fbpx
تحليلاتقلم وميدان

تراجع عائدات قناة السويس: الأبعاد والتداعيات الجزء الثالث

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

فى أغسطس 2014 تم الإعلان عن مشروع لعمل تفريعة جديدة لقناة السويس بطول 35 كيلو متر، بالإضافة على تعميق مسافة 37 كيلو متر، ليصبح الغاطس بها 66 قدما، مثل غاطس باقي مجرى القناة منذ عام 2010. وتم تسمية المشروع الجديد إعلاميا ورسميا بقناة السويس الجديدة، وعندما سأل السيسي رئيس هيئة القناة عن المدة اللازمة للمشروع، ورد بأنه يحتاج لثلاث سنوات، فطالب السيسي بتنفيذها فى عام واحد، مبررا ذلك بأنه حفر على الناشف أي فى الرمال.

وبحث المتخصصون الاقتصاديون عن أية بيانات عن المشروع، فلم يجدوا سوى سطور قليلة على الموقع الإلكتروني لهيئة قناة السويس، تركز على كميات الحفر الذي يتطلبه المشروع، وتصريحات رئيس هيئة قناة السويس التي تركز على أمرين لا ثالث لهما، وهما توقع بلوغ إيرادات القناة بعد المشروع الجديد، إلى 13 مليار و226 مليون دولار عام 2013، وتوقع زيادة متوسط عدد السفن المارة يوميا بالقناة إلى 97 سفينة بنفس عام 2013.

وكان الواضح أن المشروع سياسي وليس إقتصادي، حيث أن الإعلان عنه جاء بعد 11 يوما من الاحتفال السنوي بعيد قناة السويس المواكب 26 يوليو من كل عام، وفى هذا التاريخ أدلى رئيس هيئة قناة لسويس بأحاديث صحفية مطولة، لم يرد بها أي تلميح عن هذا المشروع، كما سبق إعلان مشروع التفريعة صدور خطة العام المالي الجديد 2014/2015 بنحو 35 يوما، وخلت الخطة أيضا من أي إشارة لمشروع التفريعة، كما لم يشارك وزير التخطيط بأي تصريح صحفي حول مشروع التفريعة لعدة شهور، وكذلك وزير المالية.

ومن الطبيعي أن مشروع بهذا الحجم كان يحتاج إلى دراسة قد تستغرق أكثر من عام، لكن الجنرال قال على الملأ إنه مجرد حفر على الناشف، ولا يحتاج سوى سنة واحدة، مما ورط هيئة قناة السويس فى الاستعانة بنسبة عالية من كراكات العالم للوفاء بالموعد، خاصة وأن إمكانيات الهيئة الذاتية محدودة، حيث يصل رأسمالها إلى 226 مليون جنيه فقط، أي حوالي 32 مليون دولار ولديها ثماني شركات ثلاثة منها خاسرة.

وحاول بعض المتخصصين دفع المسؤولين للتريث فى تنفيذ المشروع، خاصة أنه لا يمثل أولوية للبلاد فى ضوء المشكلات المزمنة فى التعليم والصحة والمرافق والعشوائيات وغيرها، كما أن قناة السويس تستوعب بحالتها فى أغسطس 2014 إمكانية عبور 78 سفينة، بينما المتوسط اليومي للسفن العابرة بلغ 45.5 سفينة فى عام 2013، وأن هذا المتوسط اليومي فى تراجع منذ عام 2010.

كما أن شركات الملاحة العالمية تتجه لبناء سفن كبيرة الحجم، بما يعنى توقع انخفاض عدد السفن العابرة بالسنوات المقبلة، لكنها أكبر حجما وحمولة، وكان الأجدى هو زيادة عمق القناة لاستيعاب الأحجام الكبيرة من ناقلات البترول وسفن البضائع الصب الكبيرة ذات الحملات أكبر من 240 ألف طن التي لا يسمح عمق القناة بمرورها محملة، بينما مشروع التفريعة أو القناة الجديدة يحفر ليصل إلى نفس العمق المتاح منذ عام 2010.

