fbpx
تقديرات

ما وراء الاتهامات المصرية لتركيا

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

في 22 نوفمبر 2017م، أمر النائب العام، المستشار نبيل أحمد صادق، بحبس 29 شخصاً لمدة 15 يوما احتياطيًا على ذمة التحقيقات التي تجري معهم بمعرفة نيابة أمن الدولة العليا، بحجة اتهامهم وآخرين هاربين داخل البلاد وخارجها، مصريين وأتراكاً (بدون ذكر أسمائهم) بتهمة التخابر مع دولة تركيا بقصد الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، والانضمام إلى جماعة إرهابية، وتمرير المكالمات الدولية بغير ترخيص، وغسل الأموال المتحصلة من تلك الجريمة، والاتجار في العملة بغير ترخيص.

وذكر جهاز المخابرات العامة المصرية، الذي قدم القضية، أن الشبكة بدأت عملها منذ عام 2013 في إطار مخطط متكامل الأركان وضعته جماعة الإخوان داخل مصر وعناصرها المتواجدين على الأراضي التركية، وبتوجيهات من المخابرات التركية وبتمويل قطري.

وهنا تأتي أهمية بحث أبعاد هذا الاتهام في ظل اتهامات مماثلة وجهها القضاء المصري إلى دولة قطر وحركة حماس ومسئولين بارزين في كليهما، في الفترة التي تلت إنقلاب الثالث من يوليو؟ وما الهدف من هذا الإتهام؟

أولاً: تفاصيل حول القضية:

بدأت تطورات التحضير للقضية في أكتوبر 2017، حيث تعرض الكثير من المتهمين المذكورين في القضية إلى حوادث خطف واخفاء قسري من قبل الأجهزة الأمنية المصرية، كان من أبرزهم السيدة/ سمية ماهر احمد. وقد تم اعتقال 29 شخص على ذمة القضية حتى الآن، وتضم القضية آخرين هاربين لم تذكر السلطات المصرية عددهم أو أسماء أي منهم، وفق بيان النيابة العامة التى عُرض المتهمون عليها بعد ظهورهم من فترة الإختفاء القسري. وقد أسفرت نتيجة التحقيقات ، وفق ما جاء في بيان النائب العام، عن:

  1. اتفاق أجهزة الأمن والاستخبارات التركية مع تنظيم الإخوان الدولي لوضع مخطط للاستيلاء على السلطة في مصر.
  2. تمرير المكالمات الدولية عبر شبكة المعلومات الدولية باستخدام خوادم بدولة تركيا.
  3. مراقبة وتسجيل المكالمات لرصد الأوضاع السلبية والإيجابية داخل البلاد وآراء فئات المجتمع المختلفة فيها.
  4. جمع المعلومات عن الموقف من الأوضاع الداخلية بالاستعانة بالتنظيم الإخواني وآخرين مأجورين داخل البلاد وخارجها.
  5. إنشاء كيانات ومنابر إعلامية تبث من الخارج لاصطناع أخبار واشاعات كاذبة لتأليب الرأي العام ضد مؤسسات الدولة.
  6. استخدام اموال عمليات تمرير المكالمات الدولية غير المشروعة في تأسيس الكيانات والمنابر الإعلامية.
  7. تسريب المعلومات لجهات الاستخبارات التركية لاستغلالها في تجنيد عناصر داخل البلاد لارتكاب أعمال عدائية.
  8. شملت قائمة المضبوطات: عدد من أجهزة تمرير المكالمات الدولية وأجهزة تجسس صغيرة ومتناهية الصغر، أجهزة إرسال واستقبال الموجات الكهرومغناطيسية ومحطات النانو، أجهزة حواسب آلية تستخدم في المراقبة ويتم التحكم فيها عن بعد.

