fbpx
الشرق الأوسطتقارير

حلب ستالينجراد سوريا: السقوط ومآلاته

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد:

شهدت مدينة حلب صراعًا عسكريًا مفتوحًا، وتبادلًا للسيطرة بين القوى المتصارعة (تنظيم الدولة، والمعارضة المسلحة، وقوات النظام والقوات الجوية الروسية والمليشيات الشيعية الموالية لإيران، وقوات درع الفرات، وقوات سورية الديمقراطية “قسد”). وبالتوازي مع ذلك شهدت العملية السياسية جمودًا جراء محاولات روسيا تغيير الوضع الميداني بالطرق العسكرية، مستفيدة من حالة اللامبالاة التي تبديها الولايات المتحدة بذريعة الانتخابات الرئاسية وترتيبات الانتقال من إدارة إلى أخرى.

وعلى مدار حصار دام لمدة ست أشهر كاملة، أدى حجم القتال وضراوته فيها إلى تسمية المقاتلين لها بـ ” أم المعارك (1) ” وسماها الغرب ” ستالينجراد سوريا (2) “، إلى أن جاء شهر ديسمبر 2016 وسقطت المدينة بأكملها فى أيدي قوات النظام. لتتغير بذلك معادلة الصراع على الساحة السورية بشكل جذري.

 

أولا أهمية حلب فى الصراع:

1ـ الأهمية الجيوستراتيجية:

تمثّل مدينة حلب جوهر الصراع بين قوّات النّظام وقوّات الثورة السوريّة، وتأتي أهميّتها بالنّسبة إلى قوّات النّظام كونها أكبر المدن السوريّة وعاصمة البلاد الإقتصاديّة، إذ كان يقطن في محافظة حلب 6 ملايين نسمة قبل اندلاع النزاع المسلّح فيها في تمّوز/يوليو من عام 2012، كأكبر تجمّع سكانيّ في سوريا. ولهذا لفتت جريدة “التايمز”(3)البريطانيّة إلى أنّ معركة حلب تعتبر معركة حيويّة بالنّسبة إلى قوّات النّظام، وأشارت إلى أنّ النّظام لو استطاع الفوز في معركة حلب، فإنّ بشّار الأسد “سيربح الحرب”، في حين تظهر مدى أهميّة المدينة بالنّسبة إلى قوّات النّظام وحلفائه في تصريح الأمين العام لـ “حزب الله” اللبنانيّ حسن نصر الله في خطابه بـ 24 حزيران/يونيو 2016، حين اعتبر أنّ حلب تمثّل معركته الكبرى في سوريا (4).

 

2ـ أهميتها لقوات الثورة:

تعتبر المعارضة السوريّة حلب أحد أهمّ معقلين لها في شمال سوريا، إضافة إلى مدينة إدلب، فهي تعتمد في شكل كبير على الإمدادات العسكريّة والمساعدات الإنسانيّة الّتي تصلها من خلال المعابر الحدوديّة شمال مدينة حلب، “وفي حال إكمال قوّات النّظام مشروعها في الوصول إلى المناطق الحدوديّة في محافظة حلب، فهذا يعني خسارة أهمّ طرق إمداد المعارضة السوريّة. كما أنّ خسارة معركة حلب بالنّسبة إلى المعارضة السوريّة تمثّل نكسة معنويّة واستراتيجيّة كبيرة”،لا سيّما أنّ المعارضة السوريّة لم يبق لها من المدن سوى حلب وإدلب. كما تدرك المعارضة السوريّة المسلّحة جيّداً أنّه فيما لو سيطرت قوّات النّظام على مدينة حلب، فهذا يعني أنّ ذلك يشكّل ضغطاً كبيراً عليها أمام الدول الداعمة لها كالسعودية وتركيا مما يمكن أن يضعف ثقة تلك الدول بإمكانيات المعارضة المسلحة، خصوصاً أنّ حلب تشكّل أكبر معاقل المعارضة السوريّة، في حين تخضع مدينة إدلب لسيطرة مشتركة بين المعارضة المسلحة وفصائل إسلامية أخرى أهمها جبهة النصرة وجند الأقصى. (5)

كما أن سقوط حلب، إضافة إلى كونه نكسة استراتيجية، فإنه سوف يمثل انتكاسة معنوية كبيرة للثوار خاصة بعد الخسائر المتتالية خلال الأسابيع الماضية في اللاذقية ودرعا وحمص وريفها.

