fbpx
تقارير

مصر: بعد تيران وصنافير ماذا عن جغبوب؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد:

تشترك مصر بحدودها البرية مع 5 دول: يحدها من الغرب: ليبيا على امتداد 1115 كم، خط يمتد باستقامة كاملة جنوبا حتى نقطة الحدود الثلاثية لمسافة 804 كم ويبدو متعرجا من واحة سيوة إلى الشمال لمسافة 290 كم، ويحدها شرقا: البحر الأحمر بساحل يبلغ طوله 1941 كم. ويحدها فى الشمال الشرقي: فلسطين المحتلة (قطاع غزة)، والأردن، والمملكة العربية السعودية.. فتبدأ من رأس طابا علي خليج العقبة حتي الساحل المتوسطي وذلك لمسافة 265 كم وهذا الحد يتماشى مع خط طول 34 شرقا. كما يحدها جنوبا السودان بطول 1280 كم، وهو عبارة عن خط هندسي يتعامد علي الظاهرات الطبيعية والبشرية ويمتد مع منطقة العوينات باتجاه الشرق نحو نهر النيل، ويمر في منتصف هذا الحد وادي النيل، ويحدها من الشمال البحر المتوسط وهو عبارة عن حد طبيعي، حيث يمتد هذا الحد الشمالي من رفح المصرية شرقا إلي مدينة السلوم غربا حيث يمتد لمسافة ألف كيلو متر.

وبعد الانقلاب العسكرى فى مصر فى 3 يوليو 2013، ومن خلال ممارسات النظام الحاكم تحولت الحدود المصرية إلى قضية هامة، وبرزت مخاوف عن مدى تآكلها بالتخلى عن جزر البحر الأحمر، وعن آبار البترول البحرية شمالا، واستمرار أزمة حلايب وشلاتين جنوبا، وقرية أم الرشراش شرقا وواحة جغبوب غربا، بالاضافة إلى كارثة مؤكدة وهى بدء نقصان المياه فى نهر النيل بعد بناء السدود فى اثيوبيا.

أما عن الحدود الغربية لمصر، محور هذا التقرير، فهي الحدود البرية بين ليبيا ومصر وتمتد بطول 1049 كم، ويمتد باستقامة كاملة جنوباً حتي نقطة الحدود الثلاثية لمسافة 804 كم، ويبدو متعرجاً من واحة سيوة إلي الشمال لمسافة 290 كم. ولم تظهر مشكلة الحدود الغربية لمصر قبل عام 1925 ولم يرد ذكرها حتى في اتفاقية 1840 وكانت برقة وبني غازي في العصور القديمة امتدادا طبيعيا مصريا ولكن بعد الإحتلال الإيطالي لليبيا بدأت تظهر خلافات حدودية مصرية ليبية فتم توقيع اتفاقية 1925 بين كل من مصر وبريطانيا وإيطاليا وتم في الاتفاقية تنازل الجانب المصري عن حقه في «واحة الجغبوب» واعتبارها جزءا من الاراضي الليبية بالرغم من كونها مصريا متصلة بشكل مباشر بشريا وثقافيا بواحة سيوة المصرية.

واحة الجغبوب والخمس مدن الغربية “بنتابوليس”:

ارتبطت ليبيا بلقب كهنوتى خاص ببطريرك الكنيسة القبطية نفسه، حيث يُدعى البطريرك يوم تنصيبه “بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في مصر وإثيوبيا وإريتريا والنوبة والسودان، والخمس مدن الغربية وسائر أقاليم الكرازة بالمهجر”.

وتقع “الخمس مدن الغربية” حاليا بولاية “برقة” بليبيا، وقد أنشأها الإغريق بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد وسموها باسم “بنتابوليس” Pentapolis (أي المدن الخمس)، وهي: سيرين (القيروان)، وبرنيق (بنغازي)، وباركا (المرج)، وطوشيرا (توكرة)، وبولونيا (سوسة).

لم تكن ليبيا بالنسبة لمرقس الرسول مجرد مكان بٌشر فيه بالمسيحية، بل كانت هي مسقط رأسه، حيث ولد بمدينة سيرين رغم أن والديه كانا من اليهود المهاجرين، وكانت “بنتابوليس” في ذلك الوقت تشهد تنوعا ثقافيا ودينيا وفلسفيا، ما بين ليبيين أصليين ورومان ويونانيين و يهود، وكانت اللغة والثقافة اليونانية هي الأولى عندهم، ما مكن مرقس من إتقان مختلف العلوم باليونانية واللاتينية والعبرية.

قبل أن يُقرر هو ووالديه الهجرة إلى موطنهم الأصلي بفلسطين ليلتقي ببطرس لرسول، الذي كانت تجمعه صلة قرابة بوالد مرقس، ليتحول بيته فيما لمكان اجتماع السيد المسيح بتلاميذه، ولما جائته فرصة التبشير للأمم منفردا في حوالي عام 58م، أختار أن يذهب مرقس إلى مسقط رأسه، بنتابوليس. لتظل منطقة بنتابوليس تحت رعاية الكنيسة القبطية وهو ما يؤكده القانون السادس من قوانين مجمع نيقية المسكوني (325 م): “فلتحفظ العادات القديمة التي في مصر وليبيا والخمس مدن الغربية في أن أسقف (بابا) الإسكندرية يكون له السلطان على هذه كلها”.

ويختلف المؤرخون فيما بينهم حول زمن انتهاء المسيحية في ليبيا، حيث يصف الإيطالي “بورو” عميد كلية الآداب بجامعة بنغازي، “أن تاريخ بنتابوليس في الفترة ما بين القرنين الـ11 و الـ19 يعتبر تاريخا مجهولا، أو غير مكتوب”. ورغم تأكيد بعض المؤخين على إنتهاء الوجود المسيحي من ليبيا في أواخر القرن الـ13. إلا أن آخر ذكر لوجود أسقف لبنتابوليس موجود بمخطوطة قبطية يرجع محتواها لعهد البابا يؤانس الـثالث عشر أي في القرن الـ16.1

وتعتبر سنة 1971 نقطة تحول مفصلية في حياة الوجود المسيحى في ليبيا، إذ اعتلى كرسي البابوية للكنيسة الأرثوذكسية المصرية البابا شنودة الثالث، الذي يعتبر بحق مجدد المذهب، ومحيي آماله، وأخطر من اعتلى هذا الكرسي على مدار تاريخه الطويل، إذ كان لشنودة حلم كبير في إحياء المجد المرقصي للكنيسة الأرثوذكسية، وبناء إمبراطورية الكنيسة الأم التي تضارع كنيسة روما، وكان هذا الحلم يبدأ تحديدًا من على الأراضي الليبية، ومن هنا رأى البابا شنودة أن وطن القديس مرقص صاحب الرسالة، لا بد أن يكون في قوة وحيوية رسالته!!

