fbpx
عسكري

ما وراء استهداف طائرة وزير الدفاع المصري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد

أعلن الجيش المصري، يوم الثلاثاء الموافق 19 ديسمبر 2017م، عن مقتل ضابط وإصابة 2 آخرين في استهداف مطار العريش بمحافظة شمال سيناء بإحدى القذائف أثناء زيارة وزيري الدفاع والداخلية للمدينة.(1 ) وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية في اليوم التالي للحادث عن تبنيه عملية استهداف المطار أثناء زيارة وزير الدفاع ووزير الداخلية.(2 )

ويعد هذا الاستهداف هو الثاني من نوعه الذي يطال شخصيات أمنية وعسكرية بارزة من ذلك النوع، من بعد الإنقلاب العسكري في 03 يوليو 2013م، حيث كان حادث استهداف وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم في 05 سبتمبر 2013م، هي أول محاولة اغتيال من نوعها.

ولم تكن زيارة وزير الدفاع صدقي صبحي الأخيرة التي أجراها في 19 ديسمبر 2017م، هي الأولي من نوعها التي يجريها “صبحي” إلى محافظة شمال سيناء، بل قام “صبحي” ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار بزيارة محافظة شمال سيناء أكثر من مرة وفي أوقات كانت تشهد محافظة شمال سيناء اشتباكات بشكل أعنف من الوقت الحالي. حيث شهدت محافظة شمال سيناء منذ الانقلاب العسكري في 03 يوليو 2013م، وبعد تطور الأوضاع فيها بسبب التمرد المسلح الذي تشهده المحافظة، زيارات لمسئوليين عسكريين وأمنيين بارزين كي يقفوا علي تطورات الأوضاع هناك، وبين يوليو 2013م وديسمبر 2017، تم رصد 18 زيارة عسكرية عليا معلنة إلى شبه جزيرة سيناء.

كانت أهم الملاحظات التي تم رصدها في قراءة ال18 زيارة، أن صدقي صبحي كان له العدد الأكبر من تلك الزيارات حيث زار “صدقي” محافظة شمال سيناء  13 مرة  وأغلبها شاركه فيها وزير الداخلية الحالي “عبدالغفار”، وكل الزيارات لم يتم الإعلان عنها إلا بعد نهايتها ورجوع المسئول إلى القاهرة، ويعلن عنها في بيان للمتحدث العسكري يرافقها عدة صورة ولقطات فيديو تظهر تفقد وزير الدفاع ووزير الداخلية للارتكازات الأمنية والعسكرية، المتواجدة بالمحافظة، وهذا يعني أن الزيارات تتم بتكتم شديد ولا يعرف عنها في وقتها سوى الدوائر الخاصة داخل المؤسسة العسكرية.

أولاً: في شرح محاولة الاستهداف:

في صباح يوم الثلاثاء الموافق 19 ديسمبر 2017م، قام وزير الدفاع صدقي صبحي يرافقه وزير الداخلية مجدي عبدالغفار بالتوجه إلى مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، لإجراء زيارة لعدد من الارتكازات الأمنية والعسكرية المتواجدة بالمحافظة، وكما ذكرت البيانات الرسمية فإن الزيارة تم الإتفاق عليها بين السيسي وصدقي صبحي أثناء الاجتماع الذي تم بينهما قبل يوم من الزيارة، ولم يحضر الاجتماع أي مسئول عسكري آخر.(3 )

وقد اعتاد سكان محافظة شمال سيناء على أن زيارات الشخصيات القيادية لسيناء تُحاط بسرية تامة، تُقطع خلالها شبكات الاتصالات والإنترنت، وتشدد الإجراءات الأمنية، وتشهد المحافظة انتشاراً أمنياً واسعاً، وتمنع الحركة في مناطق معينة بقصد إخلائها لمرور مواكب القيادات العسكرية أو الوزراء، ولكن يبدو أن هذا  التأمين المعتاد في كل زيارة لم يكن متواجداً بشكل كبير في هذه الزيارة.

