fbpx
قلم وميدان

المقاومة الثورية بين العدالة والمشروعية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

فى هذه اللحظة التى نقف فيها جميعا على مفترق طرق من مسار الثورة المصرية، ويقف الجميع ملتفتا يمنة ويسرة، بحثا عن إشارة تدل على الطريق أو المسار الصحيح الذي يُجدى نفعا للشعب المصري ولخياراته الثورية. يصبح السؤال التأسيسي الأول للثورة المصرية هو الإجابة على سؤال ما هى أهدافها؟ فحتى الآن لم تجد الثورة من يصيغ لها أهدافا حقيقية تمس عمق الأمة المصرية ومتطلباتها الحقيقية، فى وقت أُختزلت مطالب الثورة فى مطالب حزبية ضيقة لا تمثل جمهور وسواد الناس ولا ترقى لطموحات ثورة ينتظرها جميع المصريون لتنقذهم من شبه الدولة إلى بناء دولة جديدة عادلة وقوية.

والسؤال الثانى، ما هى المنهجية العامة للثورة المصرية؟ هل على الثورة أن تتسلح؟ أم هل على الثورة أن تكتفى بأن تُقيم حراكا مدنيا معارضا بالطرق المشروعة قانونيا فقط؟ أم على الثورة أن تنتظر وتراهن على الإفشال الذاتى للسلطة والتآكل الذاتى لها، ليفضى ذلك إلى تغيير سياسي يمثل انفراجه ما، تؤول فى النهاية بعد زمن إلى تحقيق الثورة لأهدافها؟

المعضلة الآن أن المقاومين والفاعلين بمعسكر الثورة لا يتفقون على منهجية واحدة يسير الجميع فى ركابها، نتيجة غياب القيادة والرؤية ومن ثم الخطة، والجميع يرى الصراع الثورى وفق رؤيته، ويأتى بالدلائل والبراهين المفصلة لتعزيز وجهة نظره فقط ووضع الضوء على الزاوية التى ينظر منها، متعمدا تجاهل الزوايا الأخرى.

 

أولاً: محددات المقاومة المسلحة:

فى بعض البيئات السياسية يستلزم على المقاومين نهج المقاومة السلمية لفترة ما، كتكتيك يجب إتباعه فى هذا التوقيت، وفي بيئات أخرى يستلزم انتهاج المقاومة المسلحة منذ اللحظة الأولى، نتيجة تغير الظروف والمتغيرات، وعدة عوامل تؤثر على هذا القرار وتوقيته وآلية تنفيذه، والخطاب السياسي اللازم عند اتخاذه، وقبل أن أتناول التنزيل على الحالة المصرية يجب أن نعرف ابتداءً ما هى تلك العوامل؟

 

1ـ عوامل مرتبطة بالفكر الجمعى:

أي مدى رواج فكر المقاومة المسلحة لدى الفاعلين من الشعب، وأقصد “بالفاعلين” الذين يعملون للثورة الذين هم عناصر كتلة التغيير الحرجة، ولا يُراد لهذا الفكر أن يكون رائجا لعموم الناس وللجماهير العريضة. ومن تلك العوامل المرتبطة بالفكر الجمعى أيضاً، شرعية المقاومة، فالمقاومة المسلحة ضد محتل تختلف فكريا من زاوية الشرعية عن مقاومة مستبد سلطوى، ولكنه فى النهاية ليس معنونا ظاهريا تحت عنوان الاحتلال الرسمى.

 

2ـ عوامل مرتبطة بمعسكر السلطة:

أي مدى ضعف السلطة سياسيا ومدى قوتها أمنيا، ومدى صلابة وتماسك الوضع الاقتصادي والاجتماعى، ومدى إنجازات السلطة على المستوى السياسي والاجتماعى، فبالرغم من سلطوية عبد الناصر واستبداده إلا أن الثورة عليه كانت من أصعب ما يكون لإنجازاته الاجتماعية الظاهرة، وسهولة تمكنه من السيطرة على الإعلام حينئذ، مما منع أى أصوات تفند أو تكشف حقيقة تلك الإنجازات المزعومة من الوصول إلى الجماهير.

 

3ـ عوامل مرتبطة بمعسكر المقاومة:

أي مدى قوة المقاومة المسلحة، ومدى وضوح رؤيتها البنائية للدولة البديلة، ومدى قدرتهم التنظيمية وحنكة ومهارات قياداتهم الأخاذة، ومدى تعمق تشابكاتها الإقليمية والسياسية، ومدى نضج خطابهم السياسي والجماهيرى.

 

4ـ الوقت واغتنام الفرصة:

إن الثورات التى تأخذ المنحى السلمي فقط تطول بشكل يجعل بعضها يدخل فى أتون الصراعات السياسية لتخرج من ثوب وحُلة الثورة، فيحدث التآكل الذاتى للثورة نفسها مع مرور الوقت، فثورة غاندى مثلاً، وهو المثال الذي يُحتذى به فى كل المحافل التى يراد لها التنظير للعمل السلمي المجرد، فغاندى بدأ نضاله 1885 م لينال استقلال بلاده 1947م، أى بعد 63 عاما تقريباً، فحشد الشعوب وتثويرها يستدعى جهدا مضنيا.