لذلك لم يكد يتولى شنودة زعامة الكنيسة المصرية حتى قرر إحياء مجد مرقص القديم، الذي لا يعرف إلا في الأساطير الأرثوذكسية فقط، فاللقب الكنسي الذي يحمله الأنبا شنودة، وحمله من قبله كل الباباوات الذين سبقوه، هو: “بابا الإسكندرية وبطريريك الكرازة المرقصية في مصر والمدن الخمس الغربية وشمال إفريقيا”، في الوقت الذي لا يُعرف فيه لواحد منهم ولاية أو سلطان على غير كنائس مصر، وبالفعل شرع البابا شنودة في هذا الحلم الكنسي، فأرسل وفدًا كنسيًّا إلى ليبيا، حيث قدموا طلبًا بإنشاء عدة كنائس، فوافقت السلطات الليبية على بناء كنيستين، واحدة في طرابلس والثانية في بنغازي، وعلى الفور صدر القرار البابوي في 12/12/1971م بضم الكنيستين الجديدتين إلى إيبارشية (مجمع رعاية كنائس) مناطق البحيرة، والتحرير، ومرسى مطروح في غرب مصر؛ ليكونوا جميعًا تحت رعاية إيبارشية واحدة وأسقف واحد، هو الأنبا باخوميوس، والذي أصبح مسماه الوظيفي الجديد: أسقف البحيرة والتحرير ومطروح والمدن الخمس الغربية، وهو الأنبا الذي تولى تسيير شئون الكنيسة بعد شنودة، وهو الذي أشرف على اختيار البابا الجديد “تواضروس”.

ووضعت خطة سريعة لتنشيط جهودهم بين رعايا الكنيسة المصرية في ليبيا، وجرى التحضير لزيارة رسمية للبابا شنودة إلى ليبيا، والتي تمت في أجواء أسطورية بالغة الحفاوة في 27/3/ 1972، أُقيمت احتفالات كبيرة ليست على المستوى الكنسي، إنما على المستوى الرسمي للجمهورية الليبية، حيث استقبل الرئيس القذافي البابا شنودة بنفسه في المطار، ليتلقى منه الشكر على ما حققه للكنيسة المصرية من حلم؛ إذ كان بعيد المنال أن يكون لها في ليبيا مكان، وقد حالت قوى الاحتلال الصليبية التي تعاقبت عليها، دون أن يكون هناك وجود كنسي لمصر.

وما إن عاد شنودة من رحلته بليبيا حتى أخذ في الترتيب من أجل إحياء النشاط الكنسي في ليبيا، وذلك بالتنقيب في الآثار والحفريات القديمة في ليبيا من أجل العثور على ما يعضد الأسطورة الأرثوذكسية المسماة بالمدن الخمس، ثم أرسل الأنبا شنودة وفدًا آخر إلى المكتبات ومراكز المخطوطات في إنجلترا وإيطاليا وروما، للبحث عن أية مصادر حول التراث القديم للكنيسة في ليبيا، برغم تأكيدات علماء الآثار الغربيين أن هذا التاريخ المزعوم وجوده لما يُعرف بالمدن الخمس وهمي لا أساس له، ويفتقد إلى سند علمي، وهو ما أكده الدكتور الإيطالي «بورو» عميد كلية الآداب بجامعة بنغازي، في مؤتمر التاريخ الليبي، والذي نظمته الكلية عام 1968م، حيث قال: إن تاريخ المدن الخمس وهمي لا أساس له. ومع ذلك أصر البابا شنودة على تمرير هذا الوهم حتى أصبح حقيقة راسخة لدى جموع الأقباط الأرثوذكس، وأصبح بمثابة الإرث الذي يجب الحفاظ عليه والبحث عن جذوره، وتأكيد السيطرة والهيمنة عليه.

الطموحات والآمال والأحلام لدى البابا شنودة اصطدمت بعد ذلك مع التركيبة العقلية للقذافي، ففي حين أبدى القذافي في بداية عهده تسامحًا كبيرًا مع الأقباط، وسمح لهم بحرية ممارسة الشعائر والحركة، إلا إنه بعد ذلك أخذ في التضييق عليهم، والحد من نشاطهم وحركتهم، وتبنَّى القذافي منهجًا إسلاميًّا خاصًّا به، أقرب ما يكون للشيوعية والثورية منه إلى الإسلام، وأغلق الباب أمام الدعوة الإسلامية وغيرها، واتبع سياسة الستار الحديدي مع ليبيا، وبعد أن قام القذافي بتغيير جلده مرة ثالثة، وأعاد الانفتاح على الغرب على خلفية تراجعاته الشهيرة أمام الغرب، في قضية لوكيربي، أعاد البابا شنودة محاولاته القديمة تجاه ليبيا، ففي فبراير سنة 2003م، أوفد شنودة الأنبا باخوميوس إلي ليبيا في زيارة خاطفة لبحث إمكانية تأسيس كنيسة ثالثة في مصراتة، حيث يوجد بها جالية مصرية قبطية كانت تستعمل إحدى الشقق السكانية كقاعة للصلاة، وقد رفضت السلطات الليبية الطلب آن ذاك ووعدت ببحثه لاحقًا.2

واحة الجغبوب:

إذا كان تحويل أسطورة المدن الخمس الغربية إلى واقع قد تراجع كثيرا بموقف القذافى، إلا أن واقع واحة الجغبوب مازال مطروحا بقوة على الساحة المصرية، حيث دعت صحيفة مصرية الحكومة، بمناسبة إعادة جزيرتي تيران وصنافير للسيادة السعودية، إلى استعادة واحة جغبوب الليبية، للسيادة المصرية، واصفة إياها بأنها “مسروقة”، وأنه حدث تواطؤ بريطاني – إيطالي، لحرمان مصر من مساحة 40 ألف ميل في الصحراء الغربية، وأن حكومة أقلية موالية للإنجليز بمصر، والسراي الملكية، وقَّعت على وثيقة التسليم.

وتساءلت صحيفة “الأهالي” (عدد أبريل 2016): لماذا لا تطالب الحكومة (المصرية) باستعادة واحة جغبوب المصرية المسروقة (في ليبيا)؟ وأضافت: “يحق لمصر أن تطالب بإعادة نحو 40 ألف ميل من الصحراء المصرية تشمل واحتي جغبوب والكفرة وميناء البردية المصري الذي يقع غرب السلوم (كلها في ليبيا حاليا).. بعد أن تم انتزاعها منها بعد أن توالت التهديدات باستخدام القوة للاستيلاء عليها في عشرينيات القرن الماضي”. وأكدت “الأهالي” أنه “تمت سرقة هذه المساحة من مصر نتيجة تواطؤ بين إيطاليا الفاشستية، بزعامة موسوليني، والمستعمرين البريطانيين، الذين أرغموا أحمد زيور باشا رئيس الوزراء المصري في عام 1925، على توقيع وثيقة تسليم جغبوب، وما حولها لإيطاليا، والمعروف أن زيور باشا كان صنيعة الإنجليز والسراي”.

