دراسات

آليات_لتجنب_سيناريو_الحرب_الأهلية_في_مصر

فهرس المحتويات

المقدمة:

تعريف الصراع

تعريف الحرب الأهلية

مؤشرات قياس الحرب الأهلية وتطبيقها على مصر

مؤشر الدول الهشة

مؤشر الدول الفاسدة وترتيب مصر

مؤشرات أخرى

مؤشر البؤس

برنامج تنفيذي لتلافي وقوع حرب أهلية

تعريف آليات منع نشوب حرب أهلية

الآليات السياسية لمنع نشوب حرب أهلية

المنع الوقائي للصراع (مفهومه، ماهيته، مؤشراته )

اجراءات المنع الوقائي وأنواعه

مستويات مكونات عناصر المنع الوقائي

الاطار العام لمكونات/ عناصر المنع الوقائي للصراعات.

الآليات الوقائية:

تشخيص وتحديد المسببات البنوية للصراع

تعزيز ثقافة منع الصراعات

بناء منظومة قيمية أخلاقية للنظام المجتمعي

الديمقراطية واحترام حقوق الانسان

تحقيق التنمية والتعاون

العدالة

المؤسسات الدولية ومكونات الصراع

مجموعة الأمم المتحدة

مجموعة سلم إليسون

مجموعة مايكل لند

مجموعة معهد كارنيغي للسلام

الآليات الاقتصادية لمنع نشوب حرب أهلية

سيناريوهات الأداء الاقتصادي في ظل الأوضاع الأمنية المتردية.

سبل الإصلاح الاقتصادي في مرحلة عدم الاستقرار السياسي.

التحديات التي تقع على كاهل الحكومة المنتخبة وسبل مواجهتها.

الآليات الاجتماعية والأمنية لمنع نشوب حرب أهلية

المقدمة:

أضحت الصراعات ظواهر معتادة ومألوفة تحدث يوميا حتى في العلاقات الشخصية لدى الأفراد وبين أفراد الجماعات في نطاق الدولة وصولا إلى العلاقات بين الدول. ويعود تاريخ الصراعات منذ عهود سحيقة، حيث كان التنافس على الموارد الطبيعية بين الأفراد والجماعات اتخذت أشكالا أخرى مع تطور مفردات العصور لتصبح صراعات سياسية أو دينية أو اجتماعية، ليمكننا الجزم إذا أن الصراع هو ” متلازم ” في التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

كما أنه قد يكون حافزا على التغيير والتنمية إذا أفضى في النهاية إلى تغيير المجتمعات نحو الأفضل، أما إذا تحولت إلى عنف صاحبه العديد من الانتهاكات الإنسانية أصبح معولا للهدم وأدى إلى استنزاف للموارد التي كان من الممكن استغلالها بشكل مثمر وايجابي.

أولاً: تعريف الصراع:

يمكن تعريف الصراع أنه تعارض المصالح والأفكار والسياسات والبرامج التي تميز الأنظمة السياسية، ولا ينتهي الصراع بالضرورة إلى وجوب القتل الفعلي، فبعض أنواع الصراع يكون هدفها إخراس الآخرين أو إلحاق الأذى بهم، ويعرف أيضا أنه نزاع القيم والمطالب على السلطة والمكانة الاجتماعية والموارد. وقد انتبه المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة إلى عبء هذه الصراعات على المجتمع الدولي، ووضع العديد من المؤشرات والخطط الاستباقية لمنعها قبل فوات الأوان.

فالصراعات قد تتجاوز الحدود الوطنية لتشكل قلاقل لحدود الدول الأخرى وبالتالي تكديرا للسلم العام الدولي، فإذا اكتسب العنف بعداً إقليمياً، تزداد احتمالات تدخل مصالح الأطراف المتحاربة ويصبح الحل أكثر تعقيداً. وقد شهد العالم في العقد الأخير عددا كبيرا من الصراعات الدولية والحروب الأهلية، مما شكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، ‏خصوصا أن التكلفة البشرية والمادية يقودان البشرية نحو حافة الهاوية، ‏مما يتطلب معه البحث عن آليات جديدة لاحتواء الصراعات قبل نشوبها، والتركيز على إيجاد نظم للإنذار المبكر، وحل الصراعات القائمة بشكل يؤدي إلي التحول إلي مرحلة السلام والبناء والتنمية‏.‏

ثانياً: ماهية الحرب الأهلية:

حظيت الحرب الأهلية بعدة تعريفات، منها أنها:

ـ حرب تنشب بين طرفين مسلحين داخل نفس إطار الدولة، للوصول إلى سدة الحكم

ـ سلوك عنيف لمجموعات تتبنى العنف المسلح بهدف تغيير النظام السياسي

ـ عمليات عدائية بين مجموعتين أو أكثر تنتمي إلى تنظيمات سياسية

ـ صراع بين سكان مناطق جغرافية مختلفين في عاداتهم وأنماطهم المعيشية( 1).

وهي عبارةٌ عن حربٍ داخليه ضمن حدود بلدٍ ما، يكون طرفي أو أطراف النزاع فيها من جماعاتٍ مختلفة، يشكلون من سكان تلك البلد، حيث من أراد البقاء على الحياد في تلك الأوضاع يعتبر خائناً، ودوماً يكون الحل لهذه الحروب هو بالتفاوض السلمي بين أطراف الصراع. ويكون السبب في نشوب هذا النوع من الحروب، هو الصراع على السلطة وتسلم مقاليد الحكم والسيادة في تلك الدولة، أو الثورة على نظام الحكم فيها.

وغالباً ما تتصف تلك الحروب بالدموية والعنف وبالتركيز على المناطق الآهلة بالسكان، ونتائجها كارثية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي حيث يتمزق النسيج الاجتماعي ويشل الاقتصاد وتؤدي الهجمات إلى إضعاف سيادة الدولة على المدى البعيد، كما أنها تتسبب في قلاقل مع الدول المجاورة بحيث تكون الفرصة سانحة لتدخل تلك الدول وإرسال وحدات دولية لإحلال السلام(2 ).

