أسلمة الدولة الحديثة: السعودية نموذجا
(1) من المتعارف عليه أن لحظة تأسيس الدولة السعودية هو العقد الذي تم بين الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود عام 1744م،2 ففي هذا العام، لجأ ابن عبدالوهاب إلى الدرعية، وهي واحة مستوطنة كانت تحت حكم آل مقرن، والذين سيعرفون لاحقا بآل سعود.3 وفي لقائهما الأول، أعلن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن الناس في نجد يعيشون في جاهلية، وأنه يهدف إلى تطهير نجد من الممارسات غير الإسلامية، وقد طلب الشيخ من ابن سعود أن يعلن الجهاد من أجل هذه القضية وفي المقابل سيصبح هو إمام هذا المجتمع المسلم،4 وقد وافق محمد بن سعود على هذه المهمة لكن بشرطين، الأول: أنه طلب من الشيخ أن يستمر بدعمه بعد نجاح حملتهما، وثانيا: ان يقر الشيخ بحق الأمير في فرض ضريبة على ثمار الدرعية، وقد وافق محمد بن عبد الوهاب على الشرط الأول، لكنه بشأن الشرط الثاني أجابه بأن عسى الله أن يعوضه من الفئ ما يغنيه عن هذه الضريبة.5
هذا العقد يُظن أنه قد حدد طبيعة علاقات القوى في الدولة السعودية حتى الآن، ومنذ هذه اللحظة، تعاقبت ثلاث دول سعودية: الأولى استمرت منذ العام 1744م إلى العام 1818م، حين حطمها العثمانيون والمصريون، والثانية استمرت بين العامين 1824م و1891م، وقد سقطت هذه الدولة على يد آل رشيد، حكام أحد القبائل المحلية، وبعد انهيار الدولة السعودية الثانية، هرب عبد الرحمن آل سعود إلى الكويت وأقام بها لاجئا.6
المحور الأول: تأسيس الدولة الحديثة في السعودية:
بدأ عبد العزيز بن عبد الرحمن في تأسيس الدولة السعودية الثالثة عام 1902م، مستخدما جيشا من الأصوليين المسلمين يعرفون بالإخوان، بالإضافة إلى الدعم العسكري من أمير الكويت، وخلال ثلاثين عاما، نجح عبدالعزيز في فتح القرية تلو القرية، وفي توحيد القبائل في نجد وحائل وعسير تحت حكمه، وفي النهاية تم إعلان تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932م،7 لاحقا، ورث عبدالعزيز السلطة إلى ابنائه: سعود (1953-1964م)،وفيصل (1964-1975م)، وخالد (1975-1982م)، وفهد (1982-2005م)، وعبدالله (2005-2015)،8 وأخيرا سلمان.
وقد ظهرت الدولة الحديثة في المملكة السعودية فور حصولها على الاعتراف الدولي عام 1932م، واعتمادا على الدعم البريطاني بدأ الملك عبد العزيز آل سعود في بناء جهاز الدولة، وقد لعب المغامر البريطاني Harry St. John Philby هاري سانت جون بريدجر فيلبي دورا هاما في تأسيس البيروقراطية السعودية وكان مسؤولا عن التفاوض مع الشركات الأمريكية والبريطانية الراغبة في استغلال النفط السعودي.9
المرحلة الثانية من التحديث بدأت في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين على يد الملك فيصل، وقد أسهم عاملان أساسيان في تحفيز هذه المرحلة من التحديث: العوائد النفطية السخية وتحدي الناصرية، وكانت نتيجتها هو توسع الجهاز البيروقراطي، وتبني برامج الرفاه، وبناء جيش وأجهزة أمنية حديثة، ومأسسة السلطات الدينية والقضائية، وتطوير نظم تعليمية حداثية، وتأسيس الغرف والمحاكم التجارية، بالإضافة إلى إصدار العديد من التنظيمات واللوائح مثل لوائح العمل والخدمة المدنية.10
على الرغم من ذلك، فإن هذا التحديث البيروقراطي لم يرافقه تحديث سياسي، فالمؤسسات السياسية السعودية ظلت قاصرة إلى حد كبير أو غائبة بالكلية،11 وخلال تسعينيات القرن الماضي وأوائل الألفية، أدت زيادة الضغوط الداخلية والدولية من أجل الإصلاح السياسي (خصوصا في أعقاب حرب الخليج واحداث الحادي عشر من سبتمبر) إلى دفع النظام السعودي لتحديث مؤسساته السياسية. ففي عام 1992م، قام الملك فهد بإصدار النظام الأساسي للحكم، والذي يعد أول “دستور” سعودي، وكذلك أسس مجلسا للشورى،12 أما المجالس المحلية فقد أنشئت عام 2005م.13
من هذا الاستعراض السريع لتأسيس الدولة الحديثة في المملكة السعودية يمكن الخروج بملاحظتين أساسيتين:
أولاً: أن الدولة السعودية ترتبط نشأتها بالتحالف بين الديني والسياسي،14 فمنذ عقد 1744م، احتكر آل سعود السلطة السياسية، بينما أصبح آل شيخ (نسل الشيخ محمد بن عبد الوهاب) يتحكمون في السلطة الدينية،15 وقد نشأت علاقة من الاعتماد المتبادل بين الطرفين، فالعلماء لعبوا دورا أساسيا في تشكيل نمط الدولة التي برزت، وبالمقابل استفاد منهم الملوك في تحقيق أهدافهم السياسية.16
