fbpx
ترجمات

لماذا تنجح المقاومة المدنية؟ تجربة بورما

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

دراسة موسعة، يقوم المعهد المصري للدراسات بترجمتها حصرياً، ونشرها في حلقات، بعنوان: المنطق الاستراتيجي للكفاح السلمي، إعداد: ماريا ج. ستيفان وإريكا تشينويث

 

تمهيد:

في عام 1988 قامت جماعات المعارضة البورمية بانتفاضة مدنية واسعة النطاق شكلت تحديا غير مسبوق لدكتاتورية عسكرية وصلت إلى السلطة عقب انقلاب في عام 1962. بدأت الأحداث باحتجاجات طلابية عفوية ضد عنف الشرطة في رانجون وبسرعة تطورت لتصبح انتفاضة في جميع أنحاء البلاد لتفكيك الدكتاتورية التي استمرت ستة وعشرين عاما واستعادة الديمقراطية. وعلى الرغم من بعض التنازلات المؤقتة التي منحها النظام، بما في ذلك انتخابات متعددة الأحزاب في عام 1990، والتي فازت بها’ الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية‘المعارضة، إلا أن أفضل ما يمكن أن نصف به انتفاضة عام 1988هو الفشل الذريع، حيث لا تزال بورما ديكتاتورية عسكرية شديدة القمع.

 

أولاً: السياق والتطورات:

لقد تم سحق ديمقراطية بورما خلال فترة ما بعد الاستقلال عام 1962 إثر انقلاب عسكري أتى بالجنرال ن وين إلى السلطة. ومنذ ذلك الحين سيطر الجيش على سياسة بورما واقتصادها. فتفشى الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية، وتمت مواجهة الاحتجاجات المتفرقة باستخدام القوة المفرطة والرصاص الحي. وفي عام 1988، وخصوصاً بعد أن قَتلت شرطة مكافحة الشغب طالباً بورمياً، اندلعت مظاهرات جماهيرية قادتها جماعات طلابية في رانجون. قُتل المئات من الطلاب أثناء المظاهرات، وأُلقي القبض على الآلاف، وأُغلقت الجامعات. خرج الطلاب إلى الشوارع مرة أخرى للمطالبة بإعادة فتح المدارس ومعاقبة المسؤولين عن المذابح الطلابية، فاندلعت اشتباكات بين الطلاب وقوات الأمن، مما أدى إلى مزيد من الوفيات وفرضت الحكومة حظراًعلى التجمعات العامة.

وعقب تغيير بيروقراطي أعلن فيه الجنرال ني وين أنه سيتنحى عن منصبه كرئيس للبلاد وكذلك عن رئاسته لحزب’ البرنامج الاشتراكي البورمي‘، قام الكونجرس البورمي بتنصيب الرجل المسؤول عن مذبحة رانجون كرئيس جديد للحزب.  وفي 8 أغسطس 1988، ردت المعارضة بإعلان الإضراب العام وتنظيم احتجاجات واسعة النطاق في كل أنحاء البلاد. وتظاهر مئات الآلاف من الشباب والرهبان والعمال والموظفين المدنيين والعاطلين عن العمل وأعضاء من مختلف الجماعات العرقية وشرائح المجتمع المختلفة، ودعوا إلى وضع حد للنظام العسكري، وتشكيل حكومة مؤقتة للتحضير لانتخابات متعددة الأحزاب.

وردت الوحدات العسكرية البورمية على الإضراب العام بفتح نيران الأسلحة الآلية، مما أسفر عن مقتل المئات في رانجون. ووقعت أحداث مشابهة في أجزاء أخرى من بورما، مما أدى إلى مقتل أكثر من 1000 متظاهر في غضون ثلاثة أيام. وخلال هذه الانتفاضة، انضم الرهبان البوذيون إلى الطلاب وعمال المصانع في المظاهرات؛ وفي بعض الأماكن، تولى الرهبان إدارة المدن والقرى.