وأشارت الصحيفة إلى أن الوثائق والمستندات السرية البريطانية التي نشرها الكاتب “محسن محمد” في كتابه “سرقة واحة مصرية” (مطبوعات دار أخبار اليوم عام 1980) تكشف أن إيطاليا – بعد تركيا – كانت تعترف بأن حدود مصر تضم واحتي الكفرة وجغبوب، غير أن إيطاليا أعلنت إصرارها منذ عام 1907 على تعديل حدود مصر، وضم واحة جغبوب إلى ليبيا؛ لكي تقاتل ضد أنصار جماعة إدريس السنوسي، التي كانت تتخذ مقرها في الواحة. وفي الخريطة المحفوظة بالمتحف البريطاني في لندن، توجد جغبوب – كجزء من أرض مصر – كما هو الحال في جميع الخرائط الجغرافية، وفق “الأهالي”.3 وهذه الخريطة المشار اليها وضعت في الفترة بين عامي 1770 و1860، وتم تلوين جغبوب باللون المصري، لكن فى 2 ديسمبر عام 1925 تنازلت مصر عن واحة الجغبوب لييبيا.

وتقع واحة الجغبوب على الغرب من واحة سيوة في الداخل المصري، وتبعد عن مدينة طبرق، التي تتبعها إدارياً، بحوالي 286 كلم تقريباً، في الجهة الجنوبية الشرقية، في منخفض مساحته تقدّر بحوالي 56 كيلومتراً مربعاً. فهي تقع في منطقة حدودية بين مصر وليبيا جعلت لها أهمية استراتيجية على مر التاريخ. بل إنّ أهالي الواحة يزعمون أن جغبوب مفرد لكلمة (جغابيب) بمعنى المنخفضات التي فيها عيون الماء والمستنقعات الصغيرة. ويحيط بالجغبوب القديمة سور حجري له سبعة أبواب، يضم بداخله الزاوية والمسجد والضريح، وأسماء الأبواب السبعة: الاستسقاء والعين والكرة والكوادير والبحري والغربي والرحمة، ومع التمدد العمراني لم تعد هذه الأبواب توصل إلى خارج الواحة بل صارت بداخلها حيث كثرت المباني خارج السور.

ويبلغ السكان حوالي ثلاثة آلاف نسمة تقريباً، ويشتغل جزء من السكان بالزراعة، حيث يتناقل الأهالي مقولة مأثورة للسنوسي الكبير تقول: “الدرر في غرس الشجر”. وللجغبوب مكانة كبيرة في نفوس الليبيين، حيث كانت مركزاً دينياً انطلقت منه الدعوة السنوسية إلى غرب أفريقيا، يشهد بذلك كتاب “السراج الوهّاج في رحلة السيد المهدي من الجغبوب إلى التاج”، الذي دوّن فيه أحمد الشريف بن محمد السنوسي (1873-1933) الرحلات الدعوية التي رافق فيها عمه محمد المهدي السنوسي. كذلك كانت الجغبوب مركزاً لتجميع المجاهدين من مصر وليبيا وتشاد والسودان ضد المستعمرين البريطانيين والإيطاليين والفرنسيين منذ أواخر القرن التاسع عشر.

وتعود المكانة التي حظيت بها الواحة إلى السنوسي الكبير، بعد أن كانت الجغبوب وكراً للصوص وقطاع الطرق الذين يغيرون على القوافل. وكانت المنطقة قريبة من طريقين مهمين أحدهما طريق الحجاج القادمين من المغرب إلى الحجاز مروراً بمصر، وطريق التجارة القادم من موانئ البحر المتوسط الشمالية المتجه إلى واحات الصحراء جنوباً. وكانت أهمية جغبوب تزيد وتقل تبعاً لقوة السنوسيين فيها، وقد أسس السيد ابن علي في 1854 زاويته التي أصبحت بعد ذلك مركز العلوم والعرفان للطائفة السنوسية. إذ عمل على أن تكون مركزاً للتوفيق والصلح بين قبائل الصحراء المتناحرة، ونشر السلام بينهم جميعا عرباً وأفارقة.

وقد جاء في خطاب له إلى أهل (واجنجه): “إنّا نريد أن ننشر السلام بينكم وبين الأعراب الذين يغيرون على بلادكم ويستعبدون أولادكم ويبتزون أموالكم”. فانضمت الأفواج للدعوة السنوسية؛ وفي أيام الأعياد، وفي ذكرى وفاة السنوسي الكبير، صار الآلاف من أهل ليبيا يتهافتون على الواحة الصغيرة، حيث تمتلئ بهم الشوارع والطرقات، ولكن ما إن تنتهي زيارتهم لضريح السنوسي الكبير حتى يشربوا أقداح الشاي الأخضر، ثم يعودون إلى مناطقهم التي قدموا منها(4).

صفقة جغبوب

برز موضوع الصفقة في مناسبتين‏:

الأولى: ما تضمنته المادة 13 من اتفاقية لندنالمبرمة عام ‏1915، والتي وافقت إيطاليا بمقتضاها علي دخول الحرب في صفوف الحلفاء‏، فقد قضت بأنه بعد الانتصار علي دول الوسط‏، وإعمالا لمبدأ تبادل المنافع الاستعمارية بين إنجلترا وفرنسا علي حساب ألمانيا‏، يكون لإيطاليا الحق في تعديل حدود مستعمراتها في كل من برقةوالصومال‏،‏ وبالنسبة للمستعمرة الأولي كان مفهوما أن يتم ذلك علي حساب جارتها الشرقية‏،‏ أي مصر‏.‏

الثانية: كانت فيما عرف باتفاق ملنر- شالويا والذي جاء علي شكل مذكرتين متبادلتين يومي ‏10‏ و‏13‏ أبريل عام ‏1920،‏ بين وزير المستعمرات البريطاني ووزير الخارجية الإيطالي‏، وقد وافقت إيطاليا في المذكرة الأولي علي أن تكون نقطة بداية الحد الشمالي من حدود مصر‏-‏برقة غرب السلوم بمسافة عشرة كيلومترات واعتبار المنطقة التي يحتويها خط الحدود مناسبة تماما طالما دخلت جغبوب ضمن الأراضي الإيطالية‏، بينما تضمنت الثانية قبول الجانب البريطاني بما جاء في المذكرة الإيطالية‏.‏

الجذور التاريخية لهذا الاتفاق بدأت خلال الحرب الإيطالية‏- التركيةحول ليبيا‏ (1911-1912)، حين أعلن الإيطاليون حصار سواحل الأخيرة حتي خط ‏27‏ شرقاًمما أدخل خليج السلومفي منطقة الحصار‏،‏ الأمر الذي دفع الإنجليز إلي الاحتجاج باسم مصر، فتم رفع الحصار ودخل الجنود المصريون الميناء الهام‏.‏ ثم تحصن 15,000 من أنصار السنوسي في السلوم في مايو 1915، فحاصرهمالجيشان البريطاني والإيطالي حتى طردوهم من السلوم(5).