فقد اعتاد العلماء الوهابيون إضفاء المشروعية الدينية على قرارات وسياسات النظام السعودي بإصدار الفتاوى الدينية خصوصا في الموضوعات محل الجدل، مثل سحق تمرد الإخوان (الجيش العقائدي الذي أسهم في بناء الدولة السعودية) عام 1927م، واستقدام الجنود الأمريكيين أثناء حرب الخليج، والمشاركة في مفاوضات السلام العربية – الإسرائيلية.17
وبالمقابل، فقد سمح النظام السعودي للعلماء الوهابيين أن يضبطوا المجال الاجتماعي من خلال السيطرة على المؤسسات الدينية الرسمية مثل هيئة كبار العلماء، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمؤسسات التعليمية الدينية، والنظام القضائي، ووزارة الشؤون الإسلامية.18
تقاسم العمل هذا بين الملوك السعوديين والعلماء الوهابيين يعتبره البعض نوعا من العلمنة، فالعلماء الوهابيون يحتكرون المجال الديني والاجتماعي حصريا، بينما تسيطر الأسرة الحاكمة والتكنوقراط ذوي التعليم المدني الحديث مجالات السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية وشؤون الدفاع،19 ولذلك فإن العلاقة بين الدين والسياسة في المملكة السعودية لا تعكس دولة ثيوقراطية شمولية كما توصف عادة من قبل الباحثين أو كما يكرر الإعلام الغربي دوما، لكن النظام السعودي هو نظام مختلط، يخضع فيه الديني إلى السياسي، بحيث يصير لا هو دينيٌّ ولا هو علمانيٌّ، وهذه الفجوة بين المجال الاجتماعي الذي يهيمن عليه العلماء والمجال السياسي الذي تسيطر عليه الأسرة الحاكمة كانت سببا في تناقضات جدية على المستوى الفرد والمجتمع.20
ثانياً: أن تأسيس الدولة السعودية تم فرضه بشكل كامل من أعلى،21 فوفقا لأنماط تأسيس الدولة الحديثة المذكورة في الفصل الأول، كان تأسيس الدولة السعودية ناتج اتحاد وحدات سياسية مستقلة ومتناثرة، لكن هذا الاتحاد لم يكن نتيجة مفاوضات واتفاقيات بين مختلف الجماعات المعبرة عن أمة ما، بل تم على طريقة غزوات القرون الوسطى.
العربي صديقي Larbi Sadikiيرى أن الدولة السعودية قد فرضت على مجتمع بلا دولة، فقبائل نجد كانت تفتقر إلى أي مشاعر انتماء وطني أو عصبية جامعة، كما أنه لم يكن هناك أي موروث تاريخي للدولة في هذه المنطقة، لذلك فإن الدولة السعودية لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال استمرارا لدولة سابقة عليها، فهي لا تمتع بأي تقاليد مؤسسية أو ثقافة الحكم بطريقة قانونية أوباسم سلطة عامة تعبير عن أمة ما وإرادتها العامة، إنها دولة عشيرة، أقرب إلى دول الأسر الحاكمة منها إلى الدولة الحديثة، وهذا يفسر الطبيعة الرعوية patrimonial للدولة السعودية.22
فما ذكره ماكس فيبر من باب التعميم الخاطئ في تحليله لعلم اجتماع الإسلام يمكن تطبيقه في حالة الدولة السعودية، ففيبر وصف الإسلام باعتباره دين المحاربين،23 إذ كانت طبقة المحاربين هي رافعته الاجتماعية. وكنتيجة لذلك، فإن أراضي المسلمين قد خضعت لقرون لنظم رعوية بيروقراطية، بالإضافة إلى مؤسات رعوية سياسية واقتصادية، وهو النظام الذي أسماه السلطنة Sultanism.24 وبالمثل، فإنه يمكن اعتبار آل سعود الطبقة المحاربة للدعوة الوهابية، والتي تعامل القبائل الأخرى كأراض مفتوحة، وبالتالي، فقد أسسوا دولة سلطانية ذات نظام رعوي، وليس دولة حديثة ذات هيمنة قانونية وحقوق للمواطنة.
المحور الثاني: خصائص حالة الاستثناء السعودية:
كنتيجة للعاملين السابقين، فإن المملكة العربية السعودية تشكل حالة خاصة، إذ أن تقييمها وفق الخصائص الكلاسيكية للدولة الحديثة يكشف عن استثناءات أساسية، وبالتالي فهي تعتبر دولة هجينا تجمع بعض خصائص الدولة الحديثة مع خصائص أخرى لدولة الأسر الملكية ماقبل الحديثة، فخصائص مثل احتكار العنف الشرعي، والحدود المرسمة، والجهاز البيروقراطي المتطور تعطي المملكة السعودية مظهر الدولة الحديثة، وفي المقابل، تحتفظ السعودية بخصائص عدة من الملكيات التقليدية مثل: الهيكلية الدستورية، ونمط المشروعية السياسية، وشكل وتوزيع السلطة، ونمط المواطنة.
