقدير.

المونيتور:  وماذا عن بعض أعمال العف المنسوبة لبعض الشباب؟

أن بعض أعمال العنف القليلة التي أقدم عليها بعض الشباب، هو أمر متوقع، فكيف بعد عامين ونصف يظل السواد الأعظم من الشباب على نفس ثباتهم بعد ما تعرضوا هم وذويهم لهذا القدر من القتل والإصابات والاعتقال والاغتصاب ومذبحة رابعة وما يجري لأهالي سيناء وغيرها، ثم نتوقع ألا يُقدم أحد منهم على تنفيذ عمليات عشوائية من أجل الانتقام. وهذا لا يبرر العنف أو الإرهاب، لكن لولا تعامل الإخوان لكان هذا العنف قد تطور لأشكال أكثردموية.

المونيتور:  أنتم متهمون بإغتيال النائب العام؟

تم توجيه هذا الإتهام لثلاث مجموعات قبل ذلك من نفس جهة الإتهام وفي كل مرة يقولون توصلنا للمجموعة المسؤولة عن عملية الاغتيال وتم تصفيتها، فعندما قتلوا 12 قيادي في مدينة أكتوبر الصيف الماضي قالوا أنهم انتقموا من قتلة النائب العام، وبعد ذلك قتلوا 3 شباب في المعادي،  وقالوا أنهم من قتلوا النائب العام أيضا، والآن يوجهون الاتهام لأشخاص مقبوض عليهم ليدعوا أن الإخوان هم من قتلوا النائب العام، ويزعمون تورط حماس ثم يستقبل رئيس جهاز المخابرات وفدا رفيع المستوى من حماس، وبالتالي فمن الواضح عدم وجود مصداقية لديهم والإعلام الدولي نفسه يسخر من هذه الاتهامات.

المونيتور:  هناك بعض المجموعات في الإخوان شكلت بالفعل ما يسمي بااللجان النوعية، هل ممكن تشرح لي مدي ارتباطها تنظيميًا بالجماعة على مستوي التمويل أو التشجيع؟

المتضررين من عمليات القمع ليس الإخوان بمفردهم وإنما قطاعات كبيرة من الشعب، وعدد المشاركين في الحراك السلمي من الإخوان لا تتجاوز نسبتهم 30% في معظم التقديرات ،

والمنظمات التي تقوم بمثل هذه العمليات بشكل منهجي في أماكن أخرى من العالم، تكون بدافع أهداف محددة وتعلن مطالبها مع كل عملية، لكن الإخوان لم ولن يفعلوا ذلك، لكن ما يحدث هو أن السيطرة على بعض الأفراد لم تعد بالضرورة كما السابق، فقيادات الصفوف الثلاثة الأولى أغلبهم في السجن ومن تم تصعيده للقيادة لا يستطيع التواصل بشكل جيد مع القواعد وبالطبع ستجد جزءا من شباب الإخوان من الممكن أن ينخرط مع غيرهم في عمليات فرعية  كإشعال النار في سيارة شرطة أو إلقاء زجاجة مولوتوف، وهي أمور كلها لم ترتبط بالإخوان ولم تتبناها الجماعة.

ودعني أطرح ملاحظة هامة تكشف الأثر الخطير للقمع في مصر، وهي أن أغلب أعمار المقبوض عليهم مؤخرا، تبلغ أعمارهم 17 و18 عام أي أن أعمارهم وقت الثورة كانت 12 و13 عام، معنى هذا أن المناخ القمعي والمطاردات الأمنية التي شتت الأسر، ساهمت في صناعة وعي هؤلاء الشباب الصغير الأمر الذي جعل السيطرة على بعض القواعد في هذا المناخ صعب.

بشكل منهجي جماعة الإخوان لا تتبني العنف، ولا ترتبط تنظيمًا بأي مجموعة تتبني العنف لا بالدعم ولا بأي شكل من الأشكال، بالعكس تري وتؤكد على الألتزام بالمسار السلمي للثورة، وكل تشكيلاتهم وتوجهاتهم تدل على ذلك.

المونيتور:  لكن هناك تصريحات خرجت من بعض كوادر الجماعة ورأت أن استهداف بعض المرافق العامة آلية من آليات إرباك النظام؟

التصريحات الفردية لا تعبر عن الجماعات أو الحركات، بل البيانات الرسمية، لأن كثيرا من التصريحات يساء فهمها، سواء صدرت من شخص يحمل صفة قيادية أو لا، لكن في النهاية كلام القيادات الذين يتولون أدوار تنظيمية واضح في مسألة العنف.