هبطت طائرة وزير الدفاع في مطار العريش، ولم نتأكد ما إذا كان وزير الدفاع قد قام بجولة تفقدية أم كان القصف عند الهبوط، ولكن في كل الأحوال قامت عناصر تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية بقصف الطائرة التابعة لوفد وزير الدفاع ووزير الداخلية، ولم يُصب أي من الوزيرين بأي أذي، ولكن أسفر الحادث عن سقوط قتيلين (في رواية غير رسمية) وهما المقدّم إسماعيل الشهابي، مدير مكتب وزير الدفاع، والعقيد طيار حربي مقاتل رفعت مندوه، وهو قائد طائرة الوزير صبحي.(4 )

ولم توضح رواية المتحدث العسكري تفاصيل الحادث بل اكتفت بذكر أن مطار العريش تم استهدافه وقتل ضابط وأصيب اثنان آخران، وتم إحداث تلفيات بإحدى الطائرات الهيلكوبتر، وذكرت أن ذلك جاء أثناء زيارة وزير الدفاع ووزير الداخلية لتفقد القوات والحالة الأمنية بمدينة العريش.

وقامت الصفحة الرسمية لوزارة الدفاع المصرية، بالتقاط صور وفيديو أثناء وصول صدقي وعبدالغفار إلى مطار ألماظة العسكري بالقاهرة، وقامت بنشرها حتي تظهر أن صدقي وعبدالغفار لم يصابوا بأي أذي إثر الحادث، ولكن تلك اللقطات أظهرت حجم القلق الذي كان علية كلٌ من صدقي وعبدالغفار.

في اليوم التالي للحادث (الأربعاء 20 ديسمبر 2017)، قام السيسي بعقد لقاء ضم كلاً من صدقي صبحي، ومجدي عبدالغفار، ورئيس أركان الجيش المصري الفريق محمد فريد حجازي، ومدير المخابرات الحربية اللواء أركان حرب محمد فرج الشحات، ومدير المخابرات العامة اللواء خالد فوزي، ومدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل، لمعرفة تفاصيل ما جري خلال الزيارة، ولا توجد معلومات تفصيلية حول ما جري في اللقاء ولكن الصورة التي تم تصويرها من داخل الاجتماع لوزير الدفاع صدقي صبحي تظهر مدي الغضب الذي كان بادياً علي وجهه وكذلك أيضاً وزير الداخلية “عبد الغفار”.

ومما خرج للعلن عن تفاصيل اللقاء هو ما قالته الرئاسة المصرية بأن السيسي تلقى خلال الاجتماع تقريراً من وزيري الدفاع والداخلية حول الأوضاع الأمنية في منطقة شمال سيناء والإجراءات والتدابير التي تتخذها الأجهزة الأمنية، في ضوء الزيارة التي قام بها الوزيران إلى مدينة العريش لتفقد القوات والحالة الأمنية هناك،  ووجه السيسي خلال الاجتماع بمواصلة الجهود من أجل اقتلاع الإرهاب من جذوره وملاحقة المسلحين، وهو أمر متكرر من السيسي بالتوجيه بملاحقة المسلحين وتطهير سيناء، حيث سبق وكلف رئيس الأركان محمد فريد حجازي بتطهير سيناء خلال ثلاثة شهور، بعد مجزرة الروضة، ولم يتم تغير في الوضع الأمني بأي شكل من الأشكال، بل تم استهداف وزيري الدفاع والداخليه في تطور غير مسبوق.

لم يمر 24 ساعة علي الحادث، إلا وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية تبنيه للحادث، حيث أعلنت وكالة أعماق التابعة لتنظيم الدولة عن استهداف القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية في مطار العريش بشمال سيناء، وأضافت الوكالة أن مقاتلي الدولة الإسلامية كانوا على علم بوصول وزير الدفاع صدقي صبحي ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار إلى مطار العريش، خلال قيامهما بجولة تفقدية للقطاعات العسكرية في شمال سيناء، ومن ثم تم إستهداف إحدي طائرات الأباتشي المرافقة لهما بصاروخ موجه من نوع كورنيت أثناء هبوطها في المطار مما أدي إلى إعطابها ومقتل ضابطين برتبة عقيد طيار ومقدم وإصابة عنصرين علي الأقل.

