fbpx
تقديرات

الإخوان المسلمون وإدارة الأزمة السعودية ـ الإيرانية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد:

أحدثت الأزمة السعودية ـ الإيرانية الأخيرة والتي نشبت على خلفية إعدام القيادي الشيعي السعودي نمر باقر النمر ضمن تنفيذ حكم بالإعدام على 47 مدانا من بينهم مصري وتشادي وثلاثة شيعة سعوديين يوم 2 يناير/ كانون ثاني 2016 حالة متفاقمة من الانقسامات في الأوساط الشعبية والمجتمعية، ولئن لم تشهد حالة مماثلة في الانقسام بين النخب الحاكمة، في الوقت الذي أيدت فيه كل الدول العربية، باستثناء العراق ولبنان، التعاطي السعودي مع الأزمة.

أولاً: الأزمة بين الفعل ورد الفعل:

شعبيا وفي مصر خرجت أصوات تندد بتنفيذ أحكام الإعدام من الأساس بقطع الطرف عما إذا كان الحكم جنائيا أو غير جنائي(1 )، ورأت أصوات أخرى بأن الحكم لم تتوفر فيه شروط النزاهة من حيث “استقلال القضاء ونزاهة التحقيق، وتوفير حق الدفاع وعلنية المحاكمة والتمكين من مراجعة حكم القضاء. وتوفير تلك الضمانات له أهميته القصوى فى حالات الإعدام بوجه أخص، التى تتطلب تحوطا شديدا”.(2 )

في السياق شهدت العديد من المناطق الشيعية في العراق والبحرين وباكستان مظاهرات احتجاجية تنديدا بإعدام النمر، كما لم تتوقف الإدانات من الهيئات والمنظمات الدولية بالحكم التي رأت أن تنفيذ حكم الإعدام بمثابة “تصفية حسابات سياسية”( 3).

وفي لبنان أدان حزب الله بشدة في بيان له ما وصفه بـ”اغتيال النمر”، ونعت حركة الحوثي اليمنية رجل الدين الشيعي، واصفةً إياه “بالمجاهد”، في حين وصف نائب بالائتلاف الشيعي الحاكم في العراق إعدام النمر بأنه يهدف إلى “إذكاء الفتنة بين السنة والشيعة وإشعال المنطقة”، بحسب قوله، وطالب ساسة عراقيون حكومة بغداد بقطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية.(4 )

ثانياً: جماعة الإخوان بين الأزمة والفرص المتاحة:

في بيئة كتلك التي تشهدها الأزمة رأى البعض أن جماعة الإخوان المسلمون أمام فرصة سانحة، وربما لا تتكرر، لحصد عدد من المكاسب الإستراتيجية حال التحرك وفق السياسة السعودية التي تبدو في أمس الحاجة إلى جماعة الإخوان، من خلال المسوغات والإجراءات التالية:

1ـ تتسم العلاقات الإيرانية ـ الإخوانية في الفترة الماضية بعدد من تنافرات وجهات النظر حول القضايا السائلة في الإقليم على رأسها الأزمتين اليمنية والسورية، وبدا واضحا أن أفضليات الإخوان تبدو على قدر بائن من التباعد مع أفضليات إيران في مرحلة ما بعد بشار الأسد في سوريا، وفي مرحلتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل في اليمن، ووفقا لهذا العامل فإن التحرك الإخواني على المحور المضاد لإيران (المحور السعودي) يبدو أكثر انسجاما مع العقيدة السياسية الراهنة والتي من خلالها يمكن للإخوان العودة بشروط محسنة تفاوضيا حال العودة إلى المشهد السياسي في تلك البلدان التي تشهد نشاطا وعلى رأسها مصر، مع التسليم بحقيقة النفوذ السعودي في تلك البلدان.

2ـ يمكن للإخوان من خلال الخط السعودي أن تستخلص مواقف سعودية رسمية وإعلامية أكثر تأييدا لـ”مظلوميتها من النظام المصري” خاصة أن المملكة العربية تبدو في حاجة ماسة إلى توسيع دائرة التحالف مع الجماعات القائمة على أساس سني وحصر إيران في مجموعة تحالفات ضيقة قائمة على أساس شيعي في البلدان ذات التواجد الحثيث للإخوان وخاصة في اليمن وسوريا.