المونيتور:  ما مفهوم الثورية داخل الإخوان؟ وكيف نفهم شعار ما دون القتل فهو سلمية؟

هذا ليس شعار معبر عن الجماعة، لكن الشباب الذي يشعر بالظلم تخرج منه مثل هذه التصريحات أو شعارات أكثر من هذا لكنها في النهاية تتعلق بأشخاصهم، وإذا كان منتقدي الجماعة يرون كلمة المرشد “سلميتنا أقوى من الرصاص” إستهلاك إعلامي فلماذا لا يتعاملون مع هذه الشعارات بنفس المعيار؟

النهج الثوري لا يقابله النهج السلمي، بل النهج الإصلاحي البطيء المتدرج طويل المدى، وكان هذا نهج الجماعة قبل ثورة يناير، أما النهج الثوري فهو كما جرى في الربيع العربي، محاولة إحداث تغيير جذري في وقت سريع وحاسم عن طريق عمل مدني سلمي جريء.فتعريفنا للمنهج الثوري هو رفض هذا النظام ورفض الإعتراف به وبشرعيته أو إستمراره لسنوات طويلة، والسعي على إزالته بالطرق التي جربتها شعوب كثيرة من الأعمال المدنية التي لا تتسم بالعنف، وليس التعامل معه من داخله كمعارضة.

وأود أن أوضح أن الفعل الثوري في حد ذاته هو الكفيل بعدم إعطاء المجال للعنف الممنهج، فخيار الشعب والثوار هو إسقاط نظام القمع والفساد والاستبداد والحكم العسكري، والنظام الدكتاتوري يحاول أن يقرن بين هذه الأهداف النبيلة وبين العنف والإرهاب، ولذلك فأنا أقول بكل وضوح أننا لن نتخلى عن الثورة، وعن العمل من أجل تغيير منظومة الاستبداد والفساد والحكم العسكري، ولن نخشى الدعاية الكاذبة المزورة، والتي تحاول تجميل الاستبداد والقهر، وتشويه الثورة والثوار.

المونيتور:  مارأيك في ما تقوم به الحركات المسلحة في سيناء خاصة أن النظام يربط بينها وبينكم؟

بشكل عام انتهاج العنف لتحقيق مطالب سياسية هو أمر مرفوض من الإخوان بشكل منهجي، والحقيقة أن كثيرا من التنظيمات العنيفة تضع الإخوان على رأس قائمة أعدائها، لأنها تحمل الإخوان المسؤولية من ناحية أن الإخوان قبلوا بالإشتراك في المسار الديمقراطي منذ سنوات طويلة. ولكن على الجانب الأخر يجب أن نحدد بدقة من المسئول عن صناعة هذا المناخ في سيناء، إن انتشار عمليات القتل والتدمير والتهجير القسري والاقتصار على التعامل الأمني والعسكري وغياب التنمية، يشكل بيئة مضطربة تؤدي بالضرورة إلى تصاعد العمليات المسلحة والعنيفة.

المونيتور:  وكيف ترى توسع وانتشار تلك التنظيمات في سيناء؟

ما يحدث أن الممارسات العسكرية والقمعية التي يقوم بها النظام في سيناء ليست موجهه للتنظيمات ولكن ضد أهالي سيناء بدءا من التهجير القسري والاعتقال التعسفي والقتل العشوائي، وهو ما جعل الناس تشعر كأنها لا تعيش في وطنها، وبدأت هذه الجماعات تعزف على هذا الوتر، فوجدت حاضنة شعبية من بعض المضطهدين، ليس اقتناعا بأفكارهم ولكن ظنا منهم أنهم بذلك يحمون أنفسهم أو ينتقمون لأنفسهم وأسرهم نتيجة الممارسات القمعية، وهو ما ساعد هذه الجماعات على التمدد في سيناء والصحراء الغربية وهو أمر شديد الخطورة ومرشح للتصاعد بينما لم يكن على هذه الشاكلة وبهذه الخطورة قبل الانقلاب العسكري في يوليو2013.

محور مرسي والعلاقات مع النظام

المونيتور:  هل يوجد احتمالية للتنازل عن عودة مرسي للحكم خاصة بعد اعتراف العالم بالسيسي رئيسًا؟

إذا أعترف العالم كله بالسيسي هذا لا يعطيه الشرعية، فمرسي لا يعتبر رئيسًا للإخوان فقط، بل هو رئيس منتخب بـ52% من الشعب المصري وهذه نسبة أكبر بكثير من الإخوان الموجودين، فضلا عن أنه جاء بخيار ديمقراطي، اشترك فيه حتى المخالفين لمرسي.