وقامت جريدة النبأ التابعة لتنظيم الدولة، في عددها الـ 111، بنشر تفاصيل استهداف مقاتلي ولاية سيناء لوزيري الدفاع والداخلية يوم 19 ديسمبر، ووفق مصادر ميدانية خاصة بالتنظيم قالت للجريدة “بعد ورود معلومات أمنية للمجاهدين تفيد بوصول وزيري الدفاع والداخلية للمنطقة استعد المجاهدون لاستهدافهم، ليطلقوا بعد وصولهم للمطار صاروخاً موجهاً علي طائرة مروحية تابعة للوفد، الأمر الذي أدى إلى مقتل العقيد طيار محمد رفعت المندوه، والمقدم إسماعيل الشهابي، ونقلت جريدة النبأ عن مصدر عسكري تابع لها قوله “إن إستهداف رؤؤس الحكومة المصرية أولوية من أولوياتهم وخصوصاُ وزير الدفاع المصري نظراً لدوره في قصف المسلمين في العراق والشام وليبيا بالطائرات التي تخرج من المطارات المصرية”.

وفي نفس السياق نشرت وكالة أعماق فيديو لحظة قصف الطائرة التابعة لوفد وزير الدفاع ووزير الداخلية، وبمتابعة الفيديو يلاحظ أن الاستهداف تم بصاروخ مضاد للدروع روسي الصنع من نوع كورنيت . الصاروخ كما قال خبراء يقطع حوالي 320 متراً في الثانية، وبمراجعة فيديو الاستهداف المنشور نجد أن الفرق ما بين الإطلاق والارتطام “13 ثانية” بمعني أن الصاروخ أُطلق من علي بعد 4.2 كيلو متر تقريبا (يبلغ مدى الصاروخ حوالي 10 كم).

وذكر مصدر عسكري علي حد وصف جريدة النبأ التابعة للتنظيم أن هذا الاستهداف لم يكن الأول من نوعه، إذ سبق لمقاتلي التنظيم أن استهدفوا المطار قبل ذلك أكثر من مرة بالصواريخ، أثناء تواجد بعض القيادات  للتجهيز للحملات، وهو مطار لا تتواجد فيه طائرات بشكل دائم.

ثانياً: في التفسيرات والدلالات:

1- نعم ولاية سيناء ولكن:

تتطور القدرات الفنية والتكتيكية والتسليحية لتنظيم ولاية سيناء بشكل واضح، ويقوم بتنفيذ عمليات دقيقة ونوعية، وهذا يظهر في دقة التنظيم في القيام بعملياته، سواء بالإشتباك مع قوات الجيش والشرطة المتواجدة بمحافظة شمال سيناء، أوالهجوم علي المعسكرات والحواجز والأكمنة التابعة للجيش المصري، وعلى أقسام ومقرات الشرطة، وتظهر كفاءة التنظيم أيضاً في تنفيذه لعمليات تفجير المركبات العسكرية والشرطية بالعبوات المفخخه، وكذلك عمليات القنص الذي يقوم بها التنظيم تدل علي احترافية ومهارة الأفراد المنتمين له، وتقدم مستوى التسليح والتدريب النوعي الذي يقومون به.

وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية أنه من استهدف طائرة وزير الدفاع أثناء زيارته إلى مدينة العريش، وأعلن عن تفاصيل العملية التي قام بها في بيانات وتصريحات وأظهر صوراً وفيديوهات تظهر كيفية استهداف وزير الدفاع ووزير الداخلية أثناء الزيارة، ولكن بقراءة البيانات والتصريحات الصادرة عن مصادر التنظيم، نرى أن التنظيم كان علي علم مسبق بزيارة وزير الدفاع ووزير الداخلية قبل أن تتم، وأنه استعد للعملية جيدا نتيجة معرفته السابقة بالزيارة، وهناك احتمالان لمصدر هذه المعلومات:

الأول: أن يكون تنظيم الدولة قد أصبح له مصادر داخل الدائرة القريبة جداً من صانعي القرار في النظام، وهم من أخبروا التنظيم بزيارة وزيري الدفاع والداخلية، وهذا يعني أننا أمام نقطة تحول في الصراع بين تنظيم الدولة والنظام العسكري في مصر، وستشهد الأيام القادمة، إذا كان هذا الاحتمال صحيحاً، المزيد من العمليات من هذا النوع من الاستهدافات، ليس شرطاً أن تكون تلك العمليات في نطاق محافظة شمال سيناء فقط، بل من الممكن أن تمتد إلى محافظات أخرى ومناطق في قلب العاصمة المصرية القاهرة أو أي مكان آخر إذا كان هذا الاختراق عالي المستوى موجوداً.

