fbpx
قلم وميدان

العمل الأهلي بمصر: الماهية والأهمية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد

إن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بل والثقافية التي ماجت بها مصر منذ 25 يناير 2011 فرضت أوضاعًا جديدة على حركة المجتمع المصري وفي القلب منه مؤسسات وكيانات المجتمع المدني، فانطلقت تطالب بحق طبيعي لها في تعديل كل القيود الواردة في القوانين والتشريعات على حرية العمل الأهلي، هذا الحق الطبيعي الذي يؤدي إلى تطوير حركة المجتمع الأهلي؛ لتعكس تلك المؤسسات في النهاية اهتمامات ومصالح الأفراد في المجتمع وتستمد قوتها الحقيقية منهم.

فأصبح هناك ضرورة لإلغاء كل القيود الواردة على تشكيل وأنشطة مؤسسات المجتمع المدني، فاللبنة الأولى في وجود أي نظام ديمقراطي في أي بلد من عدمه هي توافر أو عدم توافر حق جموع الأفراد في تكوين الجمعيات والجماعات على تعدد أنشطتها، فعادة ما ينصرف الانتباه إلى الحديث عن الحرية والديمقراطية إلى مسألة حق تكوين الأحزاب وحرية الانتخابات ودور البرلمان في التشريع وفي الرقابة على الحكومة دون إمعان النظر في التكوين الأساسي المكون لهذه العملية والذي بدونه لا تصبح للأحزاب وأنشطتها والبرلمان وانتخاباته أي فعالية أساسية في حياة جموع الأفراد.

وكانت فئات كبيرة تحلم بإعادة النظر في كل التشريعات التي صدرت عن الدولة المصرية خلال الفترات السابقة بهدف إعادة تفعيل مؤسسات المجتمع جميعها وفي القلب منها مؤسسات وكيانات المجتمع المدني، وأخص بالذكر المؤسسات والمنظمات التي يطلق عليها المنظمات غير الحكومية، والتي لا تهدف إلى الربح لتقوم بالدور المنشود لها نحو المساهمة في تنمية المجتمع وتطويره.

علاوة على أن إلغاء كل القيود المفروضة على مؤسسات العمل الأهلي هو الذي يؤدي بلا شك إلى إعطاء الأفراد العاديين فرصة للمشاركة والمساهمة في إدارة وقيادة المجتمع وطرح حلول لمشاكلهم تتناسب مع ظروفهم وإمكانياتهم، وانطلاقًا من هذا، تأتي أهمية التأكيد على أنه لا يجوز التسامح في إصدار قانون يزيد من القيود على كل المنظمات التي تعد بمثابة المعين الذي يتيح للناس مناقشة مشكلاتهم، وإيجاد الحلول المناسبة لها وإطلاق طاقاتهم، وإبداعاتهم بما يساهم في تنمية وتطوير واقعهم، لذلك يجب إلغاء كل القيود الواردة على حق التنظيم وعلى حق الناس في اختيار الأشكال الملائمة للدفاع عن مصالحهم.

وعلى الرغم من المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش والحوار التي تم تنفيذها خلال الفترة 2011-2013 وما برحت تتحدث عن المعوقات التي تعيق العمل الأهلي في مصر منذ لا أقول منذ صدور القانون 84 لسنة 2002 ولكن أقول إنها منذ العام 1952.

وأكاد اجزم أن القانون الأخير (2016) كان يحتاج إلى الكثير والكثير من إعادة النظر حتى لا يصبح عبئًا جديدًا على المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي، ومؤثرًا بالسلب على أنشطتها ومساهمًا في عزلتها عن الأفراد في المجتمع، فالقانون وإن كان قد تم إعداده خلال هذه الفترة التي تمر بها مصر الآن من وجود دولة القمع والحاكم مطلق السلطات، وغياب بل عدم توافر الرأي الاخر بشكل، تعسفي  فخرج القانون معبر عن البيئة التي تعيش فيها مصر الآن، فلا بد من إعادة التفكير في البيئة الجديدة للمجتمع المصري وما حدث فيه بالإضافة إلى ضرورة الاستفادة من كل المناقشات والمؤتمرات التي سبق أن تم تنفيذها خلال العام 2012-2013.

