fbpx
دراساتاقتصاد

إفلاس سريلانكا والوضع الاقتصادي في مصر: دراسة مقارنة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة

في ظل أزمة ديون عالمية متفاقمة أعلنت سريلانكا عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه دائنيها (إعلان إفلاسها) في ظل تطور دراماتيكي للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها البلاد منذ عدة سنوات.

 وفي ظل الحديث عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في مصر، وحتى الحديث عن احتمالات الإفلاس في بعض وسائل الإعلام والصحف المصرية مؤخرا، سيكون من المفيد في هذا الإطار مقارنة الأوضاع الاقتصادية بين مصر وسريلانكا، وهو ما نسعى لتقديمه من خلال هذه الدراسة.

وعلي الرغم من أن كل دولة تتمتع بخصوصية كبيرة من حيث ظروفها ومواردها وأنشطتها الاقتصادية بالإضافة إلى نوعية النظام السياسي القائم وقدرته علي استثمار تلك المقدرات الاقتصادية، إلا أنه توجد العديد من الخطوط العامة الأساسية التي يمكن أن تشكل أسبابا رئيسية تؤدي إلى هذ الفشل الاقتصادي في أي دولة بشكل عام.

وتعد المساحة وعدد السكان وامتلاك الدولة للثروات المعدنية وغيرها من أهم العوامل التي قد تميز ظروف دولة عن دولة أخري، فعلي سبيل المثال فالوفاء باحتياجات دولة ذات عدد سكان منخفض مثل سيريلانكا (22 مليون نسمة) يختلف تماما عن الوفاء باحتياجات دولة يزيد عدد سكانها عن مائة مليون نسمة مثل مصر، وهو الأمر الذي يشكل ولا ريب المزيد من الضغوط الناجمة عن الظروف المحلية المؤدية للإخفاق الاقتصادي.

وتنبع أهمية دراسة الأسباب المتنوعة التي أوصلت الاقتصاد السريلانكي إلى الإفلاس أنه يؤكد على أن بعضا من تلك الخطوط العريضة تشكل أعراضاً عامة لمرض اقتصادي عضال قد تتأخر نتائجه لبعض الوقت مع توافر الدعم الدولي أو الإقليمي للنظم الحاكمة، مثل النظام المصري، ولكن النتيجة الحتمية في النهاية هي الوصول إلى حالة الإفلاس، والسقوط في دوامة من محاولات النهوض والتعثر، وهي الحالة التي انزلقت إليها العديد من الدول سابقا.

 وبناء على ما سبق فان دراسة أسباب الأزمة الاقتصادية في سريلانكا تصبح ذات فائدة كبيرة حيث الإشارة إلى الأسباب المتشابهة مع الدول الأخرى، مع التركيز على مصر، ومحاولة الاستفادة من تلك الدروس بالتحوط ضد الوقوع في نفس الهوة.

وتجدر الإشارة إلى محاولة هذه الدراسة التنويه إلى الأسباب العامة الرئيسية للإفلاس في سيرلانكا دونما الدخول في التفاصيل الدقيقة بغية إعطاء صورة كلية عن تلك الأسباب، مع التأكيد على خصوصية بعض تلك الأسباب بالحالة المحلية وعمومية بعضها الآخر وامكانية انسحابه على الكثير من اقتصاديات الدول الأخرى.

أولا: مظاهر عامة سبقت الإفلاس في سريلانكا

تعاني سري لانكا من مشكلة فريدة من نوعها على مستوى العالم تتمثل في التفوق المستمر على نظيراتها في مؤشرات التنمية في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من مستويات منخفضة بشكل خطير من الإيرادات الحكومية.

ويمثل التدهور الاقتصادي المتفجر مؤخرا تحذيرا من ضعف إدارة المالية العامة والسياسات قصيرة النظر، فسريلانكا ضحية لأسس مؤسسية متداعية ومسيّسة أوصلتها إلى الإفلاس وتفشي العديد من المظاهر التي سبقتها والتي يمكن ذكر أهمها بصورة مختصرة فيما يلي:

  • انقطاع مستمر للتيار الكهربائي لمدة تصل إلى 12 ساعة يوميا، حيث خططت الدولة لعمليات منظمة لقطع التيار الكهربائي، وسط مواجهة مجموعة من التحديات المرتبطة بإمدادات الطاقة من بينها القيود على توليد الطاقة الكهرومائية واحتياطيات النقد الأجنبي المتضائلة التي قيدت واردات الديزل.
  • شح الوقود في محطات الوقود، وفي إطار الأزمة قننت سريلانكا استخدامات الوقود للمركبات وقررت الحد من الكميات التي يمكن للسائقين شراؤها.
  • اضطرت الدولة إلى إلغاء الامتحانات المدرسية، بسبب نقص الورق ونقص المال لشراء الضروريات، والمستلزمات المدرسية.
  • نقص الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات.
  • لتغطية العجز في الميزانية، بدأت الحكومة في طباعة المزيد من النقود، مما أدى إلى زيادة معدل التضخم من 15.1 في المائة إلى 18.7 في المائة [1].
  • تعويم الروبية السريلانكية، حيث تراجعت الروبية إلى مستوى قياسي منخفض لتصبح العملة الأسوأ أداء بالعالم بنهاية العام الماضي، حيث تراجعت إلى 299.95 مقابل الدولار الأمريكي في 5 أبريل 2022( [2]، وذلك مقارنة ب 215 روبية مقابل الدولار بنهاية أغسطس من العام الماضي [3]، أي تراجعا بنحو 50%.
  • خلص الخبراء إلى أن ارتفاع واردات البلاد من السلع الأساسية (السكر والبقول والحبوب والمستحضرات الصيدلانية) هي أحد أسباب انخفاض احتياطي النقد الأجنبي في عام 2019 [4].
  • يقدر البنك الدولي أن 500,000 شخص إضافي في سريلانكا باتوا تحت خط الفقر منذ بداية وباء كورونا، وهو ما يعادل هدر عمل خمس سنوات من التقدم في مكافحة الفقر [5].

وباختصار، فإن مظاهر الأزمة هي نقص الغذاء والوقود وانقطاع التيار الكهربائي والتضخم المتسارع، والأهم هو حجم الديون الهائل بالمقارنة بعدد سكان قليل (كما سيأتي لاحقا)، بالإضافة إلى أن الأزمة الاقتصادية ليست وليدة اليوم أو العام الحالي، بل هي نتيجة إخفاقات متراكمة لحكومات متعاقبة تنتمي لنفس العائلة.

ثانيا: أسباب إفلاس الاقتصاد في سريلانكا

 أعلنت سريلانكا في الثاني عشر من ابريل 2022 أنها ستتخلّف عن سداد ديونها الخارجية، وهو ما تقول أنه ليس إعلانا للإفلاس رغم أن عدم القدرة على سداد الديون ليس له معنى إلا الإفلاس، في وقت تواجه الجزيرة الشرق آسيوية أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها وتشهد تظاهرات واسعة تطالب باستقالة الحكومة.

وتشهد سريلانكا التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة أزمة اقتصادية عميقة تتسم بنقص الغذاء والوقود وانقطاع التيار الكهربائي وتضخم متسارع وديون هائلة، في أسوأ ركود منذ استقلالها عام 1948. وجاء قرار إعلان التوقف عن سداد الديون قبيل مفاوضات حول اتفاق إنقاذ مع صندوق النقد الدولي سعيا للحيلولة دون تعثر متكرر أكثر خطورة من شأنه أن يجعل سريلانكا تتخلف كليا عن سداد ديونها. وهذه الحالة لها عدة أسباب نجملها في عشرة أسباب على النحو التالي:

1- تفاقم الديون الخارجية (مدفوعات الأقساط والفوائد)

تبلغ مجموع ديون سيريلانكا الخارجية نحو 51 مليار دولار، وهي تشكل حوالي 37% من إجمالي الدين العام، والذي يبلغ حوالي 17 تريليون روبية أي نحو 95 مليار دولار أمريكي (أي ما يعادل نحو4300 دولار لكل شخص في البلاد)، وارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة من 42٪ في عام 2019 إلى 104٪ في عام 2021[6].

