fbpx
مختارات

الإرشادات الأولية لإجهاض الانقلابات العسكرية

 

تنويه

هذا المقال كتبته الدكتورة زينب أبو المجد، استاذ التاريخ والاقتصاد السياسي جامعة القاهرة وأستاذ تاريخ الشرق الأوسط بحامعة “أوبرلين”، وتم نشره في صحيفة “المصري اليوم” بتاريخ 21 يونيو 2012، أى قبل الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في 3 يوليو 2013، بأكثر من عام(1).

الإرشادات الأولية لإجهاض انقلاب عسكري سهلة وبسيطة للغاية، فقط اتبع ما في الكُتيب. وفّرت الأدبيات العالمية للطموحين من حاملي السلاح كتبا عدة عن الخطوات الأساسية لتنفيذ انقلاب عسكري، وأعطت المواطنين في المقابل أيضا إرشادات عملية لكيفية إجهاضها.

في فبراير ٢٠١١، كتبت الصحف الأمريكية والإسرائيلية عن حدوث انقلاب عسكري في مصر، لكننا لم نقرأ ما كُتب لأننا كنا مشغولين بالرقص في الميدان احتفالا بنجاح الثورة، وحتى إن قرأنا كنا سنتهم من كتبوا بالحقد والغيرة من انتصاراتنا العظيمة.

في يوم التنحي، ١١ فبراير، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن مصر «شهدت انقلابا»، وتساءلت إذا كان انقلابا جيدا أم سيئا، وفي اليوم نفسه كتبت مجلة «فورين أفيرز» أن مصر مرت بانقلاب عسكري تم بالحركة البطيئة، وفي ١٨ فبراير تساءل موقع أمريكي عن مساعدة الولايات المتحدة الجيش المصري للقيام بانقلاب، خاصة أنه في منتصف أيام الثورة أرسلت قوات البحرية الأمريكية حاملات وزوارق هجومية للبحر الأحمر، واقتربت سفن الأسطول الخامس الأمريكي من ساحل الإسكندرية.

في ١٣ فبراير كتبت جريدة «هاآرتس» الإسرائيلية أن مصر شهدت انقلابا هادئا أو صامتا، حيث إن المجلس العسكري كان قد أخبر مبارك أنه إن لم يقم بتسليم السلطة طوعا فسوف يجبرونه على هذا، وكانت واشنطن على علم تام بتلك التفاهمات.

كان الجميع حولنا يعرفون الحقيقة، فقط نحن عميت أعيننا عنها، لكننا اكتشفناها صادمة في الأيام القليلة الماضية، بعد أن وطد المنقلبون قواعدهم في االسلطة بالدماء والقانون، لكن مهلاً، لم يفُت الوقت بعد، نستطيع إجهاض الانقلاب باتباع الإرشادات الأولية لوقفه، مثلما اتبع العسكر قبلنا إرشادات المنقلبين السابقين في دول متخلفة أخرى لتنفيذ العملية..

يقدم كتاب «الانقلاب العسكري: دليل عملي» نصائح مفصلة يمكن باتباعها القفز بنجاح على الحكم، ويشرح إدوارد لوتواك – وهو خبير حربي أمريكي- في مؤلَفه هذا الواسع الانتشار والمترجم للغات كثيرة الخطوات اللازمة، يوضح أنه يمكنك بسهولة تنفيذ انقلاب في دولة تعاني من أزمة اقتصادية، وليس هناك تناغم بين القوى السياسية فيها، والمجتمع المدني فيها أضعف من العسكري، وجزء كبير من شعبها يمتاز باللامبالاة السياسية، ليس من الضروري أن يكون هدف الانقلاب وطنيا نبيلا، فالشبق للسلطة في حد ذاته هدف كافٍ.

لا تحتاج لأسلحة ثقيلة أو مساندة شعبية ضخمة، يمكن أن تنفذ العملية بالقليل من الاثنين،  يضيف المؤلف أنه عند قيامك بانقلاب من الأفضل لك الحفاظ على النظام السابق والعمل من خلاله بدلا من تدميره، والكثير من عناصره سوف يتعاونون.. قم فورا بالسيطرة على الجهاز الأمني والبيروقراطي للدولة، سيقاوم البعض فيهما، ولكن البعض الآخر سيجدها فرصة عظمي سانحة للحصول على امتيازات.. لا تقلق من الأحزاب السياسية، فهي لا تشكل تهديدا حقيقيا ضد الانقلاب، لأنها ومن فيها ومن يصوتون لها غير متمرسين على إثارة الجماهير، وسينصب فعلهم الاعتراضي فقط على الانتخابات التي يعرفونها.