وإذا كان هذا الإحتمال صحيحا أيضاً، فهذا يعني أننا أمام شريحة جديدة انضمت إلى الشرائح الرافضة لنهج النظام الحالي من داخل المؤسسة العسكرية، فإحدي تلك الشرئح هي التي قررت مواجهة النظام بالسلاح وقامت بالانضمام لحركات وجماعات مسلحة لمواجهة النظام الحالي عن طريق حمل السلاح، ويعبر عن تلك الشريحة الضابط هشام عشماوي والضابط عماد عبدالحميد وغيرهم، أما الشريحة الأخري فتلك التي تري أن النظام الحالي يضر بالمؤسسة العسكرية ككل ويجب إزالته ولكن مع الحفاظ على شكل الدولة، وهذا عن طريق السبل القانونية والدستورية من وجهة نظرهم، وعبر عن تلك المجموعة العقيد أحمد قنصوة الذي أعلن عن ترشحه لإنتخابات رئاسة الجمهورية وتم محاكمته وحكم عليه بست سنوات سجن مع الشغل والنفاذ، أما الشريحة التي أمامنا إن صح الإحتمال فإنهم قرروا مواجهة النظام الحالي ولكن بطريقة أخري وهي البقاء داخل المؤسسة العسكرية دون الإعلان عن أنفسهم، ودعم الحركات والجماعات التي تواجه النظام بكل السبل والطرق.

الثاني:أن زيارات المسئولين العسكريين إلى محافظة شمال سيناء تكون غير معلن عنها، وتتم في سرية تامة، ويعلن عنها بعد الانتهاء منها، ويكون تأمين مطار العريش على نطاق واسع يمتد إلى عشرات الكيلو مترات حتي لا يقوم المسلحون باستهدافه عن طريق صواريخ قصيرة أو بعيدة المدي، ولكن يُرجح أن الصاروخ أطلق من علي مسافة حوالي 4 كيلو متر، وهذه مسافة ليست بالبعيدة، وهذا يشير إلى مدي درجة التقصير الأمني الكبير (أو حتى التساهل) في تأمين هذه الزيارة بعكس ما كان يتم من إجراءات تأمين في المرات السابقة، لذلك رأي البعض ان هذا التقصير الأمني والعسكري، فضلا عن تسريب موعد الزيارة، لن يتم بهذا الشكل إلا بقرار من جهات أمنية عليا داخل الدولة، وبالتالي فإن أحد الإحتمالات الوارده هو أن السيسي نفسه أو أحد الجهات العليا الأخرى هو من يقف وراء استهداف وزير الدفاع ووزير الداخلية للتخلص منهما أو من أي منهما.

2- التخلص من صدقي صبحي:

جاء السيسي بإنقلاب عسكري، وطبيعة الحكام الذين يصلون بتلك الطريقة إلى الحكم أنه لا يكون لديهم ثقة في الدائرة المحيطة بهم حتي وان كانوا شركائهم في الانقلاب، ويعملون على أن تكون المؤسسات الأمنية والعسكرية بالأخص في قبضة أيديهم بشكل تام، وهم فقط من يسيطرون عليها.

فالسيسي منذ 03 يوليو 2013، أقال 28 قائد عسكري من داخل المجلس العسكري ولم يُبقي إلا علي 6 شخصيات فقط من المجلس القديم، منهم اثنان فقط هم من لهم الحق في إعطاء أوامر بتحريك القوات، وهما وزير الدفاع صدقي صبحي وقائد القوات الجوية يونس المصري (مع الأخذ في الاعتبار أن القوات الجوية بمفردها لا تمتلك القدرة على القيام بانقلابات عسكرية حيث تحتاج لقوات برية تستطيع السيطرة على الأرض).

ورأي البعض ان السيسي عمل منذ اللحظة الأولي علي السيطرة بشكل تام علي المؤسسة العسكرية، حتي ينفرد بالقرار داخل الجيش، وعمل السيسي علي الإطاحة بالشخصيات ذات النفوذ داخل المؤسسة، ورأي البعض بأن السيسي عمل منذ انقلابه العسكري، على الإطاحة بكل من يشك في ولائه داخل المؤسسة كنوع من فرض وإحكام سيطرته عليها.

فيما وصف البعض الآخر المشهد داخل المجلس العسكري المصري بأنه “منقسم” إلى وجهتي نظر، ومما يشير إلى ذلك المعني ما قاله السيسي في الندوة التثقيفة الرابعة والعشرون والتي أقيمت يوم الخميس الموافق 09 فبراير 2017م، مشيراً إلى أن هناك أشخاص لهم توجهات داخل الجيش، ولكن هذا الأمر ليس مقبولاً في الجيش وتابع السيسي، “اللي داخل الجيش والشرطة إما يكون مع بلده بس وإما بلاش. وداخل الجيش لا يمكن أن نسمح أن يبقى في حد له توجه، واللي هيبان عليه توجه هنمشيه” .

