fbpx
أسيا وافريقياالمشهد الإقليمي

تطورات المشهد الافريقي 16 أغسطس

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تطورات المشهد الإفريقي، تقرير نصف شهري، يصدر عن إدارة الرصد والتوثيق بالمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، يتضمن رصداً لأهم تطورات المشهد الافريقي، سواء فيما يتعلق بدول القارة وتفاعلاتها البينية أو علاقاتها الدولية، وتداعيات هذه التطورات على الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في القارة، مع التركيز على انعكاساتها على القضايا المصرية وتفاعلاتها الأفريقية، وذلك خلال الفترة من 1 إلى 15 أغسطس 2016.

أولاً: تطورات المشهد الإثيوبي:

تظاهرات ضد الحكومة الإثيوبية واعتقال العشرات من الأورومو (اليوم السابع) أثيوبيا.. اندلاع المظاهرات مجدداً واشتباكات عنيفة وسقوط قتلى (موقع مصر وطنى)

 تظاهر العشرات من جماعتي الأمهرا والأورومو في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا، حيث أفادت العديد من وكالات الأنباء بتجمع أكثر من 500 متظاهر في ساحة ميكسل في قلب العاصمة الإثيوبية، وذلك احتجاجاً على سياسة الحكومة الإقصائية تجاه أكبر جماعتين في الدولة وعمليات التهميش وانتزاع الأراضي المملوكة لجماعة الأورومو لدخولها في مشروع توسيع العاصمة، الأمر الذي أدى الى تصاعد الاحتجاجات في الدولة بعد اعتقال العديد من النشطاء السياسيين والمدنيين المنتمين لتلك الجماعتين.

ردد المحتجون هتافات مطالبة بالحرية والإفراج عن المعتقلين في سجون النظام، وهو ما أدى لقمع الشرطة هذه التظاهرات خاصة بعد تصريح رئيس الوزراء الاثيوبي هايله ماريام ديسالينغ بحظر التظاهرات، والسماح للشرطة باستخدام كافة الوسائل اللازمة لمنعها.

مما أدى إلى مقتل أكثر من 7 متظاهرين على الأقل في نيميكتي ووليغا غرب البلاد وهي منطقة تقطنها غالبية الأورومو، فضلاً عن اعتقال عشرات الأشخاص في العاصمة، ويأتي ذلك بعد مقتل أكثر من 90 شخصاً في يومين فقط في ديسمبر الماضي على إثر اشتباكات بين الشرطة والمحتجين في شمال وغرب وسط اثيوبيا (يورو نيوز) ومقتل أكثر من 400 شخصاً منذ نوفمبر 2015، وحتى يونيو 2016 (رويترز).

وهو ما دعى الأمم المتحدة بمطالبة مراقبة الوضع في إثيوبيا، حيث دعى المفوض السامى للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين إثيوبيا إلى السماح بمراقبة الوضع داخل منطقتي تمركز الأورومو والأمهرة التي شهدت عمليات الاقتتال، خاصة بعد الشك في مدى مصداقية الحكومة في تحقيقها للأوضاع (العروبة نيوز)، بعد استخدامها للأسلحة والذخيرة والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين (رويترز).

لم تكن تلك التظاهرات هي الأولى وإنما هي امتداداً لاحتجاجات واسعة النطاق وصلت إلى أوج ذروتها في أواخر يوليو 2016 ، حيث تظاهر نحو نصف مليون إثيوبي بشوارع “جوندر” بمنطقة “أمهرة” شمال إثيوبيا، وقُتل على أثارها قرابة 125 شخصًا، من طائفة الأورومو وإصابة المئات، ويرجع ذلك إلى العديد من السياسات المتجذرة التي اتخذتها الحكومة الاثيوبية التي تمثلها أقلية التيجراي ضد قبيلتي الأمهرة والأورومو التي تمثل أغلبية الشعب الإثيوبي على مدار عقود من الزمان تمثلت في التهميش والحرمان من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان آخرها انتزاع الأراضي المملوكة لمزارعي الاورومو لدخولها في توسيع العاصمة خاصة بعد انتزاع أجزاء من أقاليم تلك المناطق لإقامة سد النهضة مما أدى إلى تصاعد العنف والاحتجاجات في البلاد من قبل المعارضة (المصريون).

