fbpx
الشرق الأوسطتقديرات

استئناف العمليات المسلحة في الضفة الغربية: الشواهد والدلالات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

بعد غياب دام عدة أشهر، شهدت الأسابيع الأخيرة تنفيذ سلسلة من العمليات المسلحة والهجمات العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في مناطق مختلفة بالضفة الغربية، أسفرت في مجموعها عن مقتل وإصابة العديد من المستوطنين والجنود الإسرائيليين.

وتمثل الضفة الغربية أهمية إستراتيجية على مختلف الأصعدة، فأقرب نقطة بين حدود الضفة الغربية نزولا باتجاه الغرب إلى عمق إسرائيل ووصولا إلى البحر تتراوح بين 12-15 كلم، وتطل جبال الضفة على عمق المناطق الإسرائيلية، وتشرف بالكامل على أكثر من 45% من مساحة الشريط الغربي.

الخلايا النائمة

جسدت عودة العمليات الفلسطينية تخوفات المصادر العسكرية والأمنية الإسرائيلية من وجود بنية تحتية لخلايا فلسطينية مسلحة منتشرة في الضفة الغربية، يمكن وصفها باللغة الاستخبارية بـ “الخلايا النائمة”، بعد أن كان التقدير الإسرائيلي طوال الفترة الماضية أننا أمام منفذين منفردين، ليسوا مرتبطين بمنظمات فلسطينية.

لم يعد سرا أن حركة حماس وغيرها من قوى المقاومة، حاولت، وما زالت تحاول، نقل قدراتها العسكرية وإمكانياتها التسليحية إلى الضفة الغربية، لكنها لم تنجح بفعل الجهود الأمنية التي تبذلها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء، حيث تم إحباط العديد من المحاولات لتشكيل خلايا مسلحة، وضبط بعض قطع الوسائل القتالية في مناطق مختلفة من الضفة الغربية.

ولكثرة هذه التهديدات التي اعتبرت “إستراتيجية”، دعت أوساط وزارية واستيطانية إسرائيلية لإقامة المزيد من الأسيجة الأمنية الفاصلة حول التجمعات الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية، خاصة مستوطنات “آريئيل، غوش عتصيون، معاليه أدوميم”، لحمايتها من عمليات محتملة، في ظل اعتقاد الجهات الأمنية الإسرائيلية المختصة بأن المقاومة ستستمر في مناطق الضفة الغربية.

كان واضحا خلال الشهور الماضية، أن المصادر العسكرية الإسرائيلية أكثرت من الكشف عن ضبط كميات من الأسلحة المختلفة بمناطق في الضفة، تحضيرا على ما يبدو لجولة جديدة من المقاومة، رغم أن هذه الأسلحة لا توجد خللاً حاداً في التوازن القائم في المنطقة، لأنها لا تنطوي على تهديد خطير للجيش الإسرائيلي، فالحديث يدور عن أسلحة يدوية خفيفة، لكن استخدامها في منطقة تعج بالمستوطنين والدوريات العسكرية كالضفة الغربية، يجعل حيازتها أمرا محفوفا بمخاطر جمة.

يمكن الإشارة إلى جملة من العمليات التي شهدتها الضفة الغربية خلال الآونة الأخيرة: إطلاق النار ضد سيارات المستوطنين، زرع عبوات ناسفة باتجاه حافلات إسرائيلية، التخطيط لخطف الجنود وأسلحتهم، وجمع معلومات حول أماكن تجمع الجنود بغرض تنفيذ عمليات.

وكان لافتاً أن حماس، بالذات، التي نفذت الكم الأكبر من تلك العمليات، لم تكن تعلن مسئوليتها عنها، لاعتبارات أمنية وعسكرية بحتة، وقد استفادت من ذلك على أكثر من مستوى: الاستمرار في العمليات العسكرية في الضفة الغربية دون منح الاحتلال طرف خيط، وعدم رغبتها بالدخول بصدام مع السلطة الفلسطينية، التي تلاحق المقاومين وتفكك الخلايا.

