fbpx
اقتصادتقارير

إنتاج وتصدير الذهب: أمل مصر المتعثر

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

أثار إعلان وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور على المصيلحي، استبدال الدمغة التقليدية للمشغولات الذهبية بدمغة الليزر خلال مرحلة انتقالية مدتها عام واحد، العديد من التساؤلات، فعلى المستوى الجزئي، تمحورت تساؤلات المواطنين حول مصير الذهب المستخدم للزينة وكمخزن للقيمة، خاصة أن هذا الإعلان جاء بعد أيام قلائل من إعلان وزير البترول عن إنشاء أول مصفاة ذهب مصرية معتمدة في المنطقة، بمنطقة مرسى علم بالصحراء الشرقية تعظيما للقيمة المضافة من موارد الذهب وبما يؤدي لإكمال سلسلة القيمة لإنتاج الذهب عبر تعظيم المحتوى المحلي، لا سيما أن التصريحين قد أوحيا أن هناك خططا من الدولة تجاه تعدين وامتلاك الذهب.

وعلى المستوى الكلي تواترت الأسئلة حول تقييم مصير الطموحات الحكومية لإنتاج وتصدير الذهب، لا سيما بعد تعديلات قانون الثروة المعدنية وصدور لائحته التنفيذية منذ ما يزيد عن العامين، وطرح المزايدات على المستثمرين الأجانب، والترويج بنجاح المزايدة الأولى والانتقال إلى المزايدة الثانية.

وستحاول الورقة الإجابة عن تلك التساؤلات من خلال النقاط التالية:

أولا: إنتاج الذهب في مصر

1- تاريخ إنتاج الذهب في مصر:

تمتلك مصر أقدم خريطة جيولوجية لتعدين الذهب في العالم، والموجودة حاليا بمتحف مدينة تورين بإيطاليا، وفي أوائل القرن العشرين بدأ العمل فى بعض مناجم الذهب في نفس المواقع التي سبق اكتشافها بواسطة الفراعنة، ومنها مناجم البرامية الواقعة بين مرسى علم وإدفو ومناجم الفواخير الواقعة بين سفاجا وقنا وذلك على فترات متقطعة، ففي الفترة من عام 1902 إلى عام 1927 تم تشغيل 10 مناجم ولكنها توقفت فى عام 1928، وتم استئناف العمل  عام 1930 وتوقف مرة أخرى عام 1931[1].

وفي عام 1948 قامت مصر بتشغيل 6 مناجم للذهب عبر شركات القطاع الخاص، لكنها توقفت جميعا عام 1958 [2] لارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وعدم الأخذ بالأساليب الحديثة في عمليات استخراج الذهب كما يشير البعض، ولكنه من الجدير بالذكر أن توقف الإنتاج كان طبيعيا في عصر حورب فيه القطاع الخاص وأممت مشروعاته. عموما يقدر ما تم استخراجه خلال الفترة من 1902 إلى 1958 بحوالي 7 أطنان من الذهب الخالص[3].

وعاد الاهتمام بالتنقيب عن الذهب مرة أخرى فى التسعينات من القرن الماضي، حيث صدرت اتفاقيتان للاستكشاف والاستغلال وهما:

– الاتفاقية الأولى:  تمت بين هيئة المساحة الجيولوجية والشركة الفرعونية الأسترالية في مناطق السكري – البرامية وأبو مروات عام 1995، ولمدة عام تبعها ثلاث فترات تجديد متلاحقة مدة كل فترة سنتان، وفى عام 2001 تم إعلان الاكتشاف التجاري من منطقة جبل السكري وتوقف العمل لوجود مشاكل تعوق الإنتاج، وفى عام 2005 استأنفت الشركة نشاطها التعديني، وتم إنشاء شركة السكري لمناجم الذهب.

– الاتفاقية الثانية: تمت بين هيئة المساحة الجيولوجية وشركة كرست لمناطق حمش – حماطه – أم سميوكي في عام 1999 وظلت متوقفة حتى عام 2004 .

وظل الإنتاج التجاري للذهب في مصر قاصرا على شركة سنتامين العاملة في منجم السكري، على الرغم من المحاولات الدؤوبة لتوسيع قاعدة الإنتاج لا سيما بعد اتفاقية مصر مع صندوق النقد الدولي والانزلاق المفرط في الديون الخارجية وعجز الموازنة.