خاصة وأن هذه القبائل تشكك في مدى أهمية بناء السد بالنسبة للدولة التي تكبدت العديد من إمكاناتها لتمويله على حساب دعم المواطن الاثيوبي، والقول أن بناءه لا يجلب للشعب التنمية المرجوة باعتبار أن الدولة لديها العديد من المصادر المائية التي تستطيع استغلالها لتوليد الطاقة الكهربائية، وبالرغم من النمو الاقتصادي الاثيوبي الذي وصل الاعلى على مستوى الاقتصاد الأفريقي بمعدل بين 11-12% بحسب بيان البنك الدولي، إلا أن ثلث سكان الدولة يعيشون تحت خط الفقر، من ثم أصبحت سياسات الحكومة التعسفية تجاه حقوق أغلبية الأورومو مسارا للعنف بين الجانبين.

ليضعنا هذا الأمر أمام عدة اعتبارات هامة:

1ـ احتمالية استمرار تصاعد العنف بين الحكومة وقوات المعارضة لاسيما حركة تحرير الأورومو المسلحة التي أعلنت في وقت سابق استعدادها للحراك المسلح لمواجهة الحكومة الإثيوبية لاسترداد حقوقها، وهو الأمر الذي أدى إلى رجوع الحكومة عن مشروعاتها الكبيرة والمعتمدة على أراضي الأورومو، إلا أن ممارسات الحكومة بشأن عمليات القمع والاعتقال تنذر بعودة المواجهات المسلحة في الأجل القريب.

2ـ التدخل الدولي والعلاقات الإثيوبية الغربية كان لها الدور الكبير في إعطاء شرعية لحكومة التيجراي بمواصلة قمعها لأغلبية الأورومو وحرمانها من حقوقها وهو ما دعى الحكومة الإثيوبية بعدم الاهتمام بمطالبة الأمم المتحدة بمراقبة الوضع بعد عمليات الاقتتال في الشهور الماضية.

3ـ هناك رؤية لدى الحكومة الإثيوبية بضلوع الدول العربية لاسيما المخابرات المصرية في التظاهرات التي اجتاحت العاصمة ودعم المعارضة الإثيوبية، لتدمير مشروع سد النهضة، وذلك لتشكيل جبهة خارجية تهدف إلى تصدير صورة ذهنية مفادها خطورة تلك التظاهرات على المشروعات القومية لدى الدولة وهو ما يتيح استمرار أعمال القمع.

ثانياً: تطورات المشهد في جنوب السودان:

جمهورية جنوب السودان: كيف تحول رفقاء النضال إلى فرقاء الصراع؟ (قراءات أفريقية) وقرار أممي بنشر “قوة حماية إقليمية” بجنوب السودان (الجزيرة نت) وتجدد الاشتباكات في جوبا عاصمة الجنوب (العربية).

تحول الوضع في جنوب السودان إلى حرب طاحنة بين قبائله وتناحر على السلطة بين رئيس الجنوب سلفاكير من قبيلة الدنكا ونائبه رياك مشار من النوير، وهما أكبر قبيلتين في الجنوب، خاصة بعد عزل الأخير من منصبه عام 2013 على إثر محاولة الانقلاب العسكري، لتعيش الدولة الجديدة في ظل حروب أهلية وإبادة جماعية من الطرفين، مع تفاقم للأوضاع الإنسانية، والاقتصادية، والمعيشية.