المونيتور:  ولماذا لا تقبلون بالأمر الواقع وهذا ليس من طبيعة السياسة؟

موقفنا مبدئي وغير متعلق لا بشخص الرئيس ولا جماعة الإخوان لكنه متعلق بدعم الشرعية والدفاع عن الخيار الديمقراطي في مصر، وحتي في غير مصر، قبول الأمر الواقع هو أكبر خطأ يمكن أن يحدث ، فنحن نسعى لعدم فرض نموذج يضر أية عملية ديمقراطية بعد ذلك في مصر وفي العالم عموما.

أما الأمور السياسية وما يتم في المرحلة الانتقالية بعد زوال الانقلاب، فهذا حديث سياسي يمكن الحديث عنه عبر الخيارات التي تطرح، وطبقا للإرادة الشعبية، والتي لابد أن يكون الرئيس مرسي جزءا منها، ونتحدث عن كل هذا بعد كسر الإنقلاب وعودة الشرعية وعودة مرسي.

المونيتور:  ماذا لو أعدم النظام مرسي أو حكم عليه بالسجن المؤبد؟

تعرض مرسي لمكروه سواء بفعل النظام أو بفعل القضاء والقدر، لن يغير من أمر أن مرسي الرئيس الشرعي للبلاد شيئا، فوجوده أو عدمه لا ينهي المسألة، والنظام يفهم هذا، لذلك لا يذهب لإجراء ضد مرسي أو سلامته لأنه يخشى من رد الفعل الشعبي. وقضاء سنين طويلة في السجن لا يلغي في يوم من الأيام ان يخرج مرسي ويتسلم، وهذا جرى مع نيلسون مانديلا بعد قرابة الثلاثين عاما في السجن، ونضال الشعوب ونضال الزعماء شيء كلاسيكي في الأدبيات الثورية العالمية، وقضية مرسي هي قضية عالمية.

المونيتور:  وماذا لو رحل السيسي غدًا ؟ كيف سيكون تصرف الإخوان؟

“النظام الانقلابي” وضع ثقل كبير جدا على السيسي في تدعيم الانقلاب وقال إن هذا الشخص له شعبية ، فهو كارت رئيسي تملكه “منظومة الانقلاب” مثلما الرئيس مرسي كارت رئيسي مقابل.

وبالرغم من أن الموضوع غير متعلق فقط بالسيسي لكن سقوطه يعتبر تقدم كبير جدا “للحراك الثوري”، وطبعا الثورة لا يتعلق نجاحها بسقوط شخص السيسي، فالموضوع لا يتعلق فقط برأس النظام، لكن بدون شك رأس النظام حجر زاوية فيما يتعلق باستقرار هذا النظام.

و”الثورة” الحالية ستعتبر أن سقوط السيسي هو خطوة أولى على مسار تحقيق أهداف الثورة المصرية، وقد يترتب على سقوط السيسي انهيار النظام بالكامل، وقد يترتب وضع أكثر سوءًا، وربما شخص مدني غير مقبول شعبيا، والظروف والتوازنات وقتها ستفرض أمورا كثيرة.

المونيتور:  هل يوجد عروض من النظام للإعتراف به مقابل عودتكم للعمل العام؟

لا يمكن أن نعمل من خلال هذا النظام العسكري غير الشرعي، فضلا على أنه لا توجد عروض من النظام للاعتراف به ومن الواضح أن النظام يخوض معادلة صفرية ويريد القضاء على الإخوان وكل منافسيه، وعلى كل ما يتعلق بثورة يناير.

المونيتور:  لكن هناك كثير من العروض التي تردد أن النظام قدمها لكم، وثمة أنباء عن لقاءات بينكم؟

كل هذه أمور غير جدية، فمرة نسمع أن ثمة شخصية عامة كأحمد كمال أبو المجد لديه رسالة من النظام، ومرة نسمع أن شخصيات من التيار الصوفي أو الأشراف لديها مبادرة للتفاهم، لكن كل هذا ليس له أساس، ونحن لم نتفاوض مع النظام على أي شيء، لأني كما قلت هو يريدها معركة صفرية.

