fbpx
تقديرات

تداعيات تفجير الكنيسة البطرسية..قراءة أولية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

لقراءة الموضوع باللغة الإنجليزية (English)

تمهيد

قبل عدة أيام من احتفالات الإخوة الاقباط في مصر بأعياد الميلاد، تستيقظ القاهرة في صباح الاحد 11 ديسمبر 2016 على تفجير إرهابي داخل الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية بمنطقة العباسية، راح ضحيته 25 من الابرياء اغلبهم من النساء والأطفال.

وفي ظل مشهد شديد الارتباك وحالة غضب شديد من الاقباط تجاه السيسي ونظامه، رصدتها جميع الأجهزة الإعلامية، نحاول في هذه الورقة تقديم قراءة أولية على مسار الإجابة عن عدة تساؤلات محورية متعلقة بالحادث، ربما نستطيع من خلالها الوصول الى فهم ملابسات الحادث والدوافع الحقيقية من ورائه، فضلا عن تداعياته.

ما هي الأجواء التمهيدية التي سبقت الحادث؟ ما هي الاحتمالات المختلفة في من يقف وراء هذا الحادث؟ هل ثمة علاقة بين احاديث السيسي الاخيرة حول الحرب الأهلية وبين حادث تفجير كاتدرائية العباسية؟ ما دلالات إعلان تنظيم الدولة مسئوليته عن الحادث؟ كيف يستغل السيسي و نظامه الحادث؟ ما هي الرسائل الخارجية  و الداخلية للنظام؟ وما هي التداعيات المحتملة للحادث؟ هذا ما يسعي هذا التقدير إلى الإجابة عليه، وذلك وفق المحاور التالية:

 

ما قبل الحادث…غضب قبطي متنامي من النظام

الطريقة التلقائية التي تعامل بها الاقباط المحتجون امام الكاتدرائية مع اعلاميي النظام، والهتافات المباشرة ضد السيسي والنظام، ربما لا تشير الى مجرد حالة غضب متولدة من قسوة وضخامة الحادث بقدر ما تعبر عن حالة غضب كامن من الاقباط تجاه السيسي والنظام الحالي ترسخت في الفترة الماضية نتيجة عدة مشاهد كان ابرزها اقرار مشروع قانون ترميم وبناء الكنائس الذي خرج في شكل اثار عدة مخاوف لدى الاقباط من عدم تلبيته لمطالبهم الأساسية، وهو ما ادى الى زيادة حدة التوتر فيما بعد بين الأقباط والنظام بسبب عدم الشعور بجدوى القانون الذي استمر الجدال عليه فترة ليست بالقصيرة. حالة التوتر والغضب بين الاقباط والسيسي عبرت عنها مجلة الفورين بوليسي  في تقرير لها قبل حادث تفجير الكنيسة البطرسية بيومين، حيث اشارت الى سوء حالة الاقباط في مصر ومعاناتهم في الفترات السابقة قبل وصول السيسي الى السلطة، الا ان التقرير اشار الى تبدد امال الاقباط في تحقيق وعود السيسي حيث لا تزال الاوضاع كما هي وربما اسوأ، ثم يشير التقرير الى حالة الفتور والتوتر التي تشكلت في الفترة الاخيرة بين الاقباط والسيسي.

 

السيسي واحاديث الحرب الأهلية

احاديث السيسي حول الحرب الأهلية في مصر وما تحمله من رسائل مباشرة لأوربا والعالم تبعها بعدة ايام حادث تفجير الكنيسة البطرسية، وهو الامر الذي قد يثير بعض التساؤلات عن علاقة ما تربط بين التصريحات والحادث.

كان لافتا للنظر في الزيارة الاخيرة للسيسي الى البرتغال ادلائه بأكثر من تصريح عن احتمالات الحرب الأهلية في مصر، في 21 نوفمبر 2016 وفي حوار تليفزيوني مع “وكالة أنباء البرتغال“، اشار السيسي الى اثار ونتائج الحرب الطائفية في حال وقوعها على اوروبا والعالم وما يمكن ان تتسبب فيه من حالة عدم استقرار وهجرة تؤثر على اوروبا والعالم، ثم اعاد السيسي مرة اخرى الحديث عن الحرب الأهلية في 22 نوفمبر 2016 وفي حوار مع قناة RTBالبرتغالية مشيرا الى ان مصر كانت معرضة لحرب أهلية ومؤكدا أن التعامل في مصر في إطار دولة القانون وانه ليس هناك تعامل بأساليب غير قانونية .

تحمل تصريحات السيسي التي كررها في اكثر من مناسبة خلال الزيارة رسائل واضحة للغرب حول اثار ونتائج الحرب الأهلية في حال وقوعها على اوروبا والعالم. ويمكن فهم تلك التصريحات في اكثر من سياق:

  • تأكيد السيسي للغرب على ان وجوده في السلطة والاعتراف بشرعيته هو صمام الأمان لأوروبا والعالم من حالة عدم الإستقرار التي يمكن ان تشهدها مصر والتي ربما تدفع بموجات هجرة اضخم من تلك التي تعاني منها اوروبا في الوقت الراهن.
  • تصدير مشهد ان ما يحدث في مصر من اجراءات قمعية وامنية لا يتعارض مع قيم الديمقراطية وحرية الإنسان، وانما يمكن وضعه في اطار حماية مصر من حرب اهلية محتملة والحفاظ على استقرارها، وهو الأمر الذي يعود في النهاية على استقرار اوروبا والعالم.