 

3ـ أهميتها لنظام بشار والروس:

يشير تحليل ميداني نشره مركز أتلانتيك كاونسل(6) إلى أن استراتيجية النظام في الوقت الحالي لا تعتمد إلى السيطرة على الأراضي بشكل متصل بقدر ما تهدف إلى عزل المعارضة في جيوب صغيرة يسهل التعامل معها لاحقا، وقطع خطوط إمداداتها وعلى الأخص مع تركيا. وهذا ما يفسر خطورة معركة حلب ويفسر أيضا تركيز النظام نحو حلب بدلا من إدلب وحماة. ويرجح المركز أنه بعد أن يطمئن النظام بشكل تام إلى نجاحه في قطع خطوط الإمداد التركي عن المعارضة في حلب عبر معبر “باب السلامة” من خلال إحكام السيطرة ممر عزاز، فإنه سيقوم بنقل تركيزه إلى منطقة أخرى وسوف تكون إدلب، المنفذ الآخر للمعارضة مع تركيا هي المرشح القادم للعمليات.

وبالرغم من أن النظام يُعطي الأولوية لمحاربة الفصائل المعارضة من غير تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن خبراء يرجحون أن استيلاء النظام الوشيك على حلب قد يمنحه الفرصة لتحقيق انتصار رمزي ضد تنظيم الدولة الإسلامية على الأطراف الشرقية للمدينة، وهو ما قد يمنحه نقطة إضافية في تعزيز صورته أمام الغرب، وتكريس ثنائية الأسد أو الدولة الإسلامية التي تسعى سوريا إلى تعزيزها من خلال قصف سائر فصائل المعارضة، وليس الدولة الإسلامية كما تزعم(7).

من ناحية أخرى، فإن تحقيق الانتصار في حلب سوى يقوي الموقف الداخلي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين داخل بلاده، في ظل الأزمة الاقتصادية وتراجع العملة المحلية، والتشكيك في جدوى الاستثمار في الحملة الروسية في سوريا. (8)

 

4ـ أهميتها للغرب والقوى الإقليمية:

على الجانب السعودي، فإن سقوط حلب في يد النظام سوف تتم قراءته على أنه انتصار جديد لإيران في سوريا، وهو انتصار لحزب الله أيضا، أحد الشركاء الرئيسين في معارك حلب، وعلى الجانب التركي تبدو الأمور أكثر وضوحا، فمن ناحية فإن سقوط حلب سوف يضع النظام السوري وروسيا في مواجهة مباشرة مع تركيا. وهو يعني وصول الحرب فعليا إلى الأراضي التركية عبر تطويق حدودها بحزام علوي كردي، خاصة في ظل المحاولات التي تشير إلى سعي روسيا لاستقطاب حزب الاتحاد الديموقراطي السوري المعادي لتركيا، بما يعني أن ريف حلب الشمالي قريب من الوقوع في حصار كامل بين تنظيم الدولة الإسلامية، ووحدات “حماية الشعب الكردية المتمركزة في بلدة عفرين شمال غربي حلب، وقوات النظام السوري ” (9)

لكن في الوقت ذاته تجد حلب نفسها محشورة بين ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” إلى الشرق والمجموعات الكردية السورية إلى الشمال الغربي. خاض تنظيم “الدولة الإسلامية” والمجموعات الكردية معارك مع بعضهما البعض، وكلاهما اشتبك مع متمردين مناوئين للأسد مثل جيش الفتح. إذا هُزِم المتمردون في حلب، يمكن أن يسيطر مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية والمجموعات الكردية على مناطق نفوذ جديدة، هذا السيناريو في حال تحققه سيثير مخاوف تركيا كثيرا. (10)

وبالنسبة للغرب، فلن تقتصر تداعيات سقوط حلب المحتمل على المنطقة فقط، بل ستمتد إلى خارجها. وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية فإنه على الغرب أن يستعد لموجة جديد من اللجوء أعنف من سابقتها. كما أن عليه أن يكون مهيئا كي يعي أن استئناف الجهود الدبلوماسية قد صار أمرا أكثر تعقيدا من ذي قبل في ظل وضوح النوايا الروسية(11).

