fbpx
تقديرات

أزمة ريجيني ومستقبل النظام المصري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة:

لم تعد قضية مقتل الطالب الايطالي جوليو ريجيني في مصر، أمراً يخص البلدين فقط بل تعدى ذلك إلى المجتمع الدولي بشكل كبير وسلط الضوء على حالات القمع والاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون الذي يمارسه نظام السيسي ضد المعارضين له منذ الانقلاب العسكري وحتى الآن. فالقضية سرعان ما تحولت إلى قضية هزت الرأي العام الأوروبي وأصبحت تمثل واقعة مهمة في علاقة الاتحاد الأوروبي بنظام السيسي، وليست إيطاليا فقط خاصة وأن البرلمان الأوروبي دخل على خطة الأزمة بين القاهرة وروما بالتطرق للانتهاكات التي تقع في مصر في مجال حقوق الانسان([1]).

وقد كشفت أزمة ريجيني عن حالة الصراع بين الأجهزة الأمنية في نظام السيسي وخاصة بين المخابرات العامة والحربية، الأمر الذي بات معروفاً للجميع حتى أصبح حجة لنظام السيسي يتذرع بها أمام الغرب بأن هناك من يرد إحراجه من داخل نظامه أمام العالم بتصرفات لا يرضى عنها السيسي([2]).

أولاً: أسباب التصعيد الأوروبي في هذا التوقيت:

بات ملاحظاً للجميع أن هناك تغيراَ كبيراَ في الموقف الأوروبي حيال نظام السيسي، لا سيما بعد حملة الانتقادات الكبيرة التي تعرض لها النظام المصري منذ مطلع العام، فعلى الرغم من غض الطرف الأوروبي للانتهاكات التي تقع يومياً في حقوق المصريين، إلا أن الأمر تغير بشكل كبير بعد تعرض أحد مواطنيه لمثل ما يعاني منه المصريين والمتمثل في الاعتقال والاختفاء القسري وأخيراً القتل.

فثمة تحول كبير تبع عملية مقتل ريجيني في الرأى العام الأوروبي وتفاعله مع القضية، فكل ما كان يسمعه عن ما يحدث في مصر من قتل واعتقال واختفاء قسري لم يعد مجرد مكايدة سياسية وتضخيم من جانب المعارضين لنظام السيسي بل هو واقع يعيشه المصريين كل يوم الأمر الذي أكدته حادثه ريجيني. أيضا ممارسة الأجهزة الأمنية المصرية للتضليل بشكل مستمر حول نفيها وجود معتقلين سياسين في مصر، واتهام كل من يقبض عليه بتهم معدة سلفاً بات أمراً مكشوفاً لدى الاوروبيين خاصة بعد تعدد الروايات من الجانب المصري حول ريجيني بأنه قتل بغرض السرقة ثم بعد ذلك الحديث عن أنه يتجسس على الدولة المصرية وأخيراً إتهامه بالشذوذ الجنسي، كل هذا ساهم في تأجيج الرأي العام الأوروبي ومن ثم الضغط على حكوماتهم من أجل اتخاذ موقف صارم تجاه مصر.

وقد أحدث خطاب والدة ريجيني أمام البرلمان الإيطالي، تعاطفاً كبيراً من قبل المنظمات والجهات الحقوقية الإيطالية والأوروبية، حول ما تعرض له نجلها في مصر، وحمس عدد كبير من تلك المنظمات بتدشين حملات إلكترونية وتنظيم فعاليات حقوقية لمعرفة الحقيقة حول عملية قتل الشاب الإيطالي ومن قام بها، ولماذا تخفي القاهرة ما حدث في القضية؟، ولماذا ترفض التعاون مع المحققين الإيطاليين فيها؟، كل هذا الحراك المجتمعي في إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي أجبر حكومة إيطاليا على التصعيد ضد مصر وسحب سفيرها من القاهرة، والانخراط في سيناريو الضغط على مصر لحماية سمعة دول الاتحاد الأوروبي فيما يخص حقوق الانسان.

