fbpx
قلم وميدان

الدوله العميقه فى مصر: الخصائص والركائز

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد (1):

يشير البعض إلى أن الدولة العميقة بدأت في مصر منذ عام 1952 وتشمل قيادات من المؤسسة العسكرية والأجهزة السيادية وتحالف الرأسماليين من كبار وصغار الموظفين والحكم المحلي وغيرها، ولذلك فإن ثورة 25 يناير لم تستطع حتى الآن أن تزيل إلا الجزء الطافي من جبل الجليد، ومن ثم فإن استمرار الثورة للقضاء على جبل الجليد بالكامل، أمر حتمي ومن ثم إقامة علاقات اقتصادية عادلة تنحاز إلى الفقراء والمستضعفين والمهمشين حيث أن 40% من سكان مصر تحت خط الفقر، وثلث السكان يسكنون في عشش وعشوائيات.

الدولة العميقة في مصر تعمل في ظل عقيدة أن مصر “مستهدَفة” أو “في خطر دائم” وهذا ما يبرر وجود مجموعة أو شبكة سرية تحمى هذه الدولة، وبعد فترة تتحول إلى مجموعات وشبكات لا إلى مجموعة واحدة. تعمل معا أو وفق أجندات خاصة.

ويحسن التمييز بين النظام القديم والدولة العميقة؛ حيث يقصد بالأول المؤسسات والأشخاص المرتبطة بالنظام القديم وكانوا أحد أركانه أو رؤسائه وأدواته للسيطرة والاستبداد والاستغلال، ويسقط النظام بمجرد التخلص من هؤلاء الأشخاص أو إلغاء هذه المؤسسات، أما الدولة العميقة فهي بنية خفية وممتدة تاريخيا تسبق النظام القديم في أحيان وتسعى لاستمرار الأوضاع القائمة لأنها تعبير عن شبكة مصالح راسخة في الداخل والخارج.

الدولة العميقة مركب من المصالح والتصورات والإدراكات التي تتحرك على بنية عميقة من أجهزة الدولة وخاصة الأمنية منها، وشبكة من النخب الثقافية والإعلامية، وطبقة من رجال الأعمال، وتحالف اجتماعي عميق مع طبقات اجتماعية أو شرائح فيها وخاصة بيروقراطية الدولة وأجهزة الحكم المحلى، ويمتد هذا المركب إلى قطاع من المجتمع المدني، وهذا المركب له امتداداته الإقليمية والدولية.

أولاً: خصائص الدولة العميقة:

1ـ الإدراكات والتصورات المشتركة:

وتمثل أهم الروابط التي تجمع بين مكوناتها وتوجههم وتوحدهم على أهدافهم، كما أنها معيار الضم والتجنيد، وتسهيل التواصل مع من خارجهم، فهي الأيديولوجيا التي يتم إشاعتها ونشرها في المجتمع، وهي بالطبع تتم عبر التراكم التاريخي مما يسهل توريثها. وهذه التفاهمات تمثل أرضية خصبة لبناء تحالفات على خلفيتها.

فطول العهد بالسلطة دون محاسبة أو سؤال يؤدي إلى مستوى آخر من الإدراك وهو الإحساس بالمسئولية الناتج عن الملكية الذي يخرج في صورة “نحن بناة الوطن وحماته”، و”هذه مسئوليتنا التي أوكلها الله لنا، ولا يجب أن نفرط فيها”. هنا يصبح إدراك الآخر على أنه خصم تجب منازلته من أجل المهمة المقدسة التي هى الدفاع عن الوطن.

وفي هذا الصدد يتم الترويج للعديد من المقولات والشعارات والمنطلقات ضد كل من يهدد هيمنة الدولة العميقة، من قبيل: “الليبراليون والعلمانيون امتداد للخارج ويسهلون اختراق الوطن”، “الإسلاميون ظلاميون ورجعيون سيلقون بالوطن إلى التهلكة”، احتقار جموع الشعب (قلة وعي ــ غير مؤهل للديمقراطية ــ السكان عبء)، “مصالح مصر العليا لا تتحقق إلا تحت المظلة الاستراتيجية الأمريكية والسلام مع إسرائيل”، الفصل التام بين تصوراتهم الدينية وسلوكهم المدني، ازدراء وخفة كل ما هو مدني في مقابل العسكري.

