fbpx
قلم وميدان

قلم وميدان: قصص من دفتر الإخفاء القسري

تزايدت في الآونة الأخيرة جريمة الإخفاء القسري بحق المواطنين من قبل النظام الانقلابي؛ حيث أكدت لغة الأرقام فيما تم توثيقه فقط لعام 2015 تعرض 1840 مواطنا لتجربة الإخفاء القسري؛ فيما بلغت عدد الحالات التي ظهرت منها 1238، حيث تراوحت مدد إخفائها ما بين 48 ساعة إلى 150 يوما، في حين هناك 366 حالة لم تظهر، و236 لم يتم الوصول لوضعها إلى الآن.

والحقيقية أن من يقترب من تلك الظاهرة، وهذه الجريمة، يرى نفسه مضطرا إلى الولوج إلى ما هو أعمق من مجرد الأرقام، فخلف كل حالة إخفاء أسرة محطمة، تلهث خلف أحد أفرادها بحثا عنه في أروقة السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز السرية.

تحاول تلك السطور أن تقترب من حقيقة المعاناة، وما تتركه من أثرعلى أفراد الأسرة جميعهم..

رسائل تهديد وطلبات فدية

تحكي أولى القصص “سارة محمد” نجلة الطبيب المختفي قسريًا “محمد السيد محمد إسماعيل”، فهي حالة إنسانية خطها ألمُ فراق والدهم بعد حادثة اختطاف يندى لها جبين الكرامة، في بلد يتغنى بأحلام الحق في الحياة واحترام آدمية البشر، ومن المؤلم أن هذه الحالة نموذجٌ للعديد من الحالات الأخرى بأحداث مأساوية.. بأماكن مختلفة ومشاهد مؤلمة…

تقول “سارة”: “عيد ميلاد أبي شهر مايو المقبل حيث الاحتفال بعامه التاسع والخمسين من عطائه ورعايته لنا، أبي حنون جدا وطيب القلب وكان يعاملنا بكل حب وكان لا يعرف إلا الأدب الراقي، وكان الروح والبلسم الشافي لكل جروحاتنا، وكان الوعاء الحامي لنا من غدرات الحياة.. كنت أود أن أحتفل معه وأفرح معه، كما يفرح الابن بأبيه ويفخر به”.

تتابع “سارة” عن يوم الاختطاف: “يومها كان والدي في عيادته حيث يعمل طبيب جراح واستشاري الجراحة العامة والأورام والحروق ومدير مستشفىالقنايات المركزي، اتصلت به أستنجد به فعندما ألمّ بوالدتي تعب شديد، جاء مسرعًا وأحضر معه بعض الأدوية، وكانت الساعة وصلت الحادية عشرة مساء، ترقبنا وصوله.. فإذا بنا نفزع لدوي طلقات نارية أسفل المنزل، نزلنا مسرعين وأمي تصرخ من الألم وهو يصرخ فيهم دعوني أنقذ زوجتي”.

تضيف: “كانوا مجموعة من الرجال الملثمين، ضخام الجثة يرتدون ملابس سوداء، مسلحين بأسلحة نارية، خطفوا والدي تحت تهديد السلاح وأخذوه في السيارة ورحلوا، لا أتذكر من ذلك اليوم إلا ونحن نجري خلف السيارة مسرعين ننادي على أبي ولا نفهم ما يحدث”.

“جاءت الشرطة بعد الواقعة بثلث الساعة ورفضت عمل محضر بالواقعة، وتركت مكان الواقعة وذهبت للعيادة لتعبث بأوراق أبي الشخصية، شهد بعض الجيران في محضر رقم 40620 وكانت رواياتهم أنه وأثناء دخول الدكتور محمد بيته هجم عليه 4 ملثمين بعدما قاموا بإطلاق النار عليه وأخرجوه من سيارته الملاكي ووضعوه في سيارتهم وهددوا أن أي شخص سيتدخل سيموت”.