ثانياً: التناول الإعلامي:

شهدت القضية تغطية مكثفة من الصحف والمواقع الالكترونية وبرامج التوك شو على القنوات الفضائية المصرية، وذكر أحد الإعلاميين المقربين من الأجهزة الأمنية؛ في 22 نوفمبر 2017م، أن المخابرات التركية كانت تجمع معلومات كثيرة عن الشعب المصري وعن المؤسسات الحكومية في مصر من أجل ضرب “سكينة” في قلب الدولة المصرية، وقال أن تلك الخلية كانت تدعم القنوات الإخوانية في تركيا من أجل تزويدها بالمعلومات الهامة. وزعم أن تلك القضية بها أدلة قاطعة تثبت تورط دولة تركيا والمخابرات التركية بالتآمر علي الدولة المصرية منذ عام 2013م.

واستمر الاعلام المصري في الهجوم على تركيا، بعد إعلان الدولة التركية عن تنكيس العلم التركي حداداً علي شهداء حادث مسجد الروضة الذي وقع بمدينة العريش (الجمعة 24 نوفمبر 2017م) حيث تمت الإشارة الى اتهام تركيا وقطر بدعم العمليات الإرهابية في مصر.

وسعت الأجهزة الإعلامية للنظام المصري لإبراز عدة مضامين من خلال تناولها لقضية التخابر مع تركيا، منها أن التعاون بين الدولة التركية والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين يهدف إلى تكبيد الاقتصاد القومى المصرى خسائر والتجسس على المصريين وجمع المعلومات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والإستفادة منها عبر تمريرها للمخابرات التركية والقنوات الإعلامية التابعة للإخوان، فضلا عن المضامين المعتادة بإظهار الإخوان كقوة غير وطنية تتأمر مع “أعداء الوطن” (ومما يثير الدهشة أن أحد المتهمين في القضية الملصقة بالإخوان المسلمين هو شخص مسيحي).

ثالثاً: النظام المصري والسوابق المشابهة:

ليست تلك هي السابقة الأولى التى تتهم فيها الأجهزة المصرية أطرافاً أجنبية توجد مشاكل في العلاقات معها بالتجسس على مصر، ولكن هناك العديد من السوابق،حيث سبق أن اتهم النظام المصري:

1ـ اتهم النظام المصري دولة قطر بالتخابر على مصر، بل وأصدرت حكماً نهائياً بالسجن المؤبد والمشدد بحق رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي، فيما عرف بقضية “التخابر مع قطر“، وبالإعدام بشكل نهائي على ثلاثة متهمين حضورياً، بتهم التخابر وتسريب وثائق ومستندات صادرة عن أجهزة الدولة السيادية وموجهة إلى مؤسسة الرئاسة وتتعلق بالأمن القومي والقوات المسلحة المصرية وإفشائها إلى دولة قطر.

2ـ اتهام النظام المصري لحركة حماس الفلسطينية، بالتورط في حادثة اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، حيث ورد في اعتراف أحد المتهمين أنه قد قام بالسفر إلى قطاع غزة والتدرب على يد أحد ضباط المخابرات التابعين للحركة على كيفية تصنيع العبوات الناسفة وغيره، ثم قام هذا الضابط بمتابعة أعمال هذا الشاب بعد رجوعه إلى مصر وحتى بعد تنفيذ عملية اغتيال هشام بركات. كما اتهم أيضا أعضاء بارزين في الحركة في القضية المعروفة بالهروب من سجن وادي النطرون، والمتهم فيها الرئيس مرسي أيضا، وشملت لائحة المتهمين أشخاصا متوفين أو قابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ فترات طويلة!

رابعاً: تفسيرات القضية وأبعادها

التفسير الأول: محاولة النظام المصري إبتزاز الدولة التركية

وذلك بهدف الحصول على بعض المكاسب، السياسية والاعلامية، مثل الحصول على تنازلات سياسية، أو تغيير موقفها من بعض القيادات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين أو حزب الحرية والعدالة وبعض رموز المعارضة الأخرى المتواجدين على الأراضي التركية، أو وقف عمل لبعض القنوات الاعلامية المصرية المعارضة المستقلة التي تتواجد بعض مكاتبها في تركيا، وذلك قبل انتخابات الرئاسة المزمع عقدها في منتصف العام القادم 2018م، خاصة وأن بعض هذه القنوات قد تفوقت بشكل واضح على عديد من الموالية للنظام المصري في نسب المشاهده (وفق نتائج أبحاث مؤسسة “إبسوس” للدراسات عام 2016م).

