fbpx
دراسات

الأوضاع السياسية للجماعات العرقية والدينية في إسرائيل

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

الكيان الصهيوني يتميز بكونه مجتمع مهاجرين مستوطنين أو مستعمرين، ما جعله عبارة عن فسيفساء من الجماعات الدينية والإثنية المتمايزة عن بعضها البعض، حيث تنظر كل جماعة من تلك الجماعات العرقية والدينية للعملية السياسية كوسيلة للسيطرة على عملية توزيع الموارد داخل الدولة، ومن ثم تسعى جميعها للمشاركة في العملية السياسية.

ومن ناحية أخرى، فإن العملية السياسية توضح بشكل جلي جوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ومن ثم تسعى كل الدول للتأكيد على مشاركة الأفراد في العملية السياسية من أجل ضمان استقرار العلاقة بين الطرفين، وبالتالي يمكن القول بأن تخلف طرف ما عن المشاركة في العملية السياسية، قسرًا أم اختيارًا هو أمر له تأثيراته المختلفة على الأمن القومي، وسوف يحاول هذا الفصل إلقاء الضوء على العلاقة بين الأوضاع السياسية للجماعات العرقية والدينية في إسرائيل وأثرها على الأمن القومي فيها يتم تقسيم المبحث لقسمين يتناول أولهما: الأوضاع السياسية للجماعات العرقية والدينية في إسرائيل، بينما يتناول المبحث الثاني: أثر تلك الأوضاع على الأمن القومي.

أولا: الأوضاع السياسية لعرب إسرائيل

إن واحدة من أهم السبل لدراسة النظام الإسرائيلي سياسياً واجتماعياً في خلال الستين عاماً الماضية، والتي هي تاريخه منذ نشأته، تكمن في دراسة العلاقة ما بين الدولة والعرقية العربية الفلسطينية المتواجدة بها، وتعتبر العلاقة مهمة نظراً للتعقيدات التي قد تخلفها على هوية الدولة، واستقرارها المستقبلي. فمنذ قيام إسرائيل والشك يدور حول ولاء تلك العرقية العربية للدولة الجديدة، خاصة وأن الكثير من أبناء تلك العرقية قد اشترك في حرب 1948 نفسها ضد إسرائيل.

 ولا يحصل العرب في إسرائيل على وضع متساوي كالذي يتمتع به اليهود في مختلف نواحي الحياة العامة من حيث التمثيل في القضاء، الجهاز التنفيذي، الجهاز التشريعي، المحليات، أو حتى الجهاز المدني، ما يجعل العرب بعيدون عن عملية صنع واتخاذ القرار ومراكز القوة، وهو ما يرسخ لعدم المساواة بين الطرفين، ويمكن توضيح ذلك كالتالي:

أ- القضاء

يقل تمثيل العرب بشكل كبير في القضاء الاسرائيلي، فالمحكمة العليا لم يعمل بها سوى إثنين من العرب فقط، هما عبد الرحمن زوابعي لمدة تسعة أشهر في 1999،[1] وسالم جبران منذ 2007 وحتى الآن من بين خمس عشر عضواً، وعلى مستوى المحاكم المحلية نجد أن القضاة العرب يشكلون 4.9% بواقع 7 قضاة من بين 143، ويشكلون 7.7% من قضاة الصلح، بواقع 29 من بين 373 قاضي، ويشكل العرب 3.6% من عمال المحاكم بواقع أثنين من بين 55 عامل.[2] 

ب-الكنيست

امتلكت الأحزاب العربية 9% من مقاعد الكنسيت بما يساوي 11 مقعد من إجمالي 120، يمثلها حزبي التجمع والجبهة وذلك خلال برلمان 2009، ومن الجدير بالذكر أنه كانت هناك بعض المحاولات في عامي 2003 و2009 من خلال النائب العام وأحزاب اليمين وبعض أعضاء الكنيست لسحب الصفة القانونية من الأحزاب العربية وممثليها في البرلمان، بهدف تحجيم الصوت العربي في عملية صنع القوانين داخل البرلمان، لكن تلك المحاولات قوبلت بالرفض.

ج-الحكومة

الكنيست

منذ 1948، لم يدخل أي حزب عربي في أي حكومة ائتلافية، ويرجع السبب في ذلك لرفض أي من الأحزاب اليهودية في إسرائيل للائتلاف مع العرب من جانب، ورفض الأحزاب العربية نفسها لتشكيل حكومة مع تلك الأحزاب، وقليل من العرب فقط هم من حصلوا على منصب وزاري في إسرائيل وهم: “نواف مصالحه” في 1999 الذي عين كنائب لوزير الخارجية، “صلاح طارف” الذي عين وزير بلا حقيبة في 2001 وغالب مجادلة الذي عين وزير للعلوم والتكنولوجيا في 2007.

ويشهد الصوت العربي في إسرائيل المزيد من اضمحلال الشرعية على الساحة السياسية والاجتماعية الاسرائيلية، فطبقاً لاستطلاعات الرأي فإن ثلث اليهود يوافقون على أن العرب لا يحق لهم التصويت أو الترشح لانتخابات الكنيست، وأكثر من نصف الشباب اليهودي يرى ضرورة حرمان العرب من الترشح للكنيست، فضلاً عن أن نظام العدالة الجنائية عادة ما يستخدم كوسيلة لسحب الشرعية من القرارات والأفعال التي يقوم بها عرب إسرائيل بما فيهم القادة المنتخبين، وكثيراً من أعضاء البرلمان تم رفع الحصانة عنهم وإلغاء امتيازاتهم وحرمانهم من ممارسة الأنشطة السياسية التي تقع في دائرة أعمالهم كنواب في البرلمان، ويلاحظ أن هناك مجموعة كبيرة من القوانين الخاصة بحرية التعبير والرأي والمشاركة السياسية والتي تستخدم عادة في تحجيم الحراك العربي، ويمكن توضيح بعضها كالتالي:

-قانون الحق في الترشح والانتخاب:

ينص القانون الأساسي للكنيست في الفترة 7A تحت عنوان “المنع من المشاركة في الانتخابات” على أن لجنة الانتخابات المركزية يمكنها منع أي شخص أو حزب من خوض الانتخابات لو أن أفعال وأقوال هذا الشخص:

1) تنفي الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية.

2) تحض على العنصرية.

3) تقدم المساعدة لأي دولة أو منظمة إرهابية تعارض وجود دولة إسرائيل.

;ونلاحظ أن المقطع الأخير تم إضافته في عام 2002، بهدف منع الأحزاب المؤيدة لحماس من الدخول للكنيست، وفي 2008 تم وضع تعديل القانون الأساسي لينص على أن من يسافر لأي من الدول الأعداء كإيران وسوريا ولبنان والعراق بدون تصريح من وزارة الداخلية لا يحق له الترشح لانتخابات الكنيست.[3]

-قانون الحق في التظاهر:

الحكومة الاسرائيلية

عادة ما تستخدم قوات الشرطة العنف والاعتقالات كسبيل لمواجهة المظاهرات العربية من أجل إسكات المعارضة، وقدظهر ذلك مؤخراً في تعامل الشرطة مع المتظاهرين ضد عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة والمعروفة باسم “الرصاص المصبوب”، ويلاحظ أنه حتى الآن لم يتم اتهام أي ضابط أو قائد أو رجل سياسي في أحداث عام 2000 التي راح ضحيتها 13 فلسطيني.

;وقد تسببت عدم المساواة بشكل عام في حالة من حالات التهميش التي عانى من عرب 48، وهو ما انعكس في قلة مشاركتهم سياسياً، ويمكن القول بأن التمثيل العربي في الكنيست الإسرائيلي كان أداة شكلية لإظهار الوجه الديمقراطي لإسرائيل أكثر منه أداة فعالة لإعطاء العرب سلطة حقيقية في العملية السياسية، ويمكن فهم ذلك في إطار الدور الهامشي أو الغائب للعرب عندما يتعلق الأمر بتحديد سياسات وطنية عامة ذات أهمية، في مثل تلك الحالات تعتبر المشاركة العربية كعقبة غير شرعية يجب إزالتها.

وفي كثير من الحالات كانت “الديمقراطية الدفاعية” تستخدم باعتبارها عذر يضفي الصفة الشرعية على الحد من الحقوق السياسية للأحزاب ورجال السياسة العرب[4]، وفي حالات أخرى كانت الأحكام العرفية تستخدم لإدانة الأنشطة السياسية العربية وانعكس كل ذلك على المشاركة السياسية للعرب في الانتخابات، حيث بدأت مشاركة الأفراد تقل في العملية السياسية بدءاً من ثمانينات القرن الماضي، وظهر ذلك بشكل واضح وتدريجي في انتخابات رئيس الوزراء في 2003، 2006 و2009، ففي انتخابات 2009 على سبيل المثال كانت نسبة التصويت الاجمالي 64.7%، في حين كانت نسبة التصويت بين العرب فقط 53%.

ومن الأمثلة على أهم القوانين التي منع النواب العرب من المشاركة في تكوينها والتصويت عليها كان القانوني الأساسي الذي عدله الكنيست الإسرائيلي عام 1985 من أجل ضمان دستورية الهوية اليهودية للدولة وضمان وجود تلك الهوية كشرط مسبق للمشاركة في الانتخابات، وفي نفس الاتجاه تم طرح قانون في يوليو 2008 والذي يهدف إلى منع السياسيين من الترشح إلى انتخابات الكنيست الإسرائيلي حال زيارتهم لأحد الدول الأعداء، وخاصة الدول العربية.

;مثال آخر كان مشروع القانون المقترح والخاص بإلغاء الجنسية في حالات الخيانة، التي تم التصديق عليها من قبل لجنة الكنسيت للشئون الداخلية في 14 يوليو 2008، وتشير تلك النماذج إلى أن المعنى الحقيقي لعملية لسياسات الإدماج الخاصة بالعرقية العربية هي بالأساس سياسات هدفها التغطية على الوجه الديكتاتوري للأغلبية اليهودية تحت مسمى الديمقراطية الدفاعية، ويتشابه ذلك إلى حد كبير مع أوضاع التعليم بالنسبة للعرقية العربية، حيث فصلت الدولة المدارس العربية عن اليهودية وسمحت للعرب بالحصول على التعليم بلغتهم الأم مع حصول المدارس العربية على دعم مالي من الدولة، حيث تم تقديم تلك السياسات كوسيلة لإدماج العرب في الدولة، بعد التأكد من أن وجودهم حقيقة يجب على الدولة التعايش معها.[5]

عبر الوقت أدركت العرقية العربية من أبناء الأرض الأصليين أن سياسات الإدماج التي تتبعها الدول الإسرائيلية عبء أكثر منها مصدر للنفع، فعلى سبيل المثال كان الاستبعاد من تأدية الخدمة العسكرية سبباً ومبرراً للتمييز ضد العرب في الكثير من مجالات الحياة بما فيها التخصيص الأساسي للموارد كما للأطفال في المدارس ونقل الثروات، وكان الانفصال في العملية التعليمية وسيلة لتحويلها إلى “غيتو” تستخدم فيه سياسات “العصا والجزرة” من أجل استمالة النخبة المثقفة العربية وتمكيين الدولة من التمييز ضد المدارس العربية في عملية تخصيص الموارد، ومن الجدير بالذكر هنا أن التعليم العربي منذ عام 1948 يتم الإشراف عليه من قبل الإدارة العسكرية- مكتب مستشار شؤون العرب ومكتب الأقليات- ثم خففت إسرائيل بعد انتهاء الحكم العسكري في 1966 من إشرافها المركزي على التعليم لكن مع بقاء القرارات المتعلقة بالتعليم العربي في يد الحكومة الإسرائيلية ودون تغيير المناهج التي تؤكد على أهمية دولة إسرائيل.[6]

وعلى نفس المنوال يسيطر اليهود على المناصب العليا في وزارة التعليم، وخاصة المناصب المرتبطة بتحديد المحتوى وإملاء المفاهيم التربوية والتعليمية للسياسات العامة في المدارس العربية، وعلى الرغم من نجاح بعض أفراد العرقية العربية في الحصول على مناصب رفيعة في وزارة التعليم، إلا أن عملية وضع السياسات التعليمية تتم من خلال منتدى تربوي لا تزال يسيطر عليه اليهود، وأوضح الدارسون للوضع التعليمي للعرب في إسرائيل أن العديد من خطوات التطوير التي أصابت المدارس العربية في إسرائيل لا تزال خاضعة لإطار فلسفي يسعى قدر الإمكان إلى خلق هوية عربية إسرائيلية بديلة تعادي تاريخها وتتنصل من إرثها الحضاري والثقافي.