2ـ التحالفات الاجتماعية:

هنا يمكن أن نتحدث عن تحالفات البيروقراطية العسكرية والمدنية مع طبقة أو شريحة من رجال الأعمال المتداخلة مع كبار رموز التنظيم السياسي القائم (حزب وطني أو اتحاد اشتراكي)، وشريحة من النخب الثقافية والإعلامية، وقد تم تدعيم هذه التحالفات بعلاقات نسب ومصاهرة وشراكات تجارية واسعة، وقد مثلت هذه التحالفات طبقة وسيطة بين النظام وعموم الناس من جهة كونها وسيطا لتنفيذ السياسات والترويج للمقولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وعمادا لتأييد النظام وتحقيق شرعيته.

ونمط التحالفات القائم الآن، من وجهة نظر البعض، ضيق جدا: (شريحة محددة من رجال الأعمال، شريحة محدودة العدد من البيروقراطية المدنية والعسكرية)، ويستند هذا التحالف إلى اقتصاد ريعي أشاع أنماطا ثقافية تعلي من قيمة الاستهلاك، وتجعل معيار المكانة الاجتماعية ما يملك المرء من ثروة، وأهدرت فيه قيمة العمل المنتج.

3ـ التعليم والإعلام والخطاب الديني:

وهي مكونات بالغة الأهمية ليس من جهة قدرتها على بناء وإشاعة تصورات وإدراكات في المجتمع تخدم وترسخ لبنى الدولة العميقة فقط، ولكن الدولة العميقة استطاعت أن تبني تحالفات عميقة مع الأطراف والقوى الأساسية المهيمنة في هذه المجالات. فالتعليم، وخاصة جانبه الحكومي، يكرس نمط التحالفات الاجتماعية القائم على تقديم يد عاملة رخيصة لأسياد هذا البلد، ويشبع به التصورات والإدراكات التي تتحرك عليها الدولة العميقة في وسط جموع الشعب، أما الإعلام، فقد تحول في جزء كبير منه إلى لوبي تتناغم فيه مصالح مجموعة من الإعلاميين مع طموحات التحالف الاجتماعي المسيطر، وفي القلب منه رجال الأعمال، ويخدم شبكة ممتدة من المصالح الإقليمية والدول، وفي الخطاب الديني، التحالف مع المؤسسات والرموز الدينية في إنتاج خطاب يتغذى على سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويغذيها بأنماط للتدين شكلانية مظهرية، شديدة المحافظة حيث تفتقد للتجديد المحفز للنهضة.

ثانياً: الركائز الأساسية لترسيخ الدولة العميقة:

المؤسسة العسكرية:

المؤسسة العسكرية هي التي تحمي مصالح الدولة العميقة وتتجسد فيها معاني الدولة القومية الحديثة بكافة معانيها، كما نرى سيادة الدولة من خلال وضع المؤسسة العسكرية فوق مستوى القانون ومن أبرز أمثلة ذلك هو عدم خضوع موازنة ومصروفات هذا الكيان -الذي يدور في فلك اقتصادها الرسمي -لأي نوع من أنواع الرقابة المدنية، فهذا الكيان يمثل الدولة أي بمعنى أدق هو “السلطة الآمرة” التي تحافظ على إطار محدد لا معياري عادة يخدم مصالحها، بشكل ما أو بآخر فهو يرى أنه “الدولة” ذاتها ويتصرف على هذا الأساس.

كما تمثل المؤسسة العسكرية في مصر السلطة الأبوية التي تعتبر المواطنين المدنيين رعايا أو “عيال” داخل حدود تلك الدولة بل ويعتبر الالتحاق بالسلك العسكري هو الضامن الأمثل لحياة اجتماعية واقتصادية آمنة على المستوى الفردي، الأمر الذي رسخ أهمية وقوة وحيوية المؤسسة العسكرية في الوجدان المصري، تمثل ذلك في تبرير أفعال الدولة العميقة التي يحركها بشكل مسبق ودون حالة للسؤال أو التفكير في علة وسبب ما تفعله الدولة من ممارسات قد تكون لا إنسانية ولا معيارية في كثير من الأحيان، بل ولا يمكن إخضاعها للقانون الذي تضعه الدولة ذاتها، فهي المشرعة.

وتقود المؤسسة العسكرية تكتلاً واسعاً وشبكة معقدة من العلاقات والتداخل بين أجهزة ومجموعات عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية ومدنية ودينية لمقاومة أي تغيير يطرأ من شأنه أن يهدد المصالح الحيوية التي يتوقف عليها وجود الدولة العميقة والقائمين عليها.

