fbpx
قلم وميدان

قلم وميدان: ما الذي يحدث في سيناء…؟

أكد سياسيون وخبراء سيناويون أن الوضع في سيناء يمثل خطرًا شديدًا على الدولة المصرية، وينذر بكارثة كبيرة، ربما يترتب عليها إخلاء محافظة شمال سيناء وتفريغها من أهلها بما يخدم سلطات الاحتلال الصهيوني، ويعني تسليم تلك المنطقة على طبق من ذهب للاحتلال، ويزيد من تصاعد هجمات الجماعات المسلحة نتيجة تعامل الجيش مع أهالي سيناء؛ ما يهدد السيادة المصرية على تلك البقعة من الوطن.

تهجير قسري

يؤكد البرلماني يحيى عقيل عضو مجلس الشورى الشرعي بشمال سيناء أن الانقلاب يرتكب حرب إبادة جماعية بحق أهالي سيناء، معتبرًا أن ما يحدث ليس مجرد حالة تهجير قسري وظلم يقع على مجموعة أفراد، بل حرب يمتد أثرها إلى الأجيال القادمة وتهدد الأرض في صميم علاقتها المصرية الوطنية الخالصة عبر التاريخ.

يضيف: الأمر يتجاوز تهجير مجموعة من المواطنين أو إخراجهم من أرضهم، بل يتعداه إلى التهجير الكلي خارج نطاق المحافظة وتفريغها من السكان لمرحلة أسوأ ربما تصل إلى إعادة احتلال الكيان الصهيوني لها، كما أن جرائم الجيش الفعلية ضد المواطنين تتعدد ما بين إطلاق النار بصورة عشوائية وقصف المنازل بالطائرات، وهي جرائم لا تهدف إلا لإثارة الفزع بين أهالي سيناء؛ مايحملهم على الهجرة، وتضاف إلى ذلك ممارسات أشد قسوة، ومنها التضييق على الناس في أرزاقهم، ومنها سيطرة الجيش على ميناء العريش، وتسليم إدارة بحيرة البردويل لشركة تابعة للقوات المسلحة، والتي تفرض إتاوات وتبطش بصغار الصيادين، إضافة إلى تجريف الأراضي الزراعية وتبويرها ونقل أعمال النقل وتوريدات المحاجر للجيش؛ الأمر الذي يدفع المواطنين للهروب من ذلك الجحيم وترك سيناء.

ويشدد “عقيل” على أن الانقلاب لا يخدم سوى الصهاينة؛ حيث يتبع إجراءات هدم الأنفاق مع غزة، والتي كانت تدرُّ دخلاً على أبناء سيناء، كما أن مزاعم الانقلاب حول فرض السيطرة مجرد أوهام بعد انتشار الجماعات المسلحة والمتشددة جراء حملات المطاردات العشوائية من المنازل والأسواق، فضلاً عن القتل والتشريد باستخدام الطائرات في قصف القرى والأحياء السكنية ومزارع المواطنين، كما أن وجود الجماعات المسلحة الذي هو عبارة عن ردة فعل على العنف يمثل ضغطًا شديدًا على قوات اﻻنقلاب، لكنه في الوقت أوجدلها مسوغًا لقتل أكثر وعنف أشد ومادة للمتاجرة بها داخليًّا وخارجيًّا، وفي رأيي- والكلام لعقيل- أن وجود المسلحين على المدى البعيد إستراتيجيًّا ليس في صالح الدولة والوطن والثوار.

بداية للاحتلال الصهيوني

وفي السياق ذاته يرى الصحفي المتخصص في الشأن السيناوي”أبوالفاتح الأخرسي” أن سيناء بعد الانقلاب تتأرجح بين خيارين أحلاهما مُرّ: الأول وهو إعادة الاحتلال الصهيوني الصريح لها، أما الثاني فهو الانفصال، أو ما يشبه اللادولة، في ظل انحسار سلطان الدولة المصرية عليها نتيجة للممارسات الوحشية المذهلة، التي جرى ارتكابها من جانب الجيش بشكل ممنهج ضد السكان المحليين، منذ 7 سبتمبر 2013 ضمن العملية نسر2، التي كانت ترجمتها القتل العشوائي والاعتقال والتشريد والتهجير القسري للسكان هناك، وهي الجرائم التي ترقى بلا شك إلى مصاف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

ويضيف “الأخرسي” أن تلك الانتهاكات لم ترتكب حتى في ظل الاحتلال، وأدت بعد وقت قصير من بدء الحملة على أهالي سيناء إلى حال غير مسبوقة من العداء والرفض للدولة المصرية، وصلت حدَّ انضمام المئات من الشباب هناك للقتال في صفوف تنظيم ولاية سيناء، ربما ليس اقتناعًا بأفكار التنظيم، ولكن بسبب حالة الثأر التي أورثتها انتهاكات الجيش.