أهمية السلوم وقلعتها الاستراتيجية

في عدد الأهرامالصادر يوم الاثنين، ‏6‏ أبريل عام ‏1925‏، نشرت مقالا يبين أهمية السلوم‏. فوصفها بأنها ذات مناعة طبيعية ففي إمكان أية قوة صغيرة مسلحة أسلحة حديثة أن تقاوم جيشا جرارا وأسطولا حربيا‏،‏ وذلك لعدة أسباب أهمها إشرافها علي صحراء برقة وعلي ميناء السلوم مباشرة،‏ فيستحيل علي أية بارجة الدخول إلي الميناء أو الاقتراب من الساحل إلا إذا عرضت نفسها للبوار والدمار‏.‏

وقلعة السلوم مرتفعة ارتفاعا كافيا ومشيدة علي قمة جبل السلوم والقلعة غير ظاهرة تماما لمرأي الأساطيل الحربية فإذا حاولت إحداها إصابة المرمي منها فقد يمكن أن تصيب الجزء الأعلي منها وليس هذا بالأمر الهين‏،‏ فضلا عن ذلك فقد أشارت الوثائق لأهمية السلوم ذات المياه العميقة كقاعدة للأسطول البريطاني‏.‏

وعلي ضوء هذه الحقائق يكون مفهوما أسباب تمسك بريطانيا‏، ‏ صاحبة المصالح البحرية الكبيرة‏، بهذا الميناء‏،‏ وأكثر من ذلك أسباب حرصها علي أن يتوفر له الظهير اللازم غربا بأن يبدأ الحد الفاصل مع برقةعلي بعد عشرة كيلومترات في هذا الاتجاه‏، ويكون مفهوما أيضا الأسباب التي دعتها إلي قبول عقد الصفقة التي تحصل إيطاليا بمقتضاها علي واحة جغبوب بعد قبولها بنقطة البدء الشمالية‏.‏

فعلي امتداد الفترة بين عامي ‏1912، بعد أن تم إخراج تركيا من المعادلة الليبية‏، وحتى عام ‏1920‏ ظل هؤلاء يلقون المتاعب في سعيهم لمد سيطرتهم إلي الداخل‏،‏ الأمر الذي عبرت عنه جريدة الديلي تلغراف اللندنية بقولها أن حكومة روما تعلم أن عددا كبيرا من السنوسيين يعيشون ما وراء الحدود المصرية وأنها تشك في أن هؤلاء لا بد لهم من الذهاب إلي جغبوبالتي هي مكان مقدس يتلقون فيه الدروس الدينية وأن الذين يرتكبون لجرائم من السنوسيين‏ (كذا)‏ يجدون في الغالب ملجأ أمينا في جغبوب‏.‏ وقدر الإيطاليون عدد البنادق التي يتم تهريبها إلي جغبوب بأكثر من ثلاثة آلاف شهريا‏، وقد تذرعوا بهذه الأسباب السياسية والعسكرية بالإضافة إلي كون جغبوب تقع علي طريق القوافل التجارية‏.‏

وقد ظلت البلاغات العسكرية التي تصدرها حكومة روما تكشف عن تلك الحقيقة‏،‏ كان آخرها البيان الذي أصدرته في ‏13‏ فبراير عام ‏1925، وكان مما جاء فيه أنه قد جرت أعمال حربية عظيمة الأهمية في جنوب برقة بين يومي ‏2‏ و‏9‏ أفضت إلي تدمير ستة عشر معسكرا للسنوسييين في خلال تسع معارك شديدة‏،‏ وفقد السنوسيون مائتي قتيل وغنم الإيطاليون ‏14‏ ألفا من الخراف وأكثر من أربعمائة جمل‏، وقتل من الإيطاليين جندي واحد وجرح عشرة‏!.

غير أنه يبقي علي الجانب الآخر محاولة التهوين المصرية من قيمة الواحة للإيطاليين‏، وهو ما نتبينه من مقال طويل نشرته الأهرام جاء فيه أن جغبوب واحة صغيرة نزل فيها السنوسي الكبير ابتعادا عن الناس وانزواء عن الجلبة والصخب فالتف حوله بعض الطلاب والمريدين الذين كانوا يتناولون رزقهم من الواحات المصرية‏،‏ ولما كان الرجل معلما صالحاً تقيا بنت له الحكومة المصرية في عهد الخديوي توفيققبة وجامعا وتكية، وأرسلت بعض المهندسين فاستخرجوا الماء ليستقي منها القليلون باعتبار هذه الواحة الصغيرة مصرية،‏ والذين ينزلون فيها مصريون‏!‏

وبينما كان لإيطاليا أسبابها في المطالبة بسرعة تنفيذ الصفقة‏،‏ فقد كان للطرف الآخر أسبابه في العمل علي إبطالها‏، خاصة بعد ما شهدته مصر من متغيرات كان أظهرها تغير طبيعة هذا الطرف‏،‏ فبينما كانت بريطانيا تتحدث باسم مصر وقت عقد اتفاق ملنر‏-‏شالويا عام ‏1920،‏ علي اعتبارها الدولة الحامية‏،‏ فإنه بعد 1922 واعتراف حكومة لندن بقيام المملكة المصرية لم تعد كذلك‏!‏.

وقد ترتب على تلك التغييرات الجذرية تأخير وضع الصفقة موضع التنفيذ خلال السنوات الخمس التالية‏،‏ ففي ظروف احتدام الثورة المصرية لم يعد ممكنا للإنجليز الإقدام علي مثل هذه الخطوة التي تزيد الأمور التهابا‏ ثم حتي بعد اعترافهم باستقلال مصر بمقتضي تصريح ‏28‏ فبراير،‏ فقد استمهل الإنجليز الإيطاليين‏،‏ مما تضمنته المذكرة التي وجهتها وزارة الخارجية إلي السفير الإيطالي في لندن وجاء فيها أن إلغاء الحماية علي مصر قد أدي إلي تبديل الوضع تماما‏، وأنه لم يعد بإمكان الحكومة البريطانية الاستمرار في التفاوض مع الحكومة الإيطالية دون اشتراك وزارة الخارجية المصرية ودون تعاون الحكومة المصرية‏،‏ وقد ألقت حكومة لندن بذلك الكرة في ملعب القاهرة‏،‏ وأخذت تراقب عن كثب ما سوف يحدث‏!‏

وقد تصور الإيطاليون أن الفرصة سانحة بعد تولي وزارة الشعب برئاسة سعد زغلولالحكم في مصر‏، ‏وتكشف الوثائق السرية البريطانية عن أنه خلال توقف سعد زغلول في باريس في صيف عام 1924،‏ بعد عودته من مفاوضاته الفاشلة مع رئيس الوزراء البريطاني‏،‏ المستر رمزي مكدونالد، فاتحه السفير الإيطالي في العاصمة الفرنسية في الموضوع،‏ وحصل منه علي وعد بأنه بعد عودته إلي مصر سيقوم بدراسة المسألة ويفتح باب المفاوضات‏،‏ غير أن سقوط وزارة زغلول في نوفمبر من ذلك العام بعد سلسلة من الأزمات مع القصر والإنجليز لم يهيئ الجو المناسب لأية اتصالات بين الجانبين في هذا الشأن‏.‏

وبدأت الضغوط الإيطالية تتزايد بعد تولي وزارة زيور باشاالحكم‏،‏ ولأكثر من سبب‏،‏ فمن ناحية أغري ضعف هذه الوزارة الإيطاليين علي تصعيد مطالبتهم بوضع ترتيب ملنر‏-‏ شالويا موضع التنفيذ‏، ومن ناحية أخري أن حكومة روما‏،‏ كانت تعلم أن زيور لم يكن سوي مجرد ألعوبة في يد الملك فؤاد‏، قد عولت كثيرا علي العلاقة الخاصة التي ربطت بين هذا الملك وبين إيطاليا التي تلقي تعليمه فيها‏، وكان الإيطاليون مخطئين في تقديراتهم‏،‏ الأمر الذي دعا الحكومة الفاشستية إلي تفجير الموقف‏.‏