يدعم هذا التفسير أن النظام المصري قد مارس محاولات ابتزازية ضد حركات المقاومة الفلسطينية في حصاره على غزة بعد اتهام اسماء شهداء قُتلوا قبل سنوات بإغتيال النائب العام “هشام بركات”. كما مارسها النظام المصري ضد حلفائه، عندما هاجم السعودية ونظامها بهدف ابتزازه ماديا.

التفسير الثاني: التخبط داخل النظام المصري

فقد صرح وزير الخارجية المصري (15 أكتوبر 2017) “أننا لمسنا في الفترة السابقة انخفاض في حدة اللهجة ضد مصر؛ وأن هناك تعاون اقتصادي نسعى للحفاظ عليه لانه في مصلحة البلدين، وأنه لا يمانع من السفر الى تركيا ولقاء الرئيس أردوغان.

إلا أن الممارسات التي صاحبت تلك التصريحات جاءت في اتجاه مغاير ومعاكس لتصريحات وزير الخارجية المصري، وربما يعود ذلك حالة عدم التوازن الداخلى التي يعيشها النظام المصري نتيجة الإخفاق في مواجهة التنظيمات المسلحة في سيناء تزامناً مع الحالة الإقتصادية المأزومة التي تمر بها البلاد، بدا ذلك بوضوح من خلال تضارب وتعارض التصريحات والقرارت التي صاحبت حادث الواحات وحادث مسجد الروضة الأخير في سيناء.

التفسير الثالث: مناكفة الدولة التركية

النظام المصري يسعى جاهدا الى مناكفة الدولة التركية عبر العديد من السبل بما فيها الاتهامات التى وجهت إلى تركيا مؤخرا في قضية التخابر؛ بدا ذلك بوضوح في أكثر من موقف خلال الشهور القليلة الماضية، كان أبرزها:

1ـ المناورات العسكرية التى قامت بها مصر مع اليونان في جزيرة رودس في الفترة ما بين 30 اكتوبر الى 4 نوفمبر والمعروفة باسم “ميدوزا 5″، وذلك شرق بحر إيجه، والتى لاقت اعتراضاً من وزارة الخارجية التركية، بسبب أن ذلك يتنافى مع معاهدة باريس للسلام عام 1947م، التى تنص على حظر كافة انواع التدريبات العسكرية في رودس.

2ـ شارك السيسي في 21-11-2017م، في أعمال القمة الثلاثية فى العاصمة القبرصية نيقوسيا بمشاركة الرئيس القبرصى نيكوس اناستاسيادس، ورئيس  الوزراء اليونانى ألكسيس تسيبراس، استكمالاً لقمم سابقة  تسعى من خلالها الأطراف الثلاثة (مصر واليونان وقبرص) إلى انشاء ما أسمته تحالف “شرق متوسطي”، لتحقيق المصالح المشتركة، والتي تتضارب في كثير منها مع المصالح التركية، ومن ذلك:

(أ) ملف ترسيم الحدود المائية بين الدول الثلاث، وهو الملف الذي يمثل أكثر من بعد بالنسبة للجانب التركي بجانب البعد السياسي، حيث أن إعادة ترسيم الحدود المائية تعطي الصلاحية وحق الإمتياز للدول الثلاث بالتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط، وتنظر تركيا الى هذا الملف بإعتباره تهديدا لأمنها القومي، بدا ذلك بوضوح بإعلان أنقرة تفويض الحكومة التركية قواتها البحرية بتطبيق قواعد الاشتباكات، لمواجهة التوتر المتزايد بين الدول الساحلية التي تشمل تركيا وقبرص اليونانية ومصر، بسبب مشروعات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط.

(ب) منع مرور الشاحنات والسفن التركية المتجهة إلى دول الخليج عبر الأراضي المصرية، بهدف اغلاق التواصل المباشر بين تركيا ودول الخليج. وفي إطار سعيها لتضييق الخناق على تركيا في مياه البحر المتوسط، ألغت القاهرة عام 2015 اتفاقية “الرورو”.

