fbpx
تقديرات

بين السيسي وبشار: أبعاد العلاقة ومساراتها

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مقدمة:

مثل الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر في يوليو 2013، أزمة كبيرة للثورة السورية بجناحيها السياسي والعسكري، كما طالت الأزمة أيضا مئات الألاف من السوريين الذين قدموا لمصر هرباً من نظام بشار الأسد، في الفترة ما بين 2011 وحتى 2013، فبعد أن كانت كل العوائق أمام دخول السوريين إلى مصر ميسرة، أصبح الوضع أكثر صعوبة بعد وقوع الانقلاب، فتغيرت وجهة السوريين إلى أي بلد آخر غير القاهرة التي بدأت في فرض العديد من الإجراءات الصارمة على اللاجئين السوريين بعدما كان مسموحاً لهم الدخول إلى مصر دون تأشيرة.

أيضا مثل وصول الرئيس محمد مرسي إلى الحكم في القاهرة فرصة أمام الثورة السورية في أن تمضي قدماً في الوصول إلى مبتغاها وهو الإطاحة ببشار الأسد، كما أصبح الصوت المصري أقرب إلى المحور السعودي التركي القطري الرافض لأي دور لبشار الأسد في مستقبل سوريا، وكانت هذه الفترة تمثل لحظة فارقة في حسم الثورة عسكريا وسياسياً أيضاً.

 

لكن مع وقوع الانقلاب العسكري ووصول السيسي إلى سدة الحكم تغير الموقف المصري تماماً حتى ولو لم يعلن صراحة عن ذلك لكن الشواهد التي يراها المراقبون تؤكد أن ثمة تقارب واضح بين السيسي والأسد في العديد من الملفات وأبرزها اعتبار الأسد هو جزء من الحل في سوريا وليس سبباً في المشكلة، كذلك حالة التماهي مع المشروع الإيراني في سوريا واليمن، كشفت عن وجود رغبة مصرية في التعاون مع بشار الأسد لاسيما وأن مصير كليهما أصبح مرتبطاً بالأخر، خاصة بعد المجازر التي ارتكبها السيسي في حق معارضيه منذ وصوله قبل 3 سنوات وحتى الآن1. حتى جاءت التصريحات الرسمية الواضحة والمحددة على لسان السيسي في 23 نوفمبر 2016، في حواره مع إحدى القنوات البرتغالية عن دعمه وتعاونه مع بشار الأسد.

سنحاول في هذا التقدير رصد مؤشرات التقارب والتعاون بين نظام السيسي ونظام الأسد ومستقبل هذا التعاون، وكذلك أثر هذا الملف على العلاقات المصرية الخليجية التي تتبنى موقفاً مغايراً لموقف السيسي في هذا الأمر.

 

أولاً: مؤشرات التقارب بين السيسي وبشار:

1ـ أسلحة وذخيرة مصرية في معسكرات الأسد:

لا تنتهي معركة بين قوات المعارضة السورية وقوات الأسد إلا وهناك ما يدل على تواجد أسلحة أو ذخائر تابعة للهيئة العربية للتصنيع أو مصانع الإنتاج الحربي المصرية في الأماكن التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، ففي مدينة حلب عثرت عناصر تابعة للجيش السوري الحر على صناديق معبأة بالطلقات الحية، كتب عليها “صنع في مصر”، وكذلك عشرات الصواريخ التي تسقط في مناطق تابعة لسيطرة المعارضة ولكنها لم تنفجر وجد أيضاً عليها شعار مصانع الإنتاج الحربي المصرية، هذه الأسلحة لا يمكن لها أن تصل إلى سوريا في هذا التوقيت إلا بعد موافقة القيادة السياسية عليها لما يُمثل كشفها خطورة على علاقات النظام المصري مع الدول الرافضة لبشار الأسد، ومن ثم فإن مثل هذا الأمر يعطي دلالة كبيرة على وجود تعاون عسكري واضح بين بشار الأسد والنظام العسكري في مصر.

أيضا الكثير من وسائل الإعلام تناولت وجود نية مصرية على دعم قوات الأسد بالمعدات العسكرية الثقيلة في إطار تعويض ما يخسره جيش الأسد في الحرب من آليات مقابل أن تقدم روسيا لمصر دعماً مثله في المقابل بهدف تحديث أسلحة الجيش المصري، وفي نفس الوقت تقديم خدمات للنظام السوري المفروض عليه عقوبات دولية فيما يخص التسليح.