أولاً: الهيكلية الدستورية:
أشار كريستوفر بيرسون أن الدستورية هي أحد المكونات بالغة الأهمية في فكرة الدولة الحديثة، والدستورية كما يصفها تعني أن يقام التنظيم السياسي وفق حكم القانون لا حكم الأشخاص، وقد عرّفها ماكس فيبر بأنها نظام متماسك من القوانين المجردة، التي تطبق بشكل غير متحيز من قبل موظفي الخدمة العامة الغير حزبيين والمقيدين بالقانون. وبالمقابل، في الدول ما قبل الحديثة، كانت السلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية رعوية وغير متمايزة، وكانت ممارسة هذه السلطات تنظم بطريقة استبدادية، تعسفية، ثيوقراطية، مشخصنة في إطار حكم الأسر.25
وقد حافظت الدولة السعودية على التنظيم الدستوري الإسلامي التراثي، والذي كانت فيه الشريعة الإسلامية – كما يفسرها علماء الدين – تعتبر دستورا غير مكتوب، وهذا قد يوضح لماذا لم يكن هناك دستور للدولة السعودية منذ نشأتها وحتى العام 1992م، وهو العام الذي أُصدر فيه النظام الأساسي للحكم، فالعلماء الوهابيون كانوا يعارضون باستمرار فكرة وجود دستور مكتوب لأنهم يعتقدون أن هذا يخصم من أهمية العلماء.26
إضافة إلى ذلك، فإن أندرو هاموند Andrew Hammond لا يعتقد أن النظام الأساسي للحكم يعتبر دستورا بالمعنى الحقيقي، فهذه الوثيقة سميت “النظام الأساسي” وليس “الدستور” لأن الأخير يرتبط بالدولة القومية الحديثة والتي يعتقد العلماء أن دساتيرها تنتقص من سيادة القرآن،27 وقد ورد لفظ الدستور في هذه الوثيقة في مادتها الأولى والتي تنص على: “المملكة العربية السعودية،دولةإسلامية،ذات سيادة تامة،دينها الإسلام،ودستورها كتاب الله تعالىوسنة رسوله صلىالله عليه وسلم…”28
وفقا لهاموند، فإن دستور المملكة السعودية (القرآن والسنة) يفسر بشكل أساسي وفق التقليد الحنبلي، ولهذا فإن الدستور السعودي يتجسد في سلسلة من نصوص وآراء العلماء الحنابلة التي صيغت عبر أكثر من ألف ومائة عام، وقد حدد بالأساس ثلاثة أعمال مرجعية للعلماء الوهابيين: كتاب التوحيد والأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومجموع الفتاوى لابن تيمية.29
وبايجاز، فإن التنظيم الدستوري للدولة السعودية حاول الحفاظ على المعادلة القديمة للدولة الإسلامية، بأن تكون الشريعة الإسلامية – مثل الدستور الإنجليزي – غير مكتوبة ودائمة التطور،30 وتشكل نظاما قانونيا صاغه القضاة،31 وأن يكون علماء الدين – كما كان يحدث في التاريخ الإسلامي – هم المسؤولون حصريا عن تعريف الشريعة وتفسيرها، وأن يكون الحكام لديهم المسؤولية المطلقة لتطبيقها.32 ولكن تكمن المشكلة في أن قدرة العلماء في الدولة السعودية على ضمان حكم القانون (الشريعة) تبدو أقل من نظرائهم في التاريخ الإسلامي،33 فبالرغم من أن الشريعة نظريا هي الحاكمة، فإن للملوك قدرة على التحكم في طبقة العلماء ماديا وإداريا بإعطائهم صلاحية تعيينهم في المناصب الدينية الرئيسية.34
ثانياً: نمط المشروعية السياسية:
كل الدول في حاجة إلى شرعنة نظم الحكم فيها، وطبقا لماكس فيبر، يمكن لعملية الشرعنة أن تعتمد على التقاليد، بمعنى الإدعاء بأن نظام الحكم هذا يعكس “ما هو طبيعي” عن طريق الاحتجاج بما هو سائد أو بأنه يعبر عن الإرادة الإلهية، أو الاعتماد على الصفات الكاريزمية لقائد ما، أو على الاثنين معا: التقاليد والكاريزما. لكن – كما ذكرنا – تعتمد الدول الحديثة على نمط خاص من الشرعية السياسية، وهي الشرعية القانونية، والتي يصفها فيبر بأنها تعتمد على الإيمان بشرعية القواعد التي تم سنّها وتقيدها بالقانون.35 وعلى الرغم من اتهام تصنيف فيبر للشرعية السياسية بأنه غير ملائم حاليا، وأنه قد عفا عليه الزمن، لأن نمط الشرعية التقليدية أوالكاريزمية أصبح غير موجود تقريبا، فإن الدولة السعودية تعتبر من الحالات المتفردة والتي تعتمد على هذه الأنماط ما قبل الحديثة من الشرعية السياسية.36
ففي المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم أن “نظام الحكم في المملكة العربية السعودية ملكي، ويكون الحكم في أبناءالملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم”، إضافة إلى ذلك، تنص المادة السابعة على: “يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة”.37
