fbpx
مختارات

توقعات ستراتفور لمستقبل العالم في 2016

مختارات المعهد المصري، تقديرات مركز ستراتفور.

ترجمة: علاء البشبيشي، منشور على موقع العالم بالعربية، 28 ديسمبر 2015، الرابط

مقدمة

تحتشد الخيوط المؤدية إلى 2016 لتُشَكِّل عاما مقلقًا لكثير من بلدان العالم :

  • لا تزال الولايات المتحدة وروسيا غارقتان في خضم أزمة مستعصيةٍ على الحال.
  • تُعَاوِد القومية الظهور في أوروبا.
  • انخفاض أسعار النفط والسلع الأخرى.
  • الاستهلاك الصيني آخذ في الانخفاض.
  • دول العالم أكثر حسمًا من أي وقت مضى فيما يتعلق بتكثيف حملاتها العسكرية ضد تنظيم الدولة.

الاتجاهات العالمية في 2016

لكن من المهم تذكُّر أن كافة هذه الاتجاهات مرتبطة ببعضها، والثوب الذي ستظهر فيه خلال عام 2016 قد يحدد مدى الصخب الذي سيكون عليه العالم في العام الجديد.

فيما يلي أبرز 4 اتجاهات عالمية مرتقبة خلال العام 2016 :

(1) ضعف تنظيم الدولة

ستتكثف العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة في عام 2016. وبالفعل شنت الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا غارات جوية ضد التنظيم، وستنضم تركيا قريبا إلى المعمعة.

ورغم أن هذه العمليات سوف تُضعِف القدرات العسكرية التقليدية للتنظيم، وتقلِّص سيطرته الإقليمية، فإنها لن تكون كافية لإنهاء التهديد الذي تمثله هذه المجموعة للغرب.

في الواقع، سوف يشجع تنظيم الدولة المزيد من الهجمات التي تشنها قواعده ضد الأهداف السهلة خارج منطقة الشرق الأوسط.

(2) النزعة القومية في الاتحاد الأوروبي

ستكون حالة التشظي الأوروبية أحد الأخبار الهامة في عام 2016. صحيحٌ أن انخفاض أسعار النفط، وانتهاج سياسات اقتصادية ملائمة، سوف تمنح أوروبا عاما آخر من الاستقرار النسبيّ، لكن ثمة مشاكل أعمق تكمن تحت السطح. حيث حفَّزت أزمة الهجرة المشاعر القومية في بلدان القارة، خاصة ألمانيا وفرنسا، وهما ركيزتا الاتحاد الأوروبي. هذه الدول بالفعل تُخضِع مصلحة الاتحاد لتتماشى مع مصالحهما الخاصة، وسوف يواصلان القيام بالشيء ذاته في عام 2016.

(3) السلع الرخيصة

تراجُع الاستهلاك في الصين، وتزايُد قوة الدولار في الولايات المتحدة، والفائض الذي تشهده الأسواق في أنحاء العالم؛ سوف يعوق تعافي أسعار السلع في عام 2016، صحيحٌ أن الخام الإيراني من المنتظر أن يعود إلى السوق في النصف الأول من العام، لكن سيقابله انخفاض في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. بينما لن تخفض السعودية إنتاجها، على الأقل خلال الشهور الستة الأولى، وبدلا من ذلك ستحاول الصمود في مواجهة انخفاض الأسعار من خلال الاعتماد على المزيد من الديون.

(4) التوسع التركي

2016 هو العام الذي يمكن أن تصبح تركيا فيه قائدًا إقليميًا، وهي المكانة التي لطالما حلمت أنقرة أن تتبوأها. الآن، وبعدما تبددت غيوم السياسة المحلية التي خيمت على سماء 2015، يرجح أن تسمح الحكومة بشن غارات عسكرية في شمال سوريا، وتوسيع تواجدها في العراق، ومواجهة تنظيم الدولة- كل ذلك بموازاة كبح جماح التوسع الكردي.

هذه الجرأة التركية المتكشفة حديثًا تتسبب في متاعب لروسيا، التي سيكون عليها- في ظل خوضها مواجهة مع الولايات المتحدة- القلق حيال اقتراب أنقرة من الغرب.

