fbpx
تقديراتعسكري

مصر: إقالة رئيس الأركان ـ الأبعاد والتفسيرات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد:

عقد عبد الفتاح السيسي، مساء السبت 28 أكتوبر 2017م، اجتماعاً حضره كلا من وزير الدفاع صدقي صبحي وأمين عام وزارة الدفاع اللواء محمد فريد حجازي ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار ومدير المخابرات العامة، وقال السفير علاء يوسف، المُتحدث الرسمي باِسم رئاسة الجمهورية، إن الاجتماع جاء في إطار متابعة التطورات الأمنية في البلاد وجهود ملاحقة الجماعات المسلحة، لاسيما بعد الاشتباكات التي جرت يوم الجمعة الموافق 20 أكتوبر2017م، بين قوات الشرطة وبعض العناصر المسلحة في طريق الواحات، وأسفرت عن مقتل عدد من ضباط الشرطة.

وأسفر الإجتماع عن ترقية اللواء أركان حرب محمد فريد حجازي أمين عام وزارة الدفاع إلى رتبة فريق اعتبارا من يوم 28 أكتوبر2017، وتعيينه رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة1، وتعيين الفريق محمود حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، مستشاراً للسيسي للتخطيط الإستراتيجي وإدارة الأزمات، كما تمت إقالة كلاً من اللواء محمود شعراوي مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن الوطني، واللواء هشام العراقي مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن الجيزة، واللواء إبراهيم المصري مدير إدارة الأمن الوطني بالجيزة، ومدير إدارة العمليات الخاصة بالأمن المركزي.

 

أولاً: تحركات محمود حجازي قبل الإقالة:

كان الفريق محمود حجازي رئيس الأركان السابق “والذي كان قد تم تعيينه رئيساً لأركان حرب للقوات المسلحة المصرية في أبريل من عام 2014م، قبيل ترشح السيسي لرئاسة الجمهورية والتي عقدت في مايو 2014م” يمارس عمله بشكل طبيعي طيلة الأيام الماضية، حيث قام حجازي بعدة تحركات في شهر أكتوبر 2017م، أي قبيل قرار إقالته من قبل السيسي بأيام وكانت على النحو التالي:

*في 01 أكتوبر 2017م، رافق الفريق محمود حجازي وزير الدفاع صدقي صبحي في مراسم الاحتفال بتخريج الدفعة 152 من كلية الضباط الاحتياط دفعة الشهيد ملازم أول احتياط أحمد عبدالوهاب على إبراهيم.

* يوم الأربعاء 4 أكتوبر 2017م، حضر حجازي اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة السيسي وبحضور وزير الدفاع صدقي صبحي، وقادة الأفرع الرئيسية وكافة أعضاء المجلس العسكري، وشهد هذا الاجتماع استعراض آخر المستجدات على صعيد تطور الأوضاع الأمنية الداخلية، حيث تم عرض الإجراءات التي تتخذها القوات المسلحة على صعيد تأمين الحدود وخاصة الحدود الغربية، وعرض اللواء أركان حرب شريف بشارة أوضاع المنطقة الغربية والمواجهات التي تتم بين الجيش والمهربين، وأكدت قيادة المنطقة الغربية أن المواجهات الفترة المقبلة يجب أن تكون في مقدمتها القوات الجوية لأن المهربين قاموا بتفخيخ المدقات التي يستغلونها في التهريب، فتصعب مواجهتهم بالمدرعات وقوات المشاة، وقام الفريق محمود حجازي، كونه مسئول الملف الليبي، بعرض الحالة الأمنية والعسكرية وخاصة في الشرق الليبي، تلك المناطق المتاخمة للحدود المصرية والتي يسيطر علىها خليفة حفتر.

* في 8 أكتوبر 2017م، التقى الفريق محمود حجازي، بروبرت ستيفن بيكروفت، مدير عام القوة متعددة الجنسيات الجديد والذي كان يشغل سفير الولايات المتحدة بمصر سابقاً، تناول اللقاء التشاور مع القوات المسلحة المصرية، لتسهيل عمل القوة فى سيناء.