ثالثاً: مؤشرات قياس احتمالات نشوب حرب أهلية:

تعتبر المؤشرات التي استحدثتها العديد من المنظمات والهيئات الدولية وسيلة هامة لقياس السياسات العمومية المتبعة في الدول، وتصنف هذه المؤشرات إلى مؤشرات تختص بالشؤون الاقتصادية، كمناخ الأعمال والاستثمار والحريات الاقتصادية، أو مؤشرات تختص بالسياسات الاجتماعية في التعليم والصحة والتنمية البشرية ومحاربة الفساد ومنظومة العدالة.

وتصنف مصر في مراتب دنيا في مجموعة من القطاعات الحيوية التي سجلت فيها تراجعا خلال السنتين الماضيتين في الوقت الذي تحسنت فيه أوضاع دول ظروفها مشابهة لمصر. هذه التقارير تمنع الآلة الإعلامية الرسمية ترويجها وأحيانا تروج مبررات للشك في نتائجها وتقييمها، مفضلة سياسة التجاهل، غير مبالية بالخطر الناجم عن تراكم هذه التقارير التي تعري فشل النظام العسكري فيما بعد 30 يونيو، والذي قد يفضي إلى زعزعة في استقرار الدولة تتبعها الخوض في صراعات داخلية واقتتال داخلي بين أفراد الشعب، خصوصا أن مصر قد اختصت دائما بلون أحمر قاتم في مؤشرات هامة كمؤشر الدولة الهشة الذي أظهر مصر في منطقة الخطر، ومؤشرات أخرى احتلت فبها مراكز متقدمة في السوء كمؤشر التعاسة والذي احتلت فيه مصر المركز السادس.

1ـ تعريف مؤشر الدول الهشة (الدول الفاشلة سابقا)

“مؤشّر الدول الهشة”، هو مؤشر أطلقه “صندوق السلام” منذ 10 سنوات ويستخدم في قياس فعالية الدولة في استخدام نفوذها. وقد دخل مصطلح الدولة الفاشلة حيز الاستعمال بعد نهاية الحرب الباردة، وهي الدولة التي لا تمارس سيادتها كاملة على الأرض والشعب، ويظهر ذلك الفشل في غياب فاعلية الدولة، ويستخدم صندوق السلام 12 مؤشرا لقياس الفشل يقسمها إلى مؤشرات اجتماعية واقتصادية وسياسية وعسكرية، صعبة التغيير، فتسعة من جملة العشر دول الأكثر هشاشة حافظت على نفس ترتيبها رغم تطورات السياسة الداخلية.

ويعودُ مصطلح الدولة الهشة أو الرخوة إلى عالِم الاقتصاد السويدي جونار ميردل Gunnar Myrdal الذي قصد به الدولَ التي يُسيطر عليها تحالف سياسي اقتصادي بهدف تطويع قطاعات المجتمع، واحتكار السلطة السياسية والثروة، مما يؤدي إلى إفقار المجتمع، وإضعاف قدرة الدولة على أداء وظائفها الأساسية وتلبية الاحتياجات الرئيسية لمواطنيها، فضلا عن تصاعد الاختراق الخارجي، والاعتماد على المساعدات الأجنبية .

إلا أن التطبيق الأهم لمفهوم الدول الهشة كان المقياس السنوي للدول الهشة الذي تصدره منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD ؛ إذ يختص المقياس بدراسة أوضاع الدول منخفضة الدخل التي تتعثر في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية نتيجة تآكل شرعية نظم الحكم وتصاعد الصراعات الداخلية والعنف(3 ).

وتتمثل المؤشرات الأساسية التي يتم عليها التصنيف في:

1 المؤشرات الاجتماعية المتمثلة في تصاعد الضغوط الديمغرافية والحركة السلبية والعشوائية للاجئين. والميراث العدائي الشديد يجعل الجماعات المظلومة تنتظر الثأر (عدم العدالة، والاستثناء السياسي والمؤسسي، وسيطرة أقلية على الأغلبية) والفرار الدائم والعشوائي للناس (هجرة العقول، وهجرة الطبقات المنتجة من الدولة، والاغتراب داخل المجتمع).

2 المؤشرات الاقتصادية غياب التنمية الاقتصادية لدى الجماعات المتباينة (عدم المساواة في التعليم والوظائف والدخل، ومستويات الفقر، وتزايد النزعات الإثنية لهذه الأسباب).

الانحطاط الاقتصادي الحاد (الدخل القومي، وسعر الصرف، والميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، وتقييم العملة الوطنية، ومعدل النمو، والتوزيع، والشفافية والفساد، والتزامات الدولة المالية).

3 المؤشرات السياسية فقدان شرعية الدولة “إجرام الدولة” (فساد النخبة الحاكمة، وغياب الشفافية والمحاسبة السياسية، وضعف الثقة في المؤسسات وفي العملية السياسية ما يكثر مقاطعة الانتخابات وانتشار التظاهرات والعصيان المدني… وذيوع جرائم ترتبط بالنخب الحاكمة)، التدهور الحاد في تقديم الخدمات العامة مثل حماية الناس، والصحة والتعليم والتوظيف، تمركز الموارد بالدولة في مؤسسات الرئاسة وقوات الأمن والبنك المركزي والعمل الدبلوماسي)، انتشار انتهاكات حقوق الإنسان (الحكم العسكري، وقوانين الطوارئ، والاعتقال السياسي، والعنف المدني، وغياب القانون، وتقييد الصحافة، تشتت الأمن قد يخلق دولة داخل الدولة (ظهور نخبة عسكرية داخل الجيش، وهيمنة النخبة العسكرية، وظهور النزاعات المسلحة، وما الى ذلك).

التطبيق على الحالة المصرية يأخذ الأبعاد التالية:

(أ) المؤشرات الاجتماعية للهشاشة في مصر:

أهم هذه المؤشرات، النمو السكاني، حيث اتسم بأنه نمو سريع نجم عن تزايد الخصوبة وانخفاض معدلات الوفيات من 29 في الألف عام 1945 إلى 17 في الألف في بداية الستينيات حتى بلغ 6.5 في الألف عام 1998 وتزايدت الفجوة بين معدلات المواليد والوفيات وانخفضت معدلات وفيات الأطفال الرضع من 165 لكل 1000 مولود في الفترة مابين 1933 حتى 1939 إلى 44 في الألف في نهاية التسعينيات،وارتفاع معدلات الهجرة للخارج.