ففي 2013، أعلن سالفا كير خلع نائبه مشار واتهمه بالتخطيط للانقلاب عليه، في حين اضطر مشار للخروج بقواته من جوبا وبدأ حربًا أهلية لمواجهة ما وصفه محاولات تهميش النوير، وإبعادهم عن السلطة. وبالرغم من نجاح الوساطات الدولية والإنذارات الغربية في وقفها باتفاق سلام بين الجانبين قضى بعودة مشار لمهام منصبه السابق كنائب أول للرئيس. إلا أن الحرب استمرت بشكل أكثر خطورة مع تدخل أطراف أقليمية ودولية لاسيما الدور الأثيوبي الذي يطمح بتصاعد نفوذه الإقليمي من خلال التدخل العسكري في الجنوب.

تلاها التصارع الإقليمي ممثلاً في الدور الأوغندي والكيني والرواندي أيضاً، حيث يهدف “بول كاغيمي” لامتداد النفوذ الرواندي من شرق الكونغو إلى السودان، خاصة بعد الاتجاه نحو التنمية الاقتصادية والتي أدت إلى اتخاذ روانداً نمطا مغايراً عن فترات الحرب الأهلية التي عانت منها عقوداً طويلة منذ التسعينيات.

من ثم أصبح جنوب السودان أحد أهم الأوراق السياسية التي تتلاعب عليها القوى الإقليمية، (وهو ما اتضح مع الاتجاه نحو فرض قوات إقليمية في الدولة، حيث أطلقت قمة الاتحاد الأفريقي– التي عقدت في كيجالي – رواندا- في الأسبوع الثاني من يوليو 2016 قرارها بـإرسال قوات إقليمية إلى جنوب السودان، تضم قوات من أوغندا وكينيا والسودان ورواندا وإثيوبيا، وبـسلطات أقوى، ويبلغ عددها أكثر من 12 ألف جندي، وهو ما يزيد الوضع سوءاً بعد رفض حكومة جنوب السودان لها، ويعزز من تفاقم الأوضاع الإنسانية بعد احتمالية المواجهات الضارية بين القوات التابعة لسلفاكير والقوات الإقليمية (سودان أون لاين).

وتم إعادة طرح نشر قوات إقليمية قوامها 4 آلاف شخص لضمان السلام في جوبا بناء على طلب من الولايات المتحدة الأمريكية وفرض حظر على السلاح وتوريده إلى الجنوب وهو ما تم الموافقة عليه من قبل 11 عضوا في مجلس الأمن مقابل امتناع أربعة وهم روسيا والصين ومصر وفنزويلا. وبالرغم من رفض الحكومة بهذا القرار في البدء إلا أنها وافقت عليه في النهاية في ظل تصاعد العنف وفقدان سيطرة سلفاكير ونائبه السابق على الوضع الأمنى في الدولة بعد فشل التهدئة، مع إعلان أوغندا رفضها المشاركة في القوة الإقليمية ليكون عمادها كلاً من كينيا وإثيوبيا وروندا.

ليزداد الوضع توتراً واستمرار أعمال الاقتتال بين أتباع سلفاكير ورياك مشار خاصة بعد هروب الأخير في خضم المعارك الدامية، وتعيين سلفاكير نائباً جديداً له خلفاً لخصمه، وهو “تابان دنغ غاي” وزير المعادن، والذي عرف باختلافه مع رياك مشار، حيث تضمن مرسوم أصدره كير وبثته الإذاعة الوطنية تعيينه نائباً جديداً خلف النائب الأول (فرانس 24).

وهو ما أكد عليه المتحدث باسم مشار والذي وصف هذا التطور بأنه “مؤامرة” لإبعاد مشار، وأوضح أن الأخير “عزل” لأنه تفاوض بشكل منفرد مع الرئيس سلفاكير، وقال إيزيكال غاتكيوث رئيس أركان القوات المتمردة التابعة لمشار إن دنغ غاي سيشغل هذا المنصب حتى عودة مشار لجوبا. (أخبار العالم).