من الضروري بالطبع أن تسيطر على وسائل الإعلام، ليس بهدف تقديم المعلومات ولكن لأجل توجيه مسارات الأمور.

اعتادت الانقلابات العسكرية التقليدية في القرن الماضي على وضع قادتها بشكل ديكتاتوري مباشر على رأس السلطة، ولكن الموضة تغيرت في العقد الأخير.

تُحب الانقلابات الجديدة اتباع سبل الديمقراطية، حتى تبدو أجمل في أعين العالم الخارجي. ينطبق هذا بالأخص على الدول التي تعتمد على دعم مالي وعسكري من الولايات المتحدة، وبرز الأمر في العقد الأخير مع اهتمام أمريكا الخيري بنشر الديمقراطية في العالم.. يحرص المنقلبون تلك الأيام على إسعاد الولايات المتحدة بإجراء انتخابات نزيهة، يصعد في النهاية من خلالها من يرغب فيه قادة الانقلاب للسلطة.

ننتقل الآن للإرشادات العملية لإجهاض الانقلاب.

بالكُتيب الصغير «ضد الانقلاب»، يشرح المؤلفان جين شارب وبروس جينكينز في نقاط محددة وسائل التخلص من المنقلبين.

أولاً وقبل كل شيء، لا بد من الامتناع عن منحهم أي شرعية، بعدم طاعة قراراتهم وسياساتهم وتركهم بلا سلطة يمارسونها، يحصل المنقلب على المشروعية بتعاون المواطنين معه، ولا بد من إنكار أي شرعية عليهم بمقاطعتهم، يتم منعهم من ممارسة الحكم بعدم التعاون مع أي حكومة يشكلونها، ورفض جميع خططهم المستقبلية، والإدارة الشعبية الذاتية للمجتمع، وجعل استمرارهم في السلطة أمرا مكلفا للغاية ماديا ومعنويا لهم، لا بد من أن يقوم الموظفون والعمال برفض تمكينهم من السيطرة على أماكن عملهم، وقيام المقاومين السلميين بتشكيل حواجز بشرية لمنع المنقلبين من التحكم في المباني الحكومية والبرلمان.. لا بد من شحذ رفض وإدانة دولية للانقلاب، وكسب دعم عالمي للمقاومين له، بالأساس عبر الإعلام الخارجي، وفي كل ذلك لا بد من عدم حمل السلاح، كما يؤكد مؤلفا الكُتيب، فالسبل السلمية أكثر جدوى لأنها تقوض من الأساس الأخلاقي للمنقلبين المسلحين، وتكسب مقاومي الانقلاب تعاطف المواطنين وتجلب لهم المزيد من المؤيدين.

أسلحة إجهاض الانقلاب السلمية طبقا للمؤلفين هي ما يلي: «البقاء في المنزل كفعل اعتراضي أولي، خلق حالة شلل في جميع أجزاء النظام السياسي الذي يسعى المنقلبون للسيطرة عليه، تجاهل قرارات وسياسات المنقلبين، ملء الشوارع بالمظاهرات، ثم ترك الشوارع خاوية لهم، عدم طاعة شعبية سلمية لجنود المنقلبين، نشر أخبار مقاومة المنقلبين في وسائل الإعلام، وأخيرا إضراب عام وإغلاق جميع المصالح والمؤسسات الحكومية من قبل الموظفين والعمال».

يمكن تنفيذ ذلك بمبادرات فردية أو تجمعات منظمة تشكلها القيادات المعروفة والمحبوبة بين المدرسين، العمال، الموظفين، رجال الدين، السياسيين.. إلخ.

ومن الأفضل أن يُستخدم كل سلاح سلمي في الوقت والمكان المناسبين كأجزاء تكتيكية من استراتيجية شاملة، تلك الاستراتيجية لا بد من تخطيطها بتفكير عميق وحرص شديد لضمان نجاح عملية الإجهاض.

ما لم يتحدث عنه المؤلفان في الكتيب السابق هو ضرورة تجفيف منابع القوة لقادة الانقلاب، ومنابع القوة دائما ما تكون بالأساس شيئين: السلاح الثقيل والمال الوفير، لا بد من ضبط وتجفيف كليهما.