لكن الهوجة الإعلامية كانت أعلى من إمكانية الاستماع إلى أي رأى متخصص سواء إقتصادي أو ملاحي، وتم الإسراع فى طرح شهادات استثمار لتمويل المشروع الجديد بقيمة 60 مليار جنيه، بعد تعذر طرحها فى شكل سندات لعدم وجود شركة خاصة بالمشروع الجديد.

وكانت الفائدة المرتفعة لشهادات استثمار مشروع قناة السويس والبالغة 12%، سببا رئيسيا فى إقبال الجمهور على شرائها، فى ظل فائدة مصرفية على الودائع بلغت 7%، وهكذا أقبل كثير من المودعين على تحويل أوعيتهم الإدخارية إلى شراء الشهادات للإستفادة بفارق سعر الفائدة الكبير، وكشف عن ذلك تراجع أرصدة الودائع بالبنوك خلال شهر سبتمبر 2014، وهو الشهر الذي شهد عمليات الإكتتاب فى شهادات استثمار القناة.

بينما ظلت وسائل الإعلام وبعض المصرفيين الرسميين، والمعينين من قبل الحكومة، يتحدثون عن جلب الشهادات أموال جديدة من تحت البلاطة، ولم يتحدث أحد منهم عن تحويل الكثيرين ودائع توفير البريد الخاصة بهم البالغ سعر فائدتها 8% إلى شهادات القناة، للإستفادة بفارق الفائدة الكبير.

وكذلك فعل بعض حملة وثائق صناديق الإستثمار النقدية التي تحقق عوائد أقل، مما تعطيه شهادات استثمار قناة السويس، ونفس الأمر لحاملي شهادات الاستثمار المجموعة أ وب، وبعض حائزي أذون الخزانة.

والغريب أن طرح شهادات الاستثمار لم يصاحبه إفصاح عن المشروع أو بيانات مالية اكتفاء بالضجة الإعلامية، ليتضح للكثيرين أنه لا توجد دراسة جدوى لهذا المشروع الضخم، الذي تم فى غياب برلمان، أو حرية إعلامية تتيح لأصحاب وجهات النظر الأخرى أن يدلوا برأيهم.

وعندما كشفت احدى الصحف الاقتصادية المتخصصة سيناريو الإيرادات المتوقعة من مشروع القناة ما بين عامي 2015 و2023، نقلا عن مسئول كبير بهيئة قناة السويس، أصيب المتخصصون بصدمة، حيث فوجئ الجميع بجدول، يتوقع نمو الإيرادات بنسب عالية خلال السنوات التالية لإنشاء تلك التفريعة، تصل نسبته إلى 12.8% فى عام 2016، ثم بنسبة نمو 10% خلال السنوات التالية وحتى عام 2023، أي توقع نمو مستمر لمدة سبع سنوات بنفس المعدل المبالغ فيه.

والذي لا يتسق مع واقع التجارة الدولية خلال السنوات الأخيرة وتوقعات أدائها بالسنوات المقبلة، إضافة إلى أن تلك التوقعات للإيرادات، لا تتسق مع دراسة الجدوى لأي مشروع، حيث لابد من عمل عدة سناريوهات بديلة، تتراوح بين التفاؤل والتشاؤم، وتوقع الأثر السلبي لظروف السوق وللمنافسين على المشروع، وغيرها من العوامل الخارجية والداخلية.

ورغم تراجع إيرادات القناة بداية من شهر فبراير 2015، عن نفس الشهر من العام السابق، واستمرار هذا الانخفاض خلال الشهور التالية بلا انقطاع حتى نهاية العام، بالمقارنة بنفس الشهور من العام السابق، بسبب تراجع التجارة الدولية، وتراجع أداء الاقتصاد الصيني، والصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الأوربي.

فلم يشر أحد من الرسميين بالحكومة أو بهيئة قناة السويس إلى ذلك، سواء قبل حفل افتتاح المشروع أو خلاله فى أغسطس 2015 أو بعده، واستمرارهم فى موجة التفاؤل المرتفع لإيرادات المشروع، والتى لم تتحقق خلال الشهور الستة التالية لإفتتاحه، بل على العكس فقد تراجعت الإيرادات خلال تلك الشهور عن نفس الشهور من العام السابق.

