fbpx
دراسات

الأطر القانونية لنظام تسليم المجرمين

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

يقتضي استخلاص ماهية نظام تسليم المجرمين ليس فقط في الاحاطة بتعريف النظام بل لا بد لنا بالبداية إلى التطرق حول نشأت هذا النظام لنبين بعد ذلك تعريف هذا النظام ومفاهيمه وما يستتبعه من جوانب نظرية اخرى وما يتداخل معه من أفكار اخرى.فالماهية لا تقتصر على اعطاء المدلول اللغوي أو الاصطلاحي بقدر ما يوجب تحليلها كمفهوم ينطوي على عناصر وخصائص معينة، ويعكس جملة اعتبارات تبرر وجودة، وهكذا يمكن في اطار المفهوم ان نبين كل من المطالب التالية:

المطلب الاول: نشأت نظام تسليم المجرمين وتطوره التاريخي

المطلب الثاني: تعريف نظام التسليم.

المطلب الاول: نشأة نظام تسليم المجرمين وتطوره التاريخي

ظهر نظام تسليم المجرمين في العصور القديمة عند الاغريق تحت نظام التخلي عن مصدر الضرر، وعرف ايضا في مصر الفرعونية حيث معاهدة السلام التي ابرمت بين فرعون مصر رمسيس الثاني وملك الحيثيين خيتا الثالث عام 1280 ق.م[1].

ومن الجدير بالذكر بان أساس التسليم في العصور القديمة كانت منصبه برمتها على العلاقات السياسية بين الدول الاطراف “الدولة الطالبة والدولة المطالبة ” مما جعل نظام التسليم في تلك العصور من أمور المجاملات الدولية وعمل من الأعمال التي يمليها حسن الجوار، كما كان نظام التسليم يقتصر على مرتكب الجرائم السياسية دون غيرها لما كانت تمثله تلك الجرائم من خطورة بالغة من منظور لحكام في العصور القديمة.

ولم يحظ المجرمون السياسيون في العصور القديمة بما يعرف اليوم بحق اللجوء حيث كانت تعتبر اجرائم التي ترتكب تجاه الملوك والرؤساء من الجرائم الخطيرة وعقوبتها قاسية جدا.

الا ان بدأ التمييز بعد ذلك بين كل من الجريمة السياسية والجريمة العادية وذلك في اطار التركيز على الاهداف النبية التى يسعى المجرم السياسي لتحقيقها، فبات من الاولى منح تسليم المجرم السياسي حق اللجوء، وقد اعترفت العديد من المعاهدات الاحكام القضائية بذلك[2]

فللدولة التى تمنح هذا اللجوء السياسي مطلق الحرية لمنح اللجوء فوق ارضها بالاضافة إلى الحماية المطلوبة، وقد اكد معهد القانون الولى في قراره الصادر الخاص باللجوء عام 1950 في المادة 2 الفقرة 1 “ان تطبيق الدولة لواجباتها الانسانية بمنح اللجوء فوق أراضيها لا يمكن أن يثير مسئوليتها الدولية”[3]

فالاصل هو ان تحمي كل دولة رعاياها داخل وخارج حدود اقليمها وبالتالي فليس من حق اي دولة ان تبسط حمايتها احد الاجانب بمواجهة دولة اخرى الا بمقتضى سند قانوني، وبالمقابل فان الحماية لاحد الاجانب كونه مقيم بها يعد حماية سياسية للاجئ اجنبي وتدبير مؤقت لحمايتهم من الاعمال التعسفية (2).

ويمكن تعريف اللاجئ بأنة اجنبي يتمتع بمركز قانوني خاص وتتوافر به خصائص معينة تميزة عن الاجنبي العادي، الذي يوجد بضروف عادية على اقليم الدولة، وتقدير ذلك يرجع إلى السيادة الوطنية استنادا إلى معاهدت جنيف لحقوق اللاجئين الموقعة في 28 يوليو عام 1951، وتختلف هذا الجهه التى يناط بها تحديد تلك الصفة بكل دولة وفقا لما جاء بالاتفاقية[4].

تطور نظام تسليم المجرمين ومر بمراحل تاريخية متعددة إلى أن برز بصورته المعاصرة مع القيام بعض الدول بسن تشريعات داخلية تنظمه وتحدد أسسه وإجراءاته وكان في مقدمة تلك الدول إنجلترا حيث قانون التسليم الانجليزي عام 1870 م ثم تبعتها فرنسا وألمانيا حيث القانون الفرنسي عام 1927 والالماني عام 1929م، ومع تداخل العلاقات الدولية في كثير من الشئون السياسية الاقتصادية والاجتماعية برزت الحاجة إلى ابرام بعض المعاهدات الدولية الملزمة والتى كان منها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتسليم المجرمين والسعي نحو تفعيل العمل بشرط المعاملة بالمثل، ذلك الذي يعد من المتعارف عليها دوليا في كثير من الامرو والتى منها اتمام إجراءات تسليم المجرمين بين الدول.

فالفرد يرتبط حقوق وواجبات على الصعيد الدولى وعليى تفهم مسئولياته الدولية في اطار العلاقات الدولية القائمة بالمجتمع، فالدول وحدها تعتبر من اشخاص القانون الدولى طبقا للمذهب الوضعي التقليدي ولا يكون الفرد من رعايا تلك الدول من اشخاص القانون العام، وعلى الصعيد الدولى كانت تصرفات الدول دون الافراد هى التى تدعوا لاتخاذ القرارات والاجراءات القانونية، ورغ ذلك فقد كان القانون الدولى العرفي يملي على الفرد أن يقوم ببعض الاعمال أو يمتنع عنها فمثلا جريمة القرصنة تعتبر جريمة ضد القانون الدولى يعاقب مرتكبها باي دولة يتم القبض عليه فيها.

وكذلك الحال بجرائم انتهاك القانون الدولى الخاص اثناء الحرب ومثال ذلك محاكمة كبار مجرمي الحرب لدور المحور الاوربية استادا لاتفاقية لندن 1945والتى اختصت بها المحكمة العسكرية الدولية للنظر في المسئولية الفردية المرتبطة بالجرائم ضد السلام، حيث اعلنت محكمة نوبرمبرج مبدأ هاما قالت به (من المعترف به منذ أمد طويل ان القانون الدولى يفرض واجبات ومسئوليات على الافراد وعلى الدول على حد السواء، وان الجرائم ضد القانون الدولى يرتكبها الرجال لا كيانات مجردة، والوسيلة الوحيدة لضمان احترام أحكام القانون الدولى هي عقاب الافراد الذين ارتكبوا هذه الجرائم)[5]

وقد ارست تلك المحامكات مجموعة من المبادئ القانونية الاساسية التى نتنهجها الدول على اعتبار إحساس الدولة بجسامة الجريمة الدولية وخروجها عن الاعراف الانسانية، من اهمها عدم تقادم الجريمة الدولية والتزام الدول بمحاكمة المجرم وفقا لقوانينها الوطنية فان لم يكن ما لا يجعله مذنبا فعليها ان تقوم بتسليمة إلى دولة اخرى تتولى محاكمته، فالثابت انها اتت بقواعد ثابته ومستقر تحمل صفة الالتزام الدولى الادبي[6]

ومع هذا التدخل في العلاقات الدولية والتطور التاريخي لنظام التسليم يبرز الاختلاف الواضح بين إجراءات التسليم في العصور القديمة على النحو السابق الاشارة الية والتسليم فى صورة المعاصرة.

المطلب الثاني: تعريف نظام التسليم

تعريف الشئ وماهيتة تعني ملامحه ومفردات عناصرة الاساسة التى تحدد شكلة العام وتفردة عما قد يتماثل أو يتشابة معه من انظمة.

اولا: مصطلح تسليم المجرمين:

الترجمة اللغوية لمصطلح Extradition باللغة الانجليزية والذي يعني الترحيل اما في غالبية الانظمة العربية فقد درج على استخدام اصطلاح “تسليم المجرمين” كما هو متعارف علية بجمهورية مصر ودولة الامارات، في حين بعض الدول كلبنان اطلقة علية مصطلح “الاسترداد”([7]).

حيث يرى الفقه بانت الاصطلاح المستخدم حاليا لا يتجاوب مع طبيعة الوضع القانوني الذي يكون علية الشخص المطلوب متهم أو مجرم ؛ فيعرف المجرم بصفة عامة بأنه “كل من صدر حكم بإدانته بإرتكاب جريمة نص عليها المشرع سويا كان أو غير سوي”[8].

وهذا التعريف يشير إلى ان صفة المجرم لا تقع إلا على شخص صدر حكم بات بإدانته لإرتكابه جريمة نص عليها المشرع، فصدور الحكم بالادانة هو الشرط الاساسي لوصف المجرم على مرتكب الجريمة.

فيما يعرف المتهم وفق ما استقرت علية محكمة النقض بجمهورية مصر ” يعد متهما كل من وجه الية الاتهام من أية جهة بأرتكاب جريمة معينة أو قد حامت حولة شبهة بأن له ضلعا في ارتكاب الجريمة التى يقوم مأمورو الضبط القضائي بجمع الاستدلالات فيها [9]

وترجع اهمية التفرقة بين المجرم والمتهم بان الاول قد ثبتت ادانته بارتكابه للفعل المجرم فيما ان المتهم لم تثبت ادانته بعد طبقا لمبدأ “افتراض البراءة” التى تنص عليها اغلب الدساتير ؛ لذا فأن تسليم المجرمين لا يقع بالضرورة على مجرمين بل على متهمين بارتكاب الجريمة متى توافرت الادلة الكالمة، ولانه مهما تعاظمت الادلة وقوية حجتها فقد تؤدي المحاكمة إلى البراءة كحدوث اكراه او ان السلوك ناتج عن دفاع شرعي.

وكذلك الحال لو ان الشخص المطلوب تسليمة قد صدر ضدة حكم نهائي بالادانة، حيث يمكن طلب اعادة محاكمته اذا كان ذلك الحكم غيابيا والتى قد يترتب عنها البرائة، كما يمكنه أن يطعن بالحكم الصادر ضدة بالتماس اعادة النظر كطريقة استثنائية للطعن

لهذا فان اصطلاح تسليم المجرمين أو استرداد المتهمين يكون ذو طبيعة علمية ومنطقية بالتالي فهو من الاقرب انسجاما مع واقع الشخص المطلوب لاتفاقة مع المبادئ الدستورية وقواعد العدالة.

يختلف التعريف التقليدي لتسليم المجرمين عن التعريف الحالى نظرا للتطورات الاحقة في أحكام القانون الدولي العام، سيما ذلك التطور أبان محاكمات الحرب العالمية الثانية، والتى من أهمها ؛ قواعد القانون الدولى الانساني وتحولها من الالزام الادبي والاخلاقي إلى دائرة الالتزام القانوني وصارت احكامه نظاما عاما دوليا آمر يتعين مراعاتها[10]

وجود بعض الفوارق بين المصطلحات ( اعادة المجرمين، استرداد المجرمين) ناقصة فالاعادة تكون على مجرم كان داخل الدولة طالبة التسليم والفارين منها وتقوم السلطات بطلب اعادة تسليمه اليها الا ان ذلك لا يغطى حالات تسليم المجرمين بالكامل، لذا فيشير اغلب الفقة بان الاصطلاح المناسب هو تسليم المطلوبين [11].

الا اننا نرى بان اصطلاح ” تسليم المتهمين ” يعتبر من أقرب المصطلحات انسجاما مع واقع الشخص المطلوب والحالة التى يكون عليها لاتفاقة مع قواعد العدالة الجنائية التى صاغتها التشريعات الجنائية الوطنية في مبدأ اعتبار المتهم بريئا حتى تثبت إدانته[12]

ثانيا: التعريف اللغوى لتسليم المجرمين :

فتسليم المجرمين لغة يحتوي على لفضين أولهما لفظ التسليم ويقال تسلم الشيء أي اخذه وقبضة[13]. وتسلمت منه: أي قبضه[14]. وتعني هذه المعانى اللغوية لكلمة التسليم خروج الحيازة المادية للشيء محل الحيازة من الحائز له إلى حائز أخر ليتمكن من حيازتة الفعلية والواقعية.

اما اللفظ الثاني، المجرمين فهو اسم فاعل من الفعل أجرم، فأصل الفعل جرم بمعنى أذنب [15] والجرم التعدي.

ثالثا: التعريف الاصطلاحي لتسليم المجرمين

يعتبر تسليم المجرمين اجراء من اجراءات التعاون القضائي بين الدول دون غيرها من أشخاص المجتمع الدولى، ويجد مصدرة من المعاهدات الدولية والتشريعات الوطنية وغيرها من المصادر الاخرى،

ورغم تلاقي اغلب تعريفات تسليم المجرمين الاصطلاحية في مضمونها الا انها تختلف في صياغتها ونذكر، فبذهب البعض إلى تعريف تسليم المجرمين بانه “الإجراء الذي تسلم به دولة – استنادا إلى معاهدة أو تأسيسا على المعاملة بالمثل عادة – إلى دولة اخرى شخصا تطلبه الدولة الاخيرة لاتهامة أو لانه محكوما عليه بعقوبة جنائية”[16]

من هذه التعريفات كذلك ما ذهبت الية المحكمة العليا الامريكية بتعريف التسليم على انه الاجراء القانوني المؤسس على معاهدة أو معاملة بالمثل أو قانون وطني حيث تتسلم دولة ما من دولة احرى شخص متهم أو مرتكب مخالفة جنائية ضد القوانين الخاصة بالدولة الطالبة، أو مخالفة للقانون الجنائي الدولى، حيث يعاقب على ذلك في الدولة الطالبة، وفي تعريف أخر للتسليم ذهبت المحكمة العليا الامركيكية ايضا لتعريفة بانة قيام دولة بتسليم شخص متهم إلى دولة أخرى أو مدان بإرتكاب جريمة خارج نطاق الدولة المطالبة إلى دولة أخرى تسمى الدولة الطالبة وذلك للبدأ في محاكمته عن جريمة ارتكبها أو لتنفيذ جزاء سبق توقيعة علية [17]

وقد ذهب البعض بانه يعتبر إجراء من إجراءات التعاون القضائي الدولى تقوم بموجبة احدى الدول المطلوب اليها التسليم، بتسليم شخص متواجد على اقليمها إلى دولة أخرى أو إلى جهة قضائية دولية – الدولة أو الجهة الطالبة – إما بهدف محاكمته عن الجريمة المتهم بارتكابها، وإما لأجل تنفيذ حكم الادانة ضده من محاكم هذه الدولة، أو المحكمة الدولية [18]

وذلك لعدم حصر الجهات طالبة التسليم على الدول فقط، ومن ثم فيمكن للمحاكم الجنائية الدولية طلب تسليم شخص ما من الدولة المطلوب اليها التسليم لمعاقبته على جريمة متهم بارتكابها، او لتنفيذ حكم صادر منها بإدانته.

وهو ايضا ما جاء بالمادة (89) من نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية حول امكانية قيام المحكمة بإصدار أوامر قبض وتقديم للاشخاص المطلوبين لمقاضاتهم امامها عن جرائم تتعلق باختصاصها.

وعرف كذلك بانه “أن تتخلى دولة عن شخص موجود في اقليمها إلى دولة أخرى بناء على طلبها لمحاكمته عن جريمة يعاقب عليها قانونها أو لتنفيذ حكما عليه من محاكمها”[19]. والتعريف الذي يؤيده الباحث هو القائل بان ” تخلي دولة لاخرى عن شخص ارتكبت جريمة لكى تحاكمة عنها أو لتنفيذ فيه الحكم الذي أصدرته عليه محاكمها، وذلك باعتبار أن الدولة طالبة التسليم هى صاحبة الاختصاص الطبيعي أو الأولى بمحاكمته وعقابة”[20]

فالتسليم يراعي مصالح الطرفين كونه يضمن للدولة طالبة التسليم معاقبة المجرم الذي اخل بقانونها، كما انه من صالح الدولة المطلوب منها التسليم كونه ينقذها من عنصر غير مرغوب به والى التعاون الاحق بين الدول.

ويتضح من خلال التعريفات السابقة بانها تتناول فئتين هما الاشخاص المتهمين والمحكوم عليهم.

وقد حضي هذا التعريف بالتاييد لانه لم يشر إلى موقع ارتكاب الجريمة موضوع التسليم أو جنسية الشخص المطلوب تسليمه أو لشرط المعاملة بالمثل بين الدول.

مبررات نظام تسليم المجرمين وطبيعته:

تظهر اهمية التعريف على طيعة نظام تسليم المجرمين في تتبع صلاتة ومصادرة التى يستمد منها أساسة كإجراء قانوني دولي قائم على التعاون بين الدول في إطار قواعد القانون الوطني[21]، فنظام التسليم بوصفة الحديث والذي اصطلحت علية الدول المتمدنة وجرى العمل به له ما يبرر قيامة.

المطلب الاول: مبررات قيام نظام التسليم

لا تخفي على احد مبررات التسليم كونها تمثل أحد مظاهر التعاون الدولى بمكافحة الاجرام كما اشرنا سابقا، لاسيما مع سهولة وتطور وسائل المواصلات والاتصال بين الدول وما خلفة ذلك من زيادة فرص افلات الجناة عبر حدود الدول[22].

تشعر اغلب الدولة بالاهمية البالغة لنظام تسليم المجرمين وذلك في تحقيق العدالة لمكافحة جرائم بصفة عامة، ولكي لا يفلت المجرم من العقاب ولما يمثله النظام من اشراك مختلف الدول في تطبيق العدالة، فهو يستسقي حجيتة من القانون الطبيعي وخاصة اذا اعتبرنا ان هذا النظام يعتبر اشراك للدول في تطبيق العدالة فهو يستمد قوته من القانون الطبيعي على اعتبارات المصلحة المشتركة للجماعة والدفاع عن المصالح العامة على اعتبار انها الاساس القانوني للتسليم، بالرغم من ان البعض يرى بان التسليم حق من حقوق الدولة التى يلجأ اليها الهارب وان أساس التسليم هو الحق الذي تباشرة الدولة باعتبارة متصل بحقوق السيادة[23].

ويرى بعض الفقه أن تسليم المجرم الهارب بانه اعتداء صارخ على حريات الافراد، فالشخص الذي يلجأ لبلد ولم ينتهك حرمته قوانينة وأنظمته لا يجوز أتخاذ إجراءات تمس بحريته كونه ارتكب جريمة بمكان أخر، فقانون العقوبات في الاصل اقليمي، كما ان ذلك يتعارض مع مع سيادة هذه الدولة التى لم يخالف قوانينها ن فأذا ما حاول الشخص عصيان أمر الدولة التى اصدرة امر التسليم فلا تثريب علية لانه لم يرتكب إثما إنما يعتبر عمله من قبيل الدفاع الشرعي، فتلك الاجراءات ذات طابع تعسفي فليس هنالك من مسوغ يوجب عليها أن تقدم خدمة لقضاء بلد أجنبي على حساب سيادتها.

وقد انقسم الفقه إلى فريقين أحدهما يؤيد يعارض نظام التسليم وفريق آخر يؤيد هذا النظام، ومن بين الانتقادات التى وجهت لنظام التسليم[24]: أن التسليم فيه اعتداء على حرية الفرد الشخصية وذلك بتتبعه فى كل مكان التجأ اليه، وأن التسليم فية إخلال بثقة الشخص فى الدولة التى التجأ إليها، وإنه أمر يتعارض مع سيادة الدولة وكرامتها، حيث إنها تسلم شخص لم ينتهك حرمة قوانينها وهذا أمر يمس هيبتها، وأن قواعد قانون العقوبات تطبق وفقا لمبدأ الإقليمية لذا لا يجوز تسليم شخص التجأ إليها ولم ينتهك حرمة قوانينها لمجرد إنه ارتكب جريمة فى دولة أخرى.

إلا أن وجهة النظر تلك أصبحت بالية فلم يعد ينظر إلى التسليم بأنه عمل من أعمال المجاملات الدولية بل أن اغلب الدول اخذت به لاسباب شتى وذلك لما يحققه هذا النظام من فوائد ومزايا عدة في ضل انتشار الجريمة بشتى صورها والتى تضر بالانسان والممكتلكات على حد السوا، فسعت الدول للدخول في معاهدات ثنائية وجماعية على المستوي الاقليمي والدولي لتنظيم تلك العملية، كما نظمة اغلب الدول تلك الاجراءات ضمن قانونها الداخلى.

فلم يعد متصور في ضل الانفتاح الكبير الذي نشهده فقد اضحى العالم بلا حدود بان يفلت المجرم من مكان ارتكاب الجريمة إلى دولة اخرى ويكون ذلك مسوغ لافلاته من العقاب،فمن حق المجتمعات أن تنال العدالة ممن قام بارتكاب الجرائم وأضر بأمنها أو وبمواطنيها، فالغاية من اي نظام عقابي هى محاكمة مرتكبي الجرائم وعقابهم لتحقيق الردعا لعام والخاص، وقد يؤدي الفشل بالعقاب إلى تشجيع المجرمين على ارتكاب المزيد من الجرائم، كما تعد الدولة التى وقعت الجريمة على ارضها هي الاقدر على جمع ادلة الاتهام والشهود والاحاطة بملابسات وتفاصيل الجريمة وكيفية وقوعها.

كما ان على الدولة المطلوب منها التسليم ان تنأى بنفسها عن بقاء المجرمين على ارضها والدفاع عنهم حرصا على امن مجتمعها لذا فيتعين عليها ان تبادر إلى تسليمة لمن هو احق بمحاكمته.

وجدير بالذكر بان المنظمات الدولية بذلت جهود حثيثة في اقرار نظام دولي شامل لتسليم المجرمين لانهاء الكثير من العراقيل الا ان ذلم لم يرى النور حتى تاريخة وتم الاكتفاء عنه بالاتفاقيات الثنائية والاقليمية [25].

ويشار فى هذا الشأن أن التسليم متأثر بفكرة حق اللجوء الذي كلفه الاسلام حيث أقر حق كل مسلم مضطهد أو مظلوم أن يلجأ إلى حيث يأمن فى نطاق دار الإسلام وأنه على المسلمين توفير الأمن له متى لجأ إليهم أعمالا بقولة سبحانه وتعالى ” وإن أحد من المشركين أستجارك فأجره حتى يسمح كلام الله ثم أبلغه مأمنه”[26].

ومن وجهة نظرنا المتجردة أن لنظام تسليم المجرمين أثر إيجابي عظيم، فى تحقيق الأمن والسكينة العامة على المستويين الدولى والمحلى والذي بات لا فرق بينهما فى ظل تطور الجريمة وخروجها من النمطية المعهودة إلى الانفتاح على العالم واستخدام التكنلوجيا وثورة الاتصالات الهائلة، ان من يذكر بان التسليم يعد انتهاك وانتقاص من سيادة الدولة يرد علية بان ذلك لا يستند إلى الحقيقة فالدولة عن قيامها بتسليم المجرم الهارب فهي تباشر عمل من أعمال السيادة، كما أن التسليم هو من أفضل الوسائل في تحقيق التعاون القضائي بين الدول ومحاربة الجريمة،ـ لذا فان تعميم نظام تسليم المجرمين يودي إلى تحقيق التعاون الدولى القضائي.

فتسليم المجرمين ليس بعقوبة كونه يتيح للمتهم الفرصة للتعبير عن رأيه وموقفة حول ملابسات وادلة الجريمة المنسوبة الية أمام المحكمة المختصة فهي الاجدر باصدار الحكم، كما ان ما تقتضية قواعد حقوق الانسان بتمكين الشخص من اثبات براءته عبر تسليمة.

ونلخص بنهاية هذا المبحث للاسس التى يستند اليها نظام التسليم، وما نعنية بالاسس هنا هي الاساس الشرعي للتسليم وليس مصادر التسليم والتى سنخصص لها فصل مستقل، حيث يمكن تحديد مبرارات التسليم المعاصر فيما يلي:

  • يعتبر حقا وطنيا تمارسة الدولة لتحقيق مصالحها الوطنية ووفق علاقتها مع غيرها من الدول
  • يقومن على اساس العلاقات الدولية ولي الالزام القسرى مهما كان نوع الجريمة فلا يوجد اي نظام يلزم الدولة بالتسليم قصرا خروجا عن مقتضى السيادة على اقليمها.
  • يحقق مصلحة المجتمع الدولى بعدم اتحاحة الفرصة للمجرم للافلات من العدالة فهو رادع لارتكاب الجرائم.
  • تحقيق افضل الضمانات الخاصة بالمحاكمة عند المثول امام قاضي الموضوع، كما ان التحقيق يكون أكثر فاعلية كما لو تم بعيدا عن موقع ارتكاب الجريمة
  • تطبيق مبدأ الاقليمية في شقة الموضوعي والاجرائي من خلال عقاب كل من انتهك قانون الدولة امام محاكمها. ويمكن القول بان المبرر الاساسي يكمن في معاقبة المجرم عن ما قام به من سلوك اجرامي.

المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لتسليم المجرمين

يثور التساؤل حول طبيعة نظام التسليم فهل هو واجب قانوني دولي يتعين على الدول العمل به ام أنه إجراء يرجع الامر فيه إلى مطلق سلطة وحق الدولة في منحة أو رفضه.

يعتبر التعرف على طبيعة نظام تسليم المجرمين مهمة لتتبع صلاته ومصادرة التى يستند منها أساسه كإجراء قانوني دولي قائم على التعاون بين الدول في اطار قواعد القانون الوطني والدولى العام.

و تؤثر الاعتبارات السياسية والعلاقات القائمة بين الدول على طبيعة نظام التسليم لتضفي علية طابعا سياسيا بالاضافة إلى طبيعتة القانونية، وبالنظر إلى اطراف العلاقة القانونية الناشة عن طلب التسليم (الدولتان الطالبة والمطالبة والشخص المطلوب للتسليم) يجرنا ذلك إلى التساؤل حول اذا ما كان التسليم يعتبر عملا قضائيا أم عملا من أعمال السيادة الذي تباشرة الدولة دون رقابة، حيث انقسم الفقه حول مدلولات تلك الطبيعه إلى انه عمل من اعمال السيادة بينما يرى فريق اخر بان طبيعة نظام التسليم تعتبر من أعمال القضاء، فيما يرى راي ثالث بانه ذا طبيعة مزدوجة .

الفرع الاول: الطبيعة السيادية لنظام التسليم:

يرى اصحاب هذا الجانب من الفقة بان التسليم عمل ادارى ومن أعمال السيادة تباشرة الحكومة بمقتضي هذا الحق، ولا يمكن للقضاء أو للدولة الطالبة أن تجبر الحكومة على التسليم إذا رأت الأخيرة أن شروط التسليم غير متوفرة[27]، أو ان الجريمة لا يجوز بها التسليم[28]، او لاي سبب أخر.

واعتبار التسليم من قبيل الاعمال السيادية التى تستقل بها جهة الادارة أو السلطة التنفيذية في الدولة اما يرتبط فيما هو مقرر في القانون الاداري من نظرية أعمال السيادية تلك التى تخول للسلطة التنفيذية مباشرة أعمال وإجراءات تتحلل فيها من مقتضيات مبدأ المشروعية لحساب مبدأ الملاءمة[29].

ونجد بان بعض الاتجاهات الفقهية التى تبنت هذه الطبيعة السيادية لاجراء التسليم ترى بان الاجراءات السيادية تمارس بارادة الدولة المنفردة دون تدخل من دولة اخرى، الا ان الدولة تراعي عند الاعتبارات السياسية بالاضافة إلى القواعد القانونية غير ان الصفة السيادية تكاد تصبغ طبيعة التسليم تكون في ذروتها ان كان الطلب من اختصاص الحكومة أو أحد أجهزتها التنفيذية.

والسيادة تعبير ينتمي بالاساس إلى الاصطلاحات الدستورية فالدولة تمارس سيادتها واختصاصاتها على اقليمها وسكانها من دون قيود تدخلات خارجية كونها السلطة المخولة للقيام بهذاا لعمل من قبل الافراد، كما ترتبط السيادة بمفهوم الشخصية القانونية للدولة واستقلالها لتصبح اهل لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات وفقا لقواعد النظام القانوني الدولي بالتالي فالدولة هي دون غيرها لها مطلق الحرية بقبول طلبات التسليم او رفضها.

وقد انتقد هذا الري بان العرف الدولى كونه يمثل جزءا من التشريع الوطني يعتبر كذلك من أهم مصادر القانون الدولى مع اختلاف نطاق وطبيعة كل منهم، كما ان المحاكم تكون ملزمة بأحكام القانون الدولى، بالتالي فان الطبيعة السياسية لا تنأى عن العلاقات الدولية التى تستقي اصولها من المعاهدات والعرف الدولى، لذا فلايمكن اسباغ الصفة السيادية دون النظر إلى اعتبارات التعاون الدولى التى تمثل وجها اخر لاعتبارات السيادة الوطنية، فالسيادة هنا نسبية تطبقها الدولة بهدف حماية النظام العام من اجل حفظ السلام والامن الدوليين.من خلال الالتزام بتنفيذ معاهداتها الدولية.

الا ان الراي الغالب والراجع هو بان التسليم حق تباشرة الحكومة بما لها من حق السيادة بالتالي فهي التى تبت بصفة قاطعة في قبول طلب التسليم أو رفضه دون معقب لحكمها، فليس هنالك التزام بالتطبيق ولو افترضنا وجود معاهدة طالما ان الدولة ترى بان الشروط غير منطبقة على تلك الحالة، كما ان الدليل على انه عمل سياسي كون اجراءاته تتم بالطرق الدبلوماسية.

وتأكيدا لذلك ذهبت محكمة القضاء الادارى بجمهورية مصر إلى هذا الاتجاه حيث قررت أنه “لا تختص محاكم مجلس الدولة المصرية بالنظر فى الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة”[30]، وصار على هذا النحو حكم محكمة النقض المصرية حين قررت أن ” المحاكم هى المختصة على ما جرى به قضاء هذه المحكمة بتقرير الوصف القانونى للعمل الصادر من السلطات العامة وما إذا كان يعد من أعمال السيادة، وحينئذ لا يكون لها أي اختصاص بالنظر فيه”[31]

الفرع الثاني: الطبيعة القضائية لنظام التسليم.

يرى بعض الفقة بان تسليم المجرمين عمل من اعمال التعاون القضائي في مضمار العدالة فهي تقدم لهذه الدولة يد المعونة في تطبيق تشريعها الجنائي.

وتتمحور الطبيعة القضائية لاجراء التسليم من خلال السلطة المنوط بها البت في طلب التسليم – في اغلب الدول- وهي السلطة القضائية [32]؛ وهذا يعني بان السلطة القضائية هي من يصدر امر القبض على الشخص المطلوب تسليمة وهي التى تنظر في الادلة المقدمة ضد المتحم ونوع الجريمة المنسوبة الية، والبت في طلب التسليم بالموافقة أو الرفض[33] لذا فان تسليم المجرم الهارب يعد عمل قضائي بحت.

بالتالي فان الصفة السيادية في نظام التسليم هي صفة نسبية وغير مطلقة، كما ان فتح باب الطعن في طلب التسليم يؤيد أيضا تلك الصفة النسبية، وهو ما يفرق بين الاعمال السيادية المحضة التى لا تقبل الرقابة عليها.

فيما يرى البعض من انصار الطبيعة القضائية بان التسليم عمل من أعمال المساعدة القضائية الدولية فى المجال الجنائي يهدف لنقل الشخص الملاحق جنائيا أو المتهم من نطاق السيادة القضائية للدولة إلى نطاق الولاية القضائية لدولة اخرى[34]، وهذا ما يدعم بتميزة بطبيعة جنائية دولية كونة يستمد أصولة من فرع القانون الجنائي الوطنى ومبادئ القانون الدولى العام.

الا ان الراجح انه لا يمكن القول عندما تتولى الجهات القضائية البت في طلب التسليم بانه يصبغ بصفة قضائية محضة كون نظر طلبات التسليم بمعرفة القضاء لا يعتبر محاكمة بالمعنى الفني للكلمة، بالاضافة إلى ان قرارها يخضع للتعقيب علية من الجهات الحكومية للدولة برفض التسليم اذا ما نشأت مصلحة سياسية تبرر ذلك[35] كونها وعند ممارستها لدورها بنظر طلب التسليم لا تباشرة كما اسلفنا من واقع الاختصاص القضائي المحض بل اعمالا لقواعد السيادة الدولية التى تراعيها عند عند النظر بالطلب ووفقا للاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية التى تمثل مصاددر اساسيا للتسليم، حيث يجب التمييز بين كل من الشرعية والتى هي اساس العمل القضائي عند تطبيق القانون والملائمة والتى تعتبر صفة لصيقة بالاعتبارات السياسية والتى يجب ان تكون تحت بصر القاضي خاصة وانها تتعلق باعتبارات العلاقات الدولية، بالتالي فيجوز بعد موافقة السلطات القضائية على التسليم بان ترفض السلطة التنفيذية تنفيذ التسليم لاعتبارات سياسية تتراءى لها.

الفرع الثالث: الطبيعة المختلطة لاجراء التسليم

يرى اصحاب هذا الاتجاه من الفقة بانه ذو طبيعة مختلطة فهو عمل سيلادي قضائي في آن واحد، ويعني ذلك بان التسليم وان كان يتدخل في العلاقات الدبلوماسية بغرض التعاون الجنائي باعتبارة عمل سيادي يتعلق بالعلاقات الدولة الا انه وبنفس الوقت بتطلب تدخل السلطة القضائية لتقييد التعسف فى اجراء يمس بالدرجة الاولى الحريات الفردية ؛ فهو بفعل تشابك مصالح الدول والشعوب والتعاون والتضامن بما بينهم يتحول من عمل سياسي إلى عمل قضائي، اذا فهو ذو طبيعة مختلطة.

وهذا النظام وسط بين النظامين السابقين، فهو يوازن بين مصلحتين متعارضتين مصلحة الدولة الطالبة للتسليم ومصلحة الشخص المطلوب، فهو يعطي حق التدخل للسلطة القضائية بفحص طلب التسليم ومطابقته مع القانون والنظر في صحة البيانات الواردة فيه فقط، فهى لا تتعرض لفحص الأدلة أو ثبوت التهمة من عدمها، وإنما تكتفي بما يرد إليها من بيانات ووثائق للتحقق من التهمة وشخصية المتهم، ورأى المحكمة هنا استشارى وليس حكما قضائيا، فالمحكمة تقضى فى طلب التسليم لا في الشخص المطلوب تسليمه[36]

فالراي السائد لهذا الاتجاه هو بان الطبيعة السيادية القضائية هي الطبيعة نظام التسليم لما تتسم به من التوازن بين متطلبات العدالة ومصلحة الدولة العليا والضمانات المقررة للشخص المطلوب تسليمة.

وصفوة القول بان الصفة السيادية هى المميز لنظام التسليم ككل وليس القرار الصادر من الجهة المنوط بها البت في طلب التسليم، حيث يكيف القرار الصادر بشأن التسليم بأنه عل سيادي تجرية السلطة التنفيذية المختصة أصلا باتخاذ إجراءات فلا تتدخل فيه جهات القضاء، فتدخل السلطات القضائية باجراء التسليم لا يعد أن يكون مساهمة من جانبها في اجراء ادارى على سبيل الاحتياط دون أن يضفي هذا التدخل على الاجراءات اية صفة قضائية[37].

كما ان الحكومة المصرية لا تتطلب وجود اتفاقية تسليم كشرط للتسليم متطلبة بان لا تتعارض طلبات التسليم التى ترد اليها مع القواعد المنصوص عليها في القانون الدولى مع مراعات مبدأ المعاملة بالمثل، كما قامت الحكومة المصرية بامرام العديد من الاتفاقيات الثنائية لتسليم المجرمين بالاضافة إلى الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية المتعددت الاطراف في مجال التسليم.

ويرى الباحث بان معيار طبيعة العمل المتخد هو المعيار السائد فقها وقضاء للتمييز بين اعمال السيادة واعمال الادارة ووفقا له فان اعمال السيادة هى الاعمال التى تصدر عن السلطة التنفيذية باعتبارها سلطة حكم لا سلطة ادارة ولا يكون عليها رقابة قضائية، اما اذا كانت صادرة عنم السلطة التنفيذية باعتبارها سلطة ادارة كانت كلها قرارات ادارية يجوز الطعن بها، حيث اكدت المحكمة الدستورية العليا بان تلك الاعتبارات السيادية هي بسبب المصلحة العليا للدولة لذلك فهي مستبعدة من رقابة القضاء[38]

ونخلص في نهاية الحديث بان الصفة السيادية تتغلب على الطابع الاجرائي لهذا الاجراء حتى مع كون السلطات القضائية ببعض الدول هى المنوط بها البت بطلبات التسليم فنظر طلبات التسليم من خلال القضاء لا يعتبر محامكة بالمعنى الفني للكلمة.

التمييز بين نظام تسليم المجرمين وما يتشابه به

تطرقنا بالمبحث السابق إلى تعريف التسليم وبيان طبيعته، غير ان ذلك قد يثور بالاذهان بعض التشابة بين نظام تسليم المجرمين مع بعض الاجراءات الاخرى التى تتخذ ضد الافراد وتثير خلط مع التسليم، لذا فقد خصصنا مبحث مستقل لمعالجة هذا الامر وايضاح تلك الفروقات بتلك الانظمة.

فيجب ان نميز بين اجراءات التسليم وبعض النظم الاجرائية الاخرى التى قد تتشابة معه من حيث تحقيق النتيجة التى تؤدي بالغالب إلى اخراج الشخص الغير مرغوب فيه من اقليم الدولة إلى اقليم دولة اخرى.

المطلب الاول: التمييز بين نظام تسليم المجرمين والابعاد

عرضنا فيما سبق لتعريف التسليم وسوف يقتصر حديثنا في هذا المجال على تعريف الابعاد وبيان نقاط التشابة والاختلاف بين كل من النظامين.

أولا: مفهوم الابعاد.

فالابعاد هو عمل تنذر به الدولة فردا أو عدة أفراد يقيمون فيها بالخروج منها في اقرب وقت وإكراههم على ذلك ان لزم الامر”[39] ؛ حيث يشير التعريف بان الدولة يمكنها أن تقوم بانذار المبعث قبل تنفيذ أمر الابعاد، كما ان لها ان تقوم بذلك قصرا بمحض ارادتها ودون ان تتقيد بالانذار فهو امر جوازي لها.

وفي تعريف اخر للابعاد بانة “إجراء بمقتضاة تأمر الدولة أجنبيا مقيم على ارضها بمغادرة هذا الاقليم وعدم العودة اليه ثانية “[40] ؛ فصيغة الامر اقرب ما يكون لوصف الابعاد بدل الانذار.

ويعرف كذلك بانه تصريحا صادر من السلطة المختصة في دولة ما يقضي بمغادرة أجنبي ما أراضي تلك الدولة فورا، أو خلال فترة محددة، وان كان لاحد الاجانب حق الاستقرار في دولة ما فان ذلك الحق مقيد بحق تلك الدولة في المحافظة على كيانها [41].

والإبعاد حق معترف به للدوله بشرط أن ينبنى على أسباب مشروعة وألا ينطوى على تعسف أوإسراف في استخدام أو تفرقة بين الاجانب بسبب العنصر أو الجنسية أو الدين، ومن المقرر في القانون الدولى الاعتراف للدولة بحقها فى إبعاد من ترى إبعاده من الاجانب إذا كان فى بقاءة على إقليمها ما يشكل خطرا[42].

ويفرق الفقة عادة في محال السلطة التقديرية للدولة فى مجال الإبعاد بين حالتى الحرب والسلم، فيقرر أن حق الإبعاد فى حالة الحرب يجب إطلاقه من كل قيد، لأن الدولة التى تدافع عن حياتها واستمرار بقائها يجب أن تترك لها الحرية الكاملة فى اتخاذ الإجراءات التى تراها كفيلة لدفع العدوان عنها، وتامين أسباب سلامتها، اما في حالة السلم فيجب ان تمارس الدولة ذلك الحق دون تعسف أو تحكم[43]

ثانيا: أوجه الشبة بين التسليم والابعاد

يتفق كل من نظام تسليم المجرمين ونظام الابعاد ببعض العناصر والتى نذكر منها ما يلي:-

ينهي كل من النظامين أقامة الشخص أو مجموعة من الأشخاص على اقليم الدولة وذلك من خلال التسليم للدولة الطالبة أو من خلال الابعاد لاي دولة اخرى.

يجب ان يقوما على اسباب مشروعة تخول الدولة اتخاذ هذا الاجراء فكما لا حضنا بان كل من الابعاد والتسليم لهم شروط تقيد من تطبيقهم كيلا تتعسم الدول باستخدام ذلك الحق.

يتفقان كذلك على عدم امكانية اتخاذهما كتدبير ضد اللاجئ إعمالا لنص المادة 33 من اتفاقية حماية حقوق اللاجئين التى تحضر طرد أو رد الاجئ بأي صورة من الصور، وويجوز الطعن بكل من قرار التسليم أو الابعاد على حد السوا مع اختلاف طرق الطعن بكل منهم.

يتشابة النظامين بانهما يطبقان على الاجنبي فقط، اذ لا يجوز تطبيقهما على المواطنين فقد نصت اغلب الدساتير والانظمة بان الدولة لا تقوم بتسليم رعاياها[44]، ولا يجوز في نفس الوقت أبعاد الوطنيين[45].

ثالثا: أوجة الاختلاف بين نظامي التسليم والابعاد

نالك العديد من النقاط التى يمكن من خلالها التميز بين كل من نظام تسليم المجرمين والابعاد وهي:-

( من حيث الهدف ) كما اتفقنا بالتعريف فان التسليم يهدف إلى حماية المجتمع الدولى باسرة من خطر الجريمة وتعزيز التعاون بين الدول لمواجهة المجرم اينما وجد، فيما يهدف الابعاد إلى تحقيق مصلحة الدولة القائمة بالابعاد فقط. ولكل الدولتين في نظام التسليم مصالح من تطبيق النظام وان كانت مختلفة فالدولة المطالبة بالتليم تسعى لتطبيق العدالة اما الدولة التى تسلم المتهم فهى تهدف إلى ابعاد الضرر عنها.

أما في حالة الإبعاد فإن المصلحة تنحصر في الدولة صاحبة الإبعاد:

( من حيث المصدر ) تمارس الدولة حقها بالتسليم بناء على معاهدات تربطها مع دول أخرى أو استنادا إلى قوانينها الوطنية أو بناء على تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، أمال الابعاد فهو اجراء يمارس بارادة الدولة المنفردة دون تدخل دولة اخرى تطبيقا لنظام سيادة الدول على اقليمها وذلك من اجل المحافظة على امنه، ويطبق عبر قانونها الداخلي.

(من حيث جهة اصدار القرار) قرارا التسليم يصدر من جهة مختصة بالبت بطلبات التسليم وعادة ما تكون السلطات القضائية باغلب الانظمة بينما الابعاد يختص به بالغالب وزير الداخلية أواللجان المخصص لنفس الغرض. فالسلطة السياسية العليا هى من تختص باصدار قرار التسليم سواء بتأييدة أو رفضة، اما الابعاد فتختص باصدارة السلطة الادارية كونه اجراء داخلي يؤسس على التشريعات الداخلية المنظمة له بالدولة، وهو بالعادة اختياري للدولة المبعده وحدها

( من حيث السبب ) يكون التسليم بسبب ارتكاب الشخص لجريمة أو لاتهامة بارتكاب تلك الجريمة بناء على ادلة قوية فيجب ان تكون هنالك جريمة قائمة فيما ان الابعاد لا يشترط قيام تلك الجريمة فيكفي ان يكون الشخص مصدر تهديد لامن الدولة واستقرارها ولو لم يرتكب جريمة بالتالي فيخضع ذلك للسلطة التقديرية للدولة القائمة بالابعاد.

ويتطلب التسليم ان يشكل الفعل المرتكب من قبل الشخص المطلوب تسليمة واقعة معاقب عليها بالتشريعات الداخلية لكلا الدولتين، فيما لا يتطلب بالابعاد ان يكون الفعل الصادر عن الشخص المراد ابعادة يشكل جريمة، فمن حق الدوولة المحافضة على امنها وامانها.

( من حيث اختيار الدولة الاخرى) اجراء التسليم يكون بين دولتين هما الدولة الطالبة للتسليم والدولة المطلوب منها التسليم فلا يملك الشخص حق اختيار الدولة التى سيسلم اليها، فيما الابعاد فانه يجوز للشخص المبعد أن يختار الدولة التى سينفذ بها اجراء الابعاد[46]

( من حيث العودة) لا يسمح للشخص المبعد بالعودة إلى اقليم الدولة المبعد عنها الا بقرار رسمي من السلطات المختصة فيما يمكن للشخص التذي جرى تسليمة بالعودة إلى الدولة طالبما انها الغرض من التسليم ( بمحاكمته فبراءته أو تنفيذة للعقوبة) طالما لم يكن ممنوع من الدخول لاسبب أخر.

( اثر الابعاد ) لا يترتب جزاء قانوني على فرار الشخص المطلوب في إجراء التسليم بينما يترتب على عدم تنفيذ قرار الابعاد تعرض الشخص للمسائلة بل وقد تصل إلى العقوبة الجنائية ويضل قرار الإبعاد قائم.

(من حيث الاجراءات) يتم بالعادة حجز الشخص المراد تسليمه إلى ان يصدر القرار اما في حالة الابعاد فيتم تنفذ الامر فور صدورة دون الحاجة إلى اجراء حجز الشخص المبعد.

كما يفترض على الدولة الطالبة اخطار الدولة المطلوب منها تسليم المتهم من خلال طلب تسليم في حين الابعاد يتم بناء على رغبة الدولة المتواجد بها الشخص الغير مرغوب به.

قرارا الابعاد المتخذ من قبل السلطة المختصة هو نهاية المطاف في حين ان التسليم يتطلب اجراءات بعد اصدار القرار بالاضافة إلى ان المبعد لا يمكنه العودة في حين يمكن للشخص الذي تم تسليمة [47].

تبقى الدولة مهتمة بامر الشخص في نظام التسليم خشية الا تلتزم الدولة التى استلمته بنصوص المعاهدة وشروط التسليم، كان يحاكم الشخص الذي تم تسليمة عن جريمة سياسية أو عن جرائم اخرى غير التى تم التسليم من أجلها[48]

يمكن للابعاد ان يكون جماعيا بان يشمل القرار الصادر به مجموعة من الأفراد قد لا يكون هنالك رابطة بينهم في حين أن إجراء التسليم يعتبر إجراء فرديا، وإن شمل أكثر من فرد فلا بد أن تكون هنالك رابطة سببية كأن يكونوا فاعلين أو شركاء فى جريمة واحدة[49]

وعلى اعتبار ان الابعاد عمل اداري فلا يمكن الطعن به سواء من ناحية الشكل أو الموضوع[50]

( من حيث العقوبة ) قرار التسليم ليس عقوبة وليس تنفيذا للعقوبة وانما هو وسيلة تجعل هذا التنفيذ ممكنا، الا ان الابعاد يمكن ان يكون تدبير احترازي، وهو بذلك يعد شكل من اشكال العقوبة.

المطلب الثاني: التمييز بين تسليم المجرمين وحق اللجوء

أولا: مفهوم اللجوء.

وكما اشرنا سابقا فان هنالك علاقة بين كل من نظام اللجوء والتسليم والاخير ظهر بسبب نظام اللجوء كنتيجة وتطور له واستجابة لحاجات المجتمع الدولى للتصدي لفرار المجرمين عبر الاقاليم وذلك بعد ارتكابهم للجرائم،لذلك يعتبر حق الملجا بانه الاسبق تاريخيا وحق التسليم جاء خروجا علية[51].

يعرف اللجوء بانه قيام دولة ما بمقتضى سيادتها الاقليمية باسباغ الحماية القانونية لأجنبي ما بالسماح له بدخول اراضيها والبقاء فيها لفترة، وتمتنع بها عن إعادته أو تسليمة إلى دولته التي ينتمي إليها بجنسيته[52].

ويعرف اللاجئ بأنه أجنبي يتمتع بمركز قانوني خاص وتتوفر به خصائص معينة تميزة عن الاجنبي المتواجد بصفة اعتيادية على اقليم الدولة، ونظرا لاهمية وضع الاجئيين فقد جاءة معاهدت جنيف لحقوق اللاجئين في 28 يونيو سنة 1951 لكي تنقل اختصاص اللاجئين من الجهات الدولية إلى السيادة الوطنية لكل دولة يناط بها لجهات متخصصة لتحدد هذه الصفة، كما اشارة إلى هذا الحق المادة (14) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بنصها على أن ” لكل فرد الحق فى أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هربا من الاضطهاد..”[53].

فاللجوء حق حماية تمنحة الدولة لاحد الاجانب وقد نصت على حمايتة الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية[54]، الا ان هنالك من الاجئين السياسيين من يستخدم طريقة اللجوء من اجل افرار من عقاب على الجرائم التى يكون قد ارتكبها في دولتة خشية من المسؤولية الجنائية، الا ان بعض الفقة يرى بانه يجوز مسائلة اللاجئ عن ما ارتكبة من جرائم فان ثبتت ادالنته تتم محاسبته عما ارتكب.

وقد اهتمت الامم المتحدة بحق الملجأ وتمثل ذلك فى اقرار الجمعية العامة لاعلان عالمى حول حق الملجأ وذلك فى 14 ديسمبر 1967، أهم ما جاء فيه التأكيد على التزام الدول احترام الحق بالملجأ وأن هذا الحق لا يتمتع به من يرتكب جرائم ضد السلام أو جريمة الحرب أو جرائم ضد الانسانية[55]

ويجب ان نفرق هنا بين حالتين من اللجوء، تتمثل الحالة الاولى فى التدفق الجماعي المتمثلة في خروج جماعة تمثل بالالاف ينتمون لجنسية واحدة هربا أو خوفا من الاضطهاد الواقع عليهم بسبب العرق او الدين أو بسبب الكوارث حيث لا يمثل ذلك اشكالية بنظام التسليم كون الدول التى يخرجون منها لا تسعى لاستردادهم ؛ فيما تتمثل الحالة الثانية فى بهروب فرد أو جماعة خارج الدولة التى يحتمل بأن يتعرضوا فيها للاضطهاد أو التعذيب وذلك ما يمثل مشكلة يعرقل اجراءات التسليم عندما ترفض الدولة الاخرى طلب استردادهم [56]

ثانيا: أوجه الشبه:

يتفق النظامين فى عدة نقاط نورد من اهمها ما يلي:

يتفق كل من النظامين بانهما ينهيان اقامة الشخص باقليم الدولة لينتقل إلى دولة اخرى

كما أن كل منهم يصدر بقرار سيادي من الدولة التى يقيم عليها الشخص.

ويتشابه كذلك نظام اللجوء مع نظام تسليم المجرمين بانة لا يقع الا على الاجنبي فلا يتصور بان وطنيا يلجا في دولته[57]، كما ان اغلب القوانين وكما اسلفنا سابقا ترفض تسليم مواطنيها.

يعتبر كل من نظام تسليم المجرمين ونظام اللجوء ذو طبيعة سيادية وان اختلفت مصادرهم احيانا، وذلك من خلال خضوعهم للسيادة الوطنية للدولة صاحبة الحق فى التطبيق.

ثالثا: أوجه الاختلاف:

تتعدد أوجه الاختلاف بين النظامين فيما يلي:

1ـ الشخص: يقع اجراء التسليم على شخص ارتكب الجريمة أو مشتبة بارتكابها أما حق اللجوء فلا يقع بالضرورة على مجرم كون اللاجئ بالعادة يهرب من دولة إلى دولة اخرى للبحث عن الامن والطمأنينة

2ـ اختيار الدولة: لا يملك المطلوب تسليمة اختيار الدولة التى سيسلم اليها فيما لا يكون الامر كذلك للاجئ فهو يحدد بالعادة إلى اي دولة سوف يلتجئ كونه يخرج طواعية بالعادة.

3ـ من حيث مصدر الالتزام: هنالك اعتبارات دولية متعارف عليها بالنسبة للاجئ ومقررة من ضمن المعاهدات الدولية اما ضمانات اجراءات التسليم فهي بالغالب تكون متفق عليها ضمن المعاهدات الثنائية إلى جانب التشريعات الوطنية وفى تطبيق شروط المعاملة بالمثل[58] ‘ لذلك يتمتع الاجئ بضمانات أكبر مما يتمتع بها الشخص المطلوب تسليمة

ورغم هذه الفروق الاجرائية إلا أن هنالك علاقة قائمة بين كل من النظامين، فاللجوء قد يكون عقبة في طريق التسليم نظرا لتضارب الاعتبارات التى يقوم عليها كل منهما لتحديد صفة الشخص المطلوب أهو لاجئ أم يمكن تسليمه، فقد يحدث أن يهرب شخص إلى دولة أخرى وتقوم هذه الدولة بطلب استردادة فيما يقوم هو بتقديم طلب الحصول على حق اللجوء، فإذا حصل عليه اعتبر لاجئا وإن لم يحصل عليه أصبح شخصا مطاردا ومطلوب تسليمه[59]

المطلب الثالث: التمييز بين التسليم والنفي

أولا: تعريف النفي:

النفي اجراء داخلي ذو طبيعة موضوعية كونه عقوبة بالمعنى القانوني تنفذ ضد المجرمين السياسيين أما التسليم فهو اجراء دولى يتم بين دولتين أو استنادا لمعاهدات أو على أساس المعاملة بالمثل فهو ذو طبيعة موضوعية واجرائية، ويقصد به إخراج الجاني وطرده من الدولة فى أحوال معينة استنادا إلى القوانين التى تحدد ذلك، وهو عقوبة توقع على شخص ارتكب جريمة محددة سواء أكان هذا الشخص وطنيا أم اجنبيا، ويتم أحيانا بناء على ظروف سياسية معينة[60].

وعلى الرغم من اعتبار النفي عقوبة كما حدد التعريف السابق فإنه كان يعتبر كذلك بالماضي ولم يعد له وجود في التشريعات العقابية المعاصرة بعد تزايد الاهتمام بحقوق الانسان وحرياته الاساسية ورفض المجتمع الدولى نقل المجرمين بطريقة النفي كونه يعد انتهاك للحرية [61].

ثانيا أوجه الشبه بين التسليم والنفي:

الشخص المطلوب تسليمه والمطبق عليه عقوبة النفي لا يملكان حرية أختيار البلد والمكان الذي سيذهبان إلية.

يوجة كل من التسليم والنفي على شخص ارتكب سلوكا إجراميا.

ينهيان كل منهما إقامة شخص أو مجموعة أشخاص على أقليم دولة إلى دولة أو مكان أخر

يمكن الطعن فيهاما أمام الجهات المختصة وذلك حسب ما يحدده القانون

ثالثا: اوجة الاختلاف بين التسليم والنفي:

1ـ من حيث الاشخاص: النفي يطبق على رعايا الدولة الذين يتمتعون بجنسيتها وليس على الاجانب بينما يطبق التسليم على الاجانب حيث جرت العادة بان لا تسلم الدول رعاياها لمحاكمتهم بدول اخرى

2ـ من حيث الهدف من الاجراء: تهدف عقوبة النفي إلى ابعاد الخصوم السياسيين عن الدولة بهدف المحافظة على كيانها الداخلي، اما تسليم المجرمين فيهدف بالغالب إلى التعاون الدولى في المجال الجنائي وتطبيق العدالة الجنائية الدولية ؛ فالتسليم له طابع موضوعي وأجرائي بينما النفي فهو ذو طبيعة موضوعية كونة عقوبة بالمعنى القانوني[62].

كما ان التسليم يهدف إلى حماية المجتمع الدولى بأسرة من خطر ارتكاب الجريمة، أما النفي فهدفة الأساسى حماية الدولة القائمة بهذا الاجراء من خطر المجرم الذي سينفى خارج أقليمها، فالهدف هنا اقليمي وليس دولى كما هو بالتسليم[63].

3ـ من حيث مصدر الالتزام: التشريعات الجنائية الداخلية هي المصدر الالزامي لتقرير عقوبة النفي بينما المعاهدات الثنائية والاتفاقيات والمعاملة بالمثل هي المصدر الاساسي لتسليم المجرمين

4ـ الاهتمام بضمانات حقوق الانسان: يبدو جليا الاهتمام الاهتمام فى حقوق الانسان في اجراء التسليم حيث يجوز الطعن بقرارات التسليم والاستعانة بمحامي لذلك، اما فيما يتعلق بالنفي فانة لا يجوز للشخص العودة إلى بلدة الا باذن من السلطات السياسية

5ـ من حيث العودة: لا يجوز للشخص المنفي العودة إلى بلدة إلا بإذن من السلطات السياسية، بينما يستطيع الشخص المسلم إلى الدولة الطالبة العودة العودة مرة أخرى إلى الدولة التى قامت بتسليمه دون إذن مسبق.

نخلص مما سبق بان تسليم المجرمين نظام مستقل بذاته وله ما يميزة عن غيرة من الانظمة القانونية وان كان يتشابه معها ببعض الجوانب فثمة تقارب وتشابه بينهم[64].


الهامش

[1] د. صافي حسن أبوطالب، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية ” دار النهضة العربية، عام 1988، القاهرة، ص46.[2] معاهدت تسليم المجرمين بين كل من فرنسا وسويسرا عام 1831، قانون تسليم المجرمين البلجيكي عام 1833، معاهدت مونتفيديو عام 1889 مادة 23، اتفاقية تسليم المجرمين بين دول جامعة الدول العربية عام 1953 مادة4، الاتفاقية الاوربية لتسليم المجرمين عام 1957 مادة3، وغيرها الكثير.

المحكمة العليا في النمسا بتاريخ 29 مايو 1958.

[3] دول منظمة الدول الامريكية ابرمت اتفاقيتين في كاركاس بتاريخ 28/3/1954 الاولى تتعلق بالملجأ الاقليمي والثانية بالملجأ الدبلوماسي.

[4] د. مفيد شهاب، القانون الولى العام، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1985، ص13 وما بعدها.

[5] د. ماجد ابراهيم على، قانون العلاقات لدولية في السلم والحرب، مطابع الطوبجي التجارية، القاهرة، 1993، ص142 وما بعدها.

[6] د. عبدالواحد الفار، الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996، ص45

[7]راجع د. محمد زكي أبوعامر، مرجع سابق، فقرة 21، ص69 وما بعدها.

[8] د. أحمد عوض بلال، علم الاجرام: النظرية العامة والتطبيقات، القاهرة، دار الثقافة العربية، ط1، 1985، ص38.

[9] نقض 28/11/1966، مجموعة أحكام النقض، س17، رقم 219، ص1161

[10] د. أمجد هيكل، المسؤولية الجنائية الفردية الدولية امام القضاء الجنائي الدولى، دراسة في إطار القانون الدولى الانساني، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثانية، 2009، ص 5-6.

[11] د. هشام مبارك + د. رقم 5 فالمتهم في أضيق نطاق لتعريفة أنه هو من توجة الية الدعوى الجنائية

[12]  د. عبدالفتاح محمد سراج، النظرية العامة لتسليم المجرمين، دراسة تحليلية تأصيلية، رسالة دكتوراة، كلية الحقوق جامعة المنصورة، 1999، ص65.

[13]  المعجم الوجيز، ص101

[14]  ابن منظور “لسان العرب” مادة سلم، جزء ثالث، دار المعارف المصرية.

[15]  المرجع السابق ص 102

[16] د. محمد طلعت الغنيمي، الوسيط في قانون السلام، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1982، ص435.

[17]M.C. Bassiouni ‘Extradition: The U.S. Model” REV. INT’LE DE DROIT PENAL.Vol. 62 p.470

[18] د. سليمان عبدالمنعم، الجوانب الاشكالية في النظام القانوني لتسليم المجرمين، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2007، ص7.

[19] د. محمد فاضل، محاضرات في تسليم المجرمين، معهد الدراسات العربية العليا، جامعة الدول العربية، المطبعة الفنية الحديثة، 1967، ص22.

[20] د. عمر السعيد رمضان، شرح قانون العقوبات، القسم العام، دار النهضة العربية، ص121.

[21] د. عبدالفتاح سراج، مرجع سابق، ص89.

[22] د. اسليمان عبدالمنعم، الجوانب الاشكالية في النظام القانوني لتسليم المجرمين، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2007، ص37

[23] د. محمود حسن العروسى، تسليم المجرمين ، بحث في النظام المصري والتشريعات المقارنة، مطبعة كوستاتسوماس، 1957، ص25.

[24] د. محمد حسن العروسي، مرجع سابق، ص 15 وما بعدها.

[25] د. محمد الافاضل، محاضرات في تسليم المجرمين، معهد الدراسات العربية العليا،ـ جامعة الدول العربية، المطبعة الفنية الحديثة، 1967،ـ ص29

[26] سورة التوبة، الاية 6.

[27] د. محمود حسن العروسي، تسليم المجرمين، مرجع سابق، ص21

[28] جدير بالذكر بان المحكمة الدستورية العليا بجمهورية مصر قد أكدت بان ” استبعاد أعمال السيادة من ولاية القضاء أساسها اتصالها بسيادة الدولة في الداخل والخارج، وانها لا تقبل بطبيعتها أن تكون محلا للتقاضي لما يحيط بها من اعتبارات سياسية”. حكم المحكمة بجلسة 9 اكتوبر 1990م القضية رقم 4/12/ق، القاعدة رقم 58 ص428 أنظر المستشار عبدالمنعم الشربيني، الموسوعة الشاملة لأحكام المحكمة الدستورية العليا” ج2 من يناير 1987 حتى اكتوبر 1990 ص 576. مشار اليها لدى د. عبدالرحمن فتحي عبدالرحمن سمحان ” تسليم المجرمين في ظل قواعد القانون الدولي، رسالة دكتوراة، كلية الدراسات العليا، القاهرة، 2011، ص 51.

[29] د. محمد فؤاد عبدالباسط، أعمال السلطة الادارية، القرار الاداري والعقد الاداري، الاسكندرية، 1989،ص 45

[30] راجع حكم محكمة القضاء الاداري دائرة منازعات الافراد والهيئات، الدعوى رقم 4016 لسنة 40ق، جلسة 3 مارس سنة 1987م حيث حكمت المحكمة بعدم اختصاص ولائها بنظر دعوى الطعن بطلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر من الحكومة المصرية بمنح الرئيس السوداني السابق جعفر النميري حق اللجوء السياسي في مصر. لمزيد من التفاصيل انظر مجلة هيئة قضايا الدولة، العدد الرابع السنة 31 سنة 1987م ص 176 وما بعدها، مشار إليه لدى د. عبدالرحمن فتحي عبدالرحمن، مرجع سابق، ص 53.

[31] حكم محكمة النقض الصادر في الطعن رقم 2427 لسنة 55 ق بجلسة 18 ديسمبر سنة 1986م، مجلة هيئة قضايا الدولة، العدد الثاني، السنة 32 سنة 1988م ص 240.

[32] د. هشام عبدالعزيز، مرجع سابق، ص48.

[33] د. عبدالكريم صالح الاغبري، دور الشرطة في تسليم المجرمين، رسالة دكتوراة،القاهرة، اكاديمية الشرطة، رسالة دكتوراة، سنة 2011م، ص45.

[34] د. عبالفتاح سراج، النظرية العامة لتسليم المجرمين، مرجع سابق، ص96.

[35] د. لبيب على لبيب ” الدور السياسي للقضاء الاداري” رسالة دكتوراة، كلية الحقوق بجامعة القاهرة، 1993، ص 172 وما بعدها.

[36] د. الهام محمد حسن العاقل، مبدأ عدم تسليم المجرمين السياسيين، مرجع سابق، ص165

[37] د. اسكندر غطاس، تسليم المجرمين في النظام القانوني المصري، مرجع سابق ((بكتاب3)) ص170.

[38] راجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 10 لسنة 7 قضائية دستورية جلسة 4 يونيو 1988، الجزء الرابع ص 127.

[39] د. فؤاد رياض “الوسيط في الجنسية ومركز الاجانب”، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988، فقرة 343، ص 356 ((او مرجع اخر الجنسية بالبيت))

[40] د. عصام القصبي، الابعاد في إطار النظام القانوني لدولة الامارات العربية المتحدة “، مقال، مجلة الفكر الشرطي، الشارقة ، ج3، العدد الاول، يونيو 1994، ص258.

[41] د. فؤاد عبدالمنعم رياض، الوسيط في القانون الدولى الخاص، الجزء الاول، الجنسية ومركز الاجانب، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة السابعة، 1992، ص411.

[42] د. عبدالرحمن فتحى عبدالرحمن، تسليم المجرمين في ظل قواعد القانون الدولى، مرجع سابق، ص65.

[43] د. أحمد أبو الوفا، الوسيط فى القانون الدولى، دار النهضة العربية، 1995، 1996، ص372.

[44] جدير بالذكر بان بعض التشريعات ذات الاصل الانجلو أمريكية تطبق نظام التسليم على مواطنيها وسنتطرق لذلك بمزيد من الايضاح عند عند تناولنا شرط الجنسية بنظام التسليم.

[45] د. عبدالفتاح سراج، مرجع سابق، ص 68.

[46] انظر المادة 12/2 من قرار وزير الداخلية لسنة 1964 بشأن ابعاد الاجانب والمقيمين على اقليم جمهورية مصر العربية.

[47] مرجع سابق د. فؤاد عبدالمنعم رياض، 414.

[48] د. رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام في التشريع العقابي المصري، دار الفكر العربي، القاهرة، ط4، 1979م، ص107.

[49] د. عادل محمد خير، الاجانب فى القانون الدولى المعاصر والتشريع المصري، دار النهضة العرية، القاهرة، 1995، ص94 وما بعدها.

[50] كتاب 3 ص 62

[51] د. محمد طلعت الغنيمي ” الوسيط في قانون السلام، مرجع سابق، ص434. ( كتاب 5 ص 39)

[52] كتاب 5 ص 38

[53] جدير بالذكر بان هنالك العديد من انواء اللجوء منها الملجأ الاقليمي : ويقصد به بصفة عامة سلطة الدولة وأهليتها لمنح الملجأ داخل اقليمها للاجئين حسب تقديرها ؛ والملجأ الدبلوماسي: وهو الملجأ الذي تمنحه الدولة خارج إقليمها في أماكن مختلفة مثل مقار البعثات الدبلوماسية ويشير إلى الدلالة على الايواء في البعثات والقنصليات الاجنبية فرارا من ملاحقته قضائيا من قبل سلطات الدولته ؛ والملجأ البحري : وهو الملجأ الذي تمنحه الدولة على ظهر السفن الحربية الراسية فى المياة الاقليمية لها. للمزيد انظر د. حمدي الغنيمي، الملجأ فى القانون الدولى، رسالة دكتوراة، كلية الحقوق، جامعة الاسكندرية، 1986م، ص32.

[54] نشير هنا إلى انه تزايد عدد الاجئين باستمرار على مستوى العالم حيث اخر احصائيات تشير إلى ان العدد يزيد عن 22 مليون فرد، لذا قام القانون الدولى باصباغ هذه الحماية الخالصة، + انشاء اتفاقية الامم المتحدة للاجئين لعام 1951 والبروتوكول الخاص بها بعام 1967 حيث بلغ عدد الدول المصدقة عليها 133 دولة كان من اهم اهدافها حضر طرد اي لاجئ أو رده للمزيد راجع الد. احمد ابو الوفا محمد ” الحماية الدولية لحقوق الانسان في إطار منظمة الامم المتحدة، محاضرة القيت بالمعهد الدولي لحقوق الانسان، ستراسبورج، فرنسا، 2005، الجزء 2، ص193 + (البحث عن مراجع اخرى ) ((منظمة اللاجئين الدولية مزيد من المعلومات حولها))

[55] د. ابراهيم العناني، القانون الدولى العام، المرجع السابق، ص 368.

[56] د. عبدالفتاح سراج، مرجع سابق، ص72 ود. عبدالكريم صالح، مرجع سابق، ص49.

[57] هنالك حالات تسمى الملجأ الدبلوماسي لها قواعدها الخاصة بحيث تمنحه السفارات والقنصليات باعتبارها امتداد اقليمي ضمن الشروط المتعلقة بالاقليم. د. برهان أمر الله، مرجع سابق (كتاب 2 ص 74) ص120.

[58] من اهم الاتفاقيات مذكورة في كتاب 2 هامش ص 75.

[59] د. عبدالكريم صالح الاغبري، دور الشرطة فى تسليم المجرمين، مرجع سابق، ص51-52.

[60] د. على حسن الشرفي، الإرهاب والقرصنة البحرية في ضوء الشريعة والاتفاقات الدولية، من إصدارات جامعة نايف العربية للعلوم الامنية، مركز الدراسات والبحوث، الرياض، طبعة أولى، 2006م، ص54.

[61] د. عبدالفتاح سراج، مرجع سابق، ص76.

[62] د. عبدالكريم صالح، المرجع السابق، ص 58.

[63] د. عبدالروف، مبادئ السم العام فى التشريع العقابي المصرى، مرجع سابق، ص353.

[64] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close