وعليه فإن حلب هى الرقم الأصعب في الجغرافيا السياسية للمنطقة، وهو ما جعل السياسيّ والصحافيّ السوريّ عمّار البكور يقول لـ “المونيتور”(12): “أهميّة مدينة حلب تكمن في ناحيتين، الأولى هي النّاحية الرمزيّة والمعنويّة، إذ تعتبر حلب أهمّ مدينة سوريّة بعد العاصمة دمشق، لكونها عاصمة سوريا الإقتصاديّة، فهي المحافظة الّتي تضمّ ربع سكّان سوريا. أمّا النّاحية الثانية فهي النّاحية العسكريّة، فمن ينتصر في حلب يمهّد الطريق للانتصار على مستوى سوريا بأكملها، ولو فرضاً استطاعت المعارضة السيطرة على حلب، فإنّها بعد ذلك ستنقل المعركة إلى مدينة حماه أيّ وسط سوريا، وتفقد آمال النّظام بالتّواجد في الشمال السوريّ.

وبذلك، تكسب المعارضة شريحة كبيرة جديدة من المجتمع السوريّ. كما سيؤدّي ذلك إلى انهيار النّظام معنويّاً وعسكريّاً”. أضاف: “أمّا إذا سيطر النّظام على حلب فهذا يعتبر خسارة كبيرة للثورة السوريّة وتهديداً لها، لأنّ النّظام لن يقف عند أسوار حلب فحسب، بل سيتقدّم نحو مدينة إدلب المعقل الثاني للمعارضة في سوريا، ممّا سيشكّل خطراً كبيراً على مسار الثورة السوريّة. ولذلك، المعركة في حلب هي مصيريّة للطرفين”.

 

ثانياً: الأحداث الرئيسية في حلب منذ بداية الثورة: (13)

في 19 يوليو 2012 بدأت معركة تحرير حلب وسيطرة الثوار عليها تباعا، ومنذ مطلع 2013 وحتى عام 2016 لم تستطع قوات النظام إسقاط المدينة من يد الثوار، وفي مطلع شهر فبراير من سنة 2016، التقت وحدات قوات النظام والقوات الرديفة مع اللجان الشعبية في نبّل والزهراء في ريف حلب الشمالي الغربي، وتم على أثرها فكّ الحصار عن نبّل والزهراء، مما أدى إلى فصل الريف الغربي عن الشمالي في مدينة حلب، وأخرج طريق أعزاز بوابة الإمداد التركية لمسلحي أحياء حلب الشرقية عن الخدمة في معركة سميت طوق حلب. وفى شهر يونيو 2016، بدأ تقدم قوات النظام وأعاد السيطرة على مناطق حيوية واستراتيجية وهي مزارع الملاح ودوار الليرمون وتل جبين وحي الخالدية. وفي الثامن من يوليو 2016، وقع هجوم مفاجئ لقوات النظام، تدعمها مليشيات أفغانية وأخرى عراقية، على رأسها ما يسمى “لواء الباقر”، على مواقع المعارضة في منطقة الملاح شمال مدينة حلب، يمكنها من السيطرة ناريا على طريق الكاستيلو، آخر طرق إمداد المعارضة المسلحة إلى مناطق سيطرتها في مدينة حلب، والشريان الإنساني الوحيد لنحو أربعمئة ألف إنسان.

وفي شهر أغسطس آب 2016، أطلقت فصائل المعارضة المسلحة المنضوية تحت ما سمي “غرفة فتح حلب” معركة سمتها ملحمة حلب الكبرىبهدف كسر الطوق الذي فرضه قوات النظام على الأحياء الشرقية لمدينة حلب، وبالفعل نجحت فى كسر الحصار بشكل لم يدم طويلا لشدة القصف الروسي. وفي أواخر سبتمبر 2016، بدأت روسيا وسوريا القيام بغارات جوية على الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة شرق المدينة.

في 6 أكتوبر 2016، عرض بشار الأسد العفو للمسلحين في المدينة. حيث عرض إجلاءهم هم وأسرهم إلى مناطق خارج سيطرة الدولة، ورفض المسلحين هذا الاقتراح، وعرض مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا دي ميستورا مرافقة المعارضين المنسحبين شخصيًا واتهمهم باحتجاز السكان المدنيين رهائن.