2 ـ الميليشيات الداخلية:

توظِّف أجهزة الدولة العميقة وتدير فِرقًا شبه عسكرية ومسلحة، تقودها عناصر من القوات النظامية، وتضم مجموعات من البلطجية (وهي شبكة يديرها في كل قسم ضابط مباحث ويحكِم بها السيطرة على منطقته) ومسجلي الخطر والأشقياء (وهو التعبير الحديث للفتوات)، وهذه الميليشيات يسميها الإعلام بالطرف الثالث للتغطية على ميليشيات الدولة العميقة. وتعمل تلك المجموعات وفق سيناريو محدد بشرط وجود تجمعات معارضة، وتتسلل بين المحتجين حيث لا يمكن عادة تمييزهم عن المحتجين إلا عندما يبدأون دورهم المرسوم بدقة. وهذه الميليشيات لا تريد إخفاء عنفها بل تعلن عن وجودها، مثلما أن الاستعراضات العسكرية أو الكمائن الأمنية إعلان عن وجود القوات النظامية. فالدولة العميقة في حربها الشرسة لا تملك خطابا مقنعا للناس إلا تخويفهم على حياتهم اليومية، وأرزاقهم وتحويلهم إلى أداة في يد ميليشيات لا تفرّق بين أحد.

3ـ الحكم المحلي:

أحد أدوات السيطرة الإدارية للدولة العميقة، السيطرة على مراكز الحكم المحلي من خلال توطين عدد كبير من رجال القوات المسلحة المتقاعدين لشغل المناصب العليا في المواقع الإدارية في المحليات ذلك لحماية مقدرات ومكتسبات الدولة العميقة في مناطق الدولة والسيطرة الجغرافية لتأمين تلك المكتسبات، فكما يستشهد يزيد صايغ في بحثه بعنوان”فوق الدولة: جمهورية الضباط في مصر” عن الحالة المصرية يقول:”يمكن للمتقاعدين العسكريين الذين تربطهم علاقات مع جهات نافذة أن يأملوا في تعيينهم في وظائف في الجهاز الحكومي المدني توفر لهم فرصا مربحة خاصة تمكنهم من تأمين دخل إضافي أو مضاعفة مجهوداتهم المادية، أصبح المتقاعدون العسكريون يشغلون وظائف في جميع مستويات الحكم المحلي، حيث عملوا كذراع تنفيذية وأمنية موازية تتبع في نهاية المطاف الرئيس”.

4ـ القوى الإقليمية والدولية:

وهنا يبرز دور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج بالإضافة إلى إسرائيل، وهذه القوى جميعا تعبير عن شبكات مصالح قد تتقاطع في أحيان كثيرة، وتشيع تصورات وإدراكات لأنها حاضرة بكثرة في أدوات صناعة المعاني وخاصة الإعلام، كما تنشئ نمط تحالفات اجتماعية تغذيها بالهجرة إليها (الهجرة إلى النفط)، أو بالمعونات التي تدفعها، أو أولويات الاستثمارات التي تقرها.

خاتمة:

1ـ الدولة العميقة كيان مادي وملموس الأثر يديره عقل منظم لا يعرف إلا لغة المصالح وخروجه إلى دائرة العلن سببه شعوره بتعرض مصالحه للتهديد بعد ثورة 25 يناير.

2ـ عودة الشارع إلى الساحة السياسية وإدراك المصريين لأهمية دورهم تشكل تهديدا حقيقيا لتلك الشبكة العنكبوتية بأذرعها الداخلية والخارجية، ولذلك بدأت ممارسات صناعة الفوضى والتخويف والترويع وصولاً للانقلاب العسكري على إرادة الشعب وثورته في 3 يوليو 2013.

3ـ تعتمد قوى الثورة المضادة، وامتداداتها في الدولة العميقة، إعتمادا كبيرا على استراتيجية صناعة الصورة الذهنية غير الحقيقية، التي تخالف الواقع المعاش وتسعى إلى بث الرعب في نفوس الجماهير ودفعهم إلى مهاوي اليأس حتى يسهل عليها تحقيق أهدافها. وإفشال هذا السلاح عنصر رئيس من عناصر تحجيم قوى الثورة المضادة، وذلك من خلال نشر الوعي والتعريف بحقائق المشهد.

مصادر إضافية:

1ـ فهمي هويدي، سؤال الدولة العميقة في مصر، الجزيرة نت، 12 يونيو 2012.

2ـ يزيد صايغ، فوق الدولة: جمهورية الضباط في مصر، أوراق كارنيجي، بيروت، 2012.

3ـ يحيي اليحياوي، منظومة الدولة العميقة في ظل الربيع العربي، الجزيرة نت، 22 نوفمبر 2014

4ـ د. رياض السندي، الدولة العميقة في العراق، 15 أبريل 2016.

——————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close