وبالرغم من عودة الهدوء بشكل نسبي إلا أن المناوشات عادت من جديد ليل 13 وصباح 14 أغسطس حيث أعلن متحدث باسم المعارضة عن تجدد الاشتباكات بين القوات الموالية لسلفاكير والميليشيات الموالية للمعارضة في منطقة جنوب غربي العاصمة تسمى “ياي” تقع على الحدود بين جوبا وأوغندا، فيما صرح المتحدث بأن الحكومة هي السبب في تجدد الاشتباكات.

ويضعنا تدهور الوضع في جنوب السودان أمام عدة اعتبارات أهمها:

1ـ فشل حكومة سلفاكير في احتواء الازمة السياسية في البلاد بعد انفصال الجنوب، مع الفشل في تحقيق التنمية الاقتصادية، وتلبية ولو الحد الأدنى من متطلبات المواطن والذي تكبد العناء من أجل الحصول على حياة أفضل في ظل الانفصال.

2ـ انهيار الأوضاع في الجنوب سيصبح نقطة لصالح سياسة الشمال السوداني فيما يتعلق بأحداث هجليج وأبيى وجنوب كردفان وجبال النوبة وغيرها. باعتبار أن الدولتين تسعيان إلى إثبات الوجود، وفرض الأمر الواقع، وامتلاك أوراق للضغط والمساومة، وتعويض تبعات وتداعيات الانفصال السياسية من خلال تلك المناطق المتنازع عليها.

3ـ احتمالية تصاعد العنف على إثر عدم الرضوخ للمساومات من جانب الطرفين وهو ما ينذر بمزيد من التوترات في الدولة وهو ماحدث بالفعل في تجدد الاشتباكات بين الطرفين في 14 أغسطس من الشهر الجاري.

4ـ احتمالية الصراعات الداخلية بين القبائل والعشائر الجنوبية حول الموارد والنفوذ والحدود الداخلية بين المحافظات، وضعف مؤسسات حكومة الجنوب .

5ـ تباين المواقف الدولية في الجنوب لاسيما موقف الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة انشغالها بملفات أخرى على رأسها الشرق الأوسط.

ثالثاً: تطور العلاقات الإسرائيلية الأفريقية:

مسؤول إسرائيلي يلتقي الرئيس التشادي وغينيا تستأنف علاقاتها مع تل أبيب (bbc عربي) واستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” رئيس توجو “فور جناسينغبي” بمقر الحكومة بالقدس (الاذاعة الاسرائيلية عربيل)

جاءت زيارة مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد لتشاد حيث التقى بالرئيس التشادي إدريس ديبي بداية يوليو، في محاولة لاستعادة العلاقات بين إسرائيل وتشاد، المتعثرة منذ عام 1972. بعد يومين من تطبيع للعلاقات بين إسرائيل وغينيا، بعد 49 عامًا من قطعها بين البلدين. حيث أعلنت إسرائيل وغينيا استئناف علاقاتهما الدبلوماسية رسمياً، بعد جولة أفريقية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أربع دول إفريقية هي كينيا وأوغندا ورواندا وإثيوبيا. ليستمر نجاح الدبلوماسية الاسرائيلية في التوغل في القارة مع زيارة رئيس توجو “فور جناسينغبي” بمقر الحكومة الإسرائيلية بالقدس، حيث أكد نتنياهو على أهمية الدور الأفريقي في وجود الدولة اليهودية، مع تأكيده على ضرورة تعاون إسرائيل مع الشعوب الأفريقية من أجل السلام والأمن.

تصعيد النفوذ الإسرائيلي لاسيما بعد زيارة نتنياهو الأخيرة لأربع دول أفريقية هي كينيا وأوغندا ورواندا وإثيوبيا، فضلاً عن غينيا وتشاد، ثم توجو، تشكل دليلاً واضحاً على قوة صانع القرار الاسرائيلي، حيث عملت إسرائيل على ترسيخ القطيعة العربية الأفريقية وتعميقها، في مقابل تفعيل وجودها على المستوى التجاري والاقتصادي والعسكري والمخابراتي، فتزايدت صادراتها إلى أفريقيا، كما تزايدت وارداتها منها، ومارست نشاطاً في حوالي 22 دولة أفريقية في ميادين إنشاء المشروعات المشتركة، والتدريب العسكري والمعونة الفنية.