وبدءا من ‏10‏ فبرايرعام ‏1925‏ أخذت الأخبار تتوالي عن دخول القوات االإيطالية الأراضي المصرية‏. إلي مكان يسمي “الشقة” يقع في ثلث المسافة بين السلوم وجغبوب ويبعد كثيرا داخل حدودنا‏،‏ في نفس الوقت تقدم وزير إيطاليا المفوض في القاهرة بطلب إلي وزير الخارجية المصري للاعتراف بطليانية واحة جغبوب‏،‏ ورد الوزير المصري علي ذلك‏،‏ ولم يكن سوي زيور باشارئيس الوزراء‏، بأن جغبوب داخلة في الحدود المصرية‏،‏ كما أبلغ الوزير المفوض المصري في روما رئيس الوزراء الإيطالي بنفس الجواب‏.‏

أتبع الإيطاليون ذلك بأن طالب وزيرهم المفوض في القاهرة دار المندوب السامي بأن تقدم الحكومة المصرية تعهدا كتابيا بأن جغبوب تابعة لإيطاليا‏، غير أن زيور ورفاقه‏، الذين كانوا يعلمون ما يمكن أن يترتب علي هذا التعهد من انهيار وزارتهم الضعيفة أصلا، ردوا برفض الاعتراف بأن اتفاقية ملنر‏-‏شالويا ترتب أي حقوق إيطالية في الأراضي المصرية‏.‏

وتكفلت الأهرام بشرح وجهة نظر حكومة القاهرة في عددها الصادر يوم 20 فبراير عام 1925 فذكرت أن إيطاليا حتي لو كانت قد ورثت حكومة تركيا في طرابلس الغرب، فما كان لتركيا صار لها وما لم يكن لتركيا لا حق لها فيه‏، ثم تبعت ذلك بالقول أنه لم يكن بين تركيا ومصر حدود اسما وإنما كان هناك حدود بالفعل كانوا يطلقون عليها كلمة ‏(‏ خط الامتياز‏)، وهو الحد الفاصل بين دولة وأخري،‏ ولهذا الخط خريطة معروفة في سجلات الأستانة‏، وأن جغبوب تقع ضمن الأراضي المصرية بمقتضي هذا الخط‏.‏

بالمقابل شنت الصحف الإيطالية‏، علي رأسها جريدة إيبوكا، حملة مفادها أن واحة جغبوب لم تكن تابعة لمصر في زمن من الأزمان، ومع ذلك تطالب بها مصر التي أخذتها نشوة الاستقلال دون أن يكون لديها حجة حقيقية تؤيد حقها‏.‏

وأبلغ المندوب السامي الوزير الإيطالي المفوض في القاهرة رفضه لتقديم الحكومة المصرية للتعهد السري المطلوب‏،‏ وطالبه باتباع سياسة التهدئة إلي حين الانتهاء من الانتخابات الوشيكة التي كانت تخوضها حكومة زيور ضد الوفد‏،‏ وقد جاء الرد علي شكل خطاب شخصي من موسوليني نفسه لوزير الخارجية البريطانية مضمونه أن بلاده تكبدت تضحيات جسيمة في سعيها لإشاعة الأمن في برقة‏، وهو ما لن يتم إقراره دون السيطرة علي جغبوب المركز الرئيسي للدعوة السنوسية‏، وإن أعرب الدوتشي عن حسن النية تجاه المطلب البريطاني بقول إرجاء الأمر برمته إلي ما بعد الانتخابات‏.‏

أبلغت الحكومة البريطانية روما بأنه في حالة تصلب الموقف المصري بعدئذ فإنها لن تعمل التحفظ الذي جاء في تصريح ‏28‏ فبراير والقاضي بحماية الأراضي المصرية من أي عدوان خارجي‏,‏ في نفس الوقت وجهت دار المندوب السامي‏، وبناء علي تعليمات الخارجية البريطانية‏، ما يشبه الإنذار لزيور مطالبة إياه بإنهاء مسألة جغبوب بأسرع ما يمكن‏، وأنه من الأفضل أن يتم ذلك برضاء الحكومة المصرية بدلا من أن يسويها الإيطاليون دون أن نتمكن من تقديم أي عون لمصر‏!‏

ووقعت حكومة زيور باشا بذلك بين مطرقة ضغوط بريطانيا وإيطاليا، طرفي الصفقة‏،‏ وسندان الرأي العام المصري الذي عبرت عنه الأهرام وسائر الصحف بالرفض المطلق لفكرة تسليم جغبوب المصرية للسلطات الإيطالية في برقة‏.‏ لعل ذلك ما دعا جريدتنا إلي أن تستكتب بعض من كان له خبرة بشئون الصحراء الغربية‏..‏ اسم أول هؤلاء‏:‏ محمد إبراهيم لطفي المصري‏، العمل‏:‏ يوزباشي كاتب طابور بالحكومة السنوسية سابقا‏،‏ المقال‏:‏ السعي للتأكيد علي المطامع الإيطالية في المنطقة،‏ وقد ارتكز في ذلك علي حجتين:

الأولي‏:‏ التنبيه إلي أن تلك المطامع قد بدأت منذ سعيها لانتزاع برقةوطرابلسمن أيدي الأتراك وأنها احتلت ثغر طرابلس في الجهة الغربية وبنغازي وطبرق ودرنة في الجهة الشرقية المجاورة لمصر ثم اقتربت من الحدود وجعلت تطلق قذائف مدرعاتها علي ثغري دقنة والمريسة القريبين جدا من الحدود المصرية،‏ ولولا مناعة هذه الثغور الطبيعية لكانت إيطاليا صرفت كل همها إليها حتي تمسك حبل الطمع من الطرفين‏.‏

الثاني‏:‏ التذكير بالمحاولة الإيطالية التي جرت عام 1914 بمساومة الخديوي عباس علي شراء سكة حديد مريوط‏,‏ التي كان يمتلكها‏,‏ وأنها أبدت استعدادها لدفع ثمن باهظ لقاء ذلك لكن الصحف المصرية اهتمت بالموضوع وأظهرت أن الخديوي لا يملك إلا القضبان والقاطرات‏، أما الأرض التي تسير عليها فهي ملك الحكومة‏..‏ ووجد الخديوي السابق حرج المركز فأقلع نهائيا عن البيع‏.‏

في 10 إبريل نشرت الأهرام خبراً جاء فيه أن الأخصائيين الذين استشارتهم الحكومة المصرية في مشكلة الحدود الغربية أجمعوا علي عدم التفريط في شبر من الأراضي المصرية التي قررت اللجنة العسكرية المصرية المنتدبة في صيف عام ‏1922‏ لمعاينة الحدود الغربية ضرورة الاحتفاظ بها لأسباب عسكرية فنية‏,‏ لكن يبدو أن المطرقة كانت أقوي من السندان‏.