وبنظرة فاحصة إلى محتويات العملية التعليمية في المدارس العربية، أكد العديد من المحللين أن المواد تعمل على تهيئة الطالب العربي لأن يتقبل فكرة سمو اليهود عنه، والعمل على ترقية النزعة الوطنية الإسرائيلية وتباعاً القضاء على الهوية العربية-الفلسطينية، وتسود الوسط التعليمي الإسرائيلي حالة من التقبل العام لعملية التمييز بين اليهود والعرب في التعليم والتي تتأتى بناءً على مشروعية سمو الأغلبية اليهودية على العرقية العربية، والتي لا تتعارض مع القيم الديمقراطية أو الحقوق الأساسية للمواطنين العرب، ومن ثم يمكن القول بأن السياسات الإدماجيه التي اتبعتها الدولة الإسرائيلية كان الهدف منها الحفاظ على الاستقرار الداخلي أكثر منها الحفاظ على حقوق العرقية العربية.

 واستخدمت الدولة في إسرائيل العديد من السياسات التكاملية والإدماجية بهدف إحكام قبضتها على العرقية العربية وإدارة شئونها بما يخدم مصالح الدولة اليهودية، ومن ثم لا يمكن وصف الوضع الذي تتمتع به العرقية العربية في إسرائيل بالوضع الديمقراطي، ويرى أسعد غانم أن العلاقة بين العرقية العربية والنظام السياسي في إسرائيل على أنه “إثنوقراطية”،[7] فهي ديمقراطية مع جماعة أثنية دون الأخرى.

1-قوانين حقوق المواطنة

العرب في المجتمع الإسرائيلي هم من سكان فلسطين الذين آثروا البقاء في منازلهم حتى بعد إنشاء الدولة الجديدة في 1948 ليصبحوا بشكل غير طوعي أقلية كما يسميهم اليهود الإسرائليون، 82% من العرب من المسلمين السنة، 9.5% من المسيحيين، 8.5% من الدروز، والقانون الأساسي لإسرائيل لا يعترف بهم كأقلية وطنية.

 ففور نشأتها ضم إعلان استقلال إسرائيل مبدأين هامين:

 أولهما الإشارة للدولة الجديدة على أنها دولة يهودية مهمتها لم شمل المنفيين، وعلى الرغم من حرصها على الإشارة إلى أنها دولة ديمقراطية تعامل المواطنين على قدم المساواة، إلا أن عنصرية الدولة ظلت هي الأساس التي تقوم عليه، وتظهر عنصرية الدولة في إثنين من القوانين الأساسية وهما:

  • القانون الأساسي: الكرامة الإنسانية والحرية (1992).
  • القانون الأساسي: حرية الاحتلال (1992) وتعديلاته المختلفة.[8]

وفي مجال حقوق المواطنة، يمكن القول بأنه لا يستوي العرب واليهود في الحصول على نفس الحقوق وتحمل نفس الالتزامات، فهناك العديد من القوانين التي جعلت من وضع اليهود أفضل من وضع العرب بكثير، ويتضح ذلك بشكل كبير من خلال قانون العودة (1950)، و قانون المواطنة (1952).

 وهي القوانين التي تعطي لأي يهودي الحق في الهجرة لإسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية والعيش بها، في حين أن نفس القانون لا ينطبق على الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم بشكل قصري وجبري من منازلهم وأراضيهم في الفترة من 1947-1952، وينص القانون على أن غير المواطنين المتزوجين من يهود وعرب إسرائيل يمكنهم الحصول على إقامة مؤقتة أو المواطنة، طبقاً لقانون المواطنة، بأسلوب تدريجي على مر السنوات، يتم خلالها ملاحظة السجل الأمني والخلفية الإجرامية ومدى صدق العملية الزوجية، ويمنع من ذلك كل الأزواج من الأراضي الفلسطينية المحتلة بدءاً من عام 2002.[9]

ولقد تسبب قانون المواطنة في إحداث الفرقة داخل العديد من العائلات، فعلى الرغم من أن القانون كان يسري بالأساس على الزيجات من غزة والضفة الغربية، إلا أنه العام 2007 شهد توسيع ذلك الإطار ليشمل كل من سوريا، لبنان، العراق وإيران، وأي دولة قد تسبب خطر على إسرائيل، ثم تم تضمين قطاع غزة في يونيو 2008، ومن ثم فإن أوضاع المواطنة في إسرائيل قد خلقت ثلاثة مسارات مختلفة:

  • أولها وأفضلها: هو لليهود في دول العالم ويتضمن الاعتراف بحقهم في الدخول إلى إسرائيل والإقامة بها والحصول على جنسيتها طبقاً لقانون العودة (1950).
  • المسار الثاني : للأزواج غير الوطنيين المتزوجين من المواطنين اليهود والذين يحق لهم الدخول إلى إسرائيل والحصول على جنسيتها عبر بضع سنوات.
  • المسار الثالث والأقل أهمية هو: لأزواج المواطنين العرب والذين ليسوا من إيران، العراق، الأراضي الفلسطينية المحتلة، سوريا، لبنان.

 إن تلك المسارات تمثل التعدي الصارخ على حقوق الأفراد وترسيخاً لمبدأ العنصرية في المعاملة، وقد قوبل القانون بالكثير من النقد من العديد من المنظمات العالمية وأهمها مجالس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والتي طالبت إسرائيل بإلغاء القانون.

وآخر تلك المطالبات كانت في 2010 عندما أصدرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بياناً أظهرت فيه “قلقها من أن قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل لا يزال يتم العمل به، وتم إكسابه الصفة الشرعية من قبل المحكمة العليا”، وأوصت المنظمة بـ “ضرورة العمل على تسهيل لم شمل العائلات لكل المواطنين بدون تمييز”،[10] وعلى الرغم من ذلك تم تجديد القانون في يناير 2012.[11]

كانت هناك العديد من المحاولات التي تم القيام بها في السنوات الماضية لتسهيل سحب صفة المواطنة لعدة أسباب متعلقة بعدم الولاء للدولة أو انعدام الثقة، وهي المحاولات التي كانت تستهدف بشكل أو بآخر المواطنين الفلسطينيين، ففي 28 يوليو 2008 وافق الكنيست على تعديل قانون المواطنة (التعديل رقم 9) والذي يسمح لمواطني إسرائيل بأن يتم إلغاء وطنيتهم على أساس “نقص الثقة أو الولاء للدولة”، وفور مجيئها للحكم، شرعت الحكومة الائتلافية في 2009 في إقرار العديد من التشريعات التي حملت على جبينها وصمة العنصرية، مثل الاقتراح المقدم بتعديل قانون المواطنة ليفرض على كل من يريد الحصول على الهوية الإسرائيلية ضرورة الاعتراف أولاً بيهودية الدولة والقسم على ذلك، وهو ما من شأنه أن يحول من حق مشروع إلى ميزة مشروطة.[12]

أفقدت قضية المواطنة والهوية العرقية العربية ارتباطها بالمجتمع الإسرائيلي والولاء للدولة، فعلى الرغم من المشاركة السياسية والمجتمعية، إلا أن العرقية العربية في إسرائيل لا تكن ولاء للدولة، ولا يفخر بانتمائه لإسرائيل سوى جزء قليل منهم ويؤثر ذلك بطبيعة الحال على الأمن القومي الإسرائيلي، لأن العرقية العربية تشكل وحدها 20%من السكان بواقع1.6مليون نسمة.

 وهذا الوضع الشاذ الذي يعيشه العرب داخل إسرائيل يتطلب قدر الإمكان تطبيق مبدأ المواطنة حفاظًا على حقوق الجميع وضمان ولاءهم للدولة، إلا أن إمعان السلطات الإسرائيلية في التمييز ضد حقوق العرب يؤدي إلى مزيد من تدهور الأوضاع الاجتماعية لدى العرب وفك ارتباطهم بالدولة التي يقيمون عليها، ويزيد من احتمال مشاركتهم في أي عمل عدائي ضد الدولة، وهو ما يؤثر بشكل كبير على الأمن القومي الإسرائيلي.

مخطط برافر ومحاولات التهجير للعرب:

هو قانون إسرائيلي أقره الكنيست يوم 24 يونيو 2013 بناء على توصية من وزير التخطيط الإسرائيلي “إيهود برافر” عام 2011 لتهجير سكان عشرات القرى الفلسطينية من صحراء النقب جنوب إسرائيل، وتجميعهم في ما يسمى “بلديات التركيز”، حيث تم تشكيل لجنة برافر لهذا الغرض.

 وبموجب هذا المشروع أو المخطط ستستولي إسرائيل على أكثر من 800 ألف دونم من أراضي النقب وسيتم تهجير 40 ألفًا من بدو النقب، وتدمير 38 قرية غير معترف بها إسرائيليًا، إلا أن إسرائيل قد تراجعت عن هذا المشروع في ديسمبر 2013، نتيجة للضغوط الشعبية العربية داخل الخط الأخضر، وقد هدفت إسرائيل من وراء هذا المشروع الى:

  1. عزل النقب عن محيطها العربي (غزة – سيناء).
  2. تعزيز وجود المستوطنات في النقب خاصة في المناطق التي تعتبر خصبة من ناحية اقتصادية بالمعادن والرمال والصخور نارية.
  3. بناء مراكز عسكرية واستخباراتية بالقرب من المحيط العربي لاسيما مصر والأردن وخليج العقبة.
  4. العمل على تسهيل مخطط بناء قناة البحرين الأحمر والميت، وفتح مجال لخط السكة الحديد الذي سيربط القناة مع البحر المتوسط للاستغناء عن قناة السويس. [13]

وبالرغم من اندلاع المظاهرات ضد المشروع وإعلان إسرائيل وقفه إلا أنه ووفقًا لآخر الإحصائيات الصادرة من لجنة توجيه بدو النقب، فإن الاحتلال هدّم منذ بدء عام2014 أكثر من ألف منزل بقرى النقب. [14]

ثانيًا: اليهود الشرقيين “السفارد” مقابل اليهود الغربيين “الأشكناز”

سبق الإشارة إلى أن السفارد لم يكونوا من مؤسسي الدول الإسرائيلية، ولكن تم استجلابهم للدولة قصراً او اختياراً من أجل خدمة بعض الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وعليه فإن ممارسة حقوقهم السياسية داخل الدولة قد مرت بالعديد من المراحل التي يمكن تقسيمها إلى خمسة مراحل رئيسية تشرح، وبشكل واضح رؤية الدولة الإسرائيلية للسفارد وكيف تطورت تلك الرؤية كالتالي:

1-المراحل الأولى:

تأكدت الهوية الأوروبية للحركة الصهيونية منذ نشأتها في كتابات القائمين عليها، فيخبرنا ثيودور هيرتزل أن “الهدف من الدولة الإسرائيلية هو أن تستخدم كمتراس أوروبي ضد آسيا، كقاعدة أمامية للحضارة ضد البربرية”، وكما أوضحت كتابات هيرتزل فإن الحديث عن الدولة اليهودية هو حديث عن يهود أوروبا، وليس غيرهم من اليهود.