وتجدر الإشارة إلى أن نحو 48% من الدين الخارجي هي قروض بشروط ميسرة، أخذت من وكالات متعدّدة الأطراف، بينما 52 % منها ديون أخذت من الأسواق على أساس عقود قصيرة الأجل [7].

وتبدو ضخامة هذه الديون الخارجية جلية عند نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي يقل عن 85 مليار دولار أمريكي (أي حوالي 60%)، وكذلك عند نسبتها إلى الصادرات السنوية للبلاد والبالغة حوالي 13 مليار دولار، أي أن الديون الخارجية تشكل أكثر من أربعة أضعاف الصادرات السنوية تقريبا.

كما أن مقارنة رقم الديون الخارجية بقيم الواردات السنوية البالغة 18 مليار دولار فقط يشير إلى تجاوزها ضعفي ونصف هذه الواردات، ويزيد الأمر وضوحا مع المقارنة بعجز الميزان التجاري البالغ 5 مليار دولار فقط، أي ان الديون 10 أضعاف هذا العجز، وهو الأمر الذي يدفع نحو التساؤل: أين إذن أنفقت كل تلك القروض؟ ولماذا في الأساس تولدت الحاجة إليها؟

وتبرز مشكلة القروض الخارجية في ارتفاع معدل الفائدة على القروض، ويشير المحللون إلى أن بعض القادة السياسيين مارسوا مرونة كبيرة جدا أثناء التفاوض على الشروط، مثال ذلك أن القروض تتضمن فوائد بنسبة تصل إلى 8%، وأن هذا المعدل المرتفع لم يقتصر على القروض التجارية والاستثمارية وانما امتد أيضا لقروض المساعدات خاصة الثنائية منها. ومن الجدير بالذكر ان مدفوعات الفائدة في سريلانكا استحوذت وحدها على 95.4٪ من الإيرادات الحكومية في عام 2021 [8].

عموما يمكن القول إن سيريلانكا أفرطت في الاعتماد على القروض الخارجية وأهملت معالجة نقاط الضعف الهيكلية للاقتصاد، والتي تشمل انكماش التجارة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر، وتراجع الإيرادات الضريبية، والفشل في تنويع وجهات وقطاعات التصدير.

فعلي سبيل المثال، انكمشت التجارة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 33 في المائة في عام 2000 إلى ما يقرب من 13 في المائة في عام 2019[9].

أظهرت التقديرات أنّ سريلانكا بحاجة إلى 4.5 مليار دولار مستحقة هذا العام لمدفوعات الديون الخارجية، بما في ذلك السندات السيادية الدولية بقيمة مليار دولار المستحقة في يوليو [10]، في ظل توافر 1.9 مليار دولار فقط من احتياطيات النقد الأجنبي في نهاية مارس الماضي هبوطا من 2.36 مليار دولار بنهاية يناير الماضي.

من الملاحظات الهامة في إطار الديون الخارجية لسيريلانكا أن 78% منها تم اقتراضها في العهد الأول لنظام رجل سريلانكا القوي الرئيس راجاباكسا، من عام 2005 حتى عام 2015، وهو الذي بدأ هذه السلسلة المتنامية وأكملها سلفه من نفس العائلة الحاكمة، التي انتهجت القروض مصدرا أساسيا للتمويل، وكان آخرها الاتفاق على خط ائتمان جديد بقيمة 500 مليون دولار من الهند لشراء المنتجات البترولية.

2- انخفاض التصنيف الائتماني وصعوبة الوصول للأسواق

كان دعم صندوق النقد الدولي هو المفتاح للابتعاد عن أزمات ميزان المدفوعات التي واجهتها سريلانكا في كل من عامي 2009 و2015، ورغم ذلك أصرت على أنها لن تحصل على دعم صندوق النقد الدولي مرة أخرى، مما أدى إلى تعرضها لتخفيض تصنيفها الائتماني، الأمر الذي زاد من صعوبة الاستمرار في سداد القروض الخارجية.

وقد تكرر تخفيض مؤسسات التصنيف الدولية للتصنيف الائتماني لسريلانكا، لا سيما بعد تخفيض الرئيس نسبة الضرائب، وقد بدأ هذا التخفيض في التصنيف منذ عام 2020، حيث خفّضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني الشهر الماضي، جرّاء مخاوف من تخلّف البلاد عن سداد ديونها الخارجية، وسبقها كل من موديز وستاندرد أند بورز، وهو الأمر الذي أدى إلى عدم التمكن من الدخول إلى الأسواق العالمية وعزل البلاد عنها كلية [11].

من الجدير بالذكر أن الوضع الحالي للديون الخارجية يختلف تماماً عن الوضع في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين. ففي أعقاب ترقية سريلانكا إلى بلد متوسط ​​الدخل، تراجعت قدرتها على الحصول على القروض الميسرة التي تقدمها الوكالات المتعددة الأطراف والمانحون الثنائيون، لذلك، كان على سري لانكا أن تبحث عن مصادر تمويل أجنبية بديلة.

في عام 2007، أصدرت سريلانكا أول سندات سيادية دولية (ISB) بقيمة 500 مليون دولار وبدأت في جمع الأموال باستخدام أسواق رأس المال الدولية. بسبب الاعتماد الكبير على ISBs، تغيرت تركيبة الديون الخارجية لسريلانكا بالكامل. في عام 2004، بلغت القروض التجارية 2.5 في المائة فقط من القروض الأجنبية لسريلانكا، ولكن بحلول نهاية عام 2019، كانت 56 في المائة من القروض الخارجية للبلاد عبارة عن قروض تجارية، معظمها من بنوك الاستثمار الدولية [12] وهي قروض قصيرة الأجل، وذات معدلات فائدة مرتفعة، وليس لها فترة سماح، وذلك في مقابل مجرد 2.5٪ من الدين الخارجي في عام2004 [13].

وبالتالي فحتى لو كانت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل مما كانت عليه قبل عقدين من الزمن، فإن نقاط الضعف الهيكلية في سريلانكا – المشار إليها سابقا – أكثر خطورة، لأن ديناميكيات الدين في البلاد قد تحولت تماماً إلى نموذج جديد.

3- إنفاق القروض الأجنبية على المشروعات الخدمية

ربما تكفي الجمل المقتضبة التالية والمنقولة عن تصريحات لمعارضين سريلانكيين للتدليل على كيفية إنفاق الحكومة السريلانكية الأموال المقترضة وبدون الدخول في تفاصيل تلك المشروعات.

” عندما تذهب إلى الجنوب فإنك ستجد مراكز مؤتمرات وملاعب كريكيت، كما تشاهد في العاصمة كولومبو أبراجا تجارية، وكلها لا تعود بفوائد اقتصادية للشعب، وأقيمت بديون من أموال الشعب” “هذه الأموال لم تنفق على خدمة الشعب، وإنما على مشاريع عديمة الفائدة للشعب والمستفيد منها أشخاص معينين”[14]

لكن العديد من مشاريع البنية التحتية المكلفة كانت فاشلة اقتصاديا، وبدون أي مصدر حقيقي للإيرادات، تُترك الحكومة السريلانكية غير قادرة على سداد الفائدة على قروضها [15].

