fbpx
قلم وميدان

تصفية محمد كمال قراءة تحليلية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

شكل تصفية الدكتور محمد كمال صدمة لبعض أفراد جماعة الإخوان المسلمين خصوصاً بعدما أعلنت جرائد تابعة للنظام المصري مساء الإثنين 3 أكتوبر 2016 عن القبض عليه هو ومرافق له، قبل أن يتم الإعلان رسمياً عن تصفيته من قبل الأجهزة الأمنية، وبينما تم تحويل دفة الغضب داخل الصف الإخواني لتصب في صالح تأجيج صراع الأجنحة داخل الجماعة بدل من حزم المواقف أو الغضب لدماء المغدورين، بينما كنت اتابع هذا كان يهمني تتبع كيف وصل جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا) إلى الدكتور محمد كمال؟ ، عشرات الرسائل والمعلومات كنت قد ربطت بعضها قبل الحادثة بأسبوع والتي كانت تشير الى أن الأمن في طريقة للقبض على شخصية كبيرة داخل الاخوان، ولكن كيف بدأت الرحلة الأخيرة لجهاز الأمن الوطني للوصل للدكتور محمد كمال؟

الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر 2016، بداية الملاحظة:

على غير العادة بدأت رسائل الإختفاء القسري تردني من أهالي المختطفين بشكل كثيف لم أعتاد عليه منذ عام، شباب تم توقيف سيارته وانزالهم منها وخطفهم من قبل عملاء الأمن الوطني في المنوفية، شباب يتم اختطافهم من محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ومرسي مطروح، في البداية كان ظني ان عمليات الإعتقال التى تمت بمحافظة المنوفية مابين ايام 15 و 21 سبتمبر هيا في اطار محاولة الوصول لمعلومات عن من قام بعملية كمين العجيزي والتى قتل بها أفراد أمن لوزارة الداخلية، وان اعتقالات محافظة القاهرة و الجيزة في إطار محاولة الوصول لمعلومات عن من قام بعملية استهداف علي جمعة رجل الدين الأول للنظام العسكري المصري الحالي، ولكن بعد فترة كانت كمية الإعتقالات وتنوعها على الكثير من المحافظات ولشباب لم يكونوا مطاردين بل بعضهم كان يقضي عطلة الصيف في مرسي مطروح والإسكندرية، أثار ريبتي.

 

الأسبوع الرابع من شهر سبتمبر 2016، من الهدف:

كان هذا الأسبوع بداية النهاية، بعد قيامي بربط خمسة حوادث اختطاف قام بها عملاء الأمن الوطني في ثلاث محافظات “القاهرة، الإسكندرية، مرسى مطروح” لاحظت ثلاثة أشياء، أولاً أن الشباب المختطفين بعضهم ينتمون لعائلات واحدة، وهذا في أكثر من حالة، ثانياً أن جميع الشباب هم طلبة جامعات والقلة منهم هم حديثي التخرج، ثالثاً إنهم جميعاً ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين أو محبين لها، كان تحرك جهاز الأمن الوطني بهذا التنسيق الكبير و بتلك الفاعلية تعني أن المسألة أكبر عنده من مسألة كمين العجيزي ومحاولة أغتيال علي جمعة، ومع ربط ملاحظاتي السابقة ببعضها البعض، علمت أن الأمن يسعي إلى الوصول إلى شخصية كبيرة ولكنه يسعي في سبيل ايقاعها أن يصل بأي ثمن لإعتقال إحدى القيادات الوسطي مما قد تكون تتواصل معه.

الإثنين 26 سبتمبر 2016، المحطة قبل الأخيرة:

رسائل تأتيني على الخاص بأعتقال أحد الأشخاص واسمه الأستاذ/ محمد السعيد، كان الملاحظ بشكل بشخصي لي أن من أرسل لي هذه المرة اشخاص من جماعة الإخوان أو محبيهم ليسوا معتاد أن يرسلوا لي، وكانت الملاحظة الثانية أن كثير من المعروفين من ابناء الجماعة قد كتبوا عن حادثة اختفائهوهم نادراً ما يكتبوا عن حوادث الإختفاء القسري بهذا الشكل الشخصي، ما لايعلمه كل من قام بهذا النشر بهذه الشكلية أنه قد جعلني وبالتأكيد جعل غيري يلاحظ أنه بالتأكيد أن الأستاذ محمد السعيد شخص مسئول أو قيادي، تتبعت حادثة اعتقاله ولاحظت عدة اشياء: أولاً أنه قد تم اختطافة بشكل غير معتاد حيث كان يصطحب ابنائه وتركهم كي يأتي بأشياء لهم فتم خطفه أثناء ذلك، ثانياً  وحسب ماتوصلت إليه أنه تم وضعه في سيارة خاصة وبدأ تعذيبه فوراً لإنتزاع معلومات منه وهو أمر غريب نادر الحدوث أن لا ينتظر عملاء الأمن الوطني حتى الوصول لمقراتهم، ثالثاً أن يتم رصد الإتصالات التى ستتم بعدها بساعات قليلة ليتم اعتقال شخصين آخرين وهم الأستاذ اسلام عبد الله، والدكتور أحمد سيف، بينما اعتقال الأستاذ/ حسن خطيري الذي ذهب لإرجاع ابنة و ابن الأستاذ محمد السعيد لمنزلهم بعد ان تم خطف والدهم، ولكن أمن الدولة طارد السيارة وقام باعتقالهم جميعا قبل ان يتم اطلاق سراح ابنائه هاجر والسّعيد برميهم في الطريق.

كان استنتاجي اللحظي بالربط بما سبق أن ذكرته، أن يكون أحد الثلاثة هو مسئول العمل الطلابي أو لجنة منبثقة عنه داخل جماعة الإخوان المسلمين، قمت بالإتصال بصديق لي من جماعة الإخوان فأكد لي ذلك، وتم بالفعل بعدها إعلان أن الأستاذ محمد سعيد أحد مسئولين رصد الإنتهاكات ضد الطلاب بجماعة الإخوان المسلمين، كان من الواضح أن الأستاذ محمد سعيد من الجناح الرافض للسياسات الداخلية لمجموعة الدكتور محمود عزت، وبهذا أصبح يقيني أن الأمن يبحث الآن عن الدكتور محمد كمال، وأن هناك قرار سيادي قد تم اتخاذه بوجوب الوصل إليه والتخلص منه ومن هذا الجناح الذي أصبح يراه النظام يشكل نواة تهديد حقيقي قد تكبر وتشكل له أزمة تهدد عرشه على المدى المتوسط، وهو ما دفعني الى مراجعة أحد الأصدقاء وأخبرته بضرورة أن يأخذ الإخوان حذرهم وأن الجهاز الأمني يبحث عن اعتقال اهداف محددة وسيتم تصفيتهم في الأغلب.

الإثنين 3 أكتوبر 2016، المحطة الأخيرة:

قد مر الآن أسبوع بالضبط على اعتقال الأستاذ محمد السعيد، والأستاذ اسلام عبد الله، والدكتور أحمد سيف، لم يكن يعلم الجميع كيف سينتهي اليوم، رسالة تردني على الخاص من شخص مجهول يسكن بمنطقة المعراج بحي البساتين بمحافظة القاهرة تفيد بوجود حركة غريبة لسيارات مدنية وانه يعتقد أنهم حملة للأمن الوطني لإعتقال واخفاء أشخاص وانه تم قطع الكهرباء على الأقل من الشارع الذي يسكن فيه، بعدها بساعات أعلن محمد منتصر المتحدث بإسم جماعة الإخوان المسلمين جناح دكتور محمد كمال، عن انقطاع الإتصال بالدكتور محمد كمال وأنه يحذر من أي محاولة لتصفيته أو تعذيبه، ليعلن بعدها موقعي الشروق واليوم السابع قرب الساعة العاشرة والنصف مساء عن “تمكن أجهزة الأمن المصرية من إلقاء القبض على القيادي عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين محمد كمال، الذي يتزعم جبهة القيادة الشبابية المناؤة لجبهة القائم بأعمال مرشد الجماعة دكتور محمود عزت وهذه احد روابط الخبر هنا، انتشر الخبر وهدأت نفوس البعض حتى أن أحد الأصدقاء قال لي انه طالما تم اعلان القبض عليه فلن يقوموا بتصفيته، قلت له ظنى أنه سيقتل، لم تمضي ثلاث ساعات حتى عادت المواقع الإخبارية لنشر خبر تصفية الدكتور محمد كمال ومرافقه الأستاذ ياسر شحاته، ومن هذه المواقع موقع اليوم السابع على الرابط هنا.