2- مناجم الذهب الحالية فى مصر

طبقا لوزارة الثروة والمعدنية يوجد فى مصر نحو 270 موقع ذهب منهم 120 موقعا ومنجما معروفين تم استخراج الذهب منهم قديما، وتتوزع إلى 4 قطاعات، كالتالي[4] :

  • القطاع الشمالي، الموجود شمال طريق سفاجا – قنا، ويضم مناجم (فاطيري – روح الحديد- أم بلد) .
  • القطاع الأوسط، ويمتد من جنوب طريق سفاجا – قنا حتى جنوب طريق إدفو مرسى علم ويضم حوالى 62 موقعًا للذهب أشهرها مناطق السد –أم الروس –البرامية- السكري –دنجاش –أبومروات).
  • القطاع الجنوبي الشرقي، جنوب برانيس على البحر الأحمر ويضم حوالى 7 مواقع أشهرها (حوتيت – روميت – كروبباي).
  • القطاع الجنوبي، ويقع فى نطاق وادى العلاقي ويضم حوالى 19 موقعًا للذهب أشهرها (أم جريات- جيمور –أم الطيور – سيجه – شاشوبة). 

ويتم استخراج الذهب في مصر بطريقتين، التقليدية القديمة وهي حفر المناجم وتفتيت الصخور اللماعة، والثانية هي الحديثة ويتم خلالها عمل دراسات جيولوجية لمناطق تواجد الذهب في طبقات الأرض الداخلية، وباستخدام آلات ضخمة وكبيرة تقوم بعمل حفر عميقة في هذه المناطق، ويتمّ استخراج معدن الذهب بشكله الخام مع الصخور والمعادن الأخرى التي تلتصق فيها ثم تبدأ عملية تنقيته من الشوائب والمعادن الأخرى المتواجدة معه.

ومن الجدير بالذكر أنه في يوليو 2020 تم الإعلان عن تحقيق كشف تجارى للذهب فى منطقة إيقات بصحراء مصر الشرقية باحتياطي يقدر بأكثر من مليون أوقية من الذهب بحد أدنى وبنسبة استخلاص 95% والتي تعتبر من أعلى نسب الاستخلاص، وبإجمالي استثمارات على مدار العشر سنوات القادمة أكثر من مليار دولار، ويقع الكشف الجديد فى منطقة امتياز شركة شلاتين للثروة المعدنية. ويعد هذا الكشف التجاري الجديد للذهب نتاجاً لاستثمار مصري خالص فى مجال التنقيب عن الذهب واستغلاله.

ثانيا: قراءة في تعديلات قانون الثروة المعدنية

في إطار ضعف القدرات الإنتاجية والتصديرية للاقتصاد المصري، وفوات فرصة انفاق بعض من القروض الخارجية على تعظيم المردود من القطاعات الإنتاجية وبالتالي الصادرات السلعية، شهد قطاع التعدين المصرى إصلاحات وتحولات سعياً لتحقيق الاستغلال الأمثل لموارد مصر التعدينية وتعظيم مساهمة هذا القطاع في الناتج القومي إلى 5% بحلول عام 2030 مقارنة بنصف في المائة فقط حاليا.

ومن أبرز ما شهده القطاع بصفة عامة  إطلاق مشروع تطوير وتحديث قطاع التعدين فى مارس 2018 بالاستعانة بكبرى بيوت الخبرة العالمية المتخصصة ووضع خطة عمل وخارطة طريق للنهوض بالقطاع تتضمن 7 محاور رئيسية كان من بينها، القوي العاملة، والبنية التحتية في مجال النقل والطاقة علاوة على البيئة التشريعية.

وكذلك كان إجراء تعديلات على بعض مواد قانون الثروة المعدنية، حيث صدر القانون رقم 145 لسنة 2019 بتاريخ 7/8/2019 بتعديل بعض أحكام قانون الثروة المعدنية رقم 198 لسنة2014 وكذا صدور اللائحة التنفيذية فى 14/1/2020 وإصدار لائحته التنفيذية.

وبالنسبة للبحث عن الذهب واستخراجه على وجه الخصوص كانت أهم المواد المعدلة في القانون على سبيل المثال لا الحصر كما يلي:

مادة(3):

وللهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وللجهة المختصة، بحسب الأحوال، دعوة المرخص لهم للتفاوض والاتفاق على تطبيق مقدار القيمة الإيجارية والإتاوة ورسوم تراخيص البحث والاستغلال المنصوص عليها في القانون على التراخيص التى صدرت لهم.

مادة (4)

تتولى الهيئة أو الجهة المختصة، بحسب الأحوال، اتخاذ إجراءات إصدار التراخيص المتعلقة بخامات المناجم والمحاجر والملاحات، وبأعمال البحث عنها واستغلالها، على أن يعتمد الترخيص من السلطة المختصة، بعد استيفاء الشروط الفنية التي تحددها الهيئة، وذلك كله طبقا للشروط والضوابط المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

مادة (6):

يجوز طرح مناطق للبحث والاستغلال التعديني بقرار يصدر من مجلس إدارة الهيئة بعد موافقة السلطة المختصة.