يضاف إلى ذلك التوزيع الجغرافي غير المتوازن للسكان على الرغم أن المساحة الكلية لمصر حوالي مليون كيلومتر مربع إلا أن السكان يتمركزون في شريط ضيق على وادي النيل مساحته 4.9% وبلغت الكثافة السكانية على أساس المساحة المأهولة 1.8 ألف نسمة فى الكيلومتر المربع وفى القاهرة وحدها 38.5 ألف نسمة في الكيلومتر المربع مما أدى إلى تزايد العبء والضغط على الخدمات في المدن ومن ثم قصور المرافق وتلوث البيئة وزحف المباني على الأراضي الزراعية المحددة وانتشار العشوائيات.

وكذلك ارتفاع مستوى البطالة الذى وصل الى 10.7% من اجمالى قوة العمل للسكان بدءا من 15 عام فأكثر طبقا لبيانات تعداد 1986 ثم انخفض الى 9% عام 2000 وانخفضت نسبة مساهمة المرأة فى قوة العمل وبلغت عام 1984 نسبة 18% فى الفئة العمرية من 12 حتى 64 عاما وارتفعت الى 22% عام 1977

وتنبع المشكلة السكانية في مصر أساساً من عدم التوازن بين عدد السكان وبين الموارد والخدمات، وهو ما يفسّر عدم إحساس المصريين بثمار التنمية بالإضافة إلى ارتفاع الكثافة السكانية التي نتفوق بها علي الصين. كما لا تقتصر المشكلة السكانية في مصر على زيادة عدد السكان فقط، بل أيضاً على التوزيع العمري لهؤلاء السكان، حيث إن نسبة كبيرة من سكان مصر تحت سنّ ال١٥ عاماً، بالإضافة إلى النمو الحضري العشوائي الذي أدى إلى تفاقم المشكلة، بسبب سوء توزيع السكان على رقعة الدولة، حيث يمثل سكان الحضر حوالي ٥٦.٩١٪ من إجمالي سكان مصر، وهو ما يعني انخفاض العاملين في الزراعة، وقلّة المنتجات الزراعية وارتفاع أسعارها، وهو ما يؤدّي إلى الفجوة الغذائية. أضف إلى ذلك تدنى الخصائص البشرية (الصحية – التعليمية – الاجتماعية – الاقتصادية)

(ب) المؤشرات الاقتصادية للهشاشة في مصر:

غياب التنمية الاقتصادية مع عدم المساواة في التعليم والوظائف والدخل، وتأثره بمستويات الفقر، والانخفاض الحاد في الدخل القومي، وسعر الصرف، والميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، وتقييم العملة الوطنية، ومعدل النمو، والتوزيع، والشفافية والفساد، والتزامات الدولة المالية .

(ج) المؤشرات السياسية للهشاشة في مصر:

  • فقدان شرعية الدولة “إجرام الدولة” حيث يسود فساد النخبة الحاكمة، وتغيب معه الشفافية والمحاسبة السياسية، وتضعف الثقة في المؤسسات وفي العملية السياسية، مما يؤدي معه إلى مقاطعة الانتخابات وانتشار التظاهرات والعصيان المدني، وشيوع جرائم النخب الحاكمة.
  • التدهور الحاد في تقديم الخدمات كحماية الناس، والصحة والتعليم والتوظيف، وتمركز الموارد بالدولة في مؤسسات الرئاسة وقوات الأمن والبنك المركزي والعمل الدبلوماسي.
  • التفرقة في تطبيق القانون مع انتشار انتهاكات حقوق الإنسان حيث يكون نظام الحكم هو الحكم العسكري، والقانون السائد هو قانون الطوارئ ، وتكميم حرية الرأي واعتقال المعارضين واستخدام العنف المدني لترهيب الناس من الخوض في الأمور السياسية.
  • تشتت الأمن قد يخلق دولة داخل الدولة كانشقاق الجيش والنزاعات المسلحة، وظهور قوة أمنية موازية لأمن النظام.
  • تنامي الانشقاقات بين النخب الحاكمة ومؤسسات الدولة داخل النخب بالدولة.
  • تدخل دول أخرى أو فاعلين سياسيين خارجيين (التدخل العسكري أو شبه العسكري،وتدخل قوات حفظ السلام والقوات الدولية).

مؤشر الدول الفاسدة:

عجزت غالبية الدول العربية عن اجتياز حاجز 50 درجة المطلوب للنجاح في مقياس الشفافية ومكافحة الفساد بالمؤشر، حيث فشلت معظمها في تحقيق أي تقدم في ترتيبها المتأخر وحصل أعضاء جامعة الدول العربية ال21 على تقدير متوسط 35 من درجات المؤشر البالغة 100، بسبب إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشاوى. وحلل مؤشر مدركات الفساد هذا العام مستويات الفساد والشفافية بالقطاع العام في 175 دولة بالعالم، اعتمادا على تقديرات مؤسسات دولية ذات مصداقية.

وقد أصدرت منظمة E-Y “إيرنست ويونغ” الاستشارية الدولية والتى تعتبر الشركة الرابعة عالميا فى مجال الاستشارات الاقتصادية والخدمات المهنية العالمية، تقريرا دوليا عن “الفساد فى القطاع الخاص فى 59 دولة” جاءت مصر فيه بالمركز الأول عالميا فى مؤشرات الفساد بالشركات المصرية، 2014 بنسبة 44%(4 ).

وأكد التقرير العالمى أن مصر جاءت فى المركز الاول فى مؤشرات فساد القطاع الخاص، حيث أكدت أن أكثر من 44% من رؤوساء شركات القطاع الخاص المصرية يمارسون نوعًا من أنواع الفساد داخليا وخارجيا مع الحكومة أو شركات أخرى خاصة الرشاوى والعمولات للحصول على امتيازات، فى الوقت الذى تحتكر فيه كثير من الشركات التابعة للقوات المسلحة المصرية أو مقربة منها خدمات وقطاعات تجارية وصناعية بامتيازات حصرية خلال عامى 2013/2014 .