في عام 1990، أجريت انتخابات متعددة الأحزاب في بورما وحصلت المعارضة الوطنية من أجل الديمقراطية على 80 في المائة من الأصوات، على الرغم من استمرار القمع. وقد فاجأت نتائج الانتخابات’ مجلس الدولة لإستعادة القانون والنظام‘الذي يسيطر عليه العسكر ورفض الاعتراف بها. وتم وضع زعيمة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، أونغ سان سو كي، قيد الإقامة الجبرية في يوليه 1990، وقُتل أو أُلقي القبض على العديد من نشطاء الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، لم تكتسب المقاومة المسلحة في المناطق الحدودية أي قوة. وبدلا من ذلك، استولى الجيش البورمي على المناطق المسلحة التي كانت تحت سيطرة مسلحي المجموعات العرقية.

وقد تم تسريح المعارضة إلى حد كبيرحيث كانت في وضع لا يمَكنها من استعادة الانتخابات المسروقة. ولم تكن هناك سوى إشارات ضعيفة على انشقاقات بين صفوف النظام، على الرغم من انشقاق عدة مئات من جنود القوات الجوية في عام 1988. ولم تفلح أونغ سان سو كي في إجراء حوار مع القادة العسكريين بشأن إجراء إصلاحات ديمقراطية. وسُجن العديد من زعماء الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية أو تم نفيهم. وفي بعض الأحيان، كان يطلق سراح عدد قليل من السجناء السياسيين، وكثيرا ما تزامن ذلك مع زيارات كبار الشخصيات الأجنبية أو زعماء الأمم المتحدة. وظل المجلس (مجلس الدولة لإستعادة القانون والنظام)، والذي أعيد تسميته إلى: مجلس الدولة للسلام والتنمية، يسيطر على الوضع في البلاد.

 

ثانياً: العوامل الدولية:

وقد لاقت قضية الديمقراطية في بورما اهتماما دوليا كبيرا. فعلى سبيل المثال، حصلت أونغ سان سو كي على جائزة نوبل للسلام في عام 1991. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة فرضت على بورما عقوبات بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان ضد زعماء المعارضة، إلا أن العقوبات لم تحقق مزايا كافية للمعارضة اللاعنفية. وفي الواقع، عندما فرضت الولايات المتحدة العقوبات، قام النظام البورمي ببساطة باستبدال الواردات المحجوبة بمواد من دول مانحة أخرى، بما في ذلك الصين والهند، مما قوض إمكانية دفع النظام إلى عمل إصلاحات من خلال تلك العقوبات. ويمكننا القول أيضا أن العقوبات الأمريكية كانت في الواقع ضعيفة، نظرا لأنها لم تشمل الشركات المحلية التابعة للشركات الأمريكية. ولذلك فإنه انسجاما مع النتائج التي توصلنا عليها، فإن العقوبات الدولية لم ترفع قيمة الكلفة السياسية على النظام البورمي لقمعه المعارضة اللاعنفية.

 

ثالثاً: العوامل المحلية

لم ترفع الحملة البورمية ضد’ مجلس الدولة لإستعادة القانون والنظام‘بشكل كاف الكلفة الداخلية لقمع النظام. وضمن مجموعة أخرى من الأسباب، لم تكن المقاومة اللاعنفية فعالة في إحداث تحولات في الولاء داخل قوات الأمن (أو بين البيروقراطيين داخل النظام) بالشكل المطلوب. فالمعارضة اللاعنفية لم تقدم نفسها كبديل سياسي حقيقي للمجلس العسكري، ولم تغير كثيرا في معادلة الاهتمامات الشخصية لقوات الأمن التي لم تجد ما يحفزها على التردد بخصوص أوامر النظام أو يشجعها على عصيانها. وعلاوة على ذلك، نجح النظام في إثارة الفرقة بين مجموعات من الرهبان البوذيين، واستغلالهم، وحال دون تمكينهم من تقديم جبهة موحدة. وقد استفادت بعض بؤر التمرد العرقية العنيفة من انشقاقات الجيش البورمي، بما في ذلك الانشقاق الملحوظ للعقيد ساي يي، قائد الجيش الوطني لولاية شان، في عام 2005. بيد أن هذا الانشقاق النادر والبارز لم يؤثر على نتائج التمرد العنيف، حيث أن عملياتهم ضد النظام البورمي كانت غير مجدية إلى حد كبير.