تقول “سارة”: “كان هذا يوم 24 / 8 / 2013، لم أفقد الأمل أو أتوقف عن تعقب آثار والدي، فقدمت بلاغا رسميا إلى السيد اللواء/ رئيس جهاز الأمن الوطني، أستغيث به للبحث والتحري عن والدي المختطف ولا نعلم عنه أي شيء ولا نعلم مكان احتجازه، كي يتسنى لنا زيارته والاطمئنان عليه، طبقا لما يكفله لنا الدستور والقانون، أيضا قدمت أسرتي عدة شكاوى للنائب العام ومجلس الوزراء ووزير الداخلية ووزير العدل ونقابة الأطباء ومدير أمن الشرقية، إلا أن الجميع لم يحرك ساكنا”..

“جاءتنا اتصالات تهديد تقول: (هناخد حق السنة الليمسكتوا فيها البلد، والدكم كان عضو بلجنة الإغاثة ماشيهنشوف ونوريكم)، بعضهم طلب فدية ستة ملايين جنيه وهكذا.. إلى أن انقطعت الاتصالات”.. “والدي لديه ظروفه الصحية الخاصة جدا مع العلم أن سنّه هذا لا يحتمل ما يحدث له”.

تؤكد “سارة”: “لم نتمكن من الوصول لمكان والدي سوى أنه في مكان “أمني” شديد، ثم وصلتنا أخبار أنهبسجن العازولي، لا يتخيل أحد مدى معاناة أسرتنا عندما تتسرب إلينا هذه الأخبار، خاصة بعد قصص يرويها أناس خرجوا من هذا المكان أنهم فعلا رأوا الموت بأعينهم”.

وتختتم “سارة”: “لم أر أبي منذ أن اختطفوه، ولا أبالغ إن قلت إن الحياة توقفت عندنا وأصبحت حكرا على النيابات وأقسام الشرطة لمتابعة الأمر وعمل بلاغات للنائب العام والتواصل مع أي مصدر أمني بحثا عن شعاع للاطمئنان، والدي هو رب الأسرة يعولني أنا وإخوتي الست، يحبه الناس وله رصيد اجتماعي كبير لحسن خلقه وسمعته وتقديمه العون والمساعدة لمن يحتاج، وعمل عضوًا بلجنة الإغاثة بنقابة الأطباء العامة بالقاهرة، وله باع كبير في العمل الخيري والمجتمعي، أنا وأسرتي نعيش أقسى درجات اليتم وأبي على قيد الحياة، سوف يُتم التاسعة والخمسين عامًا في شهر مايو القادم فيكون مر ثلاث سنوات وهو ليس معنا ولا نراه، فقط يجول كـطيف جميل بمخيلتنا، فهو الحياة بالنسبة لنا بكل معنى الكلمة، لا أستطيع إلا أن أقول أعيدوا لي ولأسرتي حياتنا، رسالتي بسيطة… ولكنها صعبة على من يختطف والدي.. أنا وأسرتي نريد والدي”.

“عمرو إبراهيم”..الشاب الخلوق..

وفي قصة أخرى يحكي المحامي “إبراهيم عبدالمنعم متولي” فيقول: “أبحث عن ابني الشاب عمرو ذي الأربعة وعشرين ربيعًا، كان معروفا بالحكمة في تصرفاته ما جعل أصحابه ينادونه بالبطل عمرو؛ليس لأنه كان شخصا خارق القدرات، ولكن لأنه كان رجلا في المواقف حكيما في تصرفاته، محبّا لأصحابه وجيرانه وكان الأطفال يتعلقون به لحسن معاملته وبسمته التي لا تفارقه”.

عندما كنت أكتبت له كنت أقول: “إلى البطل عمرو… كنت أوصيه أن يكون شجاعًا وأن يقول كلمة الحق دائما وألا يخشى في الله لومة لائم، فحفظ كتاب الله وحصل على إجازة في رواية حفص عن عاصم”..

