fbpx
الشرق الأوسطتحليلات

أبعاد القلق الإسرائيلي من السلاح المصري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

كان لافتا في غمرة الحديث الإسرائيلي المستفيض عن التحديات الماثلة أمام رئيس هيئة الأركان الجديد للجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي أن يتم التطرق الإسرائيلي بصورة غريبة لما وصف بعدم تجاهل حقيقة الوضع غير المستقر في مصر، وإمكانية أن تقدم على تغيير سياستها تجاه إسرائيل في حال عاد الإخوان المسلمون إلى السلطة!جاء هذا التحذير على ألسنة عدد من كبار الضباط السابقين والباحثين الاستراتيجيين الحاليين الذين وضعوا ما يمكن وصفه “خارطة طريق” للمخاطر التي تتطلب من كوخافي التعامل معها، والتصدي لها: بدءاً بإيران، ومرورا بسوريا، ووصولا إلى لبنان، وانتهاء بقطاع غزة، أما أن يأتي الحديث عن مصر، فهذا أمر يحتاج وقفات وتركيز.

ربما تتراجع الدهشة مع مرور الوقت من خلال مراجعة عدد من التقارير العسكرية والأمنية، وبعض تقديرات الموقف الإسرائيلية التي صدرت في العام الأخير، ومنحت الوضع المصري حيزاً لا بأس به، رغم التنسيق الأمني والتعاون السياسي الذي بلغ ذروة غير مسبوقة بين تل أبيب والقاهرة.فقد أبدت أوساط عسكرية إسرائيلية قلقها من استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة إلى مصر، لاسيما في ظل عهد إدارة الرئيس دونالد ترمب الذي منح النظام الحاكم في القاهرة غطاء سياسيا ودبلوماسياً عز نظيره، وهو ما يتطلب توقفا وتقييما من قبل دوائر صنع القرار في إسرائيل، في ظل حالة القلق الإسرائيلي من حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي في جارتها الجنوبية، فضلا عن حالة الاهتزازات المتلاحقة في الشرق الأوسط بأسره، وهو ما تجلى في أحداث الثورة المصرية في 2011، التي يحيي المصريون ذكراها الثامنة في هذه الأيام.

يرى قطاع عريض من النخبة الأكاديمية الإسرائيلية أن استمرار الدعم العسكري والتسليح المقدم من الولايات المتحدة إلى الجيش المصري، يتطلب من إسرائيل عدم تجاهل حالة فقدان التفوق النوعي على مصر في مختلف العصور والمراحل السياسية، ولم يتوقف هذا القلق على الدوائر البحثية فحسب، بل إنه أخذ طريقه إلى المباحثات الأمريكية الإسرائيلية، رغم أن ذلك من شأنه إثارة ضجة احتجاجية في القاهرة، لكنه لن يحدث اهتزازا أو تراجعا في حالة التنسيق المشترك القائم بين تل أبيب والقاهرة.

يمكن القول إن المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة إلى مصر بقيت مستقرة نسبيا منذ توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1979، حتى الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في 2013، حيث جمد الرئيس السابق باراك أوباما هذه المساعدات، لكن يناير 2018 شهد تجديد الدعم العسكري الأمريكي، الذي شمل أربعة مجالات أساسية: محاربة الإرهاب، تأمين الحدود، تحسين القدرات الأمنية في شبه جزيرة سيناء والأمن البحري، وحيازة منظومات سلاح أمريكية متوفرة لدى الجيش المصري.

تذكر التقارير العسكرية الإسرائيلية أن الجيش المصري يحوز طائرات فرنسية من طراز رافال، بما يتراوح بين 24 و36 طائرة، في حين أن ما لديها من طائرات قتالية من طراز إف-16 يزيد على مئتي طيارة، وفي ضوء حالة عدم الاستقرار والاهتزازات التي تشهدها المنطقة، فإن إسرائيل ترى نفسها مطالبة بألا تغض الطرف عن هذه التحولات المتوقعة في المستقبل، وهو ما من شأنه أن يجعل التفوق النوعي لها أمام مصر ذا أهمية نوعية.

الغريب أنه في ظل المصالح المشتركة بين القاهرة وتل أبيب، فإن إثارة هذه التحفظات الإسرائيلية أمام الإدارة الأمريكية على استئناف الدعم العسكري للجيش المصري، من شأنها إغضاب المصريين، لكنها لن تكون سببا في تجميد العلاقات بينهما، أو عرقلة التعاون القائم، لاسيما في المجالين الأمني والعسكري.

