fbpx
قلم وميدان

أحمد زويل بين العودة وظلم النفس

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

ملأ الدنيا وشغل الناس، في الممات كما في الحياة، فإن يكن إمتاز في حياته بأنه عاش في دائرة الضوء، كما نجوم السينما، أو لعله علاهم أحياناً، فكنتَ تعجب من أصدقاء له وكُتّاب في المقام الأول قدموه للنخبة ثم للشعب المصري، ثم ما لبثوا أن انقلبوا عليه، فبعد أن نال نوبل 1999م صارت سيرته تطغى عليهم، وتؤخر انتباه “الركب السياسي” غاية المنى لديهم إليهم.

أي أن النخب المزيفة، بفتح وضم الميم، وعلى قمتها كاتب أشهر آنذاك راحل الآن، قدمتْ الراحل “زويل” إلى المصريين بل العرب كبديل عن وجوه علماء الدين المعروفين آنذاك بخاصة بعد وفاة الشيخ “محمد متولي الشعرواي” في مارس/ أذار من العام السابق على نوبل “زويل”، رحمهما الله، ثم لما رأوا الأخير “غطى” عليهم تعاملوا معه بمبادئهم التي لا تعرف ثباتاً.

وليس العجب في هذا الأمر كيفية تعاملهم، فهو عهدهم ودأبهم لم يتخلوا عنه، وشواهدهم أكثر من أن تعد وتحصى مع “صلاح عبد الصبور”، مثلاً، إذ يفوقهم في التمادي في منافقة نظام الرئيس الراحل “محمد أنور السادات”، فيقتله أحدهم بكلمة في سهرة خاصة انتهت بموت الرجل بسكتة قلبية لما قيل له: أنت بعت يا صلاح!

لم يكن تعاملهم مع الراحل “زويل” بمفرداتهم التي يتقنونها كسلوك لا يعرف لا الثقافة ولا الفن الحقيقي ..هو الغريب، ولا حتى إدعاؤوهم بأنه لم يخترع شيئاً، ولم ينل نوبل التي طاروا بها وبه، إذ إنه أول عالم مصري بل عربي ينالها في فرعها العلمي، حتى إن بعضهم تنكر لتلك التي نالها “نجيب محفوظ”، رحمه الله، في 1988م، ووجدها فرصة لتصفية حسابات تخص التمادي في النفاق للأنظمة العربية ومرؤسها الصهاينة.

وعند وفاة الراحل قدر له أن يلقى خلافات مثيرة، تقترب من مدلول لفظ “المولد”، برأي فريق العلمانيين والوصوليين، إذ إن الرجل بالفعل، خلط عملاً صالحاً بآخر برأي كثير من المعتدلين من أنصار الطرف الآخر، وهو رأي لم يخل من صحة الحقيقة، نال الرجل أعلى جائزة (إسرائيلية) من آسف، بل ساهم في تطوير الصواريخ التي كانت وما تزال تضرب فخر الأمة، ونقطة الكرامة في جبينها المقاومة الفلسطينية، وكان من المحاضرين بجامعات (إسرائيلية).

ولكن ما اخشاه الحقيقة أننا صرنا نُساق في طريق من طرف خفي يؤكد ماهية الانقلاب، وإنه جاء في حق آناس إن ما تضايقوا أطلقوا ألسنتهم حتى في الأموات. أما ما خفي في اختلاط الأوراق حين وفاة “زويل” فهو استمرار محاولات التأصيل لذكر متوفين إلى رحمة الله بما يشبه التجريح ويتجاوزه أحياناً، ولكن الأصوات المتداخلة في وفاة “زويل” تناست أن الرجل قال وصيته أنه يطلب من الشعب المصري الدعاء له بالرحمة..! وإذا كان رب العزة يفتح باب التوبة حتى لحظة خروج الروح .. فمن ذا الذي يغلقه؟!

وخلاصة القول لديّ أن الراحل كان مؤهلاً بقدرات علمية مع حب للحياة، وكان أن تحداه أحد أساتذته في مصر، قبل خروجه، بل وصفه بالفشل، فبدأ الراحل رحلة مع “ظلم نفسه” لم يردها لها، ولكنه وقع فيها من آسف.

في الولايات المتحدة تم تقييم قدراته بدقة، تماماً على النقيض مما هو ما يزال في مصر مع آخرين، وعرفوا مقدار علمه فأوسعوا الطريق له إلى الأبحاث والترقي، بل الشهرة والمال، حتى إذا صار كما يريدون منه، يرضى عما يرضون، ويكره ما يكرهون، ولو جاء الأمر على حساب قومه بل دينه، منحوه نوبل..!

ولكن نواة صلبة متماسكة كانت بداخل الرجل مُعنّاة معذبة لا تقبل بالاستمرار في طريق الزيف المصاحب لما قدم من علم نتائجه نافعة وضارة، وفي النهاية انتصرت النواة الصلبة بما يفهم منه يقيناً الاعتذار إلى رب العزة، وعبر الشعب المصري تحديداً.

لدينا هنا مناصر للانقلاب، بل معين لأعداء الأمة على أشرف مَنْ فيها، قرب الوفاة يطلب الصفح من رب العباد .. فلماذا نضعه في موقف واحد مع بقية المُتوفين من أنصار الانقلاب؟ هذا إن جاز من الأساس أن يتحدث أحد بعد ملك الملوك في أمر الموت وما بعده!

ظلم الرجل نفسه أولاً، قبل العودة التي يتناساها كثيرون إلى الله، فلماذا يظلم أحياء أنفسهم بالتعرض إلى مصيره في الآخرة؟! مع أن الأمر بيد الذي لا يظلم عنده أحد، ولا يبخس الناس مثقال ذرة؟! (1).

————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close