“خرج عمرو إبراهيم باحثا عن شقيقه بشارع الطيران بالقاهرة صبيحة يوم الاثنين 8 يوليو 2013عقب أحداث الحرس الجمهوري، ثم انقطع الاتصال به صباح ذلك اليوم، ظننت أنه تم القبض عليه ضمن المعتقلين عقب الأحداث، إلا أنني لم أجده ضمن المعروضين على النيابة العامة فزاد قلقي”.

يتابع “متولي”: “عندما بحثت عنه بين المصابين والشهداء والمجهولين لم أجده، توجهت ببلاغي للنائب العام ولنيابة مصر الجديدة لكن لا أثر، أخبرني أحد أصدقائه -و كان قُبِض عليه أربعة أيام في مكان سري- أخبرني أنه التقى بعمرو”..!!

“مرت الأيام سريعًا ولم يطمئن قلبي برؤيته أو سماع صوته أو حتى بمعرفة مكانه، حتى وصلني الخبر أن عمرو ضمن مجموعة في سجن وادي النطرون، محظور زيارتهم أو الاتصال بهم فلم نتمكن من زيارته، وعندما وكلت أحد المحامين للبحث عنه، أخبرني أنه لم يعد في سجن وادي النطرون ولن تستطيع أن تعرف مكانه أو أن تزوره”.

“كنت أحيانا أقول أأنا في كابوس أم في حقيقة، كل ذلك والأيام تجري دون لقاء، ثم جاءت الأخبار أنه تم نقله إلى سجن العزولي، وما أدراكم ما العزولي!! سجن سيئ السمعة من دخله مفقود والخارج منه مولود، تتوارد بعض الأخبار عما يدور به من تعذيب، يصل بالمحبوس إلى حد تمني الموت من شدة ما يلقاه، كنت أُخفي ذلك عن أمه مثلما كنت أخفيت عنها خبر غيابه لمّا لم أجده من شدة لهفتها على ولدها الذي تحبه، حيث كان أكثر إخوته برًا وإحسانًا لها، ويا لهول الألم الذي ينزل بها عندما تعلم من بعض أسر المختفين أن مجموعة من المختفين قد تم قتلهم للتخلص منهم وتصوير جثثهم على أنهم إرهابيون”.!!

يضيف “متولي:” والدة “عمرو” تحب أن تراه في الرؤيا لتطئمن عليه وتعرف حاله، أحيانا يأتيها في صورة حسنة، ومرات شاحب اللون ضعيف البنية، وإذا غاب سألتني ألم يأتك عمرو في الرؤيا؟ لقد غاب عني ولدي، إنه قلب الأم الذي ينفطر لغياب ولدها، ولا يفتر عن الدعاء على من حبسه عنها، فقد اقتربت مدة الغياب من الثلاث سنوات”…

يختتم “متولي”: “نحن على أمل أن يعود عمرو، مثلما عاد يوسف وأخوه إلى أبيهم يعقوب-عليه السلام-، ليس هو يوسف ولست أنا يعقوب ولكنا نتأسّى بهم وأظن أن الله لن يضيعنا، وأدعو الله أن يعود عمرو وأرجوه أن أكون أنا وأمه على قيد الحياة إشفاقًا عليه”.

المهندس عمرو نجل الأستاذ “إبراهيم” كان أحد الشباب المنتظر أن يحملوا عبء بناء هذه البلد ودفع مصانعها للعمل وتطوير إنتاجياتها، لكن أن تراه بدلا من ذلك مختفيًا عن أهله قسرًا، محروم من رؤيتهم ومحرومون منه؛ حينها تأسف على بلد يفرط في شبابه دون اعتبار….

زوجة لم تفقد الأمل

وفي حكاية أخرى تقول”حنان بدر الدين”: زوجي هو “خالد محمد حافظ عز الدين” -محاسب وصاحب مكتب للدعاية والاعلان- عمره أربعة وأربعين عاما، أصيب بطلق ناري من قناص فوق المدينة الجامعية للأزهر، وهو في شارع مصطفى النحاس في أحداث المنصة يوم27-7-2013.