(ج) القضية القبرصية: كان لافتاً خلال القمة الأخيرة بين مصر واليونان وقبرص إشارة السيسي الى أن “القضيتين، القبرصية والفلسطينية، ذات أولوية خاصة”، والهدف من ذلك التصريح هو الاشارة بشكل خبيث الى تشابه وضعية الإحتلال في البلدين، وتأتي مساواة السيسي بين القضيتين بهدف دعم قبرص سياسياً في مواجهة تركيا واستمراراً في نهج النظام المصري لإحراج ومناكفة الجانب التركي والضغط عليه.

خلاصة:

1ـ يعتمد النظام في تلك النوعية من القضايا على وقائع يمكن من خلالها بناء قضية تبدو متماسكة، معتمداً في جزء من ذلك على بعض الوقائع الحقيقية (التي قد تشمل في هذه الحالة مثلا فعلا جنائيا مجرما بشكل عادي لإجراء المكالمات التليفونية الدولية بشكل غير قانوني) ثم البناء عليها بمجموعة من الأكاذيب والإعترافات التي يتم نزعها من خلال التعذيب البدني، لضم أخرين ليس لهم أي علاقة بالقضية الجنائية (الإخوان وتركيا في هذه الحالة مثلا)، ويتزامن ذلك مع  التسويق للقضية عبر أجهزته الإعلامية بشكل مكثف بهدف خلق رأي عام داخلي وخارجي ضد خصوم النظام.

2ـ تشير طريقة تعامل النظام المصري مع هذه القضايا وغيرها إلى أنه يهدف إلى تحقيق عدة مستهدفات رئيسية؛ تحقيق نصر إعلامي داخلي، يتم توظيفه لصالح تحسين صورة النظام وإبراز قوته لاسيما وأن الإخفاقات في ملفات متعددة ابرزها سيناء والاقتصاد تدفع النظام المصري الى السعي الدائم والمتواصل لتحسين صورته عبر إثارة قضايا مماثلة، تحسين صورة المخابرات العامة في إطار تنافسها مع الأجهزة الأمنية الأخرى، خلق أدوات ضغط ضد خصوم النظام في الداخل والخارج، مع المحاولة لايجاد وسيلة ابتزاز سياسي ضد الأنظمة السياسية الخارجية، بهدف الحصول على بعض المكتسبات.

3ـ يستثمر النظام المصري الحالة السائلة التي يشهدها الإقليم، حيث يبدو ذلك من خلال السياسة الخارجية للنظام المصري التي تسعى بشكل دائم لاستثمار الأزمات والملفات الإقليمية لتفرض نفسها على طاولة المفاوضات وتشرعن وجودها من خلال تقاطعها مع مصالح قوى إقليمية ودولية، الأمر الذي يجعل النظام المصري في حالة تحالفات غير مستقرة بحسب الملفات الإقليمية ومدى الإستفادة منها وتوظيفها لصالحه، وهو ما ينعكس أحياناً على تحالفاته الإستراتيجية مع السعودية والإمارات والتي تشهد بين الحين والآخر حالات من الإبتزاز من جانب النظام المصري، وهو ما يجب أن تنتبه إليه تركيا في أي شكل من العلاقات السياسية مع النظام المصري في المستقبل مع الحرص على إستمرار المصالح الإقتصادية بين البلدين بعيداً عن الخلاف السياسي القائم.

ولذلك فإنه من المهم عدم الانسياق وراء تصريحات الاعلام المرتبط بالنظام المصري القائمة على الابتزاز، أو خلف الاتهامات التي يعمل على تسويقها، والرد عليها وفق مسارات ومسالك مشابهة أو مماثلة (إعلامية مثلاً)، بعيداً عن القيادة السياسية أو المسؤولين السياسيين، وفق مستويات محددة، مع عدم الاستجابة لأية مطالب مصرية مرتبطة بإثارة مثل هذه القضية وغيرها في إطار الابتزاز.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close