 

ثانياً: الضوابط في الحالة المصرية:

دعونا قبل النظر إلى البيئة الثورية المصرية نتفق على أنه لا ثورة تنتصر إلا بقوة، سواء هذه القوة تمثلت فى تسليح الجماهير الثائرة وخوض صراع مسلح ضد السلطة، أو تمثلت فى الحراك الجماهيرى السلمي الذي يُفضي فى النهاية إلى تحرك طرف من السلطة أو جناحا من أجنحتها يملك “القوة” للتعاطى الإيجابي مع الثورة والعمل على تحقيق أهدافها، بغض النظر عن أهداف ذلك الطرف سواء كان الهدف إنقاذ نفسه من ثورة وجد فيها انتصارا محققا، أو كان الهدف نابعاً من قناعاته ورؤيته الوطنية والسياسية.

وعلينا أن نتفق أيضا أنه من الحكمة والرشد أن يتجنب المرء الحرب، ونسترشد بقول عمر ابن الخطاب الشهير حين قال “لو كُفينا الحرب لاكتفينا”، فالعاقل هو الذي يستطيع جنى الثمار بأقل كلفة من الدماء والخراب وإزهاق الأرواح.

إن المعركة الثورية بمصر شأنها كشأن كل الثورات لن تُحسم إلا بالقوة، وإن القوة يجب أن يمتلكها المقاومون والثوار، ولا يجب على الثورة أن تعتمد على أن جناحاً من السلطة لديه القوة سيميل للثورة فى أخر المطاف، ويجب الاستعداد لذلك فى حالة الرغبة الحقيقية فى إنجاح الثورة المصرية، ويجب أن يكون ذلك كله وفق خطة مدروسة وقيادة مسئولة تتميز بالإقدام والجرأة والثقل والفهم، ويجب أن نأخذ فى الاعتبار الأمور التالية:

1ـ يجب أن يكون العنف الثورى بمثابة “عملية جراحية” دقيقة، تتدخل فى وقت معين مدروس بإحكام لإزالة الدم الفاسد من جسد الوطن، ولا يأخذ المنحى الهجومى الجبهوى لما لذلك من الخسائر المهولة التى يجب على الجميع تفاديها.

2ـ يقولون فى علوم الاستراتيجيات حكمة ذهبية، جوهرها: “من أراد تجنب الحرب فليستعد لها”، فقيادات الثورة لكي تتفادى “سيناريو سوريا” يجب عليها الاستعداد لسيناريو سوريا حتى لا يقع.

3ـ يجب أن تقدم الثورة برامج ثورية مدنية يستطيع الشعب وغير المقاتلين العمل من خلالها، حتى لا يقتصر الحراك الثورى فقط على صوت البندقية، وحينها ستكون هناك مشكلة مفصلية كبيرة فى مشروع التغيير نفسه، لأنه سيتحول حينها من حراك شعبوى جماهيري إلى حراك نخبوى بالأساس.

4ـ يجب أن تتبع منهجية العنف الثورى استراتيجية “القضم”، ولا يكون إلا بعد عشرات العمليات التى تؤدى إلى إنهاك مادي واستنزاف حقيقي وتصفية نفسية للسلطة ومكوناتها.

5ـ يجب أن تعمل التغطية السياسية للثورة على عملية الشرعنة والتبرير لهذه الاستراتيجية وأحقية الثورة فى المقاومة، وأن يكون دائما “العنف الثورى” فى إطار العدل والحق.

6ـ يجب أن يعمل الجميع وفق خطة رصينة متكاملة وعمل متواصل ومتوازن، فعدمية الخطة فى مثل هذه المراحل من التاريخ السياسي للدول والأمم يُفضي فى النهاية إلى خسائر لا يستطيع أحد تحملها.

7ـ يجب أن تُقدم الثورة للناس مطالب ثورية لا تقتصر على الحزبية منها، وتُقدم معها مشروع بنائي متكامل يُقدم تصورا بنائي للدولة بعد تحقيق النصر.

 

خلاصة

إن الثورة المصرية لا يجب عليها أن تتنظر تآكل السلطة فيما بينها، فإنه لن يؤول هذا إلا أن تنتقل السلطة من مستبد إلى مستبد آخر، ولن تأخذ الثورة زمام السلطة لتُقيم دولتها المنشودة إلا بالمغالبة والمدافعة، وانتزاع ذلك من بين أيديهم، ولن تكون هذه المغالبة إلا بمنهجية شمولية فريدة يتمكن معها الثوار والمقاومون من خوض الصراع باستحقاقاته كلها وأدواتها كلها، من سياسة وإعلام وحرب مدنية وكذلك العنف الثورى العادل (1).

———————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close