حمله اثنان للمستشفى الميدانى في ميدان رابعة العدوية ليتم إسعافه،لأراه على شاشة التلفاز في الجزيرة مباشر مصر، اتصلت على هاتفه فرد أحدهم وأكد لي ما رأيته، صُدمت صدمة بالغة وتعطلت حواسي عن التفكير حوالى النصف ساعة، وحينما تمالكت نفسي كان “خالد” قد خرج في سيارة إسعاف متوجها للتأمين الصحي،ثم حدثت الكارثة الأعظم من إصابته فخُطِفَ من السيارة أو من المستشفى، وبعد غيابة بثلاثة أيام أخبرني البعض أنه رأى اسمه في قسم الخليفة، وبعدها أخبرنا أحدهم أنه رُحِلَ إلى مستشفى سجن طره وتأكدت لنا المعلومة، وتجهزنا للزيارة وحينما ذهبنا أنكروه، إلا أننا تأكدنا بعدها من مصادر أمنية أنه كان بالداخل فعلًا، إلى أن رُحِّل بعدها إلى العازولي وعلمت أنه هناك من بعض المعتقلين.

كنا نتلمّس النور في رحلة البحث عن زوجي، وكانت رحلة البحث تعطينا بريقًا من الأمل كانت الرحلة أجمل ما في المرحلة إذا صح التعبير، فكانت تجعلنا نرى حقائق مهما حُكيت لنا لم نكن لنصدقها..

كان مكانه سجن العازولي إلى آخر مايو2014، بعدها تم نقله لمكان آخر أكثر سرية قد يكون في معسكر الجلاء أو خارجه، ومنذ حينها لم تصل لنا أية معلومة عنه.

الحال لا يوصف -والحمد لله-فالحياة توقفت، والقلق بالغ على حاله ووضعه في السجون اللعينة التي نسمع عنها، وها نحن نتقلب بين اليأس والأمل… وتمر الحياة.

اختطاف عريس وتهديد زوجته

من جانبها”سلمى عادل” تقول: زوجي “أحمد محمد محمدمحمد غنيم” يبلغ من العمر ٢٧عامًا، يعمل محاسبا، لم يمض على زواجنا سبعة أشهر حتى كنا بصحبته أنا ووالدتي في مستشفى الثغر بالإسكندرية حيث كان يجري بعض الأشعة يوم ٢٥ فبراير2015، في شارع الجلاء بفكتوريا بالإسكندرية قسم منتزه أول، وعندما كنا نستلم نتيجة الفحص فاجأنا مجموعة من الضباط وأحاطوا بنا وأنزلونا من المستشفىومنها إلى قسم الشرطة.

وهناك قاموا بالاعتداء على أحمد ضربًا وأدخلوني أنا ووالدتي مكتب الضابط، وبعد ثلاث ساعات دخل رئيس مباحث قسم المنتزه محمد عزب ليقول لي: “هيدخل عليكِ أحمد دلوقتي…” وأملاني كلاما لأقوله لأحمد وخلال كل هذا كنت أتعرض لإهانات لفظية، وبعد أن جلست مع زوجيلثوانٍ أخذوا أحمد وأغلقوا علينا الباب وظل أمين شرطه معنا بالمكتب.

بكيت بشدة وأخذت أسأل عنه ولا يجيبني أحد، وحينما رفعت صوتي دخل لي ضابط أوسعني للأسف ألفاظا وتهديدات، وبعدها رُحِّل أحمد من القسم، وظللت أنا ووالدتي المسنة معتقلات ثلاثة أيام في القسم في معاملة سيئة جدا، بلا طعامأوشراب،وفي اليوم الذى خرجنا فيه أدخلوني عند رئيس المباحث هددني أني لن أرى زوجي ثانية وأنه من الأفضل لي الطلاق، وأنهم قد يساعدوني إذا قلت لهم معلومات أو شهدت عليه، قالوا لي “لا تبحثي عنه لأنه هيتبخّر”.!!