“استدانت الحكومة مبالغ كبيرة من بكين منذ 2005 لمشاريع بنى تحتية، أصبح العديد منها ممتلكات مكلفة لا يمكن التخلص منها” [16].

4- السحب من الاحتياطيات لسداد الديون الحكومة

بعد أن نفذ الرئيس تعهداته بفرض تخفيضات ضريبية بشكل كاسح في عام 2019، مما أدى إلى خفض التصنيف الائتماني في عام 2020، كما فقدت سريلانكا بالتالي إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، وبالتالي فقدت قدرتها على الحصول على القروض التجارية، وبينما تم استكمال بعض أقساط السداد باقتراض ثنائي ومتعدد الأطراف، بدأت سريلانكا في الاعتماد علي احتياطياتها الأجنبية للوفاء بالتزامات ديونها.

وقد أدى ذلك إلى اضطرار سريلانكا إلى التنازل عن احتياطياتها من العملات الأجنبية لسداد ديون الحكومة، مما قلص احتياطياتها من 6.9 مليار دولار في 2018 إلى 2.2 مليار دولار هذا العام، (علما بأن من هذا المبلغ فإن الاحتياطيات القابلة للاستخدام تبلغ في الواقع 792 مليون دولار أمريكي فقط)، وبالطبع أثّر ذلك على واردات الوقود والضروريات الأخرى، مما أدى إلى ارتفاع المستوي العام للأسعار، بالإضافة إلى أزمة حادة في العملات الأجنبية[17]

ومؤخرا، قامت الحكومة في مارس الماضي بتعويم الروبية السريلانكية – مما يعني أن سعرها قد تم تحديده بناءً على الطلب والعرض في أسواق الصرف الأجنبي، ويبدو أن هذه الخطوة تهدف إلى خفض قيمة العملة لتصبح مؤهلة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي وتشجيع التحويلات المالية. ولكن يجب التأكيد على أن انخفاض الروبية مقابل الدولار الأمريكي جعل الأمور أسوأ كثيرا بالنسبة لعامة السريلانكيين، خاصة أن أزمة نقص العملة الأجنبية جعلت التجار غير قادرين على سداد ثمن الواردات، تزامن ذلك مع تراجع الاحتياطيات من النقد الأجنبي منذ عام 2019، حتى وصلت أدنى مستوى لها في نوفمبر 2021 عندما كان الاحتياطي الأجنبي من العملة قادراً على تغطية واردات شهر واحد فقط.

5- التخفيضات الضريبية أحدثت تأثير عكسي

في حين كانت مؤشرات الوضع التنموي في سريلانكا قوية كان من المفترض أن يؤدي ذلك إلى زيادة الضرائب المباشرة ونمو نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي، ولكن ونتيجة لأن نظامها الضريبي غير عادل إلى حد كبير، استمرت الضرائب غير المباشرة تقدر بنحو 80-82٪ من الإيرادات.

ويرجع ذلك بنسبة كبيرة إلى الفشل في توسيع صافي الضرائب، والاعتماد على الضرائب غير المباشرة، وعدم استقرار السياسة الضريبية، وعدد كبير من الامتيازات والإعفاءات الضريبية، وقد أدت الضرائب الباهظة على السلع الاستهلاكية إلى خلق نظام ضريبي تنازلي يكافح من أجل تحصيل إيرادات كافية لتمويل الإنفاق العام. في المقابل، فشلت الضرائب التصاعدية في النمو منذ التسعينيات، مع عدم مواكبة عدد دافعي الضرائب الأفراد للتوسع الاقتصادي.

ومما يدلل على ذلك أنه منذ أوائل التسعينيات، انخفضت نسبة الضريبة إلى الناتج المحلي الإجمالي من متوسط ​​18.4٪ (1990-92) إلى 12.7٪ (2017-2019)، لتصل إلى 8.4٪ في عام 2020. ومن المثير للاهتمام أن انخفاض الإيرادات بدأ بعد انتهاء الحرب الأهلية في سريلانكا في عام 2009. وبدأت الحكومات إنفاقاً أقل بكثير على السلع الاجتماعية مما كانت عليه في الماضي، حيث بلغ متوسط ​​الإنفاق على الصحة والتعليم في 2010-19 1.8٪ و1.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي [18].

عموما يمكن أن تُعزى هذه النتائج الكارثية إلى القرارات السياسية غير السليمة لا سيما توسع نفوذ الرئاسة التنفيذية على الخزانة وغياب وزراء المالية الأقوياء. وقد تجلى ذلك في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، عندما أوفى الرئيس جوتابايا راجاباكسا بوعد حملته الانتخابية بخفض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 15٪ إلى النصف تقريباً، كما ألغى بعض الضرائب الأخرى كوسيلة لتعزيز الاستهلاك والنمو، وهو ما أدى في النهاية إلى تفاقم خسارة الإيرادات بسبب الوباء.

وقد أدت التخفيضات الضريبية إلى خسارة مليارات الروبيات من عائدات الضرائب. وتشير التقديرات إلى أن الدين العام لسريلانكا، ارتفع من 94٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى 119٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 الماضي. ويؤكد ذلك أن خفض الضرائب جعل الأزمة أسوأ بكثير [19].

وعموما يمكن القول إن قدرة سريلانكا على خدمة ديونها كانت ضعيفة دائماً، لكن سياسة الحكومة ووباء COVID جعل المهمة شبه مستحيلة.

6- أزمة القطاع السياحي في ظل كورونا

في إبريل 2019، استهدفت سلسلة من التفجيرات ثلاثة فنادق فاخرة وثلاث كنائس في سريلانكا، ما أسفر عن مقتل أكثر من 250 شخصاً، وأثرت تأثيراً كبيراً في صناعة السياحة التي تمثل أكثر من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

ووفقموقع بيزنس إنسايدر إنديا، فقد تراجعت السياحة في أعقاب سلسلة تفجيرات عام 2019، ما أسهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية لسريلانكا، ورغم أن الحكومة حاولت معالجة ذلك، بتغييرات في السياسة المالية، فإن الوضع استمر في التدهور[20].

ونوه التقرير بانتشار فيروس كورونا، قبل أن تعود السياحة مرة أخرى إلى صورتها الطبيعية، ففُرضت قيود على السفر في جميع أنحاء العالم، وبحلول عام 2021، استقبلت سريلانكا 173,000 مسافر فقط لهذا العام، انخفاضاً من 2.3 مليون في عام 2018 [21].

ومن الجدير بالذكر أن التصريحات الرسمية أكدت ان الاغلاق السياحي بسبب كورونا لم يكن كليا حيث استمر السياح الروس في زيارة البلاد أثناء الجائحة، وكانت تنظم رحلات خاصة بالسياح الروس والأوكرانيين، ويكادون يكونون الوحيدين الذين لم يتوقفوا عن زيارة سريلانكا ضمن إجراءات خاصة، وبالطبع فقد هذا المصدر بصورة كبيرة بعد الحرب على أوكرانيا.

7- أزمة القطاع الزراعي بعد حظر الأسمدة غير الطبيعية

تلقى الاقتصاد السريلانكي ضربات من الرياح الموسمية الرئيسية التي أضرت بالإنتاج الزراعي في عامي 2016 و2017، ولكن الأزمة الكبرى جاءت بعد الانخفاض الدراماتيكي في الغلات في أعقاب قرار اتخذه الرئيس جوتابايا راجاباكسا في أبريل من العام الماضي بحظر جميع الأسمدة الكيماوية في سريلانكا في محاولة لتقويض الدعم المقدم للمزارعين.