وتظهر هاتان المادتان بوضوح الطبيعة التقليدية للشرعية السياسية في الدولة السعودية، فهي ملكية وراثية تدعم دعواها في الحكم في إطار ديني، علاوة على ذلك، فإن الأسرة الحاكمة تعتمد أيضا على الدور التاريخي للملك عبد العزيز آل سعود في تأسيس المملكة للحصول على نوع من الشرعية الفيبرية الكاريزمية،38 فالخطاب الرسمي السائد في كتب التاريخ، وفي المتحف الوطني، والإعلام الحكومي يمجد في تاريخ تأسيس الدولة العظيم تحت القيادة الحكيمة للملك عبدالعزيز آل سعود، الذي نجح في توحيد القبائل والمناطق المتناحرة، وقام بالزواج من القبائل التي هزمها ليعزز مشاعر الانتماء الوطني، ولهذا فقد فتحت المدينة تلو المدينة أبوابها لقواته، لذلك يخلص جوين أوكروهيلك Gwenn Okruhilk أن آل سعود يستمدون شرعيتهم السياسية استنادا على تحالفهم مع العلماء الوهابيين ومن دورهم في تأسيس الدولة في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.39
ويذكر ستيج ستانسلي Stig Stenslieوكجتيل سيلفكKjetil Selvik – بالإضافة إلى ما سبق – أن هناك أربعة أسس أو أعمدة لشرعية الدولة السعودية: الحكم الوراثي للأسرة السعودية، والتسويغ الديني للعلماء الوهابيين، والنفط، والدعم الدولي.40:
الأساس الأول: الحكم الوراثي:
فالمملكة العربية السعودية توصف عادة بأنها “شأنٌ عائليٌّ Family Business”، فكما ذكرنا، اعتاد الملك عبد العزيز آل سعود أن يتزوج من القبائل التي هزمها لتدعيم سلطته، وقد أعطته هذه الزيجات 36 ولدا بالإضافة إلى 27 ابنة، واليوم نما البيت الملكي لآل سعود ليشتمل على نحو 4500 عضوا،41 وقد مكنت هذه العضوية الهائلة العائلة من الهيمنة على المناصب العسكرية والمدنية العليا للدولة، في مجلس الوزراء، وأمراء المحافظات، وقادة قوات الدفاع والأجهزة الأمنية، ومؤسسات الشؤون الخارجية.42
ومن جهة أخرى فقد أنشئت عدة مؤسسات لتنظيم المشاركة العائلية في أمور الحكم وفي وراثة العرش،منها على سبيل المثال: اللجنة العليا لكبار الأمراء والتي أسسها الملك فيصل لدعمه في اتخاذ القرارات المحورية،43 ومجلس العائلة الذي يعتبر هيئة داخلية لاتخاذ القرارات ويتكون من الأمراء الكبار الثمانية وأعلن عام 2000م، وهيئة البيعة والتي تأسست في عهد الملك عبدالله عام 2006م ليجعل عملية اختيار الملوك وولاة العهد عملية رسمية، والمجلس المؤقت للحكم والذي تأسس ليتولى السلطة في الحالات الطارئة مثل الأزمات الصحية والاغتيالات.44
الأساس الثاني: الإسلام الوهابي:
والذي لعب دورا هاما في تأسيس الدولة السعودية وفي شرعنتها، ففي أثناء سعي الملك عبد العزيز آل سعود لتأسيس دولة وطنية في مجتمع يفتقر إلى مشاعر قومية جامعة، استخدم الملك الإسلام الوهابي لخلق هذه الهوية،45 ففي هذه البيئة القبلية المنقسمة والخالية من إي إحساس قومي، وفّر الإسلام بنسخته الوهابية القوة الموحِّدة الوحيدة.46
ولذلك فإن النظام الأساسي للدولة السعودية يؤكد على التزام الدولة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وحماية العقيدة الإسلامية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بواجب نشر الإسلام، والدفاع عن قضاياه، كما تؤكد على القيام بدورها الديني تجاه الأماكن المقدسة كما ورد في المادتين الثالثة والعشرين والرابعة والعشرين.47 ولإبراز مشروعيتهم الدينية، اعتاد ملوك الدولة السعودية أن يتسموا بلقب إمام المسلمين، وذلك حتى العام 1986م، حين استبدله الملك فهد بن عبد العزيز بلقب خادم الحرمين الشريفين.48
الأساس الثالث: عوائد النفط:
في العام 1938م اكتشفت شركة البترول الأمريكية النفط بالمملكة العربية السعودية، وفي العام 2004م قُدّر أن المملكة العربية السعودية تنتج 13.1% من الانتاج العلمي للنفط، وتمتلك على 22.1% من مخزونه،49 وقد نمت عائدات النفط من 655 مليون دولار في العام 1959م، إلى 4.34 مليار دولار في العام 1973م، ومع أزمة النفط العالمية في العام التالي قفزت العائدات إلى 22.5 مليار دولار، ووصلت ذروتها إلى 108 مليار دولار عام 1981م.50
ولهذا، فإن كان الملك عبد العزيز خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين في مقدوره توزيع الهدايا والإعانات المادية على رجال القبائل وجيشه العقائدي (الإخوان) لتدعيم شرعيته، فإن عوائد النفط الضخمة منذ الستينيات قد مكنت الملوك التالين من تحويل هذه الرعاية patronage من النطاق الخاص الضيق إلى برامج خدمات رفاه اجتماعي عام، فقد بدأت الدولة في توفير خدمات التعليم المجاني والرعاية الصحية وضمان الوظائف الحكومية لخريجي الجامعات، ودعم السلع الأساسية من أغذية وكهرباء وطاقة، ودفع بدلات إسكان، وتقديم دعم مادي لمشاريع الإفراد، وإعانات ضمان اجتماعي للعجزة والأيتام والنساء اللواتي لا عائل لهن.51