3ـ يستطيع الإخوان المسلمون من خلال تأييد الموقف السعودي من الأزمة تحقيق مكسبين في اليمن، الأول: هو وقف تمدد نفوذ المحور الشيعي التي تقوده إيران لأن عقيدة الإخوان كما في أدبيات الجماعة قائمة على عقيدة أهل السنة والجماعة، والثاني: هو التمهيد لتموضع مواتي لحزب التجمع الوطني للإصلاح الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين باليمن، في مرحلة ما بعد انتصار التحالف العربي وعودة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بشكل كامل إلى ممارسة سلطته في البلاد.

4ـ الاستفادة من الخبرة الإخوانية اليمنية في التعاطي مع الرئيس السابق علي عبد صالح حيث أيد إخوان اليمن السياسة الرسمية للبلاد في مرحلة توحيد البلاد في العام 1994، ومن ثم حصلوا على عدد وافر من المكاسب الإستراتيجية مكنتهم من إقامة دعوتهم الإصلاحية وتمددها على مدار سبعة عشر عاما حتى نشوب ثورات الربيع العربي بالعام 2011، ومن خلال تلك الإستراتيجية يمكن للإخوان الحصول على أكبر قدر من المكاسب التكتيكية والإستراتيجية من السلطة اليمنية من خلال الدعم السعودي المحتمل في هذا الصدد.

5ـ التحرك عبر متناقضات المواقف الإيرانية ـ السعودية خاصة في الأزمة السورية، ومن هذا يمكن للإخوان المسلمين حجز مكان بارز في تشكيل السلطة المحتمل في سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد وفق مفاوضات فيينا، مع الاعتماد على محاولة الاتصال الإيراني بجماعة الإخوان السورية والتعاطي مع اللاعب السعودي وفق هذا النهج، وهو ما أعلن عنه القيادي في جماعة الإخوان في سوريا ملهم الدروبي.( 5)

6ـ تحسين موقف الإخوان في الأردن خاصة بعد انتخاب عبد المجيد ذنيبات مراقبا جديدا للجماعة في الأردن، الذي من شأنه تدشين فصل جديد لتحرك الجماعة بالمملكة الهاشمية، ويمكن للإخوان من خلال التماهي مع المواقف الأردنية المؤيدة للتحرك السعودي إزاء السلوك الإيراني(6 )، الحصول على أكبر قدر من المكاسب الميدانية في المديين القريب والمتوسط من خلال: المطالبة أولا بالإفراج عن كوادر الإخوان الموقوفين لدى السلطات في عَمّان، تماما كما حدث في واقعة الإفراج عن نائب مراقب عام جماعة الإخوان المسلمين في الأردن زكي بني أرشيد(7 )، ثم إيجاد مكان ملائم لأفراد الجماعة في الحياة السياسية الأردنية تحقيقا لمبدأ “نشر الدعوة”.

7ـ يمكن للإخوان من خلال تأييد الموقف السعودي الحصول على مواقف خليجية أكثر دعما لقضية انتقال السلطة في ليبيا، من خلال حث الرياض على مطالبة أبو ظبي بتخفيف حدة الضغط على المحور الذي يمثله المؤتمر الوطني العام في مقابل محور برلمان طبرق المدعوم من تحالف إقليمي مكون من مصر والإمارات والجزائر.

8ـ إدراك اللاعب الإخواني أن أي ربح للمحور الإيراني في جولة التصعيد الراهنة على خلفية إعدام القيادي باقر النمر يخصم من الرصيد الإستراتيجي للإخوان، خاصة أنهم خاضوا مواجهات مباشرة مع المحور الإيراني في كل من اليمن وسوريا، ووفقا لهذا التصور فإن العمل وفق الخط السعودي يعد أمرا حتميا تفوق مكاسبه بأشواط اتخاذ مواقف حيادية أو أكثر انسجاما مع إيران.

9 ـ في حالة التأييد الإخواني لإجراءات المحور السعودي من الأزمة يمكن للإخوان في مصر الحصول عدد قدر متزايد من المكاسب من خلال اكتساب تأييد سعودي متعدد الأشكال والأنماط في علاقات الجماعة بالسلطات الحاكمة من خلال مصادر النفوذ والقوى الناعمة التي تتحلى بها المملكة في مصر على رأسها الأحزاب السياسية المدعومة من المملكة ووسائل الإعلام واسعة الانتشار المملوكة للرياض والتي يشاهدها قطاع كبير من المصريين.