*في 10 أكتوبر 2017م، شهد كلاُ من الفريق محمود حجازي ووزير الدفاع صدقي صبحي وقائد المنطقة الغربية العسكرية اللواء شريف بشارة المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية “رعد 28” التي نفذته إحدى وحدات المنطقة الغربية العسكرية.

ي 14 أكتوبر 2017، شهد الفريق محمود حجازي ووزير الدفاع صدقى صبحي بيان الرماية الصاروخية “حماة السماء 2” لوحدات من قوات الدفاع الجوى.

*في 18 أكتوبر 2017م، التقى الفريق محمود حجازي رئيس أركان حرب القوات المسلحة بالفريق مايكل جاريت قائد القوات البرية للقيادة المركزية الأمريكية والوفد المرافق له الذي زار مصر في الفترة محل الرصد. تناول اللقاء تطورات الأوضاع التى تشهدها المنطقة.

* في الفترة ما بين 15 إلى 17 أكتوبر 2017، قالت مصادر ان الفريق محمود حجازي قد سافر إلى دولة الإمارات، لعقد عدة اجتماعات مع مسئوليين في دولة الإمارات، ولم يتأكد إذا كانت الزياة تمت بالفعل أم لم تتم؟

* في 20 أكتوبر 2017م، شهدت منطقة الكيلو 135 بطريق الواحات البحرية في الجيزة، اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن ومجموعة مسلحة، أسفرت عن مقتل العشرات من ضباط الدخلية، ولا يزال الغموضُ يُخيم على حادث الواحات، ولا أحد يعلم ما جرى هناك، والمعلومات الآتية من مصادر مختلفة تزيد من الغموض، ولكن يبقي المشهد الأبرز أن تلك المجموعة المسلحة التي نفذت العملية مجموعة مدربة تدريب عسكري عالي الكفاءة.

* في 22 أكتوبر 2017م، قام محمود حجازي بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، لحضور مؤتمر رؤساء أركان الدول المشاركة فى الحرب على الإرهاب، وذلك بدعوة رسمية من رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية وبمشاركة رؤساء هيئات أركان 73 دولة، وناقش المؤتمر خلال فعالياته عدداً من الملفات والموضوعات المرتبطة بتنسيق الجهود الإقليمية والدولية الرامية للقضاء على الإرهاب.2 وألقي حجازي كلمة أثناء المؤتمر، وعقد على هامش مشاركته في المؤتمر لقاءً برئيس أركان الجيش الصهيوني ورئيس أركان الجيش الأمريكي، وبحسب صحيفة “هآرتس” العبرية. حضر الإجتماع رؤساء أركان وضباط كبار من دول عربية بينها مصر والسعودية والأردن، وعاد حجازي إلى مصر، يوم الخميس 26 أكتوبر.

حتى كان قرار الإقالة في 28 أكتوبر 2017، وبإقالة حجازي يتبقي 5 شخصيات عسكرية فقط داخل المجلس العسكري الذي كان قائماً بعد الإنقلاب العسكري في يوليو 2013، وهم3:

ثانياً: التفسيرات والإحتمالات:

بالرغم من أن قرار السيسي كان قراراً مفاجئاً للكثيرين، ورغم ندرة المعلومات المتاحة وتضاربها، تبرز عدة تفسيرات حول هذه القرارات:

1ـ الربط بينها وبين حادث الواحات:

حيث يرى البعض أن تداعيات مذبحة «الواحات»، التي وقعت يوم الجمعة الموافق 20 أكتوبر، لم تكن بعيدة عن حركة الإقالات والتغييرات التي أجراها «السيسي»، وطالت رئيس الأركان، الفريق «محمود حجازي»، ورئيس جهاز الأمن الوطني (جهة استخباراتية داخلية)، اللواء «محمود شعراوي»، ومدير أمن محافظة الجيزة اللواء «هشام العراقي»، ومدير الأمن الوطني بمحافظة الجيزة، اللواء «إبراهيم المصري»، كما ضمت الحركة تغيير مدير إدارة العمليات الخاصة بالأمن المركزي.

