fbpx
الشرق الأوسطتقديراتالخليج

القضية الفلسطينية : ماذا تريد السعودية؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

وصل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلى المملكة العربية السعودية. الاثنين 7-11-2017م، وكان في استقباله الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض، ووزير الدولة  عضو مجلس الوزراء الدكتور مساعد بن محمد العيبان، ومدير شرطة منطقة الرياض اللواء عبد العزيز الزمامي (1 ) ، وقد أثارت زيارة رئيس السلطة الفلسطينية للرياض،والتى جاءت بدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ( 2) ، الكثير من التساؤلات حول الهدف من الزيارة المفاجئة، في الوقت الذي تشهد فيه السعودية الكثير من الأحداث الساخنة. الا وأنه من خلال رصد الأخبار التى تناقلتها وسائل الاعلام حول الزيارة “بشكل تحليلي”  يمكن حصر النقاشات السعودية الفلسطينية  فيما يلي:

أولاً – ملف المصالحة الفلسطينية :

تشير العديد من التقارير إلى أن القيادة السعودية قد طلبت من السلطة الفلسطينية الضغط على قيادات حماس بقطع علاقاتها مع إيران وحزب الله اللبناني كبنود اضافية على اتفاقية المصالحة، وتقاعد عدد كبير من موظفين حماس. مقابل أن تقدم السعودية مساهمة مالية كبيرة لقطاع غزة تقدر بـ 20 مليون دولار شهريا (3 ) ؛حيث تسعى السعودية لأن تكون أحد المستثمرين في إعادة إعمار القطاع، ضمن مساعيها لتثبيت وترسيخ مكانتها الإقليمية كقائدة للمحور السني وللقطر العربي.

وهنا تبرز مجموعة من التساؤلات حول الطلبات السعودية في موضوع المصالحة الفلسطينية، وهي  هل ستقبل حماس قطع علاقاتها مع إيران ؟ وما مدى تأثير عباس على حماس في مسألة العلاقات الإيرانية الحمساوية ؟ وكيف ستوازن السعودية في طلباتها بالشكل الذي لا يفشل الجهود التى تبذلها حليفتها مصر تجاه المصالحة؟ أم أن العلاقات المصرية السعودية قد تشهد إضطرابا في الايام القادمة؟

ثانياً: التحركات السعودية تجاه إيران وحزب الله اللبناني:

ذكر البعض أن السبب الرئيسي لدعوة عباس هى محاولة السعودية  إنتزاع موقف فلسطيني داعم ومؤيّد لها في المواجهة مع إيران، نظراً لأهمية وخصوصية الموقف الفلسطيني . بمعني هو  سعي سعودي للإمساك بالورقة الفلسطينية إلى جانب الورقة اللبنانية، في محاولة إفقاد الجمهورية الإسلامية الإيرانية أهم ورقة من أوراق المقاومة والممانعة التي تعتبرها إيران ركناً أساسياً وحاسماً في سياستها الخارجية. وكان لا بدّ للسعودية من التحرّك الفوري والعاجل لقطع الطريق على نتائج الزيارة التي قام بها وفد حماس برئاسة نائب المكتب السياسي للحركة ” صالح العاروري” مؤخراً لإيران وحزب الله اللبناني واعلانه ان العلاقات بينهما استراتيحية (4 ) .

فيما وصفت بعض المصادر داخل حركة فتح بأن السعودية أوصت الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمنع القوات الفلسطينية المتواجدة في مخيمات لبنان من إقامة أي تحالفات مع حزب الله إذا تم توجيه أي ضربات عسكرية للبنان (5 ) .

ومما يعزز من هذه الاحتمالية هو تحذير عزام الأحمد من أن تكون هناك قوى إقليمية كثيرة تريد زج المخيمات الفلسطينية في لبنان بالخلافات اللبنانية الداخلية، مطالباً  أبناء المخيمات بالابتعاد تماماً عن الخلافات الداخلية في لبنان، ومؤكداً أنه في الفترة الأخيرة “أجرت اتصالات مع السلطة الفلسطينية على أعلى المستويات، أكدت فيه السلطة  أنها لست طرفاً في الأزمة اللبنانية” (6 ) .