ويصف مأمون فندي أربعة دوائر متداخلة توضح كيف يقوم النظام السعودي بتوزيع خدماته الاجتماعية ورعايته لاكتساب المشروعية السياسية، ففي الدائرة الأولى يوجد آل سعود أنفسهم، حيث يمنح أمراء الأسرة الحاكمة عطاء سنويا وفقا لمنصبه في الدولة وموقعه في العائلة، وفي الدائرة الثانية توجد العائلات الأرستوقراطية والتي ترتبط مع الأسرة الحاكمة بصلات دم وعلاقات زواج مثل آل شيخ وآل السديري، وفي الدائرة الثالثة توجد العائلات الكبرى ذات الأنشطة التجارية الواسعة وإن كانت تربطها علاقات قرابة غير وثيقة بآل سعود (مثل: الراجحي، بن لادن، بن محفوظ)، وفي الدائرة الرابعة والأكثر اتساعا يوجد مجمل المواطنين السعوديين والذين يتمتعون بخدمات رفاه اجتماعي بالغة الكرم دون الحاجة إلى دفع أي ضرائب.52
الأساس الرابع: التحالف مع القوى العالمية الدولية:
في البداية كانت بريطانيا العظمى هي من دعمت تأسيس قيام الدولة السعودية الثالثة وساعدت في الحصول على الاعتراف الدولي بها، كما لعبت دورا غير مباشر – عبر المستشارين البريطانيين – في تطور مؤسسات وأجهزة الدولة الحديثة بالمملكة،53 وبعد الحرب العالمية الثانية، وضع اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت والملك السعودي عبد العزيز آل سعود الأساس لعلاقة خاصة بين الدولتين.54
واتسمت هذه العلاقة بتبادل المصلحة المشترك، فالنظام السعودي ضمن توافر إمدادات النفط للولايات المتحدة وفي المقابل دعمت الأخيرة النظام السعودي ضد المخاطر الأقليمية وأمدته بالأسلحة، ونتيجة هذه العلاقة نجح النظام السعودي في التغلب على مخاطر الانقلابات العسكرية في الستينيات، وتهديد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الثمانينيات، وعراق صدام حسين في التسعينيات من القرن العشرين، ومن جانبها نجحت الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط في تأمين إمدادات النفط بل والتأييد السعودي للسياسات الخارجية الأمريكية في المنطقة، مثل الصراع مع الشيوعية والحرب ضد الإرهاب.55
وإيجازا، فبالمخالفة لزعم ماكس فيبر، يغيب مفهوم الشرعية القانونية تماما عن الدولة السعودية الحديثة، وعوضا عن ذلك، مكّن آل سعود لحكمهم بالدمج الماهر بين أدوات الهبات والرعاية من جهة، والقهر والغلبة من جهة أخرى، مع بعض الجرعات الأيديولوجية للشرعنة.56 لذلك فإنهم اعتمدوا على أنماط ما قبل حديثة للمشروعية السياسية: التقليدية (الدينية والحكم الوراثي)، والكارزمية، علاوة على ذلك، فإن آل سعود حاولوا الاستعاضة عن الشرعية القانونية بما قد يسمى بشرعية الإنجاز،57 عبر الريعيةRentierism وخدمات الرفاه الاجتماعي، والتحالف مع القوى الدولية.
ثالثا: شكل وتوزيع السلطة:
دائما ما توصف السلطة السياسية في الدولة الحديثة بأنها تمتاز بالمؤسسية، وبتعدد المراكز (سلطة مقسمة)، وبأنها غير مشخصنة، بمعنى أن المؤسسات السياسية متمايزة عن شخص الحكام والمحكومين على السواء.58 وكما ذكر ديفيد هيلد، فإن الدولة الحديثة يجب أن يتم تصورها كمجموعة من الهيئات والجماعات المعنية بمأسسة السلطة السياسية،59 ونتيجة لذلك، فإن ماكس فيبر ينص على أن الدولة الحديثة يجب أن تدار من قبل بيروقراطيين، لأنها أكثر الوسائل المنطقية للمارسة السلطة بين البشر، 60 فالبيروقراطية وفقا لفيبر تكون محكومة بقواعد ثابتة، ويعمل بها موظفون مدنيون محترفون، وتدار من قبل رؤساء وظيفيين لديهم توجه عقلاني منطقي.61
في المقابل، فإن الدول ما قبل الحديثة كانت تمتاز بنمط سلطة هرمي (من أعلى إلى أسفل)، تراتبي، مركزي، موحد (ذي مركز أحادي للسلطة)، كما أن مؤسسات السلطة تمتاز بالبساطة، والاستاتيكية، بمعنى أن معدل نموها وزيادة تعقدها أبطء كثيرا من نظيراتها بالدولة الحديثة.62 أما عن جهازها الإداري، فقد ذكر فيبر أنه في نمط الهيمنة التقليدية، يكون العاملون بالإدارة أتباعا بالأساس، بمعنى أنه تربطهم بالحاكم ولاءات شخصية، لذلك فهم يتقيدون بطاعته وبما تمليه عليهم الأعراف والتقاليد.63
وتظهر خصائص بناء السلطة ونمط توزيعها وجهازها البيروقراطي بجلاء الطبيعة الهجين للدولة السعودية، فالسلطة تمتاز بمركزية شديدة، ومتجسدة بدرجة كبيرة في شخص الملك، وبالرغم من أن النظام الأساسي للحكم يشير إلى انقسام السلطة إلى أفرع ثلاثة: قضائية وتنفيذية وتنظيمية، إلا أنه ينص مع ذلك إلى أن الملك هو الحكم النهائي في كافة هذه السلطات.64
المادة 44: “تتكون السلطات في الدولة من: السلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، والسلطةالتنظيمية، وتتعاون هذه السلطات في أداء وظائفها،وفقًا لهذاالنظام وغيره من الأنظمة، والملك هو مرجع هذه السلطات.”65 وبالتالي فإن السلطات الممنوحة للملك السعودي واسعة للغاية،66 وتشمل الصلاحيات الآتية:
– يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقًالأحكام الإسلام،ويشرف على تطبيق الشريعةالإسلامية،والأنظمة،والسياسةالعامة للدولة،وحمايةالبلاد والدفاع عنها.