في البداية، كانت التعبئة اللاعنفية ضد النظام البورمي ضخمة وشاملة. لكن الإفراط في الاعتماد على شخصيات فردية بعينها، وعدم القدرة على التوفيق بين الفصائل المتنافسة، وعدم وجود معلومات متسقة عن انتهاكات حقوق الإنسان، تركت حملة المقاومة اللاعنفية في حالة من الفوضى. وقد فشلت الحملات العنيفة كذلك في بورما بسبب عدم قدرتها التامة على حشد الجماهير، وعدم فاعلية الوحدات الصغيرة من المسلحين الموزعين على أسس إثنية.

بعد مجازر 8 أغسطس 1988، فتحت الحكومة الفضاء السياسي: فرفعت الأحكام العرفية، وأفرجت عن بعض السجناء السياسيين، وسحبت الجيش من المدن. واستغلت الحركة المؤيدة للديمقراطية الحيز السياسي المتزايد، فتظاهر أكثر من مليون بورمي في رانجون وغيرها من المدن. واستقال الآلاف من البورميين من حزب البرنامج الاشتراكي البورمي وحرقوا بطاقات العضوية الخاصة بهم. ونظم الطلاب والرهبان والعمال “لجان الإضراب العامة” و “مجالس المواطنين” لإدارة الشؤون اليومية في عشرات المدن والبلدات التي أصبحت شكلا من أشكال الحكومة الموازية على المستوى المحلي. وانشق بعض جنود القوات الجوية للانضمام إلى الاحتجاجات، على الرغم من أن هذه الانشقاقات كانت استثناءً. وفي اليوم التالي، دعا الحزب الحاكم والبرلمان إلى إجراء انتخابات عامة متعددة الأحزاب.

وعندما بدا الانتصار وشيكا للحركة المؤيدة للديمقراطية، اختلف قادة المعارضة حول قيادة الحكومة الديمقراطية الجديدة. ومع تشتت النخب المعارضة وانشغالهم بالاقتتال الداخلي، قام الجيش البورمي بانقلاب آخر، وأنشأ مجلسه العسكري في 18 سبتمبر. وأعاد المجلس فرض الأحكام العرفية، وحظر التجمعات لأكثر من خمسة أشخاص. وأطلق النار على المتظاهرين العزل في الشوارع، وأُلقي القبض على آلاف آخرين أو “اختفوا” قسرياً.

وبينما مارس المجلس العسكري المزيد من أعمال العنف ضد المعارضة، توقفت المظاهرات وانتهى الإضراب العام، وذهب الآلاف من الطلاب إلى المناطق الحدودية التي يسيطر عليها المتمردون الإثنيون وحاولوا بدء كفاح عسكري ضد الدكتاتورية. وكانت الدعاية الإعلامية لانتهاكات حقوق الإنسان الدائمة غير مسبوقة.

واجتمعت مجموعة صغيرة من قادة المعارضة البارزين لتشكيل الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية وسجلوها كحزب سياسي. وقامت السكرتيرة العامة للرابطة الوطنية أونغ سان سو كي بجولة في البلاد تدعو إلى الديمقراطية وتعدد الأحزاب في تحد للحظر على الاجتماعات العامة، والدعوة إلى الوحدة الوطنية والالتزام بمبدأ اللاعنف. بيد أنه بحلول منتصف عام 1989، كثف المجلس حملة ترهيبه ضد أونغ سان سو كي وقيادة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية. ورفض المجلس الاعتراف بالفوز الانتخابي للرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية عام 1990، ووضع أونغ سان سوكي تحت الإقامة الجبرية، وقطع رأس حملة المقاومة اللاعنفية بشكل تام. (1)

—————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية “.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close