حركة الإقالات المفاجئة، التي طالت قيادات علىا في المؤسستين العسكرية والأمنية، قد تُعزز صحة التسريب الذي أذاعه الإعلامي المصري «أحمد موسى»، ونفته وزارة الداخلية لاحقا، وأظهر حجم التقصير الأمني الذي شاب العملية، التي كبدت الشرطة المصرية خسارة هي الأسوأ منذ عقود.

حيث أنه وفقاً لتقارير استخباراتية، فإن ثمة تهاون كبير جرى قبل وأثناء وبعد تنفيذ عملية «الواحات»، غربي البلاد، وسط اتهامات بالخيانة، خرجت للعلن من قيادات بارزة كانت تتولى مناصب علىا في الجيش المصري، أخطرها جاء من رئيس الأركان الأسبق، الفريق «سامي عنان»، الذي تساءل: «هل أبناؤنا أعز وأكفأ ما نملك يكونون ضحية الخيانة وضعف وسوء التخطيط وعدم دقة المعلومات؟ ».وأضاف: «نَحّوا العواطف جانباً الآن، لغة العقل والرشد، هي ما نحتاجها حالياً، ابحثوا عن الأسباب والدوافع وضعوهما في سياقهما الصحيح، شخَّصوا المرض بواقعية وبعقلانية، أدركوا حجم الكارثة التي نمر بها ونعيشها”.

الإشارة إلى الخيانة، تكررت بشكل أكثر صراحة، من المرشح الرئاسي السابق ورئيس وزراء مصر الأسبق، الفريق «أحمد شفيق»، الذي وصف ما حدث في هجوم الواحات بأنه «لم يكن مجرد اغتيال كمين منعزل»، على حد تعبيره . وأضاف، في بيان عبر صفحته على «تويتر»: «ما هذا الذي يحدث لأبنائنا، هم على أعلى مستويات الكفاءة والتدريب، هل ظلمتهم الخيانة، أو ضعف التخطيط لهم، أو كل الأسباب مجتمعة؟ ». وتابع قائلا: «أرجوكم.. لا تتعجلوا في الانتقام قبل أن تستوعبوا وتفهموا حقيقة ما دار أمس على أرض بلدنا الجريح، وفي عمقه. أرجوكم.. أدركوا أن ما حدث لم يكن مجرد اغتيال كمين منعزل، ولا هو مهاجمة بنك في مدينة حدودية، أبدا، لمن لا يفهم ولمن لا يريد أن يفهم ـ ما دار كان عملية عسكرية كاملة الأركان، أديرت ظلما ضد أكثر أبنائنا كفاءة ومقدرة وإخلاصاً”.

ويُضاف إلى هذا ما يقال أن الجيش المصري رفض التحرك لحماية الشرطة في حادثة الواحات بسبب أن الداخلية تحركت بدون علمهم، وهذا من الممكن أن يفسره تدخل قوات الجيش بعد 12 ساعة من الإشتباكات لإنقاذ الجرحي وانتشال الجثث، وصعود وهبوط الطائرة الحربية لأكثر من مرة.

وقد رأي البعض أن نية السيسي للتخلص من محمود حجازي كانت مبيتة من فترة ولكن كان ينتظر اللحظة المناسبة أو وقوع حدث كبير يطيح على أثره حجازي بسبب التقصير العسكري في مواجهة الإرهاب، وأن السيسي استغل الحدث كي يتخلص من حجازي، وقد فسر آخرين بناء على ذلك الأمر، أن السيسي من المحتمل أنه وراء حادثة الواحات البحرية، وهو من دبره كي يحدث حادث كبير بمثل هذا الشكل كي يكون ذريعة للإطاحة بحجازي.