وقد وصل عدد اليهود غير الأوروبيين الذين تم تجنيدهم في فلسطين للعمل للمرة الأولى حوالي ألفي يهودي من اليمن بين عامي 1910 و1914 للعمل في المستوطنات اليهودية بدلاً من العرب.

 ولكن بمرور الوقت تم طرد معظمهم من العمل في المستوطنات لأنهم غير مؤهلين للعمل وليست لديهم خبرة، وبدلاً من ذلك تم السماح لهم بالعمل في الجنوب وبناء مساكنهم الخاصة، وفي هذا الصدد قال آهاد حائام، أحد رواد الحركة الصهيونية -مظهراً قلقه- ” إن الهجرة اليمنية تؤثر على طبيعة المستوطنات اليهودية من خلال ثقافتهم وعقليتهم المختلفة”. ويقول فلاديمير جابوتنسكي، أحد زعماء الحركة الصهيونية”:  “أعزاءي اليهود الحمد لله، ليس لنا أي قاسم مشترك مع الشرق، ويجب علينا أن نضع حداً لأي أثر للروح الشرقية بين يهود فلسطين”.

 وفي مقال آخر له، لم يوافق جابوتنسكي على التزاوج بين اليهود الأوروبيين والشرقيين مؤكداً أنه لا يدري نتاج ذلك؛ “أناس مهره أم عرق غبي”، ويرفض جابوتنسكي بشدة القول بأن هناك علاقة ما بين اللغة اليهودية والعربية قائلاً “نحن أوربيين، ذوقنا الموسيقي أوربي، ذوق روبنشتاين، ميندلسون وبيزات”.[15]

ولقد زاد عدد السفارد قليلاً مع الانتداب البريطاني، فبالإضافة للسفارد من يهود فلسطين واليمن، قدم إلى فلسطين الآلاف من اليهود الكرد والفرس للعمل في المزارع وغيرها والأنشطة الحرفية، ومع بدء قيام الدولة كان عدد اليهود السفارد يشكل حوالي 20-25% من إجمالي اليهود في فلسطين، ليبدأ فصل آخر في العلاقة ما بين اليهود السفارد ودولة إسرائيل.

2-مرحلة البداية المبكرة للدولة:

مع بداية الهولوكوست، المحرقة التي راح ضحيتها الملايين من يهود أوربا، قرر قادة الحركة الصهيونية أنه حان الوقت للاستعانة بيهود السفارد من آسيا وأفريقيا، وخلال الفترة من 1948 وحتى 1956 هاجر إلى إسرائيل 450.000 يهودي من آسيا وأفريقيا، في مقابل 360.000 من أوربا وأمريكا، حتى تقرر منع قدوم المهاجرين اليهود الشرقيين إلى إسرائيل، وتبدأ من هنا “الفجوة” بين اليهود الأشكناز واليهود السفارد.

 الصدام الأول بين السفارد وعنصرية الدولة الإسرائيلية يعود تاريخه إلى بدء عملية تجنيدهم في مدنهم الأصلية، حيث كانت مخيمات التجنيد التي يتم نقلهم إليها قبل ترحيلهم لإسرائيل تتسم بالفقر الشديد، وفور وصول الأنباء عن العنصرية التي يلاقيها اليهود السفارد في إسرائيل قلت الهجرة بشكل كبير، وفي هذا الصدد تشير أحد الوكالات اليهودية “أول ما تلاحظه هو التردد الذي يصيب المرء عن التفكير في السفر إلى إسرائيل، ومن هنا كان من الضروري إجبارهم على المجيء وليس ترك الاختيار لهم”.[16]

وفي لقاء لابن جوريون مع مجموعة من المفكرين في 1949 قال: “حتى المهاجر من شمال أفريقيا، والذي يبدو كالمتوحش، والذي لم يقرأ أي كتاب طوال حياته، وليس شخص متدين، ولا يدري كيف يتلو الصلوات، مكتوبه أو غير مكتوبه، لديه في أعماقه تراث روحي من آلاف السنوات”، وفي إضافه له في الكتاب السنوي الإسرائيلي قال ابن جوريون “أن يهود أوروبا هم النخبة القائدة للمواطنة في دولة إسرائيل”، بل وفي أكثر من لقاء له شبه ابن جوريون اليهود السفارد بوضع السود في الولايات المتحدة، والذين تم استقدامهم لحاجة الدولة لهم في الكثير من الأعمال، دون النية لإعطائهم صفة المواطن، وفي هذا الصدد يقول يعقوب ياكوف زربافل، مدير قسم الشرق الأوسط في الوكالة اليهودية: “ربما لم يكن هؤلاء اليهود الذين نود رؤيتهم قادمين هنا، ولكن من الصعوبة بمكان أن نخبرهم بذلك”.[17]

عند وصولهم إلى إسرائيل، عانى المهاجرين السفارد من سوء المعاملة الذي اتضح في رشهم بثنائي الكلور، أو ما يعرف على نطاق واسع بمبيد DDT، لتنقيتهم من الأمراض، بعيد ذلك عانى السفارد وخاصة اليمنيين منهم، من خطف أطفالهم وإعطائهم لليهود الأشكناز غير القادرين على الانجاب، حيث كان يتم أخذ الأطفال للمستشفيات تحت مسمى الرعاية الطبية بهم، ويمنع الوالدين من الزيارة، ثم يتم إخبارهم بعد ذلك أن أطفالهم قد ماتوا.

 ولم يتم الرد على طلبات التحقيق في خطف الأطفال مطلقاً، وبعد عشرين عاماً في مارس 1968، قام الكنيست بإجراء تحقيق بعد أن تم إرسال الرد لآباء الأولاد المخطوفين يخبرهم أنه لم يتم العثور على أبنائهم، ولكن دون التوصل إلى شيء، وفي 1986 كان هناك تجمع كبير نظمته اللجنة العامة لاكتشاف الأطفال اليمنيين المخطوفين، ولكن وسائل الإعلام تجاهلته، وبعد عدة أشهر ألقى فيلم وثائقي في التليفزيون الإسرائيلي اللوم على الفوضى الإدارية في ذلك الحين وعلى سوء سلوك المربيات.

وفي 1994 قامت مجموعة من الشرطة الإسرائيلية، يصل عددها إلى 800 شرطي بمحاصرة منزل أحد اليهود اليمنيين ويدعى رابي مشيليم لمدة خمس أسابيع هو وآخرين من اليهود اليمنيين، والذين كانوا يطالبون بمعلومات عن أطفالهم المخطوفين.

وخلال الهجوم من قبل قوات الشرطة قتل فرد واعتقل ثمانية عشر آخرين، وتم تشكيل لجنة للنظر في الأمر على غرار اللجنة التي تم إنشائها في 1988 ولم تقم بشيء، وبرر العديد من اليهود ذلك الفعل بأنه كانت تقع على عاتق الأشكناز تربية اليهود السفارد على تقبل الثقافة الأوروبية الحديثة، وليس الرجوع للوراء من خلال ثقافتهم الشرقية”.

 وفي هذا الصدد يقول ابن جورين “أن اليهود من المغرب أو فارس يرتدون زيهم مثل العرب وثقافتهم تأثرت بالعرب كثيراً…ونحن لا نود الثقافة العربية ان تتواجد هنا”.[18]

وعلى عكس المخيمات التي كان يتم نقل السفارد إليها، والتي تفتقد للكثير من الخدمات، كان يتم نقل الأشكناز إلى منازل الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم، وهنا ثار العديد من السفارد ضد ذلك التمييز، ونقص الغذاء والخدمات الطبية.

 وكانت مخيمات السفارد تقع بالقرب من المدن التي تم يقطنها الأشكناز، وتم إخبار السفارد بأن الحصول على أي فرصة أفضل للعيش يتأتى من خلال عملهم في مستوطنات الأشكناز، ونظراً لنقص الفرص كان عليهم بغض النظر عن مستواهم التعليمي ومهاراتهم أن يمتهنون الأعمال الحقيرة.

 وكانت المظاهرات تنتشر في أنحاء البلاد في 1949 ضد هذا التمييز، في مدينة عسقلان فكان هناك الآلاف من السفارد الذين ثاروا ضد التمييز العرقي، في حين توجه ثلاثمائة من السفارد إلى مبنى الكنيست القديم مطالبين بالعمل والخبز، ورشقوا المبنى بالحجاة حتى اضطرت الشرطة لإبعادهم بالقوة.

وبعد أسبوعين، عادت المظاهرات من جديد لترشق مبنى الوكالة اليهودية في مدينة حيفا مطالبين بالعمل والسكن الملائم، ولكن قوات الشرطة حاصرتهم، وفي يوليو من نفس العام كانت المظاهرات تهاجم مبنى الكنيست القديم مرة أخرى في تل أبيب.[19]

وفي 1952 قررت الحكومة نقل المهاجرين السفارد إلى مدن ذات مستوى عالي من التنمية، بنيت خصيصاً للسفارد للارتقاء بمستواهم الاقتصادي والاجتماعي، وتواجدت تلك المدن في المناطق النائية والبعيدة وخاصة في منطقة النقب، وكانت الدولة الإسرائيلية تنقل السفارد خصيصًا لتلك المدن لإدراكها أنها أهداف أولية حال وقوع حرب، وهو ما حدث بالفعل.

وكانت المدينة الواحدة تعتمد على مصنع تملكه الدولة أو الهستدروت أو رجال الاعمال من الأشكناز، وكان 85% من مديري المصانع من الأشكناز (والذين لم يعيشوا في تلك) وكانت الأجور في تلك المصانع أقل منها في باقي الدولة، حتى لنفس الصناعة، وحقيقة الأمر أن تلك المدن كانت ضعيفة في البنية التحتية وتقديم الخدمات، وكانت بها نسب عالية من البطالة.

السفارد الذين لم يتم إرسالهم للمدن كان يتم إرسالهم للقرى الواقعة على الحدود، وتختلف تلك القرى عن القرى التي كان يحصل عليها الأشكناز، ففي الوقت الذي كانت فيه قرى الأشكناز تمتاز بخصوبة أرضها، ووجود الخدمات المختلفة بها، من كهرباء ومياه صحية وغيرها، والتي تشكل حالياً 65 من إجمالي 402 قرية، وعلى الجانب الآخر كانت قرى السفارد غاية في السوء، غالبيتها لا يوجد بها أرض خصبة أو خدمات.

 وكان 45% من الدعم يذهب إلى كيبوتسات الأشكناز،· ومن بينها 37% من الدعم لقرى الأشكناز، على الرغم من أن قرى اليهود الأشكناز لم تشكل إلا حوالي 12% من إجمالي القرى في إسرائيل.

 وبمرور الوقت ازدهرت قرى اليهود الأشكناز وأصبحت بمثابة مراكز تجارية وتسويقية لوقوعها في وسط الدولة، في حين أن قرى السفارد عانت كثيراً حتى أصبحت أشبه بالعشوائيات. ومع وصول الأعداد الغفيرة لليهود السفارد في الفترة من 1948-1951، أسرعت أحزاب الأشكناز المختلفة إليهم لتجنيد المؤيدين من بينهم، ونظراً لسيطرة الأحزاب على الموارد المختلفة، كانت العضوية الحزبية مما يعود بالنفع على السفارد.