وتمكنت من إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأفريقية تباعاً، وأصبحت قوة كبرى داخل القارة الأفريقية ما أدى إلى اتجاه العديد من دول القارة إلى دعم النفوذ الإسرائيلي في المحافل الدولية ضد أي قرار لصالح الدولة الفلسطينية سواء بقيامها أو تعميرها، كان أخرها قرارًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يطالبها بفتح محطاتها النووية غير المعلنة للمفتشين الدوليين، إلا أن القرار قوبل بالرفض نتيجة التصويت الأفريقي.

رابعاً: تطورات المشهد الليبي:

حكومة الوفاق الليبية تطالب فرنسا بتوضيح بشأن تواجدها العسكري على أراضيها (فرانس 24) واشنطن تشن غارات على “داعش” في سرت الليبية (روسيا اليوم) البنيان المرصوص تستعد لاقتحام أخطر معاقل داعش في سرت (بوابة أفريقيا الاخبارية).

طالب رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج باريس بتقديم توضيح رسمي بشأن تواجدها العسكري في شرق ليبيا، مؤكداً رفض حكومته وإدانتها لهذا التواجد، الذي اعتبره “تجاوزا للأعراف الدولية”، خاصة بعد أن استعادت القوات الليبية أجزاءً من سرت، التي كانت واقعة تحت سيطرة تنظيم داعش. وبالرغم من أن حكومة الوفاق الوطني الليبية بزعامة السراج رفضت التدخل الدولي إلا أنها طالبت من وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” بشن الجيش الأمريكي ضربات جوية ضد تنظيم “داعش” في مدينة سرت الليبية وضواحيها فقط، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية بتنفيذ هجمات ضد التنظيم، والتي استهدفت موقع دبابة وسيارتين للتنظيم، كما شنت الطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة الأميركية 29 ضربة جوية، واستهدفت عددًا من مواقع التنظيم وشاحنة صغيرة تحمل مدفعاً (العرب اللندنية).

جاءت تلك العمليات تزامناً مع عملية البنيان المرصوص التي تقودها القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية ضد التنظيم، واستطاعت على إثرها تحرير مناطق عدة في سرت، ومركز ضخم للمؤتمرات في وسط المدينة يعتبر قاعدة مؤتمرات للتنظيم ومجمع الفنادق ومجمع قاعات، ومبنى الإذاعة وقصور الضيافة، والسيطرة على عمارات سكنية وسط سرت والذي يعد آخر معاقل تنظيم داعش.

وفي ظل هذه التطورات، لا يمكن الجزم أن الأضاع في ليبيا سيتم تسويتها أو الانتهاء منها من خلال المفاوضات أو عقد الاتفاقيات والقمم على الصعيد الإقليمي والدولي، لأن تصاعد العنف وتصارع النفوذ، وتعدد المصالح المختلفة التي اتخذت أشكالاً مختلفة ومتباينة قد عملت على تعقيد المشهد بشكل لا يمكن تسويته في غضون السنوات القليلة القادمة، فتعدد جبهات القتال واختلاف الجماعات المسلحة والمليشيات واختلاف مناطق الدعم المتعددة على الصعيد الإقليمي والدولي، قد شجع في كثير من الأوقات على التدخل الدولي لاسيما الفرنسي، بدعوى ضرورة التدخل الدولي لوقف خطر داعش وباقي الجماعات الإرهابية التي تشكل تهديدًا كبيرًا على المصالح الغربية لاسيما الفرنسية في الدولة من ناحية، وتهديدها للأمن القومي الأوروبي من ناحية أخرى، خاصة وأن فرنسا تريد إعادة ترسيم حدود مستعمراتها القديمة في شمال وغرب أفريقيا بعد تنامي النفوذ الأمريكي والصيني والروسي في المنطقة، وبعد أن استعانت حكومة الوفاق بالولايات المتحدة لشن ضربات في سرت دون الاستعانة بفرنسا.