وعلى الرغم من إلغاء قرار الحظر بعد احتجاجات واسعة النطاق، إلا أن عدداً قليلاً من الأسمدة الكيماوية وصل إلى المزارع، مما سيؤدي على الأرجح إلى انخفاض سنوي بنسبة 30 ٪ على الأقل في غلات الأرز على مستوى البلاد، وفقاً لخبراء زراعيين [22].

8- تداعيات الحرب الأوكرانية

تفاقمت أزمة السلع الزراعية في سيريلانكا بعد اندلاع الحرب على أوكرانيا، وبصفتها دولة مستوردة لمعظم احتياجاتها من السلع الزراعية وتوازت مع أزمة نقص الإنتاج الزراعي المحلي الناتج عن أزمة الأسمدة فقد أدت الحرب إلى نقص حاد في السلع الضرورية في البلاد لا سيما مع أزمة العملة واسعة النطاق.

كما تأثرت الصادرات السريلانكية كذلك وعلي الأخص صادرات الشاي، حيث تعتبر روسيا وأوكرانيا أكبر مستوردان للشاي السريلانكي، وضربت هذه السوق بشكل مباشر بعد اندلاع الحرب، يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار الوقود عالميا، وغيرها الكثير من تداعيات الحرب في أوروبا على اقتصاد سريلانكا.

9- الاعتماد على الاقتراض من الصين

يعد عبء الديون الخارجية الهائل من أكثر المشاكل إلحاحا بالنسبة لسريلانكا، ولا سيما عبء الديون الصينية، حيث تعتبر الصين أكبر مُقرض لسريلانكا، ويبلغ إجمالي ديونها للصين ثماني مليارات دولار، أي ما يقرب من سدس إجمالي ديونها الخارجية، فمنذ العام 2005، اقترضت الحكومة السريلانكية من بكين بكثافة من أجل تمويل مشاريع البنية التحتية[23]. وفي العام الماضي حصلت سيريلانكا على قرض إضافي بقيمة مليار دولار من بكين للمساعدة في أزمتها المالية الحادة، والتي يتم سدادها على أقساط[24]، وفي هذا العام فقط فإنّ سريلانكا مدينة بنحو 1.5 مليار دولار إلى 2 مليار دولار للصين.

يوجد من يقول إنّ النسبة أعلى من ذلك نظراً لحجم اعتماد سيريلانكا على الصين منذ سنوات عديدة، مع الإشارة إلى احتمال وجود ديون للصين أبرمت بطريقة ملتوية وعلى شكل سندات وما إلى ذلك.

ويشير تقرير حديث لهونج كونج بوست إلى أنّ الاقتراض المتهور من الصين لمشاريع البنية التحتية غير المربحة مسؤول إلى حد كبير عن وضع البلاد في هذا الموقف[25].

وبحسب التقارير، فإنّ الصين رفضت الاستجابة لنداء سريلانكا لإعادة جدولة ديونها الضخمة أو تقديم تنازلات في السداد، ومع ذلك، فإنها تواصل الحفاظ على موقف ثابت بشأن طلب سريلانكا لإعادة جدولة الديون وكذلك تمديد المساعدة الموعودة البالغة 2.5 مليار دولار. عموما في حال رفضت الصين التفاوض أو إعادة الجدولة، تعتبر سريلانكا مجبرة على الانصياع الكامل لأوامر الصين، وهو ما يؤكد على أنّ التحكم الصيني بدولة سريلانكا واقع لا ريب.

عموما من الواضح أن المشكلة مع الدين الصيني ليست في حجم الدين فقط وانما أيضا حصر الحكومة طريقة استخدامه في مشاريع البنية التحتية وبناء الموانئ، وهي مشروعات ذات عائدات متدنية، ويستغرق إنشاؤها وصولا لتحقيق أي عائد وقتاً طويلاً، وبالتالي لم يتولد عنها الدخل الكافي لسداد الفوائد او الأقساط.

وخير مثال علي ذلك وضع الشركات الصينية يدها على المرفأ الحيوي “وافستراتيجي” لمدّة 99 عاماً، كما استولت على 15 فدّان من الأراضي بالقرب من المرفأ، إضافةً إلى امتيازات ضريبية للمنشآت الصينية في سريلانكا لمدة 32 عاماً.

كما أجّرت سريلانكا ميناء هامبانتوتا الإستراتيجي لشركة صينية في العام 2017، بعد أن أصبحت غير قادرة على خدمة الدين، البالغ 1.4 مليار دولار الذي استخدمته بكين في بنائه.

ويشير ذلك بوضوح إلى تخطي ضمانات القروض الصينية للحدود المالية حيث التدخل في الشئون السيادية والاستراتيجية مثل الإعفاءات الضريبية والاستيلاء على مرافق حيوية، وربما مع تطور الأوضاع الحالية وفي ظل الورطة المالية الجديدة يكون من الطبيعي ان نتحدث عن سيطرة سياسية على الاقتصاد السريلانكي، لا سيما مع بروز محتمل لنقاط خفية في تعاقدات تلك القروض بين الحكومتين.

وقد احتفظت الحكومة السريلانكية بسرية العقود المبرمة مع الصين ولم يتمكن أحد من الاطلاع عليها حتى الآن، ولا أحد يعرف على وجه التحديد ما تخفيه حول الالتزامات التعاقدية علي الدولة حال عدم دفع تلك الديون.

عموما من الواضح أن لدينا دليلا جديدا على ان الاعتماد المفرط على الصين في تمويل التنمية الاقتصادية قد يكون خياراً بائساً لأيّ دولة، وأحدث الأمثلة على ذلك سريلانكا التي اضطرت في مواجهة أزمات مالية سابقة للتنازل عن العديد من الأصول والمرافق الحيوية للدولة الصينية.

10- الاستقرار القائم على القمع والفرض المتكرر لحالة الطوارئ تسببا في الانهيار

بداية ربما يبدو ظاهريا أن هذا السبب ليس اقتصاديا، ولكن من المؤكد أن القمع والسلطوية هما البذرة الرئيسية لكل الأمراض التي تعانيها الدول المقهورة، فالحديث عن قروض لا يعلم عنها أحد شيئا، أو التدخل في شئون السياسات المالية والنقدية، وحتى السياسة الزراعية كلها نتائج للسلطوية الحاكمة.

وبصفة عامة فان كل الوعود الإصلاحية للعائلة الحاكمة في السنوات الأخيرة انهارت بالكامل الأمر الذي تسبب في أزمة دستورية أعقبها تفجيرات انتحارية في 2019، حيث أطلق انتحاريون متفجرات في ستة فنادق وكنائس في عيد الفصح مما فاقم من عدم الاستقرار السياسي، الامر الذي فند استناد السلطة على ذريعة الأمن القومي لا سيما بعد الفشل الاستخباراتي.

وعلي الرغم من كون دعم العائلة الحاكمة كان مرسوما في السابق على أسس عرقية ودينية إلا أن الأزمة الحالية طالت جميع شرائح المجتمع.

ثالثا: ماذا بعد في سريلانكا؟

ربما من المبكر جدا الحديث عن مستقبل الاقتصاد السريلانكي بعد أيام من اعلان التوقف عن سداد الديون، ولكن من المؤكد أن الفواعل الخارجية هي التي ستقرر الشكل التي ستنتهجه البلاد للخروج من هذه الأزمة، وبما يعني ببساطة أن قدرة الدولة علي المناورة وتوفير بعض الحماية لمواطنيها وأصولها العامة، وبالأحرى استقلالية قراراتها السياسية والاقتصادية باتت محدودة للغاية.

كما أنه تجدر الإشارة إلى أن التجارب السابقة في العديد من الدول مثل الأرجنتين وغيرها يشير إلى أن الوقوع في فخ الاقتراض الخارجي لا يمكن النجاة منه بسهولة، وأن عمليات إعادة تدوير القروض تكون عملية ممتدة لفترة طويلة من الزمن ربما تستغرق عدة عقود قادمة.