إطلالة عامة :

بينما تعاود الحقائق الجيوسياسية القديمة الظهور على السطح عبر أوراسيا، واستمرار ركود أسعار السلع، يتشكَّل 2016 في ثوبِ عامٍ مثيرٍ لقلقِ الكثيرِ من دول العالم. والمكان المنطقي لبدء هذه الإطلالة هو البلد الذي يربط بين أوروبا وآسيا: تركيا.

يرجح في هذا العام، أن تتخذ تركيا- المتوترة لكنها أكثر تماسكا سياسيا مما كانت عليه في العام الماضي- خطوة عسكرية في شمال سوريا، بموازاة محاولة توسيع تواجدها في شمال العراق.

ولن تواجه تركيا فقط تنظيم الدولة، ولكنها أيضًا ستواصل كبح جماح التوسع الكردي، بينما تزيد درجة المخاطرة في سياق مواجهاتها مع خصميها القديمين: روسيا وإيران.

أما روسيا، فآخر ما تريده هو المواجهة مع تركيا، حارس البوابة المؤدية إلى البحرين الأسود والبيض المتوسط، لكن المواجهة شيء لا يمكنها تجنبه. كما تخاطر روسيا بانزلاق مهمتها هذا العام، بينما تزيد من مشاركتها في ساحة المعركة السورية.

لكن تنظيم الدولة لن يكون سوى جزء من تركيز موسكو في سوريا؛ حيث ستحاول روسيا دفع الولايات المتحدة صوب تسوية من شأنها إبطاء الاندفاع الغربي باتجاه مناطق الاتحاد السوفيتي السابق الروسية. وسوف تكون الولايات المتحدة مستعدة للتفاوض على القضايا التكتيكية، لكنها ستحرم موسكو من النفوذ الذي تسعى إليه، من خلال ربط التعاون في مكافحة الإرهاب بالنقاشات الاستراتيجية الأوسع نطاقًا. بدلا من ذلك، ستعمل لإدارة الأمريكية على دعم الحلفاء الأوروبيين على الخطوط الأمامية مع روسيا.

وبغض النظر عن الدوافع الثانوية للمشاركين في الحملة العسكرية المكثفة ضد تنظيم الدول، إلا أنها ستؤدي بالتأكيد إلى إلحاق ضرر بصميم المجموعة المتشددة. ومع ذلك، لن يتم القضاء على الخلافة الوليدة هذا العام. كما سيعرقل نقص القوات البرية الموثوقة الحملة المناهضة لتنظيم الدولة.

وكلما ضَعُفَت قدرات تنظيم الدولة التقليدية، كلما حاولت المجموعة وفروعها بنشاط تنفيذ هجمات إرهابية خارج منطقة الشرق الأوسط للحفاظ على ارتباطها بالمشهد. وهذا بدوره سيحرِّك المنافسة داخل المشهد الجهادي في ظل محاولة فصائل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والمغرب العربي، وغرب أفريقيا، وجنوب آسيا، مواكبة الأمر.

وسيصب التهديد الجهادي الزيت على نيران الإسلاموفوبيا في الغرب، ويحفز تفتيت أوروبا. وسوف تخفف الرقابة على الحدود، والدعوات المطالِبة بالحفاظ على الهوية الوطنية، من مدى التزام الاتحاد الأوروبي بمبدأ السماح بحرية تنقل الأشخاص. وسوف تخلق الحدود المغلقة عنق زجاجة للمهاجرين في غرب البلقان، وهي المنطقة التي تعج بالفعل بالتوتر العرقي والديني.

لكن القصة الرئيسية في أوروبا في عام 2016 سوف تركز على فرنسا وألمانيا، وهما ركيزتا الاتحاد الأوروبي. حيث سيستعد البلدان لانتخابات عام 2017، وسيميلان أكثر إلى النزعة القومية والتشكك. ومع مرور الوقت، سوف تصبح ألمانيا أكثر صراحة، وأقل استعداد بكثير لتقديم تنازلات، بشأن مسائل الاندماج في الاتحاد الأوروبي.

أما استمرار التيسير الكمي، ودخول سنة أخرى من انخفاض أسعار النفط، سيكون له أثر مُسَكِّن على الخلافات العميقة في أوروبا، بينما تتواصل معاناة أسواق السلع العالمية.