وفي نفس السياق ونظراً لأن نظام السيسي يمر الآن باضعف حالاته منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، وبات على استعداد للتنازل عن أي شئ في سبيل الاستمرار في السلطة، فقد باتت قضية ريجيني ورقة ضغط كبيرة على النظام المصري، من قبل إيطاليا والاتحاد الأوروبي من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة لصالح روما، فشركة إيني التي أعلنت في أغسطس 2015، عن اكتشافها أكبر حقل للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، قامت في منتصف مارس 2016 ببيع جزء من حصتها في حقل “ظهر” لصالح شركات أخرى بسبب تراجع أسعار النفط والغاز عالمياً، ومن ثم لا يمكن لها أن تستمر بالقيمة التي تم التوقيع عليها عند اكتشاف حقل الغاز، كما أنها لا يمكن أن تعيد عملية توزيع الحصص مع الجانب المصري بعد التراجع الكبير في أسعار الطاقة عالمياً مما يسبب لها خسائر كبير، ومن ثم ربما يستفاد من هذا التصعيد من قبل الأوروبيين لتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة لهم في ظل عدم اعتراض نظام السيسي على أي تسوية اقتصادية تغلق ملف ريجيني.

ثانياً: مؤشرات التصعيد:

1ـ الحملات الإعلامية الأوروبية ضد نظام السيسي:

بعد وصول جثمان ريجيني إلى إيطاليا وتوقيع الكشف الطبي عليه وما بدا عليه من آثار تعذيب، شنت وسائل الاعلام الإيطالية الرسمية والخاصة حملة كبيرة ضد نظام السيسي واتهام الاجهزة الأمنية المصرية بقتل ريجيني، وإشراف السيسي نفسه على عملية التخلص من الطالب الايطالي، هذه الحملة الاعلامية بدات وكانها ممنهجة، للضغط بشكل كبير على السيسي من أجل الاقرار بالحقيقة حول مقتل ريجني، ومن فعل ذلك رغم ما تم تسريبه من قبل بعض الصحف الإيطالية حول تفاصيل عملية القتل وكيف تمت وأين، واتهام أشخاص بأسمائهم وتورطهم في هذه القضية، مشيرة إلى أن هذه المعلومات جاءتها عبر بريدها الالكتروني من شخص ادعى أنه من الشرطة السرية المصرية، كل هذا يأتي في إطار احراج نظام السيسي وكشفه أمام الرأي العام العالمي بأنه متورط في العملية.

وثمة أمر آخر يدعم قيام الحكومة الايطالية بغض الطرف عن الحملة الاعلامية ضد السيسي وهو رفض المحققين المصريين التعاون مع نظرائهم الايطاليين في عملية القتل وتزييف الحقيقة التي في أغلب الظن الحكومة الايطالية على علم بها، مما سبب احراجاً كبيراً لحكومة ماتيو رينزي أمام الرأي العام الداخلي والأوروبي فكان لابد من البحث عن طريقة لمعاقبة السيسي.

2ـ سحب السفير الايطالي:

جاءت خطوة سحب السفير الايطالي من القاهرة([3]) بعدما فشل المحققون الايطاليون في كشف الحقيقة بسبب ضعف الأدلة التي قدمها الجانب المصري حول مقتل ريجيني وكذلك رغبة النيابة العامة المصرية في الاستمرار في الرواية “المكذوبة” حول قيام عصابة بقتل ريجيني، وهو ما عبر عنه رئيس لجنة حقوق الانسان في البرلمان الإيطالي “لويجي مانكوني” الذي قال “أضيفت لوفاة جوليو ريجيني مأساة أخرى، فبعد شهرين ونصف من الأكاذيب المصرية، لا يمكننا استخدام عبارات لطيفة تجاه إهانة ذكائنا من الجانب المصري“.[4]، المسؤول الايطالي عبر عن دهشته من الطريقة المصرية في التعامل معهم في القضية والتي كشفت بشكل واضح أن الحكومة المصرية تريد تمييع القضية، خاصة بعد اعلان الجانب الايطالي أن مصر أرسلت لروما قرابة 2000 ورقة حول القضية اغلبها باللهجة العامية المصرية، والتي تحتاج الي ترجمة إلى اللغة العربية ومنها إلى الايطالية مما يحتمل عدم دقة هذه الترجمة، هذه الطريقة اعتبرها الايطاليون حيلة مصرية لاخفاء المعلومات الحقيقة حول القضية، فمن هنا أرادت روما التصعيد مع السيسي بسحب السفير.

