fbpx
مختارات

ستراتفور: التحالف السني شراكات غريبة

تمهيد

جَليَّةٌ هي الأسباب التي تقف وراء النفور المصري-التركي في الآونة الأخيرة؛ حيث رفضت أنقرة الاعتراف بالحكومة المصرية التي جاءت إلى السلطة عقب انقلاب عسكري في عام 2013. وبعدما هجَّر الجيش العديد من المصريين وقادة الإخوان المسلمين، وجدوا ملجئًا في تركيا، التي يحكمها حزب إسلامي مقارب لهم في التفكير ومتعاطف معهم في محنتهم.

لقد جرت مياه كثيرة تحت الجسور، دون أن تفعل الأيام شيئًا يُذكَر لإصلاح العلاقات؛ بل وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره المصري الجنرال عبد الفتاح السيسي بـ “الطاغية”. وفي المقابل، حاولت مصر استمالة إسرائيل؛ لمنع وصول المساعدات التركية إلى حماس في قطاع غزة. فضلا عن دعم تركيا مليشيات ليبية لا تحظى بقبول القاهرة.

لكن يبدو أن مصر وتركيا مستعدتان للتخلي عن بعض خلافاتهما؛ من أجل مصلحتهما. حيث تشير مصادر قريبة من المفاوضات الجارية أن المستقبل القريب قد يشهد اتفاقا بين البلدين، تلغي مصر بموجبه أحكام الإعدام الصادرة بحق قيادات الإخوان في مقابل اعترافٍ رسمي بحكومتها. وتلعب المملكة العربية السعودية دورا مركزيا في هذه المفاوضات؛ التي تأتي في سياق سعيها لحشد الدول السنية إلى جانبها لمواجهة التطورات الإقليمية، بما في ذلك التقارب بين الولايات المتحدة وإيران.

أبعاد العلاقة

أيًّا كانت الخلافات بين مصر وتركيا، فإنها لا ترقى لمستوى التهديدات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها البلدان؛ فكلاهما يصارع لاحتواء نشاط متطرف داخل حدوده.

وبالنسبة لمصر، حدثت نقطة التحوُّل في أكتوبر 2015، عندما فجَّر مسلحو تنظيم الدولة طائرة روسية فوق شرم الشيخ، الوجهة السياحية المصرية الأكثر أهمية. في الوقت ذاته، تسبب المتشددون من شبه جزيرة سيناء وليبيا في مقتل مئات الجنود وضباط الشرطة المصريين، كما قتل متطرفون محليون مسئولين أمنيين، من بينهم النائب العام المصري.

لكن إدارة هذا النوع من القضايا الأمنية يتطلب قبل أي شيء حل المشكلات الاقتصادية الخطيرة-ارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانخفاض احتياطيات العملة، وعدم القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية-التي تدفع الشباب الساخط إلى أحضان الجماعات المتطرفة، في المقام الأول.

في المقابل، تمتلك السعودية المال الذي يحتاجه الاقتصاد المصري للبقاء واقفا على قدميه. بل منحت الرياض بالفعل مليارات الدولارات للقاهرة، على مدار السنوات القليلة الماضية، في ثوب استثمارات وقروض ومنح. لكن هذه المساعدات السعودية-بطبيعة الحال-لها ثمن. حيث تتعرض القاهرة لضغوطٍ من أجل الموافقة على مطالب أنقرة بإلغاء أحكام الإعدام بحق الإخوان المسلمين-وهي الحيلة التي تهدف إلى تحسين العلاقات السعودية التركية-كما يجب عليها أيضا مواصلة دعمها المتزايد للتحالف العسكري لمكافحة متمردي الحوثيين في اليمن (وربما مساعدة الجماعات المدعومة سعوديا في سوريا).

وينسجم هذا التكتيك مع الاستراتيجية السعودية الإقليمية الأوسع لبناء تحالف من الدول السنية يستطيع مواجهة إيران، بينما تشقّ طهران طريق العودة مرة أخرى إلى المجتمع الدولي. ولتحقيق هذه الغاية، حاولت الرياض تجنيد أعضاء مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي؛ لتشكيل تجمع مشترك لمكافحة الإرهاب.

وسوف تكون القوة العسكرية المصرية مفيدة في هذا الصدد. بل لدى مصر مصلحة في أن تتماشى مع الخطط السعودية. ففي غياب الدعم المالي اللازم لمحاربة التشدد في سيناء وليبيا، تستفيد مصر من وجود راعٍ أجنبي آخر، ويا حبذا لو كان راعيًا يسمح للقاهرة بملاعبة داعميها الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا.

علاوة على ذلك، تدرك مصر أن حل الأزمة في العراق وسوريا، مع شبكة معقدة من اللاعبين الخارجيين، يمكن أن يُنهي بعض أعمال العنف المتصاعدة داخل حدودها، وهو ما لا تستطيع القاهرة القيام به وحدها.