وما قد يدفع بعض المحللين الى الربط بين حديث السيسي عن الحرب الأهلية والحادث هو تكرار حدوث ما يحذر منه السيسي حرفيا، ويقوم هو ونظامه بتنفيذه بعد ذلك (مثال الحديث قبل الإنقلاب عن ان تدخل العسكر في الحكم سيتسبب في رجوع مصر للوراء، او الحديث عن خطورة الرد على مايحدث في سيناء بالإجراءات الأمنية العنيفة..الخ).

 

حادثتي الكنيسة البطرسية وكنيسة القديسين..تشابه التوقيت والتفاصيل

بعد حادث تفجير الكنيسة البطرسية يوم الأحد 11 ديسمبر 2016، عادت الى الاذهان مرة اخرى ذكرى حادثة تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، حيث تتشابه الحادثتين بشكل ليس بالقليل في توقيت وتفاصيل التفجير، حيث كان تفجير كنيسة القديسين بمنطقة سيدي بشر بالإسكندرية صباح السبت 1 يناير 2011 عشية احتفالات رأس السنة الميلادية وأسفر عن وقوع 21 قتيل وحوالي 97 مصاب. في حين أعلن بيان لوزارة الداخلية أن الهجوم نفذ بواسطة انتحاري وليس نتيجة لانفجار سيارة، وذكرت وزارة الداخلية أن القنبلة كانت تمتلئ بقطع صغيرة من المعدن لتكون بمثابة شظايا وأن انتحاريا مدعوما من الخارج قد يكون هو المسئول عن التفجير.

الا ان المشهد الابرز في حادث كنيسة القديسين جاء بعد ثورة يناير حيث ظهرت على صفحات جريدة اليوم السابع مستندات تجزم بضلوع وزير الداخلية المصري آنذاك حبيب العادلي في التفجير بهدف الضغط على الأقباط وإخماد احتجاجاتهم وتهدئة نبرة البابا شنودة تجاه القيادة السياسية (فيما بعد تم رفع تلك المادة من على موقع جريدة اليوم السابع).

ومثل العادلي أمام نيابة أمن الدولة العليا بتهمة ضلوعه في تفجير كنيسة القديسين، حيث نفى لدى مثوله أمام النيابة أن تكون له علاقة بهذا الحادث، ثم توقفت تحقيقات النيابة مع العادلي عند هذا الحد ولم يتم ضمه الى اسماء المتهمين على ذمة القضية.

 

الجماعات المسلحة في مصر واستهداف الأقباط..حقيقة ام ادعاء؟

ألقت دوائر إعلامية تابعة للنظام المصري في البداية وفور وقوع الحادث، بدون أية بيانات رسمية، بمسئولية حادث تفجير الكنيسة البطرسية على جماعة الإخوان المسلمين وكذلك التنظيمات المسلحة التي ظهرت بعد انقلاب الثالث من يوليو. نستعرض هنا سريعاً الجماعات المسلحة في مصر بعد انقلاب الثالث من يوليو وتاريخ استهدافها للأقباط ودور العبادة الخاصة بهم، لبيان حقيقة احتمالية هذا الإدعاء، ثم نستعرض سريعاً تاريخ ما اصطلح على تسميته حوادث العنف الطائفي في مصر وأسبابه، لننتقل بعدها لنستعرض تاريخ حوادث العنف الطائفي بعد الثالث من يوليو 2013.

 

أولاً التنظيمات والحركات المسلحة:

انقسمت التنظيمات المسلحة التي عملت بعد الثالث من يوليو 2013، إلى مجموعات لها ارتباطات تنظيمية أو خبرات سابقة، وأخرى حديثة التكوين والظهور، ومابين الظهور والإختفاء كان تطور التنظيمات حديثة التكوين كالتالي:

عام 2013-2014 بروز اسماء حركات مثل ” المقاومة الشعبية، مولوتوف، ولع”  وقد اقتصرت عمليات تلك الحركات على حرق سيارات لقوات الشرطة التى تستهدف التظاهرات أو استهداف السيارات الخاصة بضباط الشرطة بالحرق، ولم يرصد لها أي أعمال تستهدف بشكل خاص وموجه الأقباط أو الكنائس.

عام 2015 بروز اسم حركة تسمى “بالعقاب الثوري”، وتبنت منحنى تصاعدي جديداً من العمليات يستهدف قوات الشرطة والمتعاونين معها بالقتل والتفجير وفق ما يظهره موقعهم الرسمي (العقاب الثوري)، ورغم التطور التصاعدي الذي أخذته حركة العقاب الثوري إلا انه لم يتم رصد أية عملية لها تستهدف الكنائس أو مواطنين أقباط.

