fbpx
مختارات

الخطط الاقتصادية السعودية: رؤية أم سراب؟

سايمون هندرسون، منشورات معهد واشنطن، 17 يونيو 2016.

بعد أسبوع من الاجتماعات في واشنطن، شملت إجراء محادثة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في المكتب البيضاوي، توجه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة وزار منطقة “سيليكون فالي” [أو “وادي السيليكون” التي تضم أكبر وأعرق الشركات العاملة في مجال التقنية]، ومقر شركة “أوبر” لخدمات نقل الأفراد في سان فرانسيسكو، والتي تشهد نمواً سريعاً شمل قيام المملكة العربية السعودية مؤخراً باستثمار 3.5 مليار دولار في هذه الشركة. وزار مصارف الاستثمار في نيويورك لمناقشة عمليات بيع جزئي لشركة النفط الوطنية السعودية “أرامكو”، وصولاً إلى هدفه الأوسع نطاقاً الذي يقوم على إنشاء صندوق للثروة السيادية بقيمة 2 تريليون دولار وتغيير اقتصاد بلاده.

الخلفية

المملكة العربية السعودية هي أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم، وتتفاخر بامتلاكها احتياطي من النفط يبلغ 266 مليار برميل، أي ما يعادل 15.7 في المائة من إجمالي المخزون النفطي في العالم – تُعتبر المملكة على نطاق واسع “اقتصاداً قائماً على ركيزة واحدة”، وفقاً لعنوان بارز صدر مؤخراً في صحيفة “فاينانشال تايمز”. وقد مرّ هذا الاقتصاد بضغوط خاصة منذ انهيار أسعار النفط في أواخر عام 2014، من ما يتخطى 100 دولار للبرميل الواحد إلى حوالي 50 دولار في الوقت الحالي. وعلى الرغم من أن السعر الأخير يمثل ارتفاعاً كبيراً عن أدنى مستوى لهذا العام (أقل من 30 دولار في كانون الثاني/يناير)، إلا أنه من المرجح أن تكون الأسعار مقيّدة في الوقت الراهن بسبب المخزون الكبير (أي النفط الذي تم ضخه ولكنه لا يزال في التخزين). لا بد من الإشارة إلى أن هذا الانهيار في الأسعار كان نابعاً، جزئياً على الأقل، من تصرفات المملكة ذاتها، فالرياض توقعت نمو شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة، ولكن محاولتها لإبعاد هؤلاء المنتجين ذوي التكلفة الأكثر ارتفاعاً لم تكلل بالنجاح التام.

وتَرافق عدم اليقين في قطاع الطاقة مع التغيير السياسي السريع. ففي كانون الثاني/يناير 2015، توفي الملك عبد الله وحل محله الملك سلمان، والد الأمير محمد بن سلمان. وعلى الرغم من أن الأمير كان يبلغ من العمر تسعة وعشرين عاماً فقط في ذلك الوقت، إلا أنه عُيّن وزيراً للدفاع ورئيساً لـ “مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية” الجديد، وهو المنصب الذي استخدمه لكي يفرض نفوذه على كافة جوانب الاقتصاد السعودي. وفي نيسان/ إبريل 2015، عينه الملك في منصب ولي ولي العهد (الثاني في ترتيب ولاية العرش) ورئيس هيئة جديدة لرسم السياسة النفطية، أي “المجلس الأعلى”، مُهمشاً بذلك أفراداً آخرين من العائلة المالكة.

بيد، استمرت المملكة في سياستها القائمة على ضخ كميات هائلة من النفط للحفاظ على حصتها في السوق، مما أبقى الأسعار منخفضة. وفي الوقت نفسه، انخفضت الاحتياطيات المالية السعودية، ويعود ذلك جزئياً إلى دفع الأمير محمد بن سلمان باتجاه التدخل في اليمن كوسيلة للتصدي للنفوذ الإيراني المتصوّر الذي تشهده المملكة على حدودها الجنوبية. وعلى الرغم من إقالة وزير النفط في التعديل الوزاري الذي أُعلن عنه الشهر الماضي، لم تظهر أي تخفيضات وشيكة في الانتاج.

