fbpx
اوروبا وامريكاترجمات

استراتيجية الأمن القومي الأمريكي–2022 (4)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في 12 أكتوبر 2022، أصدرت الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس جو بايدن “استراتيجية الأمن القومي” الأمريكي التي ترسم “رؤية لعالم حر ومنفتح وآمن ومزدهر، مع خطة شاملة لتحقيق هذه الرؤية، بحسب بيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية في نفس اليوم. حيث يقول بيان الخارجية، “ليست هذه رؤيتنا فحسب، بل هي رؤية نتشارك فيها مع العديد من البلدان الأخرى التي تسعى إلى العيش في عالم يحترم المبادئ الأساسية لتقرير المصير وسلامة الأراضي والاستقلال السياسي؛ عالم تكون الدول فيه حرة في تحديد خيارات سياستها الخارجية؛ عالم يتيح حرية تدفق المعلومات ويحترم حقوق الإنسان العالمية ويعمل الاقتصاد العالمي فيه على أساس تكافؤ الفرص، ويوفر الفرص للجميع”.

ونظراً لأهمية الاستراتيجية في العمل البحثي، فقد قام المعهد المصري للدراسات بترجمة كامل النص وإتاحته للباحثين، على حلقات، تم نشر الحلقة الأولى منها، والتي شملت مقـدمة الرئيس بايدن، وعرض إجمالي للاستراتيجية؛ والحلقة الثانية، والتي شملت الجزء الأول من الاستراتيجية، تحت عنوان: “المنافسة على ما هو قادم”، والحلقة الثالثة، والتي شملت الجزء الثاني من الاستراتيجية، تحت عنوان: “الاستثمار في قوتنا”. وهذه هي الحلقة الرابعة، وتشمل الجزء الثالث من الاستراتيجية، تحت عنوان: “أولوياتنا العالمية”، وذلك على النحو التالي:

الجزء الثالث: أولوياتنا العالمية

الخطوات التي تم توضيحها في القسم السابق – بناء قوتنا في الوطن للحفاظ على الميزة التنافسية؛ واستخدام قوتنا الدبلوماسية لبناء أقوى تحالف ممكن لدعم عالم مفتوح وحر ومزدهر وآمن؛ وأن تحديث جيشنا وتقويته سيضع الولايات المتحدة في وضع يمكّنها من تقوية النظام الدولي الذي قدم منافع واسعة للشعب الأمريكي على مدى عقود وللتغلب على منافسينا الذين يقدمون رؤية مخالفة لرؤيتنا. لذا، فإن اتساع وتعقيد مصالحنا العالمية يؤكد أننا بحاجة إلى استخدام هذه القوة بشكل استراتيجي. وهناك ثلاثة خطوط مترابطة للجهود الواجب بذلها، لهاأهمية قصوى – التعامل مع التحديات التي تواجه النظام الدولي والتي يفرضها منافسونا الاستراتيجيون؛ ومعالجة التحديات العالمية المشتركة؛ وتشكيل قواعد الطريق للتكنولوجيا، والأمن السيبراني، والتجارة والاقتصاد.

التغلب على الصين وكبح جماح روسيا

تنحاز الصين وروسيا بشكل متزايد إلى بعضهما البعض، لكن التحديات التي تفرضانها مختلفة من نواحٍ مهمة. وسنعطي الأولوية للحفاظ على ميزة تنافسية دائمة على جمهورية الصين الشعبية مع تقييد روسيا التي لا تزال شديدة الخطورة.

الصين

جمهورية الصين الشعبية هي المنافس الوحيد الذي لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولي، وبشكل متزايد القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك. ولدى بكين طموحات لخلق مجال نفوذ معزَّز في المحيطين الهندي والهادئ وأن تصبح القوة الرائدة في العالم. إنها تستخدم قدرتها التكنولوجية وتأثيرها المتزايد على المؤسسات الدولية لخلق ظروف أكثر تساهلاً لنموذجها الاستبدادي الخاص بها، ولصياغة استخدام التكنولوجيا العالمية ومعاييرها لتمييز مصالحها وقيمها. وكثيرا ما تستخدم بكين قوتها الاقتصادية لإكراه الدول على بعض المواقف. وبينما تستفيد من انفتاح الاقتصاد الدولي فإنها تعمل على الحد من الوصول إلى السوق المحلية، وتسعى إلى جعل العالم أكثر اعتماداً على الصين مع تقليل اعتمادها هي على العالم. وتستثمر جمهورية الصين الشعبية أيضاً في بناء جيش يجري تحديثه بسرعة كبيرة، وقدرة متزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وينمو من حيث القوة والتمدد عالمياً – كل ذلك في الوقت الذي تسعى فيه إلى تآكل التحالفات الأمريكية في المنطقة وحول العالم.

وفي نفس الوقت، تعد الصين مركزية أيضاً بالنسبة للاقتصاد العالمي ولها تأثير كبير على التحديات المشتركة، لا سيما تغير المناخ والصحة العامة العالمية. ومن الممكن أن تتعايش الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية بسلام، وأن تشاركا وتساهما معاً في التقدم البشري.

وتتمثل استراتيجيتنا تجاه جمهورية الصين الشعبية في ثلاثة جوانب:

1- الاستثمار في أسس قوتنا في الوطن – قدرتنا التنافسية، وابتكارنا، ومرونتنا، وديمقراطيتنا،

2- مواءمة جهودنا مع شبكة الحلفاء والشركاء لدينا، والعمل بشكل مشترك الهدف ومن أجل قضية مشتركة كذلك، و

3) التنافس بمسؤولية مع الصين للدفاع عن مصالحنا وبناء رؤيتنا للمستقبل.

وتم وصف العنصرين الأولين (1،2) – الاستثمار والمواءمة – في الجزء السابق وهما ضروريان للتنافس مع الصين  في المجالات التكنولوجية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والاستخباراتية والحوكمة العالمية.

وتبدو المنافسة مع الصين أكثر وضوحاً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولكنها أيضاً تمتد عالمياً بشكل متزايد. ويدور التنافس حول العالم لكتابة قواعد الطريق وتشكيل العلاقات التي تحكم الشؤون العالمية في كل منطقة، وعبر الاقتصاد والتكنولوجيا والدبلوماسية والتنمية والأمن والحوكمة العالمية.

ومن الواضح أن السنوات العشر القادمة ستكون هي العِقد الحاسم في المنافسة مع جمهورية الصين الشعبية، كما هو الحال في الساحات الأخرى. فنحن نقف الآن عند نقطة انعطاف، حيث ستضعنا الخيارات التي نتخذها والأولويات التي نتبعها اليوم على مسار يحدد موقعنا التنافسي لفترة طويلة في المستقبل.

ويقف العديد من حلفائنا وشركائنا، خاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، على الخطوط الأمامية لمواجهة وإكراه الصين وهم مصممين حقاً على السعي لضمان استقلاليتهم وأمنهم وازدهارهم. ومن جانبنا سندعم قدرتهم على اتخاذ قرارات سيادية تتماشى مع مصالحهم وقيمهم، بعيداً عن الضغوط الخارجية، ونعمل على توفير استثمارات عالية المستوى ومتكاملة، ومساعدات إنمائية، وأسواق. وستتطلب استراتيجيتنا أن نتشارك وندعم ونلبي الاحتياجات الاقتصادية والإنمائية للدول الشريكة، ليس من أجل المنافسة، ولكن من أجل تحقيق مصالحها الخاصة. وسوف نعمل في إطار هدف مشترك لمعالجة مجموعة من القضايا، من البنية التحتية الرقمية غير الموثوقة، والإجبار على العمل في سلاسل التوريد، والصيد غير القانوني وغير المبلَّغ عنه وغير المتقيد بالقواعد. وسنحاسب بكين على الانتهاكات – الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية في شينجيانغ، وانتهاكات حقوق الإنسان في التبت، وتفكيك الحكم الذاتي والحريات في هونغ كونغ – حتى في الوقت الذي تسعى فيه إلى الضغط على الدول والمجتمعات لإسكاتهم وإجبارهم على الصمت. وسنواصل إعطاء الأولوية للاستثمارات في جيش قتالي موثوق به يردع العدوان ضد حلفائنا وشركائنا في المنطقة، ويستطيع مساعدة هؤلاء الحلفاء والشركاء في الدفاع عن أنفسهم.