ويوضح الشكل التالي ترتيب الدول العربية في مؤشر الشفافية، 2014.

فمازالت مصر أقل من المعدل العالمي البالغ 43 درجة ومن معدل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا البالغ 38، ومن تونس التي سجلت 40 درجة، كما أن المؤشر “لا يعكس منظومة النزاهة في الدولة بشكل كامل، وإنما يقيس فقط مستوى الشفافية في القطاع العام، مما يعد دليلًا على أن الثورة المصرية لم تحسن محاربة الفساد حتى الآن، وأن هناك تراجع، بعد أن كان لدى مصر فرصة بعد الثورة يمكن استغلالها جيدًا لمحاربة الفساد. لكن، للأسف فإن هذا لم يحدث ”

3ـ مؤشر البؤس:

نشر معهد أمريكي متخصص في دراسات الخطر الاقتصادي، دراسة حول أكثر الدول الأكثر بؤسًا في العالم، وجاءت مصر في المركز السادس من القائمة التي تضمنت 90 دولة من مختلف أنحاء العالم، وفقًا لتحليل نشره معهد كاتو الاقتصادي، وقالت مؤسسة Euler Hermes أن المؤشر الاقتصادي لمصر هو فى أعلى مستوى عالمي له على الخريطة الدولية ويرمز له باللون الأحمر وترتيبها فى أعلى مستوياته كذلك.

انظر الرسم البياني التالي

رابعاً: آليات منع نشوب الحرب الأهلية:

يقصد بالآليات الوسائل أو الأدوات أو الركائز أو النهج أو الطرق أو كل ما يندرج تحت هذا الإطار، ومن أهمها:

1ـ الآليات السياسية والدستورية:

يقصد بالآليات السياسية تلك الآليات التي تسعى لغلق القنوات التي تقود للحرب الأهلية أو لفتح القنوات التي تعزز من الحوار والتفاعل وتبعد الدولة عن مسارات العنف والحرب الأهلية. وهي تعمل على تخفيف صور الاحتقان والتأزم السياسي والاجتماعي عبر تفعيل وصول المطالب بأنواعها ( أفقي أم عامودي )، ثم السعي لاجتثاث كل مقومات وقوانين الحرب الأهلية.

الآليات السياسية هي تلك التي تحوي وسائل عديدة، منها الآلية الديمقراطية والتي جوهرها هو تواجد حكومة ديمقراطية بكل مقوماتها و حتى الهيئات التعليمية الديمقراطية والشريحة الطلابية الديمقراطية.

فمن شأن ذلك ذلك أن يوفر الكثير من الحلول ومن ثم يجهض أي مشروع للحرب الأهلية في مصر. وتكمن المبررات السياسية لاعتماد الديمقراطية خيارا لمنع الحرب الأهلية استنادا إلى أن الديمقراطية تعد السياسة لعبة وليست حربا للتوافق عليها، وتأكيد هذه الآلية على القضايا السياسية والابتعاد عن اللعبة الصفرية والتركيز على الحلول الوسط والاعتدال والتكيف والتوافق بين القوى السياسية والاجتماعية والدينية، التي من المفروض أن يسمح لها بممارسة نشاطاتها المتنوعة سواء كانت في السلطة أم في المعارضة.

كما تؤكد الديمقراطية على عدم هيمنة طرف واحد على المعادلة السياسية، والاعتماد على البرامج الحزبية والسياسية وليس فقط على الأشخاص، مع نشر ثقافة ديمقراطية تعتمد على المشاركة الواعية وسيادة حكم المؤسسات والاعتراف بالآخر .

2ـ الآليات الوقائية:

المنع الوقائي للصراع هو وضع يكون فيه الجميع فائز (حالة win-win )، وهو ينظر اليه كتقنية دفاعية أو وقائية في حالة توافر المناخ الملائم لقيام حرب أهلية، وعليه يمكن تعريف الآليات الوقائية أنها ” العمل الرامي إلى منع نشوب منازعات بين الإطراف، و منع تصعيد المنازعات وتحويلها إلى صراعات، ووقف انتشار هذه الصراعات عند نشوبها ”

و يعرفها معهد كارنيغي للسلام على أنها ” هدف لإجراءات وقائية ” prevention actions ”

وآخرون يعرفون الدبلوماسية الوقائية على أنها ” أفعال بناءة يتم اللجوء اليها لتجنب تهديد محتمل او استخدام القوة المسلحة من قبل الاطراف المتنازعة في خلاف سياسي.

ومنع الصراعات هو القيام بعمل في أوقات واماكن قابلة للاضطراب لتجنب التهديدات أو استخدام القوة المسلحة وغيرها من اشكال الكره من قبل دول وجماعات، لتسوية الخلافات السياسية التي يمكن أن تظهر كآثار زعزعة الاستقرار نتيجة التغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والدولي.

وعموما فمفهوم المنع الوقائي conflict prevention يتم استخدامه أكثر من مصطلح الدبلوماسية الوقائية prevention diplomacy . وتتمثل اجراءات المنع الوقائي في تقليص احتمالية أو درجة كمون الصراع، وتعزيز عملية تطوير المؤسسات والهيكلة وثقافات الادارة السلمية للصراعات.

ويتم التمييز في إطار هذه الإجراءات بين مستويين، الأول: حسب المدى القصير والمدى البعيد للمنع الوقائي للصراعات، والثاني حسب مكونات أو عناصر المنع الوقائي.

حسب المدى القصير والمدى البعيد للمنع الوقائي للصراعات

1ـ المدى القصير: يقصد بأفعال المنع الوقائي على المدى القصير، أو ما يطلق عليه اجراءات المنع المباشر للصراع ” مرحلة الأزمة ” التي يقدر بأنها مرحلة التصعيد العسكري وانتشاره، وبالتالي تصبح هناك ضرورة أو حاجه الى عمل فعل معين لمنع تصاعد أو ازدياد أخطار الصراع، وغالبا ما يتم ذلك من خلال طرف ثالث وسيط، ويطلق على هذا المستوى المنع المباشر أو الاجرائي أو الخفيف direct or light or operational prevention

2ـ المدى الطويل: يعنى باجراءات أو أفعال المنع البنيوي للصراعات structural prevention والذي يعنى بايجاد ظروف أو بيئة تجعل من الصعوبة الشديدة أن تنمو فيها نزاعات أو صراعات أو على الأقل عدم التهديد بتحويلها الى صراعات مسلحة، وعادة يطلق على هذا المستوى “المنع الوقائي العميق أو البنيوي للصراع”.

