fbpx
تقارير

مصر: تصفيات واغتيالات .. الدوافع والرسائل

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

شهد شهر يوليو 2017، إسعلان وزارة الداخلية المصرية تصفية العشرات من الشباب تحت دعوى الإشتباك المسلح، ووفق ما نشرته بوابة الأهرام فإن عدد من قتلتهم الأجهزة الأمنية ممن اعتبرتهم ارهابيين وصل لـ 54 شخص، ولكن المنظمات الحقوقية المصرية كشفت وبالدلائل على أن الكثير ممن تم قتلهم تحت مزاعم الإشتباك المسلح لم يكونوا سوى شباب قد تم اعتقالهم مسبقاً مع احتجازهم بشكل غير قانوني حيث لم يتم عرضهم على النيابة مع انكار وجودهم وهو ما اصطلح على تسميته حقوقياً بالإختفاء القسري، ووفق المؤشر الحقوقي الذي أصدرته المنظمة السويسرية لحماية حقوق الإنسان فإن 52 شخص ممن تم اعلان قتلهم قد تم تصفيتهم جسدياً خارج إطار القانون،

ووفق تقرير للرابطة العالمية للحقوق والحريات بعنوان بورصة الدم، فإن عدد من تم تصفيتهم جسدياً منذ الأول من يناير 2017 وحتى شهر يوليو في محافظات مصر باستناء سيناء كان 89 حالة، أما في سناء  فكان العدد 251 حالة، مع تصدر شهر يوليو للنسبة الأعلى حتى الآن في عام 2017 في القتل خارج إطار القانون، والسؤال هنا من الصادق والكاذب: المنظمات الحقوقية أم وزارة الداخلية المصرية؟ وما هي دوافع ورسائل وزارة الداخلية المصرية إن صح قيامها بقتل بعض من تعتقلهم وتخفيهم قسرياً بشكل غير قانوني؟

أولاً: هل هو إختفاء القسري أم تصفية جسدية؟

في شهر ابريل 2017 تعرض الشقيقين عماد وعلى الفار للإختفاء القسري بعد رحيلهما من محافظة دمياط لمحافظة القاهرة، بعد ان صارا مطلوبين للأجهزة الأمنية نظراً لمعارضتهم السياسية للنظام المصري، على وعماد هما ابناء المعتقل/ سامي فهيم الفار، لم تكن الأسرة لتتحمل اعتقال الأب والأبناء وهو مادفع الأبناء لتغيير محل اقامتهم، لم تمضي فترة طويلة حتى توصلت الأجهزة الأمنية لمحل اقامتهم لتقوم باعقتالهم بالترتيب في شهر ابريل وليختفي أثرهم، قام أهلهم بإبلاغ المنظمات الحقوقية والأجهزة الرسمية عبر بلاغات رسمية، بل وطلبوا من الناشطين الحقوقيين نشر صورهم لإثبات اختفائهم القسري، وهو ماحدث حيث وثقت التنسقية المصرية للحقوق والحريات تعرضهم للاختطاف والإخفاء القسري، ثم تفاجئت الأسرة بتصفية الأبن الأول لها بتاريخ السبت 8 يوليو عندما أعلن بيان لوزارة الداخلية المصرية عن تصفية أثنين ممن اسمتهم كوادر مسلحة لحركة “حسم” في اشتباك مسلح أثناء محاولة القبض عليهم، كان علي الفار أحد الأثنين الذي تم اعلان اسمهم، ترقبت الأسرة بهلع مصير ابنهم الآخر، ووسط مخاوف من الإقدام على تصفية عماد الفار قامت حملة أوقفوا الإختفاء القسري بإعادة النشر عن اختفائه بتاريخ 15 يوليو، ولكن وزارة الداخلية المصرية وبتاريخ 18 يوليو أعلنت عن قتله تحت مزاعم الإشتباك المسلح، ليست هذه هي الحالة الأولى التى نشاهد فيها اثبات الإختفاء القسري على يد الأجهزة الأمنية قبل إعلان قتل الضحية، فهناك حالات أكثر فجاجه فوفق رصد خاص لي في حالة المختفي قسرياً الذي تم تصفيته/ أحمد عبد الناصر عبد الله محمد البهنساوي، فإن جهاز الأمن الوطني قام بإجباره بعد القبض عليه واخفائه على التواصل مع أسرته لإقناعهم انه لم يتم القبض عليه وأنه لاداعي لعمل بلاغات اختفاء قسري، بل وارسل صورة له لإيهامهم أنه لم يتم اعتقاله أو اخفائه قسرياً،  المفاجأة لأسرته هي أن الحائط الذي خلفه كان يحمل نفس نقش الحائط الواردة بأحد الفيديوهات الذي اذاعته وزارة الداخلية لاعترافات أحد من تم القبض عليهم، فقاموا بعمل بلاغ رسمي للنائب العام يتهمون فيه جهاز الأمن الوطني باحتجاز ابنهم، ولقد وضعت هنا صورة للبلاغ القسري بعد طمس اسم المبلغ، والصورة التى ارسلها أحمد لأسرته من داخل الجهاز في محاولة لأيهامهم أنه لم يتعرض للاعتقال والاخفاء، ويمكنكم مقارنتها بخلفية الحائط في هذا الفيديو:

حالة أخرى اكثر وضوحاً، فبتاريخ 15 يوليو نشرت جريدة البوابة نيوز عبر هذا الرابط عن قيام  مباحث مديرية أمن الشرقية بالتنسيق مع ضباط جهاز الأمن الوطنى بالقبض على  شاب  ينتمى لتنظيم جماعة  الإخوان  الإرهابية يدعى “عمر عادل عبدالباقى”، ورغم هذا فوجىء الجميع بإعلان وزارة الداخلية المصرية عن تصفية 8 ارهابيين بتاريخ 23 يوليو 2017 بمحافظة الفيوم، نقل البيان موقع البوابة نيوز ولكن محرري الجريدة لم يلاحظوا أن اسم القتيل السابع هو “عمر عادل محمد عبدالباقى”، وهو نفس الإسم الذي قاموا بالنشر عنه منذ ايام قليل انه قد تم اعتقاله ويتم استجوابه بمعرفة المباحث وجهاز الأمن الوطني، غذن نحن هنا وبالأدلة أمام حالات اختفاء قسري لشباب تم اعدامهم خارج اطار القانون بعد انتهاء التحقيقات وهذا تحت مزاعم الإشتباك المسلح.

ثانياً: سوابق لحوادث الإختفاء القسري والتصفية الجسدية

ليست المرة الأولى، والأمر لا يقتصر على المصريين فقط، فبتاريخ 25 يناير 2016 اختفى الباحث الإيطالي وطالب دراسات عليا بجامعة كمبريدج/ جوليو ريجيني، بعد القاء القبض عليه من قبل الأجهزة الأمنية ليظهر الطالب جثة هامدة  يوم الأربعاء 3 فبراير، كان الطالب عبارة عن جثة نصفها عارٍ وملقى بإحدى الحفر بجانب طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي وعلى بعد كيلومترات من مقر أمن الدولة بمدينة السادس من أكتوبر، ووفق ما نشره موقع عربي21   حينها، فإن التقرير التشريحي لجثمان الضحية أثبت أن سبعة من ضلوعه مكسورة، بالإضافة لعلامات صعق بالكهرباء في العضو الذكري، وإصابات داخلية في مختلف أنحاء جسمه، ونزيف في المخ، وجروح قطعية بآلة حادة، وسحجات وكدمات، وإعتداء بعصي، ولكم وركل .

تتابع حوادث الإختفاء القسري والتصفية الجسدية لم يكن ببعيد عن تغطية المنظمات الحقوقية الدولية، التى استمرت في متابعة مايحدث في مصر واصدار تقارير عنه، تكشف فيه حقيقة الأوضاع، وكان من أبرز تلك التقارير ما تم رصده ونشره عقب الفيديو والبيان الذي نشرته وزارة الداخلية بتاريخ 13 يناير 2017، عن تعقب مجموعة من مقاتلي تنظيم الدولة المشتبه بهم وقتلهم بمنزل مهجور في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، حيث قامت منظمة هيومان رايتس ووتش بتحليل الفيديو الذي نشرته وزارة الداخلية المصرية ونشرت تقرير ضمنت فيه شهادات أهالي القتلى وتوثيقهم لتعرض ابنائهم للإعتقال على يد الأجهزة الأمنية قبل اعلان قتلهم، المنظمة في تحليلها للفيديو اثبتت كيف انه يحتوي على مشاهد مفبركة للإيهام بالإشتباك المسلح، أيضاً اصدرت منظمة العفو الدولية بيان عاجل للتحقيق في جرائم التصفية الجسدية في مصر.

 

ثالثاً: مصر أرض الإختفاء القسري، الجميع يعلم

في مقال نشرته مجلة نيوستيتسمان تحت اسم “الجولاج 1 الأمريكي” بتاريخ 17 مايو 2004، ونقلته منظمة الهيومن رايتس ووتش HRW في تقريرها بعنوان الفجوة السوداء سنة 2005، قال روبرت باير المسؤول السابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية: إن أردت استجواباً جاداً، فإنك ترسل السجين إلى الأردن، وإن أردت تعذيبه، فعليك إرساله إلى سوريا؛ أما إن أردت أن يختفي شخص ما فلا يراه أحد مطلقاً بعد ذلك فإنك ترسله إلى مصر ” .

