fbpx
تقديرات

الحايس: بين الخطف والتحرير حقائق وأوهام

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد

بعد إعلان القوات المسلحة نبأ توجيه ضربة عسكرية لمنفذي حادث الواحات وتحرير النقيب محمد الحايس، وتوالي البيانات والفيديوهات التي تصدرها القوات المسلحة يومياً بهذا الشأن، يبدو ان هناك عشرات التساؤلات تفرض نفسها مرة أخرى فيما يتعلق بسيناريوهات حادث الواحات الذي خلف وراءه عشرات القتلى والمصابين في صفوف الشرطة المصرية في حادث يعد الأبرز في تاريخ وزارة الداخلية المصرية، ودلاً من أن تجيب البيانات عن هذه التساؤلات فإنها تثير الجديد منها.

كانت وزارة الدفاع قد أعلنت يوم الثلاثاء الموافق 31 أكتوبر 2017، القضاء على عناصر مسلحة  شاركت قبل أقل من أسبوعين في استهداف قوات للشرطة، في قصف جوي لإحدى المناطق الجبلية بمحافظة الفيوم وسط البلاد. وقالت وزارة الدفاع في بيان، إن “القوات الجوية قامت بمهاجمة منطقة اختباء العناصر المسلحة، على طريق الواحات بإحدى المناطق الجبلية غرب الفيوم، وأعلنت القوات المسلحة المصرية ان قوات من وزارة الداخلية شاركت في العملية. تم الإعلان بعد الضربة الجوية مباشرة عن إطلاق سراح النقيب محمد الحايس والمخطوف منذ مدة قاربت علي الإسبوعين، نشير هنا الى عدة تساؤلات تفرضها الرواية الأخيرة لتحرير النقيب محمد الحايس والفيديوهات المذاعة المتعلقة به.

 

تساؤلات تبحث عن إجابات

أولاً: لا شك ان عملية تحرير رهائن من قبضة خاطفيها تعد من العمليات العسكرية شديدة الصعوبة والحساسية حيث أن الإشتبكات او قصف الخاطفين يؤدي في نهاية الأمر الى القضاء عليهم وعلى من معهم من مختطفين. نشرت القوات المسلحة عدة مقاطع مصورة تظهر قصف جوي يستهدف عدة عربات دفع رباعي في احد المقاطع، ومقطع آخر يظهر استهداف مجموعة تجري في الصحراء، تلك المقاطع والتي لاتحتوي على اية اشتباكات مسلحة أرضية بل جميعها قصف جوي الهدف منه القضاء تماماً على الأهداف الأرضية، في حين يبدو من مشاهدة تلك المقاطع إستحالة تحرير مختطف عن طريق القصف الجوي الذي يؤدي في نهاية الأمر الى مقتل الخاطفين والمختطفين على حد السواء.

وهو ما يثير تساؤلات حول علاقة ذلك الفيديو بعملية تحرير النقيب محمد الحايس والتي تظل بعيدة عن الواقع والمنطق وتفتح الباب أمام عدة سيناريوهات محتملة حول عملية التحرير:

  • هل تم تحرير الحايس في عملية مختلفة عن تلك التي أذيعت ونشرت في مقطع فيديو ؟
  • هل تم تحرير الحايس منذ فترة وتم الإحتفاظ به لحين الإعلان في وقت مناسب؟
  • هل تم تحرير الحايس أصلاً أم أن الخاطفين قد تركوه لسبب أو لآخر؟ هل مثلاً تم ذلك في إطار إتفاق ما مع الخاطفين؟ وهل انتهى الاتفاق بالإخلال به بعد تحرير الحايس؟
  • هل بالفعل محمد الحايس كان مختطفاً من قبل المجموعة التي نفذت الحادث مع الأخذ في الإعتبار أن أحداً لم يعلن مسؤليته عن تلك الحادثة أو يقدم طلبات في مقابل الإفراج عن النقيب محمد الحايس وهو أمر يعد غريباً في ظل تواجد رهينة في أيدي مجموعة مسلحة تسعى للحصول من خلالها على مكاسب أو مساومات؟
  • إذا فرضنا أن النقيب محمد الحايس لم يكن مختطفاً فهل كان تائهاً في الصحراء وعثرت عليه القوات المسلحة فيما بعد وهذا يدفعنا الى تساؤل آخر وهو لماذا روجت القوات المسلحة المصرية رواية الإختطاف ولما لم تعلم من البداية أن النقيب محمد الحايس تائها؟