ولدينا مصلحة دائمة في الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان، وهو أمر حيوي للأمن والازدهار الإقليمي والعالمي، ومسألة تحظى بقلق واهتمام دوليين. ونعارض أي تغييرات أحادية الجانب للوضع الراهن من أي من الجانبين، وفي نفس الوقت لا نؤيد استقلال تايوان. فنحن لا نزال ملتزمين بسياسة صين واحدة، التي يسترشد بها قانون العلاقات مع تايوان، والبيانات المشتركة الثلاثة، والتأكيدات الستة بهذا الخصوص. وسوف نتقيد بالتزاماتنا في ذلك بموجب قانون العلاقات مع تايوان لدعم الدفاع عن النفس بالنسبة لتايوان والحفاظ على قدرتنا على مقاومة أي لجوء إلى القوة أو الإكراه ضد تايوان (من جانب الصين).

وعلى الرغم من أنه قد يكون لدى الحلفاء والشركاء وجهات نظر متميزة حول جمهورية الصين الشعبية، فإن نهجنا الدبلوماسي وتصرفات الصين الخاصة، قد أنتج فرصاً كبيرة ومتنامية لمواءمة الأساليب وتحقيق النتائج (مع الحلفاء). حيث تتطلع الدول في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بوضوح إلى طبيعة التحديات التي تفرضها الصين. وترغب الحكومات موارد مالية عامة مستدامة. ويريد العمال أن تتم معاملتهم بكرامة واحترام. ويتطلع المبتكرون إلى ضرورة مكافأتهم على براعتهم ومخاطرتهم وجهودهم الدؤوبة. وترغب الشركات المغامرة في مياه مفتوحة وحرة يمكن من خلالها تداول منتجاتها.

وبينما نتنافس بقوة، فإننا سندير هذه المنافسة بمسؤولية. وسنسعى إلى مزيد من الاستقرار الاستراتيجي من خلال تدابير تقلل من خطر التصعيد العسكري غير المقصود، وتعزز الاتصالات في وقت الأزمات، وتبني الشفافية المتبادلة، وصولاً إلى إشراك بكين في القيام بالمزيد من الجهود الرسمية من أجل الحد من التسلح. وسنكون دائماً على استعداد للعمل مع الصين حيث تتوافق مصالحنا. فلا يمكننا أن نسمح للخلافات التي تفرقنا بأن تمنعنا من المضي قدماً تجاه الأولويات التي تتطلب أن نعمل معاً من أجل مصلحة شعبنا ولصالح العالم. ويشمل ذلك المناخ، والتهديدات الوبائية، ومنع الانتشار النووي، ومكافحة المخدرات المحرمة وغير المشروعة، وأزمة الغذاء العالمية، وقضايا الاقتصاد الكلي. وباختصار، فسوف نتعامل بشكل بناء مع جمهورية الصين الشعبية حيثما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ليس لصالحنا أو لصالح أي أحد آخر، وليس مقابل الابتعاد عن مبادئنا، ولكن لأن العمل معاً لإيجاد حلول للتحديات الكبيرة هو ما يتوقعه العالم من القوى العظمى، ولأن ذلك يصب في مصلحتنا بشكل مباشر. ولا ينبغي لأي دولة أن تحول دون التقدم في القضايا الوجودية العابرة للحدود مثل أزمة المناخ بسبب الخلافات الثنائية.

وبينما لدينا خلافات عميقة مع الحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية، فهذه الاختلافات هي بين الحكومات والأنظمة – وليس بين شعوبنا. حيث تواصل العلاقات الأسرية والصداقة في تعزيز الروابط بين الشعبين الأمريكي والصيني. ونحن نحترم بعمق إنجازاتهم وتاريخهم وثقافتهم. إذ لا مكان للعنصرية والكراهية في أمة بنتها أجيال من المهاجرين للوفاء بوعد الفرص للجميع. ونعتزم العمل سوياً لحل القضايا الأكثر أهمية لشعبي البلدين.

روسيا

على مدى العقد الماضي، اختارت الحكومة الروسية اتباع سياسة خارجية إمبريالية بهدف قلب العناصر الأساسية للنظام الدولي. وبلغ هذا الأمر ذروته في

الغزو ​​واسع النطاق لدولة أوكرانيا في محاولة للإطاحة بحكومتها وإخضاعها للسيطرة الروسية. ولكن هذا الهجوم لم يأت فجأة من فراغ. فقد سبقه غزو روسيا لأوكرانيا عام 2014، وتدخلها العسكري في سوريا، وجهودها الطويلة لزعزعة استقرار جيرانها باستخدام القدرات الاستخباراتية والإلكترونية، ومحاولاتها الصارخة لتقويض العمليات الديمقراطية الداخلية في دول عبر أوروبا وآسيا الوسطى وحول العالم. كما تدخلت روسيا أيضاً بوقاحة في السياسة الأمريكية وعملت على زرع الانقسامات بين الشعب الأمريكي. ولا تقتصر أعمال روسيا المزعزعة للاستقرار على الساحة الدولية. ففي الداخل، تنتهك الحكومة الروسية في عهد الرئيس بوتين حقوق الإنسان لمواطنيها، وتقمع معارضيها، وتغلق وسائل الإعلام المستقلة. ولدى روسيا الآن نظام سياسي راكد لا يستجيب لاحتياجات شعبها.

وقد بذلت الولايات المتحدة، في ظل الإدارات المتعاقبة، جهوداً كبيرة في نقاط متعددة للوصول إلى روسيا من أجل الحد من التنافس بيننا وتحديد مجالات  براغماتية للتعاون. ولكن الرئيس بوتين رفض هذه الجهود وأصبح من الواضح الآن أنه لن يتغير. حيث تشكل روسيا الآن تهديدا مباشرا ومستمرا للسلم والاستقرار الدوليين. ولا يتعلق الأمر بالصراع بين الغرب وروسيا، إنما يتعلق بالمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، وروسيا طرف فيه، ولا سيما احترام السيادة وسلامة الأراضي وحظر الاستيلاء على أراضي الغير من خلال الحرب.

إننا نقود بشكل مبدئي رداً موحداً وحازماً على الغزو الروسي، وقد حشدنا العالم لدعم الشعب الأوكراني الذي يدافع بشجاعة عن بلاده. ومن خلال العمل مع تحالف دولي واسع ودائم، قمنا بتنظيم مستويات شبه قياسية من المساعدة الأمنية لضمان أن تتوفر لدى أوكرانيا الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها. وقمنا بتقديم ​​مساعدات إنسانية واقتصادية وتنموية لتقوية الحكومة الأوكرانية المنتخبة ذات السيادة ومساعدة ملايين اللاجئين الذين أُجبروا على الفرار من ديارهم. وسوف نستمر في الوقوف إلى جانب الشعب الأوكراني وهو يقاوم العدوان الروسي السافر. وسنحشد العالم من أجل محاسبة روسيا على الفظائع التي ارتكبوها في جميع أنحاء أوكرانيا.

وبالعمل جنباً إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا، تساعد أمريكا في تحويل حرب روسيا على أوكرانيا إلى فشل استراتيجي. ففي جميع أنحاء أوروبا، يتحد الناتو والاتحاد الأوروبي في مواجهة روسيا والدفاع عن القيم المشتركة. وفرضنا قيوداً على القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية لروسيا، بما في ذلك الدفاع والفضاء، وسنواصل مواجهة محاولات روسيا إضعاف وزعزعة استقرار الدول ذات السيادة وتقويض المؤسسات المتعددة الأطراف. ونعمل جنباً إلى جنب أيضاً مع حلفائنا في الناتو، على تعزيز دفاعنا وردعنا، لا سيما على الجانب الشرقي من الحلف. وسيؤدي ضم فنلندا والسويد إلى الناتو إلى تحسين أمننا وقدراتنا. ونجدد تركيزنا على تعزيز قدرتنا الجماعية على الصمود ضد التهديدات المشتركة من روسيا، بما في ذلك التهديدات غير المتكافئة. وعلى نطاق أوسع، أدت حرب بوتين هذه إلى تقليص مكانة روسيا بشكل كبير في مواجهة الصين والقوى الآسيوية الأخرى مثل الهند واليابان.