ويكون الطرح وفقاً للائحة خاصة، تتضمن تنظيم طرق وإجراءات التعاقد والطرح والترسية في الحالات المختلفة فيما يتعلق بخامات المناجم والمحاجر، وضوابط المفاضلة بين مقدمي الطلبات وذلك كله دون التقيد بأحكام قانون تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة الصادر بالقانون رقم 182 لسنة 2018، على أن يؤخذ رأي وزارة الدفاع في شأن ما تقرره من شروط وقواعد ومتطلبات شئون الدفاع عن الدولة.

وتتولى الجهات المختصة بوزارة الدفاع القيام بأعمال البحث والاستغلال للخامات الخاضعة لهذا القانون في الأراضي التي تقع في ولايتها.

مادة (8)

مع عدم الإخلال بحكم المادة (7) من هذا القانون، تصدر تراخيص البحث والاستغلال لخامات المناجم بقرار من الوزير المختص، بعد موافقة مجلس إدارة الهيئة.

وتصدر تراخيص البحث والاستغلال للمناجم التي لا تزيد مساحتها على كيلو متر مربع بقرار من مجلس إدارة الهيئة، وبحد أقصى منجم واحد لكل مرخص له من أشخاص القانون الخاص.

 المادة (10)

يؤدي المرخص له بأعمال الاستغلال لخامات المناجم سنويا للهيئة عن المساحة محل الترخيص قيمة إيجارية وإتاوة، وتؤول حصيلتهما إلى الخزانة العامة للدولة.

وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون القيمة الإيجارية المستحقة التي يؤديها المرخص له عن كل ترخيص لخامات المناجم، وتسدد سنويا ومقدما.

ويجوز لمجلس إدارة الهيئة كل ثلاث سنوات اقتراح تعديل القيمة الإيجارية لمساحات المناجم ويصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على عرض الوزير المختص.

ولا يجوز أن تقل قيمة الإتاوة عن 5% ولا تزيد على 20% من قيمة الإنتاج السنوي للخام الذى يستغله المرخص له، وطبقا لما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون بالنسبة لكل خام، على أن تخصص نسبة 1% من هذه القيمة للمساهمة فى التنمية المجتمعية بالمحافظة الواقع بها مساحة الاستغلال وذلك وفقا للضوابط التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

مادة (11)

للجهة المختصة القيام بأعمال الاستغلال لخامات المحاجر والملاحات فى دائرة اختصاصها سواء بنفسها أو بالاشتراك مع الغير بعد موافقة مجلس الوزراء واستيفاء الشروط الفنية التي تحددها الهيئة وتحت إشرافها الفني.

ويؤدى المرخص له سنوياً للجهة المختصة عن المساحة محل الترخيص قيمة إيجارية وإتاوة، وتؤول حصيلتهما إلى الخزانة العامة للدولة.

وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون القيمة الإيجارية المستحقة التى يؤديها المرخص له عن كل ترخيص لخامات المحاجر والملاحات، وتسدد سنويا ومقدما.

ويجوز للجهة المختصة كل ثلاث سنوات اقتراح تعديل القيمة الإيجارية لمساحات المحاجر والملاحات ويصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على عرض الوزير المختص.

ولا يجوز أن تقل قيمة الإتاوة عن 5% ولا أن تزيد على 20% من قيمة الإنتاج السنوي للخام الذى يستغله المُرخص له، وطبقا لما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون بالنسبة لكل خام، على أن تُخصص نسبة 6% من هذه القيمة للمساهمة فى التنمية المجتمعية للجهة المُختصة الواقع بها مساحة الاستغلال، وذلك وفقا للضوابط التى تُحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

مادة (31)

يجوز للسلطة المختصة، بعد موافقة مجلس إدارة الهيئة بالنسبة للمناجم، إصدار قرار بإلغاء ترخيص البحث أو الاستغلال للمناجم أو المحاجر أو الملاحات، بحسب الأحوال، إذا توافرت أي من الحالات الآتية:

1-  عدم سداد القيمة الإيجارية أو الإتاوة خلال ستين يوما من تاريخ الاستحقاق.

2-  مخالفة أي حكم من أحكام هذا القانون أو لائحته التنفيذية.

3-  مخالفة أي من شروط أو أحكام الترخيص.

4-  صدور حكم واجب النفاذ بإشهار إفلاس المُرخص له.

5-  تصفية الشركة المرخص لها أو حلها أو انقضاء مدتها.