وبعد أن ظهرت نتيجة انتخابات مارس عام 1925‏ وحصول الوفد علي الأغلبية‏، وحل البرلمان مرة أخري، لم يعد للبريطانيين ما يتذرعون به لعدم وضع صفقة ملنر‏-‏شالويا موضع التنفيذ‏، وعلي الرغم مما عرف عن وزارة زيور أنها كانت حكومة التفريط، فإنها اتبعت كل وسائل التسويف، فبعد أن ضغط المندوب السامي علي الوزارة المصرية للبدء في التفاوض حول الموضوع، وبعد أن وافق زيور علي ذلك المطلب بدأ الممثلون الإيطاليون في القاهرة بالاتصال بالحكومة المصرية في 31 مارس،‏ غير أنها استمهلتهم إلي حين إرسال لجنة إلي الحدود الغربية لتضع تقريرا عن جوانب الموضوع العسكرية، ولما كان قد سبق إرسال لجنة لذات الغرض عام 1922، فقد اعتبر الإيطاليون ذلك لوناً من إضاعة الوقت، وعادت اللجنة في 5 مايو، وانتهي الوزراء من دراسة التقرير الذي أعدته بعد أسبوعين آخرين، وبدأ أول اتصال بين الطرفين.

وفي يوم السبت 23 مايو نشرت الأهرام تصريحا لموسولينيلا يقبل التأويل ومفاده أن الحكومة الإيطالية قد أصرت غير مرة من قبل علي وجوب إدخال واحة جغبوب ضمن حدود برقة، وأنها تعد عدتها للدخول في المفاوضات الحاسمة التي تنهي هذه المشكلة بالطرق السياسية.

وبعد أقل من شهرين‏، وفي يوم 8 يوليو علي وجه التحديد، وتحت الضغوط البريطانية المتواصلة وافق مجلس الوزراء المصري علي تكليف إسماعيل صدقي، وزير الداخلية‏، برئاسة لجنة المفاوضات لما هو معروف عنه من قدرة علي المراوغة، كان منها زيارته إلي روما في منتصف أغسطس ومقابلته لموسوليني، ليصرح بعدها لمراسل جريدة التربيونا بأن لجنة ستؤلف من مصريين وإيطاليين لبحث موضوع الحدود بين مصر وبرقة في النصف الثاني من أكتوبر، أي بعد نحو شهرين، والسبب‏:‏ العطلة الصيفية‏!‏

وبدأت المفاوضات فعلا في الموعد المتفق عليه والتي قدمت الدكتورة فاطمة علم الدين عبد الواحد في كتابها حدود مصر الغربية كثيرا من تفصيلاتها نقلا عن الوثائق السرية البريطانية، منها أن صدقي باشا وجد ألا مندوحة من الموافقة علي اتفاق ملنر- شالويا، بمجموعة من الطلبات، منها زحزحة الخط الذي قبلته بريطانيا سبعة كيلومترات إلي الغرب، وأن تكون الأماكن المخصصة لإقامة الشعائر الدينية حرما مصونا لا يدخلها الإيطاليون بأية صورة، وأن يكون للمسلمين من مصر أو طرابلس الحرية التامة في الرواح والغدو للمقام الكائن في الواحة، حجاجا أو تجارا، وأخيرا ضمان سلامة الحدود المصرية من الغارات التي يمكن أن يشنها البدو الموجودين في جغبوب‏.‏ وبينما لم يقبل الجانب الإيطالي بالمطلب الأول فقد قبل بالمطلبين الآخرين، وهو ما قبله زيور باشا أيضا تحت الضغوط البريطانية، علي العكس من صدقي الذي رفض أن يضع توقيعه علي الاتفاق بهذا الشكل‏.‏

وفي صباح يوم الأحد 6‏ ديسمبر 1925‏ اجتمع رئيس الوزراء‏،‏ بكبار رجال الخارجية،‏ ثم بالوزراء، ثم نزل متجها إلي القصر الملكي ليعود في الخامسة، وقبل الثامنة بخمس دقائق وصل المندوب الإيطالي نگريتو كامبيازو،‏ وبعده وصل زيور، وبعد مراجعة الصورتين المعدتين من المعاهدة، وفي الثامنة والعشرين دقيقة وقع الطرفان، دخل عليهما بعدها السكرتير الأول لدار المندوب السامي، وبعد أن اطمأن إلي سير الأمور، خرج لإبلاغ المندوب السامي أن كل شيء قد سار علي النحو المخطط له، وأن الصفقة تم إبرامها علي خير.

غير أن الارتياح الذي ساد في قصر الدوبارة قابلته عاصفة في الشارع السياسي المصري الذي استشعر بمغبة التسليم بالصفقة الاستعمارية، وهو ما عبرت عنها الأهرام من خلال نشرها لمقالات عديدين من المحتجين. فتحت عنوان حول واحة جغبوب نشر عبد الرحمن عزام، الأمين الأول للجامعة العربية فيما بعد وصديق السنوسيين، مقالة طويلة أنهاها بقوله‏:‏ ” لقد تلاشى مع تلاشى جغبوب من خريطة المملكة المصرية الأمن والسلام فنحن اليوم أحوج مانكون لمعونة الإنجليز، هل يفهم المصريون هذا؟ وهل يقصد الساسة البريطانيون ذلك ؟ ثم ألن تنقذ الوزارة ما يمكن انقاذه ؟ لقد آن لهذه الأمة أن تستفيق ! “وتحت عنوان الأمة والوزارة المصرية‏-‏ التنازل عن واحة جغبوب كتب أحد النواب الوفديين، مؤكدا علي بطلان الاتفاق وأنه لا يحرم الواحة من مصريتها فستبقي مصرية دينا وأخلاقا وطبيعة‏.‏ وإذا فصلتها القوة عن مصر فأرواح ساكنيها متصلة بها، وسيأتي يوم ويدور الزمن دورته فيعود المستعمرون إلي عقر دارهم وتتمتع الأمم المغلوبة علي أمرها بحريتها واستقلالها.

وتحت عنوان ” المرحومة جغبوب ” قدم الكاتب الأستاذ فكري أباظة،‏ مرثية جاء فيها: “وداعا جغبوب، وداعا وديعة الإسلام في يدي مصر المسلمة، وداعا نقطة الإيصال بين الجيران والإخوان، وداعا ملتقي الزوار والحجاج، سلاماً علي روحك الطاهرة وألف سلام‏!‏.

وبينما كانت تموج الصحف بمثل هذه الكتابات كان الشارع المصري يموج بمظاهرات الطلبة احتجاجا علي الاتفاقية. طلبة المعلمين العليا ودار العلوم والتجارة المتوسطة والسعيدية والجيزة الثانوية والأقباط الكبري والإسماعيلية والرشاد والفنون الجميلة خرجوا من مدارسهم في مظاهرات عارمة يهتفون فيها بسقوط الاتفاق، ولم تكن تلك المظاهرات آخر المطاف فقد ظل المصريون ينظرون لما جري يوم 6 ديسمبر عام 1925 باعتباره إجراء باطلاً،‏ خاصة وأنه لم يحظ أبدا بموافقة أي برلمان مصري حتي يومنا هذا‏!‏(6).