وبدءاً من 27 تشرين الثاني/نوفمبر، تهاوت دفاعات القسم الشرقي من مدينة حلب الذي يسيطر عليه الثوار، ما سمح لقوات النظام بإطلاق عملية عسكرية سعياً إلى فصل حلب الشرقية (معقل المعارضة في حلب) إلى قسمين. وخوفًا من أن يحاصرها النظام، فرّت قوات المعارضة التي كانت متواجدة في القسم الشمالي من حلب الشرقية إلى القسم الجنوبي منها، فيما تبعثر المدنيون في شتّى الاتجاهات، منهم من ذهب إلى عمق القسم الشرقي من المدينة الذي يسيطر عليه المسلحون، ومنهم من اتجه نحو غرب حلب الذي تسيطر عليه القوات الحكومية. سمحت الفوضى الناجمة عن ذلك للنظام بتحقيق مزيدٍ من المكاسب. ومع تقدّم قوات النظام أيضاً داخل حي الشيخ سعيد الجنوبي، بالتزامن مع القصف الجوي على المدينة، باتت تضيّق الخناق على المعارضة من المحاور كافة تقريباً، وفي 22 ديسمبر 2016 سقطت حلب واستعاد النظام السيطرة على المدينة كاملة.

 

ثالثاً: لماذا سقطت حلب؟

إن سقوط حلب كان نتيجة طبيعية لعدة عوامل، عملت جميعها بشكل متراكب ومتداخل مما أدى إلى سقوط المدينة، وكان من أهم تلك العوامل ما يلي:

1ـ السيطرة ناريا على طريق الكاستيلو: كان نجاح قوات النظام على السيطرة على طريق الكاستيلو يوليو 2016 بمثابة الضربة الأخيرة التي جعلت سقوط المدينة تحصيل حاصل، وجعل من قدرة المعارضة على الصمود بعد قطع الإمدادات الغذائية والعسكرية التي كانت تأتيها عن طريق الكاستيلو والذي يعتبر الشريان الرئيسي للمعارضة فى حلب، جعل ذلك حالة تشبه الموت الإكلينيكي لقوات الثورة فى حلب.

2ـ انسحاب بعض قوات المعارضة للمشاركة مع الأتراك فى درع الفرات: طلبت القوات التركية بعملية درع الفرات من بعض الفصائل بالانسحاب من حلب أو جوارها للمشاركة معها فى عمليتها العسكرية ما أدرى إلى تقليص القدرة الدفاعية لمدينة حلب (14).

3ـ غياب الخطط الاستراتيجية للمعارضة: لم تقم المعارضة بإعداد الخطط الاستراتيجية (15) التي كانت تضمن لها تجنب الخسائر الفادحة وجنى المكاسب المؤثرة، وذلك كانت نتيجة طبيعية لضعف المؤهلات لدى قيادات الفصائل، وانشغالهم بعشرات المعارك الفرعية على حسب التركيز فى المعركة الرئيسية وقتال العدو الواحد المشترك. وجدير بالذكر أن معظم قيادات الفصائل كانت هذه أول تجربة عسكرية وسياسية لهم، فالحرب السورية كما يقول الخبراء (15) أنها أول عملية سياسية على الساحة السياسية السورية منذ قرن. فبالضرورة أدى ذلك كله إلى حالة من ضعف الخبرة والتردي فى الأداء وتقدير الأمور والتخطيط الجيد لها. وغياب الرؤية السياسية لكل منها وعدم تقديم أي منهم مشروعا يستطيع من خلاله أقناع أحد بأنه قادر على إدارة الدولة فى حالة سقوط الأسد.

4ـ التفرق والتشرذم والاقتتال فيما بينها: تبلغ قوات المعارضة أكثر من تسعين فصيلا، كلهم مختلفون فى الإيدلوجيا والتوجهات والأولويات، وأدى ذلك بلا شك إلى حالة شديدة من اللافعالية والضعف فى المواجهة، وجعل القدرة على صد الهجمات المتوالية شيئا مستحيلا. وليس الأمر مقصورا على تعدد الفصائل وتشرذمها فقط، بل وصل إلى حد الأقتتال فيما بينها بشكل متواصل، وعلى سبيل المثال، ” فقد سقط النصف الشرقي من مدينة حلب، حين سحبت آلاف مقاتلي المعارضة ليخوضوا معركة ضد قوات سورية الديمقراطية بقيادة الأكراد فى جرابلس. وغير ذلك من الأمثلة الكثير ” (16).

5ـ التمويل المرتبط بالمصالح: اعتمدت جميع الفصائل على التمويل من دول تمثل لها سورية منطقة نفوذ واهتمام، مما أدى إلى تعطل التمويل فى بعض الحالات وفق أجندات ورؤى تلك الدول، فعلى سبيل المثال فقد تعرضت كلا من السعودية وتركيا لضغوط كبيرة لمنع تقديم الأسلحة للقوى السورية المعارضة، من أجل إجبارها على حضور المفاوضات بجنيف وهو ما ترك المعارضة في موقف هش في مواجهة الطيران الروسي.