3ـ اختراق الأجهزة الأمنية المصرية:

ثمة مؤشر آخر غاية في الخطورة وهو، كيف وصلت لوسائل الاعلام الايطالية هذه المعلومات الحساسة حول الاجتماعات التي تمت بين الاجهزة الأمنية لاخفاء جثة ريجيني وكيف تمت علمية قتله وتعذيبه، وسائل الاعلام الايطالية ذكرت أن المعلومات التي وردت إليها جاءت عبر شخص مجهول قالت إنه من الشرطة السرية المصرية، وقد أرسل هذه المعلومات عبر البريد الالكتروني لصحيفة “لاريبوبليكا” الأكثر شهرة في إيطاليا، فتسريب المعلومات التي من المفترض تكون غاية في السرية والتأمين، ينم على ترهل الاجهزة الأمنية المصرية واختراقها بشكل كبير، من قبل منظمات أو أجهزة أجنبية او شركات اتصالات، أما الاحتمال الآخر فهو وجود صراع أجنحة داخل نظام حكم السيسي والتي تسعى إلى تصدير أزمة له مع إيطاليا الحليف الأكبر لنظامه وبوابته في أوروبا، والذي يعزز هذا الطرح حول هذا الصراع، التصريحات التي أدلى بها مسؤولون مصريون للإيطاليين بأن هناك فريق أخر في أجهزة الأمن المصرية يسعى لافشال السيسي في إشارة إلى المخابرات العامة[5].

ثالثاً: دلالات التصعيد:

1ـ الرغبة في محاصرة نظام السيسي دولياً:

بعيداً عن الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني الأوروبية التي صبت جام غضبها على نظام السيسي واتهمته بالقمع والقتل، الا أن الجانب الرسمي الايطالي أيضاً عبر عن غضبه الشديد من النظام المصري وطريقة التعامل بشكل واضح وشفاف في قضية ريجيني، كذلك شعور المسؤولين الإيطاليين باللامبالاة حول الضغوط التي تمارس ضد الحكومة الايطالية ووضع رئيس الوزراء الايطالي موضع الشك والتواطؤ مع مصر من أجل المصالح الاقتصادية فقد دفع إيطاليا إلى الاقدام على فكرة التصعيد حيال مصر رداً على طريقة تعاملها معها.

2ـ الوضع في ليبيا:

ثمة أمر آخر متعلق بعدم التعاون بشكل قوى بين روما والقاهرة حول الوضع في ليبيا، فحكومة إيطاليا كانت ترغب في التدخل العسكري المباشر في ليبيا، وحث مصر للعب دور أكبر في دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر في المنطقة الشرقية في لبييا لحسم تفوقه على حساب الكتائب الاسلامية المسيطرة على بنغازي، عبر التدخل العسكري المباشر في ليبيا الأمر الذي لم يستطع السيسي القيام به ولم يلبِ طموح روما في ليبيا، مما اعتبرته إيطاليا تخاذلاً عنها، ومن هذه الزاوية أيضاً ربما تسعى إيطاليا لمزيد من محاصرة النظام المصري دولياً ثم الضغط عليه من أجل تنفيذ مطالبها([6]).

3ـ شرخ كبير في العلاقات بين روما والقاهرة:

فقد كشف هذا التصعيد عن حجم التباين في وجهات النظر بين روما والقاهرة ومدى الشرخ الكبير الذي طرأ على العلاقة بينهما نتيجية رغبة كل طرف منها التشهير بالآخر ومحاولة الوصول إلى أقصى نتيجية يمكن أن يحققها من الطرف الأخر، فالمتابع للتصريحات التي تصدر من الطرف الايطالي توضح مدى رغبة الايطاليين في الانتقام من قتلة ريجيني وكشف المتورطين في القضية حتى ولو كان من بينهم رأس النظام نفسه.