وكان حزب الماباي من أقوى الأحزاب في تلك الفترة نظراً لسيطرته على الكثير من الموارد الاقتصادية والسياسية مثل تغيير العمال، ودعم المرضى، وشركات الإسكان، وكانت سياساته التفضيلية في تقديم الخدمات لأعضائه معروفه للجميع، وكان لنظام المحسوبية ذلك أثر كبير على العلاقة ما بين الدولة والمجتمع في إسرائيل.

 ففي 1951 صرح يوسبتال، مدير قسم الاستيعاب في الوكالة اليهودية وأحد العناصر الهامة في حزب الماباي، في مذكراته أنه “في وقت الانتخابات، كنا نخلف الدمار في قرى ومخيمات اللاجئين من خلال الوعود الكاذبة وشراء الأصوات”.[20]

ويلاحظ أن السفارد من قاطني المخيمات الانتقالية لم يكن لهم الحق في التصويت أو انتخاب قادتهم نظراً لتصنيفهم كمقيمين مؤقتين، وحينما حاولوا فعل ذلك مخالفين القانون، لكن تم رفض المنتخبين من قبل وزارة الداخلية، وذكر وقتها أن الدولة لا تعترف إلا بمن اختارتهم فقط. وفي مدن المهاجرين الجديدة، والتي كان لديها القدرة على انتخاب حكوماتها، كانت هناك العديد من القوانين والتشريعات التي تنظم العملية الانتخابية، والتي لم تكن موجودة في مدن الأشكناز، للحد من سلطات المجالس والحكومات المحلية.

 وفي الواقع كان أول مجلس محلي في المدن الجديدة مرشح من قبل وزارة الداخلية، ولم يكن منتخب، ولعب حزب الماباي دوراً كبيراً في تولية أعضائه للمناصب الإدارية والقيادية دون غيرها من قيادات السفارد.

3-أحداث وادي الصليب:

ظهرت في وادي الصليب أول مظاهرات واضطرابات أمنية كبيرة وعارمة بهدف الاعتراض على سياسة الدولة القاضية بالتمييز لصالح الأشكناز، في صيف 1959 فبعد طرد العرب منها على يد القوات الصهيونية في 1948، كانت المنازل في وادي الصليب فارغة، وتم إعطاؤها للمهاجرين الجدد من السفارد، ومع أواخر الخمسينات كانت المدينة تكتظ بالسكان، ومن ثم تحولت إلى ما عشوائيات فقيرة يقطنها السفارد وخاصة من المغرب، وكان السبب الرئيسي للاضطرابات الأمنية هو ضمان وجود السكن الملائم للآلاف من اليهود القادمين من بولندا، حيث قامت الحكومة بشراء المنازل من شركات الأشكناز الخاصة بالإسكان من جانب، وإعطائهم المنازل التي كان يتم بنائها لاستيعاب السفارد من جانب آخر، على الرغم من أن يهود السفارد كانوا يعيشون في العشوائيات.

وبدأت شرارة المظاهرات في 8 يوليو 1959 حينما أشيع أن الشرطة الإسرائيلية قد قتلت يهودياً مغربياً، في اليوم التالي قام اتحاد مهاجري شمال أفريقيا، والذي أنشأ لمعالجة قضايا السفارد من شمال أفريقيا، بقيادة مسيرة تجاه مقر الشرطة حاملين أعلاماً سوداء، وعلى الرغم من تفاوض الشرطة معهم، إلا أن المتظاهرين قد بدأوا في قذف الحجارة على قوات الشرطة بالفعل. بعد ثلاثة أسابيع، وصلت الأحداث إلى حد الكارثة مع عزم الماباي على عقد انتخابات الضواحي، وهي الانتخابات التي تم فيها جلب كل قوات الشرطة، وحتى قوات شرطة الحدود. وحدث الصدام مع الأهالي وقتل وجرح الكثيرين، واعتقالهم.

 وانتشرت المظاهرات في جميع البلاد، وأغلبها في مخيمات السفارد ، وصاحب ذلك انتشار أعمال التخريب والتهديم للمباني الحكومية، والتي كلفت الحكومة الإسرائيلية ملايين الدولارات، وأنشأ الثوار حزباً جديداً للسفارد ، وتم دعوة السفارد للانضمام إليه وترك أحزاب الأشكناز، ولكن الحزب قد خسر كثيراً، حتى في منطقة وادي الصليب، حيث نجح الماباي في حصد أغلب الأصوات.[21]

وانتشرت في الدولة حركات المقاومة التي واجهتها الدولة بالمقاومة العسكرية الشديدة من جانب، واسترضاء قادة السفارد من جانب آخر، وقامت الحكومة في تلك الأثناء بإجراء تحقيقات واسعة حول السبب وراء تلك الأحداث وانتهت إلى أن من يقفون خلف تلك الأحداث هم من المخربين، وأن المؤسسات الحكومية لا يوجد بها تمييز ضد السفارد، وعلى المدى البعيد خلفت تلك الأحداث أثرين هامين:

 أولاً: أن الحكومة الإسرائيلية عملت على إخلاء السفارد بالقوة من المساكن التي كانوا يقطنونها، بدلاً من تحسينها إلى مدن تم إنشائها لهم، ثم عمدت إلى إاصلاح تلك المناطق لتجعلها في 1984 جزء من حي حيفا الصناعي والتجاري.

 ثانياً: أن عدد السفارد في الكنسيت قد زاد في انتخابات 1959، ولكن نظراً لأن أعداد الأشكناز أكبر، فلم يكن للسفارد تأثير يذكر.[22]

4-حركة الفهود السود

ظلت الفجوة ما بين الأشكناز والسفارد في الاتساع بشكل كبير خلال عقد الستينات، وهي الفجوة التي توقع الكثير من السياسيين والأكاديميين أن تختفي نظراً لعملية التحضر التي ستقودها جموع الأشكناز، وازدادت الفجوة في الاتساع بحلول عام 1967 أثناء الحرب، حيث تحملت تبعات الحرب الاقتصادية جموع السفارد وليس الأشكناز.

وزادت التوترات من جانب آخر مع قدوم المهاجرين من الاتحاد السوفيتي ما بين عامي 1969 و1970، حيث كانت رئيسة الوزراء جولدا مائير تستقبل القادمين بالترحاب يومياً من المطار بعبارة “أنتم اليهود الحقيقيون، نحن ننتظركم منذ خمسة وعشرين عاماً”، ووفرت الدولة للمهاجرين من الاتحاد السوفيتي أفضل المناطق السكنية، طبقاً للعروض الحكومية من أجل تشجيع الهجرات إليها،  وعندما وردت الشكوى من اليهود القادمين من الاتحاد السوفيتي من أنهم يعيشون بجانب اليهود السود، مهددين بترك البلاد إذا ما استمر الحال على ذلك، قامت الدولة من فورها بإزالة الأطفال السفارد من المدارس الأشكناز ونوادي الشباب، وفي بعض المناطق تم إبعادهم عن حمامات السباحة العامة لدرجة أن السفارد في كثير من الأحيان كانوا يرشقون المهاجرين الروس بالحجارة.[23]

 من رحم تلك الأوضاع، خرجت إلى الوجود جماعة الفهود السود بحلول نهاية عقد السبعينات، ولقد بدأت تلك الحركة الشبابية في منطقة عشوائيات مصرارة، واستمدت الحركة اسمها من المنظمة الأمريكية الأفريقية التي تعمل في الولايات المتحدة في تشبيه لوضعهم بالسود في الولايات المتحدة المضطهدين عرقياً.

كانت أولى المظاهرات الضخمة التي قامت بها حركة الفهود السود في أول مارس 1971 في ميدان القدس، واستمرت المظاهرات طوال شهر أغسطس، في بعض الأحيان كان عددها يتجاوز الخمسة آلاف والعشرة آلاف، وبعضهم كان ينادي “جولدا، علمينا اليديشية”.· وتضمنت المطالب إزالة العشوائيات، والتعليم المجاني وتقديم الإسكان للذين يطلبونه، ومحو التعليم الإصلاحي، ومرتبات أعلى للذين لديهم عائلات أكبر، وتمثيل كامل للسفارد في كل المؤسسات الحكومية.

واستمرت المظاهرات في جميع العشوائيات حتى عام 1972، وكما حدث في المرات السابقة، حاولت الحكومة من ناحية استخدام العنف للقضاء على المظاهرات من جانب، واسترضاء قادة المظاهرات من جانب آخر من خلال عرض بعض المزايا الفردية عليهم من جانب آخر، واعترفت الحكومة ببعض المطالب التي نادى بها أعضاء الفهود السود، وتسنى لهم مقابلة العديد من أعضاء الكنيست والتحدث مع العديد من الوزراء وجولدا مائير نفسها.

وعلى النحو السابق مع مظاهرات وادي الصليب، تم إنشاء لجنة لتنظر في قضايا المواطنين المتعلقة وشكواهم، وفي الوقت الذي صرحت فيه الحكومة بأن انخفاض المستوى التعليمي للسفارد هو السبب في التمييز ضدهم، أقرت اللجنة بأن زيادة المستوى التعليمي للسفارد هو السبب الحقيقي وراء التمييز ضدهم، وأن المستوى المعيشي لهم قد تحسن في الفترة من 1959 وحتى 1969.

 وفي مواجهة ضعف تأثير المظاهرات بدأ أعضاء الفهود السود في تأسيس حزب سياسي تحت مسمى “الفهود السوداء الإسرائيليين الديمقراطيين”، ولكن الحزب لم يحصد أي صوت في الانتخابات التشريعية أو المحلية، وكان الفشل في الانتخابات سبباً في الكثير من النزاعات الداخلية للحزب، خاصة وأن الكثير من أعضائه دارت بينهم نزاعات حول العلاقة مع الفلسطينيين والتي انتهت بحل الحزب، ولكن المظاهرات كانت تظهر بين الحين والآخر كما حدث في 1982 عندما خرجت الكثير المظاهرات اعتراضاً على قذف يهودي يمني بالرصاص عندما كان يحاول أن يبني بدون تصريح في منزله.[24]

هناك العديد من الأسباب التي تقف خلف الفشل الذريع الذي منيت به حركة الفهود السود، ويمكن تقسيم تلك الأسباب إلى عوامل داخليه وأخرى خارجية.

 فعلى النطاق الداخلي، نجد أن حركة الفهود السود كان ينقصها الدعم الاقتصادي، وكانت قاعدتها العريضة من المتظاهرين من الشباب والفقراء، وكانت مظاهراتهم تقع في الغالب في مناطق العشوائيات ومدن التنمية وقرى السفارد، ونظراً لنقص التعليم والخبرة، فلم تكن لأي من قيادات المظاهرات علاقة بالاتحادات التجارية أو النقابات أو طبقة رجال الأعمال السفارد. وعلى النطاق الخارجي، فكان للصهيونية اليد العليا في كل أوجه الحياة من التعليم وحتى الاقتصاد والسياسة ووسائل الإعلام والمصانع وغيرها، فكان خوف الناس من خسارة أعمالهم أو التعرض للسجن سبباً لعدم المشاركة في المظاهرات.[25]

لكن في نفس الوقت كان للمظاهرات كثير من الأثر بعيد المدى، حيث كونت حركة الفهود السود ما يشبه الهوية لكل السفارد، ومن رحم تلك المظاهرات خرجت العديد من القوى والحركات لتطالب بالحقوق الثقافية لهم، وكذلك الحق في المزيد من العمالة، والتمثيل السياسي، وإسكان أفضل مثل جماعات الخيم، وحركة الحزام الأسود، والشرق للسلام، ونضال 85 وغيرها.