 

خامساً: ماذا يتوقع أن يحدث؟

1ـ على المستوى العسكري:

يمثّل سقوط حلب، الذي بدا مستحيلاً قبل بضعة أشهر، نصراً ساحقاً للقوات الموالية لنظام بشار الأسد. لكن السؤال الملّح الآن هو إلى أين ستتّجه هذه القوات: شرقاً كي تُواجه تنظيم الدولة الإسلامية، أم غرباً لدحر معاقل المعارضة في مقاطعة إدلب وحول مدينة درعا؟

بدا في أواسط كانون الأول/ديسمبر 2016 أن تنظيم الدولة الإسلامية ردّ على هذا السؤال، عبر إعادة انتزاعه المُثيرة والمُفاجئة لتدمر من أيدي قوات النظام، واندفاعه السريع نحو القاعدة العسكرية الاستراتيجية تي-44 شرق حمص. بيد أن النظام لطالما منح الأولوية لألحاق الهزيمة بالمعارضة في الأجزاء الغربية من سورية، بدلاً من مقارعة الدولة الإسلامية. ولذلك يُرجّح الآن أن يواصل النظام هذا المنحى إلى أن يحقق هذا الهدف. وهذا في الواقع ليس أمراً مفاجئا. بيد أن معارضي النظام لازالوا غير مستعدين لمواجهة ما هو آتٍ.

يكشف سقوط تدمر في أيدي الدولة الإسلامية للمرة الثانية منذ أيار/مايو 2015، على رغم القصف العنيف، عن عجز النظام عن الاضطلاع بعمليات عسكرية كبرى على جبهات عدة في آن. ففي غياب المستشارين الروس والدعم الجوي، أو صلابة مقاتلي حزب الله، لايزال الجيش السوري عاجزاً عن تعويض النقص في القوة البشرية، ويعاني من عدم كفاءة هيكلية القيادة والسيطرة، ومن ضعف ترابط وتلاحم الوحدة العسكرية بسبب انخفاض المعنويات وفقدان الثقة بكبار الضباط. وهذا سبب إضافي يدفع النظام إلى تأجيل وجهه نحو الرقّة.

والنظام، وبعد الفشل البائس لمحاولته السابقة الإطباق على الرقة، لن يتوجّه حتى إلى هناك من دون الغطاء الجوي الروسي الذي حُجِبَ في المرة السابقة، بل سيفضّل تعزيز سيطرته على حلب عبر إخراج مقاتلي المعارضة من المناطق الواقعة إلى جنوب المدينة. كما قد يواصل التركيز على الباب، شمالي المدينة، بهدف صرف قوات درع الفرات المعارضة المدعومة تركياً عن دخولها إلى هناك، والحفاظ في الوقت نفسه على خيار استعادة القرى التي يسيطر عليها الدولة الإسلامية إلى الشرق.

لكن، ثمة ما هو أهم هنا، فقوات النظام قد تحاول استعادة السيطرة على الطرق السريعة التي تربط حلب بحماه واللاذقية في المنطقة الساحلية. صحيح أن معارك مريرة ومديدة تنتظر النظام حينئذ، والتقدّم سيكون تدريجياً، لكن التصعيد الأخير في الغارات الجوية على المراكز المدينية التي تسيطر عليها المعارضة والمحاذية لأجزاء كبيرة من الطرق السريعة، تشي بأن الاستعدادات لحملة عسكرية جديدة تجري على قدم وساق. والحال أن إعادة فتح الطرق السريعة أمام حركة المرور المدنية، سيوفّر دليلاً لايُدحض على زعم النظام بأنه يُسيطر على المراكز السكانية في البلاد، وسيحسّن إلى حد كبير قدرته على تحريك التعزيزات العسكرية من خطوط جبهة إلى أخرى، مُحققاً بذلك تعهّد الأسد في أواسط تشرين الأول/أوكتوبر باستخدام حلب كمنصّة وثوبٍ إلى مناطق أخرى. (17)

 

2ـ على المستوى السياسي:

بعد ساعات قليلة من سقوط حلب وحسم المعركة، بدأ الروس فى جنى حصاد المعركة سياسيا، فقد اجتمع وزير الخارجية لكل من روسيا وتركيا وايران معلنين عن ” وثيقة موسكو(18) ” والتى تمثل خارطة طريق لسوريا ما بعد الحرب، والوثيقة تعلن باختصار اعلان انتصار لموسكو وأنها صاحبة الكلمة الحاسمة فى الشأن السورى، وبنود الوثيقة تشمل ثمانية بنود أهمها علمانية سوريا ووقف الاقتتال ومحاربة النصرة وداعش واستئناف مباحثات السلام بموجب قرار 2254،(19) واتفقت الأطراف على وقف شامل لاطلاق النار، والاتجاه إلى التهدئة وتحويل الملف السورى إلى منطقة نزاع ساخن غير عسكرى.