وسوف يعوض النفط الإيراني، الذي سيضاف إلى السوق في النصف الأول من العام، الانخفاض في إنتاج الولايات المتحدة. وأي تغيير في إنتاج النفط السعودي سوف يأتي في وقت لاحق من هذا العام، بعد تقييم الرياض تأثير السعر الناتج عن عودة إيران، وكذلك التأثير على منتجي الصخر الزيتي الأمريكيين. وأي محاولة من الرياض لتنسيق انخفاض في الإنتاج مع الكويت والإمارات العربية المتحدة لن تأتي إلا بعد هذا التقييم.

وبغض النظر عن تأثير إيران، سوف تظل المملكة العربية السعودية مستعدة لتحمَّل المزيد من الديون، والسحب من الاحتياطي؛ لمواجهة انخفاض أسعار النفط.

كما لن تشهد الصين انفراجة في أسعار السلع الأساسية. وسوف يتباطأ نمو الاستهلاك بينما تكافح بكين لتنفيذ الإصلاحات وسط تزايد الشقاق بين نخبة الحزب. لكن حتى بينما تواجه بكين تهديد الانقسام الداخلي، سوف يظل لديها ما يكفي من الثقل الاقتصادي لتقديم حوافز لدول جنوب شرق آسيا لموازنة الوجود الأمني الأقوى للولايات المتحدة في المنطقة.

وسيؤدي انخفاض أسعار السلع الأساسية، وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بما يؤثر على العملات، إلى أن يكون العام الجديد صعبًا بالنسبة لجزء كبير من أمريكا اللاتينية. وسوف يزداد تعكير مناخ الاستثمار في البرازيل، على المدى القصير، على خلفية اتهامات الرئيسة ديلما روسيف. وقد يتولى رئاسة الأرجنتين رئيسًا جديدًا، ذي توجهات إصلاحية، لكن صراعه مع ارتفاع معدلات التضخم، ونقص العملة الأجنبية، يعني محدودية أي تحركات لتسوية الديون، وزيادة التدابير الحمائية.

في فنزويلا، تقترب نهاية التشافيزية. وفي نهاية المطاف سينقسم الحزب الاشتراكي الموحد المحاصر في فنزويلا تحت وطأة الضغط السياسي والاقتصادي المتزايد، وتواجه البلاد خطر التخلف عن سداد ديونها الخارجية هذا العام.

إن الأحداث التي تحدد شكل عام 2016 تثير المخاوف في جميع أنحاء العالم؛ بما يؤدي إلى ما يرجح أن يكون عامًا أكثر صخبا في 2017، باعتبار أن مجموعة من الصراعات النامية تتجمَّع أكثر في بؤرة التركيز.

الشيء الضروري وضعه في الاعتبار هو أن كل هذه الاتجاهات متصلة. وأن المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، وارتفاع نبرة القومية في أوروبا، وعودة ظهور تركيا والتيارات الجيوسياسية الأخرى، سوف تتضافر وتتغذى على بعضها البعض.

وبدورنا سوف نراقب عن كثب وباستمرار الصورة الأكبر في عام 2016، لأن ثمة سنة أكثر تعقيدا بكثير تُغرَس بذورها اليوم، لتتجسَّد في عام 2017.

مستقبل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا :

  • كل العيون على تركيا
  • استمرار تنظيم الدولة
  • عودة إيران إلى أسواق النفط
  • دخول اليمن المرحلة الثانية من الصراع
  • تفاقم معضلة الأمن الإسرائيلي
  • سنة صعبة على القاهرة لكن يمكن إدارتها
  • محاربة عدم الاستقرار في شمال أفريقيا

كل العيون على تركيا

ستكون تركيا أكثر اللاعبين- الذين يجدر مراقبتهم- حسمًا في 2016. ولطالما ناقش ستراتفور القوى الكامنة في عودة تركيا إقليميًا، والعقبات التي تعترض طريقها. فعلى الرغم من أن أنقرة واجهت عددا من العقبات، إلا أن الحكومة التي تتمتع بدرجة أكبر من الأمن السياسي تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان سوف تكون أكثر حزما بكثير خارج حدود البلاد هذا العام.

وتستعد تركيا بالفعل لشن عملية غرب نهر الفرات في شمال سوريا لطرد متشددي تنظيم الدولة على طول حدودها. وبالإضافة إلى مواجهة التنظيم، تريد تركيا استمرار كبح جماح التوسع الكردي في شمال سوريا، وفي نهاية المطاف تريد إنشاء “منطقة آمنة” للاجئين السوريين داخل سوريا.