5-الاعتراض من داخل النظام

أثبت الفشل المتكرر للمظاهرات التي يقوم بها اليهود السفارد أن العمل خارج النظام لن يتأتى بالنفع عليهم، ولكن يجب العمل من داخل النظام نفسه لتحقيق الأهداف، وبدأت عملية النشاط السياسي تأخذ أشكالاً أكثر براجماتية وعملية، فنشأت الجماعات التي تركز أنشطتها في مجال معين مثل التمييز التعليمي ضد السفارد والأمثلة في ذلك متعددة كاللجنة الإسرائيلية للتعليم في مناطق السفارد ومدن التنمية والمعروف باسم هيلا في 1987 وكيدما، التي أنشأت مدارس خاصة للسفارد لإبعادهم عن اليهود الأشكناز وضمان عدم تأثرهم بالجو العنصري.

 وهناك منظمة “منتدى المرأة المزراحيه” والتي أنشأت في 1994 والتي نظمت أول مؤتمر لها في مايو 1996 في نتانيا، ومن أهم مظاهر الثمانينات كان التوجه العام للتضامن مع الفلسطينيين، حيث ربط السفارد بالعنف الذي يحث لهم ومع الفلسطينيين.

ونتيجة لمشاركة السفارد في الحوار الإسرائيلي الفلسطيني المكون في 1986، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرارها القاضي بمنع التواصل مع أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية، وكان أفراد الفهود السود وعلى رأسهم سعديه مارسيانو وكوتشافي شمش، مؤسسي الحركة ضمن المنظمات التي عارضت الكبت الإسرائيلي للانتفاضة الفلسطينية، وعلى الرغم من القانون الصادر بمنع التواصل مع منظمة التحرير، عقد السفارد ثلاثة لقاءات مع أعضاء المنظمة في رومانيا 1986، وبودابست 1987، وتوليدو في اسبانيا 1989، وفي المؤتمر الأخير وحده شارك 38 من السفارد وعدد كبير من الفلسطينيين، ودار الحوار باللغة العربية.[26]

وعلى المجال السياسي، يمكن القول بأن أهم ما شهدته التسعينات كان التحول الكبير في الكتلة التصويتية للسفارد من حزب الماباي إلى حزب الليكود، وهو ما كان عاملاً فاصلاً في نجاح الليكود في المشاركة في ائتلاف حكومي في عام 1977.

وكانت الطموحات قد زادت بانشقاق دافيد ليفي، أكثر الشخصيات السفاردية قوة وزعامة، من حزب الليكود، ولكنه عاد مرة أخرى للحزب بعد وعود بنيامين نتانياهو له بالحصول على منصب وزاري في الحكومة المقبلة.[27]

ويأتي حزب شاس كأكبر دليل على الصعود المزراحي في العملية الانتخابية الإسرائيلية. يأتي حزب شاس كخليفة لحزب التاماي السفاردي، ولكن في الوقت الذي ركز فيه الثاني على الهوية السفارديو، إلا أن الثاني ركز على البعد الديني؛ مؤكداً على أن الإقصاء الديني الذي يعاني منه اليهود السفارد يأتي بالدرجة الأولى هو نتيجة لتسلط الأشكناز عليهم.

 وعلى الرغم من أن نشأة الحزب جاءت في عام 1983 على يد يهودي من ليتوانيا يدعى رابي أليعازر، إلا أن النهضة الحقيقية للحزب جاءت على يد آري ديراي أوفاديا في 1988، منذ تلك اللحظة وقد استطاع الحزب المضي قدماً في العملية السياسية بخطوات جرئية. بدأ الحزب في تبني نهج أكثر جدية وجرأة في التعامل مع قضية السفارد، حيث بدأ يناقش الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها السفارد على عكس نظرائهم من الأشكناز ولقد نجح الحزب في الحصول على ستة مقاعد في الكنيست في 1988، وستهة آخرين في 1992، وعشرة في 1996.

ولقد كان نجاح حزب شاس نتيجة للعديد من الأسباب أهمها:

  • فصل انتخابات رئاسة الوزراء عن انتخابات الكنيست.
  • تبني سياسة الانفتاح الاقتصادي وتقليل الدعم وتحرير السوق بالشكل الذي أدى لسوء الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر بالنسبة للسفارد.

وفي سنة 1999 استطاع الحزب أن يحصد 17 مقعد في البرلمان، مما يعني أن الحزب قد حصل على 200.000 صوت إضافية أثقلت من وزنه السياسي.[28]

وعلى خلاف العرقية العربية، فإن السفارد لهم جميع حقوق الممنوحة لغيرهم من اليهود الأشكناز، بما فيها حق الانضمام إلى الجيش وحق الترشح والتصويت دون وجود أي معارضة من قبل النظام السياسي أو محاولة من طرف ما داخل النظام لإثبات عدم دستورية خطوات السفارد، ويمكن القول بأن درجة انخراط السفارد في الحياة السياسية في إسرائيل أصبحت أمراً ميسوراً وأكثر قبولاً عن ذي قبل، خاصة مع الجيل الثاني والثالث من أبناء السفارد، ولكن على الرغم من ذلك، تظل المشاركة السياسية للسفارد قاصرة مقارنة بحجمهم في المجتمع الإسرائيلي، ويمكن النظر لمشاركتهم كالتالي:

1.الكنيست

على الرغم من تطور نسبة المقاعد التي يحصل عليها حزب شاس السفاردي في الفترة من 1984 وحتى 1999، مرتفعاً بنصيبه من 3.3% من نسبة التصويت وبواقع 4 مقاعد في 1984- عام نشأته- إلى نسبة 14% من الأصوات وبواقع 17 مقعد في 1999، إلا أن الحزب سرعان ما انخفضت نسبته في انتخابات 2003 لتصل إلى 11 مقعد فقط، بنصيب 9% فقط من التأييد، وهو ما استمر عليه الحال في انتخابات 2006 و2009 و2013 كما في الجدول رقم (3).

جدول رقم (3)

أداء حزب شاس في الانتخابات الإسرائيلية 1984-2013

الانتخابات

عدد المقاعد

التأييد (%)

1984

4

3.3%

1988

6

5 %

1992

6

5 %

1996

10

8.3%

1999

17

14%

2003

11

9 %

2006

12

10%

2009

11

9%

2013

11

8.57%

 المصدر: بيانات مجمعة من نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلية

ولقد مارس حزب العمل (زعيم أحزاب الأشكناز ومعسكر اليسار بإسرائيل) عدداً من السياسات التمييزية ضد السفارد جعلتهم على الهامش، وذلك فيما يخص توزيع موارد الدولة بالأساس، مما أعطى الفرصة لمعسكر اليمين، خاصة الليكود لجذب اليهود السفارد إلى صفه، فقد نجح حزب الليكود في انتخابات 1996 في إحياء شعور اليهود السفارد بالإهانة والدونية، مما أثار لديهم النقمة على الأشكناز والحزب الأشكنازى الذي أرسى هذه السياسات التمييزية ضدهم، ومن ثم نما الليكود واستثمر الشعور القومي المتعصب لدى الشرقيين متلاقيًا مع المزاج اليميني المتطرف لليكود، ولهذا فإن التصويت الانتخابي للسفارد لحزب الليكود يأتي نكاية في حزب العمل.

2.القضاء

على مدى تاريخ القضاء الإسرائيلي، لم يكن هناك أي قاضي من السفارد على الإطلاق، ولكن تلك القاعدة شهدت أول استثناء لها في 2001 بوجود إدموند ليفي في عضوية المحكمة العليا، وفي 2008 تم انتخاب ليفي بواسطة المحكمة العليا ليخدم في لجنة اختيار القضاة. واستقال ليفي من عضوية المحكمة الدستورية على خلفية تعيينه من قبل بنيامين نتانياهو كعضو في لجنة الحكم على قانونية ملكية الأراضي في الضفة الغربية[29]، وبعد عزل إدموند ليفي تم تعيين يوري شوحام كخليفة لليفي كثاني قاضي سفاردي في 2012.[30] وفي استطلاع رأي لعينة من المواطنين الأشكناز، رأي 23% فقط من أفراد العينة ضرورة وجود قاضي سفاردي في المحكمة العليا.

3.الحكومة

نظراً لأن الحكومات الإسرائيلية تأتي كلها ائتلافية، يشارك حزب شاس عادة بوزير في كل حكومة جديدة في إسرائيل، ولقد وصل العديد من السفارد إلى قيادة وزارات الدفاع والخارجية وغيرها، وعلى سبيل المثال فإن شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي السابق من السفارد ذوي الأصول اليمنية، بل إن رئيس إسرائيل نفسه موشي كاتساف، من السفارد ذوي الأصول الإيرانية.

ثالثا: اليهود الروس

جاءت هجرة اليهود الروس إلى إسرائيل كسبيل للخلاص من ضيق العيش في الاتحاد السوفيتي والسعي نحو بناء حياة جيدة، ونظرًا لثقافتهم المختلفة فإن اليهود الروس يعانون من عزلة داخل المجتمع الإسرائيلي خاصة من جيل الصابرا اليهودي، والذي لم يتقبل فكرة تواجد ثقافة الشارع الروسي نظراً للتوجه الغربي والأمريكي بشكل خاص، الذي يسيطر عليه.

 ويظهر ذلك بشكل واضح في الحملات الانتخابية والدعاية المصاحبة لها، ففي الوقت الذي تمتلئ فيه شوارع الإسرائيليين الأصليين باللافتات والحملات الدعائية للمرشحين، نجد أن الشوارع التي يعيش بها المهاجرين من الاتحاد السوفيتي سابقاً لا يوجد بها دعاية مشابهة، أو على قدر مشابهة من الضخامة.

 وعليه، نجد أن السلوك التصويتي لليهود الروس في إسرائيل عادة ما يفضل الوقوف في صف المعارضة ضد الحكومة، ولقد تسبب الانعزال الذي عاناه الشباب الإسرائيلي من جانب الأهل من ناحية، ومن جانب المجتمع الإسرائيلي من ناحية في خلق جيل من الشباب الذي يطمح للخروج من إسرائيل ويسعى في بناء مستقبله خارجها.[31]

ونجد أن اليهود الروس عادة ما يرون أن المواطن ليس له القدرة على التأثير في مجريات الأمور السياسية، لذا فبعيداً عن المشاركة في العملية الانتخابية، لا يشارك اليهود الروس في أي من الأنشطة السياسية أو أنشطة المجتمع المدني أو غيرها، ويعد اليهود الروس أقل الجماعات المشاركة في الأنشطة السياسية في إسرائيل، وباستجوابهم في الاستبيان الخاص بالمسح الديمقراطي، أقر 61% من اليهود الروس بأنهم لا يرون لأنفسهم القدرة على التأثير على الأمور السياسية، في حين أن النسبة بين الإسرائيليين الأصليين لم تتعدى 46%.

 بالإضافة إلى ذلك، وافق 40% من اليهود الروس بأنهم يعتقدون بأنهم ليس لهم أي تأثير يذكر في سياسة مناطق العمل التي يعملون بها أو حتى في الشئون المحلية للمجتمعات التي يعيشون بها، في حين كانت النسبة للإسرائيليين الأصليين 20% فقط.[32]

ولقد نجح اليهود الروس في الانخراط في المجتمع الإسرائيلي بشكل أسرع من غيرهم من الأقليات الدينية والإثنية الأخرى لعدة أسباب أهمها: ارتفاع معدل الثقافة لديهم وابتعادهم عن الثقافة العربية والأفريقية. وعلى الرغم من أن الجيل الأول من المهاجرين الروس قد عانى من انخفاض مشاركته السياسية، إلا أن الأجيال الجديدة بدأت تشارك وبقوة في العملية السياسية في إسرائيل، ففي 1992 صوت أغلب اليهود الروس إلى حزب العمل بزعامة إسحاق رابين، وهو ما كان أحد أسباب فوز الحزب.