وهو الأمر الذي عادت وأكدت عليه منظمة العفو الدولية حيث نشرت تقريراً لها عن الحالة الحقوقية بمصر في شهر يوليو لعام 2016، تحت عنوان “بمصر: رسمياً: أنت غير موجود: اختطاف وتعذيب باسم مكافحة الإرهاب“.

قد يستغرب البعض من صراحة هذا الأمر، ولكن هل تعلم أن وزير الداخلية الحالي اللواء مجدي عبد الغفار كان قد اعترف في لقاء تلفزيوني على قناة الحياة المصرية بهذه الممارسات ولكنها سماها ممارسات “خاطئة” حيث قال: “نحن نعترف أنه كانت هناك بعض الممارسات الخاطئة في ظل النظام السابق، نعترف أنه كان هناك تجاوزات في ظل النظام السابق”، ليكمل نافياً التهمة عن نفسه قائلاً: “الأخطاء ده مش أخطاء شخصية ده أخطاء مؤسسية”، وهذا عبر هذا الفيديو، وكان اللقاء عقب تعيين مجدي عبد الغار رئيساً لقطاع الأمن الوطني عام 2011، وكان مجدي أحد مسؤوليين وزارة الداخلية وعمل في جهاز أمن الدولة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.

 

رابعاً: الدوافع والرسائل

بتحليل حوادث التصفية الجسدية في شهر يوليو نلاحظ أن كل حادثة تصفية جسدية يسبقها عمل مسلح ضد قوات الأمن المصرية، فبعد عملية حرق افراد للشرطة ومنهم مقدم للأمن المركزي بعد استهداف مدرعة للشرطة بعبوة ناسفة بتاريخ 4 يوليو، ثم الهجوم على كمين البرث بتاريخ 7 يوليو، قامت وزارة الداخلية المصرية بإصدار بيان يوم 8 يوليو أعلنت فيه عن قتل 14 ارهابي في اقتحام معسكر لهم بمحافظة الإسماعيلية، وأثناء مراجعتي لبيان وزارة الداخلية وجدت ان أحد اسماء القتلى يعود لشاب كان والده واصدقائه قد تواصلوا معي يوم 13 مايو ليبلغوني عن القبض عليه واختفائه قسرياً يوم 11 مايو، لأقوم وبتاريخ 15 مايو بالنشر عن تعرض الشاب/ خالد أيمن القرناوي، للإختفاء القسري عبر هذا الرابط، أي قبل أعلان تصفيته بأسابيع عدة، وبتتبع كل بيانات وزارة الداخلية عن قتل ما اسمتهم “ارهابيين” في اشتباكات مسلحة، نجد وكما اثبتنا مسبقاً في الأجزاء السابقة أن معظم الأشخاص الذين يتعرضوا للقتل هم اشخاص تم اعتقالهم مسبقاً على يد جهاز الأمن الوطني قبل أن يتم قتلهم، ونلاحظ أن كل عملية تصفية جسدية تأتي في اطار الرد على عملية مسلحة تستهدف قوات الأمن.

إذن فإن وزارة الداخلية المصرية سارت تعتبر المختفين قسرياً أداة يتم الرد بها على المسلحين، لترسل لهم رسالة واضحة، كلما قمتم بعمل مسلح ضد أفراد الأمن، سنقوم بقتل مجموعة من الشباب الذين اخفيناهم قسرياً مسبقاً.

أيضاً وكما يظهر في بيان الوزراة عن قتل أربعة شباب بتاريخ 26 يوليو، فلقد لاحظنا الرسالة التالية في بيان الوزارة “مصرع منفذى الحادث” وتقصد بالحادثة هنا حادثة استهداف سيارة شرطة بمنطقة البدرشين وقتل افرادها، والرسالة هنا لأفراد الشرطة أننا نأخذ بثأركم ونقتل من يقتلكم فوراً، وهذا يعطينا تصور عن الدوافع والرسائل التى تسوقها وزراة الداخلية لأفرادها وخصومها، وختاماً يمكن تلخيص أهم رسائل النظام المصري في التالي: “أى عمليات مسلحة ضد النظام المصري، سيتم الرد عليها بقتل عدد من المختفين قسرياً”، ليبقي الإختفاء القسري سلاح يستخدمه النظام كأداة لنشر الخوف بين أفراد المجتمع، ولكن هذا سلاح ذو حدين أخطرهما هو تحويل الكتل الحرجة من الشباب الذين شاركوا في معركة تغيير مصر في ثورة يناير للإيمان بالعنف المطلق دون قوانين في ظل ما صار النظام يرسخه من دولة الغابة (1).

———————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close