صحيحٌ أن تركيا ليست مهتمة باستيعاب عدد أكبر من اللاجئين بهدف تخفيف المخاوف الأوروبية، لكن أنقرة تنوي استغلال القلق الأوروبي حيال تدفقات المهاجرين لتعزيز موطئ قدم لها في أوروبا، وتأمين دعم لعملياتها العسكرية في سوريا.

ويرجح أن تسهل الولايات المتحدة الحملة الجوية التركية المكثفة في شمال سوريا، بينما تواصل هجوما ثانيًا سوف يعتمد في معظمه على الوكلاء من المتمردين الأكراد شرق الفرات.

وسوف تؤكد تركيا نيتها حيال الاعتماد بشكل أساسي على الوكلاء السنة التركمان والمتمردين العرب لتنظيف الأراضي التي ينتشر فيها تنظيم الدولة ثم السيطرة عليها، لكن أنقرة أيضًا سيكون لديها خطة طوارئ جاهزة في حال احتاجت إلى نشر القوات البرية.

علاوة على ذلك، سوف تعمل تركيا والولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ودول عربية أخرى، ربما مثل مصر والأردن؛ لتجميع ائتلاف للعمليات المناهضة لتنظيم الدولة في سوريا. هذا سيضيف قوى بشرية إلى المهمة الحالية، كما أنه سيساعد أنقرة أيضًا على تجنب إحياء الاستياء التاريخي الكامن في عودة القوات التركية إلى الأراضي العربية.

وستكون روسيا أكبر عامل تعقيد في خطط تركيا. حيث أن لروسيا هدف متعدد الوجوه في سوريا، ولن تبتعد موسكو عن شراكتها مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، في محاولة إضعاف تنظيم الدولة.

هذه الشراكة تعني أن روسيا سوف تحتاج إلى مواجهة القوات التي تحاول إضعاف الحكومة السورية، بما في ذلك مجموعة من قوات المتمردين التي تعتمد عليها الولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية والأردن وقطر في معركتهم الخاصة ضد تنظيم الدولة.

هذا الاستهداف الروسي المزدوج لمتشددي تنظيم الدولة والمتمردين السوريين سوف يحول دون تشكيل تحالف أكثر تماسكا ضد تنظيم الدولة، وسوف يوسع الفجوة بين تركيا وروسيا.

بدورها ستحاول روسيا إفشال خطط تركيا العسكرية عن طريق زيادة وجودها في سوريا. هذا سوف يعني في الأساس زيادة استخدام الأصول الجوية فوق شمال سوريا. في المقابل، لن تقف تركيا مكتوفة الأيدي بالضرورة في مواجهة هذه الضغوط. ويرجح إجراء مفاوضات لفصل ساحة المعركة، لكن ذلك أيضا لا يقضي على احتمالات المناوشات.

ورغم تدهور العلاقات بين روسيا وتركيا بشكل واضح، فإن موسكو لا تريد دفع أنقرة بعيدا جدا. فكلما وجدت تركيا المزيد من القضايا المشتركة مع الشركاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كلما أصبحت روسيا أكثر عرضة للخطر في نطاق دول الاتحاد السوفيتي السابق.

هذا التدهور في العلاقة بين تركيا وروسيا يمنح الولايات المتحدة وشركاءها في وسط وشرق أوروبا فرصة لتوجيه أنقرة صوب تحالفٍ أضيق. صحيحٌ أنه لا تركيا ولا روسيا بإمكانها تحمل قطيعة كاملة في العلاقات، لكن لا بد أن تمر العلاقات التجارية بمعاناة، في حين من المرجح أن تشهد مشاريع الطاقة الاستراتيجية مزيدا من التأخير.

هذا يجعل اندفاع تركيا لمتابعة مشاريع الطاقة في أذربيجان والمناطق الكردية في العراق أكثر إلحاحا. وسوف تكون تركيا أيضا مجبرة أكثر على تحقيق تقدم في المفاوضات حول إعادة توحيد قبرص لشق طريقها صوب مشاريع الطاقة شرق البحر المتوسط.

ولمَّا كانت ساحة المعركة السورية تنقسم بين مجموعة مذهلة من المنافسين والمصالح؛ فإن هذا كله يؤكد أن أي محاولة لتطبيق وقف إطلاق نارٍ، أو التوصل إلى اتفاق نهائي لتقاسم السلطة، ستكون محدودة للغاية.