لم تتوقف التساؤلات الإسرائيلية عند استمرار الدعم العسكري الأمريكي لمصر، بل وصلت في الأيام الأخيرة إلى طرح تساؤلات عن سبب تجاهل إسرائيل لحالة التعاظم العسكري الذي تقوم به مصر في السنوات الأخيرة، مع أنها بحاجة كل دولار لبقاء نظامها الحاكم على قيد الحياة، لكنها تنفق مليارات الدولارات على حيازة المزيد من الأسلحة، رغم أنها لا تواجه أي تهديدات خارجية.

يمكن استعراض قائمة لأهم الأسلحة والترسانة العسكرية التي حازتها المؤسسة العسكرية المصرية، وفق المعطيات الإسرائيلية، التي شكلت أساسا لانطلاق هذه التحذيرات الإسرائيلية:

  • مصادقة ألمانيا على بيع مصر فرقاطتين جديدتين من طراز meko A-200، وزن الواحدة منها 3400 طن، ضعف سفينة ساعر 6 التي يحوزها الجيش الإسرائيلي التي يبلغ وزنها 1800 طن، وهي صفقة تنضم لقائمة طويلة من تعاظم القوة العسكرية المصرية، يمكن وصفها بأنها تاريخية في مسيرة الجيش المصري.
  • حيازة مصري لأربعة سفن صواريخ فرنسية من طراز 2500 gowind بوزن 2500 طن لكل سفينة، تم توريد اثنتين، والأخريان ما زالتا بعملية البناء في الإسكندرية بإشراف فرنسي.
  • ترسانة صواريخ مدمرة من طراز FREEM بوزن 6 آلاف طن، وأربعة غواصات بحرية ألمانية متقدمة من طراز 209، حاملتي طائرات من طراز ميسترال بوزن 21 ألف طن، وتعود للجيش الروسي، ولكن بسبب العقوبات الأوروبية على موسكو عقب اجتياح جزر القرم تم بيعها لمصر بتمويل سعودي، كما زود الروس المصريين بـ48 طائرة هجومية متطورة.
  • امتلاك مصر لأربعة سفن صواريخ أمريكية سريعة من طراز أمبسودر بوزن 600 طن، وسفن صاروخية سريعة من طراز P-320 روسية الصنع بوزن 550 طن، وهذه الترسانة الأولى من نوعها التي يحوزها سلاح البحرية المصري، رغم أن المصريين لديهم على الدوام أسطول بحري.
  • سلاح الطيران المصري يحوز طائرات متعددة الأنواع ومختلفة الصناعات: فرنسية من طراز رفائيل، روسية من طرز ميغ 29، أمريكية من طراز إف16، كما أن سلاح المشاة المصري يتزود بناقلات الجند من طراز أبراهامز الأمريكية المتطورة.

تشير المحافل العسكرية والأمنية الإسرائيلية أن هذه الصفقات العسكرية المصرية تطرح السؤال: من هو العدو الافتراضي الذي تخزن مصر من أجله كل هذه الأسلحة، لاسيما في مجالها البحري: هل هي إيران الآخذة بالتفكك، أم ليبيا غير القائمة على الأرض، وربما السودان، وطالما أن مصر تعاني سوء الظروف المعيشية، لماذا تنفق كل هذه المليارات طالما أنه لا يوجد عليها تهديد خارجي.

أكثر من ذلك، يجتهد الإسرائيليون في وضع فرضيات لدوافع مصر في حيازة هذه الترسانة العسكرية: فهل تفيد الفرقاطات البحرية لمواجهة تنظيم الدولة في سيناء، ولماذا تحوز مصر حاملتي طائرات مع قدرات على الهبوط سريعة، وأين تنوي هذه الطائرات أن تهبط، وفي أي المطارات المتوقعة، مع العلم أن التعاظم العسكري المصري لا يقتصر على سلاح البحرية، بل إنه قمة جبل الجليد، لأن هناك قطاعات عسكرية أخرى.

أخيراً..

من بين عوامل القلق الإسرائيلي لهذه “التخمة” المصرية في حيازة هذه الأسلحة أن إسرائيل تؤكد أنها أمام نظام مصري مهتز، وغير مستقر، الأمر الذي يعيد من جديد إضافة تخوف مستبعد حالياً طرحته هذه السطور في بدايات هذا التحليل حول إمكانية عودة الإسلاميين مجددا إلى السلطة في مصر، وبالتالي وصول هذه الأسلحة النوعية والمتطورة إلى الأعداء القدامى الجدد لإسرائيل! [1].


[1] الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close