 

2ـ زيارة علي مملوك مدير مخابرات النظام لمصر:

في أكتوبر الماضي زار وفد رفيع المستوى تابع لنظام الأسد القاهرة، وكان على رأسه مدير المخابرات على مملوك الذي التقى نظيره المصري من أجل بحث بعض الملفات الأمنية بحسب ما ذُكر حينها، رغم أن هذه الزيارة ليست الأولى لمملوك، لكن تسريبها إلى الإعلام كان بهدف لفت انتباه دول الخليج والرافضين للأسد بأن نظام السيسي يحاول أن يلعب دوراً مهماً في الأزمة السورية، الأمر الذي وصل الرسالة المطلوبة إلى الرياض والتي مفادها أنه إما الدعم غير المشروط للسيسي وإما الانتقال للمعسكر المناوئ2.

هذه الزيارة وغيرها في وجهة نظر الكثيرين هي في الأساس للتنسيق الأمني والمخابراتي بين الأسد والسيسي وبعيدة كل البعد عن المحادثات السياسية التي دائما ما يروج لها في مصر، فنظامي الأسد والسيسي لا يريدان أن تحل الأزمة في سوريا إلا بشروط بشار الأمر الذي يرفضه الجميع عدا الأسد نفسه وروسيا وإيران، ومن ثم هذا التنسيق لا يخرج عن الدعم اللوجيستي والمخابراتي المصري لنظام بشار من أجل تعزيز موقفه المنهار في بعض المحافظات السورية.

 

3ـ الدعم السياسي في مجلس الأمن:

منذ دخول مصر في كعضو في مجلس الأمن قبل عام لم تتخذ أي خطوة حقيقية تصب في مصلحة الشعب السوري إنما توقف دورها فقط على التصويت بقرارات تخالف الإجماع العربي، فمثلاً رفض مندوب مصر في مجلس الأمن إصدار قرار إدانة لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا في منتصف يوليو الماضي، مما تسبب في عرقلة القرار، أيضا صوتت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن حول الأوضاع الإنسانية في حلب مما أثار غضب دول خليجية وعلى رأسها السعودية وقطر، مما تسبب في أزمة بين الرياض والقاهرة لاتزال عواقبها مستمرة حتى الآن3.

أيضا لم تتقدم مصر بأي مشروع قرار يدين ما يقوم به بشار الأسد أو الطيران الروسي من مجازر ضد الشعب السوري وخاصة في حلب التي قصف عشرات المرات في بعض الأوقات بغازات سامة، مما دفع البعض للحديث عن استغلال مصر انضمامهم لمجلس الأمن لخدمة النظام السوري4.

 

4ـ رغبة إيران في حضور مصر مفاوضات سويسرا:

مثلت تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والتي نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية، والتي كشفت إصرار ظريف حضور ممثل عن مصر في المفاوضات التي كانت في سويسرا في سبتمبر2016، صدمة كبيرة للرافضين للدور الإيراني في سوريا، فلماذا يصر ظريف على حضور مصر في ظل شبة قطيعة بين القاهرة وطهران ما لم يكن هناك تنسيقاً في القرارات والمواقف حول سوريا؟

ولأول مرة تقف مصر في المحور السوري الإيراني الروسي في مقابل المحور السعودي التركي القطري، فلماذا تقدم القاهرة على هذه الخطوة وتخالف الإجماع العربي حول سوريا؟

ربما كان الخلاف بين مصر والسعودية مؤخراً هو السبب في تغيير الموقف المصري حيال سوريا، أو بحسب ما يرى البعض أن القاهرة تحاول أن تلعب دوراً حيوياً في سوريا يخالف الموقف الخليجي.