المونيتور:  أنتم متهمون بإستمرار الحراك من باب العناد فقط، وأنه على الجماعة من أجل معتقليها أن تعلن انسحابها من الحياة السياسية مقابل الإفراج عن المعتقلين وإيقاف أحكام الإعدام؟

لا يوجد مجال سياسي أصلا حتى يتم الإنسحاب منه، وحتى من ساند النظام في الإنقلاب من القوى السياسية ليس لهم مكان. ورأينا في كثير من التجارب في الدول الأخرى كيف أن مبادرات فردية كوقوف سيدة والدة معتقل في ميدان أو فرد في برلمان تحول إلي ثورة عارمة أسقطت النظام، فالمبادرات الشخصية والحراك الحالي ينبغي أن يستمر، لأن التعبير المستمر عن رفض النظام سيجعل في وقت ما قطاعا كبيرا من الشعب يلتحم بالنواة الصلبة على الأرض، وقد رأينا إرهاصات وأدلة على ذلك في الحراك الشعبي الذي اندلع يومي 15 و25 إبريل، وأسبابه مرشحة للتصاعد، وستفوز إرادة الشعب في نهاية المطاف.

المونيتور:  لكن لماذا تجبرون الناس على المشاركة؟

لا أحد يجبر أحدا على المشاركة، ولو نظرنا للحراك سنجد أشخاصا لم تعد تخرج وآخرون يشاركون، فلا أحد يستطيع أن يجبر هذا على الإستمرار أو يجبر الآخر على عدم الخروج.

الحراك الموجود حراك للشعب، ولا أحد يملك أن يقول للناس توقفوا، فحتى لو لم يوجه لأحد الدعوة سيخرج من يوجهها، لأن الناس حريصة على حراكها.

المونيتور:  لكن نسمع تحريض من الخارج على استمرار الحراك والتحريض على التظاهر رغم ظروف المعتقلين وسوء أحوال المطاردين؟

نحن في الخارج لا نوجه النداء لأي أحد بالمشاركة ولا الخروج ولا نحدد الفعاليات، وكل هذا يتحدد من الموجودين داخل مصر بأنفسهم، لأننا لا ندري بظروف الناس، فتنظيم الحراك محلي وداخلي، لذلك ستجد محافظات بها حراك كبير وأخرى حراك أصغر وأخرى لا يوجد فيها نهائيا، فالمسألة تعتمد على الناس الموجودين على الأرض، ومن يتحمل مسؤولية ما يجري للناس هو من وضع الناس في المعتقلات وشردهم وقتلهم.

المونيتور:  هل أنت راضي عن آداء الخارج الإخواني؟

لا أحد يدعي أن دور من هم في الخارج مثالي، كل مؤسسات وعمل الخارج نشأ في وضع استثنائي، ودون خبرات سابقة في العمل من وضع الشتات، وبإجتهاد شخصي في بيئة إقليمية شديدة التعقيد، وبالتالي قد تكون هناك أخطاء نتيجة هذا الاجتهاد، ولكن بدون شك الأداء السياسي في الخارج يتطور، وأصبح مؤسسا على دراسات ونقاشات معمقة وهو يحدث انجازات تراكمية سيظهر أثرها في الوقت المناسب.

المونيتور:  كيف يري الإخوان المعارضة  المصرية وموقفهم منهم وكيفية تنظيم المواقف في مواجهة النظام الذي يراه الطرفان مستبدا؟

أنا لا أفضل أن أطلق على الحركات التي لا تعترف بشرعية النظام الحالي كلمة معارضة، لأن المعارضة هي جزء من النظام وجزء من شرعية أي نظام يحصل عليه من خلال وجود معارضة.

المونيتور:  هل تتفق على وجود ثقة مفقودة بين الإخوان وبعض الآخرون من رافضي النظام؟

هناك بالفعل ثقة مفقودة بين الطرفين، بسبب اتهام كل طرف للآخر عن مسؤوليته عن وجود العسكر ودخولهم بهذا الثقل في الحياة السياسية  لكن هذا الأمر سيحل مع الوقت نتيجة الممارسات القمعية من النظام تجاه الطرفين، فضلا عن الفشل في إدارة الدولة، وعاجلا ام آجلا كل هذه الأطراف ستتجه إلي العمل سويًا وتتفق على إسقاط هذا النظام، وقد ظهرت مقدمات لذلك في حراك يوم 25 إبريل هذا العام. ونحن كإخوان علينا أن نستعد للتعاون مع الجميع بشكل واضح وهذا نعلنه في كل مناسبة، ونحاول بشكل جدي مد يدنا للتعاون مع الجميع.

والحقيقة ينبغي أن ننتهز الفرصة، فالنظام الحالي أثبت فشلا ذريعا في التعامل مع الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وحالة التذمر منه في ازدياد، والصراعات بين أجنحته يزداد ويخرج للعلن يوما بعد يوم، واستمرار بقائه يضر بمستقبل الوطن واستقراره ضررا بليغا.

