fbpx
تحليلاتقلم وميدان

تحديات الثورة المصرية: المشروع السياسي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

(1)من الأهمية بمكان وجود خطة لمشروع تفكيكي يؤدى فى نهايته إلى الإطاحة بالسلطة المستبدة فى مصر، وعدم الإستناد إلى الثورة على أنها تلك “الحالة” التي يجب على الجميع إنتظارها للتفاعل معها، وأن من روافد المشروع الثوري المتكامل ومن أهم ركائز هذه الخطة ولوازمها هو المشروع السياسي للثورة.

المشروع السياسي وأهميته:

المشروع السياسي هو تصور الثورة عن البديل فى حالة الإطاحة بالنظام المستبد، أو هو باختصار الإجابات على حزمة الأسئلة الحرجة التي تراود أي مواطن يهاب التغيير وفى الوقت نفسه متأزم من الوقع، فإنه إذا وضع المواطن بين الإختيار بين واقع مأساوي ومجهول محفوف بمخاطر كبرى، فإنه بلا شك سيتجرع ويتحمل مرارات الواقع ويصبر عليه بل وأحيانا سيدافع عنه لأنه وفق تصوره هو النجاة من مستقبل مرتبط فى ذهنه بالفوضى والدمار والهلاك.

ولذلك فإن الثورات التي تُقدم لجمهورها الإجابات الوافية والمقنعة عقلا ووجدانا لأسئلته الحرجة تلك، هى التي تستطيع أن تجمع طيفا واسعا من الشعب حولها وحول مطالبها ويعزز من ضراوة وقوة وتأثير مشروع التفكيك للسلطة المستبدة، مما يعزز ويسرع من عملية “النصر” للثورة بشكل ينقذ الثورة من مراحل التيه والشرود السياسي.

إذا فشلت الثورة ونخبتها وقادتها ورموزها فى الإتفاق على “تصور للدولة الوليدة” أو تصور “للنظام السياسي البديل” وخارطة طريق واضحة المعالم لما بعد نجاح الثورة، فإنهم سيعجزون تماما على إقناع الجماهير بمشروعهم الثوري وستظل الثورة حبيسة أذهان النخب والمفكرين والمنظرين والساسة وأبعد ما تكون فى الوقت نفسه عن عموم الشعب الفاعل وسواد الناس ذوات التأثير الذين هم الوقود الحقيقي لأي ثورة شعبية أريد لها النجاح والنصر.

ولأهمية هذا الرافد بشكل حيوي وضروري، فإن السلطة المصرية حرصت على ربط الصورة الذهنية بين الثورة والفوضى فى المنطقة ليعزز من اتساع الهوة بين المواطن والثورة، وتأصيل رسالة أن الثورات لا تأتى إلا بالخراب والهلاك والدمار، فزاعة “سوريا والعراق”

المشروع السياسي والوضع الإقليمي:

لا يمكن أن نتناول هذه النقطة بمعزل عن الوضع السياسي لدول الربيع العربي، فإن تأزم الساحة السياسية وحالة السيولة التي تعاني منها دول الربيع العربي والإقتتال الداخلي وانهيار الدولة المركزية، كل هذا أدى إلى حتمية وجود المشروع السياسي للثورة المصرية ابتداءا وبالتوازى مع مسار التفكيك لا يتأخر عنه ولا يتقدم، لأن المواطن لن ينفك عن المقارنة بين بلده وهذه البلدان فسيكون فى حالة من الرعب من التغيير.

ولا أبالغ حين أقول أن مأساة ثورات الربيع العربي تنحصر فى غياب المشروع السياسي وتصورات البديل، فقد كانت هبات شعبية لا تعرف ما تريد بقدر ما تعرف ما لا تريد، فسهل على خصومها الإلتفاف عليها وتحويلها إلى جحيم.

المشروع السياسي والفرصة الحالية:

لماذا سيستجيب المواطن والفاعلين من الشعب لأي طرح سياسي على شرط رصانته ووضوحه؟

لعدة أسباب أهمها هو فشل الدولة الحالية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا بشكل غير مسبوق وبمعدلات متسارعة ينذر بل يؤكد هلاكها المرتقب، وهذا يجعل الناس فى حالة من الإستعداد النفسي والعقلي إلى قبول المشروعات البديلة إذا سيقت لهم فى خطاب سياسي عقلاني ورصين، أضف على هذا وجود النبض الثوري الذي لا يزال متوهجا فى وجدان الفاعلين من الأمة، وإن لم يقو بعد ليُترجم إلى حراك ثوري على الأرض، ولكنه موجود، وبقوة تزيد من قدرة التفاعل الإيجابي الثوري فى حالة وجود مشروع سياسي واضح للثورة المصرية.

ونتيجة لعجز الدولة الراهنة عن تلبية احتياجات الشعب والمواطنين، بسبب ضعفها وشيخوختها واعتمادها على القمع بديلا عن الحلول السياسية، بالإضافة إلى الأزمات الشديدة والمستمرة والمتنوعة التي تعاني منها وفشلها فى التعاطي معها، جراء هذا وغيره، فإن حالة الغضب الشعبي تزداد يوما بعد يوم ويزداد معها معسكر الغضب ولكنه لا ينضم بعد إلى معسكر الثورة لغياب رؤيتها وخفوت قدرتها على الجذب الجماهيري.