ويوجد في لبنان 12 مخيما فلسطينيا رسميا أنشأتها الدولة اللبنانية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والتى تتمتع بأمن ذاتي خاص بها، ينتشر بها عدد من المجموعات المسلحة تنقسم إلى، مجموعات تابعة لحركة فتح “علما أن مجموعات فتح الغالبية منهم تابعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهناك مجموعات تابعة لدحلان”، ومجموعات تابعة لحركة حماس، ومجموعات تابعة لقوى يسارية فلسطينية ولديها علاقات متميزة مع النظام السوري، وبالتالى هي قريبة جداً من أجنده إيران وحزب الله اللبناني (7 ) .

وهنا يجب التنويه إلى أن اختلاف الأيديولوجيات للمجموعات المسلحة الفلسطينية في لبنان، تشير الى صعوبة السيطرة المطلقة عليها، من قبل السلطة الفلسطينية . كما أن الأوضاع الإقتصادية السيئة لأبناء المخيمات الفلسطينية تجعلهم عرضه للتأثر، والخلاصة هنا أنه في حال شُنت حربا على لبنان من قبل ” إسرائيل ” وعلى الرغم من كونه سيناريو مستبعد نوعا ما في ظل هذه الظروف، إلا أن ذلك سيكون دافعا للفصائل الفلسطينية المسلحة للبنان في المشاركة في صد العدوان.

ثالثاً: صفقة القرن:

أشارت بعض المواقع  إلى إن السعودية ضغطت على رئيس السلطة محمود عباس للقبول بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق “السلام” في الشرق الأوسط وهي ما تسمى “صفقة القرن “. خصوصا بعد اللقاء الذي جمع القيادة السعودية بالمبعوث الأمريكي الخاص لعملية السلام جيسون غرينبلات وجارد كوشنير مستشار الرئيس الأمريكي، خلال زيارتهما “السرية” للرياض قبل نحو أسبوعين من لقاء السعودية بعباس .

وأوضح  ولي العهد محمد بن سلمان للرئيس الفلسطيني أن “واشنطن تستعد للكشف عن خطة ترامب لإحياء العملية السلمية الراكدة”، لافتاً إلى أن “ترامب يعرض خطة للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس حل الدولتين بخطوط عريضة، مقابل دعم سخي من الدول العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، للسلطة الفلسطينية، كما تعرض حلا لمسألة اللاجئين الفلسطينيين (8 ) “.

ونوهت المصادر إلى أن “الرئيس أبو مازن عبّر عن امتعاضه من الخطة، ولكن بسبب موقفه الصعب والضعيف، فلا حل أمامه إلا المضي قدما بهذه الخطة أو الاستقالة”، واصفا “الصفقة التاريخية التي تحدث عنها ترامب، وعولت عليها القيادة الفلسطينية كثيرا، بأنها ليست إلا فقاعة تم تضخيمها والتهويل لها وأن عباس لم يقدم رده بعد للسعوديين” (9 ) .

المتوقع من الرئيس الفلسطيني محمود عباس:

القراءة العميقة لكافة الاحتمالات السابقة، تشير إلى أن هناك صفقة أمريكية لعملية سلمية فلسطينية – إسرائيلية، ستكون المملكة العربية السعودية هي الضامن العربي والإقليمي لها. وقد أصبح ظاهرا أن الدول العربية تريد توجيه البوصلة العربية حول تحديد هوية عدوها الأخطر في المنطقة من (إسرائيل) إلى ( إيران). بالشكل الذي يتماشي مع الرؤية الامريكية والإسرائيلية. لذا فمن المتوقع أن تكون الصفقة تتضمن تطبيعا عربيا إسرائيليا علنيا. واتفاقية سلمية بين الفلسطينين والاسرائيلين بالشكل الذي يريده ربما اليمين الاسرائيلي.