وقبل إقالة السيسي لكل من الفريق عبدالمنعم التراس والفريق أسامة منير ربيع في منتصف ديسمبر 2016م، تلك الفترة التي أقال فيها السيسي 12 شخصية عسكرية من داخل المجلس العسكري، انتشرت تقارير تشير إلى وجود صراعات داخل المجلس العسكري بسبب سياسة السيسي في حكم مصر، وأشارت إلى وجود وجهتي نظر داخل المؤسسة العسكرية إحدهما ترى أن ما يفعله السيسي سيعود بالخطر على الجيش المصري ككل وتحاول أن تقنع السيسي بألا يترشح لفترة ثانية للحكم.

وأشارت تقارير أخرى إلى أن نظام السيسي يعاني من انقسام داخلي، وأن الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة المصرية لمنع المتظاهرين من النزول إلى الشوارع في 11 نوفمبر 2016م، تلك التظاهرات التي دعت اليها بعض القوي الثورية تحت أسم “ثورة الغلابة”، لا تلغي حقيقة أن الخوف على النظام لا يأتي من المتظاهرين، ولكن الخوف نابع من النظام ذاته بمعني استغلال أي تظاهرات تحدث في الميادين المصرية من قبل مجموعة من داخل الجيش المصري.

لقد تخلص السيسي من 28 قائداً عسكرياً من داخل المؤسسة العسكرية وبقرار فقط، ولكن صدقي صبحي ليس كباقي قيادات المجلس العسكري، فهو محصن بموجب الدستور وفقا للمادة 234 التى تنص على: “يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسرى أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين” ولا يملك السيسي إقالته إلا بتغيير هذه المادة، لذلك رأي البعض أن من أكبر التحديات التي تواجة السيسي في التخلص من صدقي صبحي هو تحصينه في الدستور، وأن السيسي لو أراد أن يتخلص من صدقي صبحي قبل عام 2022م، يجب أن يقوم بتعديل الدستور، وهذا ما يتردد من حين إلى آخر داخل أروقة مجلس النواب، بأن المجلس سيقوم بتعديل المادة الخاصة بتحصين وزير الدفاع، ولكن سرعان ما تتخافت هذه الأصوات.

لذلك رأى البعض ان السيسي لن يستطيع أن يتخلص من صدقي صبحي بالطرق القانونية والدستورية في الوقت الحالي لو أراد، وانه قد يلجأ إلى طرق أخرى للتخلص منه، وبالتالي برز تفسير أن السيسي وأجهزته الأمنية هم من سربوا معلومة موعد الزيارة بشكل ما حتي يقوم التنظيم بالاستعداد لعملية الاستهداف، وأن النظام كان يقصد بالأساس استهداف صدقي صبحي ولكن كالمعتاد في كل الزيارات كان يرافقه وزير الداخلية مجدي عبدالغفار.

ختاماً:

عمل السيسي على السيطرة بشكل تام علي المؤسسة العسكرية، وعلي ألا يتواجد أحد داخل المؤسسة العسكرية بحيث يكون قادراً علي أن ينافسه أو يسبب له أي تهديد قد يؤدي إلى إبعاده عن الحكم، ذلك الحكم الذي أراق بسببه الكثير من الدماء، وقام من أجله بالإطاحة بالفريق محمود حجازي رغم علاقة المصاهرة التي تربطهما، فأي شخص يرى السيسي أنه سيكون مصدر تهديد لموقعه فسيقوم بالتخلص منه سواء بإقالته بالطرق القانونية، أو بأي طريقة أخري.