– الملك هورئيس مجلس الوزراء، ويعين نواب رئيس مجلس لوزراء والوزراء الأعضاء بمجلس الوزراء، ويعفيهم بأمر ملكي، وللملك حل مجلس الوزراء وإعادة تكوينه.67
– للملك أن يختار وأن يعفي ولي العهد بقرار ملكي. 68، ويتم تعيين القضاة وعزلهم بأمر ملكي،69 ويعتبر الملك أعلى محكمة استئناف في المملكة.70، والملك هو القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية،وهو الذي يعين الضباط، وينهي خدماتهم، وفقًا للنظام، ويعلن الملك حالة الطوارئ ،والتعبئة العامة،والحرب، وللملك حل مجلس الشورى وإعادة تكوينه، وللملك إقرار وتعديل القوانين والمعاهدات الدولية والاتفاقيات والامتيازات.71
– تعيين الحكام، وأعضاء المجالس البلدية (منذ العام 2005م، أصبح 50% من أعضاء هذه المجالس بالانتخاب)72
وهكذا، فإن النظام السياسي السعودي يمتاز بمركزية مفرطة وسلطوية واضحة بالإضافة إلى ضعف شديد في المؤسسات السياسية، فهو غير تمثيلي وغير خاضع للمحاسبة، وهو يمثل نمطا غير مألوف لسياسة القصورPalace Politics، المتميزة بتركز شديد لسلطة مشخصنة بدرجة عالية،73 أما الحقوق السياسية الأساسية (مثل تأسيس الأحزاب السياسية، الانضمام إلى المؤسسات السياسية، والنقد العلني، وتنظيم الإضرابات والتظاهرات) فهي مفتقدة تماما،74 وطبقا لما يذكره استيفان لاكوار StephaneLacroix، فإن المجال السياسي قد بُني بالكامل حول آل سعود، المستودع الحصري للفاعلية السياسية، إضافة إلى ذلك، فإنه في الدولة السعودية – مثل أنماط الدول ما قبل الحديثة – يظهر بناء السلطة كهرم مقسم إلى قطاعات متوازية، وفي هذا الهيكل، يتربع آل سعود على قمة النظام السياسي، محتفظين بعلاقات رأسية بكافة القطاعات المشكلة لمجال السلطة.75
أما بخصوص الجهاز البيروقراطي للدولة السعودية، فبالرغم من أنه شديد النظام، يشغله موظفون مدنيون محترفون، وتحكمه لوائح وقوانين ثابتة، إلا أن المناصب العليا في هذا الجهاز (الوزراء – حكام الأقاليم – الرتب العسكرية العليا) تُشغل عادة بأعضاء العائلة الحاكمة وبدرجة أقل “الأتباع” المخلصين.76 فالملك وكبار الأمراء يهتمون عادة بمسائل الشؤون الخارجية، والدفاع، والأمن الداخلي، والشؤون الدينية ذات الطبيعة الحساسة، بينما يفوضون مسائل مثل التنمية الاقتصادية والتعليم للجيل الثالث من الأمراء (ذوي التعليم الغربي) أو للتكنوقراط ذوي الولاء.77
رابعاً: النمط ما قبل الحديث للمواطنة:
فالمواطنة هي خاصية أخرى مميزة للدولة الحديثة. وفي مدلولها المعاصر، تعني المواطنة أكثر من مجرد العضوية في جماعة سياسية، بل هي وضعية قانونية مرتبطة بمجموعة من الحقوق والواجبات، إنها مزيج من أن تكون حاكما ومحكوما في ذات الوقت.78 وينص ديفيد هيلد على أن المواطنة هي حالة بمقتضاها يمنح الأفراد حقوقا وواجبات متساوية، وحريات وقيود متساوية، وسلطات ومسؤوليات متساوية داخل المجتمع السياسي.79
وبالمقابل، يرى ماكس فيبر أن أعضاء المجتمعات التقليدية لا يمكن اعتبارهم مواطنين على الحقيقة، بل هم رعايا لسيد يمارس سلطة رعوية، فهم يدينون له بالطاعة الشخصية، اعتمادا على أساس التقاليد وليس التسويغ القانوني،80 وتكون الثقافة المهيمنة داخل هذه المجتمعات هو الخضوع للدين أو المعتقدات الغيبية.81
في الدولة السعودية الحديثة يتضح بجلاء أن نمط العلاقة بين الحكام والمواطنين هي علاقة رعوية patriarchal، وذلك لأسباب ثلاثة:
1ـ أن المواطنين – وفق النظام الأساسي للحكم – يدينون للملك بالطاعة وبالولاء الشخصي، ففي المادة السادسة منه يُنص على: “يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله،وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره”82
2ـ الدولة الريعية، فالعلاقة بين الملك والشعب في الدولة السعودية قائمة على عقد غير مكتوب، وطبقا لهذا العقد، الملك يضمن لمواطنيه خدمات رفاه اجتماعية واقتصادية “من المهد إلى اللحد” وبالمقابل، يتنازل المواطنون عن الحقوق السياسية المعتادة ويقدمون ولاءهم السياسي.83
3ـ أن الجنسية السعودية ليست حقا عاما يتم ضمانه لكافة المواطنين، فهناك طائفة “البدون” أو أفراد الدولة الذين ليس لديهم أوراق إثبات شخصية ولا يعترف بهم كمواطنين سعوديين.84 وأيضا فإن الملك لديه صلاحية تجنيس الأجانب بالجنسية السعودية (وفق شروط بالغة الصعوبة)85 وكذلك نزع الجنسية عن أي مواطن سعودي وفق القانون.86
والخلاصة، فإن الطبيعة الاجتماعية-السياسية والسياق التاريخي المرتبط بتأسيس الدولة السعودية (والمتمثل في توحيد الدولة عبر التوسع وضم القبائل، والدور المحوري للدعوة الوهابية المحافظة في شرعنة الدولة وصنع هويتها الوطنية) تسبب في الطبيعة الهجينة (التقليدية/الحداثية) لهذه الدولة، فالدولة السعودية حاولت أن تحافظ على الشكل التقليدي للدولة الإسلامية في إطار الدولة الحديثة مما جعلها – وفقا لتعبير نوح فيلدمان – تبدو كصورة في مرآة خادعة (مُشوِّهة)، حيث كل العناصر المألوفة متواجدة، لكن أحجامها، وأماكنها، والعلاقات بينها تبدو متغيرة.87
الخاتمة:
إن النموذج السلطوي للدولة الإسلامية في المملكة السعودية قد تم تسويغه دينيا من قبل الأيديولوجيا السياسية للوهابية، فالوهابية كحركة دينية إحيائية محافظة لم تقدم أي رؤية سياسية أو نظرية تختلف عن ما هو سائدٌ في الفقه السني وعلى الأخص المدرسة الحنبلية كما عبر عنها ابن تيمية.88