أما أصحاب المصالح الخارجيين فمستعدون الآن لزيادة الدعم العسكري لوكلائهم. وعلى الرغم من أن هذا سيحق التوازن في ساحة المعركة، إلا أنه سيؤدي أيضا إلى المزيد من خفض الحافز لدى الجانبين للوصول إلى تسوية بشأن المضي قدما صوب المفاوضات.

وبينما يزداد حزم تركيا في الشرق الأوسط، ستتكثف منافستها مع إيران في سوريا والعراق. وفي الوقت الذي تعزز طهران حكومة الأسد إلى جانب الروس، سوف تستغل الجمهورية الإسلامية الانقسامات في المناطق الكردية العراقية لمواجهة جهود تركيا الرامية لتقوية روابط الاقتصاد والطاقة في شمال العراق على حساب بغداد.

ويمكن لروسيا أيضا إحياء علاقاتها مع الفصائل الكردية كورقة ضغط ضد أنقرة. وسوف تلتزم تركيا بتوفير عدد محدود من القوات لتدريب عمليات المقاتلين السنة في شمال العراق.

وحتى بينما تحاول تركيا البناء على علاقتها مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، برئاسة مسعود بارزاني، لتعميق موطئ قدم لها في المناطق الكردية العراقية، سوف تواجه العلاقات التركية مع حكومة إقليم كردستان تعقيدات حتمية، في ظل مواصلة تركيا ملاحقة المتمردين الأكراد الذين يستخدمون العراق ملجئًا لهم.

استمرار تنظيم الدولة

سوف يتكبّد تنظيم الدولة الأم في سوريا والعراق خسائر ملحوظة هذا العام، رغم أن “الخلافة” من غير المرجح أن تُمنَى بهزيمة كاملة. وسوف يشجع إضعاف التنظيم، كقوة تقليدية في الأراضي الرئيسية التي يسيطر عليها، قيادته على المطالبة بشن المزيد من العمليات الإرهابية في الغرب وأنحاء الشرق الأوسط.

وكما رأينا في هجمات باريس، سوف تواصل الخلايا القاعدية التي يصعب كشفها في تمثيل تهديد خطير. كما ستدفع المنافسة داخل المشهد الجهادي باتجاه تعزيز الهجمات، خاصة في المغرب العربي، وشبه الجزيرة العربية، وغرب أفريقيا، حيث تجمعات تنظيم القاعدة أوثق صلة.

عودة إيران إلى أسواق النفط

يدخل منتجو النفط الرئيسيون في الشرق الأوسط عامًا مُجهِدًا آخر؛ تحت وطأة انخفاض الأسعار، وفاتورة التزامات السياسة الخارجية الباهظة. ومع تطبيق الاتفاق النووي الإيراني في بداية العام الجديد؛ سوف يُضاف ما لا يقل عن 500 ألف برميل يوميًا إلى سوق النفط، تليها زيادة أبطأ في الإنتاج على مدار عدة أشهر.

وسوف يستغل الرئيس الإيراني حسن روحاني نجاح الاتفاق النووي للترويج للمعتدلين في انتخابات فبراير على مقاعد البرلمان ومجلس الخبراء، وهو الهيئة المسئولة عن تعيين ومراجعة أداء المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. ومع ذلك، سوف ينتظر الإيرانيون وقتا طويلا حتى يجنوا الثمار الاقتصادية للصفقة.

ومن المتوقع أن يستخدم خامنئي نفوذه الرسمي لدى البرلمان ومجلس صيانة الدستور، الذي يفحص طلبات الترشح للانتخابات؛ لتحقيق التوازن ضد المعتدلين؛ الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من التنافس في المشهد السياسي الإيراني المحافظ.

هذا يعني أن حكومة روحاني ينتظرها تحديات كبرى عندما يتعلق الأمر بالحد من النفوذ السياسي والاقتصادي للحرس الثوري بينما يتحرك المستثمرون إلى داخل إيران.

أما إعادة إدخال النفط الإيراني إلى السوق فيجعل خفض المملكة العربية السعودية إنتاجها خلال النصف الأول من العام 2016؛ دفاعا عن الأسعار، أمرًا مستبعدًا. لكن بمجرد أن تصبح السعودية قادرة على تقييم تأثير أسعار عودة إيران- وكذلك مراعاة انخفاض إنتاج الولايات المتحدة- فبإمكان الرياض تعديل إنتاجها من الطاقة خلال النصف الثاني من العام.ومع ذلك، لن يكون السعوديون قادرون على التنسيق بخصوص خفض الإنتاج المستدام مع منتجي أوبك الرئيسيين ونظرائهم خارج المنظمة.