رابعاً: سيناريوهات محتملة:

لقد فتحت أزمة ريجيني باب التصعيد بين القاهرة وروما على مصراعيه لاسيما وأن القضية أخذت بعداً دولياً بسبب ما ذكر عن تورط أجهزة سيادية في مصر في القضية، وهنا تبرز أربعة إحتمالات لتطور هذه الأزمة:

الاحتمال الأول: تصعيد دولي:

يقوم هذا الاحتمال على أن ثمة رفض مصري لاي خطوة للكشف عن القاتل الحقيقي لريجيني، ومن ثم يمكن أن تُقدم إيطاليا على مزيد من التصعيد الاقتصادي والسياسي والقانوني عبر تقديم مذكرة إلى الامم المتحدة تتهم فيها النظام المصري بقتل ريجيني بناءً على المعلومات التي تم تداولها في وسائل الاعلام الايطالية حول علم السيسي بقتل ريجيني وتقديم نصيحة للأجهزة الأمنية بالتخلص من جثته بدفنه في الصحراء، ومن ثم توجه التهمة لرأس النظام وبعض الأجهزة الأمنية، ويتم رفع قضية ضد السيسي في مجلس الأمن واتهامه رسمياً بالقتل، وفي حال تقديم طلبات من قبل منظمات حقوقية وانسانية حول جرائم السيسي ضد المصريين، سيتغير مجرى القضية ويتم اتهامه كمجرم حرب، ومن ثم يعد مطلوب للعدالة الدولية.

وإذا ما تم الاقدام على هذه الخطوة ستعد الضربة القاتلة للسيسي ونظامه ويتحول بعدها إلى مطلوب للمحاكم الدولية بدلا من كونه رئيس دولة، ومن ثم يتم التخلص منه بشكل مباشر حتى لا تتحول مصر إلى دولة محاصرة دولياً، ويسعى داعمو السيسي إلى تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، للحفاظ على النظام المصري خوفاً من انهياره.

إلا أن هذا الاحتمال بعيد التحقق بشكل كبير كون أن هناك قوى دولية وإقليمية لن ترضي إلى الوصول إلى هذه المرحلة لحاجتها إلى السيسي الذي يقدم نفسه بأنها يحارب الارهاب ومن ثم يتم البقاء عليه.

الاحتمال الثاني: تصعيد من  الجانب الأوروبي فقط([7]):

ويستند هذا الاحتمال إلى قيام الطرفان المصري والإيطالي بتصعيد القضية بشكل أكبر، خاصة بعد تعنت الجانب المصري في تقديم الأدلة التي طلبها الجانب الايطالي حول التسجيلات الهاتفية لريجيني والدائرة المحيطة به الأمر الذي اعتبرته القاهرة مخالفاً للدستور، هذا الإجراء من الجانب المصري سيدفع الجانب الايطالي إلي مزيد من التصعيد، مثل تعليق التبادل الثقافي بين البلدين، كأن تحذر روما الطلاب والباحثين مثل جوليو ريجيني، ممن يعتزمون قضاء فترة الدراسة في مصر من فعل ذلك.

أو تعلق روما، مؤقتاً، البرامج الثنائية في قطاع الثقافة والجامعات، وعلى الجانب الاقتصادي، فربما تقدم روما إعلان مصر بلداً “غير آمن”، وعليه عدم النصح بالسفر وقضاء الإجازات هناك مما يمثل ضربة قوية للاقتصاد المصري المنهك، أما على الصعيد السياسي يتم التخفيض الدبلوماسي لايطاليا في مصر وطرد السفير المصري من روما وكذلك الدفع في اتجاه الضغط على البرلمان الأوروبي بإدراج مصر في القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي مما يعد تهديد كبير لمستقبل نظام السيسي اذا ما اقدمت روما على هذه الخطوات[8].

وفي حال إذا ما أقدمت روما على تلك الاجراءات سينعكس ذلك بشكل سلبي على نظام السيسي خاصة وانه يعتبر روما بوابته إلى أوروبا، التي بدورها ستكون بداية للبحث عن بديل لنظام السيسي في مصر خاصة وان الاتحاد الأوروبي كان شريكاً في الانقلاب العسكري الذي تم على الرئيس محمد مرسي لما له من نفوذ كبير في مصر، فهذه الخطوة بلا شك ستكون الضربة القاضية التي يكون بعدها سقوط نظام السيسي مسألة وقت، ليس للدور الايطالي فقط في هذه الازمة بل سينسحب ذلك على الاوروبيين بشكل عام.