وشارك الروس على نفس النمط في انتخابات 1996 لصالح حزب العمل وحزب إسرائيل عالية، ومع انتخابات 1999 ظهر اتجاه الروس في إسرائيل للتصويت لصالح أحزاب اليمين وليس اليسار، وأنهم يفضلون الزعيم القائد ذو الشخصية القوية عمن سواه.

ويأتي حزب إسرائيل بيتنا، الذي أسسه أفيجدور ليبرلمان ليكون بمثابة ممثل اليهود الروس في العملية الانتخابية في إسرائيل، ولقد نشأ الحزب لتوحيد اليهود الروس خلف حزب واحد بدلاً من تفتت الأصوات خلف مجموعة أحزاب.

 وفي أول انتخابات له في 2006، كان من المتوقع أن يحصل الحزب في استطلاعات الرأي على 20 مقعداً، ولكنه حصل فقط على خمسة عشر مقعداً، ومن بين تلك الخمسة عشر يرجع 11 مقعد إلى أصوات اليهود السوفييت والباقي إلى غيرهم من اليهود، وفي انتخابات 2009 حصل الحزب على نفس عدد المقاعد بنسبة تصويت تصل إلى 11.7%، ليكون بذلك ثالث أكبر حزب في إسرائيل بعد كاديما والليكود.

وفي انتخابات 2013 شكل كل من إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان وزير الخارجية والليكود بزعامة نتنياهو رئيس الوزراء تحالف انتخابي، نجح التحالف الانتخابي في الحصول على 31 مقعد في البرلمان الجديد منها 20 لحزب الليكود و11 لحزب إسرائيل بيتنا، وتعتبر تلك المرة الأولى التي يصل فيها إسرائيل بيتنا لمثل تلك النجاحات الانتخابية، ويرى البعض  مثل مايكل إيتان أحد الأعضاء البارزين في حزب الليكود، أن تلك الخطوة تعتبر بمثابة عملية الهدم لحزب الليكود لحساب حزب إسرائيل بيتنا[33]، ولقد سمح ذلك الصعود الانتخابي لحزب إسرائيل بيتنا بالدخول جميع الائتلافات الحكومية في الفترة من 2006 وحتى 2013، ويحصل على حقائب وزارية مختلفة.

**وبالتالي فإن اليهود الروس منكفئون على أنفسهم ولا يبرز نشاطهم العام إلا في الانتخابات من خلال الأحزاب التي تمثلهم.

رابعاً: يهود الفلاشا

جاءت الهجرات من يهود الفلاشا بحثاً عن أمل أفضل في الحياة في إسرائيل، إلا أن تلك الآمال واجهتها العديد من التحديات، كان أهمها علاقة الفلاشا أنفسهم بدولة إسرائيل، فيهود الفلاشا لم يكن مرحب بهم في إسرائيل كوطن قومي لهم باعتبارهم يهود ونصت السياسة الإسرائيلية على “أنها ليست متحمسة حول قضية هجرة الفلاشا”.

 وذكر جوزيف ليتفاك في يوميات وزارة الاستيعاب “إنه من منظور ثقافي-وطني، فإن الفلاشا غرباء بشكل تام لسكان إسرائيل، لم يكن لهم أبداً أي صلة بالشعب اليهودي”، ولكن تلك السياسة تغيرت بشكل كامل مع مجيء رابي أوفاديا إلى رئاسة وزارة الاستيعاب، وهو من أصول سفاردية، حيث تم الاعتراف بحق يهود الفلاشا للهجرة إلى إسرائيل تحت مظلة قانون العودة، ولم تنتهي أزمة هوية الفلاشا عند هذا الحد، فظل أمامها المزيد من الصراعات لخوضها، فعند مجيء الفلاشا إلى إسرائيل طلب منهم تحويل طقوسهم إذا ما كانت لديهم الرغبة في أن يتم قبولهم كأعضاء في المجتمع اليهودي.

 وبدأت توجه ليهود أثيوبيا العديد من الأسئلة حول ديانتهم وعاداتهم، ولكنهم كانوا بلا شك يهود، لذا تم استبعاد هذه الجماعة العرقية من المشاركة الجادة في الحياة السياسية التي تشمل التمثيل في الكنيست والحكومة والقضاء، ويشكل الفلاشا وهم المهاجرون من أثيوبيا حوالي 1.3 %، ويتوزع هذا التنوع الإثني والديني على أحزاب سياسية ودينية وطائفية مختلفة، تزيد عن 15 حزب رئيسي.[34]

** وبشكل عام فإنه منذ هجرة الفلاشا لإسرائيل عام 1984 وحتى الآن لم يصل عضو أو عضوة فلاشي إلى الكنيست الاسرائيلي باعتباره منبر الشعب والذي يمثل أطياف الشعب وطوائفه المختلفة، مما تسبب في إثارة التذمر بين يهود أثيوبيا على نطاق واسع، وبعد عدة أشهر من عملية موسى، التي نقل فيها أعداد كبيرة من يهود الفلاشا إلى إسرائيل، بدأت أزمة هوية يهود الفلاشا تأخذ منحى سياسي وأثارت العديد من المظاهرات، والأنشطة السياسية، والجدل العام، وبدأ الأثيوبيين الموجودين في إسرائيل منذ فترة طويلة في تشجيع الوافدين الأثيوبيين على عدم الإجابة على أي أسئلة توجه لهم عند المجيء إلى إسرائيل، أو الاستجابة لطلبات تحويل الطقوس.

 ولم تنجح أي طريقة في التوصل لتوافق بين يهود الفلاشا والدولة، بل اتهم الطرف الأول بالفاشية ومعاداة السامية وأثار وسائل الإعلام والمناقشات البرلمانية ضده.[35]

خامسا: البدو

على الرغم من انتهاء الحكم العسكري، إلا أن العديد من الخبراء والسياسيين ينظرون للبدون، وهم داخل منطقة السياج على أنهم يهددون مساحات كبيرة من الأرض، لذا فبدلاً من سياسة الترحيل الإجباري، قررت الدولة بناء بعض المدن المركزية التي بإمكانها استيعاب البدو من جانب، وتكون مساحتها أقل بكثير من تلك التي يقطنها البدو، وبالاتفاق ما بين الحكومة وشيوخ البدو، وفي عملية تدريجية على مر عشرون عاماً، تم إنشاء سبع مدن (تل شيفع، رهط، شقيب السلام، لقيا، كوسيف، حورة وعرعرة)، ولعدة سنوات وبعد إنشاء تلك المدن، لم يكن يسمح للبدون بأي حريات سياسية ولم يكن لهم حق التصويت أو الترشح، وكانت مجالسهم المحلية تدار من قبل المسئولين اليهود الذين تعينهم وزارة الداخلية.[36]

حالياً، يوجد هناك ما يقارب من 193.000 نسمة من البدو يعيشون في منطقة السياج، ويشكلون حوالي 20% من سكان منطقة النقب، ولكنهم يعيشون فقط على 3% من مساحة النقب، ويعيش حوالي 50% من البدو المقيمين في النقب في حوالي 35 قرية غير معترفة بها من قبل الحكومة الإسرائيلية، في حين تتواجد القرى الأخرى في نطاق المدن التي أنشأتها الحكومة.

ونلاحظ هنا أن رؤية الدولة في إسرائيل للبدون تحدد الكثير من ملامح العلاقة بين الطرفين، ففي الوقت الذي لم تنظر فيه الدولة للبدون على أنهم أعداء للدولة كما كان الحال مع العرب، إلا أنها في نفس الوقت – ونظراً لطبيعة الدولة اليهودية- لم تضع لهم مكانة مساوية لغيرهم من المواطنين[37] .

وفي سبيل التعامل مع قضية البدو شكلت الحكومة الإسرائيلية العديد من اللجان التي كانت تهدف إلى خلق العديد من الحلول لتلك القضية، مثل لجنة جولد برج التي تم تأسيسها في عام 2007 وقام على إدارتها قاضي سابق في المحكمة العليا يدعى أليعازر جولد برج، ولتطبيق التوصيات التي توصل إليها تقرير جولد برج، أسست حكومة إسرائيل للجنة أخرى تدعى لجنة “إيهود براور”، وهو النائب السابق لمدير مجلس الأمن القومي، ولقد أوصت لجنة براور بضرورة النقل الجبري وعلى مدى خمس سنوات، للبدون غير المعترف بهم إلى المدن والحصول على أراضيهم لعدم وجود إثبات الملكية، وتم الموافقة على قرارات اللجنة عام 2011، ويعتبر الوضع السياسي للبدون في إسرائيل فريد من نوعه لثلاثة أسباب:

1.مؤسسات الوساطة الخاصة:

حتى عام 1966 عاش البدو كغيرهم من سكان فلسطين الذين عاشوا في إسرائيل بعد قيامها في ظل الحكم العسكري، ولم تكن تلك حكومة عسكرية تتواصل بشكل مباشر معهم كأفراد، ولكنها كانت تتواصل معهم عبر وساطة شيوخ القبائل، ومع 1966 حلت هيئة الأراضي الإسرائيلية محل الحكومة العسكرية، وفي 1986 تم إنشاء “هيئة البدو” داخل هيئة الأراضي الإسرائيلية، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم ظلت هيئة البدو هي الكيان الحكومي الأساسي الذي يعبر عن البدو ومسئول عن أي شيء قد يحدث لهم سواءً المعترف بهم أو غير المعترف بهم. وفي نفس الوقت تعتبر هيئة البدو مسئولة عن تخطيط وتطوير المستعمرات القائمة، وكذلك تصميم المستعمرات الجديدة، وتخصيص الأراضي للمنشآت العامة، والاهتمام بالأمور المتعلقة بالزراعة، وتولي الفصل في الخلافات الخاصة بأمور الملكية وتخصيص مياه الشرب.

 ولقد تلقت هيئة البدو الكثير من النقد من البدو أنفسهم أو من منظمات حقوق الإنسان على حد سواء، وحديثاً يوجد العديد من المحاولات لحلها أو تحجيم سلطاتها على أقل تقدير، فعلى سبيل المثال أوصى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بأن سلطات هيئة البدو يتم تحجيمها في الأمور المتعلقة بملكية الأرض، وأن باقي السلطات يتم نقلها لهيئات أخرى.

2.الحكومات المحلية المدارة من الخارج:

ينعكس الوضع الفريد للبدون في حقيقة هامة، وهي أنه خلال السنوات التي مضت منذ إنشاء الدولة لم يكن لديهم أي حكومات محلية، فحتى إنشاء المد، كان البدومحكومون أولاً بالحكومة العسكرية، ثم بهيئة البدو، وبعد الانتقال للمدن الحكومية الجديدة، وجد البدو أنفسهم تحت حكم المسئولين اليهود، وفي مدينتين حكوميتين وهما تل شيفع وراحات، أقيمت أول انتخابات للمجالس المحلية في 1993 و1989 على التوالي، في حين جرت أول انتخابات محلية في باقي المدن مع العام 2000.