توقعات هيئة قناة السويس لإيرادات القناة بعد التوسعة (مليون دولار)

المصدر – جريدة المال نقلا عن مسئول كبير بالهيئة

وتعرض الرأي العام لعملية تضليل خلال تناول مشروع التفريعة، من خلال اعتبارها قناة سويس جديدة، رغم أنها مجرد تفريعة سبقها ست تفريعات، بل إنها أقل طولا من تفريعة بورسعيد التي تمت عام 1980 بطول 1ر40 كيلو متر، كما تم الخلط بين مشروع التفريعة ومشروع محور قناة السويس، بالزعم بتشغيل مشروع التوسعة مليون مواطن، بينما كان عدد العاملين بتنفيذ التفريعة حوالي 40 ألف شخص، كعمل مؤقت انتهى بإنتهاء المشروع.

أيضا الزعم بخفض مدة العبور للسفن إلى 11 ساعة، بينما السرعة المقررة للسفن المارة بالقناة تتراوح ما بين 14 كيلو متر بالساعة لناقلات البترول، و16 كيلومتر بالساعة للسفن العادية، بما يعنى حاجتها إلى ما بين 12 إلى 14 ساعة للمرور فى حالة عدم التوقف.

كما تم الزعم بإنهاء التفريعة عملية انتظار السفن، وهو غير صحيح حيث تم الإعلان رسميا عن خفض مدة الانتظار إلى ثلاث ساعات بعد تنفيذ التفريعة السابعة، وليس إلغاءها، كذلك الزعم الخاطئ بتحول السير بالقناة إلى مسارين متوازيين فى نفس الوقت.

فى حين مازالت هناك عشرات الكيلومترات من القناة بعد التفريعة السابعة، تحتاج إلى حفرها كي يكون المسار بها ثنائي الإتجاه، بل أن بيانات هيئة القناة نفسها وبعد تنفيذ التفريعة السابعة، تشير إلى أن أطوال المسافات المزدوجة أصبحت 113 كيلو متر، من إجمالي 193 كيلو متر للقناة.

وواكب ذلك عملية تعتيم على تكاليف مشروع التفريعة، رغم أنه حق طبيعي لحائزي شهادات استثمار القناة وللرأي العام، وتوضيح ما حصلت عليه الشركات الأجنبية التي تم الاستعانة بها لإنجاز المشروع، بالموعد المحدد بعد ظهور المياه على أعماق قريبة من سطح الأرض منذ بدايات الحفر.

حيث تردد أنه تم الاستعانة بنسبة 75% من كراكات العالم، وانحصر الأمر فى تصريح صحفي مقتضب لرئيس هيئة قناة السويس عن بلوغ تكلفة التفريعة 21 مليار جنيه فى تصريح له بجريدة الأخبار عدد 16 أكتوبر 2015، بينما كانت له تصريحات تلفزيونية فى 15 أغسطس 2015 أن التكلفة 3.2 مليار دولار، أي حوالى 25 مليار جنيه، لكنه عاد فى جريدة المصري اليوم عدد 28 فبراير 2016 يذكر أنها 19 مليار جنيه، وذكر وزير الاستثمار أشرف سالمان فى جريدة أخبار اليوم فى 27 فبراير 2015 أن التكلفة 22 مليار جنيه، بينما ذكر مصرفيون أرقاما أعلى، كما أصيب الرأي العام بالحيرة عندما سمع عن قروض دولارية، اقترضتها هيئة القناة من البنوك جاء بعضها بعد تنفيذ التفريعة.

ويضاف إلى تكلفة إنشاء القناة، فوائد شهادات استثمار القناة، والتى تبلغ 680ر7 مليار جنيه سنويا، تم سداد فوائد أكثر من عام لها، وهي الفوائد التي ستتحملها الخزانة العامة فى حالة عدم تحقيق القناة طفرة فى الإيرادات، حيث تصل قيمة الفوائد فى السنوات الخمس، التي تمثل مدة شهادات استثمار القناة 4ر38 مليار جنيه.

