fbpx
المشهد الاقتصادي

مصر: تطورات المشهد الاقتصادي 1 ديسمبر 2016

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد:

يتناول هذا التقرير أهم تطورات المشهد الاقتصادي المصري ودلالات هذا التطور خلال النصف الثاني من شهر نوفمبر 2016، وذلك على النحو التالي:

 

أولاً: التطورات المالية

 

دلالات التطورات المالية:

البورصة تواصل تصاعدها القياسي اقتناصاً للفرص الربحية بشراء الأسهم وفق السعر بعد تحرير الجنيه، والملاحظة الأكبر في هذا الشأن هي استمرار تصدر الأجانب لمشهد المشتريات إلى الحد الذي بلغت فيه نصف مليار جنيه يوميا في المتوسط منذ بدء التعويم وحتى الآن. ولعل النقاط التالية توضح جانبا آخر من فهم إقبال الأجانب على شراء الأسهم المصرية بخسة القيمة:

1ـ وفقًا لموقع صندوق النقد الدولي، تتمتع مصر بأكبر قدر من حرية حركة رءوس الأموال الدولية، بل تتفوق على معظم الدول التي تسبقها على سلم التنمية مثل جنوب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك وتشيلي وطبعًا الصين والهند، بل وتسبق عددًا من الدول المتقدمة مثل روسيا وأستراليا، ولا يماثلها حرية سوى عدد من الدول المتقدمة صناعيًّا، مثل كندا والولايات المتحدة وعدد من دول أوربا الغربية (1).

2ـ تهريب رؤوس الأموال والأرباح إلى الخارج أصبح أمرا معتادا منذ ما بعد ثورة يناير وحتى الآن، وهو أحد الأسباب الرئيسية في المعاناة المصرية من شح الدولار وتراجع الاحتياطي النقدي وهو ما يتجاهله الخطاب الحكومي السائد، والذي تتبناه أيضًا بنوك الاستثمار الكبرى، الممثِّلة لمصالح الرأسمالية المالية المصرية والعالمية.

من أمثلة تهريب الأموال للخارج هو خروج 4.6 مليار جنيه خلال الأربعة أشهر قبل وبعد الثورة، بشكل مشروع خارج البلاد عن طريق البورصة، وذلك عن طريق 14 شركة مصرية مقيدة ببورصتي مصر ولندن. وكذلك، وافقت الحكومة على انتقال مجموعة أوراسكوم للصناعة والبناء إلى خارج مصر، في أعقاب الثورة، وهو ما ترتب عليه خروج حوالي من 1.6 مليار دولار في صفقة واحدة.

3ـ بند السهو والخطأ في ميزان المدفوعات والذي بلغت قيمته 0.9 مليار دولار في عام 2014/2013، في حين وصل هذا المبلغ إلى 4 مليارات دولار في عام 2016/2015 خير دليل علي حجم الأموال المهربة، ومن أشكال ضوابط خروج رأس المال ووسائل محاربة تهريب الأموال، منها:

(أ) فرض ضرائب باهظة على خروج ما يسمى برؤوس الأموال الساخنة ووضع قيود على خروج الاستثمارات (رفع التكلفة، التفاوض حول البقاء).

(ب) وضع حوافز ضريبية للشركات التي تحتفظ بما لا يقل عن نصف أرباحها لإعادة استثمارها داخل مصر (أو فرض إعادة استثمار نصف الأرباح في قانون الاستثمار، مثال الجزائر).

(ج) فرض ضرائب على الشركات التي تملك فروعًا في ملاذات ضريبية أو يتخذ مؤسسوها من الملاذات الضريبية مقرًّا لهم (على غرار الضريبة في إنجلترا، والولايات المتحدة الأمريكية)”.

(د) إضافة إلى “الانضمام إلى قاعدة بيانات الدول التي تتبادل آليًّا المعلومات البنكية عن انتقال الأموال (96 دولة انضمت حتى الآن)، وهي آلية تبنتها مجموعة العشرين ونادي الدول الغنية (OECD) خاصة بتتبع تهريب الأموال إلى الملاذات الضريبية، ومحاربة تحويل الأرباح إلى الخارج عن طريق المبالغة في تقدير قيمة فواتير الاستيراد والتقليل من قيمة فواتير التصدير، وهو الشكل الأكثر انتشارًا لهروب الأموال بطريقة غير مشروعة في مصر وفي العالم، إذ يمثل في المتوسط 83.4% من إجمالي الأموال المهربة عبر العالم، وهذا عن طريق تدعيم دور الجمارك وتدريب كوادرها”.