ويتابع: إن التعتيم الاعلامي كان خيارًا إستراتيجيًّا للدولة العسكرية في سيناء، فما ترتكبه هناك من جرائم بلا شك كان سيؤدي إلى ثورة عارمة لاتبقي ولا تذر؛ بسبب حجم الانتهاكات التي مورست ضد العزل والأبرياء من سيناء، وخاصةً الأطفال والنساء، وليس أدلَّ على ذلك من حجم الصدمة والذهول الذي أصاب الملايين عندما شاهدوا صورًا لجثث الأطفال والنساء متفحمة، وكذلك الفيديو الشهير لتعذيب مواطنين سيناويين حتى الموت داخل أحد الأكمنة العسكرية على يد الجنود، وقد ساعد الخوف والقمع هناك من جهة، ومن جهة اتساع نطاق الانتهاكات على ضعف التوثيق والرصد لها.،كما أن الشباب الناقم والذي يواجه الموت بلا ذنب فضل الالتحاق بتنظيم ولاية سيناء مفضلين الموت وهم يواجهون الآلة العسكرية بدلاً من الموت على أيديها، ولذا لم يمر وقت طويل حتى استطاع التنظيم تحقيق معدلات أداء مرتفعة جدًّا، عكس حصول منتسبيه على تدريب متميز، ومع وصول العشرات من الشبان من باقي المحافظات وانضوائهم تحت لواء التنظيم، أصبح لدى التنظيم ما يمكن تسميته “جيش كامل”، لديه قدرات عسكرية لا يمكن تجاهلها، ومع بدء العمليات المسلحة الدقيقة والقوية بنفس الوقت، أدت لتمكنه بشكل دوري للاستيلاء على مقارّوأكمنةوارتكازات للجيش في المنطقة الحدودية، وبذلك توفرت للتنظيم كميات كبيرة ومتنوعة من الأسلحة والذخائر، ومثلت بالنسبة له المصدر الرئيس للتسليح.

ومن ثم يمكن القول بلا مبالغة إن تنظيم ولاية سيناء رغم كونه مجرد تنظيم مسلح فإنه كشف الزيف والوهم الذي عكفت المخابرات والشؤون المعنوية على نسجه طوال عقود، وهو قوة الجيشوجاهزيته، فقد مرّغ التنظيم أنف العسكر في التراب، واستطاع تحقيق مكاسب أخرى تخطت العسكرية إلى الإعلامية والنفسية والمعنوية،وبات التنظيم أنموذجًا حيًّا على قدرة أي مجموعة رافضة للظلم وللحكم العسكريعلى المواجهة طالما تمتلك عقيدة القتال، خاصة عندما ترتكز على أسس عقيدية.

يضيف “الأخرسي” أن التفوق الواضح لولاية سيناء أثار كل المخاوف الغربية على أمن الكيان الصهيوني، بعد أن فتح التنظيم جبهة مواجهة مباشرة في أم الرشراش المحتلة “إيلات” ومغتصبات العدو في صحراء النقب، ولذلك فبمجرد بدء الحملة نسر 2 تنازلت الدولة الصهيونية واقعيًّا عن بنود معاهدة كامب ديفيد مع الجيش المصري، والتي تتعلق بتحجيم القدرات المصرية في المنطقة “ب”، وخلو المنطقة “ج”، وباتت الطائرات والمدرعات المصرية تتركز بصورة أساسية في المنطقة الحدودية وبعمق 50 كم، بل وصل الأمر إلى عملية تنسيق ميداني وإدارة مشتركة للعمليات بين الجيش المصري ونظيره الصهيوني، وبات تحليق طائرات الـF16 والطائرات المسيّرة الصهيونية في سماء سيناء أمرًا اعتياديًّا.

تعتيم إعلامي

وفيما يخص التعتيم الإعلامي المفروض من جانب الجيش المصري على شبه جزيرة سيناء وأهلها وكل ما يجري فيها، يؤكد “الأخرسي” أن الأمر ممتد منذ زمن، ومخطط له، وقد تزامن هذا مع عمليات عزل جغرافي جدية لسيناء جرت على مدار العقود الأخيرة منذ حرب أكتوبر 1973، وتكللت هذه الجهود المتواصلة للجمهوريةالعسكرية بما وقع بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 م، فلم يمض وقت طويل حتى وقعت سيناء تحت الأحكام العرفية وفرض حالة الطوارئ على المنطقة الحدودية حتى الآن.