ونظرا لعدد سكانهما الأقل، ستكون مهمة الإمارات والكويت أسهل في التأقلم مع عام آخر من انخفاض أسعار النفط. أما السعودية، على الجانب الآخر، فسيكون عليها تمويل عجز الموازنة المتزايد، بموازاة إدخال تخفيضات صغيرة وتدريجية على الإنفاق.

المرحلة الثانية من الصراع في اليمن

ستواصل قوات التحالف بقيادة السعودية المضي قُدُمًا في ساحة المعركة ضد مقاتلي الحوثيين، والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، مع اقترابها من التوصل إلى قرار بخصوص المرحلة الحالية من الأزمة. أما هل سيُتُّخِذَ القرار في شكل دَفعة عسكرية باتجاه صنعاء، أو تسويةٍ تفاوضية قُبَيل الدفعة، فهو ما سيعتمد على عزم كلا الطرفين على مواصلة القتال.

بالنسبة لقوات التحالف التي تقودها السعودية، والعناصر اليمنية المناوئة للحوثيين، فإن التحرك إلى قلب المنطقة الجبلية الرئيسية في اليمن يعني بطئًا في التقدم، وخسار كبيرة في الأرواح والعتاد.

ويمكن لارتفاع الخسائر أن يزيد الاحتكاك بين أعضاء التحالف، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حول أي الأطراف اليمنية التي ينبغي دعمها.

وبينما يتحرك اليمن نحو حل الصراع، فإن الجهات الفاعلة غير الحكومية سوف تشكل أكبر التهديدات الأمنية في ظل ضعف الجهاز الأمني اليمني وتشتيته. وسوف يغذي الحكم الذاتي المتزايد لحركة المقاومة الجنوبية دعوات استقلال “جنوب اليمن”، ما ينقل البلاد في نهاية المطاف نحو انقسامٍ بين شمال وجنوب.

تفاقم معضلة الأمن الإسرائيلي

بينما يزداد تعقيد المعركة في سوريا، سوف تعمل الحكومة الإسرائيلية قدر الإمكان للحفاظ على علاقاتها مع العديد من اللاعبين في ساحة المعركة؛ كي تكون مستعدة لأسوأ السيناريوهات.

ويمكن توقُّع استمرار التقارب الإسرائيلي مع كلا من الولايات المتحدة وروسيا لمراقبتهم على أرض المعركة. كما ستحافظ إسرائيل على حقها في شن غارات جوية ضد أهداف حزب الله وتنظيم الدولة بالقرب من حدودها.

لكن دور تركيا المتنامي في المنطقة سوف يجبر إسرائيل على محاولة تحسين علاقاتها مع أنقرة. وسيتحدد شكل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وفق مجموعة من الهجمات الفلسطينية المتشددة منخفضة المستوى والمستمرة في الضفة الغربية وإسرائيل، والتي سوف تثير موجة مستمرة من الانتقام المحلي والردود الأمنية الإسرائيلية.

من قاعدتها في غزة، ستحاول حماس تجنب الدخول في مواجهة مباشرة أخرى مع إسرائيل. لكن سياسة إسرائيل في تحميل حماس المسؤولية عن الهجمات، إلى جانب محاولات تنظيم الدولة الوليد في غزة لاستدراج حماس إلى الصراع؛ يمكن أن تؤدي إلى توسيع نطاق التدخل الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

وسوف تكون هذه المشتتات الإسرائيلية موضع ترحيب حزب الله، بينما يحاول تحقيق التوازن بين التزاماته في سوريا والدفاع عن أرضه ضد جيوب المتمردين السنة الذين يحاولون تقويض دوره في الحرب السورية.

وسوف يساعد الإجماع السعودي-الإيراني الناشئ على اختيار رئيس لبناني أيضا على منع الصراع السوري الأكثر خطورة من الامتداد إلى لبنان

سنة صعبة على القاهرة لكن يمكن إدارتها

لن يتمخض هذا العام عن تحدٍ حقيقي لحكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وسوف تمضي الحكومة المصرية قُدُمًا بحذر، مستفيدة من انخفاض أسعار النفط، لإصلاح الدعم؛ في محاولة لتعزيز مركزها المالي، وضمان الحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي.