عام 2016 ظهور حركتي “لواء الثورة” و “حسم” وحتى الآن اقتصرت عملياتهم على الهجوم على كمائن شرطية أو اغتيال أو عبوات ناسفة وكلها استهدفت المنظومة الأمنية والقضائية، وعملية واحدة فاشلة استهدفت المفتي السابق علي جمعة، ولم يتم رصد أية عملية لهم باستهداف كنائس أو مواطنين أقباط، بل ونفت حركة لواء الثورة عبر بيان لها تلك العملية واستنكرتها، كما قامت حركة حسم بإصدار بيان نفت فيه تلك العملية واوضحت انه ليس من قيمها أو مبادئها استهداف النساء أو الأطفال أو دور العبادة.

أما بالنسبة للتنظيمات المتواجده من قبل الثالث من يوليو 2013 أو لأفرادها خبرات أو ارتباطات تنظيمية سابقة:

عام 2013 – 2015 تنظيم أجناد مصر ووفق بياناتها في ذلك الوقت واصداراتها المرئية فلم يتبنى التنظيم أية عملية خارج اطار جهاز الشرطة فقط، حيث انحصرت عملياتها في استهداف افراد الشرطة، ولم يسجل استهدافهم لمدنيين أو لدور عبادة أو مواطنين أقباط بشكل عام.

يتبقي هنا تنظيم أنصار بيت المقدس، المسجل لها عمليات مسلحة من قبل الثورة والتى أعلنت في نوفمبر 2014 بيعتها لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام حينها، متبنية الإسم الجديد “ولاية سيناء”، وينسب للتنظيم عدة عمليات مسلحة قبل الثورة المصرية ابرزها عملية ضد القوات الإسرائيليلة وعملية ضد أماكن سياحية بمنطقة طابا، ولكن من بعد الثورة وحتى احداث الثالث من يوليو 2013 اقتصرت انشطة التنظيم وفق بياناتها الصادرة حينها على استهداف خط الغاز المصري الممتد الى إسرائيل، ولم يسجل لها أى دلائل على استهداف قوات جيش أو شرطة أو مدنيين في تلك الفترة إلا في حالة واحدة تم فيها تصفية مجموعة من المدنيين اتهمهم التنظيم بالتعاون مع إسرائيل مما أدى لإغتيال أحد قادة التنظيم حينها في قصف طائرة اسرائيلية بدون طيار. ولكن بعد بيعتها لتنظيم الدولة سجلت حالة اعتداء واحدة من قبل فرع التنظيم في سيناء ضد أحد القساوسة واغتياله، ولكن بدعوى محاربته للمسلمين.

ووفق رصد المعهد المصري للشأن السيناوي، فإن حوادث التصفية والأغتيال في شمال سيناء لا تقتصر على الأقباط، بل أن النسبة الأكبر استهدفت مسلمين وتمت كلها تحت دعاوي التعاون مع الأجهزة الأمنية، حيث يتعامل المسلحون بصفة عامة بسياسة الإغتيال لأى متعاون مع قوات الجيش أو الشرطة وخصوصاً بعد تصفية الكثير من المدنيين بزعم أنهم مسلحين في اطار الشكاوي الكيدية، واستغلال تدهور الحالة الأمنية في شبه جزيرة سيناء.

جدير بالذكر أن العقيدة الدينية والعسكرية لتنظيم الدولة ترى أنه لا أمان لأى كافر “غير مسلم”، طبقا لأدبياتهم، طالما أنهم لم يعطوه عهد أمان، كما أنهم يرون أقباط مصر طائفة محاربة، ويبرهنون على هذا التصور بدعم الكنيسة المصرية قديماً لنظام محمد حسني مبارك، وحديثاً لنظام عبد الفتاح السيسي.

في حين تم تسجيل حالتين استهداف خارج الأراضي المصرية، قام تنظيم الدولة خلالهما بقتل مواطنين أقباط بسبب أحداث مرتبطة بالشأن المصري وتحديداً بعد حادثة السيدة المسيحية وفاء قسطنطين التى أسلمت وتم تسليمها من قبل جهاز أمن الدولة للكنيسة المصرية، وهو الأمر الذي أثار موجة تظاهرات غاضبة حينها، ليقوم التنظيم بعدها عندما كان مسماه (الدولة الإسلامية في العراق)  في نهاية شهر سبتمبر سنة 2010 باستهداف كنيسة النجاة بالعراق واحتجاز رهائن للضغط على الحكومة المصرية في تلك الحادثة لتنتهي العملية وفق موقع مفكرة الإسلام هنا، باقتحام الكنيسة ومقتل عدد من الرهائن والمهاجمين، والحادثة الثانية تمت في الأراضي الليبية في شهر فبراير 2015 وقام التنظيم خلالها بذبح 21 مواطن في اطار ما اسموه الرد على جرائم الكنيسة المصرية، وقد اثار الحادث ردود فعل واسعة رصدته الصحافة المصرية كما جاء في جريدة اليوم السابع هنا.

ولكن ورغم تواجد التنظيم في سيناء، إلا انه لم تسجل له أية محاولات لإستهداف كنائس او مواطنين أقباط في شبه جزيرة سيناء، كما انه لم يقم بحوادث قتل جماعي ضد مواطنين أقباط في مصر وخصوصاً في ذروة الأزمة بعد أحداث الثالث من يوليو 2013 والتأييد المعلن والداعم من قبل الكنيسة المصرية للنظام العسكري، وإن ثبت تورط التنظيم في حادث الكنيسة البطرسية كما صدر الإعلان عنه، فإن ذلك يعني استراتيجية جديدة لمنحى سلوك التنظيم قد يسلكه في الفترة المقبلة.