3-مواطنون بلا عنوان:

حتى الآن، توجد العديد من التجمعات الخاصة بالبدو والتي لم تعترف بها الحكومة الإسرائيلية، على الرغم من أنها موجودة قبل عام 1948، ومن ثم فإن اسم تلك التجمعات لايظهر في بطاقة الهوية للمقيمين بتلك الأماكن، بل يتم وضع اسم القبيلة التي ينتمي لها الفرد بدلاً من ذلك، وهو ما يعني أن هناك حوالي 76.000 مواطن ليس لهم عنوان، ويظل البدو الذين يقطنون المستعمرات غير المعترف بها غير قادرين على الانتخاب أو الترشح، وحتى إذا كانت تجمعاتهم تلك تقع في نطاق مدينة يهودية، وعلى الرغم من ذلك فهم يدفعون ضرائب في مقابل الأرض التي يستغلونها في الزراعة.[38]

سادساً: الدروز

منذ تأسيس دولة إسرائيل، حاولت الحكومة الإسرائيلية الجديدة آنذاك بقيادة ابن جوريون أن تستغل العداء بين العرب والدروز في جذب الثانية إليها، وفي 1956 دشنت إسرائيل ما يعرف بـ “رابطة الدم” وهو القانون الذي فتح الباب رسمياً أمام تجنيد الدروز في الجيش الإسرائيلي، وعمل على توفير التعليم المجاني الإجباري خلال الخمسينيات، من ناحيته لم يعارض المجتمع الدرزي المجهود الذي أبدته إسرائيل في ضمه إلى كنف الدولة الجديدة، بل رحب بالهوية الجديدة وعمل على حمايتها.

 وبعد ذلك حصل الدروز بسلطة القانون على محاكمهم القبلية الخاصة بهم باعتبارهم جماعة دينية منفصلة، إلا أن المعاملة قد تغيرت بشكل كبير في فترة الستينات، حيث بدأ التمييز ضد الدروز يظهر في المعاملة بشكل واضح، فعلى سبيل المثال يعتبر الدروز أن ملكية الأرض هي جزء هام وغير قابل للتفاوض بالنسبة إليهم، نتيجة لما قاسوه من التهجير من منطقة لأخرى على أيدي سلطات ومجموعات سكانية مختلفة، ولكنهم واجهوا مع الدولة الإسرائيلية الكثير من المناوشات والخلافات حول ملكية الأرض.

ففي عام 1948 فوجئ الدروز كغيرهم بقانون إسرائيلي يمنح الدولة الحق في مصادرة الأراضي إذا تعلق الأمر بأسباب أمنية أو صناعية أو ديمغرافية، بعد ذلك في فترة الستينات صدر قانون هيئة الحدائق العامة وقانون هيئة المحميات الطبيعية واللذان حددا للدروز كيفية التصرف في أراضيهم في منطقة الجليل وجبل الكرمل والخاصة بأعمال تلك الهيئات، وكانت الضرائب العالية والأسعار غير العادلة التي تفضل المشترين اليهود عن نظرائهم من الدروز سبباً في سيطرة فكرة هامة على الدروز وهي “أن المشاركة في الدفاع عن الدولة لا تعني بالضرورة المشاركة في ملكية الأرض والتصرف بها”.[39]

وعلى الرغم من ثقافتهم العربية، فإن الدروز لا يواجهون بمشاكل وعقبات في طريق مشاركتهم السياسية في البلاد، وإن كان يمكن القول بأن قلة عددهم تقف حائلاً أمام خلق كتلة درزية في البرلمان قادرة على تمرير مشاريع القوانين التي تخدم المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للدروز، وفي هذا الصدد نجد أن عدد الدروز في الكنيست لم يتخطى حاجز خمس أفراد منذ نشأة إسرائيل، منهم “حمد عمار” النائب الدرزي عن حزب إسرائيل بيتنا والعضو الحالي في الكنيست لعام 2013.

سابعاً: الحريديم

نظراً للرؤية العدائية للدولة فإن يهود الحريديم عاشوا في إسرائيل بشكل منعزل عن باقي المجتمع، وكذلك صور بأنه غيتو داخل الدولة اليهودية، فلا يحتفل اليهود الحريديم بيوم الاستقلال الإسرائيلي على حد زعمهم، فالمدارس – المستقلة عن نظام الدولة التعليمي – تفتح أبوابها للدراسة بشكل طبيعي في ذلك اليوم.

 لا يعمل يهود الحريديم بالزراعة أو يخدمون عسكرياً، ونسبة كبيرة منهم تجني رزقها من خلال الخدمة الدينية بدوام كامل، وفي كثير من الأحيان يعمل الرجال كمديرين أو موظفين في المدارس والمحاكم الدينية أو مدرسين أو جزارين وفق الشريعة، أو كتبة للمواضيع الدينية ومخطوطات التوراة، وقطاع عريض من الشباب يفضل الدراسات الدينية التي يحصل فيها على أجر شهري دوري، ويتناول في تلك الدراسات دراسة التلمود والنصوص المرتبطة به، في حين ان النساء في العادة يعملون في كمدرسات في مدارس الفتيات.

وكان لتلك العزلة التي عاش بها يهود الحريديم تأثيراً كبيراً على أوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويمكن القول إن النخبة السياسية والعلمية، والفنية، والعسكرية، والأدبية والفكرية تصل نسبة العلمانيين فيها إلى 99%، و1% فقط هي نسبة اليهود الحريديم. فعلي الجانب السياسي، يلاحظ ضعف التأثير اليهود الحريديم على العملية السياسية في إسرائيل، فالنخبة جلها من العلمانيين، حقيقة الأمر أن الحريديم في كل دول العالم لا يشاركون في العملية السياسية، ولكنهم يشاركون في إسرائيل بهدف التأثير على القضايا الدينية مثل الزواج والطلاق والموت وأنشطة يوم السبت وغيرها.[40]

ومع نشأة الدولة في إسرائيل، رأت النخبة السياسية الحاكمة من حزب الماباي أن هناك حاجه ماسة لتحقيق الاستقرار السياسي في الدولة الجديدة، والاستقرار السياسي هنا قائم على الاعتراف بالأحزاب ذات الثقل السياسي والاجتماعي، وليس بالضرورة حق كل الأحزاب والجماعات في المشاركة السياسية، وهو ما يتحقق من خلال سياسة الإقصاء والإدماج.

وتقوم اللتان تقومان على إقصاء الجماعات التي تهدد الاستقرار السياسي من العملية السياسية، في حين يتم إدماج نظيرتها، ويتم تحديد ذلك وفقاً للثقل السياسي للجماعة، والثقل السياسي هنا لا يقتصر فقط على قوة الجماعة في الانتخابات أو داخل البرلمان، أو معدلات مشاركتها في الحكومات الائتلافية، وإنما يشمل أهداف تلك الجماعة ومدى توافقها مع الدولة وقدرتها على تطبيق تلك الأهداف وحشد التعبئة لها.[41]

من هنا، كان دخول الحريديم في العمل السياسي ومشاركتهم كفصيل منافس في العملية السياسية أمراً واقعياً لسببين هامين أولهما أن الحريديم لها مجموعة من القيم والأهداف التي لا تقبل المساس بها وتستطيع تعبئة أفرادها خلفها.

ومن ناحية أخرى، فإن الحريديم لم تكن لديهم أي نوايا في الذهاب إلى ما بعد أهدافهم الدينية، فلا يتطلعون لتحقيق بعض المكاسب على المجال الاقتصادي أو السياسي، من هنا أصبحت مشاركة الحريديم في العملية السياسية في إسرائيل أمراً واقعاً، لكن دور الأحزاب الدينية والحريدية على وجه الخصوص، قد بدأ يزداد ثقلاً مع ضراوة المواجهة بين أحزاب اليسار واليمين، والتي لم يكن أي منها قادراً على حسم المعركة الانتخابية لصالحه، وهو ما جعل الأحزاب الدينية قادرة على حسم هذا الصراع للطرف الذي تريد من خلال تصويتها له.

وكانت بداية ذلك الاتجاه في 1977، بعد أن أظهرت الانتخابات الإسرائيلية أهمية الأحزاب الدينية، وعبر عن ذلك موقف المؤرخين إيال نافي وأثير يوجيف بقولهما “وجوه أخرى جديدة، كانت تعد كهامش ثقافي للمجتمع، قد دخلت الحكومة والبيروقراطية السياسية وحصلت على شرعية لثقافتها وأهدافها في تقديم هوية مختلفة للمجتمع الإسرائيلي”.[42]

ومع دخول الأحزاب الدينية بشكل قوي في حكومة مناحم بيجن في 1977 حصل رئيس الحزب الديني الوطني، زابيلون حامير على منصب وزير التعليم، وهو المنصب الذي لم يفقده حزب العمال منذ ما يربو على تسعة وعشرون عاما هي تاريخ دولة إسرائيل، ومع تشكيل حكومة مناحم بيجن الثانية، تولى ابراهام شابيرا رئيس حزب أغودات إسرائيل منصب مدير اللجنة المالية العليا في الكنيست، وبمرور الوقت استطاع شابيرا أن يحفظ لنفسه مكانه قوية داخل جهاز الدولة بالدرجة التي دفعت إحدى الصحف الإسرائيلية في 1983 بالقول إنه “بعد عامين من تأسيس الائتلاف الحالي، شابيرا قد جعل من نفسه العنصر الرئيسي فيها”، ولقد أثار دخول الجماعات الدينية معترك الساحة السياسية بهذا الشكل جدلاً واسعاً في أوساط المجتمع الإسرائيلي حول هوية الدولة وثقافتها، فيما عرفه بأنه أكبر تحدي يواجه تشكيل الهوية الإسرائيلية منذ نشأة الدولة.

وعلى الرغم من إتاحة المجال للحريديم للمشاركة في العملية السياسية، إلا أنهم لم يكن لهم أي دور يذكر في العملية السياسية نظراً لهيمنة حزب العمال، وفي 1977 ظهر ثقل الحريديم الأشكناز في العملية السياسية من خلال حزب أغودات إسرائيل الذي استطاع الدخول في ائتلاف حكومي لأول مرة منذ عام 1952، ويرجع ذلك في جانب كبير منه إلى أن الحريديم الأشكناز كانوا في حاجة للتأكد من دعم الدولة “للمتعلمين”، وخلال الفترة ما بين 1952 وحتى 1977 ظلت أحزاب الحريديم الأشكناز توفر الدعم السياسي للحكومة مقابل حصولها على الدعم المادي للمدارس والمعاهد والمتعلمين الحريديم.

إلا أنه بعد عام 1977 حاولت بعض الجماعات من الحريديم الأشكناز أن تؤثر على السياسات الإسرائيلية على المستوى الداخلي بهدف إصلاح هوية الدولة التي أفسدتها الصهيونية[43]، ولقد شهدت الثمانيات بداية ظهور حزب شاس بقوة على الساحة السياسية باعتباره ممثلاً للحريديم السفارد وتختلف رؤية حزب شاس، باعتباره ممثلاً للحريديم السفارد عن رؤية الحريديم الأشكناز للدولة، ففي الوقت الذي تنظر فيه الثانية للدولة الإسرائيلية على أنها تجاوز للحتمية التاريخية وليست ذات أهمية دينياً، إلا أن الأولى رأت أن وجود دولة إسرائيل شيء ضرورة وحيوي لأنها تعتبر تكفير عن خطايا الشعب اليهودي، ولهذا يقبل الحريديم السفارد التفاهم مع الفكر الصهيوني لتكوين ثقافة الدولة الجديدة، وعلى عكس الحريديم الأشكناز، فإن الحريديم السفارد يرفضون عمليات التحديث بشكل عام في المظهر والدين والتقاليد اليهودية، وإن لم يرفضوا التكنولوجيا، وعلى عكس الحريديم الأشكناز، فإن الحريديم السفارد يدخلون بثقلهم السياسي في جميع الأمور على المستوى الداخلي والخارجي، بل أن حزبهم يضم الكثير من العلمانيين، وخطابهم موجه لعامة الشعب، وليس للحريديم فقط.