توضح الخريطة الجيوسياسية الليبية أن هناك العديد من القوات العسكرية التابعة لحكومة طبرق وأخرى لحكومة طرابلس، فضلاً عن المليشيات المسلحة التي ساهمت في إسقاط نظام القذافي (غرفة عمليات ثوار ليبيا، ودرع ليبيا) التي سيطرت على العاصمة.. كما تنشط أيضاً ميليشيات قبائل التابو والطوارق الليبية في الجنوب والأمازيغ في أقصي الغرب، ولكنها حتي الآن لا تبدو مؤثره بقوة في الصراع الدائر. (موقع البديل)

فضلاً عن امتداد الجماعات المسلحة كتنظيم داعش وأنصار الشريعة، وفروع القاعدة، وهي جميعها تسيطر على أنحاء المدن الليبية المتعددة ، يليها جماعات المافيا والتهريب، والتي نشطت في الآونة الأخيرة بتهريب الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين عبر سواحل ليبيا إلى أوروبا، والذي مثل تهديدًا للأمن القومي الأوروبي (89 ألف مهاجر وصلوا إلى السواحل الإيطالية منذ بداية العام، مقارنة بالعدد المسجل بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو 2015 والذي بلغ 93 ألف مهاجر(فرانس 24).

وبالتالي فلا يوجد سيطرة كاملة من تلك المليشيات على الأرض، وهناك تخوف كبير من القوى الدولية لاسيما فرنسا في تهديد المصالح الغربية وأماكن النفط التي يمتد خطر داعش إليها خاصة وأن التنظيم والعديد من التنظيمات الجهادية الأخرى تسيطر على العديد من آبار النفط في مناطق عدة من الدولة لاسيما في طرابلس وبنغازي وسرت، حيث يسيطر داعش على شريط ساحلي غني نفطياً بمدينة سرت، خاصة مصفاة مليته، التي تضخ الغاز مباشرة من خلال البحر المتوسط إلى إيطاليا. وهو ما أثار مخاوف الناتو من محاولة سيطرة التنظيم على قوارب لتشكيل قوة بحرية للقرصنة وشحن البترول عبر البحر للسوق السوداء (CNN بالعربية)

الكنز النفطي الذي تمتلكه الدولة، وتنامي خطر الجماعات الإرهابية ، فضلاً عن تهديد المصالح الفرنسية في الدولة لاسيما في مالي والنيجر الغنية باليورانيوم الذي يغذي ثلث المفاعلات النووية الفرنسية، فضلاً عن التجارة، والمعبر الليبي الأوروبي المتمثل في 2000 كم من السواحل الليبية على المتوسط، جميعها عوامل دفعت القوة الفرنسية إلى اتخاذ نهج التدخل في الدولة لحماية نفوذها بشكل أو بآخر في ظل الفوضى العارمة وتصارع القوى الدولية لاقتطاع جزء من الكعكة الكبيرة.

وبالرغم من لقاء رئيسي قطبي الأزمة في ليبيا في مالطا لمحاولة احتواء الاحتقان بينهما إلا أن التناحر ظل مستمراً بين الطرفين لاختلاف التوجهات والأهداف لكل من الحكومتين، فضلاً عن فشل المبادرات الإقليمية للوصول الى توافق بين الجانبين كان أخرها الاجتماع الذي ضم تلك الفصائل برعاية القاهرة، وأصبح مشهد العنف والاقتتال بين الفصائل المتعددة سيد الموقف على الساحة الأمنية في البلاد. وهو ما حفز كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا على اتخاذ خطوات جادة بشأن التدخل العسكري في ليبيا. ليضعنا الأمر أمام عدة اعتبارات هامة منها:

1. تدهور الأوضاع السياسية مع فشل الاتفاقيات المتعددة في تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الفصائل المتعارضة لاسيما الموجودة في طرابلس.