وفي ظل هذه الظروف يصبح من قبيل الرفاهية أو ربما “الدعابة” الحديث عن رصد وتوثيق الانتهاكات المستمرة هناك، فالشؤون المعنوية والمخابرات ومِن ورائهما النظام العسكري أصرُّوا على أن يكونوا المصدر الوحيد للمعلومةالتي تخرج من سيناء، وفي ظل عمليات الترويع والإرهاب المستمرة من جانب السلطات للسكان المحليين بات الحديث إلى وسائل الإعلام أمرًا محرمًا لا يمكن تجاوزه من جانب السكان ولا السلطات، فالقتل والاعتقال هناك لا يحتاج من الأساس إلى أخطاء أو جرائم من جانب السيناوي، ولذا فالحديث إلى وسائل الإعلام أو إمدادها بالمعلومات جريمة لا تغتفر، ومع هذا الوضع الحرج لم يخلُ الأمر من قلة قليلة من الناشطين والحقوقيين والصحفيين من أبناء سيناء وغيرهم ممن أخذوا على عاتقهم مهمة إخراج المواطنين في سيناء عن صمتهم وتأمين هذه المصادر بعدم كشفها أو التعريف بها، ورغم قلة وضآلة ما خرج من معلومات فإنها كانت صادمة جدًّا وكشفت عن منحدر خطير لم نسمع عنه من قبل في تاريخ مصر الحديث من الجرائم التي ينتهجها الجيش المصري ومن ورائه الشرطة ضد الأهالي والمدنيين.

ويتابع: إن العملية العسكرية الشاملة التي توجهت نحو أبناء سيناء بعد عجزها عن مواجهة المسلحين هناك، واقتصار التعامل مع المشكلة في سيناء على أنها مشكلة أمنية، وتغليب الحل العسكري العنيف على ما عداه.. أدى إلى شرخ عظيم في علاقة أبناء سيناء والوطن الأم مصر، وقد يحتاج إلى عقود طويلة حتى يمكن التخلص من بعض آثاره، وهو ما يضاعف المخاوف من إمكانية انزلاقه فجأة إلى دائرة التدويل في أي لحظة، فما وقع في سيناء طوال ما يقارب العامين الأخيرين أوجد كل المبررت لما هو أكثر من المطالبة بالتدويل، ونقل الملف إلى المحافل الدولية، والحل الوحيد والعاجل للتغلب على المخاطر المتوقعة من تدويل شبه الجزيرة هو البدء الفوري في إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي وإسقاط الانقلاب وعمل مصالحة شاملة مع أبناء سيناء، تبدأ من الإفراج عن المعتقلين وصرف التعويضات لهم وللشهداء الذين سقطوا في المواجهات وإعادة المهجرين من بيوتهم قسريًّا في رفح والشيخ زويد وتعويض كل من تضرر بسبب الحملة العسكرية، وفتح صفحة جديدة من التعامل مع أبناء سيناء والبدو، قوامها المساواة التامة، وتنفيذ خطط تنمية حقيقية تستهدف الإنسان هناك بصورة أساسية وتعمل على تمكينه من أرض أجداده بما يخدم المصلحة العليا للبلاد ويحفظ الأمن القومي المصري، ويحقق بالتوازي غرس قيمة الانتماء الحقيقي لديهم من أجل محو آثار التهميش والاعتداء المستمرة بحق شبه الجزيرة وأهلها.

ويؤكد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى الشرعي الدكتورمحمد جابر أن الوضع في سيناء كارثي وغير مسبوق في تاريخ مصر، جرائم قتل خارج القانون، وتهجير قسري للأهالي، وتفريغ لسيناء من مواطنيها، وقتل للأطفال والنساء، واستخدام الآلات العسكرية الثقيلة، ويقابل كل ذلك بصمت دولي على تلك الجرائم.

ويشير “جابر” إلى أن الزيادة في القتل والتخريب التي يقوم بها الجيش قد خلقت عداوات متجددة وهجمات متصاعدة، يفشل الجيش في التصدي لها أو الحسم معها حتى أصبحت سيناء خارج السيطرة،ورغم استخدام كل المعدات العسكرية والأسلحة الثقيلة فإن الهجمات المسلحة مازالت متصاعدة وموجعة، وهذا ما يشير بشكل واضح إلى فشل الانقلابيينفى سيناء وعدم قدرتهم على الحسم هناك.

وتخوف “جابر” من تصاعد الأحداث بهذا الشكل فى سيناء،فربما يكون ذريعة في المستقبل لتدخل دولي في شئون مصر وتحديدًا في سيناء؛ فليس مستبعدًا أن نرى تحالفًا دوليًّا ضد ولاية سيناء لتدعيم فشل السيسي في مواجهته، وفي ذلك خطورته وأثره في مصر والمنطقة وأيضًا في الثورة المصرية.

وأكد “جابر” أن الحسم يكون بتصاعد المظاهرات الشعبية في الداخل رفضًا للأوضاع المتردية في مصر عمومًا، ويكون له أثر كبير فيإسقاط الانقلاب، وساعتها لن يستطيع السيسي مواجهة الشعب على كل الأصعدة في سيناء وخارج سيناء في وقت واحد، وفي هذه الحال تكون الغلبة لإرادة الشعب المصري.

عدد مجلة قلم وميدان ـ مارس 2016

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close