10ـ بالرغم من أن جماعة الإخوان المسلمون يمكنها تعديل موقف ذراعها السياسية ـ الدعوية في طهران والمتمثلة في “جماعة الإصلاح والدعوة” وإكسابها وضعا تكتيكيا أفضل في الحياة السياسية الإيرانية، من خلال تأييد السلوك الإيراني، إلا أن هذا الخيار يعد كارثيا بالقياس إلى الأضرار الفادحة المتوقع حدوثها على التفرعات الإخوانية في مصر واليمن وسوريا وغزة من خلال مواجهة المواقف السعودية، خاصة في ظل رغبة الرياض (من وجهة نظر البعض) في إعادة انخراط الإخوان في المشهد بمصر.

11ـ الانسجام الإخواني مع المواقف التركية(8 ) ـ القطرية(9 ) المؤيدة للموقف السعودي، على اعتبار أن اللاعبين القطري والتركي هما الحليفين الرئيسيين للإخوان في مرحلة ما بعد 30 يونيو 2013م، ومن المؤكد أن التناقض مع موقفيهما إزاء أزمة انقطاع العلاقات السعودية ـ الإيرانية يؤدي إلى إحداث ثغرة في تلك العلاقات.

12ـ في الإطار ذاته يرى البعض أن تأييد المحور السعودي في الأزمة بمثابة الدعم الصريح من الجماعة لنظام تورط في عدد من القضايا المتعلقة بانتقال السلطة في مصر، وهو أمر ليس صحيحا بالكلية، لأن النظام السعودي الراهن في ظل الملك سلمان وولده الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ووزير الدفاع، ليس هو النظام السعودي القائم على مجموعة الملك عبد الله الراحل والتي تم إقصاؤها تماما من مفاصل الحكم في المملكة، كما أن نظام الحكم الحالي أبدى تفهما كبيرا لقضايا الإخوان في بلدان المنطقة وهو ما عرّضه لحملة علاقات عامة موسعة من وسائل الإعلام “شبه الرسمية” المتماهية مع السلطات الحاكمة في مصر لعل أبرزها تلك الحملة التي قادها الإعلامي والبرلماني عبد الرحيم علي بعد تسريبات معلوماتية حول رغبة الملك سلمان في مصالحة بين الإخوان والنظام المصري وبعد استقباله خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، وبعد تزامن زيارتي الرئيسين المصري والتركي إلى الرياض، وعلى هذا الارتكاز يجب التفرقة بين مجموعة الملك عبد الله ومجموعة الملك سلمان من جهة.

ومن جهة أخرى إدراك أن السياسة ليس بها حليف دائم أو عدو دائم، وأن ترتيبات الوضع الراهن في المنطقة تجعل الرياض بين خيارين إما مواجهة المحور الإيراني بمساعدة جماعة الإخوان بوصفها أكبر تنظيم إسلامي في العالم واستخدام تواجدها الكثيف في بدان المنطقة كحائط صد أمام ما يوصف بأنه “محاولة تمدد شيعية” أو مواجهة التنظيمات المتطرفة المتنامية في المنطقة، ووفقا للعقلية الإستراتيجية السعودية الحالية فإن مواجهة المحور الإيراني أولوية ظرفية عاجلة، يجب أن يعمل الإخوان على الاستفادة من إرهاصاتها وتداعياتها على مستقبل الجماعة السياسي في عدد من بلدان المنطقة ذات النفوذ السعودي، كما أن خيار الصمت يعني إهدار كامل لتلك الفرصة السانحة، بل وإقناع الرياض بأن الجماعة أكثر قربا للمحور الإيراني خاصة في ظل الجلبة التي سببها بيان “الإخوان المسلمون والأحداث الراهنة على ضفتي الخليج”، ولا يجب تنحية الخيار القائم على أن الجماعة هي الأخرى بحاجة إلى إعادة اندماج في المشهد الإقليمي بعد الضربات الموجعة التي تلقتها منذ 30 يونيو/ حزيران 2013 وحتى الآن، من على طاولة التفكير.