2. تصاعد العنف والاقتتال نتيجة امتداد المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية لاسيما تنظيم داعش، وهو ما ينذر بمزيد من التوتر الأمني على الحدود مع كل من تونس ومصر والجزائر، مع احتمالية القيام بعمليات نوعية خاصة المناطق التي تعاني خلخلة أمنية كما حدث في تونس في منطقة بن قردان، ومن ثم ربما تشهد الحدود مع الجزائر خاصة الجنوب الشرقي عمليات إرهابية لتواجد جند الخلافة المنشق عن القاعدة والذي أعلن ولاءه لداعش مؤخراً. وقد أكدت الضربات الأمريكية الأخيرة هذا الاحتمال حيث نزحت عناصر من التنظيم إلى الحدود الجزائرية.

3. احتمالية قيام ضربات جوية دولية تقوم بها فرنسا والولايات المتحدة من حين لآخر كما فعلت في السابق دون التدخل عسكرياً على أرض الواقع، وذلك لضرب مواقع داعش والمليشيات المتمركزة في مناطق النفط والمصالح الدولية. وهو ما تم تأكيده بعد قيام الولايات المتحدة بضربات ضد مواقع لتنظيم “داعش” في مدينة سرت الليبية، مما ألحق خسائر كبيرة بالتنظيم، بعد أن تلقت طلباً بهذا الخصوص من حكومة الوفاق الوطني.

خامساً: تداعيات المشهد الأفريقي على المشهد المصري:

1ـ المشهد الإثيوبي والمشهد المصري:

أثر تصاعد الاحتجاجات في الدولة وتزايد الحراك المسلح بين الحكومة والمعارضة بشكل ما على العلاقات الإثيوبية المصرية خاصة بعد اتهام الأولى للمخابرات المصرية في وقت سابق بوقوفها وراء تصاعد التظاهرات في الدولة (الوطن)، وهو ما نفته الحكومة المصرية والمعارضة الإثيوبية أيضاً، خاصة وأن تلك الاحتجاجات لن تؤثر على بناء السد باعتباره مشروعاً قومياً لدى الإثيوبيين بشكل عام حتى ولو تم انتقاده من قبل الأورومو.

ويرى البعض ضرورة عدم اتخاذ موقف سلبي تجاه أغلبية الأورومو المحتجة بما يضمن وقوف مصر على الحياد، خاصة بعد تسلل العديد من أفراد المعارضة داخل مصر هرباً من النظام الإثيوبي، حيث ذكرت إحصائيّات مفوضيّة الأمم المتّحدة للاّجئين في فبراير من عام 2016، أن هناك 6916 من طالبي اللّجوء السياسيّ من إثيوبيا تمّ تسجيلهم في سجلاّت المنظّمة بالقاهرة جميعهم من الأورومو (المونيتور).

فإذا أعادت مصر هؤلاء إلى دولته سيشكل موقفاً سلبياً تجاه المعارضة التي من الممكن أن تتولى السلطة في يوماً ما، كما حدث في بوروندي وتولى الهوتو الحكم بعد عقود من سيطرة أقلية التوتسي. وهو ما أكد عليه رئيس المنظّمة المصريّة لدعم اللاّجئين أحمد بدوي في التزام مصر دولياً بعدم ردّ أيّ من طالبي اللّجوء، فيما لا يتعارض مع الأمن القوميّ، حتّى من يعبرون بطرق غير شرعيّة، في إشارة للمساواة بين الجنسيات المختلفة في التعامل، وليس الأورومو فقط، وهو لاينفي تجدد الاتهامات الاثيوبية في حال تصاعد الاحتجاجات في الدولة لفتح جبهات متعددة.