 

أولاً: مفهوم العمل الأهلي وأهميته

العمل الأهلي هو تنظيم الأفراد لأنفسهم وبأنفسهم لممارسة حقوقهم؛ لمواجهة مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية؛ كي يتمكنوا من إدارة المجتمع ككل بما يحفظ لهم حقوقهم في مراقبة أعمال مؤسسات الدولة من أجل حماية حقوق الأفراد والجماعات، وهذا العمل بهذا المفهوم يخص المجتمع بأسره، سواء بالنسبة للقرارات التي تؤثر في حياة مختلف الفئات بصفة عامة، أو الموجهة بشكل خاص لبعض هذه الفئات وهو عمل ذو طابع سياسي غير حزبي، لأنه يعتمد في المقام الأول على تنظيم الفئات الاجتماعية المختلفة تنظيمًا ذاتيًّا مستقلاً عن الدولة، وإن كان يسهم بأدائه الواسع والفعال في خلق مناخ أفضل؛ لقيام حكومة أقرب إلى تمثيل هؤلاء الناس، حكومة تحاول أن تلبي احتياجاتهم، ومشاكلهم.

ويغطي العمل الأهلي كل ميادين النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري والعلمي الذي تقوم الفئات المختلفة بتنظيم أنفسها فيه، ومن ثم فهو لا يشمل العمل الخيري فقط، وليس فقط قائم لسد الفجوة التي قد تتنامى بين الخدمات التي تقدمها.

فالعمل الأهلي هو عمل تطوعي ينطلق من الانتماء الاجتماعي أو الفكري للفئات الاجتماعية والمهنية المشتركة، ويهدف إلى إطلاق المبادرة سواء الجماعية أو الفردية من أجل تذليل كل العقبات القانونية والإدارية والواقعية التي تقف في طريق تنظيم الأفراد لأنفسهم، وبأنفسهم ومن ثم فإنه لا معنى للحديث عن العمل الأهلي إذا كانت كل خطوة فيه تتوقف على موافقة جهة الإدارة.

إن كيانات العمل الأهلي لا تستهدف فقط تكوين مجموعات أو بعض مؤسسات من الخبراء الذين يتولون مهمة الفتوى في شئون المجتمع بديلاً عن حركة الفئات الاجتماعية وبالتالي فإن المهمة المباشرة لهذا العمل هي دراسة وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي تؤدي لتدهور أوضاع بلادنا وإفقار المواطنين وكذلك القوانين المقيدة للحريات، وفي مقدمتها حق التنظيم وتشكيل الجمعيات والتعبير والصحافة كما تشمل هذه المهمة فضلاً عن ذلك مواجهة بنى القهر المختلفة التي قد توجد في المجتمع، سواء أكانت تلك التي يحميها القانون، أو تلك التي يفرضها واقع اجتماعي وثقافي متخلف مثل البنى الثقافية والاجتماعية التي تنتهك حق المواطنة أو حرية العقيدة أو حرية المرأة ومن ثم فإن كيانات العمل الأهلي تستهدف التنوير الثقافي والفكري وإحداث المزيد من التطور والنماء بالإضافة إلى ذلك فإن العمل الأهلي يخص كل فئات المجتمع وتشمل مهمة تشكيل منظماته تأسيس منظمات لكل الفئات المختلفة.

وهذا بالضبط هو ما نعنيه بدور منظمات العمل الأهلي التنموية والحقوقية إلا أن هذا الدور الذي تبدو الحاجة إليه ماسة وشديدة الأهمية تقف في طريقه العديد من الإشكاليات التي بعضها موضوعي خاص بالظروف المحيطة وبعضها ذاتي متعلق بالمنظمات نفسها وفي ضوء فهم الأهمية الخاصة للعمل الأهلي في مصر نؤكد على ضرورة أن يحتل المكانة والركيزة الأساسية في قضية الديمقراطية في مصر اليوم فإطلاق حرية العمل الأهلي وتشكيل منظماته وانتشارها وجذبها للملايين من أفراد الفئات المختلفة هو حجر الزاوية اليوم في التطور الاجتماعي بمعناه الشامل في مصر وهو الذي سيوفر أيضًا البيئة الملائمة لعمل الأحزاب السياسية بل وتشكيل وإعادة تشكيل أحزاب تستطيع أن تقدم برامج سياسية وأساليب في العمل الحزبي تجذب جماهير الناس إلى المشاركة ومن ثم التقدم الحثيث نحو تحقيق أهداف المجتمع في التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

لذلك يتعين أن تصبح مسألة الإطار القانوني للعمل الأهلي وقضية درء الهجمة الحكومية لتكبيل منظماته بالأغلال هي في مقدمة واجبات كل المهتمين سواء كانوا شخصيات أو هيئات لتطوير حركة المجتمع وتطوير الهامش الديمقراطي في مصر (1).

—————————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close