رغم وجاهة هذا الاحتمال إلى أن احتمالية تحققه قد تكون ضعيفة جداً لاسيما وأن نظام السيسي يعد النظام الأمثل للقوى الأوروبية والإقليمية لأن يجعل مصر دولة مهمشة ويخرجها من المعادلة الاقليمية، فمن أجل ذلك لن يتم الوصول إلى هذا الاحتمال خوفاً من انهيار الدولة المصرية، وهو ما عبر عن كتاب إيطاليون حول أن انهيار الدولة المصرية لن يكون في صالح أحد.

الاحتمال الثالث: تنازل إيطاليا عن قضية ريجيني ببعض المكاسب الاقتصادية:

يقوم هذا الاحتمال على أن الجانب الايطالي سيضطر إلى اللجوء الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية من الجانب المصري سواء عبر بعض الاستثمارات المباشرة بشروط ميسرة من قبل الحكومة المصرية، أو قيام طرف آخر داعم للسيسي مثل الامارات أو السعودية بتقديم منح للحكومة الايطالية من أجل غلق ملف القضية، دون إحرج السيسي ونظامه والتوصل إلى ترضية مالية لاسرة ريجيني يضمن بعدها عدم التحدث في القضية، ومن ثم يستطيع نظام السيسي الافلات من هذه الازمة دون خسائر.

ويعد هذا السيناريو المخرج الأمثل لنظام السيسي، والذي سيستطيع من خلاله تقديم نفسه لداعميه ومؤيديه بأنه شخص قوى لا يتاثر بالتهديدات الاوروبية والغربية، كما سيحاول تسليط الضوء حول كيفية خروجه من الأزمة منتصراً ويحقق ذلك للسيسي وحلفائه مزيدا من السيطرة على الأوضاع في مصر، وسيمنحه الاستمرار في القمع والاعتقال لاسيما وأنه قادر على تحمل الضغط الدولية والغربية في هذا الصدد.

ورغم احتمالية تحقق هذا السيناريو بنسبة ما فإنه يصطدم بأن الجانب الإيطالي يتعرض لضغوط كبيرة من قبل الرأي العام الاوروبي عامة والإيطالي بشكل خاص، نتيجة للتطورات التي وقعت بعد الحادثة والمعلومات التي تم تسريبها حول عملية القتل التي وقعت بحق الطالب الإيطالي، وهو ما يصعب من احتمالات تحقق هذا السيناريو بشكل كبير على الأقل في التوقيت الراهن.

الاحتمال الرابع: حل القضية وتقديم كبش فداء للقضية([9]):

يقوم هذا التصور على أن السلطات المصرية ستقوم في نهاية المطاف بكشف الحقيقة للجانب الايطالي والأمر الذي تريده روما فقط، طبقاً لما قاله رئيس الوزراء ماتيو رينزي الذي قال إننا نريد فقط الحقيقة([10])، ومن ثم تقديم المتورطين في القضية ككبش فداء دون الكشف عن تورط السيسي في القضية، مع الاطاحة ببعض القيادات الأمنية وعلى رأسها وزير الداخلية، لاظهار أن النظام لا يسمح بتجاوزات في حقوق الأجانب، ومن هنا تنتهي القضية ويتم التوصل لحل يرضى عائلة ريجيني لاسكاتها وبعد ذلك يتم الإعلان عن عودة العلاقات بين القاهرة وروما إلى ما كانت عليه.

ورغم أن هذا الاجراء إذا ما تم سيكون له ما بعده في مصر خاصة فيما يتعلق بوزراة الداخلية التي سيتم تقديم بعض قياداتها ككبش فداء وهذا سيدفعها للتمرد ولو بشكل بسيط على النظام ككونها هي من تقدم دائما التضحيات من أجل بقاء النظام العسكري دون تحقيق الشرطة مكاسب اقتصادية تذكر مقارنة بالجيش، إلا أن السيسي سينجح في الحفاظ على نظامه وعودة الهدوء مع الجانب الإيطالي وكذلك اوروبا، فهذا الاحتمال سيعد فرصة كبيرة يستطيع السيسي من خلالها انقاذ نظامه من السقوط([11]).