2ـ مصر والأوضاع في جنوب السودان:

طالب سفير جنوب السودان “أنتونى لويس كون”، مصر وجامعة الدول العربية بمساعدة بلاده على رفض تدخل قوات أجنبية باعتبار أنه تهديد للأمن القومي المصري والسوداني لما له تأثير على الأمن المائي، ومع سعي الحكومة المصرية لرعاية اتفاق السلام فقد استقبل السيسي ووزير الخارجية سامح شكرى رئيس بوتسوانا السابق ورئيس مفوضية المتابعة والتقييم المعنية بتنفيذ اتفاق التسوية السلمية فى جنوب السودان فيستوس موخاى، لبحث اتفاق السلام في الجنوب ودعم المفوضية المشتركة للمراقبة والتقييم من أجل تنفيذ اتفاق التسوية السلمية بما فيها مقترح الإيجاد لنشر قوة حماية إقليمية تحت مظلة بعثة الأمم المتحدة فى الجنوب (اليوم السابع).

بالرغم من رعاية مصر لاتفاق السلام إلا أن الفاعلين الإقليميين خاصة كينيا وإثيوبيا هما الأكثر تقرباً من إسرائيل وأكثر تأثيراً في المشهد السوداني، مع اتجاه الشمال نحو التقرب مع إثيوبيا ليصبح الجنوب السوداني بؤرة يتحكم فيها الفاعلون الإقليميون كإثيوبيا وكينيا وأوغندا برعاية إسرائيلية لإبعاد مصر عن المشهد الأفريقي، وهو ما يهدد الأمن القومي المائي، ومن ثم تصبح إسرائيل والقوة الغربية هي المتحكم الأساسي في مسار الصراع في الجنوب السوداني ومنطقة القرن الأفريقي، وذلك نتيجة تعاظم نفوذهم في المنطقة في ظل الغياب العربي والمصري.

3ـ مصر وتطورات المشهد الليبي:

طرحت مصر مبادرة للتسوية بين الأطراف الليبية المتصارعة من خلال منح مجلس النواب (مجلس طبرق) بزعامة عقيلة صالح الثقة لحكومة الوفاق بزعامة فايز السراج، والاتفاق على صيغة لتشكيل قوات مسلحة مشتركة بما يضمن عدم دخول جماعات متطرفة إليها، وذلك من خلال اجتماعين ضم الاطراف المتصارعة ومنهم اللواء خليفة حفتر (المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية)، إلا أن المبادرة لم تحقق الهدف المرجو منها، وذلك لرفض مجلس النواب اعتراف الغرب بحكومة طبرق، فضلاً عن الخلافات الحادة في توجه الفريقين وأهدافهما، يليها فشل المبادرات الإقليمية الأخرى لاسيما اتفاق الصخيرات والدور الدولي في إيجاد صيغة توافقية نهائية، مما أدى إلى استمرار المواجهات بين الأطراف.

أما على الصعيد الأمني وفي ظل تناحر السياسات الإقليمية والدولية وتعاظم الدور العسكري لأطراف الصراع جعل المنطقة ساحة حرب ضارية لا يمكن السيطرة عليها، وهو ما يهدد الأمن القومي المصري، خاصة مع تصاعد العنف واحتمالية التدخل الدولي، والذي بدوره سيؤدي لهروب العمالة المصرية من ليبيا، مع احتمالات امتداد العديد من الجماعات الليبية للداخل المصري خاصة وأن المساحة الحدودية الشاسعة بين مصر وليبيا والتي يصعب السيطرة عليها، تعتبر معبراً لوصول الأسلحة المهربة من ليبيا إلى داخل مصر، ليظل الوضع الأمني في ليبيا، في جانب منه، مرهوناً بالسياسات التي تتخذها مصر، ودول الخليج لما لها من مصالح كبرى مع القوى الغربية لمواجهة خطر التفتت داخل الدولة الليبية وحماية مصالح الفاعلين الإقليميين والدوليين(1).

————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close