
أزمات مصرية وأطماع صهيونية: البقاء والتمدد
مقدمة:
تسلط وسائل الإعلام الصهيونية المختلفة الضوء على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية في مصر بشكل ملفت في الآونة الأخيرة؛ فقد لا يأتي يوما دون أن تتناول وسائل الإعلام الصهيونية المسألة المصرية بأدق تفاصيلها. وربما يأتي هذا الاهتمام من عدة منطلقات أهمها التقارب الجغرافي بين مصر والكيان الصهيوني؛ والثقل الديمغرافي لمصر؛ إلى جانب الاعتبارات والهواجس الأمنية الصهيونية من الغموض الذي يلف الحالة المصرية ومستقبلها. إلا أن التطور الأبرز هو ما تناولته صحيفة “جيرزوليم بوست” بطلبها من القيادة المصرية إلى تقريب العلاقات بين الشعبين المصري والصهيوني على اعتبار أن الشعب المصري يعتبر التقارب مع الصهاينة خيانة. ليبقي السؤال الأهم ما الذي يريده الكيان الصهيوني من مصر؟
ما تم تناوله في صحيفة جيروزليم بوست والتي تعد من أعرق الصحف الصهيونية “تأسست في عام 1932م”، لم يكن مفاجئاً وإنما هو مؤشر خطير استكمالا لمؤشرات سابقة تناولتها الصحف الصهيونية الرسمية في غضون الفترة السابقة. بشكل ينذر بوجود مخطط صهيوني لمصر.
أولاً: مستويات التعاطي الصهيوني مع القضايا المصرية:
حتى تتضح الأمور سنحاول ترتيب ما تناولته الصحف الصهيونية في الفترة الأخيرة إلى عدة مستويات:
المستوى الأول: الترحيب بسقوط حكم الإخوان المسلمين وقدوم نظام السيسي، وهو ما أكده رئيس معهد دراسات الأمن القومي الصهيوني، عاموس يدلين، في سياق تقرير سنوي كتبه بعنوان “في مواجهة التهديدات الاستراتيجية للأمن القومي، بوصفه أن الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين أدّى إلى تسلّم الجيش المصري زمام الأمور من جديد، ويُعتبَر هذا الجيش الأكثر إيجابيةً بالنسبة إلى للكيان الصهيوني، من بين كل العناصر الفاعلة في الساحة السياسية المصرية، فضلًا عن كونه معاديًا لحركة حماس”.
المستوى الثاني: الأوضاع الاقتصادية بمصر: القلق من أن تؤدي الأوضاع الاقتصادية إلى الإطاحة بحكم السيسي، وذلك في العديد من التقرير والدراسات والتي تنبأت بثورة جياع في مصر. وهذا ما أكدته أكبر وأهم الصحف الصهيونية، التي تحدثت عن أن مصير السيسي سيكون مماثلا لمبارك.
المستوى الثالث: دعم السيسي: أعلنت الصحف الصهيونية عن رغبة الكيان الصهيوني، في تقديم مشاريع اقتصادية في مصر بغية الحفاظ على النظام السياسي القائم حاليا. ويوضح أحد التقارير أن الكيان الصهيوني يستعد لتقديم المساعدة لمصر في مجالات الطاقة الشمسية وإنتاج الكهرباء والزراعة والري والغاز. بالإضافة إلى ذلك، تدرس مصر إمكانية توسيع تعاونها في قطاع السياحة مع الكيان الصهيوني.
المستوى الرابع: ما جاء عبر صحيفة جيروزاليم بوست أن الشعب المصري يعتبر أي تقارب مع الصهاينة خيانة، لتكون بمثابة دعوة صريحة وطلب واضح من القيادة المصرية بتحسين صورة الصهاينة في أذهان الشعب المصري. ويقرأ من هذا المستوى عده أمور، منها: أن النظام المصري قد التقط الإشارة الواردة في المستوى الإعلامي الصهيوني الثالث؛ وهي رغبة دولة الكيان الصهيوني في تقديم مساعدات اقتصادية من اجل بقاء الكيان السياسي الحالي في مصر، ليفهم هذا المستوى بمثابة شرط صهيوني على الإدارة المصرية الحالية في حال أرادت الحصول على دعم اقتصادي صهيوني يجب عليها تحسين الصورة الذهنية في داخل المجتمع المصري، وأن قادة الكيان الصهيوني باتوا على معرفة كاملة بأن النظام المصري الحالي على حافة الانهيار لذا تعمل على ابتزازه بكافة الصور. مستفيدة من حالة التآكل التي يعاني منها.