المونيتور:  وما رؤية الإخوان لدور الجيش في منظومة الحكم؟

أن يحمي الجيش مصر واستقرارها عبر قيامه بدوره الصحيح المحدد في الدفاع عن البلاد وأمنها القومي وليس في مواقع سياسية أو حكم أو في المجال العام وتدخل في الاقتصاد.

محور الخلافات الداخلية

المونيتور:  أنت أحد ممثلي التيار الذي يدعوا للتغيير فما هو جوهر رؤيتكم؟

رؤيتنا تنطلق من أن الطريقة التي كانت تدار بها جماعة الإخوان كانت تتناسب مع مرحلة ما قبل الثورة، لكن الآن ينبغي على الجماعة أن تكون أكثر شفافية وانفتاحاً على المجتمع، ولكي تدار كل الأمور بشكل مؤسسي، لابد أن تكون كل القيادات الموجودة منتخبة وتعبر عن كل القواعد، فإذا كان الشباب يمثلون جزءا كبير لابد لهم من تمثيل في القيادة واتخاذ القرار، وكذلك النساء لابد أن يكون لهن مساحة في المواقع القيادية، وكل هذه التغيرات يجب أن تتحول لواقع مؤسسي في اللائحة، ونسعى لأن يترتب على هذه العملية بناء قناعة كاملة لدى كل القيادات بأهمية الرجوع للقواعد ومن يمثلونهم في إدارة شؤون الجماعة أمام العالم، هذا مع فصل اختصاصات مؤسسات العمل داخل الجماعة عن بعضها والمحاسبة على الأخطاء السابقة، وهذا سيساهم في إزالة اللبس أو الكثير من الاتهامات الموجهة للإخوان.

المونيتور:  من يقود الجماعة منذ الإنقلاب؟ وما هو دور مكتب الإرشاد حتى الآن؟

منذ الإنقلاب قام الإخوان مرتين بتشكيل لجنة إدارية عليا تحل محل مكتب الإرشاد،  لذلك فبشكل مؤقت حتى انتخاب مكتب إرشاد جديد ومكتب شوري جديد، يتم تسيير العمل بالآليات الحالية عبر  اللجنة الإدارية العليا التي تدير شؤون الجماعة، والتي من خلالها تجمع كل المقترحات من أجل إعداد اللائحة وانتخاب مجلس شورى جديد، ونحن نريد أن يكون القرار لمكتب الإرشاد برقابة مجلس الشورى العام، لكن مع الأسف هذا غير متوفر حاليا، فالبديل هو انتخاب مجلس شوري ومكتب إرشاد جديدين يكون بهما عدد كافٍ من الأعضاء.

المونيتور:  أين محمود عزت؟

أتحفظ على الإجابة عن هذا السؤال.

المونيتور:  هل احتمالية انقسام أعضاء الجماعة مازالت قائمة بوجهة نظر تيار التغيير؟

نحن نتحدث عن عملية تأهيل وإعادة هيكلة من داخل الجماعة، نحن لا ندعو إلي عملية انقسام للجماعة، ولا ندعو أحدا لأن يستقيل، نحن متمسكون بأن نقوم بإصلاح الجماعة من داخلها، ومن يقوم بذلك يجب أن يكون لديه القدرة على التغيير ولديه صلاحيات لإجراء هذا التغيير.

المونيتور:  وما رأيك فيما طرح مؤخرا باسم مبادرة المكاتب الإدارية العشرة وما تبعها من قرارات لمجلس الشورى أعلنها د. محمود عزت في الثاني من إبريل؟

هناك العديد من المبادرات ومحاولات رأب الصدع من جهات مختلفة آخرها مبادرة المكاتب العشرة، وجميع هذه المبادرات كان يمكن أن تفتح طرقا واسعة لرأب الصدع وتقليل الاختلاف، لكن مع الأسف جاءت القرارات التي أعلنها د.عزت مؤخرا صادمة للكثيرين من أبناء الصف، سواء من ناحية آليات اتخاذ تلك القرارات أو مضمونها، لأنه لا يمكن حل الخلافات الفكرية أو في الرأي بقرارات إدارية، وهذا مع الأسف يزيد من هوة الاختلاف ويزيد بالتالي من احتمالات الانقسام ولكن تقديري أن هذا لن يحدث، وستخرج الجماعة أصلب عودا وأكثر شبابا وقدرة على مواجهة التحديات التي تواجه بلادنا بالتعاون مع جميع الشرفاء في هذا الوطن.

————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close