وتعتزم السعودية إحاطة نفسها بدول سنية يمكنها إدارتها. لكن تجدر الإشارة إلى أن هذا التصميم ينبع من مخاوفها الأمنية الخاصة في الداخل، لا سيما في أوساط شيعة المنطقة الشرقية. لكن المملكة أقل عرضة للتطرف من مصر؛ ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى تفوق الاقتصاد السعودي. وإن كان انخفاض أسعار النفط يمكن في نهاية المطاف أن يخلق عدم استقرار اقتصادي من الطراز الذي تزدهر فيه عمليات التجنيد الجهادية. وانخراط المملكة بقوة في الصراع اليمني خير شاهد على تقديرها الشديد للاستقرار-خاصة الاستقرار الذي يقوده السنة-على حدودها.

هذا يُفَسِّر أيضًا لماذا تريد السعودية تركيا إلى جانبها. فكما هو الحال في اليمن، تسعى الرياض لإقامة دولة سنية في سوريا والعراق شمالا. وبموازاة الجهود السعودية للقيام بذلك وصلت تركيا-مثل مصر من قبل-إلى نقطة اللاعودة بعد التفجير الانتحاري السوري الذي وقع قبل أسبوعين وأسفر عن مقتل 10 أتراك وأجانب في قلب منطقة إسطنبول السياحية.

وبعد أن فوتت تركيا فرصة سابقة، قد تكون الآن مستعدة للتدخل بقوة أكبر في الصراع الذي يشهده الجنوب. وبطبيعة الحال، سوف يؤدي زيادة العمليات العسكرية هناك إلى تفاقم التوترات مع روسيا، ما يضطر تركيا إلى العمل مع شركاء آخرين لتحقيق الاستقرار على حدودها.

ولتجنب عزل نفسها، سوف تعمل تركيا على نحوٍ أكثر فعالية تحت مظلة ائتلاف سني، حيث لا يمكن لروسيا سياسيا مهاجمة ائتلاف بهذا الاتساع. وهذه الأولوية المشتركة مع السعودية تُوَحِّد القوتين السنيتين كما لم يحدث من قبل.

أما الصفقة التي توسطت السعودية لعقدها بين مصر وتركيا فقد ظلت لأشهر في طور التكوين. حيث طرح الملك سلمان الموضوع على السيسي في وقت مبكر من شهر مارس 2015، قبيل التعهد بمليارات الدولارات من المساعدات إلى مصر في القمة الاقتصادية، وفقا لمصادر ستراتفور.

صحيح أن أحكام الإعدام الصادرة بحق أبرز قادة الإخوان المسلمين، بما في ذلك الرئيس السابق محمد مرسي والمرشد محمد بديع، لا تزال راسخة لم تراوح مكانها. لكن القاهرة تحركت بهدوء لإلغاء أو تخفيف العقوبات المفروضة على أعضاء آخرين في ديسمبر، كما فعلت شيئًا مشابهًا مع بديع.

ورغم أن قوات الأمن المصرية لا تزال تلقي القبض على المتظاهرين التابعين للإخوان، فإن التنازلات التي قدمتها مصر في ديسمبر قد تكون كافية ليعترف أردوغان بالمجلس العسكري. وعملت تركيا بجد مؤخرًا لتحسين علاقاتها الشرق الأوسطية، كما أن التحرُّك تحت مظلة تحالف أوسع مع السعودية يؤدي ليس فقط إلى تحسين صورة أنقرة في العالم العربي، بينما تزداد سياستها حزمًا، ولكنه يساعدها أيضا على تخفيف ردأت الفعل الروسية المحتملة في ساحة المعركة طالما أن هناك عدد أكبر من المشاركين.

لكن هناك أيضًا اعتبارات اقتصادية؛ ففي عام 2015، استُبعِدَت أنقرة من المجموعة التي حققت الاستفادة الأكبر بشكل مباشر من اكتشاف حقل زهر للغاز الطبيعي في مصر. وتحرص تركيا الآن على إدراج نفسها في معادلة الطاقة، والترويج لنفسها لدى إسرائيل وقبرص باعتبارها دولة العبور الأكثر جدوى اقتصاديا لضخ الغاز الطبيعي إلى أوروبا.

هنا أيضًا تتحاذى مصالح تركيا ومصر؛ فلكي تستفيد تركيا من حقل زهر-ولكي تصبح مصر عضوا في التحالف السعودي-ينبغي على أنقرة الاعتراف بشرعية الحكومة في القاهرة. هذه المصالح المشتركة قد تمهد الطريق لتعاون أوثق بين تركيا ومصر، لكن يبقى السؤال حول مدى سرعة البلدين في التغلب على خلافاتهما.

ومن المرتقب أن تستضيف إسطنبول، في أبريل القادم، قمة منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم مصر وتركيا في عضويتها. وإذا حضر السيسي، ستكون هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها مسئول مصري رفيع المستوى تركيا منذ الانقلاب العسكري عام 2013. وفي هذه الحالة ستكون القمة مؤشرا جيدا على مدى نجاح الجهود السعودية في إحداث تقارب بين البلدين.

———————————

المصدر: مركز ستراتفور، ترجمة: علاء البشبيشي، 23 يناير 2016، الرابط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close