 

5ـ تصريحات السيسي حول دعم بشار:

في مقابلة مع التلفزيون البرتغالي، بثت الثلاثاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وفي رد على سؤال بشأن إرسال قوات مصرية إلى سوريا، قال السيسي إن “الأولوية لنا الأولى أن ندعم الجيش الوطني على سبيل المثال فى ليبيا لفرض السيطرة على الأراضي الليبية والتعامل مع العناصر المتطرفة وإحداث الاستقرار المطلوب، ونفس الكلام في سوريا.. ندعم الجيش السوري وأيضا العراق”. وأكد أن هناك “حساسيات” في مسألة إرسال قوات مصرية إلى سوريا، وقال: “من المفضل أن القوات الوطنية للدول هي التي تقوم بالحفاظ على الأمن والاستقرار في مثل هذه الأحوال”.

وأشار السيسي إلى أن “سوريا تعاني من أزمة عميقة منذ 5 سنوات وموقفنا في مصر منها يتمثل في أننا نحترم إرادة الشعب السوري، وأن إيجاد حل سياسي للأزمة السورية هو الحل الأمثل، ولا بد من التعامل بجدية مع الجماعات الإرهابية ونزع السلاح منها، بالإضافة إلى وحدة الأراضي السورية حتى لا يتسبب في تجزئة مشكلة سوريا، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب فى سوريا”5.

ومن هذه المؤشرات يمكن القول إن هناك تغيراً في الموقف المصري حيال سوريا منذ الانقلاب العسكري وحتى الآن بما يصب في اتجاه دعم نظام بشار الأسد أكثر من كونه دوراً للمصالحة أو لتقريب وجهات النظر، لعدة أسباب أهمها أن بقاء نظام عبدالفتاح السيسي مرتبط بشكل ما ببقاء بشار الأسد، فطالما الأزمة السورية مشتعلة فهي تمثل الأهمية القصوى للقوى الإقليمية والدولية، ولا يتم الالتفات لما يحدث في مصر باعتبار أن هناك أزمة أكبر وهى الوضع في سوريا، وكذلك يظل الوضع المتدهور في سوريا فزاعة لأي عملية تغيير قد يحاول بعض المصريين الحديث عنها أو الإقدام عليها6.

 

ثانياً: أهداف التقارب بين السيسي وبشار:

لماذا يقدم النظام العسكري في مصر للتقارب مع نظام الأسد رغم خطورة هذه الخطوة على علاقاته ببعض دول الخليج؟، وللإجابة على هذا التساؤل يمكننا رصد عدد من الأهداف:

1ـ القضاء على الربيع العربي:

يعد القضاء على الربيع العربي الذي باغت المنطقة هدفاً أساسياً للأنظمة العربية التي تخشى أن تطالها موجة التغيير، ففي شهور قليلة سقطت 4 أنظمة كانت تعد الأعتى والأقوى، مثل نظام مبارك في مصر والقذافي في ليبيا، لكن عندما وصلت موجة التغيير في سوريا ووقف في وجهها النظام السوري مدعوماً بحلفائه في سوريا ولبنان والعراق وروسيا، تعطلت ماكينة التغيير في المنقطة وبدأت الموجة العكسية للأنظمة الساقطة وحاولت عرقلة التغيير، ففي مصر وقع الانقلاب العسكري وفي اليمن انقض الحوثيون على الشرعية في البلاد، وليبيا انقسمت فعلياً إلى 3 مناطق للنفوذ، وهنا أصبحت فكرة التغيير والحديث عن ثورة يمثل خطراً كبيراً وتهديداً لكيان الدولة لمن ينتوي التغيير، فبقاء النظام السوري حتى الآن دون سقوط حقيقي رغم فقدانه ثلثي البلاد، دفع الأنظمة البائدة في دعم الأسد ولو بشكل خفي من أجل صموده حتى تنتهي دون رجعه فكرة الربيع العربي أو التغيير المفاجئ للأنظمة السياسية، أصبح من يطالب بذلك يهدد أمن واستقرار الدول والمجتمعات.

فنظام السيسي جاء بدعم الأنظمة التي خشيت من انطلاق موجة التغير ومن ثم يظل بقاء نظام الأسد المعرقل الرئيس لأي تغيير في المنطقة فيما بعد، فمن هنا تأتي أهمية ضرورة دعم النظام العسكري في مصر لبشار الأسد من أجل القضاء نهائياً على فكرة التغيير أو لعودة الربيع العربي مرة أخرى7.