والمعارضة بلا شك لن تستطيع الموافقة على وثيقة موسكو، ولكن الوضع العسكرى ربما يجعلهم أكثر إذعانا، لا سيما بعد رغبة دول الإهتمام بغلق الملف السورى، وبالتالى قطع التمويل عن فصائل المعارضة، ووجود ترامب فى الرئاسة الأمريكية التي تشير كافة المؤشرات أنه متجانس الطرح مع موسكو إزاء الملف السورى.

وجدير بالذكر أن المعارضة السورية كانت في حالة انحدار منذ أمد طويل، إلا أن سقوط حلب سيفاقم هذا المنحى وسيُظهّر أكثر الانشطارات الداخلية في صفوفها، كما تشي بذلك التوترات التي تترى الآن في حركة أحرار الشام.

 

خاتمة:

فى مطلع آب أغسطس 2016 ” فرضَ ائتلاف جيش الفتح سيطرته على الراموسة والمنطقة المحيطة بكلية المدفعية، طوال شهر كامل تقريباً، وحوّل الاستيلاء على كليّة المدفعية الهزيمة إلى نصر، وأحيا من جديد آمال الثوار بتحقيق النصر في المدينة في نهاية المطاف” وكان الداعية الجهادي السعودي عبدالله المحيسني قد زمجر متوعّداً(20)، في شريط فيديو ترويجي من الراموسة، قائلاً: “إن المعركة ليست لفك الحصار، فك الحصار بداية المعركة، المعركة بإذن الله لنلقي الخطبة الثانية في ساحة سعد الله الجابري”، في إشارة إلى الساحة الشهيرة في وسط حلب.

لكن الثوار لن يُلقوا أي خطبة قريباً في ساحة سعد الله الجابري ولا غيرها مادامت الفرقة والنزاع والاقتتال بينكم على أشده، وطالما أنكم لم تتحدوا على امام واحد يجمعكم فى صلاة جمعة واحدة، فلن تسعكم المساجد حينئذ. على الثوار وعلى قيادات الفصائل أولا والاجتماع على كلمة واحدة وراية واحدة ورؤية جامعة، هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا والشعب السوري والثورة السورية (1).

——————————-

الهوامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

(2) McElroy, Damien. “Badly armed rebels face tanks as Syria’s mother of battles begins”. The Telegraph. London, Hermant, Norman ( “Fears about the ‘mother of all battles’ for Aleppo”. ABC.

(3)^ Spencer, Richard “Aleppo ‘is becoming Syria’s Stalingrad'”. The Telegraph. Aleppo.

(4)http://www.thetimes.co.uk/article/death-in-aleppo-98f8dppfq

(5)فيديو لحسن نصر الله بتاريخ 24 يونيو 2016، رابط الفيديو: goo.gl/ptOC7W

(6) «الغارديان»: سقوط حلب في يد «الأسد» وروسيا يهدد الشرق الأوسط وأوروبا

(7)أتلانتك كاونسل: الأهمية العسكرية والسياسية لمدينة حلب

(8)تقرير الجزيرة: كيف وقعت حلب تحت الحصار

(9)«بوتين» يترقب سقوط حلب السورية لتحقيق انتصار شخصي

(10)ماذا تمثل خسارة سوريا للاستراتيجية السعودية؟

(11)المصدر الأخير

(12)«الغارديان»: سقوط حلب في يد «الأسد» وروسيا يهدد الشرق الأوسط وأوروبا

(13)حوار مع صحيفة المونيتور

(14)الويكيبيديا بعنوان معركة حلب

(15)لقاء مع الصحفى وسيم نصر بتلفزيون فرانس 24

(16)المحلل العسكري فايز الأسمر على تلفزيون الجزيرة

(17)يزيد صايغ ، معهد كارنيجى: وماذا الأن

(18)يزيد صايغ ، معهد كارنيجى: وماذا الأن

(19)وثيقة موسكو تلفزيون العربية

(20)بنود وثيقة موسكو الثمانية

(21)رابط الفيديو

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close