عموما من المسارات الاجبارية علي الدولة حاليا، والتي بدأت بالفعل، فتح محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة قروض تصل إلى 3 مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات، ومن المتوقع أيضاً أن يساعد برنامج صندوق النقد الدولي، الذي يفرض عادةً الانضباط المالي من المقترضين، سريلانكا في الحصول على مساعدة قدرها مليار دولار أخرى من وكالات أخرى متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي.

إجمالاً، تحتاج البلاد إلى حوالي 3 مليارات دولار في شكل تمويل مرحلي على مدى الأشهر الستة المقبلة للمساعدة في استعادة الإمدادات من المواد الأساسية بما في ذلك الوقود والأدوية، ولذلك تسعى سريلانكا الآن للحصول على دعم مالي من صندوق النقد الدولي والتوجه إلى القوى الإقليمية التي قد تكون قادرة على المساعدة.

كما طلبت سريلانكا أيضاً المساعدة من الصين والهند، حيث أصدرت نيودلهي بالفعل خط ائتمان بقيمة مليار دولار في مارس – لكن بعض المحللين حذروا من أن هذه المساعدة قد تطيل الأزمة بدلاً من حلها.

المزيد من القمع والعسكرة هو السياسة التي تتبعها الحكومة في مواجهة التظاهرات العارمة في انحاء البلاد المختلفة، وهو ما آثار قلق المراقبين الدوليين، حيث أعربت “ليز ثروسيل” المتحدثة باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، عن قلقها بشأن الرد الرسمي لسريلانكا.

وقالت إن حظر التجول الذي تفرضه الحكومة والتعتيم على وسائل التواصل الاجتماعي وإجراءات الشرطة لفض الاحتجاجات يمكن أن يمنع أو يثني الناس عن التعبير عن مظالمهم، مضيفة أن هذه الإجراءات “لا ينبغي استخدامها لخنق المعارضة أو إعاقة الاحتجاج السلمي”. وقالت إن الأمم المتحدة تراقب عن كثب، وحذرت من “الانجراف إلى العسكرة وإضعاف الضوابط والتوازنات المؤسسية في سريلانكا”.

 حالة الإحباط العامة والضبابية التي يعيشها الشعب هي المسيطرة، وحتى أفراد الطبقة الوسطى الذين لديهم مدخرات محبطون كذلك، والجميع خائف من نفاد الضروريات مثل الأدوية أو الغاز، وأن تصبح الحياة أكثر صعوبة.

وقد أدت كل هذه الاضطرابات في نهاية المطاف إلى أن رئيس الوزراء، رجل سريلانكا القوي والذي شغل من قبل منصب رئيس الدولة لمدة 10 سنوات، ماهيندا راجاباكسا، اضطر للتقدم باستقالته[26] يوم 9 مايو 2022 في أعقاب اشتباكات مميتة في شوارع كولومبو العاصمة، مع تصاعد المطالبات باستقالة شقيقه الأصغر رئيس الدولة الحالي جوتا راجاباكسا. ومن غير المعروف المدى الذي ستصل إليه هذه الاضطرابات السياسية في ضوء الأزمة الاقتصادية الطاحنة المستمرة.

رابعا: مقارنة بين الحالة الاقتصادية في كل من سريلانكا ومصر

انطلاقا من الأوراق البحثية التي أصدرها المعهد المصري في إطار رصد وتحليل واستشراف مستقبل الاقتصاد المصري، وخاصة مشكلة الديون واحتمالات الإفلاس[27]، والنتائج التي توصلت إليها تلك الدراسات، يمكن عقد مقارنة مجملة بين الحالة الاقتصادية للاقتصادين السريلانكي والمصري، من خلال استعراض أوجه للمقارنة تتمحور حول الأسباب العشرة التي أدت لإفلاس سريلانكا والمذكورة في الأجزاء السابقة من الدراسة، والموضحة في الجداول التالية من رقم 1 إلى 10، وذلك في إطار المزيد من التعمق في دراسة حالة الاقتصاد المصري.

جدول رقم 1
السبب الأول: تفاقم الديون الخارجية (مدفوعات الأقساط والفوائد)

سيريلانكا

مصر

الديون الخارجية 51 مليار دولار

الديون الخارجية 145.3 مليار دولار

إجمالي الدين العام 95 مليار دولار أمريكي

إجمالي الدين العام 348.4 مليار دولار، ويتوقع أن تصل إلى 391.8 مليار دولار بنهاية 2022

نصيب الفرد من الدين العام 4300 دولار

نصيب الفرد من الدين العام 3900 دولار (لاحظ الفرق الضخم في عدد السكان)

ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة من 42٪ إلى 104٪ في العام الأخير

انخفضت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 87.5% (مع التحفظ حول البيان الرسمي لتقدير قيمة الناتج المحلي الإجمالي) بنهاية العام المالي 2019/2020، لكن اتجهت للارتفاع بعد ذلك لتفوق 100%

القروض الخارجية تشكل أكثر من أربعة أضعاف الصادرات السنوية، وضعفي ونصف الواردات، و10 أضعاف العجز في الميزان التجاري.

القروض الخارجية تقارب أربعة أضعاف الصادرات السنوية، وتتجاوز ضعفي الواردات، وتقترب من أربعة أضعاف العجز في الميزان التجاري.

مشكلة القروض الخارجية في ارتفاع معدل الفائدة عليها حيث تصل إلى 8%.

تصل معدلات الفائدة على القروض الخارجية إلى 11% وهو أعلى معدل في العالم

مدفوعات الفائدة 95.4٪ من الإيرادات الحكومية. 4.5 مليار دولار مستحقة هذا العام.

مدفوعات الفائدة 44٪ من الإيرادات الحكومية.

تبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر في العام المالي الحالي نحو 1.172 تريليون جنيه، وهي تتجاوز 95% من إجمالي الإيرادات العامة.
15 مليار مستحقة السداد هذا العام، علاوة على 17 مليار دولار على الأقل يجب توفيرها كبديل للأموال الساخنة.

 

جدول رقم 2
السبب الثاني: انخفاض التصنيف الائتماني وصعوبة الوصول للأسواق

سيريلانكا

مصر

دعم صندوق النقد هو مفتاح مواجهة أزمات عامي 2009 و2015.

إرضاء الصندوق مفتاح ضروري لاستدامة الاقتراض.

تجاهل دعم الصندوق خفّض التصنيف الائتماني بصورة متكررة مما أدى إلى عدم التمكن من الدخول إلى الأسواق العالمية.

لم ينخفض تصنيف مصر الائتماني حتى الآن، ولكن من المؤكد حدوثه حال استمرار الأزمة الحالية مما سيرفع تكلفة الاقتراض.

في أعقاب الترقية إلى بلد متوسط الدخل، تراجعت القدرة على الحصول على القروض الميسرة التي تقدمها الوكالات المتعددة الأطراف والمانحون الثنائيون، لذلك اعتمدت على القروض التجارية، حتى بلغت 56في المائة من القروض.

الاعتماد على الديون التجارية إلى اجمالي الدين العام المصري يتنامى باستمرار مقارنة بالقروض من المؤسسات الدولية والقروض الثنائية.

نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل مما كانت عليه قبل عقدين من الزمن، ولكن نقاط الضعف الهيكلية أكثر خطورة، لأن ديناميكيات الدين في البلاد قد تحولت تماماً إلى نموذج جديد (يسوده الديون التجارية).

الحالة المصرية يزدوج فيها زيادة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي مع نقاط الضعف الهيكلية المزمنة.