 

2ـ حفاظ السيسي على نظامه:

لعل من أهم أهداف النظام العسكري في مصر أن يحافظ على بقائه، وأن يوقف أي عملية تغيير قد تلوح في الأفق وهنا تأتي أهمية بقاء نظام الأسد الذي يحاول السيسي أن يصدره كفزاعة لكل المطالبين بالتغيير في مصر ولازلت وسائل الإعلام التابعة له تكرر مصطلح “أحسن من سوريا والعراق”، على اعتبار أن مصير المصريين إذا ما فكروا في الثورة على نظام السيسي فإن البلاد ستتحول مثل سوريا والعراق، ومصير الشعب سيكون القتل أو التهجير، فهذه هي الشماعة التي يحاول السيسي أن يعلق عليها دائماً فشل إدارته المتكرر في جميع الملفات منذ الانقلاب العسكري وحتى الآن.

أيضا ثمة أمر آخر يربط بين بقاء نظام السيسي وبقاء بشار الأسد وهو أن القوى الغربية والإقليمية ومنظمات حقوق الإنسان ربما لا تبالي بما يفعله السيسي في معارضيه، حينما تشاهد ما يحدث في سوريا، بمعني أن الأزمة السورية وما يقوم به بشار الأسد حيال الشعب السوري جعلت الدول الإقليمية والدولية الرافضة للسيسي، تفكر في مصير سوريا التي تمثل عبئاً كبيراً عليها، وفي نفس الوقت لا تلتفت لما يقوم به السيسي على اعتبار أن مصر رغم ما يحدث فيها من قمع أو قتل أو تضييق للحريات، هي أكثر هدوءاً من سوريا التي باتت أزمة تؤثر على الشرق الأوسط بأكمله.

أيضا فإن استمرار القتال في سوريا وبقاء المعركة لفترة طويلة يمثل دعماً للسيسي بحجة أن بشار الأسد يحارب الإرهاب، وهو المتمثل في بعض فصائل المعارضة السورية التي تصنفها الولايات المتحدة وروسيا بأنها منظمات إرهابية، ومن هنا يعد بقاء الأسد في مواجهة هذه الفصائل داعماً للسيسي الذي يروج أنه أيضاً يحارب المنظمات الإرهابية في سيناء وفي بعض المدن المصرية التي يدعي أن بها تنظيمات إسلامية مسلحة8.

 

3ـ مناكفة تركيا:

منذ الانقلاب العسكري ونظام السيسي يحاول أن يناكف تركيا الداعم الأول للمعارضة المصرية، ودائما ما يثير حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخصوص الأوضاع في مصر، غضب السيسي وحكومته، ومن هنا يحاول السيسي أن يناكف تركيا في سوريا خاصة وأن أنقرة لاعب رئيس ومهم في سوريا لاسيما وأن عدد من الفصائل السورية بجناحيها السياسي والعسكري مدعومة من الحكومة التركية، ومن أجل ذلك يحاول السيسي أن يوجد لنفسه مكانة في الأوضاع بسوريا، ودون أن يحسب النظام المصري مكاسبه أو خسائره في أي خطوة سياسية يُقدم عليها، بات يفكر أين يقف داعمي المعارضة المصرية مثل قطر وتركيا، وفي نفس الوقت يذهب مباشرة إلى الناحية الأخرى.

ففي معركته السياسية مع تركيا يعتبر السيسي أن ضرورة دعمه لنظام الأسد باعتبار أن الأسد يمثل عدو الآن لأردوغان وحكومته ومن هنا لابد وأن يكون النظام المصري في طرف النظام السوري مكايدة في تركيا وحكومتها، أيضا التدخل التركي في سوريا يمثل بالأساس أهمية كبرى لأنقرة خاصة فيما يتعلق بشمال سوريا التي تعتبره تركيا خطاً أحمر، لاسيما في ظل رغبة الأكراد في سوريا وتركيا بتكوين حلم الدولة الكردية الذي يؤرق تركيا والعراق وايران وحتى النظام السوري، فالسيسي يحاول أن يجد لنفسه موطئ قدم في سوريا عبر دعمها بشار الأسد من أجل اللعب في ملفات خطيرة تمثل أهمية كبرى بالنسبة لتركيا مثل ملف الأكراد.9

 

4ـ ابتزاز دول الخليج:

لا تزال ورقة الضغط على دول الخليج هي الرابحة حتى الآن مع النظام العسكري في مصر، فالدعم الخليجي لنظام السيسي لم يتوقف منذ الانقلاب العسكري وحتى بداية 2015، بعدما تيقنت دول مجلس التعاون أن السيسي لن يكون رجلهم الأول في مصر بعد كل هذا الدعم الاقتصادي والذي تجاوز 40 مليار دولاراً، والدعم السياسي الذي بسببه ضغطت حكومتا الإمارات والسعودية على حلفائهما الأوروبيين من أجل إدراج جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، لدعم السيسي، لكن بعد كل هذا بدا لهما أن السيسي يحاول أن يغرد خارج سربهم، بداية من عدم المشاركة الفعالة في حرب اليمن، وكذلك التقرب من إيران العدو التقليدي للسعودية وبعض دول الخليج، ومن ثم اعتبر النظام في مصر أن دعم نظام بشار الأسد يعد من أهم الأهداف من أجل جلب مزيد من الدعم الاقتصادي والسياسي من دول الخليج له، لاعتبارات أن الرياض تعتبر أن الأزمة السورية تمثل لها أهمية كبرى، لاسيما وأن طهران تعتبر أن بقاء بشار الأسد يعد من أهم أهدافها التي لا ترفض رفضاً باتاً أن تتفوق عليها السعودية في هذا الملف.

فالسيسي يدرك طبيعة هذه التعقيدات في المشهد السوري ويحاول أن يلعب على المتناقضات بين القوتين الإقليميتين في المنطقة من أجل تحقيق مصالحه الأساسية، كذلك يحاول النظام المصري أن يرسل رسالة إلى دول الخليج أنها إن لم تكمل ما وعدته به من مساعدات ودعم اقتصادي وسياسي سيكون الموقف المصري في سوريا مناوئا لها، خاصة في ظل احتدام المعركة ودخول أطراف دولية في سوريا، وحاول النظام العسكري المصري اللعب بورقة إيران واستقبال عناصر تابعة لنظام الأسد في القاهرة من أجل توجيه رسالة إلى الرياض، أن مصر يمكن أن تلجأ إلى التعاون مع إيران ونظام الأسد إذا ما غيرت دول الخليج موقفها من نظام السيسي10.

 

5ـ الحصول على دعم إيراني:

في ظل حالة الصراع بين الرياض وطهران يحاول كل طرف منها ضم حليف جديد في المعركة المتسمرة منذ 1979، ومن هذا الاتجاه يدرك السيسي طبيعة هذه الاختلافات فيسعى لكسب دعم إيران البوابة الخلفية لروسيا القوى الثانية عالميا، من أجل ترسيخ قواعد حكمه وكذلك البحث عن دعم اقتصادي أيضا، مستغلا الغضب الإيراني تجاه موقف الرئيس محمد مرسي قبل الانقلاب العسكري عليه بشأن سوريا، فالسيسي يحاول أن يقدم نفسه بديلا عربياً لإيران في المنطقة بدعمه لبشار الأسد للحصول على دعم سياسي مستفيداً من النفوذ الإيراني الإقليمي والدولي، وكذلك دعماً اقتصادياً لاسيما بعد رفع العقوبات عن طهران بعد الاتفاق مع القوى الدولية حول ملفها النووي.

أيضا تتمتع إيران باحتياطيات نفطية كبيرة، تجعلها من أكبر الدول المصدرة للنفط وهو ما ترغب القاهرة أن تحصل على بعضه في حال توقف الدعم الخليجي للمشتقات النفطية بالكامل، وفي هذا السياق جاءت تصريحات وزير النفط المصري حول ذهابه إلى إيران من أجل توقيع اتفاقيات لمد مصر بالمشتقات النفطية الأمر الذي سبب جدلا كبيراً قبل أن تنفي القاهرة صحة هذه الأخبار11.

 

السيناريوهات المستقبلية:

الأول: التحالف بين بشار الأسد والنظام العسكري في مصر:

يقوم هذا التصور على أن النظام العسكري في مصر سيقدم على خطوة جديدة حيال الوضع في سوريا عبر المشاركة الفعالة والوصول إلى درجة التحالف معه، ومن ثم يتخذ النظام العسكري خطوة في دعم نظام الأسد بمقاتلين ومعدات عسكرية، من أجل إحداث تفوق كبير له على الأرض ومن ثم يتمكن من القضاء على كل فصائل المعارضة السورية، وعودة كل الأراضي السورية تحت حكم بشار الأسد مرة أخرى.