وقبل التنبؤ برد فعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يجب علينا التأكيد بأن العرض الأمريكي الأخير لم يكن الأول فقد، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الامريكي بيل كلينتون، فرض إتفاقية سلام بين الفلسطينين والاسرائيليين، وعُرض من خلالها حصول الفلسطينين على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، مع استبدال اراضي بنسبة 3%، وقد رفض عرفات هذا المقترح في العام 2000م، وعاد إلى فلسطين ليشعل بعدها الإنتفاضة الفلسطينية المعروفة باسم “انتفاضة الاقصى”. ليحاصر عرفات بعدها 4 سنوات في مقر إقامته في رام الله، دون أن يتلقى اتصالا من أي زعيم عربي، والذى إنتهى باغتياله .

هذه النهاية يعلم تفاصليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس تماما، ويعلم في حال رفضه لصفقه القرن فإنه قد يلقى مصيراً مشابها لمصير عرفات، فهل يصل عباس الى هكذا قرار؟

في الحقيقة ياسر عرفات شخصية عسكرية أكثر من كونها شخصية سياسية، كما أنه شخصية رمزية تتمتع بشعبية كبيرة لدي الشعب الفلسطيني، إلا أن هذه الصفات لا تنطبق على الرئيس الفلسطيني الحالى محمود عباس، فعباس رجل سياسي ورجل دولة يأمل بحل النزاع بطرق سلمية بحته لذلك فمن المتوقع أن يسلك عباس نهجا مغايرا لسلوك عرفات يمكن تلخيصه فيما يلي :

1ـ بالنسبة لمسألة المصالحة الفلسطينية، فإن الممارسات والآليات التى تتبعها السلطة الفلسطينية تجاه المصالحة حتى الآن في غاية البطي، فقد مضى على اتفاق المصالحة أكثر من شهر ونصف، ولم تقم السلطة الفلسطينية بأي إجراء من شأنه تخفيف المعاناة عن أهل غزة. إلا أنه في حال شعر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن المصالحة الفلسطينية مهمة لمواجهة الضغوط الإقليمية والدولية فإنه ربما سوف يُسرع من تنفيذها في الأيام القادمة. من أجل توحيد الجهود الفلسطينية للإستفادة من قدرات حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

2ـ فيما يتعلق بملف العلاقات الفلسطينية الإيرانية، فإن عباس ربما سيكون من أشد المرحبيبن بقطع العلاقات بين حماس وإيران إعلاميا، إلا أنه ربما لم يفعل ذلك لسببين؛ الأول أنه لا يمتلك القدرة على تحديد السياسة الخارجية للفصائل الفلسطينية. الثاني، أنه يمتلك خبرات سياسية تجنبه الاصطفاف إلى جانب أطراف دون أخرى في ظل متغيرات إقليمية متسارعة وفي غاية التعقيد. إلا أن هذا لا يمنع أن يطلب عباس من كافة الفصائل الفلسطينية عدم الزج بنفسها في أي خلافات وحروب إقليمية قادمة وتحديداً في الساحة اللبنانية.

3ـ بخصوص ما يسمى بـ “صفقة القرن”، فمن المعروف أن عباس دائما يقدم نفسه بأنه “رجل سلام”، إلا أن طموح عباس السلمي هو أن يحصل على العرض الذي قدم لعرفات عام 2000م، أي دولة فلسطينية على حدود 1967م، مع استبدال أراضي، وحل عادل للاجئين الفلسطينين.

لهذا فإن عباس من المتوقع أن ينتظر العرض الأمريكي الرسمي ليتخذ قرارا في صفقة القرن، وربما وصلت تلميحات  للولايات المتحدة الأمريكية أن عباس ربما يرفض ما سوف يطرح عليه في الصفقة، وهذا ما قد يفسر الرفض الأمريكي الأخير باستمرار فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن كورقة ضغط (10 ) .