مؤشر الخوف

بعد النجاحات الموجِعة التي حقّقتها قوى المقاومة في الضفة الغربية باستهداف جنود الاحتلال، وتصعيدها لحرب المستوطنات، واستكمالاً للنجاحات التي حقّقتها، شرعت الجهات الأمنية والجيش الإسرائيلي بتشكيلاته بتعزيز الحراسات غير العادية في المناطق المستهدفة.

ويتضح من معطيات الحال في الضفة الغربية، الذي يمكن أن يطلق عليه “اتساع مؤشّر الخوف” أن دوريات عسكرية ودبابات تساندها المروحيات بدأت بمهام غير اعتيادية من حيث المسؤوليات والمهام الميدانية، واتساع الدائرة في المستوطنات ومحيطها وكافة الطرق والمعابر المؤدّية إليها.

كما لجأ جيش الاحتلال إلى اعتماد أسلوب التمويه لإعطاء الصورة للرقابة الفلسطينية وخلايا الرصد وجمع المعلومات بوجود أنماط جديدة وشديدة من التيقّظ والحمايات الأمنية والحراسات، للحيلولة دون أن يتمكّن أحد من تنفيذ أي عمليات سواء كانت عسكرية أو خطف، تمهيداً لتبادل أسرى كما صرحت المقاومة وأجنحتها العسكرية في أكثر من مناسبة.

الواضح أن ما سبق يتم تنفيذه بشكلٍ دقيقٍ فيما يتعلّق بالمشاهدات، عدا عن الأمور غير المعلنة فيما يشكّل عنصر المفاجأة أداة أخرى وسلاحاً ذا فعالية في سياق مقاومة المقاومة. وتعتبر المستوطنات المحيطة بالمدن الفلسطينية بالضفة الغربية أمثلة حية، وأدلة جديدة على ما سبق ذكره، حيث تلاحظ بالعين المجردة تلك التحرّكات، ويتناقلها الفلسطينيون والصحف كخبرٍ عادي يأتي في سياق النشاطات الاستفزازية الإسرائيلية للفلسطينيين.

ففي محيط هذه المستوطنات يشاهد الفلسطينيون عمليات إطلاق القنابل المضيئة ليلاً، في الوقت الذي تتحرّك فيه السيارات العسكرية مستخدمة الأضواء الشبيهة بأضواء سيارات الإسعاف، ناهيك عن النشاط المكثف للمروحيات العسكرية ليلاً ونهاراً، فيما تظلّ تلك المناطق تخضع لعنصرٍ آخر يرفع مؤشّرات الخوف لدى الإسرائيليين وهو استمرار حالة الضباب الليلي على التلال الجبلية هناك.

وفي محيط بعض المستوطنات، تشتد الأمور بشكلٍ أكثر خطورة من حيث كثافة النيران العشوائية والإنارة الليلية، والتي يتبيّن لاحقاً أنها مناورات وتدريبات على المواجهة والاستعداد لأي طارئ، وعلى طول نقاط التماس والمستوطنات تتكرّر الصورة بشكلٍ أوسع تصل في كثير من الأحيان لاتخاذ الأمكنة لمهاجع ومراكز للدبابات المجنزرة، بما ينطبق على معظم المستوطنات.

ويشير واقع التجربة في الضفة الغربية، أن المعسكرات التابعة لقوات الاحتلال تعتبر مواقع متقدّمة يقع على عاتقها العبء الأكبر في تنفيذ وإسناد المهام، بل والتخطيط لها من حيث قربها وتواصلها مع ضباط أمن المستوطنات والدوريات المسلحة للمستوطنين هناك.

بل إن الحال قد وصل ببعضهم في بعض الأحيان للتنقل من المستوطنات والمغادرة لساعات من أجل التسوّق، مستخدمين الدبابات المجنزرة في أحدث “تقليعة” من تقاليع الهوس الأمني والخوف والهلع الشديدين الذي يحاصر أدق التفاصيل اليومية للمستوطنين في الضفة الغربية.

وفي حال توزيع خمس دوريات عسكرية بطاقمها الكامل للمستوطنات التي يفوق عددها 120 مستوطنة والعديد من البؤر الاستيطانية، المصنفة بـ”غير الشرعية”، ومن خلال حسبة عادية نجد أن التكاليف المادية لهذه الدوريات عالية جداً، ناهيك عن مقاييس الخوف لدى المشاركين، وقد ينضم عددٌ منهم لتجمّع الرافضين للخدمة بالضفة الغربية حماية لأرواحهم.