وبحسب هذا التصور فإن القوات المصرية ستتدخل بجوار قوات الأسد بحجة محاربة الإرهاب والحركات الجهادية في سوريا مثل داعش وجبهة فتح الشام “جبهة النصرة سابقاً”، لا سميا وأن هناك مطالب دولية وعالمية من أجل القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية داعش، ومن هنا ينجح السيسي في تغيير المعادلة في سوريا لصالح الأسد وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة سواء من روسيا أو إيران جراء ما قام به من جهود في دعم بشار الأسد.

 

رغم عدم التنبؤ بقرارات النظام العسكري بمصر في ظل حالة عدم الرؤية لديه في رسم السياسية الخارجية لمصر بعد الانقلاب إلى أن هذا السيناريو قد يواجه بصعوبات عدة منها:

1ـ رفض الإدارة الأميركية لمثل هذا القرار:

فإن مثل هذا القرار الخطير سيكون له تبعاته بشكل كبير على هيكلة الجيش المصري الذي ترتبط أجندته بالمصالح الأميركية بشكل واضح، فتدخل مصر مثل هذه المعركة سيزيد نظام الأسد قوة في نفس الوقت سيمنح روسيا تفوقاً في المنطقة على حساب المصالح الأميركية.

2ـ رفض المؤسسة العسكرية المشاركة في حرب خاسرة بالفعل:

لا يغيب عن أذهان المؤسسة العسكرية المصرية المشاركة في حرب اليمن إبان حكم جمال عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي والتي كانت مستنقعاً للجيش المصري خسرت فيه الكثير، ومن هذا المنطلق لن توافق القيادات العسكرية الوسطي على مثل هذه المشاركة لما يعود على مصر كلها بالضرر والسقوط في ستنقع لا يمكن توقع نتائجه.

3-تدهور الأوضاع في سيناء:

قرار مثل هذا وتحت راية محاربة داعش في ظل سحب بعض القوات في سيناء من أجل المشاركة في سوريا لاسيما التشابه الكبير بين الطبيعة الطبوغرافية بين سيناء والأراضي السورية سيجعل أول المرشحين في مشاركة مثل هذه من القوات العسكرية المتواجدة في سيناء ومن ثم تصبح سيناء سهلة على تنظيم الدولة ويمكنه السيطرة عليها، وهذا الأمر سيكون على حساب المؤسسة العسكرية المصرية.

4-غضب دول الخليج وإسقاط السيسي:

حتى الآن لم تصل دول الخليج وخاصة السعودية إلى مرحلة العداء للسيسي، لكن حال دخول المؤسسة العسكرية المصرية على خط الصراع مع دول الخليج بمشاركتها الفعالة عبر جنود في سوريا، سيدفع ذلك إلى اللعب على المكشوف في محاربة السيسي والسعي للتخلص منه من داخل المؤسسة العسكرية أو التعاون مع معارضته السياسية.

 

السيناريو الثاني: زيادة التعاون بين الأسد والسيسي:

يقوم هذا السيناريو على أن النظام العسكري في مصر سيقدم على خطوة جديدة في التعاون مع بشار الأسد مثل دعم مخابراتي وعسكري عبر مستشارين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد من أجل تقديم المشورة والعون له ولكن دون الإعلان عن ذلك وتأمين مثل هؤلاء الأشخاص بدرجة عالية جداً خوفاً من سقوطهم في يد الفصائل المسلحة السورية ومن ثم كشف الأمر بشكل علني مما يتسبب بإحراج كبير للسيسي ونظامه عالمياً خاصة وأن المعركة تحولت إلى معركة طائفية بين السنة والشيعة.