 

جدول رقم 3
السبب الثالث: إنفاق القروض الأجنبية على المشروعات الخدمية

سيريلانكا

مصر

تنتشر مراكز المؤتمرات وملاعب كريكيت، والأبراج التجارية، وهي مشروعات غير ذات عائد، والمستفيد منها أشخاص معينين.

أنفقت معظم القروض المصرية على المشروعات التفاخرية، غير ذات العائد.

مشاريع بنى تحتية، أصبح العديد منها ممتلكات مكلفة لا يمكن التخلص منها.

المشروعات الجديدة تكلفة صيانتها ستصبح عبئا إضافيا على الموازنة.

 

جدول رقم 4
السبب الرابع: السحب من الاحتياطيات لسداد الديون الحكومة

سيريلانكا

مصر

كنتيجة للانعزال عن أسواق القروض التجارية، تم السحب من احتياطيات العملات الأجنبية.

خروج الأموال الساخنة والازمات العالمية عجلت بالسحب من الاحتياطي

لا يوجد احتياطي يكفي واردات الوقود والضروريات، بسبب التضخم، وأزمة حادة في العملات الأجنبية.

الاحتياطي يكفي أقل من 4 أشهر من الواردات.

نتيجة أزمة العملات وضعت البنوك المصرية قيودا على حركة السحب وألغت العمل بالاعتمادات المستندية.

عُوّمت الروبية بهدف خفض قيمة العملة للحصول على قرض من الصندوق.

عُوّم الجنيه عام 2016، ثم خفض مرة أخري في مارس الماضي ومن المنتظر تخفيضه مرة أخري قريبا.

انخفاض الروبية رفع الأسعار، وجعل التجار غير قادرين على سداد ثمن الواردات.

خفض الجنيه رفع التضخم وأوقع المزيد من المصريين تحت خط الفقر.

الاحتياطي الأجنبي من العملة قادراً على تغطية واردات شهر واحد فقط.

ربما يتآكل الاحتياطي في غضون ثلاثة أشهر لتغطية مدفوعات الأموال الساخنة والواردات.

 

جدول رقم 5
السبب الخامس: التخفيضات الضريبية أحدثت تأثير عكسي

سيريلانكا

مصر

كانت مؤشرات الوضع التنموي في سريلانكا قوية مع تزايد مؤشرات الفقر.

بينما يرتفع معدل النمو والناتج القومي يتزايد الفقر وعجز الميزان التجاري.

توسعت الحكومة في خفض الضرائب والإعفاء منها، مما أدى إلى نظام ضريبي تنازلي يكافح من أجل تحصيل إيرادات كافية لتمويل الإنفاق العام.

توسعت الجباية الضريبية بصورة محمومة عقب برنامج الصندوق، وأصبحت الحصيلة الضريبية تشكل 80% من جملة الإيرادات العامة.

تستهدف الحكومة ضرائب تقارب التريليون جنيه في مقابل 630 مليار جنيه في نهاية العام المالي 2017- 2018، لترتفع حصيلة الدولة بقيمة تصل إلى 354 مليار جنيه في أقل من أربع سنوات.

قدرة سريلانكا على خدمة ديونها كانت ضعيفة دائماً وتتناقص باستمرار مع توالي وارتفاع قيم الديون، لكن سياسة الحكومة ووباء COVID جعل المهمة شبه مستحيلة.

قدرة مصر على خدمة ديونها كانت ضعيفة دائماً، لكن المستجدات خاصة الوباء وأحداث أوكرانيا جعلت المهمة شبه مستحيلة.

 

جدول رقم 6
السبب السادس: أزمة القطاع السياحي في ظل كورونا

سيريلانكا

مصر

السياحة تمثل أكثر من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

تسهم السياحة بما يقارب 15% من الناتج الاقتصادي لمصر، وهي مصدر رئيسي للنقد الأجنبي.

في إبريل 2019، استهدفت سلسلة من التفجيرات ثلاثة فنادق فاخرة وثلاث كنائس في سريلانكا، مما أثر سلبيا بشدة على القطاع.

عانت السياحة بشدة بعد تفجير الطائرة الروسية وحادث السياح المكسيكيين.

انتشر فيروس كورونا، قبل أن تعود السياحة مرة أخرى إلى صورتها الطبيعية

جاءت أزمة كورونا قبل أن تتعافي السياحة كليا.

عام 2021، استقبلت سريلانكا 173000 مسافر فقط لهذا العام، انخفاضاً من 2.3 مليون في عام 2018.

استقبلت مصر نحو 1.6 مليون سائح أوكراني قبل كورونا، وجاءت أوكرانيا في المركز الثاني كأكبر سوق سياحي لمصر.

استمر تدفق السياح الروس والأوكرانيين رغم كورونا، وسيفقد نسبة منهم بعد الحرب على أوكرانيا.

من المؤكد تناقص السياح الأوكرانيين وعدم عودة الروس المتوقعة بعد غياب خمس سنوات.

 

جدول رقم 7
السبب السابع: أزمة القطاع الزراعي بعد حظر الأسمدة غير الطبيعية

سيريلانكا

مصر

تلقى القطاع الزراعي ضربات من الرياح الموسمية في عامي 2016 و2017.

يعاني القطاع الزراعي من اهمال حكومي كبير.

الأزمة الكبرى جاءت بعد الانخفاض الدراماتيكي في الغلات عقب قرار حظر الأسمدة الكيماوية.

اختفي دعم القطاع الزراعي تقريبا وتحول بنك التنمية الزراعية إلى بنك تجاري.

إلغاء الحظر لم يوفر الكميات الأسمدة المطلوبة من الاسمدة، مما سيؤدي إلى انخفاض بنسبة 30 ٪ في المحاصيل وفي مقدمتها الارز.

أسعار وغش الأسمدة تؤثر علي الإنتاج سلبيا ولا توجد تقديرات حول هذا الأثر.

 

جدول رقم 8
السبب الثامن: تداعيات الحرب الأوكرانية

سيريلانكا

مصر

تفاقمت أزمة السلع الزراعية بعد اندلاع الحرب لأنها دولة مستوردة لمعظم احتياجاتها من السلع الزراعية.

تفاقمت أزمة الاحتياجات من السلع الزراعية بعد الحرب، لأنها دولة تستورد معظم احتياجاتها.

توازت الحرب مع أزمة نقص الإنتاج الزراعي المحلي الناتج عن أزمة الأسمدة ومع أزمة العملة واسعة النطاق.

الحرب وارتفاع أسعار الشحن والتضخم العالمي فاقمت من زيادة الأسعار.

تأثرت الصادرات وعلى الأخص صادرات الشاي سلبيا.

محدودية الصادرات المصرية لكل من روسيا وأوكرانيا يجعل تأثرها بالحرب ضعيفا.

 

جدول رقم 9
السبب التاسع: الاعتماد على الاقتراض من الصين

سيريلانكا

مصر

لا توجد بيانات رسمية تحدد الديون الصينية بدقة.

لا توجد بيانات رسمية تحدد الديون الصينية بدقة، (إلا أنه في الحالة المصرية تقوم الإمارات تقوم بدور مشابه للصين وينطبق على هذا الدور كافة التفاصيل التالية)

احتمال وجود ديون للصين أبرمت بطريقة ملتوية على شكل سندات وما إلى ذلك.

من المؤكد وجود ديون صينية أبرمت بطريقة ملتوية ( وربما ديون وصفقات مع الإمارات كذلك).

سرية العقود المبرمة مع الصين.

سرية العقود الحكومية في الاقتراض من الصين وغيرها.

تعتبر الصين أكبر مُقرض لسريلانكا

لا يمكن الجزم بأن الصين مقرض كبير لمصر، والإمارات داعم هام لمصر.