إلا أنه في النهاية، ووفق الرصد لجميع التنظيمات والحركات المسلحة لم يثبت أنها قامت بحوادث استهداف جماعي للأقباط او الكنائس داخل الأراضي المصرية على هذا النحو منذ الثالث من يوليو 2013 وحتى تاريخ حادث تفجير الكنيسة البطرسية.

 

ثانياً حوادث العنف الطائفي:

بدأ تاريخ الحوادث الطائفية في مصر بعد تولي البابا شنودة كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة  في 14 نوفمبر  1971 ، لتشهد مصر سلسلة تبدأ في التصاعد تدريجياً منذ حادثة الخانكة عام 1972م كما يوضحها هذا التقرير، ولكن لم يكن الشىء الوحيد اللافت للنظر أن تلك الأحداث لم تبدأ في الظهور التصاعدي إلا بعد تولية البابا شنودة رأس الكنيسة، فبالرغم من تلك الحوادث والمظلومية التى تصاحبها، إلا أن الكنيسة كانت تستخدمها كورقة ضغط فقط لزيادة مكتسباتها من النظام، وفي نفس الوقت كانت الكنيسة المصرية تعد من أكبر الداعمين لنظام مبارك مثلها مثل مؤسسة الأزهر، وكانت الكنيسة تتدخل بتوجيه الأصوات الإنتخابية كثيراً لصالح مرشحي الحزب الوطني، وكان يتم عقد لقاءات معلنة لدعم مرشحي الحزب الوطني كما حدث في الإنتخابات البرلمانية عام 2005.

وبعد أحداث الثالث من يوليو 2013  والإحتقان السياسي المصاحب لها، حدثت الكثير من حوادث العنف الطائفي، بعضها لأسباب سياسية وخصوصاً في الفترة الخاصة بأحداث مذبحة اعتصام رابعة العدوية والنهضة، والبعض الآخر لأسباب دينية، والآخر لأسباب قبلية وإجتماعية.

ووفق تقرير أصدرته المفوضية المصرية للحقوق والحريات للباحث مينا ثابت هنا، ورغم تحيز التقرير وانفراده بوجهة نظر واحده تخص الباحث، وهو الأمر الذي ظهر في حصره الاعتصامات في الفترة التي تلت أحداث الثالث من يوليو على مؤيدي مرسي وذكره لذلك نصاً فقط، بما يظهر عدم حياديته، إلا أن الباحث رصد في الفترة من من 30 يونيو 2013 إلى 30 سبتمبر 2014، عدد 16 حادثة عنف ضد الأقباط، فيما بعد توصلت المفوضية المصرية للحقوق والحريات إلى تورط السلطات المصرية في كافة الوقائع سواء بالتقاعس أو الفشل في حماية ممتلكات الأقباط، بل والأخطر هو ما أشار إليه التقرير إلى التورط المباشر لسلطات الأمن في بعض الحوادث بتعمد تنحية القانون أو الممارسة بشكل مباشر لسياسات العقاب الجماعي ضد بعض الأقباط.

 

احتمالات ملابسات حادث تفجير الكنيسة البطرسية

قبل الحديث عن الاحتمالات المصاحبة لملابسات حادث تفجير الكنيسة البطرسية يوم الأحد 11 ديسمبر 2016، ربما يكون القاء الضوء على بيان وزارة الداخلية المصرية بشأن حادث تفجير الكنيسة يحمل الكثير من الإشارات والدلائل التي يمكن ان تساهم في رسم صورة للسيناريوهات المحتملة.

مشاهدات حول بيان الداخلية

سنحاول هنا الإعتماد على فرضيتين لبناء خط زمني محتمل لحادث تفجير الكنيسة البطرسية:

  • صحة كافة الوقائع المادية الواردة في بيان وزارة الداخلية المصرية بشأن حادث تفجير الكنيسة البطرسية (بصرف النظر عن المشاركين في المؤامرة).
  • وجود جهاز أمني مصري عصري وسريع التحرك بفاعلية وكفاءة.

وعن طريق هاتين الفرضيتين يمكننا تصور خط زمني مفترض للساعات القليلة بعد الحادث كما يلي:

  • 9:57 ص، حدوث التفجير داخل الكنيسة البطرسية.
  • 10:15 ص، سرعة وصول أجهزة البحث الجنائي والأمن الوطني لموقع الجريمة.
  • 10:30 ص، تحديد مركز الإنفجار وطبيعته والعثور على اشلاء المنفذ.
  • 11 ص، البدء في اجراء تجميع اشلاء وجه المشتبه فيه في تنفيذ التفجير للحصول على صورة واضحه له.
  • 5 مساء: الإنتهاء من تحليل البصمة الوراثية (DNA) لمنفذ عملية التفجير وهو الامر الذي يستلزم مدة زمنية لا تقل عن 6 ساعات منذ اخذ العينة وحتى الوصول الى النتيجة النهائية طبقا لرواية احد مديري الطب الشرعي في حديث له مع الإعلامي عمرو أديب، اعتمدنا هنا في الخط الزمني على هذه الرواية بالرغم ان كثير من المصادر تتحدث عن مدة زمنية تتراوح مابين 4 الى 7 ايام للحصول على نتيجة نهائية للبصمة الوراثية.
  • 6 م الإنتهاء من تجميع اشلاء وجه منفذ عملية التفجير ومقارنة الصورة النهائية بقاعدة بيانات وزارة الداخلية ومعرفة هوية المنفذ وتم ذلك من خلال افراد الأدلة الجنائية حيث استغرقت عملية تجميع الأشلاء وتكوين صورة الوجه نحو 7 ساعات طبقا لرواية أحد المتخصصين والمشرف على عملية تجميع وجه منفذ التفجير في حديث له مع الإعلامي عمرو أديب.
  • 9م، الحصول على عينة من البصمة الوراثية من احد أفراد أسرة منفذ عملية التفجير بمحافظة الفيوم والبدء في تحليلها لإجراء التطابق مع العينة الخاصة بالمنفذ وتم ذلك في ظل عدم وجود قاعدة بيانات للبصمة الوراثية لدى الأجهزة الأمنية، مما يحتم على الأجهزة الأمنية مطابقة البصمة الوراثية لمنفذ العملية مع البصمة الوراثية لأحد افراد عائلته حتي تتمكن الأجهزة الأمنية من التثبت من هوية منفذ عملية التفجير، وهو ما يعني انه بعد الساعة 6 مساء وبعد التعرف على هوية المنفذ تم التوجه الى محافظة الفيوم للقبض على احد أفراد أسرة المتهم واخذ عينة منه والقيام بعمل تحليل للبصمة الوراثية لتلك العينة 
  • 3ص، 12 ديسمبر 2016، تطابق العينة الخاصة بمنفذ عملية التفجير مع العينة المأخوذة من احد أفراد أسرته، مما يثبت هوية منفذ حادث التفجير، وهذا بإعتبار ان تحليل البصمة الوراثية يستلزم مدة زمنية لا تقل عن 6 ساعات كما اشرنا سابقا.

وكما يتضح من الخط الزمني الذي اعتمدنا فيه على روايات الأجهزة الرسمية في الدولة وبإفتراض سرعة ودقة أجهزة البحث والتحقيق انه تم التثبت من شخص منفذ عملية تفجير الكنيسة البطرسية في تمام الساعة 3 صباح يوم الإثنين 12 ديسمبر 2016.

ووفقاً لشهادات حقوقيين على مواقع التواصل الإجتماعي، فإن السيدة والرجال الثلاثة الذي أعلن السيسي في اليوم التالي للحادث عن القبض عليهم، تم القبض على اثنين منهم في نفس يوم تفجير الكنيسة الأحد 11 ديسمبر 2016 الساعة الرابعة عصراً من احد العقارات بحي مدينة نصر بمحافظة القاهرة، وهو مايعنى أن أجهزة الأمن قامت بالقبض مسبقاً على مجموعة من الأفراد (قبل أن تتعرف عليه طبقاً للخط الزمني المذكور) وقامت بربطهم بمنفذ التفجير قبل أن يتثبتوا من هوية منفذ التفجير، مما يدفعنا لإثارة سؤال محوري يحتاج الى إجابة منطقية، كيف استطاعت الأجهزة الأمنية الربط بين منفذ عملية التفجير وبين المجموعة المتهمة بالتخطيط للعملية، و كذلك بين المجلس الثوري المصري بحسب بيان وزارة الداخلية، في وقت لا يتعدى عدة ساعات ما بين الساعة الثاثة صباح يوم الاثنين 12 ديسمبر 2016 وبين الساعة الثالثة مساء نفس اليوم وقت إعلان السيسي عن هوية المنفذ والقبض على المجموعة المخططة للتفجير، وإصدار بيان وزارة الداخلية.

 

ومادفعنا لهذا التساؤل سببان:

أولا: انه ليس من الطبيعي أن يستبق رئيس الجمهورية تحقيقات أجهزة الأمن ثم النيابة العامة بالإعلان عن القبض على الضالعين بتلك الجريمة، وهو مايعني أن أجهزة الأمن والأجهزة القضائية لن تستطيع مخالفة ماذكره السيسي، وهو ما يعني أيضاً إصدار حكم مسبق بالإعدام على المشتبه بهم في حادث التفجير (هل يمكن تصور محاسبة السيسي قضائيا في حال إذا تبين أن هذه المعلومات مختلفة عما صرح به؟).

ثانياً: من المفترض بعد اكتشاف هوية المنفذ أن تبدأ التحقيقات في دائرة معارف وعلاقات المنفذ المحتملة في محافظة الفيوم، وبدء بناء شبكة من الإحتمالات تؤدي إلى تحقيقات تفضي للقبض على الخلية الواقفة وراء هذا العمل، وهو مالم يتم، بل تم القبض على مجموعة معينة، قد تكون بالفعل على علاقة بتنظيم أنصار بيت المقدس وليس بالضرورة حادث الكنيسة البطرسية، دون ارتباط واضح بمنفذ العملية.