بداية الملك القادم؟

لقد فاجأ الصعود المثير للأمير محمد بن سلمان السعوديين والأجانب على حد سواء، وقد بدأ تعريفه للعالم بشكل جدي هذا العام. فخلال زيارته الحالية، لا يجتمع بالرئيس الأمريكي وزعماء الكونغرس فحسب، بل يعقد أيضاً لقاءات على أساس ثنائي مع أشخاص مثل الرئيس السابق لـ “وكالة الاستخبارات المركزية” الأمريكية و”القيادة المركزية” الأمريكية ديفيد بتريوس، والمدير التنفيذي في مجموعة “كارلايل” الاستثمارية ديفيد روبنشتاين.

بالإضافة إلى ذلك، كان يعقد اجتماعات منسقة بعناية مع وسائل الإعلام. ففي مقابلة ظهرت على قصة غلاف لمجلة الـ “إيلكونوميست” في كانون الثاني/ يناير، صرّح بأنه يريد غرس ثورة في المملكة العربية السعودية تسير على خطى رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر، ثم أعلن أنه من المعجبين برئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل، الذي نسب إليه القول: “الفرص تأتي خلال الأزمات”. وبالمثل، في ملف تعريف صدر في نيسان/ إبريل في مجلة “بلومبرغ بيزنس ويك”، أشار إلى أن كتاب “فن الحرب” لـ سون تزو علّمه كيفية تحويل المحن لمصلحته.

وقد أبرزت هذه المقابلات في بعض الأحيان غطرسة تخبئ النقص النسبي في خبرته، فضلاً عن جانب معين بخصوص موقفه تجاه واشنطن. ففي كانون الثاني/ يناير على سبيل المثال، صرّح أن “على الولايات المتحدة أن تدرك أنها البلد رقم واحد في العالم وعليها أن تتصرف على هذا الأساس”. كما أنه يفضل اللباس العربي على الملابس الغربية، ولم يخجل من التفاخر بذكائه (كان الرابع في صفه عند التخرج من جامعة الملك سعود عام 2007).

إن بروزه السريع وقلة خبرته حفزا قيام تخمينات كثيرة حول أقرب مستشاريه. فعلى الرغم من أن باستطاعة محمد بن سلمان الوصول إلى البيروقراطية السعودية بأكملها، يُقال إنه يعتمد بشكل كبير على أربعة أشخاص فقط، الأول: تركي الدخيل، مدير عام قناة “العربية” الإخبارية الشاب، الثاني، أحمد بن عقيل الخطيب، شريكه التجاري سابقاً. وقد شغل منصب وزير الصحة لمدة ثلاثة أشهر خلال العام الماضي لكن الملك سلمان أقاله بعد الانتشار الواسع لمقطع فيديو ظهر فيها في مشادة كلامية مع مواطن يشكو من المستشفيات السعودية. ومع ذلك، أعيد تعيينه الشهر الماضي، في ظهور سياسي جديد كرئيس لـ “الهيئة العامة للترفيه” – وهي هيئة جديدة. الثالث، محمد آل الشيخ، وزير الدولة، محامي متخرج من جامعة هارفارد، كان رئيساً سابقاً لمجلس “هيئة السوق المالية” السعودية، الرابع، عادل فقيه، وزير الاقتصاد والتخطيط.

ومع ذلك، ففي زيارته إلى الولايات المتحدة اصطحب الأمير مجموعة أوسع إلى حد كبير من الأشخاص شملت وزراء ومستشارين. فإلى جانب وسائل الإعلام وفريق الدعم، ملأت حاشيته ثلاث طائرات. ومن بين الأعضاء البارزين في الوفد وزير الخارجية عادل الجبير، ووزير المالية إبراهيم العساف، ووزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي، ووزير الثقافة والإعلام عادل الطريفي، ووزير الطاقة خالد الفالح، ورئيس الاستخبارات العامة خالد الحميدان.

المستقبل وكيفية الوصول إليه

يُعزى السبب المنطقي وراء الخطة الاقتصادية التي كشف عنها الأمير مؤخراً، والتي تُعرف باسم «رؤية عام 2030»، إلى المسؤولين المحيطين به فضلاً عن المستشارين الأجانب. على سبيل المثال، أصدرت شركة “ماكينزي” الاستشارية تقريراً متاحاً للجمهور حول هذا الموضوع في كانون الأول/ ديسمبر، فضلاً عن مشاركة شركة استشارات وبنوك أخرى في ذلك وفقاً لبعض التقارير.