وقد تضاءلت القوة الناعمة لموسكو ونفوذها الدبلوماسي، في حين جاءت جهود استخدام الطاقة كسلاح بنتائج عكسية عليها. إن الرد العالمي التاريخي على حرب روسيا ضد أوكرانيا يبعث برسالة مدوية مفادها أن الدول لا يمكنها التمتع بفوائد التكامل العالمي بينما تدوس على المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة.

وفي حين أن بعض جوانب نهجنا ستعتمد على مسار الحرب في أوكرانيا، فإن عدداً من العناصر بهذا الشأن واضحة المعالم بالفعل:

أولاً، ستواصل الولايات المتحدة دعم أوكرانيا في كفاحها من أجل حريتها، وسنساعد أوكرانيا على التعافي اقتصادياً، وسنشجع اندماجها الإقليمي مع الاتحاد الأوروبي.

ثانياً، ستدافع الولايات المتحدة عن كل شبر من أراضي الناتو وستواصل بناء وتعميق تحالف مع الحلفاء والشركاء لمنع روسيا من التسبب في مزيد من الضرر للأمن والديمقراطية والمؤسسات الأوروبية.

ثالثاً، ستردع الولايات المتحدة، وسترد عند الضرورة، على الإجراءات الروسية التي تهدد المصالح الأمريكية الأساسية، بما في ذلك الهجمات الروسية على بنيتنا التحتية وديمقراطيتنا.

رابعاً، سيكون الجيش الروسي التقليدي قد تم إنهاكه، مما سيؤدي على الأرجح إلى زيادة اعتماد موسكو على الأسلحة النووية في تخطيطها العسكري. ولن تسمح الولايات المتحدة لروسيا، أو لأي قوة أخرى، بتحقيق أهدافها من خلال استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها.

وتحتفظ أمريكا بالمصلحة في الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي وتطوير بنية تحتية للتحكم في الأسلحة تكون أكثر اتساعاً وشفافية ويمكن التحقق منها لتخلُف معاهدة نيو ستارت في إعادة بناء الترتيبات الأمنية الأوروبية التي أصبحت في حالة سيئة بسبب تصرفات روسيا.

وأخيراً، ستدعم الولايات المتحدة وتطوِّر أنماطاً براغماتية للتفاعل من أجل معالجة القضايا التي يمكن أن يكون التعامل مع روسيا بشأنها مفيداً للطرفين.

وتحترم الولايات المتحدة الشعب الروسي وإسهاماته في العلم والثقافة والعلاقات الثنائية البناءة على مدى عقود عديدة. وعلى الرغم من سوء التقدير الاستراتيجي للحكومة الروسية في مهاجمة أوكرانيا، فإن الشعب الروسي هو الذي سيحدد مستقبل روسيا كقوة كبرى قادرة مرة أخرى على لعب دور بناء في الشؤون الدولية. حيث سترحب الولايات المتحدة بمثل هذا المستقبل، وفي غضون ذلك، ستستمر في صد العدوان الذي ترتكبه الحكومة الروسية.

التعاون في مواجهة التحديات المشتركة

يجب على الولايات المتحدة أن تحافظ على التعاون الدولي بشأن التحديات المشتركة وتعمل على زيادته، حتى في عصر المنافسة بين الدول. وفي عالم مثالي، قد تتنافس الحكومات بشكل مسؤول حيث تتباعد مصالحها وتتعاون حيث تتلاقى – لكن الأمور لم تسر دائماً على هذا النحو على أرض الواقع. لقد أوضحت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أنها لن تدعم ربط القضايا بطريقة تشترط التعاون بشأن التحديات المشتركة، لكن البعض في بكين كان من الواضح أنه توقع حصول الصين على تنازلات معينة بشأن قضايا غير ذات صلة، كشرط مسبق لـ التعاون بشأن التحديات المشتركة، مثل تغير المناخ. وقد رأينا أيضاً كيف اختارت جمهورية الصين الشعبية عدم التعاون بشكل كافٍ مع منظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي بشأن الاستجابة العالمية لفيروس كوفيد -19، بما في ذلك التحقيق في منشأه. كما أنها تواصل تعريض العالم للخطر من خلال اتخاذ إجراءات غير كافية بشأن تغير المناخ محلياً، لا سيما فيما يتعلق بالاستخدام المكثف لطاقة الفحم وتراكمها.

وتتضمن استراتيجيتنا للتصدي للتحديات المشتركة التي تتطلب تعاوناً عالمياً مسارين متزامنين: ففي أحد المسارين، سنشرك جميع البلدان والمؤسسات بشكل كامل للتعاون بشأن التهديدات المشتركة، بما في ذلك عن طريق الضغط من أجل الإصلاحات، حيث ثبت أن الاستجابات المؤسسية غير كافية. وفي نفس الوقت، سنضاعف جهودنا لتعميق تعاوننا مع الشركاء الذين يشبهوننا في طريقة التفكير. وفي كلا المسارين، سنسعى كذلك إلى تسخير الآثار الإيجابية للمنافسة، في تعزيز السباق للوصول إلى القمة، وزيادة الجهود الدولية لمواجهة هذه التحديات.

أمن المناخ والطاقة

تُعتبر أزمة المناخ هي التحدي الوجودي في عصرنا الحالي. حيث يعرّض ارتفاع درجة حرارة الكوكب الأمريكيين والناس حول العالم للمخاطر – بالإضافة للمخاطر المرتبطة بإمدادات الغذاء والماء والصحة العامة والبنية التحتية وأمننا القومي. ويُخبرنا العلماء بأننا قد نتجاوز قريباًً عتبة ‘الاحتباس الحراري الحرج’  البالغة 1.5 درجة مئوية، مع المزيد من الاحتباس الذي يفاقم ارتفاع درجات الحرارة وقسوة الطقس، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات سطح البحر، وفقدان التنوع البيولوجي بشكل كارثي – وذلك  إذا لم تُتخذ إجراءات عالمية فورية للحد من الانبعاثات.

والحقيقة أن العمل العالمي يبدأ من الداخل، حيث نقوم باستثمارات غير مسبوقة لصالح الأجيال في مجالات انتقال الطاقة النظيفة من خلال من خلال قانون الحد من التضخم، وفي نفس الوقت خلق الملايين من الوظائف جيدة الأجور وتعزيز الصناعات الأمريكية. نحن نعزز الجهوزية لمواجهة التهديدات المناخية الشديدة الآخذة في التصاعد والصمود أمامها، على المستوى الفيدرالي والولائي والمحلي، ونعمل على دمج تغير المناخ في خططنا وسياساتنا المتعلقة بالأمن القومي. حيث يُعتبر هذا العمل الداخلي هو مفتاح مصداقيتنا الدولية، ولدفع  الدول الأخرى لرفع مستوى طموحها وعملها.

تعمل الولايات المتحدة على حثّ العالم وتحفيز الجميع على القيام بالمزيد من العمل. ومن خلال قمة القادة حول المناخ، ومنتدى الاقتصادات الكبرى، وتفعيل اتفاق باريس، نساعد الدول على تلبية وتعزيز مساهماتها المحددة وطنياً، وتقليل الانبعاثات، ومعالجة مشكلة غاز الميثان وغيره من الملوثات الفائقة، وتعزيز عمليات إزالة ثاني أكسيد الكربون، والتكيف مع أشد الحالات خطورة لآثار تغير المناخ، ووضع حد لإزالة الغابات على مدار العقد المقبل. كما نستخدم أيضاً ثقلنا الاقتصادي لدفع عملية إزالة الكربون. ويُعتبر اتفاق الفولاذ الذي توصلنا إليه مع الاتحاد الأوروبي، وهو الإجراء الأول من نوعه حول الفولاذ والألمنيوم من أجل معالجة كل من كثافة الكربون والقدرة الزائدة على الإنتاج عالميا – يُعتبر نموذجاًً لآليات التجارة المستقبلية التي تركز على المناخ. ونحن نعمل بلا هوادة على إنهاء التمويل العام لطاقة الفحم، ونحشد التمويل لتسريع الاستثمارات في التكيف وتحول الطاقة.

لقد أبرزت أحداث مثل تلك الحرب العدوانية التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا الحاجة الملحة لتسريع الابتعاد عن الوقود الأحفوري. ونحن نعلم أن الأمن طويل الأمد للطاقة يعتمد على الطاقة النظيفة. وإدراكاًً منا أن هذا الانتقال لن يحدث بين عشية وضحاها، سنعمل مع الشركاء والحلفاء لضمان أمن الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف، وتأمين الوصول إلى سلاسل التوريد للمعادن الهامة، وخلق انتقال عادل للعمال الذين يتأثرون جراء ذلك. وسنقود إجراءات ملموسة لتحقيق مستقبل آمن للطاقة، وذلك من خلال، على سبيل المثال، العمل التعاوني في وكالة الطاقة الدولية، وفريق العمل الأمريكي-الأوروبي المعني بأمن الطاقة الأوروبي، والمؤتمر الوزاري للطاقة النظيفة (CEM) ولجنة ابتكار المهام (MI)، وبرنامج باور أفريكا، ومنتدى شرق المتوسط ​​للغاز، والشراكة من أجل الطاقة عبر المحيط الأطلسي والتعاون المناخي، وغير ذلك من الأمور الهامة ذات الصلة.

وتحتاج العديد من الدول منخفضة الدخل وتلك الدول ذات الدخل أدنى مستوى المتوسط ​​إلى المساعدة، لا سيما فيما يتعلق بتخفيف الأعباء وجهود التكيف. وهذا هو السبب وراء استهدافنا توفير أكثر من 11 مليار دولار من التمويل السنوي للمناخ، وممارسة الضغط على الشركاء لزيادة مساهماتهم الخاصة. حيث ندرج تغير المناخ في استراتيجيات الاستثمار الخاصة بمؤسسات تمويل التنمية لدينا، بما في ذلك من خلال الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار، ونعمل أيضاً مع المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية للقيام بالمثل.

الأوبئة والدفاع البيولوجي

وعلى الرغم من أن فيروس كوفيد -19 قد تسبب في وفاة ما يقرب من 6.5 مليون شخص حول العالم، بما في ذلك أكثر من مليون أمريكي، إلا أن الوباء القادم قد يكون أسوأ من ذلك بكثير – قد يشبه كوفيد-19 في كونه مُعدي ولكنه سيكون أكثر فتكاًً. ولدينا فرصة ضيقة لاتخاذ خطوات على الصعيدين الوطني والدولي للتحضير لمواجهة الوباء القادم ولتعزيز دفاعنا البيولوجي.

وفي الولايات المتحدة، يتطلب ذلك منا الاستعداد لمواجهة مخاطر بيولوجية كارثية محتملة، بما في ذلك عن طريق تحسين الإنذار المبكر ومراقبة الأمراض، وتبادل البيانات والتنبؤ؛ وتسريع الجهود المرتبطة بالإجراءات الطبية لمكافحة الأوبئة، من حيث التطوير والتصنيع المحلي والتسليم؛ والنهوض بتطوير وتصنيع التكنولوجيا الحيوية الآمنة؛ والتغلب على أوجه عدم المساواة في جودة الرعاية والوصول إليها.

وعلى الصعيد الدولي، يتطلب الأمر العمل على جبهات متعددة. وقد أعادت الولايات المتحدة التزامها بمبادرة كوفاكس (توفير وتقديم اللقاحات في إطار مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19)، التي نُعتبر أكبر المانحين فيها، وكذلك منظمة الصحة العالمية، مع تبني نهج تعاوني تجاه الأمن الصحي العالمي. ونحن ندرك أنه لا يوجد أحد في مأمن حتى يصبح الجميع في أمان، ولهذا السبب تبرعنا بأعداد من اللقاحات على المستوى الدولي أكثر مما فعلت أي دولة أخرى، دون أي قيود سياسية. ونعمل أيضاً مع الحلفاء والشركاء، بما في ذلك المنظمات الخيرية والقطاع الخاص، لتعزيز التصنيع المستدام للقاحات في إفريقيا وجنوب آسيا.

إننا ندرك أنه علينا التعامل مع جميع الدول بشأن الصحة العامة العالمية، بما في ذلك تلك الدول التي نختلف معها، باعتبار أن الأوبئة لا تعرف حدوداًً. كما أننا في الوقت نفسه نعترف بأن بعض مؤسساتنا الدولية قد أخفقت في الماضي وتحتاج إلى الإصلاح. في حين  ورغم اعتقادنا بأنه يمكن الاتفاق على العديد من هذه الإصلاحات وتنفيذها على مدى عُمْر هذه الإدارة (الأمريكية)، فإننا ندرك أيضاًً أن بعضها قد يفشل في نهاية الأمر لأن الدول الأخرى لا تشاركنا إيماننا بمزيد من الشفافية ومشاركة البيانات الهامة مع المجتمع الدولي. لذلك، فإنه بينما ننخرط عالمياًً ومن خلال المؤسسات الدولية، سنعمل أيضاًً على تعميق تعاوننا مع الدول ذات التفكير المماثل لنا من أجل الضغط من أجل إنجاز إصلاحات الجهوزية لمواجهة الوباء، وإذا لزم الأمر، للعمل بشكل وثيق معاًً لوضع معايير أعلى يمكن للآخرين الاقتداء بها.

وسنقوم أيضاًً بمعالجة الآثار الخطيرة المتزايدة والتي تشكلها المخاطر البيولوجية المتعمَّدة والعرَضية، بما في ذلك من خلال قدرتنا على اكتشاف العوامل المسببة وتحديدها وعزوها بسرعة، وتطوير الإجراءات الطبية المضادة. ومن خلال العمل مع الشركاء والحلفاء، سنعزز اتفاقية الأسلحة البيولوجية لردع قدرات الدولة في الحرب البيولوجية؛ وسنمنع حيازة الإرهابيين للأسلحة البيولوجية أو استخدامها؛ وسنقوم بتعزيز القواعد الدولية ضد تطوير واستخدام الأسلحة البيولوجية. وسنقلل أيضاًً من المخاطر البيولوجية المرتبطة بالتقدم في التقنيات والبحوث ذات الاستخدام المزدوج والتنمية، بما في ذلك من خلال إنشاء وتعزيز القواعد والممارسات الدولية للسلامة البيولوجية والأمن البيولوجي.

انعدام الأمن الغذائي

تتعرض أنظمة الغذاء العالمية اليوم للتهديد من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا، والآثار الاقتصادية لوباء كوفيد -19، والأحداث المناخية، والصراعات التي طال أمدها – وكلها تهدد بدفع 75-95 مليون شخص إلى الفقر المدقع في عام 2022 عما كان متوقعا قبل جائحة كورونا. وقد أصبحت أزمة انعدام الأمن الغذائي خطيرة بشكل خاص بسبب العدوان الروسي على أوكرانيا، والتي أدت إلى إخراج كميات كبيرة من الحبوب الأوكرانية من السوق وزادت من تفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي العالمية الموجودة بالفعل. ولتلبية احتياجات مئات الملايين من الأشخاص الذين يعانون الآن نتيجة هذا الوضع، تقدم الولايات المتحدة المزيد من المساعدات الإنسانية أكثر من أي وقت مضى. ولا نزال نُعتبر أكبر مساهم في برنامج الغذاء العالمي والمانحين الرئيسيين في جميع الدول التي تعاني من أزمة غذائية إنسانية تقريباًً.

وعلى المدى الطويل، نحشد العالم لإيجاد طرق للتعامل مع مجموعة واسعة من التحديات التي تواجه الإمدادات الغذائية في العالم، ويتطلب تحقيق الأمن الغذائي العالمي المستدام يقظة عالية وإجراءات مستمرة من قبل جميع الحكومات، بالشراكة مع المؤسسات متعددة الأطراف والمنظمات غير الحكومية. وبالعمل مع شركائنا، أطلقنا خارطة الطريق للأمن الغذائي العالمي، بما في ذلك: إعلان “نداء للعمل” يحث أكثر من 100 دولة موقّعة على اتخاذ العديد من الإجراءات بما في ذلك إبقاء أسواق الغذاء والزراعة مفتوحة، وزيادة إنتاج الأسمدة، والاستثمار في الزراعة المقاومة للمناخ. تقوم الولايات المتحدة أيضاًً بتنفيذ استراتيجية الأمن الغذائي العالمي، والتي تركز على الحد من الفقر والجوع وسوء التغذية في العالم من خلال دعم النمو الاقتصادي الشامل والمستدام وعلى رأسه الزراعة؛ تعزيز المرونة بين الناس والنظم الغذائية؛ وتقديم الدعم اللازم لضمان أن يكون السكان أصحاء ويحصلون على تغذية جيدة، وخاصة النساء والأطفال. وهذا يتطلب العمل عبر أنظمة غذائية كاملة للنظر في كل خطوة من الزراعة إلى الاستهلاك، ودمج هذه الجهود في العمل الأكبر المتعلق بالمناخ والصحة وتخفيف النزاعات وبناء السلام. ولضمان استمرار هذه الجهود واستدامتها، يتطلب الأمر تركيز العدالة والشمول والشراكة مع كل من الشركاء المحليين والهيئات الدولية. ومن أجل المضي قدماًً في ذلك، فعلى الولايات المتحدة الاستمرار في تلبية الاحتياجات الملحة والعمل بشكل تعاوني لبناء أمن غذائي مستدام على المدى الطويل.

الحد من التسلح وعدم الانتشار

يعد انتشار الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية تحدياًً عالمياًً مهماًً للغاية ومستمراً، مما يتطلب تحقيق تعاون مستدام لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل والمواد الانشطارية، ووسائل إيصالها، والتقنيات التمكينية. وستعمل الولايات المتحدة مع الحلفاء والشركاء والمجتمع المدني والمنظمات الدولية لتعزيز آليات الحد من التسلح ومنع الانتشار، خاصة في أوقات الصراع عندما تكون مخاطر التصعيد أكبر. وسنتصدى للتهديد الوجودي الذي يمثله انتشار الأسلحة النووية من خلال القيادة المتجددة للحد من التسلح وعدم الانتشار. وسنستمر في السعي إلى المشاركة العملية مع المنافسين حول الاستقرار الاستراتيجي وتقليل المخاطر. وسيؤكد نهجنا هذا على التدابير التي تمنع سباقات التسلح المكلفة، وتقلل من احتمالية وقوع سوء التقدير، وتكمل استراتيجيات الردع الأمريكية وحلفائها.

وسنقود جهود الحد من التسلح الثنائية والمتعددة الأطراف وسنعزز الأنظمة والأطر والمؤسسات القائمة، بما في ذلك معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومنظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهيئات الأمم المتحدة الأخرى، لتمديد السجل الحافل من عدم استخدام الأسلحة النووية لأكثر من سبعة عقود. وسندعم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية واتفاقية الأسلحة البيولوجية، وسنعزز القواعد المناهضة لامتلاك واستخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وسوف نستمر في قيادة العالم في تنسيق الجهود للإغلاق على المواد النووية والإشعاعية ومنع حيازة الإرهابيين لها. وسنضمن أن أنظمة الرقابة على الصادرات متعددة الأطراف جاهزة للتعامل مع التقنيات الناشئة المزعزعة للاستقرار ومواءمة سياسات التصدير في الدول التي تتشابه في التفكير مع الدول موضع الاهتمام.

الإرهاب

واقع التهديد الإرهابي اليوم هو أنه أكثر تنوعاًً أيديولوجياًً وانتشاراًً جغرافياًً عما كان عليه قبل عقدين من الزمن. وقد توسع تنظيم القاعدة وداعش والقوى المرتبطة به من أفغانستان والشرق الأوسط إلى إفريقيا وجنوب شرق آسيا.

ولا تزال سوريا واليمن والصومال ملاذات للإرهاب. وأصبحت الفروع المحلية جهات فاعلة راسخة في النزاعات الإقليمية. ولا تزال العديد من هذه المجموعات تنوي تنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة ومصالحنا في الخارج  أو إلهام آخرين للقيام بذلك، حتى مع استمرار الضغوط التي شكلتها جهود مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون على مدى سنوات في تقييد قدراتهم، علما بأن الإجراءات الأمنية المعززة ومشاركة المعلومات قد أدت إلى تحسين دفاعاتنا. وفي غضون ذلك، نواجه تهديدات متزايدة بشكل كبير من مجموعات من المتطرفين العنيفين المحليين هنا في الولايات المتحدة.

وتظل أمريكا حاسمة في حماية بلدنا وشعبنا ومنشآتنا في الخارج من جميع أنواع التهديدات الإرهابية التي نواجهها في القرن الحادي والعشرين. ومع تطور التهديدات، يتحتم علينا أيضاًً أن يتطور نهجنا في مكافحة الإرهاب. وتحقيقا لهذه الغاية، فقد أنهينا العام الماضي أطول حرب للولايات المتحدة، في أفغانستان، بعد أن حققنا منذ فترة طويلة هدفنا المتمثل في تحقيق العدالة تجاه أسامة بن لادن والقيادات الرئيسية الأخرى لتنظيم القاعدة. ونحن واثقون في قدرتنا على مواصلة القتال ضد القاعدة وداعش والقوى المرتبطة بهما على مدار الأفق، كما أظهرنا في عملية قتل أيمن الظواهري. وسوف نضمن ألا تكون أفغانستان مرة أخرى ملاذاً آمناً للهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة أو حلفائنا، وسنحاسب طالبان طبقاً لالتزاماتها التي أعلنتها بشأن مكافحة الإرهاب.

وسنعمل على زيادة التعاون والدعم للشركاء الموثوق بهم في جميع أنحاء العالم، للتحول من استراتيجية “تقودها الولايات المتحدة، تكون ممكَّنة ومدعومة من قبل الشركاء” إلى استراتيجية “يقودها الشركاء، وتكون ممكَّنة ومدعومة من قبل الولايات المتحدة”. ويتطلب ذلك بناء أو توسيع أنظمة لمنع التهديدات واكتشافها والاستجابة لها أثناء تطورها – بما في ذلك من خلال تعزيز تطبيق القانون والأنظمة القضائية لدى الشركاء، وتحسين مشاركة المعلومات بخصوص التهديدات، وتعزيز أمن الحدود، ومكافحة تمويل الإرهاب، واستهداف منع الإرهاب وبرامج فك الارتباط المتطرف، ومنع تجنيد الإرهابيين وتجنيدهم عبر الإنترنت وخارجها. كما يستلزم الأمر أيضاًً مواجهة الأسباب الجذرية للتطرف من خلال الاستفادة من جهود الولايات المتحدة والشركاء لدعم الحوكمة الفعالة، وتعزيز الاستقرار والتنمية الاقتصادية، وحل النزاعات المستمرة.

وسنستخدم القوة عند الضرورة من أجل إعاقة وإضعاف الجماعات الإرهابية التي تخطط لشن هجمات ضد الولايات المتحدة أو شعبنا أو منشآتنا الدبلوماسية والعسكرية في الخارج. وسنفعل ذلك بما يتماشى مع القانون المحلي والدولي وبطريقة تقلل من الخسائر في صفوف المدنيين، مع تعزيز الشفافية والمساءلة. ونحن ملتزمون بمواصلة العمل مع الكونجرس لاستبدال التراخيص القديمة لاستخدام القوة في إطار عمل ضيق ومحدد بشكل مناسب لضمان مواصلتنا حماية الأمريكيين من التهديدات الإرهابية. وهنا على أرض الوطن، سنواصل العمل مع الشركاء الحكوميين والمحليين والقبليين والإقليميين والقطاع الخاص لتبادل المعلومات وتعطيل المؤامرات الإرهابية التي تهدد مواطنينا.

فنحن نواجه تهديداًً متزايداًً وكبيراًً داخل الولايات المتحدة من مجموعة من المتطرفين العنيفين المحليين، بما في ذلك أولئك الذين يحفزهم التحيز العنصري أو الإثني، فضلاً عن المشاعر المناهضة للحكومة أو السلطة. وسيمكننا الاستمرار في تنفيذ استراتيجيتنا الوطنية الأولى على الإطلاق لمكافحة الإرهاب المحلي من فهم ومشاركة المعلومات المتعلقة بالتهديد الإرهابي المحلي بشكل أفضل، ومنع التجنيد والتعبئة للعنف، وتعطيل وردع النشاط الإرهابي المحلي وأي روابط عابرة للحدود الوطنية – كل ذلك مع تعزيز احترام الحقوق المدنية والحريات المدنية. بالفعل، نحن نقدم معلومات أكثر وأفضل حول التهديدات المتطرفة العنيفة المحلية للشركاء الحكوميين والمحليين والإقليميين والقبليين، ونستخدم آليات جديدة، مثل التطبيقات المستندة إلى الهواتف الذكية، للقيام بذلك في الوقت الفعلي المناسب. ونستثمر ملايين الدولارات في جهود منع العنف القائمة على البيانات، بما في ذلك من خلال برامج المنح المتاحة للشركاء الفيدراليين والولائيين والأقليميين والقبليين وغير الهادفين للربح، وكذلك دور العبادة لأنها تواجه تهديدات متزايدة. وسعمل مع الحكومات ذات التفكير المماثل، والمجتمع المدني، وقطاع التكنولوجيا لمعالجة المحتوى الإرهابي والمتطرف العنيف عبر الإنترنت، بما في ذلك من خلال التعاون البحثي المبتكر. وسنواجه الذين يساهمون منذ مدى طويل في التهديدات المتطرفة العنيفة المحلية، بما في ذلك العمل مع الكونجرس لتعزيز الأسس المنطقية لقوانين وسياسات الأسلحة، ومعالجة أزمة التضليل الإعلامي والمعلومات الخاطئة، التي يتم توجيهها غالباًً عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأخرى، والتي يمكن أن

مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنيةتؤثر الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية على أعداد متزايدة من الضحايا مع تضخيم التحديات العالمية الأخرى، من الهجرة إلى الهجمات الإلكترونية. تشارك المنظمات الإجرامية العابرة للحدود في أنشطة مثل الاتجار بالمخدرات والسلع غير المشروعة الأخرى، وغسيل الأموال، والسرقة، وتهريب البشر والاتجار بهم، والجرائم الإلكترونية، والاحتيال، والفساد، والصيد والتعدين غير المشروع. حيث تغذي هذه الأنشطة العنف في مجتمعاتنا، وتعرض السلامة العامة والصحة للخطر، وتساهم في عشرات الآلاف من الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة من المخدرات في الولايات المتحدة كل عام. إنها أيضاً تضر بأمن واستقرار جيراننا وشركائنا من خلال تقويض سيادة القانون، وتعزيز الفساد، والعمل كوكلاء لأنشطة مرتبطة بدول معادية، واستغلال السكان الضعفاء وتعريضهم للخطر. لذا، سنقوم بتسريع جهودنا للحد من التهديد الذي تشكله الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، ودمج الأعمال الحيوية لإنفاذ القانون مع الأدوات الدبلوماسية والمالية والاستخباراتية وغيرها، وذلك بالتنسيق مع الشركاء الأجانب. وكجزء من هذا الجهد، سنعمل على تقليل توافر المخدرات غير المشروعة في الولايات المتحدة، وخاصة ما يتعلق منها بآفة الفنتانيل والميثامفيتامين المتزايدة، من خلال استخدام جميع الأدوات الحكومية للاضطلاع باعتراض المخدرات وتعطيل سلاسل التوريد للمنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية والشبكات المالية التي تمكنهم من ممارسة أنشطتهم المدمرة. وإدراكاًً منا بأن هذه المشكلة تمتد عبر العالم، سنعمل عن كثب مع شركائنا الدوليين لمنع المنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية من الحصول على المواد الكيمياوية الأولية والعمل عن كثب مع الصناعة الخاصة لزيادة مستوى اليقظة ومنع تحويل المواد الكيمياوية لإنتاج الفنتانيل غير المشروع.

تغذي نزعات الاستقطاب الشديد الذي يقود بعض الأفراد إلى العنف.

تشكيل قواعد الطريق

قادت الولايات المتحدة منذ عام 1945 إنشاء مؤسسات وقواعد ومعايير تحكم التجارة والاستثمار الدوليين والسياسة الاقتصادية والتكنولوجيا. حيث عززت هذه الآليات الأهداف الاقتصادية والجيوسياسية لأمريكا كما أفادت الناس في جميع أنحاء العالم من خلال صياغة كيفية تفاعل الحكومات والاقتصادات – حيث فعلت ذلك بطرق تتماشى مع المصالح والقيم الأمريكية. ولكن لم تواكب هذه الآليات التغيرات الاقتصادية أو التكنولوجية التي حدثت، واليوم تخاطر بأن تكون غير ذات صلة بالواقع، أو في بعض الحالات، تكون ضارة بشكل فعال في حل التحديات التي نواجهها الآن – من سلاسل التوريد غير الآمنة إلى توسيع عدم المساواة إلى انتهاكات الإجراءات الاقتصادية غير السوقية لجمهورية الصين الشعبية. ونحن نسعى إلى تعزيز وتحديث نظام الأمم المتحدة والمؤسسات المتعددة الأطراف بشكل عام. ولكن لا يوجد مكان أكثر إلحاحاً من الحاجة لتحديث قواعد الطريق الخاصة بالتكنولوجيا والفضاء السيبراني والتجارة والاقتصاد.

وسنضع قواعد عادلة، من خلال القيام بذلك بالتنسيق الوثيق مع حلفائنا وشركائنا، مع الحفاظ أيضاً على ميزتنا الاقتصادية والتكنولوجية في نفس الوقت، سونشكل مستقبلاً تحدده المنافسة العادلة – لأنه عندما يتنافس العمال والشركات الأمريكية على أسس متكافئة، فإنهم يفوزون.

التكنولوجيا

تعد التكنولوجيا عنصراً أساسياً في المنافسة الجيوسياسية الحالية وكذلك لمستقبل أمننا القومي واقتصادنا وديمقراطيتنا. ولطالما عززت قيادة الولايات المتحدة وحلفائها في مجال التكنولوجيا والابتكار ازدهارنا الاقتصادي وقوتنا العسكرية. وخلال العِقد المقبل، تستعد التقنيات الحاسمة والناشئة لإعادة ترتيب الاقتصادات، وتحويل الجيوش، وإعادة تشكيل العالم. وتلتزم الولايات المتحدة بتحقيق مستقبل تزيد فيه هذه التقنيات من الأمن والازدهار وقيم الشعب الأمريكي والديمقراطيات ذات التفكير المماثل. وستمكّن استراتيجيتنا التكنولوجية الولايات المتحدة والديمقراطيات ذات التفكير المماثل من العمل معاً لريادة الأدوية المستحدثة التي يمكنها علاج الأمراض، وزيادة إنتاج الأطعمة الصحية التي يتم زراعتها بشكل مستدام، بالإضافة إلى تنويع سلاسل التوريد التصنيعية لدينا وتقويتها، وتأمين الطاقة دون الاعتماد على الوقود الأحفوري، كل ذلك في الوقت الذي نقوم فيه بتوفير وظائف جديدة وتحقيق الأمن للشعب الأمريكي وحلفائنا وشركائنا. وبدعم من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، أطلقنا استراتيجية صناعية حديثة وحصلنا بالفعل على استثمارات تاريخية في الطاقة النظيفة، وتصنيع الإلكترونيات الدقيقة، والبحث، والتطوير، والتكنولوجيا الحيوية، وسنعمل مع الكونجرس على ضمان التمويل الكامل للتراخيص التاريخية الجديدة حول البحث والتطوير. كما نعمل على مضاعفة ميزتنا الإستراتيجية طويلة الأمد والتي لا تُضاهى، وهي: جذب أفضل المواهب في العالم والاحتفاظ بها. ويُعد جذب عدد أكبر من المواهب العالمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أولوية بالنسبة لأمننا القومي وأمن سلاسل التوريد، ولذلك سنقوم بتنفيذ إجراءات التأشيرة الأخيرة بقوة والعمل مع الكونجرس للقيام بالمزيد بهذا الشأن.

وستمكّن هذه الاستثمارات الولايات المتحدة من ترسيخ قاعدة تقنية صناعية متحالفة من شأنها حماية أمننا المشترك وازدهارنا وقيمنا. وهذا يعني وجوب العمل مع الحلفاء والشركاء لتسخير وتوسيع نطاق التقنيات الجديدة، وتعزيز التقنيات التأسيسية للقرن الحادي والعشرين، وخاصة الإلكترونيات الدقيقة، وتقنيات الحوسبة والكم المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، والتصنيع الحيوي، والاتصالات المتقدمة، وتقنيات الطاقة النظيفة. وسنشارك أيضاً مع الدول ذات التفكير المماثل للمشاركة في تطوير ونشر التقنيات بطريقة تفيد الجميع، وليس للأقوياء فقط، وبناء سلاسل توريد قوية ودائمة حتى لا تتمكن دول من استخدام الحرب الاقتصادية لإكراه الآخرين.

ونعمل بالفعل على حشد الجهات الفاعلة ذات التفكير المماثل لنا للنهوض بنظام إيكولوجي دولي للتكنولوجيا يحمي سلامة تطوير المعايير الدولية ويعزز التدفق الحر للبيانات والأفكار بشكل موثوق، مع حماية أمننا وخصوصيتنا وحقوق الإنسان، وتعزيز قدرتنا التنافسية. ويتضمن ذلك العمل من خلال مجلس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتجارة والتكنولوجيا، لتعزيز التنسيق عبر المحيط الأطلسي بشأن أشباه الموصِّلات وسلاسل إمداد المعادن المهمة، والذكاء الاصطناعي الجدير بالثقة، والمعلومات المضللة، وإساءة استخدام التكنولوجيا التي تهدد الأمن وحقوق الإنسان، وضوابط التصدير، ورصد وتدقيق الاستثمار، وكذلك من خلال رباعية الإندو باسيفيك حول التقنيات الحرجة والناشئة والبنية التحتية الرقمية المفتوحة من الجيل التالي والتبادلات بين الأفراد. ومن خلال هذا الجهد، نسعى إلى تعزيز القيادة التكنولوجية للولايات المتحدة وحلفائها، وتعزيز تطوير التكنولوجيا الشاملة والمسؤولة، وسد الفجوات التنظيمية والقانونية، وتعزيز أمن سلاسل التوريد، وتعزيز التعاون في الخصوصية ومشاركة البيانات والتجارة الرقمية.

وعلينا أن نتأكد ألا يتمكن المنافسون الاستراتيجيون لنا استغلال التقنيات أو المعرفة أو البيانات التأسيسية الأمريكية والحليفة لتقويض الأمن الأمريكي وأمن الحلفاء. ولذلك نقوم بتحديث وتعزيز آليات مراقبة الصادرات وفحص الاستثمار لدينا، كما نتبع مناهج جديدة مستهدفة، مثل فحص الاستثمار الخارجي، لمنع المنافسين الاستراتيجيين من استغلال الاستثمارات والخبرات بطرق تهدد أمننا القومي، مع حماية أمن ونزاهة النظم الإيكولوجية والأسواق التكنولوجية المتحالفة أيضاً. وسنعمل كذلك على مواجهة استغلال البيانات الأمريكية الحساسة والاستخدام غير المشروع للتكنولوجيا، بما في ذلك برامج التجسس التجارية وتكنولوجيا المراقبة، وسنقف ضد الاستبداد الرقمي.

ولتحقيق هذه الأهداف، يجب أن تكون الأسس الرقمية للاقتصاد الحديث مفتوحة وموثوقة وقابلة للتشغيل البيني وكذلك موثوقة وآمنة. حيث يتطلب ذلك العمل مع مجموعة واسعة من الشركاء لتعزيز مرونة البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس وتقنيات الاتصال المتقدمة الأخرى، بما في ذلك من خلال تعزيز تنوع البائعين وتأمين سلاسل التوريد. ولا يمكن القيام بهذه الاستثمارات في البلدان الغنية فقط؛ يجب علينا أيضاً التركيز على توفير بنية تحتية رقمية عالية الجودة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وسد الفجوات الرقمية من خلال التأكيد على الوصول لها بين الفئات المهمشة. ولضمان دعم هذه الاستثمارات للنتائج التكنولوجية الإيجابية، سنشارك مع أرباب الصناعة والحكومات في تشكيل المعايير التكنولوجية التي تضمن الجودة وسلامة المستهلك وقابلية التشغيل البيني العالمي، وتعزيز عملية المعايير المفتوحة والشفافة التي مكّنت من الابتكار والنمو والترابط لعقود. وسنسعى جاهدين، في كل ما نقوم به، لضمان أنتدعم التكنولوجيا الديمقراطية، ولا تقوضها، ويتم تطويرها ونشرها وضبطها وفقاً لحقوق الإنسان.

تأمين الفضاء السيبراني

لقد أصبحت مجتمعاتنا والبنية التحتية الحيوية التي تدعمها، من الطاقة إلى خطوط الأنابيب، رقمية بشكل متزايد وبالتالي تكون عرضة للاضطراب أو التدمير من خلال الهجمات الإلكترونية. وقد استُخدمت مثل هذه الهجمات بلفعل من قبل دول، مثل روسيا، لتقويض قدرة الدول على تقديم الخدمات للمواطنين وإكراه السكان. ونحن نعمل عن كثب مع الحلفاء والشركاء، مثل الرباعية (الأمريكية الأوروبية)، لتحديد معايير البنية التحتية الحيوية لتحسين مرونتنا الإلكترونية على وجه السرعة، وبناء قدرات جماعية للاستجابة السريعة للهجمات. وفي سياق مواجهة الهجمات السيبرانية التخريبية من المجرمين، أطلقنا شراكات مبتكرة لتوسيع التعاون في مجال إنفاذ القانون، وحرمان مجرمي الإنترنت من الملاذ الآمن ومكافحة الاستخدام غير المشروع للعملات المشفرة لغسل عائدات الجرائم الإلكترونية. وكمجتمع مفتوح، فإن لدى الولايات المتحدة مصلحة واضحة في تقوية المعايير التي تخفف التهديدات السيبرانية وتعزز الاستقرار في الفضاء السيبراني. ونحن نهدف إلى ردع الهجمات الإلكترونية من الجهات الحكومية وغير الحكومية وسنرد بشكل حاسم بجميع أدوات القوة الوطنية المناسبة للأعمال العدائية في الفضاء السيبراني، بما في ذلك تلك التي تعطل أو تقوض الوظائف الوطنية الحيوية أو البنية التحتية الحيوية. سنواصل تعزيز الالتزام بإطار عمل الدولة المسؤول في الفضاء الإلكتروني الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يعترف بأن القانون الدولي ينطبق على الإنترنت، تماماً كما هو الحال في وضع عدم الاتصال بالشبكة.

التجارة والاقتصاد

ويعتمد ازدهار أمريكا أيضاً على التجارة العادلة والمفتوحة والنظام الاقتصادي الدولي. ولطالما استفادت الولايات المتحدة من قدرة التجارة الدولية على تعزيز النمو الاقتصادي العالمي، وخفض أسعار المستهلك، والوصول إلى الأسواق الخارجية لتعزيز الصادرات والوظائف الأمريكية. ولكن في الوقت نفسه، تم انتهاك القواعد الراسخة التي تحكم التجارة منذ زمن وكذلك غيرها من وسائل التبادل الاقتصادي من قِبل جهات فاعلة غير سوقية، مثل الصين؛ صُممت لمنح امتيازات للشركات على حساب العمال والبيئة، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة وأزمة المناخ؛ وعدم قدرتها على تغطية حدود الاقتصاد الحديث، بما في ذلك التجارة الرقمية. ولذلك، على الولايات المتحدة حشد الشركاء مرة أخرى حول قواعد لخلق مجال متكافئ من شأنه أن يمكّن العمال والشركات الأمريكية – وتلك الخاصة بالشركاء والحلفاء في جميع أنحاء العالم – من الازدهار.

كما يظهر عملنا الأخير لإنشاء “إطار العمل الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من أجل الازدهار” (IPEF) وكذلك “شراكة الأمريكتين من أجل الازدهار الاقتصادي” (APEP)، فإننا نعمل على تحديث نظام التجارة الحالي لتعزيز النمو العادل والمرن –  من حيث تشجيع التجارة القوية، ومواجهة الممارسات المانعة لعملية المنافسة، ووضع آراء العمال ضمن أجندة اتخاذ القرار، وضمان معايير عمالية وبيئية عالية. وسنسعى للحصول على فرص تصدير جديدة تفيد العمال والشركات الأمريكية، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومواجهة الانتهاكات التي ترتكبها الاقتصادات غير السوقية، وفرض قواعد ضد ممارسات التجارة والعمل غير العادلة، بما في ذلك سرقة حقوق الملكية الفكرية، واللوائح التمييزية، والإكراه على العمل، والحرمان من الحق في التنظيم، وغير ذلك من أشكال القمع في بيئة العمل. وسنستخدم أدوات التجارة أيضاً لتعزيز أولويات المناخ، كما نفعل مع اتفاقية الصلب والألمنيوم التاريخية مع الاتحاد الأوروبي. وستصاحب هذه الترتيبات توفير مساعدة حقيقية في مسألة التكيف، مما يضمن لجميع الأمريكيين مكانة كريمة في مستقبلنا المشترك. وستخلق هذه الجهود مجتمعة النمو والابتكار الذي يفيد الناس في جميع أنحاء العالم، وليس الأمريكيين فحسب.

وبعيداً عن التجارة، نعمل على بناء نظام اقتصادي دولي ملائم للواقع المعاصر. وسنتعامل مع الأضرار التي تلحق بالعمال والمستهلكين والشركات في الولايات المتحدة من خلال التلاعب بالعملة؛ مع مكافحة الفساد والتمويل غير المشروع؛ وإنهاء السباق في صالد تخفيض الضرائب المفروضة على الشركات من خلال الترويج للحد الأدنى للضرائب العالمية لمنظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي. وسنشارك مع الدول الأخرى في التنمية المستدامة، بما في ذلك من خلال الاستجابة لتحديات الديون العالمية وتمويل البنية التحتية عالية الجودة من خلال الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار. وسنستكشف مزيد من المزايا ونقود تطوير الأصول الرقمية بشكل مسؤول، بما في ذلك الدولار الرقمي، مع معايير وحماية عالية للاستقرار والخصوصية والأمن لإفادة نظام مالي أمريكي قوي وشامل وتعزيز أسبقيته العالمية. وسنعالج الحواجز القانونية والهيكلية والثقافية التي تعيق النمو والتي تقوض مشاركة القوى العاملة للنساء والفئات المهمشة. وسندعم أيضاً جهود المؤسسات المالية الدولية التي ستحتاج أيضاً إلى مواصلة التطور لمواجهة تحديات عصرنا. وتُعتبر العديد من أكبر التحديات في عالمنا اليوم – مثل الأوبئة والصحة، وتغير المناخ، والهشاشة، والهجرة وتدفقات اللاجئين – عابرة للحدود وتؤثر بشكل غير متناسب على أشد السكان فقراً وأكثرهم ضعفاً. إن تعزيز هذه المؤسسات يُعتبر أمراً بالغ الأهمية أيضاً لمواجهة التحديات الخطيرة طويلة الأجل للنظام الدولي، مثل تلك التي تفرضها الصين.

احتجاز الرهائن والاعتقال بغير حق

إن استخدام البشر كرهائن للضغط هو أمر يناقض القيم الأمريكية والنظام العالمي الذي نتطلع إليه. ومع ذلك، فهذا ما تفعله الحكومات والأنظمة والجهات الفاعلة غير الحكومية عندما تحتجز الأمريكيين رغماً عنهم كرهائن ومعتقلين بشكل غير شرعي. ونحن نعمل مع شركائنا لردع وإحباط تلك الأساليب اللاإنسانية. ويتضمن ذلك إصدارنا في يوليو 2022 لأمر تنفيذي لتطبيق قانون أمريكي حديث يسمى “قانون ليفينسون” وفتح أدوات جديدة لمعاقبة

مكافحة الفساديمثل الفساد تهديدا أساسيا لسيادة القانون. فعندما يسيء المسؤولون الحكوميون استخدام السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، فإن ذلك يؤدي إلى تدهور بيئة الأعمال وتقويض الفرص الاقتصادية وتفاقم مظاهر عدم المساواة. ويساهم الفساد أيضاً في تقليل ثقة الجماهير في مؤسسات الدولة، والتي بدورها يمكن أن تزيد من جاذبية الفاعلين غير الليبراليين الذين يستغلون المظالم الشعبية لتحقيق مكاسب سياسية. وفي عالم اليوم في ظل العولمة، تُستخدم الأنظمة المالية الدولية لإخفاء الثروة غير المشروعة في الخارج وإرسال الرشاوى عبر الحدود. وتدرك إستراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الفساد التهديد الفريد من نوعه الذي يشكله الفساد لأمننا القومي، وتركز بشكل خاص على التعرف على الطرق التي استخدم بها الفاعلون الفاسدون النظام المالي الأمريكي والأنظمة الأخرى القائمة على سيادة القانون لغسل المكاسب التي حصلوا بطرق سيئة. ورداً على استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، عززت الولايات المتحدة من مبادراتها المتعلقة بالفساد والتي تهدف إلى استعادة عائدات الفساد وكذلك تحديد عائدات الجريمة المغسولة وإعادتها إلى الوطن. وأخيراً، ستعمل الولايات المتحدة على رفع وتوسيع نطاق المشاركة الدبلوماسية والمساعدات الخارجية، بما في ذلك من خلال تعزيز قدرات الحكومات الشريكة لمحاربة الفساد بالتعاون مع سلطات إنفاذ القانون الأمريكية وتعزيز قدرات الوقاية والإشراف للحكومات الراغبة في ذلك.

أولئك الذين يختطفون أو يحتجزون الأمريكيين بشكل غير قانوني في الخارج. ويشمل ذلك العمل مع شركاء دوليين رئيسيين لتعزيز وتنفيذ الإعلان الكندي لمناهضة الاحتجاز التعسفي في العلاقات بين دولة وأخرى من أجل حشد الجميع ضد هذه الممارسة اللاإنسانية وصياغة معايير دولية ضدها.

*****

تعرض الحلقة القادمة من “استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2022” الجزء الخامس من الاستراتيجية، والذي جاء تحت عنوان: “استراتيجيتنا حسب كل منطقة” – بالإضافة إلى “خاتمة” الاستراتيجية.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close