في ضوء تبني تنظيم الدولة لحادث تفجير الكنيسة البطرسية من خلال بيان تناقلته وكالات الأنباء، وفي حالة ثبوت ذلك، يمكن النظر الى احتمالين حول حادث تفجير الكنيسة البطرسية: الأول كونها توجه مركزي من تنظيم الدولة، والثاني أنها عملية فردية أو من قبل مجموعة صغيرة في اطار استراتيجية الذئاب المنفردة التي ينتهجها تنظيم الدولة في بعض المناطق الخارجة عن سيطرته كما حدث في اكثر من حادثة سابقة في فرنسا وغيرها، وهنا يمكن ومن خلال الخط الزمني المفترض لحادث التفجير والتحقيق فيه والأسئلة المثارة التي ذكرناها سابقا، يمكن الوصول الى ثلاث سيناريوهات رئيسية فيما يتعلق بحادث تفجير الكنيسة البطرسية:

الأول: أجهزة أمنية مصرية أو غير مصرية كانت على علم مسبق بالمنفذ او المجموعة التي خططت ونفذت حادث التفجير وأن العملية قد تمت تحت سمع وبصر تلك الأجهزة الأمنية، وتم ذلك عن طريق اختراق وتوجيه الأجهزة الأمنية للمجموعة المخططة والمنفذة للعملية، وقد يعضد من هذا السيناريو، الرواية الأولى التي كانت وسائل الاعلام المصرية قد تناقلتها فور وقوع الحادث عن وجود حقيبة داخل الكنيسة هي التي تسببت في عملية التفجير وهي الرواية التي اكدتها فيما بعد شهادات بعض المصابين في حادث التفجير.

الثاني: ربما تكون الأجهزة الأمنية المصرية، دون سابق علم بها، قد لجأت تحت ضغط الغضب الشديد من حادث التفجير الى الإسراع بالإعلان عن منفذ العملية دون التحقق الكامل من شخصيته، ودون التحقق من أطراف المؤامرة التي ادعت تورطهم فيها، وهو ما يشير الى ان الشاب الذي أعلن عن أنه منفذ عملية التفجير ربما كان من المختفين قسرياً لدى الأجهزة الأمنية في الفترة التي سبقت حادث التفجير، وعند حدوث التفجير قامت الأجهزة الأمنية بقتله بصورة تماثل من يقوم بتفجير نفسه، وقامت بالقبض على مجموعة من المواطنين، والصاق التهمة بهم، كما حدث في قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني على يد أجهزة الأمن المصرية بعد اخفائه قسرياً، ثم قيامهم بتصفية خمسة شباب بزعم انهم هم الخلية التى قامت بقتل الباحث الإيطالي قبل أن يتم كشف كذب تلك الرواية فيما بعد.

الثالث: الذي يتفرع من السيناريو الثاني، هو صحة كل ما أوردته الأجهزة الأمنية حول المنفذ (وليس بالضرورة باقي أطراف المؤامرة)، ولكنها لا تزال مدانة بشكل كبير بالتقصير في توفير الحماية الأمنية الكافية لمكان شديد الحساسية وملاصق للكاتدرائية المرقسية.

 

الربط بين الإخوان المسلمون وتنظيم الدولة..رسالة النظام الى الخارج

بالرغم من فداحة الحادث، وأياً ما كان السيناريو الراجح لمن يقف وراء الحادث، إلا أن النظام المصري دأب منذ وصوله الى السلطة بعد انقلاب الثالث من يوليو على استغلال الأزمات والحوادث في ايصال رسائل مباشرة للخارج بهدف تحقيق اكبر قدر من تعزيز وترسيخ وجوده في السلطة، وهو الأمر الذي دفع النظام بعد حادث تفجير الكنيسة البطرسية الى الربط بين جماعة الاخوان وتنظيم الدولة في تنفيذ عملية التفجير، ليؤكد على الرسالة التي يرددها السيسي دائما في زياراته الخارجية وهي ان الاخوان وتنظيم الدولة وجهان لعملة واحدة بهدف استجلاب دعم وتأييد دولي لوجوده في السلطة واستمراره في القمع وإنتهاك حقوق الإنسان وإغلاق المجال السياسي نظراً لمحاربته للإرهاب.

وكانت جماعة الإخوان المسلمون وعدد من رموزها، قد ادانت حادث التفجير بشكل مباشر، في حين خرج بيان وزارة الداخلية المصرية حول ملابسات حادث تفجير الكنيسة البطرسية، محاولا الربط في تنفيذ وتخطيط عملية التفجير بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم أنصار بيت المقدس الذي بايع تنظيم الدولة الإسلامية في 2014، وهو الأمر الذي يحمل قدرا كبيرا من التناقض حيث أن هناك حالة من العداء المعلن بين التنظيمين، يعبر عنه متحدثي جماعة الإخوان دوماً بأن تنظيم الدولة والجماعات المسلحة التابعة لها لاتمثل الإسلام الصحيح وما هي إلا جماعات مخترقة، بينما يتهمهم تنظيم الدولة بالعمالة للغرب و”الردة”، وهو ماظهر في التسجيل الأخير في شهر ديسمبر 2016 للمتحدث الإعلامي لتنظيم للدولة “أبي حسن المهاجر” الذي وصف فيه جماعة الإخوان المسلمين بـ “إخوان الردة”.