اذا يمكننا تحديد مفهوم منع الصراعات من خلال تحديد مؤشراته أو إجراءاته وتدابيره، فمثلا، تشير خطة عمل المنع الوقائي للصراعات الصادر عن وزارة الخارجية السويدية إلى مؤشرات أو اجراءات أساسية للتعبير عن مفهوم المنع الوقائي للصراعات، كما يلي:

3ـ تدابير أو اجراءات المنع الوقائي:

  • يمكن تنفيذها قبل تصعيد النزاعات والخلافات الى مستوى العنف
  • تصمم لمواجهة انتشار الصراع الى مناطق جغرافية أخرى
  • منع العنف من الاشتعال مرة أخرى بعد التوقيع على اتفاقية سلام أو وقف لاطلاق النار

4ـ مكونات أو عناصر المنع الوقائي للصراعات

نتناول مستويين من مكونات عناصر المنع الوقائي كما يلي:

المستوي الأول: الاطار العام لمكونات أو عناصر المنع الوقائي للصراعات:

وهو عبارة عن أهم الاشكال أو الاستراتيجيات أو العناصر التي تتضمنها عملية المنع الوقائي للصراعات، وتشمل: بناء ديمقراطية محكومة بكفاءة، وانتشار الحكم الرشيد، ومعالجة الفساد وسوء استخدام السلطة، وبناء سيادة القانون والأمن الدولي، وحماية حقوق الانسان. وهذه العناصر في مجموعها تشكل أفضل الوسائل لتعزيز النظام والأمن الدولي، ومن ثم يعتبر المنع الوقائي للصراعات في المجتمع عملية شاملة سياسية تنموية تقوم على احترام كرامة الانسان ورعايته وحماية مستقبله.

(أ) تشخيص وتحديد المسببات البنوية للصراعات: حيث أن تحديد ومعرفة أسباب حدوث الصراعات يوفر لنا القدرة على بناء رؤى أو تصورات أو استراتيجيات فاعلة ومناسبة في تحديد ما الذي يجب العمل عليه في المنع الوقائي للصراعات سواء على صعيد الصراعات الدينية أو الثقافية أو العنف المجتمعي أو غيرها من المسببات.

(ب) تعزيز ثقافة منع الصراعات: حيث يهدف إلى تعزيز ارادة المجتمع أو الفاعلين على المستوى المحلي أو الوطني أو الدولي واستعدادهم للعمل بكل جدية في منع نشوء ظاهرة الصراعات العنيفة، وكذلك زيادة الوعي على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والانساني على أهمية وضرورة العمل على المنع الوقائي للصراعات.

(ج) بناء منظومة قيمية أخلاقية للنظام الدولي أو المجتمعي: تقوم على احترام الثقافات والاديان والتعددية المجتمعية ومشاركة مجتمعية في صنع القرار السياسي قائم على اساس من المساواة والعدل واحترام كرامة الانسان وسيادة الدول، مع الحرص على المشاركة في الامن المجتمعي، ولا شك ان هذا يتطلب توفير المؤسسات والوسائل اللازمة لتطبيق هذه المنظومة القيمية الاخلاقية في ادارة المجتمع الدولي مثل المؤسسات الدولية المعاصرة كالامم المتحدة وغيرها.

(د) التغلب على تحديات المسار الديمقراطي: وتتمثل أهم هذه التحديات فيما يلي:

– انقسام الشرعية في الدولة ما بين الشرعية التي ارتضاها المصريون في انتخابات نزيهة في مواجهة عودة النظام القديم إلى السلطة، وتدثره تحت غطاء شرعية زائفة بانتخابات معلوم نتائجها مسبقا وبالتالي فإن حالة الانشقاقات الحالية تعرقل عملية الانتقال السلمي لدولة مدنية جديدة.

– حالة النفاق التي انتشرت واختزلت الثورة في شخص السيسي، وغيبت باقي الفئات التي خرجت مطالبة بإسقاط النظام. وترجع هذه الحالة إلى غيبة الوعي السياسي، والأمية السياسية لدى قطاع كبير من المجتمع

– الانتهازية السياسية، لدى الأحزاب بعد الثورة، إذ لم تضع مصالح مصر وشعبها في أولوياتها.

– الانفلات الأمني – وهو تابع من توابع الثورات – ويعد أحد أهم التحديات أمام بناء دولة مدنية جديدة.

(هـ) العدالة الانتقالية: ترجع أسباب صعوبة التحول الانتقالي الى أن المصريين الذين لم يستفيدوا بتجربة واحدة من تجارب 45 دولة نجحت في ترسيخ آليات العدالة الانتقالية، بعد انهيار نظمها القمعية. ومن هذه الآليات ما يلي:

(1) كشف الحقيقة: فلا يمكن التحول من نظام استبدادي إلى ديمقراطي يعمل على إعمال حقوق الإنسان، ويرسي قواعد الديمقراطية إلا بكشف الحقيقة، ولكن للأسف فنحن لدينا في مصر موروث تاريخي في مسألة التكتم على الحقائق.

وبالرغم من أن الدستور المستفتى عليه 2014 ينص على حقوق الإنسان؛ فإنها مجرد نصوص لا تتجاوز الورق التي كتبت عليه، بل إن هناك دولا عربية سبقتنا في مجال الكشف عن الحقائق، منها التجربة المغربية، التي قام فيها الملك محمد السادس – بعد وفاة والده وتوليه الحكم – بإنشاء لجنة وطنية تسمى لجنة الإنصاف والمصالحة لكشف الحقائق عن سنوات الرصاص 1961 – 1996 التي شهدت أبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان.