وقد تساءل البعض بأن الدولة المصرية، قد شهدت على مدار الأربع سنوات الماضية حوادث مشابهة لحادث الواحات ولم يقم السيسي بإقالة مسئولين بحجم الفريق حجازي على أثر تلك الحوادث، فلماذ الآن لمجرد سقوط حادث وقع مثله الكثير يطاح على إثره بالفريق محمود حجازي.

 

2-الربط بين الإقالة وزيارة الولايات المتحدة:

لم يعقد السيسي إجتماعه بعد الحادثة مباشرة لمناقشة تداعيات الحادث، بل شهد السيسي اليوم االتالي للحادث الاحتفال باليوبيل الماسي وإحياء الذكرى 75 لمعركة العلمين، ونهاية الحرب العالمية الثانية، التي دارت أحداثها في 23 أكتوبر عام 1942م، بعكس ما كان يفعله السيسي في الحوادث الكبيرة الماضية فكان يقوم بعمل اجتماع أمني وعسكري لمناقشة تداعيات الأحداث مباشرة، وهذا يظل علامة استفهام، لأن حجازي من الأرجح أنه كان في مصر في تلك الفترة، ولكن قبل اجتماع السيسي العسكري الذي حضره كلا من وزراء الدفاع والداخلية ومدير المخابرات، يوم الأحد الموافق 22 أكتوبر 2017م، كان محمود حجازي قد غادر مصر متجهاً للولايات المتحدة لحضور مؤتمر رؤساء الأركان لمناقشة الحرب على الأرهاب، فمن الصعب استبعاد ما دار في اجتماعات واشنطن، من أسباب الإقالة التي طالت حجازي الذي شارك بدعوة رسمية من رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية .

«حجازي»، الذي شارك في الاجتماعات إلى جانب رؤساء جيوش  السعودية، الإمارات، الأردن، ودول حلف شمال الأطلسي، وأستراليا، قد التقى رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال «غادي أيزنكوت»، ويتحدث البعض عن أن ثمة شيء ما دار في الكواليس، وبناء على ما تم نقله من مصادر فإن محمود حجازي في كلمته التي القاها في المؤتمر، وأثناء لقاءاته على هامش المؤتمر قد أظهر ضعف الجيش المصري في مكافحة الأرهاب ووضح أن طريقة تعامل النظام المصري في مكافحة الإرهاب التي تبني على المواجهة العسكرية فقط طريقة لم تحقق نجاحات طيلة السنوات الأربعة الماضية، وأن المؤتمر كان بعد حادثة الواحات مباشرة.

وهذا ما ترتب علىه غضب السيسي، في ظل توبيخ أمريكي جراء هذا الفشل، مقارنة بما تلقته القاهرة من مساعدات اقتصادية وعسكرية من الولايات المتحدة ودول خليجية، ومن ضمن الكلام الذي تم تداوله فإن الـ “CIA ” وأثناء تواجد حجازي في الولايات المتحدة اتفقت معه على ضرورة إبعاد عبد الفتاح السيسي عن حكم مصر لكون أنه بات مفرخة للإرهاب بشكل يهدد العالم ويهدد مصالح أمريكا بالمنطقة.

 

3-الربط بين الإقالة وزيارة الإمارات:

بالرغم من أن زيارة حجازي إلى الإمارات لم نتأكد من صحتها، ولكن هناك حدث مشابه تم قبل إقالة السيسي للفريق عبد المنعم التراس في ديسمبر 2016م، فقد زار التراس دولة الإمارات في نوفمبر 2016م، بدعوي زيارة لعقد إجتماعات مع مسئوليين في دولة الإمارات العربية، وعند رجوعة من الزيارة في 18 ديسمبر 2016م، قام السيسي بإقالته هو و11 قيادات عسكرية أخرى، ولم يتسن معرفة ما دار أيضاً في زيارة التراس إلى الإمارات وقتها. والقيادات التي تمت اقالتها بعد رجوع التراس من الإمارات هم:

4-الربط بين الإقالة والصراعات الداخلية:

ويقوم على أن السيسي جاء على رأس الدولة المصرية بانقلاب عسكري، وان طبيعة الحكام التي تصل بتلك الطريقة لا يكون لديها ثقة في الدائرة المحيطة بها حتي وإن كانوا شركاءه في الإنقلاب، وحتي لو كانت بينهم علاقات قوية أو عائلية كما الحال بين السيسي وحجازي الذي تجمعهم صلة نسب، وما فعله عبد الناصر في عبدالحكيم عامر خير دليل على ذلك الأمر، فالسيسي منذ 03 يوليو 2013، أقال 27 قائداً عسكرياً من داخل المجلس العسكري حتي ينفرد بالقرار داخل الجيش، وعمل السيسي على الإطاحة بالشخصيات ذات النفوذ المؤسسة العسكرية، وحجازي منذ ثورة 25 يناير 2011م، كان يُنظر له بأنه شخصية سياسية بامتياز، وكان هو واللواء العصار متصدرين المشهد الإعلامي كواجهة للجيش المصري، وكان حجازي دائماً يجتمع بشباب الثورة.

لذلك فإن قرار استبعاده من قبل عقلية السيسي من الوارد، ومنذ بداية حكم السيسي لم تتوقف التقارير التي تشير إلى صراعات داخل الجيش المصري بسبب سياسة السيسي التي كانت تراها بعض القيادات بأنه استمرار المؤسسة العسكرية بذلك الشكل قد يعوض بالضرر على المؤسسة بأكملها، ورأي البعض بأن السيسي عمل منذ انقلابه العسكري، على الإطاحة بكل من يشك في ولائه داخل المؤسسة العسكرية كنوع من فرض وحكم سيطرته على المؤسسة العسكرية.

ومما يشير إلى أن هناك قيادات أخري داخل المؤسسة سيتم الإطاحة بها، ما كتبه معتر محمود إبراهيم حجازي ابن محمود حجازي بعد الإقالة بيوم، والتى فسرها البعض بأنها تدل على أن محمود حجازي كان ضد سياسة السيسي، وأنه في صف آخر ضد صف السيسي حيث كتب: “دمت فخراُ وشرفاُ لكل من عرفك، دمت شامخاُ قدر إحترامك لذاتك، دمت وتداً في مواقفك لا تسبح فيها مع التيار، دمت فينا ودمنا سفراء نشرف بحمل أسمك وتعريف الناس بك، دمت منصباً قائماً أبي العزيز”.

 

5ـ دلالات تعيين فريد حجازي:

تعيين أمين عام وزارة الدفاع الفريق محمد فريد حجازي لرئاسة الجيش، والمعروف “بالسكرتير” داخل الجيش المصري، والذي ظل بعيداً طيلة السبع سنوات الماضية من أي منصب ميداني داخل الجيش، وهنا يرى البعض أن السيسي يعمل على تصعيد شخصيات يسهل السيطرة علىها، وتساءل آخرون بأن رئيس أركان الجيش المصري يجب أن يكون قائد جيش، فكيف يأتي السيسي بمسئول إداري داخل المؤسسة العسكرية ليصبح رئيس أركان الجيش وهو القائد الذي يحمل أعلى الرتب العسكرية بعد وزير الدفاع، ويندرج تحت إمرته هيئة الأركان “القوات البرية والقوات البحرية والقوات الجوية”.

وظهور السيسي في صباح اليوم التالي لقراره بإقالة محمود حجازي وعلى غير عادته قام بحضور إجراءات التفتيش ورفع الكفاءة القتالية لإحدى تشكيلات الجيش الثالث الميدانى بحضور كلاٌ من الفريق محمد فريد حجازى رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة وجميع قيادات المجلس العسكري ما هي الإ رسالة أراد السيسي إرسالها بأن قيادات الجيش تقف وراءه، وأن إبعاد حجازي عن المؤسسة العسكرية لن يحدث أي نوع من أنواع الصراع داخل المؤسسة.