كذلك خرج بيان وزارة الداخلية بالزج بأطراف أخرى مثل دولة قطر والمجلس الثوري المصري (بالرغم من وجود خلاف معروف ومعلن بين المجلس الثوري المصري ورموز كثيرة من جماعة الإخوان)، وكلاهما قد ادان الحادث.

 

تداعيات واثار الحادث

من المتوقع ان يحدث عدد من التداعيات نتيجة الحادث نفسه، أو نتيجة توظيف نظام السيسي له، وذلك على النحو التالي:

دعم وتأييد ترامب للسيسي

خلال لقاء السيسي مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في سبتمبر الماضي في مستهل دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة،  قدم ترامب وعداً للسيسي بأن يكون “صديقاً وفيّاً وحليفاً “لمصر، خاصة في حربها ضد الإرهاب، وهو الامر الذي دفع بالسيسي الى ارسال وزير الخارجية المصري سامح شكري في زيارة الى واشنطن في ديسمبر الجاري ومقابلة نائب الرئيس المنتخب “مايك بنس”، في محاولة للسعي لتحقيق عدة مكاسب سريعة فور تسلم ترامب لمهام الرئاسة في يناير 2017، حيث يسعى السيسي الى زيارات متبادلة بينه وبين ترامب، وزيادة الدعم العسكري، وتقديم المساعدات الاقتصادية التي لم يتم صرفها نقداً، واعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وتسليم المطلوبين المصريين الموجودين في الولايات المتحدة إلى الحكومة المصرية .ويبدو ان الحادث يأتي في توقيت ملائم للسيسي وفي بداية تقاطعه مع إدارة ترامب في الفترة القادمة، للتأكيد على وجود الإرهاب وطلبا لتنفيذ وعود ترامب بمساعدة مصر في حربها ضد الإرهاب مع التغاضي عن الإنتقادات في مجال حقوق الإنسان.

 

استمرار تسويق النظام للحرب على الإرهاب و الآثار المحتملة لذلك

التسويق لمحاربة الإرهاب والدخول في معادلات الصراعات الإقليمية الدائرة، هي الوسائل الأبرز التي استخدمها السيسي من اجل شرعنة وجوده وبقائه في السلطة، حيث دأب السيسي على التسويق لمصطلح محاربة الإرهاب في اغلب زياراته الخارجية واستغلال احداث العنف التي صنعها من خلال الأجهزة الأمنية او من خلال البيئة التي خلقها في ظل القمع الأمني الشديد، وهو الامر الذي يجعل السيسي دائما المستفيد الأول من احداث الإرهاب ليجعل منها المسوغ الرئيسي لإستمرار وجوده في السلطة و استمرار ممارساته القمعية.

إلا أنه على الجانب الاخر، وبإفتراض سيناريو عدم القدرة على حماية الأماكن الحساسة، فإن هذا قد يقلل من مصداقية النظام في القدرة على مواجهة الإرهاب وحماية الشعب منه، وقد يكون هذا ما دفع السيسي لسرعة الإعلان عن من سماهم المتورطين في الحادث، وما صاحب ذلك من تناقضات كثيرة في الروايات الرسمية كما تناقلته وسائل التواصل الإجتماعي، وهو ما يقلل من مصداقية هذه الروايات ويمكن اعتباراه خطأ استراتيجيا من جانب النظام، كان يمكن تجنبه إذا تأنى قليلا في التحقيق فيمن وراء الجريمة.

 

تصدير النظام لخطاب الطائفية

استدعاء خطاب العنف والأزمات الطائفية هي الوسيلة الاكثر اقناعا وتأثيرا في الغرب على وجود ارهاب حقيقي وهي الوسيلة التي يمكن ان تسكت بعض الاصوات الخارجية التي تندد دائما بممارسات السيسي القمعية، في حين تعطي مسوغا مقبولا لدى الغرب عن الاجراءات الأمنية المشددة وإنتهاكات الحريات العامة التي ينتهجها السيسي، إلا أن ذلك ايضا قد يكون سلاح ذو حدين بظهور السيسي بمظهر غير قادر على تقديم الحماية اللازمة كما أشارت الفورين بولسي.

 

تمدد سلطة القضاء العسكري و الاستثنائي

سن مجموعة من القوانين التي يمكن من خلالها سرعة محاكمة المتورطين في اعمال العنف والإرهاب وهو الامر الذي صرح به السيسي خلال حديثه اثناء تقديم العزاء في ضحايا تفجير الكنيسة البطرسية عندما طالب الحكومة والبرلمان بالإسهام في اتخاذ خطوات للإسراع من وتيرة المحاكمات، الأمر الذي دفع بعض نواب البرلمان بعد حديث السيسي مباشرة بتقديم مقترحات بتعديل قانون الإجراءات الجنائية بما يسمح بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، ويعد الهدف الرئيسي من سن تلك القوانين، هو توسيع سلطة القضاء العسكري على حساب سلطة القضاء المدني، ومن الوارد ايضا كما صرح برلمانيون وإعلاميون أن يتم تعديل قانون الإجراءات الجنائية للإسراع من المحاكمات والإدانة، من خلال دوائر خاصة بالإرهاب او بدون إتاحة حق النقض الكامل للمتهمين، وهو ما يعني مزيد من انتهاك السلطة للحريات العامة والقضاء على ما تبقى من السيادة المدنية والقضائية، وربما تشهد الفترة القادمة اتساع للمحاكمات العسكرية والإستثنائية وتنفيذ لأحكام اعدام.