ولكن في التجربة المصرية، لم تقم سوى جهة وحيدة، هي المجلس القومي لحقوق الإنسان، هيئة مستقلة، بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث يناير وفبراير 2011، وخلصت إلى أن الرئيس السابق لم يكن مسئولاً بالأمر بالتعدي، ولكنه مسئول بالصمت عن الجرائم، وعدم إحالة المتورطين في قتل المتظاهرين إلى المحاكمة، باعتبارها جريمة قتل جماعي، والتي تعد جريمة دولية. وبالتالي، لا بد من كشف المتعاملين مع النظام البائد، والذين يلبسون رداء الثورة والأدوار الخفية لهم.

(2) المحاكمات العادلة والنافذة: فالقانون الدولي لا يحظر على الدول ذات السيادة إنشاء محاكم عسكرية أو ثورية أو خاصة أو خارج القضاء الطبيعي، ولكن بشروط معينة، هي إعمال ضمانات المحاكمة العادلة بمقتضى القانون.

(3) آلية تعويض الضحايا: فلابد أن يكون هناك دعم مادي ومعنوي للضحايا الذين سالت دماؤهم، من خلال محاسبة القتلة، ولا بد أن تتعهد الحكومة بأنها لن تعود إلى تكرار تلك الأحداث في المستقبل.

(4) تأبين ذكرى الضحايا: بحيث تكون قبلة الرؤساء القادمين لمصر.

(5) التطهير والإصلاح المؤسسي: هناك خلط في وسائل الإعلام بين التطهير والإصلاح، فالتطهير يطول الأفراد والرموز، بينما الإصلاح يطول المؤسسات، وإعادة هيكلتها من قوانين وتشريعات ولوائح. هذه المؤسسات هي ( الشرطة – القضاء – الإعلام – الاستخبارات).

(6) العفو والمصالحة: إذا كان العفو سيؤدي إلى المصالحة وإعادة السلم للبلاد، فيمكن العفو. ولكن القانون الدولي ينص على أن الصفة الرسمية لا تبيح ارتكاب الجرائم الدولية، ولا تمنع المسئولية، ولا تسقط العقوبة بالتقادم.

(و) وجود دستور مُتفق عليه: وجود دستور مكتوب صادر طوعا عن هيئات مدنية منتخبة وليس عن قوة احتلال تابعة لانقلاب عسكري أو احتلال خارجي من شأنه أن يعزز مسار الاستقرار، وتجدر الإشارة على أن وجود الدستور بحد ذاته، كأي دستور، لا يعني غلق أبواب الحرب الأهلية، لان الخلاف عليه وعلى بنوده الواردة فيه قد يكون هو احد محفزات الحرب الأهلية. لذلك ينبغي توافر بعض الصفات لهذا الدستور، ومنها:

  • أن يحظى الدستور بتقديس سياسي، وعده قيمة وطنية عليا وأن يكون فوق أي اعتبار، لا أن ينتهي به المطاف مجرد حبر على الورق.
  • التأكيد على أن الديمقراطية هي حكم الشعب ولذلك يشترط توافر صفات الوعي السياسي العالي باللجنة المختصة بوضع الدستور.
  • تجريم وتحريم استخدام القوة والعنف أو التهديد باستخدامها.
  • الالتزام بمبدأ الحوار والسلم والسلام في حل الخلافات السياسية والاجتماعية .
  • الحرص على وجود آليات تضمن الالتزام بمبدأ الدستورية. لمرحلة ما بعد الدستور.

(ز) تحقيق التنمية والتعاون: وتشمل التنمية الاقتصادية التي تضمن القضاء على الفقر والبطالة وعدالة توزيع الثروة بالاضافة الى تحقيق التعاون الاقليمي والدولي في مجال التنمية، بما يحققه من مساعدات اقتصادية وتنموية وتبادل تجاري وتشجيع الاستثمار المشترك والتفاهم على إدارة الموارد المشتركة، كما تشكل داعماً أساسيا للحياة الديمقراطية وتخلق بيئة محاربة أو محاصرة لجذور الصراع.

خامساً: الخبرات الدولية في الوقاية من الحروب الأهلية:

1ـ مجموعة اجراءات الامم المتحدة:

(أ) القيام باجراءات أو تدابير بناء الثقة: حيث يعتبر بناء الثقة المتبادلة وحسن النوايا عاملا اساسيا في منع أو التخفيف من احتمال اندلع الصراع، من امثلة هذه التدابير: تشكيل مراكز اقليمية أو شبة اقليمية لتقليل المخاطر.

(ب) تقصي الحقائق حيث تتطلب هذه التدابير معرفة دقيقة بالحقائق وتوفر المعلومات حول الاحداث والتطورات التي تؤذي الى حدوث توترات خطيرة

2ـ مجموعة سلم إليسون:

جيان إليسون هو باحث وممارس في مجال دراسات السلام والصراع، قدم مجموعة من الخطوات والاجراءات العملية التي يمكن استخدامها في تحقيق السلام منها 6 خطوات لمنع حدوث صراع و6 خطوات اخرى لمنع عودته مرة اخرى بعد انتهائه أي في مرحلة ما بعد الصراع، ويقدم اليسون طروحاته واجراءاته على شكل نموذج متدرج أطلق عليه “سلم اليسون”.

شكل: نموذج “سلم اليسون”

3ـ مجموعة ” مايكل لند “

يعتبر مايكل لند أحد الباحثين الغربيين في مجال دراسات الصراع والسلام الذين عملوا في في المجال الوقائي للصراعات وقدم مايكل مجموعة واسعة من الاجراءات تمتاز انها تتناول مجموعات واسعة ومفصلة من الاشكال والادوات وتغطي مجالات متنوعة سياسية واقتصادية وقانونية وإقليمية:

تابع الإجراءات الدبلوماسية:

تابع: الوسائل التنموية والسياسية:

4ـ مجموعة معهد كارنيجي للسلام:

وهي مجموعة صدرت عن مشروع كارنيجي حول منع الصراعات المميتة والتي عمل عليها فريق كبير يجمع العديد من الاكاديميين في جامعات ومعاهد عريقة مع مسؤلين سابقين بعضهم رؤساء ووزراء سابقون، ويمكن تلخيص هذه الاستراتيجيات في: التدابير الاجرائية المباشرة للوقاية من الصراعات (تشمل الاستجابة المبكرة والنذار المبكر، استخدام الدبلوماسية الوقائية عند وجود تهديد بحدوث أزمة، استخدام القوة أو التهديد باستخدامها على كل المستويات) والمنع الوقائي البنيوي للصراع (ويعتمد على تحقيق الحاجات الاساسية التالية: الأمن، الرفاهية، والعدالة).