ويثير تعامل الإعلام والصحافة المصرية بخصوص تناول الخبر، علامات استفهام، فكان هناك تجاهل تام للحدث، وكأن ما حدث أمر غير مثير للاهتمام، وهو ما فسره البعض بأن الإعلام والصحافة المصرية أخذت تحذيرات من إحدى الجهات الأمنية، بعدم تناول الحدث بأي بشكل من الأشكال والإكتفاء بذكر الخبر فقط وهذا ما فعله عمرو أديب في برنامجه على قناة اون تي في.

ورأى البعض أن تعيين فريد حجازي تم بناء على رغبة طنطاوي في استبعاد الرجل الأول للسيسي من المؤسسة العسكرية، وتعيين الرجل الذي يقال عنه من رجال طنطاوي داخل الجيش، وأن طنطاوي هو من عينه كأمين عام وزارة الدفاع في 2010م، كونه أحد رجاله المخلصين، حتي يحدث فرق بين مؤسسة الجيش ومؤسسة الرئاسة، بمعنى أن مؤسسة الجيش في عهد مبارك كان متحكماً فيها المشير طنطاوي بشكل كبير، ومبارك متحكم في الدولة من خلال رجاله مثل زكريا عزمي وصفوت الشريف وفتحي سرور، لذلك قام السيسي بجلب محمود حجازي من المؤسسة العسكرية ليكون أحد رجاله بمؤسسة الرئاسة، نتيجة لرغبة الجيش في الفصل بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الجيش.

وفي هذا السياق ذهب البعض إبى القول بأن حجازي هو السند الأهم للسيسي داخل المؤسسة العسكرية، وان الداعمين الإقليمين والدولين وقيادات المؤسسة العسكرية وعلى رأسهم المشير محمد حسين طنطاوي، أصبحوا يرون بأن السيسي الأن أصبح عبأ على الجميع، وانه يجب إضعافه، للتمهيد للتخلص منه، وأولي خطوات إضعافه هى الإطاحة بأكثر داعميه عن المؤسسة العسكرية، ومن هنا جائت الإطاحة بالفريق محمود حجازي.

واتجه البعض الآخر إلى القول أن قرار السيسي جاء في ذلك التوقيت قبل انتخابات الرئاسة بشهور للتحضير للفترة المقبلة وانتخابات الرئاسة في عام 2018م، إما بتعيين حجازي رئيس للوزراء بدلاً  شريف إسماعيل، والذي من المحتمل أن يبعده المرض من منصبه، وأيضاُ لتحميله الفشل لكل ما ترتب علىه من تدهور أصاب الإقتصاد المصري في فترة رئاسته للوزراء، ورأي البعض الآخر بأن حجازي من المحتمل بأن يكون أحد الوجوه التي من الممكن ان نراها منافسة في انتخابات الرئاسة القادمة، بترتيب مع السيسي، أو تعيينه نائباً له في الفترة الرئاسية الثانية.

وأن ما يشير إلى احتمال استغلال السيسي لمحمود حجازي في المرحلة القادمة، بأنه لم يقيله من إدارة الملف الليبي، ولو أن السيسي أراد الإطاحة بمحمود حجازي لكان أقاله من كل مسئولياته. وأنه على فرض صحة أن السيسي أقال حجازي استعداداً للمرحلة القادمة، فلماذا لم يتم تعيينه مباشرة رئيساً للوزراء مثلاً، أو نائباً للسيسي؟

 

6-القول بأن الإقالة خطوة لإزاحة صدقي صبحي:

من حين إلى آخر يلوح البرلمان المصري بناء على توجهات السيسي، كما يزعم البعض بأنه سيسعى من خلال دوائر سياسية تتبع توجيهاته، لطرح المادة الخاصة بتحصين منصب وزير الدفاع لمدة 8 سنوات بعد الترويج لتلك التعديلات عبر نواب وإعلاميين مقربين من السلطة، وأن تعديل هذه المادة هدفه التخلص من صدقي صبحي، وكان المرجح المجئ بحجازي وزيراً للدفاع، لذلك عجل السيسي بخروج حجازي حتى يكون تعديل المادة، إن عدلت ليس للمجئ بحجازي.