 

ثانياً: الرواية الرسمية لعملية تحرير النقيب محمد الحايس تظهر قدر عال من الكفاءة والتدريب لعملية تحرير في ظروف غاية في التعقيد، وهو الأمر الذي يدعو الى تساؤل بديهي عن غياب تلك القدرات العالية والكفاءة القتالية في حادث الواحات نفسه والذي اسفر عن مقتل العشرات من ضباط وزارة الداخلية، ولماذا لم يقوم الطيران الحربي الذي اصاب أهدافه بدقة في عملية تحرير الحايس بعمل غطاء جوي بعد وقوع حادث الواحات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الضباط والجنود ومتابعة وملاحقة منفذي الحادث؟

 

ثالثاً: أصدرت القوات المسلحة بياناً الأمس يعرض لقطات مصورة للقصف الجوي الذي نفذته القوات الجوية على بعض الأفراد المشاركين في حادث الواحات كما جاء في البيان، ولوحظ من خلال المشاهد المعروضة أن جثث القتلى لا يبدو عليها مظاهر القصف الجوي في حين يبدو بوضوح على جثث القتلى آثار طلقات نارية في اماكن متفرقة في اجسادهم، بما يشير إلى ان تلك الجثث ليس لها اي علاقة بعمليات القصف الجوي وربما تم قتلهم من خلال اطلاق الرصاص عليهم، وربما لم تكن لديهم أي علاقة بحادث الواحات أصلاً، تبرز عدة أسئلة هنا: لماذا الإدعاء بأن هولاء الجثث لقتلى نتيجة قصف جوي؟ وإذا كانت آثار الطلقات النارية تبدو بوضوح على جثث القتلى فهل من المحتمل أن الجثث تعود لأشخاص مختفيين قسرياً وقد تم تصفيتهم جسديا كما تم توثيقه في مناسبات عديدة أخرى؟

 

رابعاً: الرواية التي روجت منذ بداية حادث الواحات عن طريق الأجهزة الإعلامية التابعة للنظام المصري عن طريق تسجيل مسرب لأحد الضباط الذي يصف فيه وقائع حادث الواحات ويؤكد إختطاف النقيب محمد الحايس، وهي رواية تدعو الى التوقف عندها حيث أن في أغلب عمليات إلاختطاف للجنود أو للضباط يكون الموقف المعلن من الجيوش بشكل عام هو عدم الإعلان او التصريح بوجود مختطفين حتى يتحين للجيش تحرير المختطفين ومن ثم الإعلان عن تفاصيل عملية الإختطاف وتحرير الرهائن، إلا أنه في الحالة المصرية يبدو الأمر مختلفاً، حيث كان الإعلان عن عملية الإختطاف من قبل الأجهزة الإعلامية للنظام المصري بعد أن كانت الروايات الإعلامية في البداية تشير إلى أنه من بين القتلى.

يقودنا هذا الاستفهام إلى سؤال حول حقيقة إختطاف النقيب محمد الحايس وما إذا كان لم يختطف من الأصل ولكن فضل النظام الإعلان عن إختطافه ليتم الإعلان فيما بعد عن عملية تحريره التي ستبدو نصراً عظيماً يعوض الخسائر المادية والمعنوية المترتبة عن حادث الواحات، والتي سيتم تصويرها من خلال عملية قصف لأي مجموعات مسلحة في الصحراء المصرية سواء كانت إرهابيين أو مهربين أو أية مجموعات أخرى، ويعقبها مباشرة ظهور للنقيب محمد الحايس بعد عملية “تحريره” الناجحة ولتبدأ بعدها القنوات المصرية بالإحتفال والإبتهاج بعملية يبدو منها استرداد للكرامة ورفع للحالة المعنوية بعد حادث الواحات في حين انه يبدو ان العملية لم تكن موجودة بالأساس، ما يعزز هذه الفرضية حوادث سابقة لم يعلن فيها الجيش المصري عن حالات إختطاف مماثلة ومنها:

  • 19 مارس 2016 قام مسلحون تابعون لتنظيم ولاية سيناء بالهجوم على كمين الصفا بمدينة العريش، لتعلن وزارة الداخلية المصرية في اليوم التالي عن مقتل 15 فرد من قواتها في الكمين، ولم تعلن حينها عن أن هناك اثنين مفقودين وهم النقيب محمد عبد الرحيم القلاوي من قوة قسم ثاني العريش والمجند مجدي أبو عماشة، ليتم الإعلان بعدها من قبل مصادر أمنية انه تم العثور على جثة الضابط وهو ما نفته أسرة الضابط حينها، كانت المفاجأة أن بعد الحادث بما يقارب الأربعة أشهر قام تنظيم ولاية سيناء بإصدار مقطع فيديو يتضمن مقطع مرئي للنقيب والجندي وهم يرتديان الملابس البرتقالية ومقيدان أمام أحد المسلحين قبل أن يتم إطلاق النار عليهما. (سيناء24)
  • 11 يناير 2017 قام مسلحون تابعون لتنظيم ولاية سيناء بالهجوم على قوة من العمليات الخاصة بجوار مبنى أمن الدولة القديم بوسط مدينة العريش، لتعلن حينها المواقع الإخبارية المصرية ومنها (اليوم السابع) و (الوطن) عن مقتل عدد من رجال الأمن وهم الملازم أول / محمد عبد الفتاح ، وثلاثة من أمناء الشرطة هم عريف / عبد الفتاح الشيخ، وعريف / محمد الصغير، وعريف / مصطفى صلاح، ولكن المفاجأة التى ظهرت لاحقاً أن امناء الشرطة الذي اُعلن عن مقتلهم ولا توجد جثث لهم، أنه قد تم إختطافهم أثناء الهجوم، والأمر هنا ليس استنتاجاً بل تم توثيقه بمحاضر رسمية لوزارة الداخلية تم اعطائها لاحقاً لأسر أمناء الشرطة بعد مطالبتهم الوزارة بتوضيح مصير ابنائهم أو استلام جثثهم، ليكشف أحد المحاضر الرسمية على قيام المسلحين بالإستيلاء على المدرعة الأمنية بكامل طاقمها من أفراد كما تظهر صورة المحضر.

 

خامساً: القوات المسلحة المصرية أعلنت في بيانها ان الضربه الجوية كانت علي منطقة تقع في غرب محافظة الفيوم، ولم تعلن عن أي إشتباكات  أخري جرت بين قوات الامن والمسلحين، ولكن في حلقة يوم 31 أكتوبر 2017م، في برنامج هنا العاصمة صرح العميد خالد عكاشة عضو المجلس الأعلي لمكافحة الإرهاب ان محمد الحايس، أصيب قبل تحريرة في إشتباك نيراني تم بين قوات الأمن والمسلحين قرب الحدود المصرية – الليبية؟ تشير هذه الرواية الى تضارب واضح بين البيان الصادر من القوات المسلحة والذي أعلن ان المسلحين تم قصفهم في غرب ليبيا وبين تصريح عضو المجلس الأعلي لمكافحة الإرهاب بأن “الحايس” كان بالقرب من الحدود المصرية الليبية، ربما يشير هذا التضارب عل اقل تقدير إلى إختلاف المعلومات لدى المؤسسات الامنية حول حادث إختطاف “الحايس”.

 

سادساً: أظهرت تلك المجموعة المسلحة التي قتلت العشرات من ضباط الداخلية، وقامت بإختطاف الضابط محمد الحايس كفاءتها القتالية العالية فى مواجهة قوات الأمن، ولكن مهما كانت قوة وتدريب تلك المجموعة، لكن في النهاية تبقي مجموعة قليلة العدد وتسليحها لا يساعدها على أن تقف في مواجهة سلاح كسلاح الطيران الجوي، والذي أعطته أجهزة القمر الصناعي أحداثيات دقيقة عن مكان المجموعة، حيث أن المنطقة ظلت طوال الأيام الماضية مراقبة عن طريق القمر الصناعي والذي قد يثير تساؤلات عن بعض ما تردد من أن طيراناً أمريكياً هو الذي قام بالعملية الأخيرة لخبرته في ملاحقة المختفيين في الكهوف والجبال وهو ما لا يتوافر عند الجانب المصري، يعضد هذا السيناريو إحتفال القيادة المركزية الوسطي للقوات الأمريكية عبر حسابها الرسمي بالضربة الجوية.