6-  عدم بدء الأعمال محل الترخيص لمدة أقصاها شهر من تاريخ استلام المساحة لأسباب ترجع للمرخص له، أو التوقف بدون إذن كتابي من الهيئة أو الجهة المختصة، بحسب الأحوال، لمدة ستة أشهر متصلة.

7- التنازل عن الترخيص إلى الغير أو التأجير من الباطن دون موافقة كتابية من الهيئة أو الجهة المُختصة بحسب الأحوال.

8- إذا قام المرخص له بتشوين المستخرجات على أرض خارج حدود المساحة المرخص له بها دون أن يحصل على عقد إيجار عنها.

9- إذا ثبت قيام المرخص له باستخراج خامات من خارج المساحة المُرخص بها.

10- إذا توفى المرخص له وكان الترخيص ساريا ولم يطلب ورثته أو أحدهم الحلول محله خلال مدة لا تجاوز تسعين يوما من تاريخ الوفاة أو طلبوا الحلول ولم تتوافر فيهم الكفاءة المطلوبة لتنفيذ الترخيص.

11- إذا خالف المُرخص له شروط التشغيل، ولم يقم بإزالة المخالفة خلال ستين يوما من تاريخ إنذاره من الهيئة أو الجهة المختصة بحسب الأحوال.

12- إذا ثبت تلوث المنطقة المرخص بها لسبب يرجع للمرخص له، ولم يقم بمعالجتها رغم إنذاره بذلك من الهيئة أو الجهة المُختصة بحسب الأحوال.

13- إذا قدم المرخص له للهيئة أو للجهة المختصة، بحسب الأحوال، بيانات كاذبة أو مستندات ثبت تزويرها.

ومن المواد المعدلة سابقا يمكن ملاحظة ما يلي:

  • رضخت الدولة بعد فشل جهودها في تسويق مناجم الذهب فبدلت أسلوب تقاسم الربح بأسلوب الضرائب والإتاوة، كما تم فصل نشاط البحث عن أنشطة الاستغلال.
  • طرح المناطق للبحث والاستغلال وتحديد القيمة الإيجارية والاتفاق على التفاصيل المالية والرقابية يخضع للجهة الإدارية، ولكن تبقى موافقة وزارة الدفاع النقطة الفاصلة في تنفيذ العقود والاتفاقات المبرمة.
  • أعطى القانون الحق للجهات المختصة بوزارة الدفاع في القيام بأعمال البحث والاستغلال للخامات الخاضعة لهذا القانون في الأراضي التي تقع في ولايتها، والعجيب أن القانون لم ينص على تسليم الأرباح جراء هذا البند لوزارة المالية، بالإضافة إلى عدم النص على إتاوة أو ضرائب تدفعها الوزارة، بما يعني أن العائد الكامل للبحث والاستغلال للمنطقة يذهب إلى وزارة الدفاع.
  • اشتملت قواعد القانون على عبارات مطاطة، قد تمثل قلقا للمستثمر المحلي والأجنبي، مثل إعطاء الحق للوزارة بإعادة النظر في القيمة الإيجارية كل ثلاث سنوات، وبما قد يغير من جدوى المشروع، لا سيما في ظل بحث واستخراج طويل الأجل (7 سنوات في المتوسط) في حالة تعدين الذهب، وكذلك الفجوة الكبيرة في قيمة الإتاوة التي نص القانون على كونها تتراوح بين حد أدنى 5% وحد أقصى 20 % من قيمة الإنتاج الفعلي، وعدم وضع قواعد حقيقية لتحديد القيمة بما يفتح بابا واسعا للفساد، علاوة على إمكانية التلاعب بحجم الإنتاج الذي ستحدده ولا شك الشركة المستخرجة.
  • إعطاء القانون الحق للسلطة المختصة بإلغاء الترخيص وفق 12 حالة كاملة، منهم حالات فضفاضة للغاية، مثل التسبب في التلوث، أو التأجير من الباطن دون موافقة كتابية من الهيئة أو الجهة المُختصة، أو تشوين المستخرجات على أرض خارج حدود المساحة المرخص بها دون أن يحصل على عقد إيجار عنها، وكلها حالات بها الكثير من الجهالة التي تفضي إلى التنازع الذي قد يضيع حقوق المستثمر لأتفه الأسباب.

