أزمة الطائرة المصريّة رؤى فرنسية
قصر أوقات التوقّف يضرّ بالأمان، جريدة لوفيجارو، 20 مايو 2016(1):
يعد تقليص أوقات التوقّف من ساعة ونصف إلى معدّل ساعة بالنسبة للطائرات المدنية من نوع إيرباص A320، ثغرة في معدلات أمان الرّحلات حيث يعمل الموظّفون تحت ضغط كبير للإسراع والإقلاع في الوقت لأنّ الطائرات يجب أن تعود بأقصى سرعة لتكون مربحة.
وحسب موقع Flight Radar 24 فإنّ الطائرة إيرباص A 320 التابعة للخطوط المصريّة (التي تعرضت للسقوط فجر الخميس 19 مايو 2016) قبل إقلاعها من مطار رويسي شارل ديجول باريس Roissy Charles de Gaulle Paris، بعد السّاعة الحادية عشرة من مساء الأربعاء 18 مايو، قد قامت بجولات عديدة إقلاعا وهبوطا بدءا من مطار أسْمَرَا في دولة إرتريا، ثمّ العاصمة التونسيّة تونس ثمّ القاهرة المصرية، ومنها إلى باريس الفرنسية لتعاود مغادرتها باتّجاه القاهرة. يوم عمل عادي لطائرة متوسّطة الرّحلات تضاعف سفراتها لتبلغ خمس رحلات ذهابا إيّابا يوميّا.
حيث يتمثّل الهدف الرئيس لشركات الطيران في جعل ناقلاتهم تطير أكثر ما يمكن لتكون أكثر ربحاً، حيث تبلغ قيمة الطائرة الإيرباص موديل (A 320) نحو 98 مليون دولار حسب تسعيرة المصنّع الأوروبي. كما أن فترات توقّف الطائرات في المطارات يجب أن تكون قصيرة أكثر ما يمكن لأنّ توقّفها على أرض المطار يكلّف أموالاً كبيرة ولا يجلب شيئا (من منظور شركات الطيران).
وقد أشار السيد “جيرارد فيلدزر Gérard Feldzer، وهو خبير طيران شهير وقائد طائرة سابق في الخطوط الجوية الفرنسية أنّه منذ عشر سنوات أو خمسة عشر عاما كانت الطائرات تحتاج إلى نحو ساعة ونصف توقف لإعداد طائرة A 320، أمّا اليوم فساعة واحدة. وبعض الشركات الجويّة منخفضة التكاليف (Low cost) زادت من تخفيض وقت التوقّف إلى 45 دقيقة. وحتّى طائرات الرّحلات الطويلة انخرطت في هذا السّباق ضدّ الزمن.
أضاف جيرار فلدزر Gérard Feldzer: “ليس نادرا أن تحطّ طائرة من الحجم الكبير في مطار نيويورك وتعيد الإقلاع بعد ساعة ونصف.”
ثغرة في الأمان:
لقد استمر توقّف طائرة الإيرباص التابعة للخطوط الجوية المصريّة تحديداً (ساعة ودقيقتين) قبل أن تُقلع باتّجاه القاهرة في بداية اليوم، حيث دام توقّفها الجديد أقلّ من ساعتين قبل أن تتّجه إلى باريس حيث حطّت عند السّاعة 21:55 (العاشرة إلا خمس دقائق مساء) لتُقلع مرّة أخرى بعد السّاعة الحادية عشر بقليل. وفي كلّ توقّف كان طاقمها الذي يهتمّ بها يعمل تحت ضّغط شديد للإنتهاء بسرعة. ولم يكن أمام طاقم العمل الوقت الكافي للرّاحة، بل إنه يمكن القول أن قائد الطائرة، ولكسب الوقت، يُجهّز للرحلة التالية على حاسوبه عندما يكون بصدد الهبوط من الرّحلة الأولى”.
ولم يعد من النّادر أن نجد فريق الصيانة هو نفسه المضيفات والمضيّفون الذين يقومون بهذا العمل أو يساعدون عليه، ويشرعون في إعادة ترتيب المقصورة بالانطلاق من آخر الطّائرة، رغم أنّ الركّاب لم ينتهوا من مغادرة الطّائرة”. وأضاف السيد فلدزر: “يتراكم التّعب ويتصاعد التوتّر وينخفض مستوى اليقظة … إنّها ثغرة في الأمان”.