 

سابعاً: عند النظر الي الفيديو الذي نشرته القوات المسلحة المصرية في 31 اكتوبر 2017م، نري أن الطائرة قامت بقصف ما يقارب 12 فرد يتجمعون حول 3 عربات دفع رباعي مغطاة في الصحراء بمنطقة قيل انها غرب محافظة الفيوم، وبعد القصف لوحظ في الفيديو ان ما قد تم قتلة ثلاثة إلى أربعة أفراد، والباقين لاذو بالفرار ثم يظهر مقطع مرئي آخر لوزارة الدفاع لقصف المجموعة المتبقية أثناء فرارها في الصحراء، لو فرضنا أن محمد الحايس كان في يد تلك المجموعة فلماذا لم يقتل؟؟ ولو ان الحايس نجى من القصف مثل أخرون نجوا ولوحظ في الفيديو ان هناك مجموعة لم يصبها القصف واستمرت في الركض فلماذا لم يقوموا بتصفية “الحايس”؟ وعلي فرضية ان “الحايس” لم يكن معهم وقت القصف وانه كان في مغارة جبلية قريبة من مكان تجمعهم، فلماذا لم يذهبوا الى تلك المغارة ويقوموا بتصفيته؟ أليس من المؤكد أنه في تلك اللحظة سيكون أول تفكيرهم هو قتل الحايس؟ وهو ما يثير عدة تساؤلات حول حقيقة إختطاف النقيب محمد الحايس أو قصة تحريره على أقل تقدير.

 

ثامناً: الإعلام المصري تناول الحدث علي أنه إنتصار كبير سيظل يذكرة التاريخ، ولكن اللافت ان تناول الإعلام يظهر كفاءة الجيش المصري وقوته في محاربة الإرهاب، ولم يتمادي في الحديث عن وزارة الداخلية وقواتها الخاصة، التي أظهرتها التسريبات التي أذعها أحمد موسي في برنامجة يوم 20 أكتوبر 2017م، بعد الحادثة مباشرة، علي انها قوات تدريبها ضعيف، وأظهرت عدم قدرتها علي محاربة الإرهاب، وفي هذا الصدد خرج اللوء فؤاد علام في أكثر من موضع ليتحدث عن أن قوات ال777 وال999 وقوات الصاعقة المصرية “قوات تابعة للجيش المصري” هي من المفروض ان تتولى محاربة الإرهاب وتقوم بتدريب قوات الشرطة كي تصبح قادرة على محاربة الإرهاب.

 

تاسعاً: منذ وقوع حادث الواحات اعلنت كلا من القوات المسلحة ووزارة الداخلية القيام بثلاث عمليات عسكرية مشتركة بالإضافة الى العملية العسكرية التي اُعلن عنها يوم الثلاثاء الماضي، حيث أعلنت الداخلية المصرية في يوم الجمعة الماضية الموافق 27 أكتوبر 2017م، مقتل 13 مسلحا بعضهم يرتدي ملابس عسكرية في اشتباكات مع الأمن في نطاق محافظة الوادي الجديد غربي البلاد، وقام القوات الجوية بضربتين جويتين في الصحراء الغربية من بعد حادثة خطف النقيب محمد الحايس يومي  23 أكتوبر 2017 و 30 أكتوبر 2017، وهو ما يثير علامات الاستفهام حول أياً من هذه المجموعات هو المنفذ الحقيقي لحادثة الواحات وما هي حقيقة المجموعات الأخرى التي اشتبك معها الجيش او قام بقصفها وما علاقتها بحادث الواحات حيث أن مجموع ما تم الإعلان عن قتله من المسلحين على أثر العمليات السابقة يتخطى ال 50 فرد تقريباً، في حين أن الرواية التي أظهرها التسريب الذي أذاعه “أحمد موسى” تشير الى أن المجموعة التي نفذت حادث الواحات لا تتخطى 12 فرداً؟

 

خلاصة

في ظل غياب الشفافية التي ينتهجها النظام المصري، وفي ظل غياب الكفاءة في مواجهة العناصر المسلحة، ستظل دائماً تساؤلات منطقية تبحث عن إجابات حول حقائق العمليات العسكرية التي يعلن عنها النظام المصري وعن مستقبل المواجهات مع العناصر المسلحة في الصحراء المصرية(1)

——————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية “.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close