المشروع السياسي: إشكاليات وتحديات:

يختلف البعض ويقول أن البدء فى وضع تصور للدولة الوليدة فى اللحظة الراهنة سيؤدى بالضرورة إلى الإختلاف والشقاق بين قوى الثورة، لا سيما أن الثورة تحتاج إلى تكاتف جبهوى بين جميع الفاعلين من كافة الإيديلوجيات والأفكار السياسية، فإن ثمة الحديث عن تصور للدولة الوليدة سيؤدى إلى تنازع بين هؤلاء لأنه بالضرورة سيميل هذا التصور إلى أيديولوجية وسيجنح عن أخرى وفق توازنات القوى الثورية الفاعلة ومدى قدرتها وتأثيرها على الشارع. وهذا كلام عقلاني صحيح، ولكن قبل الرد عليه دعنا نثبت أولا أن مرحلة المشروع السياسي وتصور للدولة الجديدة هى مرحلة لازمة ستحدث لا محالة فهي مرحلة ذات علاقة عضوية فى مسار الثورات، ولكننا نتحدث هنا فقط عن التوقيت وأهميته.

يجب أن تكون هذه المرحلة ملازمة لعملية التفكيك منذ بدايتها، ولكن يرى البعض أنها يجب أن تبدأ بعد تحقيق النصر للثورة لتفادى النزاع والاختلاف، ويسهل كذلك بعد النصر الإحتكام إلى الشعب ليحسم الخلاف الدائر بين القوى السياسية حينذاك، الأمر إلى لن يستنى لحسم هذه الخلافات قبل تمكين الثورة.

ولكنى أرد على هذا الرأي من وجهين:

أولاً: إن الثورات ودماء شهدائها هى التي ترسم شخصية الدولة الجديدة الوليدة ورسمها وهويتها، وتتخلق الدولة بالنضال الثوري ومنافحة الاستبداد تصنع خلقاً جديداً تضع الثورة ملامحه ورسمه وصفاته الرئيسية منذ اليوم الأول، إن الثورات هى التي تطوى صفحة ماضية بكل ما فيها من مكونات وأفكار وطرائق للحياة وتعيد تعريف كل القيم السياسية والإجتماعية من جديد لترسم للوطن دولة جديدة بملامح وشخصية ورسم محدد.

لقد ناضل الإيرلنديون لأجل تحريرهم من الإستعمار وتطبيق الديمقراطية، وناضل الإيرانيون لأجل التحرر من استبداد الشاه وتطبيق أيديولوجيتهم الإسلامية، وعليه فإن مجموعة القيم التي سيضحي الناس بحياتهم لأجلها يجب أن تكون واضحة مسبقا، فإنه ليس من العقل أن تنادى الشعب بأن يقدموا أرواحهم أمام مستبد غاشم لأجل دولة سنؤجل “شجار” تصورها لاحقا بعد انتصار الثورة.

ثانيا: من الممكن أن يكون كلامك واقعيا لدولة غير مصر، كدولة متعددة الأعراق والأجناس، ولكن مصر دولة شعبها ذو أيديولوجية واحدة ومنظومة قيمية واحدة، ومعظم الشعب المصري من نسيج مجتمعي واحد ولا يتميز بالقبلية أو بالعرقية أو بالإختلاف الأيديولوجي الحاد كغيره من الشعوب، فإن المشكلة التي تتحدث عنها يمكن تفاديها بسهولة فى حالة وجود خطاب سياسي عقلاني وواضح وجذاب يجمع الفاعلين ويطمئن عموم الشعب ويجمعهم على راية التغيير.

ملامح وسمات المشروع السياسي الثوري:

للمشروع السياسي الثوري عدة ملامح وسمات يجب أن يتسم بها ليحقق فعاليته ودوره، وهذه السمات والخصائص:

1ـ راديكالي: فهو ليس برنامجا انتخابيا فى حملة رئاسية لمرشح، فتسميته باسم “الثوري” لأنه مشروع نيط به رسم دولة جديدة، فيجب أن يتحلى بجرأة الثورة، والشعوب تميل إلى الراديكالية والثورية بنزعتها لا سيما وقت الغضب المتزايد، فيجب أن يكون المشروع السياسي للثورة عالي السقف لا يتحدث تحت أطر الدولة الأنية أو تلك التي يرسمها له المستبد ويحدها له الطاغية.

2ـ شمولي: يجب ألا يغفل المشروع جانبا من الجوانب، ويجيب على كل الأسئلة الحرجة ولا يخفى التحديات بل يواجها ويبرز الحلول الممكنة والفرص المواتية لتفاديها والتغلب عليها، ويجب أن يضع تصورا لأفكار الدولة الجديدة، واقتصادها وسياستها وأمنها ومعاشها وعلاقتها بمحيطها، وكذلك قيمها وسلوكها وأدبياتها ووجدانها أيضا، فهو يتحدث بمكوناته مع القلب والعقل على سواء. هكذا تُحشد الشعوب بمعارك التغيير.

3ـ عملي: يجب أن يكون للمشروع شعاراته، ولكن يجب أن يكون لكل شعار تطبيقات عملية وإنزالات واقعية قادر المواطن على تخيلها وإدراكها. وتُسهّل عليه المقارنة بين واقعه السيء وبين ما يرسمه له التصور الجديد للدولة والحياة تحت ظلها بعد انتصار الثورة، فيميل ويجنح لمعسكر الثورة يوما بعد يوم.

4ـ موضوعي: يجب أن يتناول المشروع تصوراً تفصيليا لإدارة الدولة وخارطة طريق سياسية لمرحلة ما بعد انتصار الثورة، بالإضافة إلى التصورات القيمية والفكرية للدولة ونحت شخصيتها ورسمها وهويتها بشكل موضوعي يناسب جماهير الدولة وطرق حياتهم ونسقهم الاجتماعي.

5ـ واضح: يتم عرضه وتسويقه للناس فى شكل أنه الخلاص من كل المصائب والملمات التي نزلت بالوطن، ويعرض بشكل جذاب ودعائي يسهل على الجميع التعاطي معه والاقتناع به.

——————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close