ثالثا: إجراءات أخرى لدعم قطاع تعدين الذهب في مصر

بخلاف التعديلات التشريعية السابق الإشارة إليها اتخذت الحكومة المصرية مجموعة من الإجراءات لدعم قطاع تعدين الذهب، وكنت أهم تلك الإجراءات كما يلي:

1- إنشاء مدينة الذهب على مساحة 150 فدانا

تجري حاليا دراسة المخططات اللازمة لإنشاء مدينة للذهب على مساحة 150 فدانا، وستتوافر في المدينة مستلزمات الصناعة والإنتاج، والمعارض الراقية، وتدريب العمالة لصقل قدراتهم، ومراعاة النواحي اللوجستية من حيث اختيار موقع المدينة للاستفادة من شبكة الطرق والمحاور الجديدة لسهولة النفاذ منها وإليها واستقبال الزائرين.

 ومن المقرر أن تضم المدينة معرضا دائما طوال العام يختص بصناعة الذهب، إلى جانب وجود مساحات عرض خاصة لتجار الذهب بمصر، ويجرى حاليا الانتهاء من الدراسة الخاصة بإنشاء المدينة والتي تضمن تكلفة المشروع ومصادر تمويله، على أن تبدأ الخطوات التنفيذية للمشروع عقب توفير وزارة الإسكان لقطعة الأرض المناسبة.

ويضم المخطط العام المعروض على مجلس الوزراء وحدات الاستلام والورش والمحلات والمدارس، مدرسة تعليمية داخل المدينة، مبنى ضخم لمصلحة الدمغة والموازين المسؤولة عن دمغ المشغولات، متنزها تعليميا للأطفال، مركز لوجستي لتداول الذهب داخل المدينة، إنشاء معرض دائم لبيع الذهب بالمدينة، متحف للمقتنيات الذهبية[5].

2- مدرسة الذهب في القليوبية

المدرسة الفنية للذهب والحلي ”إيجيبت جولد “بالعبور في محافظة القليوبية، والتي من المقرر لها أن تستقبل الدفعة الرابعة من المتقدمين لها بنهاية عام 2022،حيث تعد المدرسة الأولى من نوعها فى مصر والشرق الأوسط.

وهي مدرسة مجانية دون أي مصروفات، باستثناء المصروفات العادية التى يتم سدادها لوزارة التربية والتعليم، وتمنح الطالب شهادة دبلوم فني تكنولوجي في صناعة الحلي والمجوهرات معتمدة من وزارة التربية والتعليم، وشهادة جودة معتمدة من شركة إيجيبت جولد، وجارٍ اعتماد الشهادة من جهة دولية لتؤهل الطالب للعمل في السوق الدولية.

3- بناء أول مصفاة معتمدة للذهب في منطقة مرسى علم

مع بداية العام الحالي صرح وزير البترول والثروة المعدنية، أنه يتم العمل على تنفيذ أول مصفاة ذهب معتمدة في مصر بمنطقة مرسى علم بالصحراء الشرقية تعظيمًا للقيمة المضافة من موارد الذهب وبما يؤدي لإكمال سلسلة القيمة لإنتاج الذهب عبر تعظيم المحتوى المحلي.

رابعا: هل نجحت المزايدات المصرية لجذب المستثمرين إلى قطاع الذهب

قبل التعديلات القانونية المشار إليها سابقا حاولت الحكومة المصرية جذب المستثمرين إلى قطاع التعدين في الذهب، وعلى ارغم من توافر مواقع شبه مؤكدة الاحتياطيات إلا أن المحاولات الحكومية باءت بالفشل، وهو الأمر الذي أرجعه الخبراء للشروط المالية والقانونية المجحفة لقانون الثروة المعدنية القديم.

وبعد تعديلات قانون الثروة المعدنية ولائحته التنفيذية، طرحت الحكومة المزايدة الأولى في عام 2020، ثم بدأت في طرح المزايدة الثانية بنهاية العام الماضي، ولعل بعض التفصيلات عن المزايدة الأولى والثانية تقدم إجابة عن التساؤل حول نجاح تلك المزايدات، وبالتالي نجاح التعديلات القانونية في جذب المستثمرين الأجانب.

1- المزايدة العالمية للذهب لعام 2020:

طرحت الحكومة المصرية المزايدة العالمية للذهب لعام 2020 في جولتها الأولى بإجمالي 320 قطاع على مساحة حوالى 56 ألف كم2 في الصحراء الشرقية والبحر الأحمر، وقد تم الإعلان عن نتائج المزايدة في نوفمبر2020، حيث حظيت المزايدة باهتمام 23 شركة اشترت حزم المعلومات المتاحة، حيث تقدم منها 17 شركة فاز منها 11 شركة بـ 82 قطاع على مساحة 14 ألف كم2 بالصحراء الشرقية بالتزام استثمارات بحد ادنى 60 مليون دولار في مراحل البحث الأولى منهم 7 شركات عالمية و4 شركات مصرية.