سادساً: الآليات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية:

إن تحقيق الديمقراطية كآلية سياسية في بلد ما يرتبط بتحقيق أو توفير آليات أخرى كالآليات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وهي مكملة للآلية السياسية بالشكل الذي يساهم في وقف اندلاع حرب أهلية، فالتقدم الاقتصادي والاجتماعي هو الطريق للقضاء على النزاعات المضادة للديمقراطية ومن ثم تحقيق مبدأ السيادة للشعب بجميع مظاهره، وتثبيت المساواة الاقتصادية في الدستور يؤدي إلى الوحدة ومنع الصراعات الفئوية والحروب الأهلية ونزعات الانفصال. وتفترض هذه الآلية التوزيع العادل للثروات، كما تشترط تقديم الجزء الوافر من موارد الدولة لفئة الفقراء والمحرومين، فتوظف توظيفا عقلانيا وبشكل يرضي الجميع. كما تستطيع الحكومة تنشيط سبل اقتصادية جدية تخفف من ظروف ونسب الفقر المنتشرة في المجتمع المصري.

سابعاً: سيناريوهات الأداء الاقتصادي في ظل الأوضاع الأمنية المتردية في مصر:

السيناريو الأول:

تنفيذ مطالب الشارع ذات المدى القصير. فيرتفع عجز الموازنة حتى يصل الى مستويات كارثية لا يمكن تحملها. فيحدث تدهور في القطاعات الرئيسة والخدمية، ويتردى الأمن، وتتفاقم البطالة والفقر، وتضطرب أحوال البلاد.

السيناريو الثاني:

جذب وتأمين بعض التمويل. ولكن مع تطبيق السيناريو 1، فيحدث توسع في النفقات بدون معالجة التحديات الهيكلية والمؤسسية. فيظل الاقتصاد ضعيفاً مع مستوى عال من الإنفاق العام، ونظام اقتصادي متردي يساهم في انتقال فاتر وبطيء إلى الديمقراطية.

السيناريو الثالث:

العمل على صياغة إطار كلي شامل على مدى طويل يراعى فيه تلبية مطالب الشارع ذات المدى القصير، مع معالجة التحديات على المدى المتوسط. من شأن هذا السيناريو إعادة الثقة في البنوك في المرحلة الانتقالية مما يعزز من استعادة الاستقرار السياسي.

السيناريو الرابع:

تحسين الأداء الاقتصادي نتيجة التدابير الأمنية لاعادة الاستقرار بدون وضع إطار شامل أو خطط من أي نوع. ومن شأن هذا السيناريو تجديد النشاط الاستثماري للقطاع الخاص، وتعافي الاقتصاد. ولكن في ظل غياب إطار واضح، سيتدهور الوضع من جديد.

ثامناً: آليات تعزيز السلم الاقتصادي والاجتماعي في مرحلة عدم الاستقرار السياسي:

  • الاستجابات قصيرة الأجل:

يكمن التحدي في كيفية تقديم سياسات قصيرة الأجل تتجنب الإضرار بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في المستقبل في نفس الوقت، ومن المجالات التي تحتاج إلى معالجة على المدى القصير:

1- طمأنة القطاع الخاص على استثماراته: بفتح تحقيقات جنائية في قضايا الفساد المزعومة، والتي تتجاوز حالياً 6000 قضية، وتوصيل رسالة طمأنة أو مصالحه مؤمنة، ولضمان تنفيذ هذه المهام لابد من اتخاذ عدد من الإجراءات تتمثل في:

– إشراك القطاع الخاص في عملية صنع القرار الخاصة بالسياسة الاقتصادية.

– جذب صغار المستثمرين وإتاحة التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة لإنعاش قطاع الاستثمار، مع الابتعاد عن الاقتراض المحلي لتجنب الاقتراض الخارجي لأسباب سياسية، ومن ثم الانصياع الى ضغوط تنجم عن التزامات مستقبلية. ويستثنى النفقات الرأسمالية الضرورية، أو اللجوء إلى السوق الدولية لتفادي الضغط على السيولة والاستفادة من انخفاض أسعار الفائدة. كما يمكن للحكومة إنشاء صناديق للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم وتطبيق قواعد الشفافية.

– إشراك القطاع غير الرسمي، مما يشجع من يعملون في الاقتصاد غير الرسمي على تسجيل أعمالهم، ومن ثم توسيع القاعدة الضريبية وزيادة الإيرادات الحكومية بالفعل، وتخفيف معاناة العاملين في هذا القطاع من ظروف العمل السيئة وتقلبات السوق وعدم الحصول إلا على القليل من الفوائد المباشرة من المساعدة الحكومية.

– توجيه المجتمع الدولي نحو أولويات مصر. ومن لديه القدرة على لعب دور إيجابي بالنسبة إلى الاقتصاد المصري خلال الفترة الراهنة، بدون تدخل في شئونها الداخلية و الخارجية.

2- استعادة ثقة الشعب المصري في المؤسسات الرسمية: مما يؤدي إلى حالة من الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، ويكون ذلك من خلال مجموعة ممارسات، وهي:

– اشراك منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية في عملية صنع القرار.

– عدم المبالغة في حجم الفساد، بحيث يخلق الوهم لدى جموع الشعب اعتقاد أن معالجة الفساد من شأنها أن تحل مشاكل مصر الاقتصادية، لا الإصلاح الاقتصادي.

3- السياسات الاجتماعية: يعتبر الإنفاق الاجتماعي وسيلة للحكومة لجسر الفجوة بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية في مصر، لذا لابد من إعادة الدعم وهيكلته لهيكلة سليمة تستهدف الفئة المستحقة لهذا الدعم.