 

استدعاء المؤامرة للأذهان

الوسيلة التي يخفي بها النظام اخفاقاته المتتالية في ادارة الازمات والاقتصاد المتهاوي، هي استدعاء فكرة المؤامرة والعودة للحديث عنها من جديد لتصبح الأولوية للحديث عن المؤامرة الخارجية التي تحاك ضد الوطن بمعاونة الإرهاب، والهدف المباشر هنا هو اشعار المواطن بحجم التهديدات والمؤامرات التي تحيط بالدولة في حين ان الهدف غير المباشر هو عدم الاقتراب من مساحة الحديث عن فشل وسوء ادارة النظام و ما ترتب عليه من أزمات إقتصادية وقررات كارثية.

 

التأثير على مسار الثورة المصرية

ربما تكون الثورة المصرية وقوى الثورة هي الأكثر تضررا من حادث تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية حيث ان ظهور عمليات تفجير تابعة لتنظيم الدولة داخل القاهرة سيتسبب في إنتقال المشهد المصري من مربع صراع قوى الثورة مع النظام الإنقلابي الى مربع الفوضى والحرب الأهلية والتي يبدو النظام وكأنه يدفع لها، وهو ما يدفع بسيناريوهات متعددة قد يكون اخطرها دخول بعض قوى الثورة تحت سقف النظام في معركته ضد تنظيم الدولة أو على اقل تقدير تغيير بعض قوى الثورة لمساراتها بما يتناسب مع الحادث، وكذلك الاوضاع الإقليمية والدولية المستجدة.

ومن ناحية أخرى سيعمد النظام المصري الى استغلال الحادث في الزج بالمؤسسات والرموز المعارضة والرافضه لنظامه في قضايا العنف والإرهاب، وهو إسلوب اعتاد النظام على إنتهاجه في حوادث سابقة، وهو ما ظهر بوضوح في بيان وزارة الداخلية والصحف الرسمية في محاولة الزج بالمجلس الثوري المصري في حادث تفجير الكنيسة دون الإستناد الى أدلة منطقية، ويهدف النظام من خلال تلك الممارسات الى تهميش وعزل القوى السياسية العاملة والناشطة في مسار الثورة، ويبدو أنه سيستمر في هذا المنحى.

 

إستمرار تأييد الكنيسة الرسمي للسيسي

الازمات المتلاحقة التي انتابت النظام في الفترة السابقة جعلت النظام في أمس الحاجة إلى داعميه وشركائه الأساسيين في انقلاب 3 يوليو 2013. وربما يمثل حادث تفجير الكنيسة البطرسية عودة الى دعم الكنيسة الرسمي للسيسي واستمرار تأييده بشكل اقوى من الفترة السابقة.

 

اتساع الفجوة بين مؤسسة الكنيسة والأقباط

تنامي تيار داخل الأقباط رافض للمؤسسة الرسمية للكنيسة، ورافض للممارسات النظام في نفس الوقت، ويرجع ذلك الى اكثر من أمر:

  • تنامي شعور لدى قطاع من الأقباط ان مثل تلك العمليات التفجيرية إنما هي نتاج استمرار تأييد الكنيسة للنظام الانقلابي ومعاداة التيار الإسلامي في عمومه بشكل مباشر، وإظهار الأقباط وكأنهم في جانب نظام قمعي انقلابي، مما قد يجعلهم لاحقا مستهدفين بشكل مباشر أو غير مباشر.
  • عدم وفاء السيسي بوعوده للأقباط وهو ما اتضح بشكل قوي اثناء إقرار قانون ترميم وبناء الكنائس في اغسطس الماضي، وعدم قدرته على حماية وتأمين دور العبادة.
  • الأقباط مثلهم كمثل باقي الشعب المصري، يتأثرون بالظروف الإقتصادية الصعبة ويعانون كما يعاني باقي المصريون.

وهو ما يشير الى احتمال اتساع الفجوة بين الكنيسة وبين قطاع عريض من الاقباط في الفترة المقبلة وهو الأمر الذي عبرت عنه هتافات الغاضبين امام الكاتدرائية عشية حادث تفجير الكنسية البطرسية.

 

إتساع دائرة العنف

ربما لا يعبر الحادث عن مجرد حادث تبناه تنظيم الدولة بقدر ما قد يعبر عن تغير في إستراتيجية تنظيم الدولة نحو مصر والبدء في عمليات تفجير وقتل في أماكن تجمع للمواطنين داخل القاهرة والمحافظات الأخرى، وهو ما يعني إتساع دائرة العنف بشكل يشمل جميع فئات المجتمع، وهو ما يصير أكثر احتمالاً بتصاعد الممارسات القمعية للنظام العسكري الحاكم، وإغلاق كافة منافذ العمل السياسي الديمقراطي.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close