فبخصوص الهيكلية الدستورية، تبنت الوهابية الرؤية التقليدية القائلة بأن السلطة تتمثل في منصب الإمام، وهو المسؤول عن تطبيق الشرع، وقد أشار مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز في تفسيره لقوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم” أن هذا النص يوضح أن طاعة أولياء الأمر تنبع من طاعة الله وطاعة رسوله وتعد من مقتضياتها،89 وفي هذا النظام الدستوري، يمارس الحاكم صلاحيات سياسية غير محدودة، بينما لا يكون للأمة حق في المشاركة السياسية،90 ويكون للعلماء وحدهم حق ممارسة دور سياسي عن طريق تقديم النصح للحاكم (بشكل خاص وليس على الملأ)،91 ولذلك، فإن أندرو هاموند يرى أن كلا من النظام الأساسي للحكم ومجلس الشورى كان في الواقع محاولة لتقنين العلاقة بين ملوك آل سعود والعلماء الوهابيين وليس بينهم وبين الشعب.92
بالإضافة إلى ذلك، فإن الوهابية قبلت بالآليتين المثيرتين للجدل للمشروعية السياسية: الاستيلاء (أي القبض على السلطة باستخدام القوة)، والتعيين (أي الاستخلاف من قبل الحاكم السابق، أوالحكم الوراثي)93 فقد سوغت ما وصفه جيه. جي. ميركيور بنظرية القدرة للشرعية، والتي تعتمد حصريا على فاعلية الحاكم في استدعائه لموارد الدولة ومراكز السلطة فيها،94 ويستخدم العلماء الوهابيون نفس المنطق الذي استخدمه علماء السلف لشرعنة التغلب وهو أن سلطان غشوم خير من فتنة تدوم،95 فقد كان فهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب للدولة الإسلامية مقتصرا على وظائفها، والمتمثلة في قيامها بتطبيق الشرع ومحاربة البدع، ولم يعر انتباها لأحد أهم أعمدة تأسيس الدولة وهو الأساس الذي يجب ان يختار على أساسه الحاكم، وكيف تتم محاسبته، وعزله إذا حاد عن الطريق القويم.96
أما فيما يتعلق بعلاقة الحاكم بالمحكومين، تؤكد الوهابية على إلزامية الطاعة التامة للحاكم وإن كان حاكما غير عادل، فالشيخ محمد بن عبدالوهاب تابع موروث ابن تيمية في أن أهل السنة يرون أن الحكام الظلمة يجب أن يتم دعمهم ومتابعتهم فيما وافق أحكام الشرع، فيُصلى خلفهم، ويُجاهد معهم، وتستغل قوتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الخروج على هؤلاء الحكام الظلمة دوما ما ينتج مصالحا أقل ومفاسدا أعظم، ولهذا فإن الخارجين قلما ينجحون في تحقيق الصلاح في الدين أو الدنيا، وهذا ما يؤكد – وفق رؤيتهم – أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم للأمة بأن تصبر على جور الحكام هو الأصلح، فقد أمر الحكام بأن يكونوا عادلين وأن يعملوا وفقا لمصلحة رعاياهم، وأمر الأمة بأن تصبر على مظالمهم وألا تخرج عليهم.
وعلى الرغم من ذلك، فإن فعل الخروج في الخطاب الوهابي الرسمي امتد ليشمل كافة أشكال النشاط السياسي المعارض، مثل: كتابة مقالات تنتقد النظام، توجيه النصح للحكام على الملأ، أو إمضاء العرائض المطالبة بالإصلاح، وبالمحصلة، فقد حُرم المجتمع المسلم من أن يكون له أي قول في الأمور السياسية، لأنه وفقا للأيديولوجيا الوهابية، النقد الشرعي المسموح أن يوجه إلى السلطة السياسية هو ما يكون في السر، بين الحكام والعلماء فقط، وإن كان الحكام لا يوجد أي إلزام عليهم للأخذ بنصيحتهم، ولذلك ترى مضاوي الرشيد أن الخطاب الوهابي الرسمي قد أنتج رعايا وليس مواطنين.
—————————
الهامش
(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.
(2) Lacroix, Awakening Islam, 8.
(3) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia,18.
(4) Ibid., 19.
(5) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia,19.
(6) Gwenn Okruhilk, “Saudi Arabia”, in Politics & society in the contemporary Middle East, ed. Michele Penner Angrist, 388 (Boulder, Colo.: Lynne Rienner Publishers, 2010).
(7) Jillian Schwedler, “Religion and politics” in Politics & society in the contemporary Middle East, ed. Michele Penner Angrist, 119 (Boulder, Colo.: Lynne Rienner Publishers, 2010).
(8) Okruhilk, “Saudi Arabia”, in Politics & society in the contemporary Middle East, 388-389.
(9) Selvik and Stenslie, Stability and change in the modern Middle East, 44.
(10) Owen, State, power and politics in the making of the modern Middle East, 39.
Lacroix, Awakening Islam, 25-26.
(11) Selvik and Stenslie, Stability and change in the modern Middle East, 158.
(12) Ayoob, The many faces of political Islam, 45.
(13) Okruhilk, “Saudi Arabia”, in Politics & society in the contemporary Middle East, 391.
(14) Sadiki, “Saudi Arabia: Re-reading politics and religion in the wake of September 11” in Islam and political legitimacy, 31.
(15) Ayoob, The many faces of political Islam, 45.
(16) Niblock, Tim. Saudi Arabia, 33.
(17) Ayoob, The many faces of political Islam, 45.
(18) Niblock, Saudi Arabia, 33.
Andrew Hammond, The Islamic utopia: the illusion of reform in Saudi Arabia (London: Pluto Press, 2012), 46.