وفى حوار مع المستشارة هايدى فاروق عبدالحميد بتاريخ 17 مايو 2015، تحت عنوان “واحة “الجغبوب” الغنية بالبترول فى ليبيا مصرية 100%”7، كشفت عن تطورات خطيرة فى قضية التنازل عن واحة الجغبوب، وتقول المستشارة هايدى أنه:

أولا: أصل اتفاقية 1925 لترسيم الحدود النهائى بين مصر وليبيا قد اختفى فى ظروف غامضة من الأرشيف المصرى، وعلى الأرجح بفعل فاعل بعد ثورة يوليو 1952. وخلال هذه السنوات الطويلة حدثت عملية إزاحة من القبائل التى تعيش على الجانب الليبى داخل حدودنا، ودعمت دول غربية الوضع القائم تحت ضغوط شركات النفط العملاقة التى حصلت من الجانب الليبى على مناطق امتياز هناك. وفى عام 1964، قال الرئيس جمال عبد الناصر إن واحة الجغبوب مصرية، لكن الحكومة المصرية لا تملك أصل الاتفاقية التى تثبت ذلك.

ثانيا: كان الرئيس السادات مشغولاً بهذا الملف بشدة، وفى عام 1977 قام بتدمير القاعدة العسكرية الليبية فى الجغبوب، وهدّد باستعادة كامل الواحة، لكن وساطة من الرئيسين الجزائرى هوارى بومدين والفلسطينى ياسر عرفات، حالت دون ذلك، فضلاً عن عدم توفر أصل اتفاقية 1925 لـ«السادات».

فبعد زيارة السادات لاسرائيل، هاجمه القذافى بشدة وحدثت معركة على الحدود المصرية الليبية خلال شهر يوليو 77، وتدخلت السلطة الفلسطينية والحكومة الجزائربة لتهدئة الاوضاع، وأعطى الرئيس السادات أوامره بانسحاب القوات المصرية وانتهاء المناوشات ووقف إطلاق النار بشكل فورى في اليوم التالى لعقد الهدنة مستجيبا لتدخل تلك الأطراف الدولية واستغرب معظم المراقبين مثل هذا القرار رغم النجاح المبدئى الذي أظهرته غارات 24 يوليو حيث عكفت مصر على إبلاغ القنوات الدبلوماسية بأن العملية العسكرية ستستمر حتى إسقاط العقيد معمر القذافى الذي حاول تكرارا استفزاز القوات المصرية للرد على تجاوزاته في الحدود الغربية لكن أمريكا ضغطت على مصر بشكل كبير لمنع هذا الغزو وانتهت بذلك الحرب رسميا يوم 25 من يوليو 1977 بانسحاب القوات المصرية من المدن والمناطق الليبية التي احتلتها.8

ثالثا: فى عام 2004، وبتكليف من الرئيس حسنى مبارك، قامت هايدى فاروق بالبحث عن هذه الاتفاقية وأى وثائق أخرى ذات صلة. وبدأت بالبحث محلياً، ونجحت فى العثور على مكتبة الجغرافى المصرى “أحمد حسنين باشا” الذى كلفه الملك فؤاد فى العشرينات برسم حدود مصر الغربية.. وهو ما أنجزه بالفعل من خلال خريطة واضحة للحدود عام 1922.

ووجدت هذه الخريطة الفريدة التى رسمها والتى انتهى منها حسنين باشا بعد عدة رحلات للحدود الغربية، وأهمية هذه الخريطة أنها تُظهر بوضوح فى هذا الوقت المبكر وقوع كامل واحة الجغبوب فى العمق المصرى. وحوت المكتبة أيضاً كل الاتفاقات التى حدّدت بموجبها حدود ليبيا الحالية، التى كانت كالتالى:

  • اتفاق «فرنسا – تركيا» عام 1910 (الحدود الليبية – التونسية حوالى 840 كيلومتراً).
  • اتفاق «فرنسا – إيطاليا» عام 1919 حول 1200 كيلومتر جنوباً (الحدود الليبية الجنوبية مع تشاد والنيجر).
  • اتفاق «فرنسا – إيطاليا» عام 1919 حول 1350 كيلومتراً جنوباً (تعديل للاتفاق السابق والخاص بالحدود الليبية الجنوبية مع تشاد والنيجر).
  • اتفاق «مصر – إيطاليا» عام 1925 حول 11000 كيلومتر (وهو الاتفاق الخاص بالحدود المصرية – الليبية).
  • اتفاق «مصر وبريطانيا – إيطاليا» عام 1934 (حول الحدود المصرية – السودانية – الليبية المشتركة).
  • اتفاق «ليبيا – فرنسا» عام 1955، للعمل بأحكام اتفاق 1919.

كما توصلت الخبيرة إلى أكثر من وثيقة، منها خارطة مصلحة عموم المساحة المصرية عام 1908، التي تؤكد أن خط الحدود المصرية الغربية لم يكن قد تم تحديده باتفاق، وإن كان يشمل “واحة الجغبوب” والخارطة العظيمة التي رسمها الجيش المصري عام 1941 لمطروح وحدود مصر الغربية، بالإضافة إلى الوثائق الأخرى مثل خريطة أحمد حسنين باشا وغيرها.9

وأضافت الخبيرة: أن كل هذه الوثائق لم تكن كافية لإثبات حق مصر فى الجغبوب، إذ كان لا بد من الحصول على أصل اتفاقية عام 1925، ولهذا ذهبت فى عدة رحلات إلى الخارج، حيث تم الحصول على أصل اتفاقية 6 ديسمبر 1925، وعددها 40 صفحة، خلال إحدى المهام الرسمية عام 2009 إلى أرشيفات العالم، وحصلت أيضاً على نسخة ورقية من ملف الحدود الغربية لمصر بعد زيارة عمل رسمية إلى الأرشيف البريطانى فى صيف عام 2008، وهى وثائق مهمة فى محفل توثيق حق مصر فى واحة الجغبوب.

وتقرر خبيرة الحدود أنه بدراسة أصل اتفاقية 1925 يتضح انه وخلافاً للزعم المتواتر القائل بأننا قد تنازلنا عن كامل واحتنا المصرية «الجغبوب» بموجب اتفاق تم بين كل من بريطانيا وإيطاليا، فإن الوثائق التى توصّلت إليها تكشف، ولأول مرة بالدليل القاطع، أن خط الحدود الغربى لمصر قد اتُفق عليه، بشكل نهائى مؤرخ فى السادس من ديسمبر عام 1925 بين مصر وإيطاليا، وهو الاتفاق الذى يقضى بمرور خط الحدود بتلك الواحة، بعد أن تنازلت مصر لليبيا عن القسم الغربى منها، نظير تنازل ليبيا لمصر عن «بئر الرملة»، المعروف الآن بميناء بردية، وممر أرضى يكفى لإيصال «الرملة» بشمال «السلوم». وهذه الأرض تحديداً هى التى كانت وراء موافقتنا على التنازل عن جزء غير يسير من واحة الجغبوب، ومع ذلك فإن الأرض التى من المفترض أننا تسلمناها من ليبيا شمال بئر الرملة نظير تنازلنا عما يساوى نحو ثلثى مساحة الجغبوب الغنية بالبترول، قد أُخذت منا وضُمت إلى الشمال الليبى، فلا نحن احتفظنا بواحتنا المصرية «الجغبوب»، ولا نحن احتفظنا بما أعطته لنا ليبيا نظير هذا التنازل.