ويرى البعض أن صدقي وحجازي طيلة الأربع سنوات الماضية علاقتهم متوترة دائما وظهر هذا التوتر عند وفاة والدة رئيس الأركان الفريق محمود حجازي السبت الموافق 5 نوفمبر2016م، ولم يشارك السيسي وأوفد العميد أركان حرب “أيمن فاروق أحمد شكري” للمشاركة في الجنازة. ولم يشارك في تشييع الجنازة أيضا وزير الدفاع صدقي صبحي مع العلم أن السيسي وصدقي كانوا داخل الأراضي المصرية، ولم يكن أي منهم في زيارة خارج البلاد في فترة تشييع الجنازة، ولم تصدر القوات المسلحة أيضا بيانا رسميا تعزي فيه رئيس الأركان بل نشر العميد محمد سمير بيانا قال فيه: “يتوجه السيد رئيس أركان حرب القوات المسلحة ببالغ الشكر والتقدير لكل من شاطره أحزانه في وفاة والدته، داعيا الله عز وجل أن يحفظ مصر وشعبها من كل سوء، “إنا لله وإنا إليه راجعون”، وأيضا لم يذكر الخبر على الصفحة الرسمية لموقع وزارة الدفاع المصرية وأيضا كان مما تم رصده عدم وجود صور سواء لمراسم الدفن أو تشييع الجنازة.

 

خاتمة:

كل التفسيرات السابقة، تحمل نوعاً من الوجاهة في الطرح والمنطقية في التحليل، لأن كل منها يقدم مبررات تدعم وجهة النظر، وفي هذا التقدير قد يكون من الصعب ترجيح أحد الاحتمالات على حساب الآخر، لكن الأكثر احتمالاً من حيث الدقة وتعدد المؤشرات، أن هناك صراع حقيقي داخل المؤسسة العسكرية، وأن هنا تضارب في المصالح والتفكير، تتم إدارته على حساب أمن الوطن واستقراره، وعلى حساب دماء الجنود والضباط، كآلية للتخلص من المنافسين أو وسيلة لإدارة الصراعات، لأن ما تم في الواحات ما كان ليحدث إلا مع وجود خلل أمني كبير أو اختراق أمني أكبر أو صراعات أجنحة.

أما الحديث عن أن ما حدث لمحمود حجازي هو تصعيد سياسي له، وتمهيد ليكون بديلاً للسيسي، بتوافق بينه وبين السيسي، فهذا تصور بعيد إلى حد ما، لأن السيسي لن يقوم بتصعيد أى شخص يمكن أن يحل محله، وأنه إذا كان هناك تصعيد، فإنه جاء رغماً عن السيسي، خاصة وأن حجازي كان في الولايات المتحدة لعدة أيام قبل قرار التخلص منه.

ملحق(1)

————————-

الهامش

(1) السيسي يعين فريد حجازي رئيسا لأركان القوات المسلحة، الشروق، تاريخ النشر 28 أكتوبر 2017، الرابط

(2) الفريق حجازى يغادر لواشنطن لحضور مؤتمر رؤساء أركان الدول المحاربة للإرهاب، اليوم السابع، تاريخ النشر 22 أكتوبر 2017، تاريخ الدخول 23 اكتوبر 2017، الرابط

(3) للوقوف على من تم التخلص منهم، وإعادة تشكيل المجلس راجع: محمود جمال، مصر: المجلس العسكري ـ أبعاد التفكيك والتركيب، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 24 ديسمبر ٢٠١٦، الرابط. وكذلك محمود جمال، دلالات ترقية قائد الحرس الجمهوري، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 28 يناير 2017، الرابط.

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close