(19) al-Rasheed, Contesting the Saudi State, 25.
(20) Ibid., 58.
(21) Lacroix, Awakening Islam, 23.
(22) Sadiki, “Saudi Arabia: Re-reading politics and religion in the wake of September 11” in Islam and political legitimacy, 31-32.
(23) Bryan S. Turner, “Revisiting Weber and Islam”, The British Journal of Sociology (2010): 162.
(24) Bryan S. Turner, “Islam, Capitalism and the Weber Theses”, The British Journal of Sociology 25, 2 (1974): 237-238.
(25) Pierson, The modern state, 14-15, 18.
(26) Feldman, The fall and rise of the Islamic state, 95.
(27) Hammond, The Islamic utopia, 48.
(28) The Basic Law of Governance http://www.saudiembassy.net/about/country-information/laws/The_Basic_Law_Of_Governance.aspx (accessed 31-10-2014)
(29) Hammond, The Islamic utopia, 48-49.
(30) Feldman, The fall and rise of the Islamic state, 6.
(31) Turner, “Islam, Capitalism and the Weber Theses”, 238.
(32) Feldman, The fall and rise of the Islamic state, 28.
(33) Ibid., 101.
(34) Sadiki, “Saudi Arabia: Re-reading politics and religion in the wake of September 11” in Islam and political legitimacy, 33.
(35) Pierson, The modern state, 18.
(36) Dogan, “Political legitimacy: new criteria and anachronistic theories”, 195-196.
(37) The Basic Law of Governance
(38) Hammond, The Islamic utopia, 54.
(39) Gwenn Okruhilk, “Making Conversation Permissible: Islamism and Reform in Saudi Arabia” in Islamic activism: a social movement theory approach, ed. by Quintan Wiktorowicz, 252,259 (Bloomington, Indiana: Indiana University Press, 2004)
(40) Selvik and Stenslie, Stability and change in the modern Middle East, 247.
(41) Ibid.
(42) Owen, State, power and politics in the making of the modern Middle East,49.
(43) Ibid., 50.
(44) Okruhilk, “Saudi Arabia”, in Politics & society in the contemporary Middle East, 389.
(45) Selvik and Stenslie, Stability and change in the modern Middle East, 248.
(46) Sadiki, “Saudi Arabia: Re-reading politics and religion in the wake of September 11” in Islam and political legitimacy, 31.
(47) The Basic Law of Governance
(48) Hammond, The Islamic utopia, 56.
(49) Selvik and Stenslie, Stability and change in the modern Middle East, 249.
(50) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia,158.
(51) Ibid., 157-158.
(52) Selvik and Stenslie, Stability and change in the modern Middle East, 249-250.
(53) Ibid., 41 & 44.
(54) Okruhilk, “Saudi Arabia”, in Politics & society in the contemporary Middle East, 408.
(55) Selvik and Stenslie, Stability and change in the modern Middle East, 250-251.
(56) Okruhilk, “Saudi Arabia”, in Politics & society in the contemporary Middle East, 389.
(57) Sadiki, “Saudi Arabia: Re-reading politics and religion in the wake of September 11” in Islam and political legitimacy, 44.
(58) Held. “The development of the modern state”, in Formations of Modernity, eds. Hall S and Gieben B, 87-88.
(59) Ibid., 116.
(60) Pierson, The modern state, 16.
(61) Merquior, Rousseau and Weber, 99,101.
(62) Charlton and Andras, The Modernization Imperative, 3-4.
(63) Merquior, Rousseau and Weber, 99,101.
(64) Niblock, Saudi Arabia, 105.
(65) The Basic Law of Governance
(66) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia,180.
(67) The Basic Law of Governance
(68) Niblock, Saudi Arabia, 106.
(69) The Basic Law of Governance
(70) Okruhilk, “Saudi Arabia”, in Politics & society in the contemporary Middle East, 390.
(71) The Basic Law of Governance
(72) Okruhilk, “Saudi Arabia”, in Politics & society in the contemporary Middle East, 408.
Niblock, Saudi Arabia, 107.
(73) Owen, State, power and politics in the making of the modern Middle East, 39.
(74) Okruhilk, “Saudi Arabia”, in Politics & society in the contemporary Middle East, 389.
(75) Lacroix, Awakening Islam, 9, 23.
(76) Owen, State, power and politics in the making of the modern Middle East, 39.
(77) Ibid.,49.
(78) Pierson, The modern state, 111,116.
(79) Ibid.,21.
(80) Merquior, Rousseau and Weber, 99,101.
(81) Chilcote, Theories of comparative politics, 101.
(82) The Basic Law of Governance
(83) Selvik and Stenslie, Stability and change in the modern Middle East,158.
(84) Okruhilk, “Saudi Arabia”, in Politics & society in the contemporary Middle East, 387.
(85) Ibid.,392.
(86) Saudi Arabian Citizenship System http://www.refworld.org/pdfid/3fb9eb6d2.pdf (accessed 4-11-2014)
(87) Feldman, The fall and rise of the Islamic state, 102.
(88) al-Rasheed, Contesting the Saudi State, 45.
(89) Ibid.,49-50.
(90) Ibid.,54.
(91) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia,184.
(92) Hammond, The Islamic utopia, 49.
(93) al-Rasheed, Contesting the Saudi State, 46.
(94) Merquior, Rousseau and Weber, 7.
(95) al-Rasheed, Contesting the Saudi State, 41
(96) Ibid.,48.
(97) محمد بن عبد الوهاب، مراجعة عبد العزيز بن زيد رومي ومحمد بلتاجي وسيد حجاب، مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب جـ8، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، 1978، ص: 50-51.
(98) al-Rasheed, Contesting the Saudi State, 46-54.