إلا أن زيادة الدعم لنظام الأسد قد يسبب أزمة حقيقية مع دول الخليج لكون تحول مصر إلى المعسكر الآخر يعد أمراً من المحرمات لا يمكن للسيسي أن يتجاوزه، ربما يناور به لكن لا يصل إلى الأمر إلى فكرة تعاون بينهما، وما حدث من ضغط سعودي في الفترة السابقة كان جزء منه هو العلاقة مع بشار الأسد ومن ثم زيادة التعاون قد يدفع السعودية إلى مزيد من التصعيد تجاه السيسي ونظامه وهنا يتأزم وضع النظام العسكري إقليميا.

 

السيناريو الثالث: بقاء التعاون في الحدود الدنيا:

تسند الفكرة العامة لهذا التصور على أن التعاون بين نظام السيسي وبشار الأسد يبقي في حدوده الدنيا، عبر التقاء بعض رموز النظام السوري في القاهرة من أجل تنسيق أمني أو مخابراتي وكذلك من أجل ابتزاز دول المنطقة وليس التعاون بشكل حقيقي، وأيضا محاولة لعب السيسي دوراً سياسياً في الأزمة المعقدة في سوريا، بهدف تقديم مصر على أنها لاعب مهم لا يمكن تجاوزه في المنطقة، فقد يعتبر بشار الأسد أن نظام السيسي قادر على لعب وساطة في حال بدء المفاوضات بين المعارضة والنظام، فالدور السياسي للنظام العسكري يمكن قبوله ربما، لكن أن يتحول النظام إلى لاعب عسكري مهم الصراع ربما لن يقبله أيا من الأطراف ذا التأثير في المشهد المصري.

ويهدف السيسي حال تبني هذا السيناريو إلى زيادة الضغط على دول الخليج، لأنه من خلال وجود تعاون بين النظام العسكري والأسد حتى ولو في حدوده الدنيا سينجح السيسي في ممارسة مزيداً من الضغط على دول الخليج وخاصة السعودية دون أن يصل إلى مرحلة العداء التام معها ومن هنا يمكن له أن يحقق بعض المكاسب الاقتصادية والسياسية بمثل هذا التقارب.

كما أن التقارب الشكلي ولو في الحدود الدنيا مع نظام بشار الأسد يخول للسيسي لعب دور الوسيط إذا ما اتجهت الأمور إلى هذا الطريق لما له من علاقات بين الدول الرئيسية في الملف مثل إيران وبعض دول الخليج، وهذا سيقدم للسيسي فرصة كبيرة في تقديم نفسه على أن يقود نظاماً قويا في مصر إذا ما نجح في لعب أي دور سياسي في المستقبل.

 

وفي السياق نفسه فإن دخول أية دولة عربية في الصراع بجانب بشار الأسد، أو على الأقل على الحياد معه يزيح عبئا كبيراً من على كاهل إيران، التي تحاول أن تصدر رسالة بأن الحرب في سوريا ليست على أساس مذهبي، وإنما بهدف محاربة الإرهاب، وهنا إذا ما تمكن السيسي في ترسيخ التعاون مع بشار الأسد لكون مصر دولة عربية وفي نفس الوقت سنية، فهنا يمكن أن يكون ذلك سبباً في تلقي نظام السيسي دعماً اقتصاديا مثل النفط الإيراني بشروط ميسرة وربما دون مقابل اقتصادي كبير.

 

السيناريو الرابع: قطع العلاقة بالكامل بينهما:

الفكرة الأساسية لهذا السيناريو تقوم على أن النظام العسكري في مصر ونتيجة للضغط الخليجي والعربي سيقوم بقطع علاقته تماماً بنظام بشار الأسد، ومن ثم تتحول مصر إلى المحور المناوئ لبشار الأسد بجوار السعودية وقطر وتركيا، ومن ثم تدخل في عداء لها مع المحور الأخر والمتمثل في إيران وروسيا وحزب الله وبشار الأسد.

هذا السيناريو قد يصعب تحقيقه من الناحية العملية نظراً لبعض الاعتبارات التي ذكرت سلفاً، حيث لا يمكن لنظام السيسي أن يدخل في عداء واضح مع نظام الأسد لاسيما وأن مصيرهما ارتبط معاً، فالسيسي لا يرد للثورة السورية أن تكتمل برحيل بشار أو غيابه ومن ثم تتفرغ القوى الدولية والإقليمية للملف المصري الذي بلا شك قد يكون غير مفيد للسيسي.