وقد تم طرح فكرة العودة للتاريخ، والمطالبة باستردادها. حيث أعاد بعض الباحثين طرح القضية في الفترة الأخيرة في مؤتمر “المسكوت عنه في تاريخ مصر عبر العصور” الذى نظمه مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس.”. فى شهر ديسمبر 2015 10، واعتبار جغبوب واحة مصرية مسلوبة ضمن أحداث ماضية تم إغفالها نتيجة ظاهرة الانتقاء التاريخى، سواء تم ذلك عمداً أو لظروف حتمية وتسليط الضوء علي أحداث مواضيع ذهبت في غياهب النسيان لمجرد أنها لم تجد من يسجلها ويرصدها وهو ما يعتبره الطرف الليبي محض هراء، ومحاولة استفزازية لتعكير الأجواء بين البلدين

وفى شهر أكتوبر 2016 قام الباحث عبد الحميد سرحان بمناقشة رسالته لنيل درجة الماجستير من جامعة أسوان، والتي جاءت تحت عنوان “قضية واحة جغبوب في البرلمان المصري 1924-1935”!و يؤكد فيها أن الحكومات المصرية المتعاقبة منذ ذلك التاريخ لم تطالب باستعادة الواحة من ليبيا، رغم إثباته مصريتها بالوثائق والخرائط، وهو ما يعد حجة قوية وسند قانوني لإستعادتها من ليبيا.11!

خاتمة:

تتميز مصر بمكانة تاريخية ضاربة فى القدم، وموقع جغرافى فريد ثابت دون تغيير، مما جعلها تمتلك عبقرية مكانية وزمانية عبر ثلاثة محاور تشمل النهر والبحر والارض، ولكن فى السنوات الثلاث الأخيرة بعد 3 يوليو 2013، شهدت مصر الكثير من التنازلات شملت النهر بتوقيع اتفاقية سد النهضة وتعرض نهر النيل لمخاطر الجفاف، وفى البحر بمبادلة الحقوق المصرية الوطنية مقابل بعض المكاسب السياسية لدعم نظام الحكم وقتيا على حساب الثروات القومية، وبرغم عودة طابا إلى مصر عبر التحكيم الدولى، إلا أن قرية أم الرشراش المصرية قد تم الصمت عناستردادها منذ احتلال الصهاينة لها وتغيير اسمها إلى “إيلات”، ومازالت قضية حلايب وشلاتين مثارة فى وتيرة متغيرة حسب النبض السياسى بين مصر والسودان.

وجاءت قضية التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للسعودية لتكشف عن وضع غريب فى سابقة خطيرة حيث يصر نظام الحكم على التنازل عن الجزيريتن رغم انتفاضة الشعب المصرى كله للدفاع عن تراب الوطن، ورغم تقديم الخرائط والمستندات ورفع دعوى قضائية أقرت بمصرية الجزيرتين، للتتقدم الحكومة بالطعن على حكم القضاء.

وفى الغرب المصري، حيث الحدود مع ليبيا تأتى اسطورة المدن الخمس الغربية، والتى شهدت زخما اعلاميا منذ عدة سنوات، ولها بعد كهنوتى مسيحى حيث أنها تقع ضمن شعوب الكنيسة المرقسية المصرية، وفى الغرب أيضا تقع “واحة جغبوب” بموقعها الاستراتيجى الفريد وبثرواتها الطبيعية الكبيرة، وهى نموذج للوضع السياسى المهين منذ عهد الاحتلال البريطانى وتقسيم الوطن العربى بصورة عامة، ولكن الكارثة جاءت من كشف الاختفاء العمدى للوثائق الخاصة بواحة جغبوب من الأرشيف الحكومى المصرى بعد ثورة 1952، مما جعل التفكير فى استعادتها ضربا من الأوهام.

وهذه الواقعة تشرح خفايا أسباب الاحراق العمدى لمبنى المركز العلمى التابع للجمعية الجغرافية المصرية، بميدان التحرير بالقاهرة، خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011، وتفسر اصرار عبد الفتاح السيسى واعلانه بعدم وجود وثائق وخرائط بهيئة المساحة العسكرية تخص تيران وصنافير، مما يدل على وجود تزوير وتشويه متعمد للجغرافيا الطبيعية للأرض المصرية، وكانت المفاجأة هى فى الاعلان عن تكليف نظام مبارك للخبراء بالبحث عن وثائق ملكية واحة جغبوب، ويكون السؤال عن نتيجة وصول هذه الوثائق إلى الرئاسة المصرية وقتها عام 2009 وماذا تم بشأنها، ورغم كل هذا الاهمال الرسمى يتبقى الوعى الشعبى المتزايد نحو التراب الوطنى، ويكون الأمل فى انتفاضة جماهيرية كما حدث فى “انتفاضة الأرض” يوم 25 ابريل 2015 بخصوص الجزيرتين، وبدون الوعى الشعبى، والحراك الجماهيرى سوف تضيع حقيقة جغبوب وقد تتحول إلى مدينة سادسة تضاف إلى الخمس مدن الغربية(12).

———————————

الهامش

(1) اندرو نادر، للمرة الثانية منذ قرون الكنائس القبطية مهجورة فى ليبيا، الأربعاء، دوت مصر، 18 فبراير 2015.

(2) شريف عبد العزيز، ليبيا وحلم شنودة، مفكرة الاسلام، الأربعاء 13 مارس 2013.

(3) عز الدين محمد، صحيفة مصرية تدعو الى استعادة السيادة على واحة ليبية، موقع إسلام تو داي، 14 أبريل 2016.

(4) ياسر غريب، واحة جغبوب ورقة من التاريخ على الحدود المصرية، العربى الجديد، 10يناير 2016.

(5)- اتفاق ملنر- شالويا أو الاتفاقية البريطانية الايطالية ، (المعرفة)

(6)- د. يونان لبيب رزق، ديوان الحياة المعاصرة، الصفقة الأخيرة، ملفات الأهرام، السنة 125، العدد 41632، الخميس 30 نوفمبر 2000، الرابط، تاريخ الزيارة 6 أبريل 2017.

(7)- هايدى فاروق: واحة “الجغبوب” الغنية بالبترول فى ليبيا مصرية 100% ، 17 مايو 2015 ، (الوطن )

(8)- حرب الأيام الاربعة،  28 فبراير 2015 (فيتو)

(9)- خبراء :جدل رسم الحدود هو صراع التاريخ والجغرافيا والاستعمار ، ( محيط )

(10)- جامعة عين شمس تناقش المسكوت عنه فى تاريخ مصر 17/12/2015 (اخبار مصر )

(11)-  وكمان واحة جغبوب مصرية ! ، خالد سعيد ، 12 أكتوبر 2016 ، ( مصرالعربية )

(12) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close