وتبدأ عملية إعادة الهيكلة من خلال تبادل المعلومات حول تأثير توزيع الدعم على أساس مستوى الدخل، ويمكنها أن تميز بين دعم المواد الغذائية التي تعتبر حساسة للغاية، ودعم الوقود الذي يستهلك في الغالب من قبل مجموعات لا يُقصد أن تستفيد من الدعم.

يضاف إلى ذلك أيضاً السياسات الاجتماعية التي يمكن إتباعها بالتنسيق مع القطاع الخاص، والهادفة إلى تحسين البنية التحتية للتعليم الأساسي، وفتح فصول لمكافحة الأمية، وتقديم المزيد من فرص العمل. وتشجيع الحوار الاجتماعي، وهو ما فشلت كل الحكومات المتداولة للسلطة فيه الى الآن، في إطلاق آلية يمكن من خلالها متابعة هذا الحوار دون اللجوء إلى الإضراب أو العنف، والحوار بين مختلف الجهات المعنية من شأنه أن يعزز الشعور بأن عملية صنع القرار هي عملية طويلة الأجل.

2ـ خطوات على المدى المتوسط:

وتتمثل أهم هذه الخطوات في: الحد من الفقر، وخلق فرص عمل، توزيع أكثر عدلاً للدخل، وتعزيز الاستثمار، وتعزيز سيادة القانون، وهنا تتعدد التحديات التي ستواجه أية حكومة في مصر، ومنها:

1- نقص الاستثمار: ولتجنب ذلك لابد من إتباع عدد من السياسات منها:

– تشجيع الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، وخلق بيئة تجارية ودودة مستقرة، وثمة مصدر آخر من مصادر الاستثمار المحتملة هو الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي يتوقع أن يزداد إذا ما تحسن الوضع الأمني في مصر.

– تعزيز النمو الشامل للجميع من أهم آليات الخروج من الأزمة الحالية، فالنمو الشامل يعني جعله لصالح الفقراء، مع جعله أكثر عدلاً للموارد. ويمكن استخدام التمويل الصغير باعتباره واحداً من محركات تعزيز النمو الشامل.

– تحسين الأجور والإنتاجية: فتحسين الإنتاجية، يزيد في نهاية المطاف القدرة التنافسية للاقتصاد المصري. كما ينبغي اعتماد قوانين عمل ولوائح أكثر مرونة.

2- الضعف المؤسسي: تحتل مصر مركزاً متواضعاً في مؤشرات الحوكمة والخاصة بكفاءة المؤسسات الحكومية مقارنةً بالأسواق الناشئة الأخرى، فمصر لديها واحد من أسوأ المؤسسات الحكومية ولإنقاذها ينبغي العمل على عدد من الإجراءات التالية:

– إنفاذ القوانين والكف عن تفضيل الشركات الكبرى، والتي اتسمت بها عملية الإصلاح في مصر، في ظل النظام السابق، حيث رافق سن قوانين تحرير الاقتصاد بتغييرات تشريعية جعلت موظفي الحكومة محصنين نوعا على أساس دستوري، وايضا عدم تطوير آليات مؤسسية لتفعيل المنظومة. وقد أدى هذا القصور إلى جعل القوانين مجرد بيانات مثالية تفتقر إلى التطبيق.

– العمل على تعزيز استقلالية النظام القضائي، للتعامل مع القضايا المرتبطة بالسوق مثل قوانين مكافحة الاحتكار وحماية المستهلك، وحقوق الملكية الفكرية وتشريعات مكافحة الإغراق.

– تعزيز النقابات العمالية وجمعيات المستهلكين لتحقيق التوازن بين المنتجين والمستهلكين، واسترداد ثقة المواطنين في النظام.

– فرض قوانين جديدة تنظم مكافحة الاحتكار والمنافسة في السوق. ووضع حد على مستوى ممارسات زيادة الأسعار الاستغلالية.

– إشراك الشباب في عملية صنع القرار. وهم من تم استبعادهم من النظام القديم، في عملية صنع القرار، بحيث يكون بداية جديدة للاقتصاد في البلاد.

3- وقف الإنفاق الاجتماعي غير الفعال والتركيز على مساعدة الفقراء.

4ـ التعددية الإيجابية لتعزيز الوحدة الوطنية واعتناق مبدأ الاعتراف المتبادل ما بين القوى الاجتماعية والدينية وذلك انطلاقا من ثوابت شرعية وسياسية.

المصادر

  • آليات منع الحروب الأهلية للدكتور عبد الجبار احمد عبد لله
  • ندوة التوعية الأمنية والمستقبل، مفهوم التوعية الأمنية،أ.د. خليل عبد الله المدنى
  • الأساليب التعاونية لحل الصراعات في أفريقيا
  • ورقة عمل مقدمة من: مولوجيتا جيبرهيوت وجيتاشو زيروا، معهد الدراسات الخاص بقضايا الأمن والسلم
  • http://scar.gmu.edu/wp_19_oquaye.pdf
  • Lessons for Intra-State Conflict

Management and Prevention in Africa

—————————-

الهامش

( ) ينبغي هنا التفريق هنا بين الحرب الأهلية التي تجري بين مكونات المجتمع الواحد والتي تتصارع فيها تلك المكونات للأسباب مختلفة، أو الحرب النظامية التي تجري بين دولتين لكل منهما سيادتها المستقلة ونظامها الشرعي.

( ) من أشهر الحروب الأهلية التي وقعت عبر التاريخ: الحرب الأهليّة في النرويج، والحروب الدينيّة في العصور الوسطى، وحرب (أونين) اليابانيّة، والحروب الأهليه التي وقعت في أميركا وكذلك في روسيا وفي فنلندا، وإيرلندا، والصين، وفيتنام، والحروب الإسبانية، واليونانية، وفي البارجواي، وكوستاريكا، وكوريا وأندونيسيا، ونيجيريا، والباكستان ولبنان وموزمبيق وويوغسلافية، وأفغانستان والجزائر و(حرب أيلول)، وفي العراق وسوريا وليبيا.وما تزال تلك الحروب تستعر في عدة بقاعٍ من العالم كسوريا وليبيا والعراق.

( ) المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، الأوضاع الداخلية للشرق الأوسط في مؤشر الدول الهشة، 4/8/2014، الرابط.

( ) النص متاح على الرابط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى