fbpx
قلم وميدان

الأزمة المصرية: تشريح الواقع وطريق الخروج

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تخطت الأزمة المصرية مرحلة جذب أنظار وعقول الباحثين فى مختلف أفرع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، إلى مرحلة غرق المواطن غير المسيس الذي وجد نفسه فى آتون معركة شرسة بين الحق والباطل، بين قيم الحق والعدل التى تربى عليها، وحلم بها حين هتف صارخاً وطالبا بل وآمرا بالعيش والحرية والكرامة والعدالة فى ثورته التى وُلد يوم بزوغ فجرها وهي الثورة التى لايعرف غيرها فى الخامس والعشرين من يناير 2011.

ومما لا شك فيه أن مصر التي تعتبر حجر الزاوية فى العالم العربى والشرق الأوسط تؤثر أوضاعها ايجابا وسلبا على أوضاع الأقليم برمته، ويدرك القاصى والدانى، بل وغير المسيس قبل المسيس أن الخطر الأعظم على مصر الآن هو تحت حكم ممثل الثورة المضادة فى الإقليم تخطى مرحلة القضاء على قيم الثورة ووأد حلم العيش والحرية والكرامة والعدالة، بل تعداه إلى الخطر الأعظم على وجود مصر ماديا ومعنويا على خريطة العالم، وها هى الخطوة الأولى من تفتيت مصر قد حدثت حين عمد مندوب الثورة المضادة إقليميا الى التنازل عن جزء غالى واستراتيجى من أرض مصر، وهو جزيرتا تيران وصنافير، إلى المملكة السعودية والادارة الصهيونية من أجل حفنة من “الأرز” كما يسمى، ومن أجل ضمان رضا سادته عليه وابقائه فى سدة الحكم .

 

عمق وتجذر الأزمة المصرية

نعدد فى هذا الجزء مدى عمق وتجذر الأزمة المصرية التى استعصت على الحل طيلة السنوات الماضية لعدم وضوح الرؤى ولغياب الوقود الثورى الذي استدعيناه مرارا وتكراراً فركن إلى السكون بعدما خذله القاصى والدانى ألا وهو الشعب المصرى.

نحن هنا لا نبكى على ثورة أضعناها ولكننا نشرح ونفحص الجسد من أجل استبيان طريق ومآلات الخروج وكذا استخلاص العبر والعظات مما ارتكبته أيدينا.

 

1ـ الانقسام الطولى والتدمير الذاتى للمجتمع المصرى

للمرة الأولى ربما فى تاريخ مصر ينقسم المجتمع طوليا بل وداخل الأسرة الواحدة والبيت الواحد، والانقسام هنا ليس فكرياً فقط، ولكنه أخلاقياً من الدرجة الأولى، وإلا بماذا نفسر أن تظهر فتاة تطل علينا من شاشة المخابرات الحربية تطعن فى أخيها الذي قتلته أيادى عسس القاتل التى أصبحت مهمتهم فقط هو تأديب المصريين والتخلص من الزيادة السكانية التى يعتبرونها معوقا عن كل أحلامهم. فتاة تطعن فى أسرتها وفى أخيها الشهيد لا لشىء سوى أن أغواها أحد تلاميذ ابليس الذي استخدموه مطية يركبون بها عقول الشعب.

هذه الواقعة وغيرها من آلاف الوقائع التى يجب أن تدون للتاريخ تثبت لنا مما لا يدع مجالا للشك أنه لو لم نقم بالثورة سوى من اجل انهاء حالة الانقسام الطولى للمجتمع فكفى به من سبب جلل تثور من أجله الشعوب الحية.

الكل ينظر إلى المصريين، وقد اجتمع المتضادون على شىء واحد وهو أن الشعب المصرى هو سبب كل الكوارث التى تمر بها البلاد، فترى مؤيد للسلطة يتشدق صارخاً أن العيب فى الأزمات المصرية المتتابعة هو الشعب الذي لا يقدر النعمة التى أنعم الله عليهم بها، وهي الحاكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وترى الثورى أو مدعى الفهم يلوم الشعب بل إن أحدهم يوماً ما اتهم المصريين بأنهم يموتون على الباطل حين عايرهم بحادث قطار السكك الحديدية التى أودت بحياة العشرات منا.

أيها المتشدقون تعالوا نثبت بالأدلة القاطعة أن الشعب المصري أعظم منا جميعاً، فالشعوب هى وقود التغيير والثورات فمن غير التحام الشعب بالثوار تتحول الثورة إلى عبث أو مجرد مظاهرة، وبالشعب تتحول المظاهرة إلى ثورة، ولنا فىما حدث فى السادس من أبريل 2008 حين كانت بوادر ثورة أجهضها عدم انتقالها من خصوصية العمال والمحلة إلى رحابة المصريين وعموم مصر، كما أن لنا فى الخامس والعشرين من يناير المثل الاكبر حين استدعينا الشعب تحت راية العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، فثار وفتح لنا كل الطرقات المغلقة وأتاح للثوار أن يعتصموا لأول مرة أمام القصر الجمهورى ليشاهدوا بأعينهم طائرة المخلوع تفر منهم هاربة.

استدعينا الشعب المصرى فى أنشطة ثورية بدءا من مارس وابريل 2011 ومحمد محمود ومجلس الورزراء والعباسية 1 و2، بالتوازى مع استدعائه فى أنشطة واستحقاقات ديمقراطية فى استفتاء على الدستور وانتخابات برلمانية بغرفتين وانتخابات رئاسية شهد لها القاصى قبل الدانى بأنها أول انتخابات رئاسية نزيهة فى مصر أنتجت لنا أول رئيس مدني منتخب لمصر، تتفق أو تختلف على أدائه، ولكن ذلك لن يوارى هذه الحقيقة التى لا ينكرها سوى جاهل أو مدعى الثورية.

واستدعا ممثلى الثورة المضادة الشعب، وبعضهم كانت له مطالب عادلة، ولكنهم تاهوا فى زحام التصارع فى الثلاثين من يونيو فخرجوا سواء على حق أو باطل يطالبون بانتخابات رئاسية مبكرة “حق أُريد به باطل”.

ما الذي نريد اثباته هنا أن الشعب لم يتخل يوم عن تلبية نداء الثورة أو الديمقراطية ولكنه بعد يوليو 2013 حينما انقلبت الدبابة على صوته الذي ضحى من أجله بالغالى والنفيس ثبت للشعب المصرى أن الجميع غنوا عليه ولم يجد من يغنى له فقرر عقاب الجميع بما فيها الشعب نفسه بوضع نفسه فى تلاجة اللامبالاة يخرج منها حين يجد دعوات واضحة وصادقة ومكتملة الرؤية للخروج.

 

2ـ انسداد الأفق السياسى يمنع استبيان طرق الخروج

يؤمن الجميع أن انسداد الأفق السياسى الذي تسبب فيه عمدا مندوب الثورة المضادة لم تمر به مصر فى تاريخها، بل إن مبارك الذي ثار عليه المصريون، كان يسمح ببصيص من الانفتاح فى حدوده الدنيا لموازنة المجريات السياسية ولضمان استمرار مركبة العطب فى الابحار، وهذا الانسداد السياسى يؤثر على الأزمة المصرية فى اتجاهين:

الأول: أنه يمنع أصحاب فكرة التغيير المتدرج عن طريق الانتخابات من التفكير فى هذا الحل وذلك لسبب جوهرى أن القاتل لن يسمح باجراء انتخابات حرة يتنافس فيها معه من يمكنه الفوز عليه واقصاؤه، فمن تربى على الأوامر العسكرية معطياً لها أو متلقيها، لا ينصاع أبدا لفكرة النقاش والحوار.

الثانى: انسداد الأفق السياسى يجعل التفكير فى الحلول والرؤى الواضحة أمر غير قابل للتحقيق إذ يصاب الجميع بالاحباط، وفى خصوصية الحالة المصرية، فإن أغلب النخب التى أثرت يوما فى الشارع المصرى أصبحت الآن خارج حسابات الشعب قولا واحداً، ومن مختلف الاتجاهات؛ لأن ما حدث طيلة السنوات الماضية لا يمكن توصيفه سوى بأنه المفرزة التى غربلت الجميع ففرقت بين الغث وما أكثره وبين الثمين وما أندره.

 

3ـ المأزق الاقتصادى:

ان ما تمر به مصر من أزمة اقتصاية يجل المصريون ينخرطون فى آتون كسب لقمة العيش فى ظل عوز غير مسبوق فى مصر، وكأن المغتصبون للسلطة فى مصر ينتقمون من المصريين لثورتهم على ممثلهم السابق مبارك فى 2011، ومن ناحية أخرى تجعل الأزمة المصرية النخب التى تضطلع بمحاولات ايجاد رؤية متكاملة للخروج تجعلهم عاجزين عن ايجاد خطاب اقتصادى شعبوى يجمع المصريين مرة أخرى تحت راية العيش المشترك التي التحفوا بها يوماً.

كل تلك الأسباب وغيرها تجعل من الأزمة المصرية مستعصية نظريا على ايجاد الحلول الممكنه والقابلة للتطبيق، والتى يمكن للشعب أن يحتضنها ويحول الغضب الكامن فى الصدور إلى ثورة عارمة لا تبقى على أرض مصر من الظالمين دياراً

كيف الخروج … هذا محور الجزء القادم. (1)

——————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close