ويرى “تشيم شاين” أن حزب شاس يعد أكبر حركة اجتماعية سياسية ظهرت في إسرائيل منذ نشأتها، ومنذ عام 1992 وقد تغيرت أهداف الحزب إلى استبدال الديمقراطية الإسرائيلية بإقامة دولة دينية ثيوقراطية، ولقد استطاع الحزب أن يحل محل الدولة في تقديم العديد من الخدمات التعليمية والصحية والدعم المالي للعديد من المحتاجين في المجتمع الإسرائيلي والعديد من الجماعات الدينية بشكل واسع النطاق مما خلف للحزب شعبية كبيرة داخل إسرائيل في أوساط السفارد.[44]

ويعد دخول حزب شاس إلى الكنيست الإسرائيلي في 1984 علامة فاصلة في التمثيل السياسي للجماعات الدينية في إسرائيل، فحتى بداية الثمانينات انقسمت الأحزاب الدينية داخل الكنيست إلى حوالي الثلث من الحريديم المتشددين، في حين أن الثلثين المتبقيين كانوا من أعضاء الحزب الوطني الديني، وهو حزب صهيوني ذو اتجاهات علمانية، مع دخول حزب شاس إلى البرلمان، أصبح هناك توازن في المعسكر الديني، خاصة مع ضعف الحزب الوطني الديني.

 وخلال ذلك الوقت بدأ الحزب الوطني الديني في التركيز على الأمور السياسية، تاركاً الأمور الدينية إلى أحزاب الحريديم، ولقد وصل الأمر إلى ذروته في 1999 بحصول حزب شاس على 17 مقعداً في الكنيست من أصل 120، ليزداد عدد مقاعد الحريديم في الكنيست من 14 إلى 22 مقعد في حين تراجع الحزب الوطني الديني من تسع مقاعد إلى خمسة، وفي انتخابات 2003 عادت أحزاب الحريديم لتخسر مكانها في الحكومة لصالح الحزب العلماني “شينوي”، وهو الحزب الذي عارض دعم الحكومة لمدارس الحريديم وإقصاء أبنائهم من الخدمة العسكرية، ولكن في 2005 عاد شارون مرة أخرى للاستعانة بحزب “يهودية التوراة المتحدة” في ائتلافه الحاكم.

 وفي 2010 أقدم حزب شاس على الانضمام إلى منظمة الصهيونية العالمية، ليصبح بذلك أول حزب حريديم في تلك المنظمة، والتي كان يأمل من ورائها تحقيق بعض المكاسب السياسية للحريديم، ويمكن إجمالاً القول بأن الحريديم في إسرائيل يتمتعون بوضع سياسي أفضل من ذي قبل في إسرائيل، فقضاياهم الدينية يختصون بها دون تدخل كبير من العلمانيين، وإن كان وضعهم الاجتماعي عرضة للنقد بشكل كبير نتيجة لحصولهم على دعم من الدولة مقابل تعليمهم الديني، فضلاً عن عدم ارتيادهم للخدمة العسكرية.

ثامناً: المسيحيين

على الجانب السياسي، نجد أن تمثيل المسيحيين في الكنيست الإسرائيلي اتسم بوضع جيد على مدى ستين عاماً منذ إنشاء الدولة، فدائماً ما كان يحتل المسيحيين نصيباً وافراً من المقاعد المخصصة للعرب في الكنيست الإسرائيلي خلال العقدين التاليين على إنشاء الدولة. وعلى سبيل المثال، نجد أن اثنين من الثلاثة العرب أعضاء الكنيست في إسرائيل كانوا مسيحيين، ويرجع ذلك إلى دور القيادة المسيحية في حزب “ماكي” الحزب الشيوعي غير الطائفي من ناحية، وتركز التصويت المسيحي دون تفتيته بين المرشحين من ناحية أخرى، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى “توفيق طوبي” عضو الكنيست المسيحي، والذي شارك في كل دورات الكنيست الإثنى عشر الأولى حتى تقاعده في 1990، ما يجعله أكثر السياسيين خدمة في الكنيست الإسرائيلي.

وفي الفترة من 1949 وحتى 2010، فإن النواب العرب الذين ساهموا في الكنيست الإسرائيلي عددهم 62 عضوًا، من بينهم 14 مسيحي، ما يعني أن نسبة تمثيل المسيحيين في الكنيست الإسرائيلي وصلت إلى 23% على مدار ستين عاماً، وعلى الرغم من ذلك، فإن نسبة المقاعد التي حصل عليها المسيحيين منذ السبعينات في القرن الماضي لم تتجاوز معقدين لكل دورة نتيجة دخول المسلمين والدروز في العملية السياسية بشكل كبير وواضح، ويوضح السلوك التصويتي للمسيحيين في إسرائيل أنهم كانوا يصوتون أولاً لحزب ماكي لفترة طويلة، إلا أن ذلك بدأ يتغير مع فترة الثمانينات، حيث شهدت الساحة السياسية دخول الكثير من الأحزاب ذات الثقل النسبي إلى معترك الحياة السياسية، وهي الأحزاب التي هيمن عليها العرب واليهود ([45]).


الهامش

[1] ضياء الحاجري، إسرائيل من الداخل (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002)، ص 66-68

[2] Katie Hesketh and Others, The Inequality Report: The Palestinian Arab Minority in Israel (Haifa: The Legal Center for Arab Minority Rights in Israel, 2011), p. 51

[3] http://www.knesset.gov.il/laws/special/eng/basic2_eng.htm

[4] Amal Jamal, Arab Minority Nationalism in Israel (New York: Routeledge, 2011), p. 200

[5] Amal Jamal, “The Contradictions of State-Minority Relations in Israel: The Search for Clarifications”, Op. Cit., p. 498

[6] فايز رشيد، زيف ديمقراطية إسرائيل (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004)، ص 122

[7] غانم أسعد، “النظام الإسرائيلي والمزق السياسي للأقلية العربية في إسرائيل”، في أسعد غانم (محرر)، الهويات والسياسة في إسرائيل (رام الله: مركز مدار، 2003)، ص 161-162

[8] http://www.knesset.gov.il/description/eng/eng_mimshal_yesod1.htm

[9] Ben Lynfield, “Marriage Law divides Israeli Arab Families”, Available on:

http://www.csmonitor.com/2003/0808/p06s03-wome.html

[10] http://unispal.un.org/UNISPAL.NSF/0/51410EBD25FCE78F85257770007194A8

[11] Oudeh Basharat, “Israel’s legal ‘abuse’ of Arab minority is undemocratic”, available on:

http://www.haaretz.com/print-edition/opinion/israel-s-legal-abuse-of-arab-minority-is-undemocratic-1.408727

[12] Katie Hesketh and Others, The Inequality Report: The Palestinian Arab Minority in Israel (Haifa: The Legal Center for Arab Minority Rights in Israel, 2011), p. 18

[13] إياس الخطيب، “دراسة عن مخطط برافر الإسرائيلي “، يوليو 2013http://samanews.com

[14] مخطط برافرز ينفذ واقعيًا http://hr.ps/ar/news/66612.html

[15] Eran Kaplan, “Between East and West: Zionist Revisionism as a Mediterranean Ideology”, In: Ivan Davidson Kalmar and Derek J. Penslar (eds.), Orientalism and The Jews (Lebanon: Brandeis University Press, 2005), pp. 131-133 

[16] Tom Segev, 1949 The First Israelis (New York: The Free Press, 1986), pp. 156

[17] Ibid. p. 157

[18] Ella Shohat, “Sephardim in Israel: Zionism from the Standpoint of its Jewish Victims”, Social Text, Vol. 19, No. 20, 1988, p. 1-35

[19] للمزيد من المعلومات عن مظاهرات المزراحيم أنظر:

Lehman-Wilzig, S. Stiff-Necked People in a Bottled-Necked System: The Evolution and Roots of Israeli Public Protest 1949-86 (Bloomington: Indiana University Press, 1990).

الكيبوتس، هو تجمع سكني تعاوني تضم جماعة من المزارعين أو العمال اليهود الذين يعيشـون ويعملون سـوياً، ويبلغ عـددهم ما بين 40 و1500 عضو.

[20] Deborah Bernstein and Shlomo Swirski, “Rapid Economic Development of Israel and the Emergence of the Ethnic Division of Labor,” British Journal of Sociology, Vol. 2, No. 1 (March 1982), pp. 19

[21] http://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-3316015,00.html

[22] Deborah Bernstein and Shlomo Swirski, Op. Cit, pp. 28-31

[23] Shalom Cohen and Kokhavi Shemesh, “The Origin and Development of the Israeli Black Panther Movement”, MERIP Reports, No. 49 (July 1976), p. 19

اليديشية لهجة من اللهجات الألمانية، ويقصد بذلك اليهود الذين عاشوا في المانيا.

[24] Ibid, p. 20

[25] عبد الوهاب المسيري، إنهيار إسرائيل من الداخل (القاهرة: دار المعارف، 2002)، ص 111-118

[26] Atalia Omer, When Peace Is Not Enough: How the Israeli Peace Camp Thinks about Religion, Nationalism, and Justice (Chicago: The University of Chicago Press, 2013), p. 246

[27] Asad Ghanim, Ethnic Politics in Israel: The Margins and the Ashkenazi Centre (London: Routledge, 2010), p. 72

[28] Sami Shalom Chetrit, “Mizrahi Politics in Israel: Between Integration and Alternative”, Journal of Palestine Studies, Vol. 29, No. 4 (autumn, 2000), pp. 57-59

[29]http://www.haaretz.com/news/justice-edmond-levy-does-not-fear-holding-the-minority-opinion-1.186385

[30]http://www.haaretz.com/news/national/haaretz-poll-nearly-50-of-israelis-see-recent-knesset-bills-as-anti-democratic-1.398946

[31] Liza Rozovsky and Oz Almog, “Generation 1.5 Russians in Israel: From Vodka to Latte Maturation and Integration Processes as Reflected in the Recreational Patterns”, Sociological Papers, Vol. 16, 2011, pp. 4-15

[32] Michael Philippov, Ex-Soviets in the Israeli Political Space: Values, Attitudes, and Electoral Behavior, Research Paper 3, The Joseph and Alma Gildenhorn Institute of Israel Studies, April 2010, p. 10

[33] http://news.walla.co.il/?w=/9/2579602

[34] Shlomo Swirski and Yael Hasson, Invisible Citizens: Israeli Government Policy Toward the Negev Bedouin, Advai Center for Information on Equality and Social Justice in Israel, 2006, p. 3

[35] David S. Ribner and Ruben Schindler, “The Crisis of Religious Identity Among Ethiopian Immigrants in Israel”, Journal of Black Studies, Vol. 27, No. 1 (Sep., 1996), pp. 104-117

[36] Neve Gordon, Uprooting 30.000 Bedouin in Israel, on the following link:

http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2012/04/2012421020291808.html

[37] Sharmila L. Murthy, JD and Mark K. Williams, JD, “The Complicated Nature of Stigma: Realizing the Human Rights to Water and Sanitation for Bedouins in the Negev, Israel”, UN Special Rapporteur on the Human Right to Safe Drinking Water and Sanitation, Catarina de Albuquerque, 2012, p. 3

[38] Shlomo Swirski and Yael Hasson, Op. Cit., p. 5

[39] Kasim M. Firro, The Druses in the Jewish State (Leiden: Brill, 1999), p. 86

[40] حسن خضر، قصر الأواني المهشمة: دراسات في نقد الصهيونية (غزة: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 2001)، ص 8

[41] عبد القادر عبد العالي، التصدعات الاجتماعية وتأثيرها في النظام الحزبي الإسرائيلي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2010)، ص 115

[42] Eliezer Don-Yehiya, Religion and Political Accommodation in Israel (Jerusalem: The Floersheimer Institute for Policy Studies, 1999), pp. 18-19

[43] Menachem Mautner, Law and the Culture of Israel (New York: Oxford University Press, 2011), p. 122-123

[44] Ibid. p. 124-125

إقرأ ايضاُ

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close