 

ثانياً: القطاع النقدي:

الإتربى: بنك مصر يدرس خفض الفائدة على الشهادات ذات عائد الـ 20%

من الطبيعي أن تتواري أخبار القطاع المصرفي في ظل رفع البنك المركزي يده عن السياسة النقدية بعد تعويم الجنيه وترك أمور سعر الصرف لآليات العرض والطلب، والانتر بنك، ولكن في محاولة المركزي تخفيف الآثار السلبية للتعويم أجبر البنوك التجارية علي فتح شهادات توفير للمواطنين بالجنيه المصري وبسعر عائد 20%، وبدون اتفاق مسبق مع البنوك تم الإعلان عن ذلك، لتجد البنوك أنفسها أمام تدفق غير طبيعي لأموال ذات تكلفة مرتفعة للغاية، وبدون تحديد أو مساعدة من البنك المركزي في كيفية التصرف في هذه الأموال.

لكل ما سبق طلب رؤساء مجالس إدارة البنوك التجارية اجتماعا عاجلاً بمحافظ البنك المركزي الذي أخبرهم بمعرفته المسبقة بالخسائر المتوقعة من وراء هذا القرار، وطالبهم بتحمل كل منهم بجزء من الخسائر على أن يتحمل بنكي الأهلي ونصر النصيب الأكبر. ولعل هذا ما يفسر أن تصريحات الإلغاء أو اقترابه صدرت عن البنكين أولاً.

ولعل المفيد في هذا الأمر هو تخبط البنك المركزي وإدارته وتخطيه لأدوار البنوك التجارية، الأمر الذي إذا تم إسقاطه على مجمل القرارات الاقتصادية والنقدية لنجد انعدام الرؤية هو القاسم المشترك، والانفراد بالرأي وتعمد تهميش صلاحيات الاستقلالية المخولة قانونا قد تدفعنا لاستنتاج صعوبة ما هو قادم.

 

ثالثاً: قطاع المالية العامة:

المالية تطرح أذون خزانة بـ 9.2 مليار جنيه

البنك المركزي: 1.7 مليار دولار حصيلة طرح أذون الخزانة لأجل عام

المالية: طرح سندات دولية بقيمة 6 مليارات دولار منتصف يناير المقبل

المالية تسدد 240 مليار جنيه لـ “المركزي” من حسابات “السحب على المكشوف”

 

دلالات الأخبار حول المالية العامة:

الحجة الرئيسة للاقتراض الداخلي هي سداد عجز الموازنة المتوقع 322 مليار جنيه ولذلك نلاحظ طرح لأذون الخزانة بصورة اعتيادية، ومن غير الطبيعي أن نكتشف سحب الحكومة لمبلغ قد يتراوح ما بين 200-240 مليار جنيه من البنك المركزي دون تحديد دقيق للمبلغ، وثانياً دون بيان أوجه الإنفاق أو لبيان ماهية الضرورة العاجلة التي تجعل الحكومة تقترض هذا الرقم الضخم على المكشوف، أي بدون إجراء لعمليات طرح لأذون خزانة أو سندات ومن حسابات البنك المركزي.

ويجب ان يطرح التساؤل حول أوجه إنفاق هذا المبلغ، وهل تم إدراجه داخل عجز الموازنة العامة أم لا، وإذا كان هذا المبلغ قد سحبته الحكومة خلال ثلاث أعوام فكا نصيب كل عام وما هو عجز الموازنة الفعلي لكل عام بعد إضافته إلى النسبة المعلنة.

 

رابعاً: القطاع الخارجي:

سحر نصر: 1.5 مليار دولار تمويل من البنكين الدولي والإفريقي قريبا

 

دلالات حول القطاع الخارجي:

استكمالاً للحزم التمويلية التي اتفقت عليها الإدارة المصرية تأتي الشرائح المتبقية لقرضي البنك الدولي والأفريقي، ولكن وحتى الآن لم تتضح الخطوط الكلية أو حتى المسارات التفصيلية لخطة الإصلاح التي تنوي السلطة معالجة الخلل الاقتصادي من خلالها.

إن اختزال الإصلاح الاقتصادي في قرض الصندوق أو حذف أربعين مليون مستفيد من بطاقة التموين أو رفع أسعار الكهرباء والوقود لا يعكس أي رؤية إصلاحية، بل هو مجرد تنصل من مسؤولية الدولة تجاه الفقراء ووقوع أعداد متزايدة من المواطنين باستمرار ضمن براثن الفقر والعوز.