ورغم أن هذا السيناريو سيكون في صالح نظام السيسي مؤقتاً لكنه سيفتح الباب امام اتهامه بقتل الابرياء وسيزيد الضغوط الغربية عليه في مجالات حقوق الانسان ووقف عمليات الاعتقال والاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون.

وعلى الرغم من أنه لا توجد مؤشرات على أرض الواقع من شأنها تعضيد مثل هذا الاحتمال خاصة بعد ما قام به الوفد المصري في زيارته إلى إيطاليا،  إلا أنه يبقي احتمالاً قائمة، وله منطقيته في ظل ممارسات النظم السياسية الاستبدادية التسلطية التي تلجأ لمثل هذه الوسائل لتسوية كثير من أزماتها الداخلية أو الخارجية.

خاتمة:

لقد مثلت قضية ريجيني تطوراً مهماً في علاقة نظام السيسي بدول أوروبا وخاصة إيطاليا التي كانت تعد من أهم الداعمين للسيسي في اوروبا وبوابته إليها، أيضا فإن هذه الأزمة كشفت حدة حالة الصراعات الداخلية التي يعاني منها نظام السيسي، وخاصة بعد التسريبات التي حصلت عليها وسائل الاعلام الايطالية حول القضية وتفاصيلها.

ثمة أمر آخر أن هذه القضية سلطت الضوء على عمليات القمع التي التي تقع بحق معارضي النظام وكذلك الاختفاء القسري والقتل خارج إيطار القانون ومن ثم أصبح الطريق الآن أمام المنظمات الحقوقية الرافضة للانقلاب سهلاً في أوروبا من أجل عرض انتهكات نظام السيسي وقتله للمدنيين الابرياء ومحاولة توصيل اصوات المعارضين للسيسي إلى المؤسسات والمنظمات الدولية.

————————————–

الهامش


([1]) مصر تنتقد اقتحام الاتحاد الأوروبي قضية ريجيني بحقوق الإنسان، موقع “بي بي سي”،  11 مارس 2016، الرابط

([2]) هل ستضغط روما على القاهرة بورقة الغاز للكشف عن قتلة ريجيني، موقع هافينغتون بوست عربي، مقال مترجم نقلا عن صحيفة لا ستامبا الايطالي 2 أبريل 2016.

([3]) دبلوماسيون: استدعاء سفير إيطاليا وفضح مصر دوليًا.. خطوات تصعيد مقتل “ريجيني”، موقع مصر العربية، 8 أبريل 2016، الرابط

([4]) إيطاليا تستدعى سفيرها في مصر، موقع هافينغتون بوست عربي، 8 أبريل 2016، الرابط

([5]) هل ستغط روما على القاهرة بورقة الغاز للكشف عن قتلة ريجيني، موقع هافينغتون بوست عربي، مقال مترجم نقلا عن صحيفة لا ستامبا الايطالي 2 أبريل 2016.

([6]) إيطاليا وألمانيا مستعدتان للتدخل في ليبيا… ومصر تعرض خدماتها، صحيفة العربي الجديد، 20 يناير 2016، الرابط

([7]) تصعيد إيطالي بعد فشل مصر في كشف قتلة ريجيني، موقع الجزيرة نت، 8 أبريل 2016، الرابط

([8]) روما تفكر في خطوات تصعيدية أكبر ضد مصر، صحيفة  لامباستا الايطالبة، 10 أبريل 2016، الرابط

([9]) مصر ستقدم ضابطا صغيرا “كبش فداء” في قضية ريجيني، موقع عربي 21 ، 5 أبريل 2016، الرابط

([10]) رئيس الوزراء الإيطالي: سنحفظ كرامتنا بالحقيقة في قضية ريجيني، موقع دوت مصر ،9 أبريل 2016، الرابط

([11]) قضية ريجيني.. الثابت والمتغير الأوروبي في مصر، نبيل الغولي، الجزيرة نت، مقال بتاريخ 10 أبريل 2016، الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close