بما يضيف أعباء إضافية للخزانة العامة، المصابة بالعجز المزمن منذ سنوات طويلة، بما يعنى تغطية الفوائد عمليا من خلال زيادة الدين الحكومي، الذي بلغ بنهاية سبتمبر 2015 نحو 2012 مليار جنيه.

وكانت شهادات الاستثمار التي تم طرحها نوعين، نوع صدر بفئات عشر ومائة جنيه وفئة بقيمة ألف جنيه، إلا أن كل فئة اختلفت فى التعامل معها رغم توحيد الفائدة لكل منهما، فالشهادات ذات العشر وذات المائة جنيه، عائدها تراكمي يتم صرفه بنهاية مدة الشهادات البالغ خمس سنوات، ولا يمكن لحملتها الخروج من ملكية الشهادات طوال مدتها، كما لا يجوز لهم الاقتراض بضمانها.

أم النوع الثاني من الشهادات فئة الألف جنيه، فيمكن بعد عام من الشراء استرداد قيمتها، كما يمكن الاقتراض بضمانها، ونظرا لصدور شهادات ادخارية بالبنوك العامة وبعض البنوك الخاصة فى نوفمبر 2015، بعائد 5ر12، و75ر12% أي أكثر من عائد شهادات القناة البالغ 12% فقط.

وكذلك رفع فائدة شهادات الاستثمار ذات العائد الدوري إلى 75ر12%، فإن المشترين شهادات استثمار قناة السويس من فئة عشر جنيهات ومائة جنيه، لا يمكن التحول إلى تلك الأوعية الجديدة الأكثر فائدة وعليهم الإنتظار حتى انتهاء عمر الشهادات.

ولم يقتصر الغموض على معرفة تكلفة التفريعة السابعة، وامتد ذلك الغموض إلى حجم الدور المصري فى الإنشاء للتوسعة للقناة، حيث تم تقسيم العمل بتكريك التوسعة إلى ست مناطق، والإعلان من قبل رئيس الوزراء إبراهيم محلب، عن تقسيم تلك المناطق المطلوب تكريكها بين عدد من الشركات الأجنبية.

أبرزها تحالف التحدي الذي قادته شركة الجرافات البحرية الوطنية الإماراتية بالتعاون مع شركتين هولنديتين، هما: فاون أورد وبوسكاليس وشركة بلجيكية هي جان دى نول بقيمة 5ر1 مليار دولار للشركات الأربعة بواقع 375 مليون دولار لكل شركة من الشركات الأربعة، وتحالف آخر يضم شركة أمريكية هي: ليكس وشركة بلجيكية هي ديمى.

فبعد انتهاء إنشاء التفريعة وجدنا إعلانات صحفية من شركة الجرافات البحرية الإماراتية تتحدث عن قيام تحالفها مع الشركتين الهولنديتين والشركة البلجيكية، بحفر القناة الجديدة – حسب التسمية الرسمية -بطول 35 كيلو متر وعمق 24 مترا وعرض 317 متر، فهل كان دور التحالف الآخر المكون من شركتين أمريكية وبلجيكية وكراكات قناة السويس هو التكريك لمسافة ال 37 كيلومتر الأخرى فيما بينهم؟

وكان رئيس الاتحاد المصري للتشييد قد أشار إلى مشاركة نحو 350 شركة مقاولات مصرية فى مشروع القناة، تضمنت كافة الفئات المتنوعة للمقاولين من الفئة الثالثة وحتى السادسة، وتوزعت الشركات ما بين 98 شركة شاركت فى أعمال حفر القناة الجاف، و113 شركة عملت فى التجهيزات النهائية للافتتاح ما بين رفع كفاءة الطرق والمهبط الخاص بالقناة، و121 شركة مقاولات فى أعمال تبطين الجوانب الرئيسية للقناة.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close