الملاحظة الأخرى هي خفوت نشاط الوزيرة وكأن المجال الرئيس لنشاطها كان الاقتراض الذي بلغ ذروته، ولم يؤت نشاطها السابق في الاتفاقيات مع بلدان ربما تتوجه إليها الدبلوماسية المصرية للمرة الأولي أية ثمار حتى الآن، وتبقي الإدارة المصرية داخل المعسكرات التاريخية غربا أو شرقاً.

وخدمة الديون ستكون أمراً ضاغطاً بشدة بعد عام واحد من الآن، وخاصة أن هذه الأموال لم تخصص لبناء إنتاجي حقيقي يستوعب العمالة ويخفف من ضغط الواردات، والتصريح الأخير للغرف التجارية الذي تقر فيه باستيراد 95% من مكونات إنتاج زيت الطعام يشرح باستفاضة حجم الكارثة التي تعيشها مصر، والتي تنتظرها في ظل بداية سداد الديون مع استمرار نزح الواردات للدولار، وأخيراً مع ما ذكره التقرير في بدايته استمرار السماح بتهريب رأس المال إلى الخارج بصورة مشروعة.

 

خامساً: القطاع الحقيقي:

1ـ الصحة:

 

2ـ السلع والأسعار:

 

3ـ العمرة:

 

4ـ أخري

دلالات اقتصادية حول القطاع الحقيقي

1ـ تدور معظم الأخبار السابقة حول آثار تعويم الجنيه على أسعار السلع المختلفة وكيفية إدارة الأزمة من قبل الحكومة، ويمكن في ذلك ملاحظة ما يلي:

(أ) نسب ارتفاع الأسعار غير مسبوقة وشاملة لكل السلع تقريباً، وهذا يوضح من ناحية هشاشة الاقتصاد المعتمد على الواردات من جهة، ومن أخري تضاؤل قدرة المواطنين الشرائية يوما بعد يوم.

(ب) أعلن الجهاز المركزي للإحصاء أن خط الفقر 3920 جنيه شهرياً ورغم أن جهات أخري أعلنت أن الرقم الصحيح هو 4500ج، إلا أن الرقم الأول يعكس عمق الأزمة التي يعيشها المواطن المصري.

(ج) ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت له تداعيات كبيرة خاصة أن صناعة التشييد تشغل 82 صناعة أخري وهو ما يهدد بمزيد من الانكماش الذي يتحول ببطيء إلى ركود تضخمي.

(د) ارتفاع أسعار سلع أساسية للمواطن مثل الفول والعدس والسكر وغيرها قد يزيد من رقم خط الفقر والذي يعتمد في حسابه على أسعار شبه حكومية للسلة الغذائية وهو ما قد تتجاوزه الأسعار الفعلية مما يعني ببساطة ارتفاع هذ الخط إلى مستويات تجعل الأغلبية للسكان تحت الخط.

2ـ قرار الحكومة بالسماح باستيراد الدواجن من الخارج بدون جمارك تبرره الحكومة بتكلفة استيراد مدخلات هذه الصناعة من أعلاف وأدوية ولقاحات تعادل ملياري دولار، علماً بأنه في حالة توقف الإنتاج المحلي بسبب انعدام القدرة على المنافسة واستيراد الدجاج والبيض سوف تتكلف فاتورة الاستيراد كبديل للإنتاج المحلى أكثر من 3.5 مليار دولار، أى سوف تحتاج الدولة زيادة مليار ونصف دولار على قيمة المدخلات. بالإضافة إلى العديد من المشاكل الأخرى، والتي من أهمها تشريد 2,5 مليون عامل في الصناعة، وتهديد استثمارات تبلغ أكثر من 65 مليار جنيه دون دعم حكومي، وإغلاق العديد من الاستثمارات في قطاع الإنتاج الداجن.

وحل المشكلة يكمن في سياسات رشيدة، وحماية الصناعة المحلية بتخفيض معدلات النفوق في إنتاج الدواجن لتصل إلى 10% بدلاً من 20% حالياً من إجمالي الإنتاج الكلى للدواجن، البالغ مليارا و250 مليون طائر سنوياً، وأن ترفع القدرة المصرية على زيادة الاكتفاء الذاتي من اللحوم البيضاء، من خلال توفير 125 مليون طائر تنتج 218 ألف طن لحوم دواجن سنوياً، تلبى الاحتياجات المحلية من الاستهلاك من اللحوم.