وتشير النظرة المبدئية لنتائج الجولة الأولى إلى هزلية النتائج المحققة حيث تم تخصيص (82) قطاع من جملة (320) قطاع، أي بما نسبته 25% فقط من إجمالي القطاعات التي طرحتها المزايدة، علاوة على اشتراط نسبة استثمارات مبدئية تبلغ 60 مليون دولار فقط لكل القطاعات التي تم تخصيصها وهي أرقام هزيلة للغاية، ولا تعبر عن حالة النجاح التي تروجها وزارة البترول.

ويتأكد ذلك أيضا من خلال ما تم الإعلان عنه أنه في بداية العام الحالي تم التوقيع مع عدد 8 شركات بإجمالي عدد 16 عقد للبحث والتنقيب عن الذهب لشركات كندية ومصرية مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية بإجمالي استثمارات تناهز 30 مليون دولار وذلك في 31 قطاعاً، والتي تعد باكورة عقود البحث والتنقيب عن الذهب التي أسفرت عنها المزايدة العالمية لعام2020[6]. ويعني ذلك أنه حتى الـ (82) قطاع الذين نجحت الوزارة في تسويقها لم يتم توقيع عقود إلا لحوالي (31) قطاع منها فقط حتى كتابة هذه السطور، وهو ما يشكل نسبة 9.5% فقط من إجمالي القطاعات المطروحة.

ولذلك سارعت وزارة البترول بالإعلان عن الجولة الثانية من المزايدة الأولى والتي جرى فتحها في نوفمبر 2020  وكان من المقرر إغلاقها في 30 يونيو 2021، ولكن قررت وزارة البترول والثروة المعدنية، مدّ فترة تلقّي العروض الخاصة بها لمدة شهرين، لتمتد إلى 15 سبتمبر، بدلًا من 15 يوليو، كما كان مقررًا، كما تأجيل إعلان النتائج مرة أخرى إلى بداية عام 2022 ولم تعلن حتى الآن[7].

وأرجعت الوزارة ذلك القرار، إلى جائحة كورونا التي يمر بها العالم، ولكي تتاح الفرصة لمزيد من الشركات لدراسة المناطق المطروحة والتقدم للمزايدة، وقد شملت المزايدة قطاعات محددة بالصحراء الشرقية تحت ولاية الهيئة العامة للثروة المعدنية فى مصر.

كما تستعد هيئة الثروة المعدنية لطرح مزايدة جديدة بالتعاون مع شركة شلاتين للتنقيب عن الذهب فى 7 مناطق جديدة بعد موافقة البرلمان المصري عليها، كان من المقرر طرحها خلال نوفمبر الماضي، ولم يعلن عنها حتى الآن.

عموما أشارت الوزارة إلى أن المناطق الجديدة المستهدفة بالمزايدة مليئة بالذهب والمعادن المصاحبة حسب الدراسات الجيولوجية التي أجريت عليها من قبل هيئة الثروة المعدنية، وذلك بمناطق «وادي العلاقي، منطقة عتود، منطقة البرامية، موقع حنجلية وأم عود، منطقة فاطيري بالصحراء الشرقية، أم جرايات، منطقة حماطة.

2- بعض الاستنتاجات حول المزايدة العالمية للذهب

تشير التفاصيل السابقة إلى بعض النقاط التي يمكن أن نستنتج منها نجاح أو فشل الإجراءات المصرية لتفعيل الاستثمار في مناجم الذهب. ويمكن استعراض بعض الاستنتاجات المتعلقة بها كما يلي:

  • المناجم المحتملة للذهب في مصر محددة بدقة ودرست بعناية من الجهات المصرية المتخصصة، ونشاط البحث والدراسة فيها أيسر وأقل تكلفة كثيرا من نظيراتها حول العالم.
  • بذلت الحكومة المصرية غاية جهدها في تهيئة البيئة الملائمة لجذب الاستثمار في القطاع، وكان التعديل القانوني والرضوخ للشروط المالية المتعارف عليها عالميا في مقدمة ذلك الجهد.
  • طبقا للأرقام التي أعلنت عنها وزارة البترول وسواء أكانت خصصت 25% أو 9.5% فقط من القطاعات المطروحة فذلك إعلان واضح عن عدم الإقبال على الاستثمار في الذهب في مصر.
  • يبدو من التحليل السابق لمواد القانون الجديد أن تخوفات بشان مطاطية بعض المواد، وإعطاء الوزارة وهيئاتها سلطات في إلغاء الترخيص وتغيير بعض البنود المالية المتعاقد عليها يمثل حاجزا مهما تسبب في ضعف الإقبال على المزايدات المصرية.
  • إعطاء وزارة الدفاع الحق في الموافقة على الترخيص بعد كل تلك الإجراءات الطويلة، ربما شكل سببا إضافيا لتخوف الشركات الأجنبية وعزوفها.
  • بطء إجراءات الترخيص للشركات الفائزة في المزايدة، فعلى الرغم من إعطاء القانون للوزير والهيئة صلاحية الترخيص فإنه من بين 16 عقدا نتجت عن المزايدة الأولى تم توقيع 8 عقود فقط (أي 50% منها)، وعلى الرغم من عدم وجود تصريحات رسمية حول أسباب تأخير توقيع بقية العقود، فإنه من المرجح أن اشتراط موافقة وزارة الدفاع كانت وراء ذلك، لأن وزارة البترول قد درست عروض كل الشركات خلال المزايدة وليس من المنطقي أن تتسبب في التأخير.
  • من الغريب حقا إقدام شركات مملوكة لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس على امتلاك حصص مهمة في شركات عاملة في الذهب حول العالم، وفشل مفاوضاته مع الحكومة المصرية بشأن امتلاك حصة من شركة شلاتين للثروة المعدنية، والتي تملك فيها الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية 35% من الشركة، ويحوز جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع 34%، وبنك الاستثمار القومي 24%، والشركة المصرية للثروات 7%. وذلك على الرغم مما تبديه الحكومة من حرص على استقدام الاستثمار الأجنبي لهذا القطاع.
  • وفي النهاية يجدر الإشارة إلى أن وزارة الدفاع من حقها وفق التعديلات القانونية امتلاك مناجم للذهب وغيره من المعادن تقع على ما في حوزتها من أراضي، دونما مزايدات أو دفع إتاوات أو ضرائب أو إيجار أسوة بالقطاع الخاص، والإشارة المهمة هنا أن أراضي الدولة بالكامل ملكية لوزارة الدفاع، وبما يعني أن لها أن تتخير ما تشاء من تلك الثروات، وما يتبقى سيكون للشعب.
  • لعل هذه الإتاحة القانونية لتملك وزارة الدفاع ما تشاء من مناجم الذهب في مصر يفسر قبولها التنازل عن ملكية بعض الشركات المملوكة لها من خلال طرحها بالبورصة، والتأكيد على أن هذا الطرح سيكون بنهاية العام الحالي[8]، أي أن هذه المناجم كانت بمثابة التعويض عن التنازل عن تلك الشركات.
  • عموما يمكن القول أنه مما يؤكد حالة الفشل للمستهدفات المصرية في تعدين الذهب مقارنة ما أعلنت الحكومة عنه بوضوح أنها تستهدف استثمارات أجنبية مباشرة بـحوالي 375 مليون دولار في قطاع التعدين خلال عامين، وسط توقعات بزيادة الاستثمارات المباشرة لتبلغ مليار دولار عام 2030، بالمتحقق فعليا 30 مليون دولار فقط حتى الآن.
  • النتيجة ذات الأهمية الكبري في ذلك الإطار أن عوائد استثمارات الذهب في مصر وكذلك عوائد الإنتاج المقتسمة مع المستثمرين الأجانب والمحليين تبدو هزيلة للغاية ولا تبدو حتى الآن مرشحة لسد جزء ذا أهمية من عجز الموازنة العامة للدولة أو من الفجوة الدولارية والتي تتعاظم بتراكم خدمة الديون الخارجية واتساع عجز الميزان التجاري.

خامسا: دمغة الليزر الجديدة للمشغولات الذهبية

 فوجئ المصريون بإعلان وزير التموين عن دمغة الليزر واستبدالها بالدمغة التقليدية المتعارف عليها في مصر منذ الاحتلال الإنجليزي، والدمغة التقليدية هي دمغة بالأقلام الصلبة، عبارة عن رموز تدمغ وتختم عبر مكابس على أجزاء الذهب، وهي مدموغة من مصلحة الموازين والدمغة التابعة لوزارة المالية ووفق الرسوم الحكومية المقررة لذلك.

أما الدمغة بالليزر، فهي تقنية أكثر إحكاما من الدمغة التقليدية، تسمح بتسجيل اسم الصانع، وبيانات القطعة الذهبية المتعلقة بتواريخ صناعتها ودمغها في مصلحة الدمغ والموازين، لتسجل في ملف كامل في المصلحة، وتتيح الرجوع إلى هذه البيانات في أي وقت.