وهو ما يعني أن المرحلة القادمة ستشهد تطورات هامة داخل المؤسسة العسكرية، قبيل إنتخابات الرئاسة القادمة في منتصف عام 2018م، فهل سينهي السيسي مرحلتة الأولي وقد قام بالسيطرة الكاملة علي المؤسسة العسكرية، أم سيكون لصدقي صبحي رأي آخر؟

كما أنه من الواضح أن مسألة حسم الصراع ووقف أعمال التمرد في شمال سيناء (والتي لا زال نظام السيسي يعتبرها مجرد أعمال إرهابية) لا تزال بعيدة المنال بشكل كبير في ظل غياب الاستراتيجيات والكفاءات الأمنية والعسكرية المطلوبة لفرض الاستقرار في المنطقه، والتي قد يراها البعض تحدث بشكل مخطط في إطار إخلاء المنطقة من سكانها في إطار ما يسمى بصفقة القرن.( 5)

كما أن غلق كل المنافذ أمام من يطالبون بالتغيير من داخل المؤسسة العسكرية، بتلك الممارسات التي تمت مع الفريق أحمد شفيق بعد إعلان ترشحه ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وحبس العقيد أحمد قنصوة أيضاً بسبب ترشحه لرئاسة الجمهورية ورفضه ممارسات النظام، وما يمارس من ضغوط على الفريق سامي عنان لعدم ترشحه لرئاسة الجمهورية، قد يدفع تلك المجموعات المتواجدة داخل المؤسسة العسكرية المطالبة بالتغيير بشكل قانوني ودستوي للجوء إلى طرق أخري ليحققوا ذلك التغيير الذي يريدونه (6 ) .

—————–

الهامش

(1 ) هجوم إرهابي على مطار العريش أثناء زيارة «وزيري الدفاع والداخلية، مصر العربية، تاريخ النشر 19 ديسمبر 2017، تاريخ الدخول 21 ديسمبر 2017، الرابط

(2 ) داعش يتبنى قصف مطار العريش، العربية نت، تاريخ النشر 20 ديسمبر 2017، تاريخ الدخول 22 ديسمبر 2017، الرابط

(3 ) الرئيس السيسى يجتمع بوزير الدفاع، اليوم السابع، تاريخ النشر 18 ديسمبر 2017، تاريخ الدخول 21 ديسمبر 2017، الرابط

(4 ) “العربي الجديد” يكشف تفاصيل محاولة اغتيال وزيري الدفاع والداخلية المصريين، العربي الجديد، تاريخ النشر 20 ديسمبر 2017، تاريخ الدخول 21 ديسمبر 2017، الرابط

(5 ) مجزرة الروضة: عندما يغيب الشهود، المعهد المصري للدراسات، الرابط

( 6 ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. كل ماسبق من تحليل اجتهاد عسكري مشكورا.
    لكن.لنا وجهة نظر متواضعةتتمثل في .
    هناك تقصيرا محدد في عدم استخدام التكنوجيوجرافيك حديثة ولها قدرات عالية من خلال برامج المسح بالقمرالصناعي بالفلترالحراري.
    كما هناك تقصير شرطي في مدينة العريش فهي مركزلشراءمتطلبات الحياة يرتادها اغلب تلك العناصر فاين رجال المباحث منهم؟
    كما ان هناك تقصير من استغلال العناصرالوطنية البدويةوتزويدهم بوسائل اتصال سريعة مع سرعة التحرك لبلاغاتهم وتعظيم دورهم فهم غيرمكشوفين للعناصرالارهابية.
    واعتقد يجب مراقبة اي قوات من unبالمنطقة وكذلك كل الشركات البترولية الاجنبية وحصركل منةيعمل بها بدقةمع ضرورة تبليغ الدولة باي تغير في تلك العمالة .#تحيا_مصر

  2. تقرير مفتاح على درجه عاليه من المهنيه جمع كل التفصيلات المتصله بالحادث-إعتراف تنظيم الدوله بالحادث يعكس قصورا أمنيا من جهه ومن الجهه الأخرى يعكس مدى التسليح العالى الذى يملكه هذا التنظيم وفى نفس الوقت يكشف عن عدم وجود حاضنه شعبيه ضد الإرهاب فى سينا وهو أمر شديد السلبيه فى مواجهة الإرهاب – إنحسار وجود التنظيم فى سوريا والعراق قد يؤدى الى تمدده فى مصر وبحسب أن سينا منطقه رخوه فى الدوله المصريه فإن العمليات الإرهابيه فى سينا يمكن أن تتصاعد إذا لم يتم تطبيق إستراتيجيه شامله لمواجهة الإرهاب تأخذ فى حسبانها الشق التنموى والإجتماعى والسياسى بل لابدمن أن تتوافر قوه مخصصه لمحاربة الإرهاب مدربه على حرب العصابات لأن من لصعب على جيش نظامى مواجعة ارهابيين يماسون اساليب حرب العصابات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close