وفي الغالب عباس لن يستطع قبول أى عرض “هزيل” لإتفاقية سلمية مع إسرائيل، إلا إذا حصل على توافق كافة الفصائل الفلسطينية عليها، كي لا يتحمل المسئولية وحده. أو من خلال تقديمها لاستفتاء شعبي. وهي طريقة قد يلجأ إليها الرئيس عباس، لرفض العرض الأمريكي بطريقة دبلوماسية.

إلا ان هذه الطريقة من شانها أن تغضب الولايات المتحدة الامريكية ودولة الاحتلال الاسرائيلي، والعديد من الأنظمة العربية، مما يجعلها تتخذ خطوات عقابية بحق عباس والسلطة الوطنية الفلسطينية. أقلها حصارا إقتصاديا خانقا وتقيديا لحركة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، لذا فمن المتوقع أن تشهد الساحة الفلسطينية انتفاضة شعبية جديدة في الضفة الغربية، ومواجهات عسكرية في قطاع غزة.

وربما تصل الأمور إلى تقديم الرئيس الفلسطيني محمود عباس استقالته، تجنبا لمصير الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات؛ وتكليف شخصية فلسطينية مقربه منه خليفه له. لكي يقطع الطريق أمام وصول رئيس التيار الاصلاحي في حركة فتح محمد دحلان الى رئاسة السلطة. كما تبقى احتمالية حل السلطة الفلسطينية، واردة. لتحل محلها مجالس بلديات في الاراضي الفلسطينية تتمتع بحكم ذاتي فلسطيني. بتوجيه وتنسيق مع الجهات الادارية الاسرائيلية( (11 ) ).

——————-

الهامش

(1 )  وكالة سيبوتنك ، ” الرئيس الفلسطيني يصل السعودية “، تاربخ النشر 6-11-2017م، الرابط.

(2 )  القناة الاسرائيلية السابعة ، ” المملكة العربية السعودية تطالب الرئيس الفلسطيني بقبول خطة السلام الأمريكية المتوقعة”، 10-11-2017م، الرابط.

(3 )  موقع فلسطين اليوم ، ” السعودية تعهدت للرئيس عباس بدفع رواتب موظفي حماس بشرط …”، تاريخ النشر 17-11-2017م، الرابط.

( 4)  صائب عارف ، موقع الميادين ، ” لماذا استدعت السعودية الرئيس الفلسطيني؟”، مرجع سبق ذكره.

(5 )  موقع وطن ، ” في حال توجيه ضربة عسكرية.. ابن سلمان أوصى أبو مازن بمنع قوات فلسطين في لبنان من التحالف مع حزب الله”، تاريخ النشر 11-11-2017م، الرابط.

(6 )  موقع دنيا الوطن ، ” الأحمد: “السلطة لعبت دوراً وسيطاً بين شخصيات لبنانية والسعودية”، تاريخ النشر 15-11-2017م، الرابط.

(7 )  مجلة العرب الدولية ، ” المخيمات الفلسطينية في لبنان: جزر أمنية وبؤس.. وآمال ضائعة”، تاريخ النشر 5-11-2014م، الرابط.

( 8) القناة الاسرائيلية السابعة ، ” المملكة العربية السعودية تطالب الرئيس الفلسطيني بقبول خطة السلام الأمريكية المتوقعة”، 10-11-2017م، الرابط.

( 9)  قناة العالم ، ” معادلة السعودية: قبول عباس بصفقة القرن أو الاستقالة”، تاريخ النشر 9-11-2017م، الرابط.

(10 )  أدم أرسغون ، موقع جيروزليم  بوست ، ” الفلسطينيون يرفضون اسباب ترامب بالتهديد لاغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية “، تاريخ النشر 19-11-2017م، الرابط.

( 11 ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
Close
زر الذهاب إلى الأعلى
Close