استولت الصين على المرفأ الحيوي “والاستراتيجي” لمدّة 99 عاماً، كما استولت على 15 فدّان من الأراضي بالقرب من المرفأ، إضافةً إلى امتيازات ضريبية للمنشآت الصينية في سريلانكا لمدة 32 عاماً.
كما أجّرت سريلانكا ميناء هامبانتوتا الإستراتيجي لشركة صينية في العام 2017.

لا يمكن الجزم بنوعية المشروعات التي أنفقت فيها القروض الصينية.
لم تستول الصين على أية أصول مصرية حتى الآن، ولكن الإمارات تستولي علي أصول بأبخس الأثمان وفي قطاعات بعينها مثل الصحة والبنوك، هذا بالإضافة إلى عقدها الممتد منذ 2008 وحتى الآن لتطوير ميناء العين السخنة والذي لم ينفذ حتى الآن.

لا يوجد حصر بالمشروعات الصينية وطبيعتها.

تتدخل الصين في الشئون السيادية والاستراتيجية

لا يعرف تحديدا حجم النفوذ الصيني والإماراتي علي القرار.

يبلغ إجمالي ديونها المعلنة للصين ثماني مليارات دولار، أي ما يقرب من سدس إجمالي ديونها

رقم الديون للصين والإمارات غير معلن.

 

جدول رقم 10
السبب العاشر: الاستقرار القائم على القمع (بذريعة حماية الأمن القومي) والفرض المتكرر لحالة الطوارئ تسببا في الانهيار

سيريلانكا

مصر

النظام الحاكم في سريلانكا قمعي واستبدادي

تعاني مصر من قمع غير مسبوق من المرجح أنه المسؤول الأول عن الأزمة الاقتصادية المستمرة.

الحديث عن قروض لا يعلم عنها أحد شيئا، أو التدخل الجائر في شئون السياسات المالية والنقدية، وحتى السياسة الزراعية كلها نتائج للسلطوية الحاكمة.

سيطرت السلطة السياسية على كل السلطات في مصر بما فيها البنك المركزي.

كل الوعود الإصلاحية للعائلة الحاكمة في السنوات الأخيرة انهارت.

كشف الوضع الراهن زيف الادعاء بوجود أي إصلاح اقتصادي حقيقي.

تقوض استناد السلطة على ذريعة الأمن القومي لا سيما بعد الفشل الاستخباراتي.

حجة الأمن القومي تلاشت تماما مع التفريط بمياه النيل والغاز والتنازل عن تيران وصنافير.

دعم العائلة الحاكمة كان على أسس عرقية ودينية، والأزمة الحالية طالت جميع شرائح المجتمع.

اعتمد النظام على الحكم القمعي ومحاباة قبلية للجيش والشرطة والقضاء، ولن ينجو المنتفعين منه من الآثار السلبية للأزمات الاقتصادية المتلاحقة.

 

خامسا: أوجه الشبه والاختلاف بين الحالة المصرية والسريلانكية:

من خلال بيانات جداول المقارنة السابق اتضح الاتفاق في أغلب أوجه المقارنة بين البلدين، مع وجود بعض نقاط الاختلاف بين الحالتين المصرية والسيريلانكية، ويمكن بيان بإيجاز شديد وذلك كما يلي:

1- تفاقم الديون الخارجية (مدفوعات الأقساط والفوائد):

  • تزايد القروض الخارجية في البلدين بصورة حادة، وكذلك الدين العام، ونصيب الفرد منه.
  • سعر الفائدة على القروض في مصر أعلى كثيرا، ومدفوعاتها تبتلع نصف موازنة مصر.
  • مستحق على سيريلانكا سداد 4.5 مليار دولار للعام الحالي، بينما يستحق على مصر أكثر من 15 مليار دولار.
  • وجه الاختلاف هنا أن مصر تحتاج سريعا لتعويض 17 مليار دولار من الأموال الساخنة خرجت فعليا من الجهاز المصرفي وهو ما يجعل مصر في وضع أسوأ كثيرا.

2- انخفاض التصنيف الائتماني وصعوبة الوصول للأسواق

  • كلاهما يعتمد علي صندوق النقد الدولي، مما خلق مؤشرات تنموية قوية ظاهريا، وحافظ علي التصنيف الائتماني ثابتا لبعض الوقت.
  • وجه الاختلاف، أن مصر لم ينخفض تصنيفها الائتماني حتى الآن لاستمرار تعاونها مع الصندوق، وتوافر مصادر الاقتراض التجاري والدعم الخليجي.

3- إنفاق القروض الأجنبية على المشروعات الخدمية

  • كلاهما أنفق بشراهة على مشروعات غير ذات عائد، يستفيد منها عدد محدود، وصيانتها أصبحت عبئا على الموازنة.

4- السحب من الاحتياطيات لسداد الديون الحكومة

  • كلاهما بدأ السحب من الاحتياطيات بعد نفاذ مصادر الاقتراض الخارجي.
  • كلاهما عوّم العملة للحصول على قرض من الصندوق.
  • وجه الاختلاف، احتياطي سيريلانكا تبخر سريعا ولم يعد يكفي لمدفوعات الواردات، بينما التبخر للاحتياطي المصري في بدايته، ومن المرجح عدم صموده طويلا تحت وطأة التزامات الديون والواردات.

5- التخفيضات الضريبية أحدثت تأثير عكسي

  • يختلف البلدان في هذه النقطة فبينما حاولت سيريلانكا خفض الضرائب لتشجيع الاستثمار، وجاء ذلك بأثر عكسي على الحصيلة وتعمقت حالة عدم القدرة على سداد الالتزامات الخارجية.
  • هرولت مصر نحو زيادة محمومة في الإيراد الضريبي إرضاء للصندوق، وتعظيما لإيراداتها الحكومية ورغم ذلك تعاني من انعدام القدرة على مواجهة التزاماتها الخارجية.

6- أزمة القطاع السياحي في ظل كورونا

  • كليهما تعتبر السياحة أحد أعمدة الناتج القومي ومصدرا رئيسيا للعملة الأجنبية.
  • تعرض القطاع فيهما لعدة حوادث أثرت سلبيا على إيراداته قبل كورونا.
  • جاءت الحرب الأوكرانية قبل تعافي القطاع في البلدين كليا.
  • السياحة الروسية والاوكرانية نسبتها مهمة لكلا البلدين.

وجه الاختلاف، ان السياحة الروسية لمصر كانت متوقفة بالفعل منذ خمس سنوات.

7- أزمة القطاع الزراعي بعد حظر الأسمدة غير الطبيعية

  • القطاع مأزوم في كلا الدولتين، وإنتاجه لا يكفي الاحتياجات المحلية.
  • القطاع يعاني في كليهما من الإهمال ونقص الدعم والسياسات الزراعية الجائرة.
  • أزمة حظر الأسمدة في سيريلانكا قد تتساوي مع نقص الأسمدة وانتشار المغشوش منها واختفاء الدعم الزراعي والارتفاع الكبير للأسعار في مصر، وهو ما قد يؤثر سلبيا على الإنتاج.

8- تداعيات الحرب الأوكرانية

  • كلا البلدين مستورد كبير لكل السلع والحبوب الغذائية من الخارج
  • الحرب اشعلت الأسعار وبالتالي التضخم فيهما.
  • وجه الاختلاف، توازي الأثر للحرب مع أزمة الإنتاج الناجمة عن حظر الأسمدة في سريلانكا، والتأثير السلبي على صادرات الشاي، وذلك لم يحدث في مصر.