عموما اتخذت الحكومة قراراها بالاستيراد في الوقت الذي تعلن توجهها العام بترشيد الواردات، وهو ما لا يعكس التخبط الحكومي فقط وإنما يعكس كذلك تسرب العوامل غير الاقتصادية وتأثيرها على متخذ القرار الاقتصادي.

3ـ امتنعت وزارة السياحة المصرية إعطاء موافقتها على توجه أي معتمر مصري، إلى المملكة العربية السعودية، لأداء مناسك العمرة، طيلة الخمسة والأربعين يوما الماضية، ولا يزال هذا المنع مستمرا، ومن غير المتوقع إلغاؤه في الأيام القليلة المقبلة، على الرغم من قيام السعودية بمنح التأشيرات، والموافقات اللازمة، لإتمام المناسك، لكل مصري، يرغب بأداء العمرة، ويجب ملاحظة أنه في نفس الفترة الحالية في العام السابق كان عدد المعتمرين200 ألف معتمر يكلفون الدولة 300 إلي 400 مليون ريال، وجاء التفسير أن “البنك المركزي لا يستطيع تدبير عملة لشركات السياحة.

ورغم الإقرار بأن أزمة العملة الأجنبية وبعض القلاقل السياسية مع المملكة قد يعتبران الدافع الأول للمنع، إلا أن التربص بالعمرة قائم منذ عهد مبارك وحتى الآن، وما يدعم اتجاه التربص استمرار السماح بتنظيم برامج سفر لباريس ومدريد وبانكوك، في الوقت الذي تُمنع فيه رحلات العمرة خاصة أنه من المتوقع وفقا للقرارات السعودية الجديدة، أن تنخفض الأعداد بنسبة 50% على الأقل بصورة طبيعية دون اللجوء لاختلاق مشاكل سياسية.

4ـ للمرة الأولي الدولة تعلن عن نيتها في خصخصة المرافق العامة مع الاحتفاظ بحصص حاكمة من هذه المشروعات، وتوجد مجموعة من الملاحظات في هذا الشأن: الإعلان جاء على لسان وزيرة التعاون الدولي في مقال مدفوع الثمن بـصحيفة “وال ستريت جورنال” واصفة تلك الإجراءات بـ”الإصلاح الجريء”، وخطاب الوزيرة في الأساس كان موجهاً للمجتمع الغربي لطمأنته علي الأوضاع الاقتصادية في مصر، وقد فسّر البعض بيع المرافق العامة لرجال الأعمال بأنه شرط من شروط صندوق النقد الدولي، وستكون السابقة الأولي أن تطرح شركات المرافق المصرية، المياه والكهرباء والغاز، للخصخصة، خاصة أنها كانت خارج أي محاولات خصخصة في عهد مبارك ودائما ما كانت تصفها الحكومة بالاستراتيجية.

وإذا قضت عملية البيع على الشركات العامة، مقابل إحلال أخرى “خاصة” تمامًا، واستثمارية بالدرجة الأولى، بديلًا لها، ما سيؤدي إلى “سحق” المواطن فعلًا، وموجة من الاحتجاجات، وأغلب حالات الخصخصة تكون بهدف خروج الشركات من الخدمة تماما على المدى البعيد. كما أنّ البيع الجزئي لشركات المرافق العامة، سيجعلها أكثر توحشا تجاه المواطن بهدفها للربح بالدرجة الأولى، وذلك سينعكس بشكل سلبي على الشركة والاقتصاد، عموما “لو بقيت الدولة لها الحصة الأكبر من شركات المرافق، فذلك أخف وطأة”.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الخصخصة، في أحد تعريفاتها، تعني تنازل الدولة عن واجباتها ومسؤولياتها، بداية عبر تخفيض مساعداتها لهذ المرفق، ولاحقاً عبر تخفيض مستوى المراقبة. فمن الواضح: “أن هذه المؤسسات أصبحت غير مجدية عندها بل ومدانة بسبب إدارتها السيئة، وفي ظل هذه الظروف يصبح مبررا تغيير نظام الملكية إلى مسار أفضل (2).

——————————–

الهامش

(1) المصدر: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ثلاث أساطير حكومية عن تعويم الجنيه المصري، تاريخ الزيارة 30-11-2016.

(2) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close