ومنذ حينها وأنا أقوم بعمل تلغرافات ومحاضر بأقوالي وأقوال والدتي، ولكن ما من مجيب..

وبشكل مفاجئ، تم إدراج اسم زوجي في قضيه عسكرية ملفقة،فخاطبنا المحكمة أكثر من مرة لتخطرنا بمكانه، وللأسف لم نصل إلى نتيجة حتى الآن..

أمه التي كان بارًا ومهتمًا بها جدًا، أمرضها غيابه مرضًا شديدا وتدهورت صحتها للغاية وكل أملها أن ترى ابنها يومًا ما، كنت آمل بزواجي الذي لميمضِ عليه حينها سوى أقل من سبعة أشهر أن نبني بيتًا من السعادة والعمل الدءوب لبناء مستقبل باهر لأبنائنا… لكن قدر الله غالب.

“إسماعيل محمد”.. رحلة بحث

بعد القبض على أحمد غنيم يوم 25 فبراير2015 وتهديده بزوجته ووالدتها لمعرفة مكان إسماعيل، وبالفعل تم القبض على إسماعيل في ذات اليوم، بعدها بيومين فذهبت شقيقته ووالدته إلى مديرية أمن الإسكندرية فعرفوا أنه موجود فعلا بالدور الرابع، ومن بعدها حتى يوم١٢ مايو لم يعرفوا عنه شيئا.

“إسماعيل محمد فتح” مواليد ١٩٧٩، مهندس وصاحب شركة كانت حلم حياته، افتتحها في 2014، لكنها للأسف أُغلقت بعد القبض عليه.

تقول زوجته “داليا شعبان” : “جاءنا تليفون أنه في مدرية الأمن بكفر الشيخ، وبدأت التليفونات تتوالى علينا حتى منتصف شهر يونيو بأنهم تركوا كفر الشيخ، ورُحِّلوا لمكان غير معلوم،وتعرضنا لتهديدات كثيرة كي لا نبحث عنه، وفي شهر نوفمبر قال لنا بعض الشهود بأنهم في مديرية أمن أبيس بالإسكندرية.

إسماعيل أب لطفلين محمد ٧سنوات ومالك ٤سنوات، يعول أسرته لأنه هو الرجل الوحيد بعد وفاةشقيقه ووالده..

والدته مسنة لا يتردد على لسانها سوى رغبتها في أن ترى ابنها وتطمئن عليه، وله أختان وهو من يعولهما، طفلاه دائما السؤال عليه ولا أخبرهما إلا أنه مسافر، وكثيرا ما يشكو لي “محمد” افتقاده لأبيه وأنه يريده، يقول لي: “نفسي بابا ييجي من السفر أو نروحله نقعد معاه”.

دائما ما يقول لي “عايز بابا يرجع عشان يوديني الحضانة زي ما كان بيوديني…

أخبرونا أن اسم “أحمد غنيم” و”إسماعيل محمد” مدرجان في قضية عسكرية رقم ٦٨، بتهم ملفقة بحرق مقرات وسيارات وأقسام للشرطة وبعض المحاكم، شهود الإثبات التي استعانت بهم المحكمةأنكروا القبض على أحمد وإسماعيل.

تختتم “داليا”..فقط كل ما أتمناه أن أعرف مكان زوجي، وأطمئن عليه، والدته وولداه يتقطعون شوقا وقلقا عليه..

رحلة بحث عن “عبد الحميد” مستمرة

تقول أم عبدالحميد: “ابني عبد الحميد محمد محمد عبد السلام” كان معتصما في ميدان رابعة، وكان في الميدان حتى الساعه السادسة مساء بشهادة زملائه الموجودين في الميدان، تم التواصل بيننا وبين عبد الحميد تليفونيَا حتى الساعة الرابعة والنصف مساء وبعد ذلك كان التليفون مغلقافحاولنا الاتصال به مرات عديدة وللأسف كان التليفون مغلقا.