فرق كثيرة تعمل في آن واحد:
على الأرض ينتظم فريق حول الطّائرة ما بين 10 و12 شخصا، وتعمل فرق كثيرة في نفس الوقت، تتوزع على النحو التالي: متخصص تقني يملأ خزّان الطائرة. ميكانيكي يدور حولها برفقة أحد الطيّاريْن للتأكّد من عدم وجود شيء مريب كالتثبّت من أنّ المعابر إلى الأبواب الآليّة مختومة بإحكام. وأثناء هذا الوقت يكون قائد الطائرة الثاني الذي استمر في غرفة القيادة يقوم بالإعداد للرّحلة بالتّنسيق مع قائد الطّائرة الموجود أسفل الطائرة ومساعد المسار، ويتمّ تسليم طاقم الطائرة وقائدها قائمة بالشّحن وبالمسافرين “المميّزين”. وفي الوقت نفسه، يبدأ وضع الأمتعة على متن الطائرة. ومن الوارد ألاّ يغادر الطيّار مقعده بين رحلتين قصيرتين أو متوسّطتي المسافة.
لأنّ هاجس الجميع هو الانطلاق في الموعد، والإسراع في العمل ولكن دون التخلّي عن الصّرامة في تفقّد الطّائرة من الخارج والدّاخل، وقد لخّص جيرار فلدزر الأمر قائلا: “إنّ الفِرق تعمل بسرعة لكنّ ذلك يرتبط بدرايتهم وخبراتهم الكبيرة في العمل بالطّائرة. إلا أن العدوّ الحقيقي هو الضّغط والإجهاد اللذان يتراكمان وينالان من الجميع”.
العثور على حطام الطائرة المنكوبة وأعضاء بشريّة
تمّ العثور على حطام الطائرة المنكوبة التي سقطت في ظروف غامضة قبالة السواحل اليونانية وفقا لما أعلنته وزارة الدّفاع المصرية كما صرّح وزير الدفاع اليوناني بانوس كمنوس Panos Kammenos أنّه تمّ العثور على “عضو بشري وكرسيين وحقيبة أو إثنين” وقد تمّ تحديد مكان العثور على هذه الأشياء على بُعد 290 كلم شمال مدينة الإسكندرية المصرية (وفق التصريحات الرسمية المعلنة حتى 20 مايو). وقدّرت السلطات اليونانية أن يكون السقوط قد حدث باتّجاه الجنوب قليلا على بعد 130 ميلا عن جزيرة كرباثوس Karpathos . وحسب شركة الخطوط المصريّة للطيران، فإنّ منطقة البحث قد غطّت دائرة 65 كلم.
وقد كشفت الأقمار الصناعية للمحطة الفضائيّة الأوروبية ESA عن إمكانية وجود غطاء بترولي “على امتداد كيلومترين تقريبا” يقع على بعد 40 كلم تقريباً جنوب شرق المكان الأخير الذي تمّ تحديد وجود الطائرة فيه.
لا وجود لأيّ تفسير:
وقد صرّح جان مارك أيْرو Jean Marc Ayrault وزير الشؤون الخارجية الفرنسيّة على القناة الفرنسية 2 (France 2) أنّ ” السّلطات تسعي للعثور على الصّندوقين الأسودين للطائرة لكشف أسباب هذا الحادث”.
ومن جانبه أعلن شريف إسماعيل رئيس الوزراء المصري أنّه من المبكّر جدّا تقديم أيّ تفسير بما في ذلك ما يتعلّق باعتداء شبيه باعتداء أكتوبر الماضي الذي استهدف طائرة روسيّة (في إشارة إلى الطائرة الروسية التي سقطت فوق شبه جزيرة سيناء المصرية). وتوقّع وزير الطّيران المدني المصري شريف فتحي أنّ احتمال عمل إرهابي وارد أكثر من احتمال عطب تقني. لكن لم يتمّ إثبات هذا الإدعاء إلى الآن.
ولا تزال التحقيقات مستمرة، وقد تمّ تكليف سفينة دوريّة تحركت يوم الجمعة (20 مايو) من مدينة طولون Toulon الفرنسيّة لهذا الغرض على متنها ضابط من الشرطة العدليّة وجهاز سونار Sonar قادر على تحديد أصوات مسجّلات الرحلة تحت الماء.
وصرّح الناطق الرسمي باسم القوّات البحرية الفرنسية إلى أنّه سيتمّ الانتهاء من هذه العمليات خلال يومين أو ثلاثة أيام من البحث في المكان الذي تمّ فيه كشف الحطام.
ومنذ يوم الخميس (19 مايو) سارعت باريس بإرسال ثلاثة مفتّشين من مكتب الأبحاث وتحليل الطيران المدني BEA وخبير من شركة الإيرباص لمساعدة المحقّقين المصريين واليونانيين والآخرين القادمين من دول أخرى ممن سيشاركون في عمليات البحث والتحقيق.
——————————-
الهامش
(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.