 وبالطبع فإن دمغة الليزر ستقلل من الغش وتقليد الأختام الصلب والتلاعب في حجم العيار من قبل بعض التجار، غير أن تكلفة الدمغة بالليزر أعلى نسبيا من الدمغة التقليدية، وهذا السعر سيتحمله البائع والمشتري، وبالتالي سيكون هناك رسوم إضافية على سعر الذهب نتيجة ضريبة دمغة الليزر.

إذاً المشغولات الذهبية في المنازل المصرية -طبقا للتصريحات الرسمية- والمدموغة بدمغة رسمية غير مقلدة، ويحمل صاحبها فاتورة رسمية، لن يجبر صاحبها على نوع آخر من الدمغات ويمكنه بيع ذهبه بنفس السعر السوقي. وبما يعني أن الذهب الذي في حوزة المواطنين لا مساس به، وسيتم تداوله واعتماده طالما الدمغة سليمة[9].

ورغم هذه التصريحات الرسمية إلا أنه يمكن القول أن الموقف لايزال ضبابيا إلى حد كبير ولم تسبقه تهيئة ملائمة توضح تبعاته على المواطن العادي الذي بات متأكدا من الهدف الجبائي لتصرفات الحكومة، كما أنه يمكن القول بأنه قرار في الاتجاه الصحيح اذا كان مخصصا للشركات لتقليل السرقة والتلاعب والغش، لأنه مع الدمغ بالليزر ستكون لكل قطعة ذهبية باركود مدون عليه بيانات المستهلك وتاريخ التصنيع ونوع الجرام والوزن، مما يصعب بيعها في حال سرقتها.

ما سبق كان ملخصاً لأهم النقاط التي تم تداولها في أعقاب التصريح المقتضب لوزير التموين، والذي أثار الكثير من التساؤلات، وحول تلك النقطة يمكن استنتاج ما يلي:

  • التصريح يمكن موضعته في إطار بالونات الاختبار التي تلقى بصفة دورية للمواطنين وفي إطار موضوعات ذات أهمية كبيرة بالنسبة لهم، وليس قرارا نهائيا فمصر لا تمتلك حتى بعد تصريح الوزير التقنيات اللازمة لدمغة الليزر.
  • وحتى بفرض امتلاك التقنية فإن ممتلكات المصريين من الذهب والتي تتعدي غاية الزينة إلى كونها مخزن للقيمة، يصعب بل يستحيل دمغها في فترة قصيرة، وبحسبة بسيطة فإن 49 مليون امرأة مصرية (طبقا لتعداد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء) مضروبا في 10 جرام ذهب للأنثى الواحدة في المتوسط، يعني 490 مليون جرام ذهب قديم (أي حوالي 500 ألف كيلوجرام)، ربما يحتاج دمغها أكثر من عقد من الزمان.
  • يمكن القول أن التصريح تمهيد لتوفير عمل لمدينة الذهب الجديدة حال إنشائها، كما سيوفر بعض الإيرادات للموازنة العامة ممن سيخافون على ممتلكاتهم من الذهب، وربما يتطور الأمر حال توافر التقنيات وتعاظم الأزمة المالية إلى إجبار المواطنين على الدمغة الجديدة.
  • من الجدير بالذكر أن قيمة الدمغة الحالية تبلغ ألف جنيه على كيلو الذهب، بمعدل 1.25 جنيه عن كل جرام، يضاف إليها ضريبة القيمة المضافة، والتي تحتسب بمعدل جنيه عن كل جرام[10]، ومن المتوقع أن تكون قيمة دمغة الليزر أغلى بعض الشيء من الدمغة التقليدية القديمة، بما يوفر إيرادا جديدا للموازنة العامة.

خلاصة:

استعرضت الورقة الخطط الحكومية حول تعدين الذهب في مصر و الإعلان عن دمغة الليزر الجديدة، في محاولة للإجابة عن التساؤلات حول نجاح الخطط الحكومية للبحث والاستغلال وبما يوفر مصادر إضافية تدعم الموازنة العامة للدولة وتسد نسبة من الفجوة الدولارية.

وقد خلصت الورقة بناء على الكثير من المؤشرات والنقاط التوضيحية إلى فشل هذه الخطط وصعوبة الاعتماد على عوائد الذهب سواء من الاستثمارات أو من الإنتاج المشترك مع الشركات لتغطية نسب معتبرة من تلك المستهدفات.

كما خلصت الورقة كذلك إلى صعوبة تعميم الدمغة الجديدة على المشغولات الذهبية في المنازل المصرية تقنيا وعمليا، وأن الهدف ربما يكون قد جمع بعض الأموال واختبار إمكانية توفير عمل لمدينة الذهب الجديدة التي لا تزال قيد الدراسة.


الهامش
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close