وأذهب بشكل أساسي إلى أن الجماعة يمكنها العمل مع المملكة وفق هذا الطرح في إطار نظرية الربح المشترك “win-win relationships ” لأن الإخوان أيضا ليس من مصلحتهم في المديين البعيد والمتوسط خروج إيران منتصرة في تلك الأزمة، وهو ما تم توضيحه في النقاط الماضية، ولضمان ألا يكون هذا الدعم بمثابة يما يوصف بأنه “هداية مجانية” من الجماعة للنظام السعودي، يمكن العمل من خلال إستراتيجية خطوة مقابل خطوة step by step” “؛ لضمان الحصول على المكاسب من جانب الطرف الآخر.يجب إبراز وجهة النظر الأخرى التي يرى فيها البعض أن تأييد الموقف السعودي وإبرازه كقائد للسنة يدعم مركز نظام غير بريء من الاستبداد ويحاول توظيف هذه القضية في صالحه.

——————————-

الهامش

(1) في إشارة إلى تدوينة الدكتور عمرو حمزاوى، على موقع التغريدات القصيرة “تويتر” التي قال فيها: “الإعدام جريمة ضد الإنسانية وإلغاؤه عربيًا وعالميًا ضرورة، بداية محبطة لـ2016 بتنفيذ أحكام إعدام فى السعودية، إعدام الشيخ نمر النمر، مثل كل إعدام، جريمة ضد الإنسانية وترويع لكل مطالب بالديمقراطية والحرية فى السعودية وبلاد العرب.. متى يتغير حالنا من بلاد لم يعد بها سوى الاستبداد والإرهاب وتعقب كل صوت للحرية وقمع كل مطالب بالحق والتسامح والإنسانية؟”.يمكن مطالعة نص التدوينة التي تداولتها وسائل الإعلام من خلال الرابط

(2) هويدي، فهمي: الكل مخطئون، جريدة الشروق المصرية، عدد الثلاثاء 5 يناير 2016، ويمكن مطالعة المقالة كاملة من خلال الرابط

(3) أصدرت منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة العفو الدولية بيانات متفرقة نددت فيها بالحكم ويمكن مطالعة نصوص تلك البيانات كما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية عبر الرابط

(4) نشرت وكالة رويترز للأنباء خبرا مفاده أن “ساسة عراقيين مدعومين من إيران طالبوا الحكومة يوم السبت 2 يناير/ كانون ثاني 2016 بقطع العلاقات مع السعودية، الرابط

(5) نص تصريحات نقلتها شبكة إيلاف عن القيادي الإخواني في سوريا، ملهم الدروبي، ويمكن مطالعتها كاملة من خلال الرابط

(6) الموقف الأردني، الرابط

(7)يمكن مطالعة نص تصريحات المحامي من خلال الرابط

(8) أعلنت الحكومة التركية يوم الخميس 7 يناير/ كانون ثاني 2016 أنها استدعت السفير الإيراني إلى وزارة الخارجية للمطالبة بوقف تقارير إعلامية إيرانية تربط تنفيذ أحكام الإعدام التي تمت مؤخراً في السعودية بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرياض الأسبوع الماضي. وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها: “ندين بشدة الربط الذي ورد في تقارير نشرتها وسائل إعلام مرتبطة بهيئات رسمية إيرانية بين زيارة رئيسنا في الآونة الأخيرة للمملكة العربية السعودية والإعدامات في ذلك البلد”. وأدان البيان أيضا تعليقات تتهم بشكل مباشر الرئيس التركي. وأضاف البيان: “تم التأكيد للسفير على أن الهجمات على السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد غير مقبولة على الإطلاق ولا يمكن تبريرها”. ويمكن مطالعة نص البيان كاملا من خلال الرابط

(9) استدعت قطر سفيرها في طهران يوم الأربعاء 6 يناير/ كانون ثاني 2016 لتنضم إلى عدد من الدول التي اتخذت إجراءات دبلوماسية داعمة للمملكة العربية السعودية في أزمتها مع إيران. ويمكن مطالعة ما تناولته وسائل الإعلام بهذا الصدد من خلال الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close