أما المعارضة فستبقى مجزأة، بما يُمَكِّن الحكومة من إدارة نوبات الاضطرابات الاجتماعية المحتملة. وسوف يدفع التهديد الجهادي المستمر- المتركز في شبه جزيرة سيناء، إلى جانب قدرته على تنفيذ هجمات في المناطق الحضرية الرئيسية في البلاد- إلى إنفاق دفاعي كبير، ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من تقويض قطاع السياحة.

وسوف تكون روسيا قادرة على الاستفادة من التهديد الجهادي في تعميق علاقاتها الأمنية مع القاهرة، رغم أن الحكومة المصرية سوف تستمر في المحافظة على توازن دقيق بين الرعاة الخليجيين والولايات المتحدة وروسيا. كما ستحفز احتمالات الغاز الطبيعي البحرية المصرية في شرق البحر المتوسط التعاون في مجال الطاقة بين مصر وقبرص وإسرائيل.

محاربة عدم الاستقرار في شمال أفريقيا

سوف تواجه الجزائر ضغطا ماليا كبيرًا، في الوقت الذي تكافح فيه لمواكبة انخفاض أسعار النفط. ولن يمكنها تجنب خفض الإنفاق، ولا زيادة الضرائب الانتقائية، على الرغم من أن الحكومة سوف تنجح في تفادي تطبيق إصلاحات كبيرة على نظام الدعم؛ لتجنب تأجيج اضطرابات اجتماعية كبيرة.

ويمكن توقع إصلاحات أخرى بطيئة ومتقطعة؛ تهدف إلى تحسين مناخ استثمارات الطاقة في البلاد، وفي نهاية المطاف زيادة إنتاج الطاقة لتعزيز إيرادات الحكومة. وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي الهش في الجزائر، إلا أن الحكومة لن تضحي بالإنفاق على الدفاع والأمن.

أما التحضير لعملية انتقال سياسي في نهاية المطاف فسوف يتم بوتيرة ثابتة. وقد يُخصَّص جزء من التحضيرات لإحراز بعض التقدم نحو إصلاحات دستورية تهدف إلى إعادة توازن السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء. وسوف تشجع الجزائر المفاوضات بين الفصائل الليبية المتنافسة، وتستضيفها؛ في محاولة للتخفيف من حدة عدم الاستقرار على الحدود الشرقية الجزائرية، مع تجنب الاشتباكات العسكرية المباشرة خارج حدودها.

أما المفاوضات، التي تتم بوساطة الأمم المتحدة، لتشكيل حكومة وحدة ليبية بين المعسكرين المتنافسين في طرابلس وطبرق، فستواصل التقدُّم بصعوبة تحت وطأة الخلافات المستعصية بين الأطراف المتحاربة.

وسوف يتأرجح إنتاج النفط والصادرات الليبية، لكنها ستظل في حالة انخفاض بشكل عام خلال 2016.

وستواصل شركات النفط الدولية تفضيل العمل مع المؤسسات في طرابلس على المؤسسات الموازية في طبرق. وهذا سيدفع حكومة طبرق المعترف بها دوليا للتوصل إلى حل وسط مع منافستها. ومع ذلك، سيكون التوصل إلى اتفاق مستدام لتقاسم السلطة صعبًا للغاية.

وسوف يغذي التهميش المحتوم للفصائل الأكثر تشددًا التحديات الأمنية المستمرة. أما الوجود المتنامي لتنظيم الدولة في ليبيا، لا سيما في ضوء زيادة ميل الجماعة المسلحة لشن هجمات خارجية؛ فسوف يؤدي إلى مزيد من التدخل الأجنبي في البلاد. ومع ذلك، سيكون هذا النشاط مقتصرًا في الأساس على الضربات الجوية والعمليات الخاصة والعمل مع الجهات المحلية لتقويض التنظيم.

وسوف يركز تنظيم الدولة في ليبيا على تعزيز قوته في مدينة سرت، لكنه سيسعى للتوسع غربا باتجاه مصراتة وشرقا نحو أجدابيا. وبينما يبرز التنظيم كلاعبٍ في الساحة الليبية، سوف توجه ميليشيات مصراتة المزيد من جهودها ضد الجماعة المتشددة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close