وبينما كان من المتوقع أن يشتعل الصف الداخلي لجماعة الإخوان المسلمين بعد هذه الحادثة، تم تحويل دفة الغضب لصالح الصراعات الداخلية مما استنزف تلك الطاقة وجعل الحادثة تمر بعد عدة أسابيع كحادثة عادية، ولكن الآن كيف وصل أمن الدولة للدكتور محمد كمال في ظل اختفاء الرجل منذ شهور كثيرة وصعوبة الوصول اليه؟ وكيف كانت المحطة الأخيرة؟ وهل هناك حوادث مشابهة تم استخدام فيها نفس التكتيكات للإيقاع بأشخاص هامة بالنسبة للأنظمة؟

في 7 يونيو 2006، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن نجاحها في مقتل المطلوب الأول لديها بالعراق أبو مصعب الزرقاوي، بتتبعي للحادثة في حينها لاحظت أنهم لم يستطيعوا للوصول لشخص الزرقاوي نظراً لحرصه الأمني ولكنه رصدوا أحد مساعديه ومن خلال تتبعه تم التوصل لمكان الزرقاوي وقد كانت نسبة وجوده في المكان نسبة كبيرة (وهي نسبة تخمينيه) فتم اتخاذ قرار القصف.

في 2 مايو 2011، أعلن البيت الأبيض نجاحه في مقتل المطلوب الأول للولايات المتحدة الأمريكية في العالم وهو أسامة بن لادن في إحدى بلدات أفغانستان، بعد فترة ووفق ماتم كشفه من معلومات تم انتاج بعضها في فيلم هوليودي، كان الحديث أن طرف الخيط قبل الأخير كان برصد أحد مساعدين بن لادن وتتبعه.

لماذا أحكي تلك القصتين؟..في ابريل 2014 وأثناء وجودى في مصر وتوثيقي لشهادة أحد المختفين قسرياً، ذكر لي أن جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة) قد تطورت آلياته ولديه أجهزة مثل الـ (Tablet ) كمبيوتر لوحي محمول في اليد، يقوموا من خلالها رصد المكالمات الشخصية للهدف المطلوب والتحرك وراء الإشارة وتتبعها من جهاز ضابط أمن الدولة الذي يتحرك مع قوة خاصة في سيارة واحدة أو عدة سيارات متفرقة حسب أهمية الهدف، ويتيح لهم الجهاز الوصول للشخص المطلوب مهما تحرك بشرط أن يكون مازال يتحدث في الهاتف أو مازال هاتفه يعمل ومتصل بالشبكة، هذه المعلومة سجلته منه حينها وأضفتها لمعلومة كانت لدي عن قيام شركات الإتصالات في مصر المحمول والأرضي بإعطاء جهاز الأمن الوطني تسجيلات سابقة لأي شخص يطلب ضباط الجهاز الحصول على مكالمة له، وشرح لي أحد المهندسين بتلك الشركات حينها أن الغرض من ذلك هو الحصول على البصمة الصوتية للشخص لتتبعها والقبض عليه مهما قام بتغيير هاتفه، حيث يتم تتبع بصمة صوته أيا يكن الهاتف الذي يتحدث منه.

إذن الآن دعونا نضع كل المعطيات بجوار بعضها البعض:

  1. كان من الواضح أن دكتور محمد كمال قد تم تأمينه بشكل شخصي بشكل كبير.
  2. هناك رغبة واضحة وصريحة ومعلنه من النظام المصري في تصفية الجناح التابع لدكتور محمد كمال.
  3. من الواضح أن الشريحة الأكبر المتأثرة بخطاب وسياسات دكتور محمد كمال هي شريحة الطلبة وخصوصاً طلبة الجامعات.
  4. إذن ايضاً هذا يعني أن المسئولين عن تلك الشريحة العمرية داخل الجماعة جزء منهم على الأقل تابع للدكتور محمد كمال.
  5. من وجهة نظر الأمن أصبح الدكتور محمد كمال هو رأس الأفعي وبضرب رأسه يمت جسد الأفعى تلقائياً.
  6. للوصول إلى دكتور محمد كمال، قرر الأمن بشن حملة اعتقالات موسعة تستهدف طلبة الجامعات، خصوصاً بعد احراج جهاز الأمن الوطني بأكثر من عملية تستهدف رموز للنظام.
  7. من الواضح أن أحد الأغراض الرئيسية للتعذيب كانت للوصول لأحد مسئولين العمل الطلابي من القيادات الوسطى أو الأعلي من داخل جناح دكتور محمد كمال.
  8. بتاريخ 26 سبتمبر نجح الأمن في الوصول لبعض تلك القيادات، ويبدوا أن تعذيبهم قد أوصل الأمن لخيط أن أحد المقربين من الدكتور محمد كمال هو الأستاذ ياسر شحاته.
  9. كان على الأمن الآن الحصول على البصمة الصوتية للأستاذ ياسر شحاته وتتبعه من خلالها، وتحديد أقرب الإحتمالات التي سيتواجد فيها مع الدكتور محمد كمال.
  10. كان الجهاز الأمني يدرك أنه في صراع مع الزمن خصوصاً أنه بالتأكيد ستكون هناك محاولات تغيير مكان الدكتور محمد كمال أو نقله، ولكن كان يعلم أن هذا يعنى أن هناك اتصالات يجب أن تتم لسرعة اجراء هذا الفعل وخصوصاً في ظل الضغط الذي يمارسه الأمن، كان الأمن من وجهة نظري ينتظر خطأ واحد يتمثل في مكالمة لمن يتتبع بصمتهم الصوتية.
  11. وفق رواية زوجة الأستاذ ياسر شحاته، فمن الواضح أن الأستاذ ياسر شحاته كان يجري مكالمة هاتفية عندما استطاع الأمن الوصول لمنزله.
  12. من الواضح أنه قد تم استخدام تقنية البصمة الصوتية لتتبع الهدف مع اجهزة تتبع كانت برفقة الضباط في سياراتهم لرصد مكان الهدف بدقة.
  13. تم تصفية الهدف، كما تم تصفية محمد كمال السنانيري من قبل، وسيد قطب، وحسن البنا، وإن اختلفت الوسائل والآليات.

إذن ما الغرض من تلك الضربة الأمنية:

الغرض الرئيسي هو ضرب عصب جناح دكتور محمد كمال عن طريق تصفية مركز الثقل القيادي المعنوي، واعتقال أكبر عدد ممكن من العصب القيادي الميداني أو الحركي، هذا في أطار إصابته بالشلل وخفض الفاعلية لأدنى مستوى ممكن، وهو بلاشك يصب في صالح النظام المصري العسكري ويقلل من فرص تشتته بين أكثر من عدو قائم ومحتمل في ظل فشل اقتصادي وانتهاكات حقوقية وحنق وسخط شعبي متصاعد، يهدد نظام الحكم القائم.

ختاماً: وبينما كانت الدماء تسيل من رأسي الدكتور محمد كمال ومرافقه الأستاذ ياسر شحاته في تلك الشقة الكائنة بالعقار رقم 4147 بالدور الثالث بمنطقة المعراج علوي بحي البساتين بمحافظة القاهرة، بعدما تم إطلاق الرصاص على رأسيهما بدم بارد، كان هناك العشرات بل قد يكون المئات من الشباب يتم تعذيبهم داخل مقرات الإحتجاز السري في جميع مقرات الأمن الوطني بمصر في إطار خطة عاجلة لتصفية كل مظاهر الثورة الفعالة ضد النظام العسكري المصري الحالي.

وبين الدماء وتعذيب الكهرباء، هناك الكثير من الدروس والعبر يجب أن نتعلمها، كما أن هنا الكثير من العزائم يجب الأخذ بها، ولكن هل هذا ما يحدث؟ وهل هذا ما ينشغل به كل من يقرأ هذه الكلمات الآن؟ سؤال إن كانت إجابته سلبيه، فعلى كل فرد منا دور كي يحول تلك الإجابة السلبية لدور فعال إيجابي.

من أجل احلام الراحلين، واحلام أطفالنا في غد أفضل

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close