9- الاعتماد على الاقتراض من الصين

  • لا يوجد حصر رسمي لدي البلدين بحجم الاقتراض من الصين، وكليهما يحيط تلك القروض وغيرها بالسرية التامة، واستخدم القروض في مشروعات ليست ذات عائد.
  • لا يعرف بدقة اشتراطات تلك القروض في البلدين.
  • وجه الاختلاف هنا أن مصر لم تتعرض للاستيلاء علي أصولها من جهات صينية بعد، وان كان البيع بثمن بخس (مثلما حدث في صفقة الإمارات مؤخرا)، وعدم تنفيذ شروط التطوير هو الاخر يعد شكلا من أشكال الاستيلاء.

10- الاستقرار القائم على القمع (بذريعة حماية الأمن القومي) والفرض المتكرر لحالة الطوارئ تسببا في الانهيار

  • كليهما يرزح تحت حكم قمعي، ويتذرع بالأمن القومي لعدم الإفصاح ومنع الشفافية.
  • تأسست السلطة على أسس عرقية او قبلية أو فئوية (عسكرية في مصر).
  • كل الوعود الإصلاحية للاقتصاد انهارت وثبت زيفها بسبب سوء الإدارة وانتشار الفساد.

خلاصة:

1ـ بعد استعراض أسباب توقف سريلانكا عن سداد ديونها (حالة الإفلاس)، والمقارنة بين أوضاعها الاقتصادية وأوضاع الاقتصاد المصري، اتضح بجلاء ان الأسباب التي أدت للإفلاس في سيريلانكا متواجدة بالفعل بشكل كبير في الاقتصاد المصري، وتتبقي فقط بعض العناصر التي تتعلق بخصوصية كل بلد، لا سيما من حيث الدعم المقدم من القوي الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي قد يعجل بإعلان دولة إفلاسها بينما يؤجله لبعض الوقت في دولة أخري. المقارنة بين ظروف الدولتين تبين بجلاء أن مصر متجهة لامحالة، إذا لم تحدث متغيرات جوهرية، للتوقف عن سداد ديونها، أي الدخول في حالة الإفلاس، وأن ذلك مسألة وقت يعتمد بالأساس على ظروف دولية خارج نطاق التحكم الداخلي.

2ـ تداعيات إفلاس دولة مثل مصر تفوق بمراحل تداعيات هذه الحالة في بلد مثل سريلانكا، بالنظر لحجم الدولة وعدد سكانها وحجم القروض المستحقة، فضلا عن موقعها الجغرافي وتأثيرها الإقليمي والدولي في بيئتها المحيطة.

3ـ الديكتاتورية تشكل السبب الحقيقي الدافع للإفلاس وغيره من الأزمات، وكل الظواهر الأخرى ما هي إلا أعراض لمرض الديكتاتورية، حيث أن مصادرة جميع السلطات بما فيها النقدية والمالية، وغياب الشفافية والإفصاح، بل والسرية حول التعاقدات الحكومية وبالأخص القروض الخارجية، والتلاعب في البيانات الرسمية، والتفريط في مقدرات الوطن الاقتصادية وغيرها، مع خلق طبقة قبلية من الموالين، هي من ضمن الأعراض الطبيعية للمرض العضال.

4ـ يبدأ طريق الإفلاس منذ التورط بالاقتراض من صندوق النقد الدولي، فتتوالى القروض، سواء من الصندوق أو من المؤسسات الدولية المختلفة، وتتعمق المشكلات الاقتصادية، ويتزايد الفقر، وتنهار الخدمات الحكومية، ويبدأ العد التنازلي للإفلاس.

5ـ تغوي القروض الخارجية الحاكم المستبد بالإنفاق علي المشروعات التفاخرية عديمة أو منخفضة العوائد، والتي لا يستفيد منها سوي بعض الموالين، وسرعان ما تتحول تلك المشروعات إلى عبئ علي الدولة.

6ـ تنامي قطاع الخدمات (لا سيما القطاع السياحي) علي حساب تآكل القطاعات الإنتاجية وبالأخص القطاع الزراعي يشكل سمة بارزة لاقتصاد مفلس أو يتجه نحو الإفلاس.

7ـ إحداث استقرار هش للعملة الوطنية استنادا إلى احتياطي من النقد الأجنبي تراكم عبر القروض الخارجية يعد سمة للاقتصاد الأكثر عرضة للإفلاس، فسرعان ما يتبخر الاحتياطي في عدة أشهر في مواجهة أية أزمة عالمية أو إقليمية أو حتى محلية، وتدخل العملة المحلية في حالة مستمرة من الانخفاض، متسببة في موجات تضخم متوالية، تنشر الفقر بين الأغلبية العظمي لمواطني تلك الاقتصادات.

8ـ عندما يحدث الإفلاس لن تفرق الأزمات بين الموالين والمعارضين، فاختفاء الوقود من المحطات، وشح المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، وانقطاع التيار الكهربائي لشح وقود تشغيلها، وانهيار المرافق العامة لا سيما التعليم والصحة، وغير ذلك من الأزمات الناجمة عن الإفلاس سيؤثر على الجميع، والكل سيقع تحت طائلة فشل الدولة المترتب على هذه الحالة.


الهامش

[1] الإندبندنت”: سريلانكا تواجه أزمة مالية عميقة مع مخاوف من إفلاسها في عام 2022

[2] العملة الأسوأ في العالم.. هبطت 32% منذ بداية العام

[3] تراجع سعر العملة إلى أدنى مستوى في سريلانكا

[4] Causes of Sri Lankan Economic Crisis

[5] Sri Lanka faces deepening crisis, could go bankrupt this year

[6] How COVID and a nationwide pivot to organic farming pushed Sri Lanka’s economy to the brink of collapse

[7] سريلانكا الحلقة الأضعف أمام الصين.. سقطت مالياً فما الخطوة التالية؟

[8] Yolani Fernando: Paradise squandered – what really happened to Sri Lanka’s economy، March 31, 2022

[9] نفس المرجع السابق.

[10] نفس المرجع

[11] Sri Lanka’s reluctance to tap IMF helped push it into an economic abyss

[12] Sri Lanka’s Foreign Debt Crisis Could Get Critical in 2021

[13]  Yolani Fernando: Paradise squandered – what really happened to Sri Lanka’s economy، March 31, 2022

[14] سريلانكا الحلقة الأضعف أمام الصين.. سقطت مالياً فما الخطوة التالية؟

[15] How COVID and a nationwide pivot to organic farming pushed Sri Lanka’s economy to the brink of collapse

[16] سريلانكا تعلن تخلفها عن سداد دينها الخارجي

[17] Yolani Fernando: Paradise squandered – what really happened to Sri Lanka’s economy، March 31, 2022

[18]Yolani Fernando: Paradise squandered – what really happened to Sri Lanka’s economy، March 31, 2022

[19] What’s behind Sri Lanka’s economic crisis?

[20] ما أسباب الانهيار الاقتصادي في سريلانكا؟

[21] How COVID and a nationwide pivot to organic farming pushed Sri Lanka’s economy to the brink of collapse

[22] Fertiliser ban decimates Sri Lankan crops as government popularity ebbs

[23] سريلانكا الحلقة الأضعف أمام الصين.. سقطت مالياً فما الخطوة التالية؟

[24]الإندبندنت”: سريلانكا تواجه أزمة مالية عميقة مع مخاوف من إفلاسها في عام 2022

[25] سريلانكا الحلقة الأضعف أمام الصين.. سقطت مالياً فما الخطوة التالية؟

[26] Washingtonpost 9 may 2022 Sri Lanka’s prime minister steps down after deadly clashes in Colombo

[27] يمكن مراجعة دراسات المعهد المصري حول الشأن الاقتصادي المصري من خلال الروابط التالية:

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close