ثمة أمر أخر وهو دخول السيسي في محور يقوده خصومه مثل تركيا وقطر واللتان لا تربطهما بالسيسي علاقات قوية بعد الانقلاب العسكري، أيضا السعودية بعد حالة الخلاف الأخيرة بينها وبين السيسي لا يمكن لها أن تسمح للسيسي أن يلعب دوراً محورياً في الملف السوري مستقبلاً، ومن ثم في حال إقدام السيسي على هذه الخطوة سيمثل له ذلك خسارة كبيرة في مستقبل علاقاته الخارجية في الفترة المقبلة لاسيما وهو يجيد اللعب على المتناقضات في الملفات الخارجية.

أيضا ثمة أمر أخر لا يمكن تجاهله وهو تخوف السيسي من قطع علاقته بنظام الأسد وبهذا سيدفع ذلك النظام السوري بكشف كل الملفات التي تم التنسيق فيها مع النظام العسكري في مصر من أجل إحراج السيسي أمام الرأي العام العربي والسني، خاصة وإن كان هناك دور حقيقي في قصف بعض مناطق المدنيين في حلب مثلاً بأسلحة مصرية مما يُعرض السيسي لحصار دولي خاصة في ظل وجود قرار دولي يمنع بيع السلاح لنظام بشار الأسد.

 

خلاصة:

إن العلاقة بين نظام الأسد والنظام العسكري في مصر علاقة قائمة بالأساس على وجود الطرفين بمعني غياب أحدهما يعود بالسلب مباشرة على الطرف الأخر، بسبب التشابك الكبير والترابط بين الوضع في مصر والوضع في سوريا، أيضاً لا يمكن لنظام عبد الفتاح السيسي أن يساهم بشكل واضح في سقوط بشار الأسد مما يعني بداية فشل الثورات المضادة والمضي في الموجة الثانية من الربيع العربي والتي ستكون بالأساس على الأنظمة العسكرية وعلى رأسها نظام السيسي.

أيضا سوريا تمثل عقبة كبرى للقوى الإقليمية والدولية ففي حال التوصل لحل في سوريا خاصة مع غياب الأسد عن المشهد يعني ذلك هزيمة المشروع الروسي والإيراني ونجاح حلف السعودية وتركيا وهذا لا تقبل به القوى الغربية حتى الآن لكن ربما الفترة المقبلة سوف تشهد تغيراً في هذه الملفات لاسيما بعد وصول الرئيس الأميركي المنتمي لليمين دونالد ترامب إلى سدة الحكم في يناير المقبل (12).

——————————–

الهامش

(1) مصر.. انتهاكات بحق لاجئين سوريين محتجزين بينهم أطفال، العربي الجديد، مارس 2015، الرابط

(2) وفد من نظام الأسد يزور القاهرة، الجزيرة نت، أكتوبر 2016 الرابط

(3) بعد انضمامها لمجلس الأمن الدولي.. مصر تبدأ “معركة” جديدة لعضوية مجلس السلم الأفريقي، سي إن إن عربي، ديسمبر 2015، الرابط

(4) مصر تصوت لمشروعين متعارضين في مجلس الأمن حول حلب، هافينغتون بوست عربي، أكتوبر 2016 الرابط

(5) السيسي: مصر تدعم الجيش السوري، روسيا اليوم، 23 نوفمبر 2016، الرابط

(6) تغيرات طارئة على الأداء المصري في الملف السوري، نون بوست، نوفمبر 2015، الرابط

(7) السيسي يكشف صراحة عن موقفه من بقاء الأسد!، موقع اورينت، فبراير 2015، الرابط

(8) الأسد والسيسي.. تحالف أعداء الثورات، الجزيرة نت، برنامج الواقع العربي، أغسطس 2015، الرابط

(9) ماذا يريد السيسي وحزب الله من بعضهما؟، الجزيرة نت، برنامج الواقع العربي، فبراير 2016، الرابط

(10) وزير البترول المصري: أرامكو السعودية أوقفت تزويدنا بالنفط، بي بي عربي، نوفمبر 2016، الرابط.

(11) رويترز: وزير البترول المصري توجه إلى طهران بحثا عن النفط، موقع قناة الحرة، نوفمبر 2016، الرابط.

(12) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close