تتصرف النخبة العسكرية المنقلبة في مصر الآن بجبروت احتكاري ساحق، لأنها الوحيدة في البلد التي تمتلك ما لا يمتلكه الآخرون، السلاح الخارجي المتقدم ومليارات الدولارات، السلاح يأتي من الولايات المتحدة، والمال يأتي من إمبراطورية البيزنس التي يديرها الجنرالات، ولا تخضع النخبة العسكرية المنقلبة في مصر لأية رقابة محلية أو دولية فيما يتعلق بالأمرين، سواء في شأن مشتريات سلاحها الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة أو ملياراتها التي تكسبها من مصانعها وشركاتها ومحطات البنزين ومزارعها وأراضيها.. إلخ‪.

ويرسل «برنامج الولايات المتحدة للتمويل العسكري» إلى منقلبي مصر كل عام ما قيمته ١‪.٣ مليار دولار من الأسلحة، ولا تلتزم الولايات المتحدة أو الجيش المصري بأية شفافية دولية حولها، حول ما تحققه شركات إنتاج السلاح الأمريكية الرأسمالية من مكاسب هائلة منها، ولا حول ضد من بالضبط سيستخدمها الجيش المصري ونحن دولة لم تخض أية حروب منذ أربعين عاما، بل وترعى الولايات المتحدة بنفسها وبحرص سلامنا مع عدوتنا القديمة.

وتطالب المنظمات الدولية رأسماليي السلاح الأمريكان وعسكر مصر بالشفافية ولكن ما من مجيب، آخر ما نعرفه عن مبيعات السلاح تلك نشره تقرير مكتب المحاسبية الحكومي الأمريكي عام ٢٠٠٦، وقال إنها تتضمن طائرات وسفن ومدرعات وصواريخ وأسلحة وذخائر، وتتساءل منظمة العفو الدولية عما إذا كانت كل تلك المشتريات تُستخدم بحق في الدفاع ضد التهديدات الخارجية، أم في أغراض أخرى داخلية منتهكة لحقوق الإنسان.

في العام ونصف الماضيين، لم نعد نحتاج لأن نسأل عن فيمَ تُستخدم كل تلك الأشياء، لم يعد الأمر لغزا، فقد رأيناها تجوب الشوارع أمامنا وتحلق فوق رؤوسنا وتفقأ عيون إخوتنا ثم تقتلهم حتى لا نعترض على المنقلبين.

ومن ناحية أخرى، ظل برلمان المتأسلمين يجتمع ثم يجتمع ويجتمع لمدة ستة أشهر، دون أن ينبت ببنت شفه عن مال العسكر وبيزنس العسكر، وعين مجلس شعب الإخوان سعيدا لواء جيش سابق على قمة لجنة الدفاع والأمن القومي، ولم تنطق اللجنة بكلمة واحدة عن الرقابة على موازنة المؤسسة العسكرية في شقها المرتبط بالمشروعات المدنية المربحة، ولا حول كيف يتم إنفاق المليارات التي يكسبونها من مئات المصانع والشركات ومئات الآلاف من الأفدنة وأسهم البنوك التي يمتلكونها.

في العام ونصف الماضيين أيضا لم يعد أمر تلك الأموال لغزًا، فقد وطد بها العسكر قواعدهم في الحكم، ويدفع الإخوان المسلمين الآن ثمن تواطؤهم الفج مع المنقلبين.

ألا وقد خذلنا قانون بلادنا المرة تلو الأخرى، ووقف في صف المنقلبين ضد الثورة، فليس أمامنا لتجفيف منابع قوة العسكر التسليحية والمالية غير المشروعة سوى سبيل واحد: القانون الدولي ومؤسسات تطبيقه العالمية، فلنعلن حرب القانون الدولي ضدهم، فلنلاحقهم ونقض عليهم مضاجعهم به.

هناك العديد من التنظيمات الدولية للرقابة على فساد الجيوش، من حيث تواطئها مع الدول العظمى في صفقات سلاح يُستخدم لقمع المواطنين وامتلاكها بيزنس مدني وغموض ميزانيتها، فلنرسل تقاريرنا كمواطنين أفراد وكمجتمع مدني لهم، على سبيل المثال، وقعت مصر وصدقت على اتفاقية الأمم المتحدة ضد الفساد منذ عام ٢٠٠٥، ونستطيع بجهد صبور حثيث أن نستخدم تلك الاتفاقية لملاحقة المنقلبين وضبط المصادر غير المشروعة لقوتهم..

على مشهد من المدرعات تملأ شوارع القاهرة، كانت تلك الإرشادات الأولية لإجهاض الانقلابات العسكرية.

—————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close