بحثعنه والده في المشارح والمستشفيات الموجودة بالقاهره يوميًا وتم عمل التحليل الوراثي للجثامين المحروقة فلم يجده، بحث عنه في المعتقلات والمعسكرات، حرر محاضر عديدة للنائب العام السابق وفي وزارة الداخلية وزارة الدفاع وللحاكم العسكري ومجلس الدولة ومجلس الوزراء، ولكن بدون أي فائدة.

سجل صرخته في المؤتمرات وعلى القنوات بحث في كل الاتجاهات، أنهكه كثرة السفر وأنهكه المرض وكثرت عليه الهموم لفقدان ابنه الوحيد، وغمه حاله وانحسر لغياب ابنه، فمات من كربه، وكانت لآخر لحظة في حياته ينادي على ابنه…

عبدالحميد عمره 24عاما ويدرس في جامعه الأزهر كليه الشريعة والقانون بطنطا، اجتمع على فقدان ابني الذي لا أجد له أثرا وموت زوجي كمدًا عليه فلم يبق لي من الدنيا إلا الله وهو حسبي ونعم الوكيل”.

عائشة تبحث عن والدها..

“سعيد سيد رمضان على” 49 عامًا ترزي رجالي، تقول زوجته “رشا محمد”: “اتصل بي يوم فض اعتصام رابعة العدوية الساعة 6 صباحًا وقال ليإن قوات الداخلية والجيش تحاصران الميدان من كل الاتجاهات، فطلبت منه أن ينتبه لسلامته، ومن وقتها وهاتفه مغلق.

“سعيد” يعول أربعة من الأبناء أكبرهم فاطمة في الصف الثاني الثانوي، وبعدها ضحى في الصف الثالث الإعدادي ومحمد في الصف السادس الإبتدائي وعائشة في الصف الثالث الابتدائي، كان أبا حنونا جدًا على أبنائه، وكان معروفا بسيرته الطيبة بين الجيران والناس في مكان عمله.

بدأنا رحلة البحث عنه بالتحرك من اليوم التالي للفض، وذهب شقيقه وشقيقي إلى مسجد الإيمان، وبحثا بين الشهداء ولكن لم نجده بينهم، وذهبت بنفسي إلى المستشفيات والمشارح.

ذهب شقيقه وحرر محضرا في قسم الشرطة بأنه مختفٍ وسأل في جميع الأقسام في محيط مدينة نصر وخارجها ومديريات الأمن بالقاهرة والجيزة وفي أمن الدولة، وحررنا شكاوى للنائب العام ورفعنا قضية في مجلس الدولة وأحيلت إلى دائرة أخرى، لكن لا جدوى.

كان “سعيد” لا يتأخر عن مساعدة من يحتاج،وكان معروفا بخدمته للناس، بالتأكيد مشاعرنا في غاية الحزن بسبب اختفائه، والأولاد تأثروا جدا بعدم وجوده بينهم وأكثرهم محمد لأنه كان مع أبيه دائما، وكان أبوه لا يناديه إلا بـ “ياصاحبي”، فكلنا نفتقده بيننا ونتمنى عودتهإلينا سالما معافى، وأقصى ما نتخوف بعد كل هذه المدة أن يتم تصفيتهم أو أي شيء آخر.

وبعد ..

كيف تكون حياتك وأحد أهلك اختفى فلا أثر له، لا طريق تسلكه بحثا عنه ولا شكوى ترده إليك، ولا يكون هذا لمجرد أيام وتنكشف الغمة بل تستمر لسنوات، بالتأكيد إنه شيء لا يمكن تخيله ولا يقبله إنسان يعرف معنى القلق والتوتر الذي يشمل الشخص إذا فقد عزيزا، فما بالك إن اختفى فلا تعرف له طريقا.

عدد مجلة قلم وميدان ـ مارس 2016

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close