وتشمل العناصر الرئيسية لـ «رؤية عام 2030»: بناء قطاع صناعي والاستفادة من الطاقة الرخيصة في المملكة؛ تحسين إدارة المياه والكهرباء، التي تحظى بقدر كبير من الدعم في الوقت الحاضر؛ دعم القطاع الخاص، سواء كنسبة من “الناتج المحلي الإجمالي”، أو كمكان للسعوديين للحصول على عمل، وتنمية “صندوق الاستثمارات العامة” الصغير نسبياً والقيام باستثمارات استراتيجية؛ تطوير مشاريع ثقافية وترفيهية، المحدودة في الوقت الحاضر بسبب اعتراضات المؤسسات الدينية.

هذا وقد بدأ “برنامج التحول الوطني” لعام 2020 بإجراء بعض التغييرات بالفعل، حيث تم الإعلان عنها في وقت سابق من هذا الشهر. وتشمل الأهداف الطموحة لهذا البرنامج: زيادة الإيرادات غير النفطية بثلاثة أضعاف؛ وإثناء المملكة عن إدمانها على النفط؛ وتعزيز المعايير والمهارات التعليمية للشباب؛ وطرح حوالي خمسة في المائة من أسهم شركة “أرامكو” السعودية للاكتتاب؛ وموازنة الميزانية بحلول عام 2020 (كان العجز في العام الماضي 98 مليار دولار)؛ واقتراض الأموال دولياً عن طريق إصدار سندات (تم ذكر رقم أولي يبلغ 15 مليار دولار)؛ وفرض ضريبة دخل على العمال الأجانب، الأمر الذي من شأنه أن يحفز الشركات على توظيف السعوديين؛ والانضمام إلى أعضاء «مجلس التعاون الخليجي» الآخرين في الإعلان عن بداية فرض ضريبة القيمة المضافة في عام 2018.

وعلى الرغم من أن هذه التدابير تبدو منطقية، إلا أنه من المرجح أن يتم تمديد الإطار الزمني المسموح لإنجازها، كما أن نجاحها في النهاية سيتوقف على رغبة الناس في العمل في القطاع الخاص. وقد يستغرق ذلك جيلاً بأكمله، ففي الوقت الحالي يفضل الكثير من السعوديين الوظائف الحكومية لأنها أقل تطلباً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لخفض الدعم أن يرهق العقد الاجتماعي الضمني بين العائلة المالكة ورعاياها. فعلى الرغم من سمعة المملكة بالثراء غير العادي، إلا أن نصيب الفرد من الثروة هو أقل من نصيبه في العديد من الدول المجاورة، كما أن التفاوت في الدخل مرتفع.

وفي الواقع، لا يزال هناك العديد من الأسئلة التي لا بد من طرحها والإجابة عليها، ومن غير الواضح ما إذا كان الأمير محمد بن سلمان والمحيطون به قد أعدوا الإجابات اللازمة.

وفي الوقت نفسه، يتميز الأمير الشاب بصغر سنه. فهو على ما يبدو يتمتع بشعبية كبيرة في صفوف الشباب السعودي، الذين يحبذون احتمال أن يحكمهم شخص لا يبدو مثل جدهم. وعلى الرغم من أن طموحه الواضح ووضعه المفضل قد أثارا غضب بعض أفراد العائلة المالكة الآخرين، إلا أنه أنه يتلقى دعاية جيدة جداً في الوقت الراهن، وليس فقط من وسائل الإعلام الرسمية الخانعة، بل أيضاً من وسائل التواصل الاجتماعي، التي يستخدمها السعوديون بمعدلات مرتفعة بشكل مدهش.

أما الخبر السار بالنسبة إلى الولايات المتحدة فهو أن الأمير محمد بن سلمان يفضل بشكل واضح تطوير المزيد من العلاقات مع شركات أمريكية. فقد اجتمع أيضاً مع رئيس “غرفة التجارة الأمريكية” ومختلف الرؤساء التنفيذيين للصناعات الحربية خلال زيارته لواشنطن. وعما إذا كانوا قادرين على مساعدته على تحقيق رؤيته، فإن ذلك سيعتمد في النهاية على صحة الافتراضات التي بُنيت حالياً – وربما الأكثر أهمية، على الظروف في منطقة الشرق الأوسط الدائمة التغيّر، والتي يتعيّن أن تكون مواتية لنجاح المبادرات الحساسة في المملكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close