وفي أحدث معطيات تعبّر عن المخاوف بمستوطنات الضفة الغربية، تسرّبت معلومات غير مؤكدة تفيد بأن بعض النقاط الاستيطانية باتت مهجورة لا يسكنها سوى عدة عائلات فقط.

سيناريوهات محتملة

وفق أكثر السيناريوهات ترجيحا، وبعيدا عن الظروف الموضوعية والذاتية التي تمر، وما زالت تمر بها، قوى المقاومة في غزة، فإن المقاومة بالضفة الغربية قد تكون أكثر مرونة مما هو الحال في غزة، لتتخذ أشكالا عدة:

1- مهاجمة دوريات الجيش وقطعان مستوطنيه.

2- عمليات الاقتحام الاستشهادية داخل المستوطنات، وان أصبحت أكثر صعوبة.

3ـ العمليات الاستشهادية داخل العمق الإسرائيلي، وهذا النوع من العمليات الأكثر تأثيرا على إسرائيل، إلا أنه أصبح بعد بناء الجدار الفاصل أكثر صعوبة، غير أن تنفيذها يبقى واردا، ورغم وجود حالة من النقاش الداخلي في صفوف المقاومة، حول جدواه وعوائده، لكن المقاومة قد تجد آليات لتجاوز هذه العقبة، فطول الجدار وقربه من التجمعات السكانية قد يسهل في ذلك.

وبلغة الأرقام، فقد شهد العام الحالي 2018 تنفيذ أكثر من 4367 عملية وهجمة، أوقعت 17 قتيلاً إسرائيلياً وأصابت أكثر من 170 آخرين، يمكن تقسيمها على النحو التالي: 42 إطلاق نار، 34 طعن ومحاولة طعن، 15 دهس ومحاولة دهس، 53 إلقاء أو زرع عبوات ناسفة، 262 إلقاء زجاجات حارقة، وتراوحت العمليات الأخرى بين إلقاء حجارة، ومواجهات قرب نقاط التماس في عموم الضفة الغربية والقدس.

ويبرز السؤال أكثر إلحاحا عن ساحة المقاومة في الضفة الغربية، لعدة اعتبارات: وجود الاحتلال الإسرائيلي الذي اجتاح مدن الضفة، ولا زال يحتلها منذ عام 2002، واعتقال كافة نشطاء العمل الميداني، سواء على مستوى الكوادر السياسية أو العسكرية، كما أتاح اجتياح الضفة للمخابرات الإسرائيلية تشكيل شبكة واسعة من العملاء تعمل على مراقبة تحركات أي فلسطيني يكون على صلة بالمقاومة، وأنه رغم نجاح بعض رجال المقاومة في التخفي عن عيون الاحتلال وعملائه، إلا أن قدرتهم على التحرك ليست سهلة في ظل الانتشار العسكري المكثف في كافة المدن والقرى.

ومن الأهمية بمكان عدم نسيان الدور الكبير الذي تقوم به السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، في توفير المعلومات الأمنية للإسرائيليين عن أي حراك ميداني لقوى المقاومة، وزيادة حجم الضغط الأمني والعسكري كثيرا خلال الشهور الماضية على قوى المقاومة، لاسيما بحملات الاعتقالات لعدد من الكوادر الميدانية في مختلف فصائل المقاومة.

أخيراً..

فإن التفاصيل السابقة تُشكل ضغطاً عالي الحساسية على مجمل الملف الأمني الإسرائيلي، والتداعيات الناجمة عن نجاح المقاومة باختراق الاحتياطات، وما يعرف بـ “الضرب في المليان”، وهو بحدّ ذاته يدفع باتجاه تفريغ المستوطنات وإشعار المحتلين بفقدان الأمان في كلّ مكان من الضفة الغربية، حتى في الأسواق والمركبات والكرفانات الاستيطانية المنتشرة هنا وهناك ([1]).


([1]) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close