المستوى الخامس: وهو توقع مستقبلي لما ستقوم به وسائل الإعلام الصهيونية. من المتوقع أن تتناول الصحف الصهيونية في قادم الأيام استراتيجيتين الأولى مدافعة عن النظام المصري الحالي؛ أما الثانية زيادة في الدعوات التي تدعو إلى تحسين الصورة الصهيونية في الذهنية المصرية. مصاحبة لدعوات صريحة تدعو إلى تطبيع العلاقات المصرية الصهيونية وبشكل علني.
ثانياً: الرسائل الصهيونية: نظرة تحليلية
كافة المؤشرات السابقة توضح أن الكيان الصهيوني، حريص على بقاء واستمرارية النظام المصري القائم حاليا، وبكافة السبل، وذلك من أجل تحقيق عدد من الأهداف الأساسية، يبرز من بينها:
1ـ رغبة دولة الكيان الصهيوني في بقاء مصر ضعيفة، وأداة في يد الساسة الصهاينة. وبالتالي تفرد صهيوني بشكل موسع في القضايا اليومية والمصيرية للشعب المصري.
2ـ التغلغل، من خلال مشاريعها الاقتصادية المزعومة، في الشأن المصري وتحديدا في سيناء. من خلال إقامة منتجعات سياحية صهيونية فيها. إلى جانب استغلال الغاز المتواجد قبالة سواحل مدينة العريش.
3ـ استغلال الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي يعاني منها النظام المصري الحالي لتحقيق مكسبين وهما: توطين عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في منطقة العريش بعد أن أصبحت غزة قنبلة ديمغرافية تهدد المناطق الصهيونية المجاورة لحدود قطاع غزة، وخلق جيل مصري ينظر لدولة لكيان الصهيوني بأنها الدولة الصديقة، ويؤمن بأنه من أجل تحقيق حياة أفضل لهم بمصر، لن يكون إلا من خلال التعايش والتسامح مع دولة الكيان الصهيوني؛ ومتفهماً للإجراءات الصهيونية في المنطقة العربية.
خلاصة:
يجب الإقرار أن مصر بحاجة لدعم اقتصادي ضخم، وهو أمر أكبر من إمكانيات أن تقوم به دولة بمفردها؛ حتى وإن كانت تلك الدولة تتمتع بنظام اقتصادي قوي. كما أن الكيان الصهيوني من الممكن أن يقدم مشاريع اقتصادية، ولكنها لن تنقذ النظام المصري الحالي بقدر ما ستكون ابتزازاً يهدف إلى تطويع مصر من أجل تحقيق أهداف محددة ولفترة زمنية معينة. كما أنه من المتوقع أن تخدم المشاريع الاقتصادية المقدمة من الكيان الصهيوني مصالح الكيان بالدرجة الأولى. إضافة إلى أن الدعم الاقتصادي الصهيوني المتوقع يهدف إلى إطالة أمد بقاء نظام السيسي وبالتالي استمرار التدهور الداخلي، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، في مصر وعدم قدرة أي قوة سياسية مصرية قادمة في حال سقوط نظام السيسي على تحقيق إصلاحات للأوضاع في مصر بعد أن تصل فيها الأمور إلى درجة الانهيار”.
ومن ناحية ثانية، نجد أن الإعلام المصري ومنذ قدوم نظام السيسي يحاول التحريض ضد الفلسطينيين ومناصرة الصهاينة في بعض القضايا. وقد يكون التناول الإعلامي المصري للعدوان الصهيوني على غزة عام 2014م، شاهدا على ذلك. وهي محاولات قد يُقرأ منها دعوات إلى التقارب ما بين الشعبين المصري والصهيوني. وبالفعل نجح الإعلام المصري في أن يترك أثرا في أوساط بعض شرائح المجتمع المصري والتي بدأت تنظر إلى الفلسطينيين بنظره قد تصل إلى –العداوة-وهي النظرة التي لم تكن في أي فترة من فترات تاريخ العلاقات المصرية الفلسطينية. إلا أنه لا يمكن تطبيع علاقة ما بين بلدين إلا بعد مرور جيل كامل، أي 25 عاما، وهذا يبدو صعباً على الأقل مرحلياً. خاصة مع الشك في احتمالات بقاء النظام المصري الحالي، كما أنه ليس مستبعداً أن تدخل دولة الكيان الصهيوني في حروب مع دول عربية وارتكابها مجازر حرب، في ظل العقيدة الأمنية التي تقوم عليها (1).
—————————-
الهامش
(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.