fbpx
دراساتالحركات الإسلامية

الإخوان المسلمون وثورة يناير ـ الجزء الثالث

الإخوان بعد فض رابعة: من الاستدراك إلى الانقسام

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

يتناول هذا المبحث الرابع من الدراسة أربعة عناصر، الأول: خلخلة القيادة لا التنظيم، والثاني: البحث عن استراتيجية، والثالث قصة الخلاف الإخوان، والرابع في محاولة تفسير تصاعد أزمة الخلاف القيادية، وذلك على النحو التالي:

أولا: خلخلة القيادة لا التنظيم:

شكّل فض اعتصام رابعة صدمة كبرى على أنصار الجماعة وأنصار الرئيس مرسي، وكانت الصدمة مخلخلة للهيكل القيادي للجماعة، وتم اعتقال الكثير من قيادات ورموز الجماعة، مثل اعتقال القيادي بالجماعة الدكتور عصام العريان في السابع عشر من أغسطس[1]، وفي العشرين من أغسطس اعتقل المرشد العام للجماعة[2] -وقد قتل ابن المرشد العام قبل اعتقاله بعدة أيام في السادس عشر من أغسطس في ميدان رمسيس فيما عرف بيوم جمعة الغضب[3]-، واعتقل أحمد عارف المتحدث باسم الجماعة في الثاني والعشرين من أغسطس[4]، واعتقل الدكتور مصطفى الغنيمي عضو مكتب الإرشاد في ٢٢ أغسطس ٢٠١٣[5]، وكذلك اعتقال الدكتور محيي حامد عضو مكتب الإرشاد في ٢٤ أغسطس[6]، واعتقل الدكتور محمد البلتاجي القيادي بالجماعة والأمين العام لحزب الحرية والعدالة في ٢٩ أغسطس ٢٠١٣[7]، وغيرهم كثيرون.

القبض على 3 قيادات من «الإخوان» بصحبة «الحداد» في شقة بمدينة نصر
القبض على 3 قيادات من «الإخوان» بصحبة «الحداد» في شقة بمدينة نصر

بعد حملة اعتقالات أغسطس حاولت مجموعة قيادية إعادة الاتصال القيادي والتنظيمي مرة أخرى، لكن ظلت الاعتقالات والمداهمات مستمرة ومنها اعتقال المهندس جهاد الحداد المتحدث الإعلامي للجماعة والمهندس محمد أحمد إبراهيم عضو مكتب الإرشاد والدكتور محمود أبو زيد عضو مكتب الإرشاد والدكتور حسام أبو بكر عضو مكتب الإرشاد في السابع عشر من سبتمبر[8].

ولم يتبق من أعضاء مكتب الإرشاد داخل مصر ممن لم يتعرضوا للقتل أو الاعتقال إلا: الدكتور محمود عزت نائب المرشد العام للجماعة والدكتور محمد طه وهدان والدكتور محمد كمال والدكتور محمد سعد عليوة والدكتور محمد عبد الرحمن والدكتور عبد الرحمن البر والدكتور محمود غزلان والمهندس عبد العظيم الشرقاوي.

رغم ما حدث من خلخلة في الهيكل القيادي للجماعة إلا أن فض اعتصام رابعة والاعتقالات لم تُصِب التنظيم بالعجز أو الشلل أو الانهيار، وفي هذه الأجواء كان تنظيم الإخوان -بشكل عفوي ولا مركزي وفي غياب القيادة العليا والاتصال والتوجيه- ينتفض بالتظاهرات الاحتجاجية الغاضبة وكانوا جميعا متمسكين بشرعية الرئيس مرسي والرغبة في استعادة المسار الديمقراطي.

بالحديث مع كثير من القيادات الوسيطة وأعضاء الجماعة عن هذه المرحلة -التي مثلت لهم صدمة كبرى بسبب طريقة فض الاعتصام وحجم القتل والدماء والاعتقالات التي شهدوها وفقدان الاتصال القيادي- فقد ظلت حركة التنظيم الاحتجاجية متوهجة ومشتعلة وغاضبة بلا توقف رغم التضحيات، ويمكننا تلمس كثير من عبارات الغضب المصاحبة لرفض الهزيمة، وبحسب وصف أحد أعضاء إحدى اللجان المركزية للجماعة “كانت هناك طاقة غضب كبيرة رافضة للهزيمة لدى كل من التقيتُ بهم من أعضاء الجماعة في هذا الوقت”[9]، وكان هذا الغضب باعثا لروح عدم الاستسلام والشعور بمسئولية كبرى تجاه من قتلوا أو اعتقلوا، وبحسب تعبير أحد أعضاء مجلس شورى عام الجماعة ممن نجا من الموت والاعتقال أثناء فض الاعتصام: “كانت الروح العامة هي عدم الاستسلام وأن حق شهداء رابعة في أعناقنا، وكانت الحشود الكبيرة الغاضبة مستمرة في الاحتجاج بشكل تلقائي”[10]، لقد كان هناك شعور كبير بأن المؤامرة على البلاد وعلى الإخوان كبيرة كما أكد أحد القيادات الوسيطة في هذا التوقيت: “كنا نشعر بأن المؤامرة كبيرة لها أبعاد خارجية”[11]، وكانت أعداد التظاهرات ضخمة تمثل عشرات الآلاف الغاضبة يوميا في أكثر من محافظة وبحسب وصف أحد القيادات الوسيطة: “كانت أعداد المتظاهرين في المحافظة التي كنت فيها ضخمة جدا تقدر بعشرات الآلاف في محافظتي فقط”[12]، وبحسب وصف قيادي آخر: “كانت حالة الغضب كبيرة جدا جدا وبعد الفض ازدادت أعداد المتظاهرين وبلغت ذروتها في يوم السادس عشر من أغسطس ٢٠١٣ حيث رأيت قطاعات كثيرة متنوعة ومختلفة من الشعب المصري وكثير منهم لم يكونوا مشاركين أو داعمين للإخوان أو لاعتصام رابعة، وكانت الأعداد تسد الأفق ربما تقدر بعشرات أو مئات الآلاف في محافظتي فقط”[13]، وكان غضب الأفراد يحمل خلفه قصصا مؤلمة ومشاهد مأساوية رآها كل فرد بنفسه، فما بين رؤية أعداد ضخمة من الجثث التي قتلت أثناء فض الاعتصام وتبحث عمن يتعرف عليها وعلى أرقاما معلقة على الجثث تتجاوز رقم الألفين وفق بعض المشاهدات، أو من شاهد بلطجية يَقتلون أو يَطعنون أو يُمثلون بجثة أحد المعتصمين أو المتظاهرين، أو من شاهد أثناء التظاهرات الاحتجاجية أفواجا من البلطجية بحماية أو صمت الداخلية أو دعم قوات الأمن تهاجم المتظاهرين بالأسلحة البيضاء والرصاص الحي والخرطوش، في مشاهد صادمة لم تكن متوقعة بهذه البشاعة.

ظلت حالة الانتفاضة العفوية والتظاهرات الضخمة مستمرة رغم ما تعرض له الهيكل القيادي للجماعة من خلخلة، ومع الوقت ازدادت وتيرة قمع هذه التظاهرات شيئا فشيئا، وازدادت أعداد المتظاهرين -بحسب وصف الكثير من المشاهدات- في محافظات مختلفة، وكان العدد الأضخم وفق أغلب الروايات في يوم الثلاثين من أغسطس ٢٠١٣، لكن أمام استمرار هذه الحشود الضخمة ورغم القمع والبلطجية لم تتأثر ضخامة المظاهرات التي بحسب وصف أحد القيادات الشابة: “كانت أعداد المتظاهرين رهيبة وضخمة جدا، وبرأيي أنها كانت أكثر بكثير من أعداد المتظاهرين في يوم ٢٨ يناير ٢٠١١ التي طالبت بسقوط نظام مبارك”[14]، منذ هذا التاريخ وبحسب شهادة أحد القيادات الوسيطة: “منذ ذلك التاريخ -يقصد ٣٠ أغسطس- أصبح عدد المعتقلين في محافظتي فقط لا يقل عن ١٠٠ معتقل يوميا لمدة أسبوع على الأقل، وكان الشهداء يسقطون بشكل يومي، وتجرأت قوات الأمن أكثر فأكثر باستخدام العنف والرصاص الحي، وكأنها راغبة بشدة في إنهاء هذه التظاهرات الضخمة تماما وتخويف أي أحد ينضم لهذه التظاهرات”[15].

محاولات لعقد لقاء بين «بديع» وممثلى «الإخوان» السابقين في «ائتلاف الثورة»
اعتقال مرشد الإخوان المسلمين بمصر

في هذه الأجواء بدأت محاولات استعادة الاتصالات التنظيمية ومحاولة ترميم الوضع الداخلي وتعويض ما حدث من خلخلة في الهياكل القيادية، خاصة في المحافظات الكبرى القاهرة والاسكندرية ومحافظات الدلتا والصعيد، فالتنظيم منتفض ومستمر في الاحتجاجات بشكل لا مركزي مع رغبة عامة رافضة للاستسلام، وبالتالي دفعت هذه الرغبة للعمل على سرعة تعويض وترميم الخلخلة القيادية والعمل على التئام الاتصال التنظيمي وإيجاد قيادة عملية للجماعة، وبحسب أحد القيادات الوسيطة: “بدأنا مباشرة في تنظيم صفوفنا بغض النظر عن الهيكل القيادي، ونعيد الاتصال وننسق مع من يمكننا الاتصال به، ومع أول سبتمبر كان التنسيق والتعاون بشكل أفضل”[16]، “ثم بدأت بالتدريج الاتصالات القيادية ببعض أعضاء مكتب الإرشاد الذين كانت لديهم الرغبة والقدرة على الحركة والاتصال والتواصل”[17]، وكان من أبرز هؤلاء الأعضاء الدكتور محمد طه وهدان والدكتور محمد كمال والدكتور محمد سعد عليوة[18].

قيادة استدراكية بشرعية تنظيمية:

تطورت هذه الاتصالات بين الأعضاء الثلاثة وبين مختلف قطاعات التنظيم وكذلك التواصل مع الدكتور محمود غزلان والدكتور عبد الرحمن البر والمهندس عبد العظيم الشرقاوي، وتبلور لديهم الحاجة لأهمية وجود إدارة مكتملة وتحظى بشرعية تنظيمية، وأن الثلاثة أعضاء (الدكتور وهدان والدكتور محمد كمال والدكتور محمد سعد عليوة) هم القادرون على التحرك والتواصل والإدارة في هذه الظروف الأمنية الحالية وهم بحاجة إلى اختيار معاونين معهم (٦ أفراد) ليشكلوا إدارة للجماعة في هذه المرحلة، وتم الاتصال مع الدكتور محمود عزت للموافقة على هذا المقترح، وذكرت بعض الروايات أن الدكتور محمود عزت كان لديه تحفظ واحد فقط هو أن لا تسمى هذه اللجنة بمكتب إرشاد مؤقت ولكن يكون اسمها اللجنة الإدارية العليا، وفي شهر فبراير ٢٠١٤ تمت دعوة أعضاء مجلس شورى عام الجماعة -أو من تبقى منهم- للانعقاد، وتم الانعقاد على ثلاثة اجتماعات، ليوافقوا على أن يضم أعضاء مكتب الإرشاد الثلاثة؛ ستة أشخاص ويصبحوا معا الإدارة العليا للجماعة، وتم هذا الإقرار دون عرض أي أسماء وتم القبول والموافقة وتفويض أعضاء مكتب الإرشاد الثلاثة لاختيار الأعضاء الجدد.

وبحسب وصف أحد الحاضرين في اجتماع مجلس الشورى: “حضرت اجتماع مجلس شورى فبراير ٢٠١٤، وعرض علينا من أعضاء مكتب الإرشاد الثلاثة أنهم يريدون الاستعانة بستة من الجماعة ليعاونوهم في إدارة الجماعة في هذا التوقيت، ووافقنا على ذلك بدون أسماء بسبب الظروف الأمنية”[19].

كان من أعضاء مكتب الإرشاد من صعُبت حركتهم واتصالاتهم بسبب الظروف والضغوط الأمنية أو بسبب عدم قدرتهم على الحركة في هذه الأجواء، ومنهم الدكتور محمود عزت نائب المرشد العام للجماعة والدكتور عبد الرحمن البر والدكتور محمود غزلان والمهندس عبد العظيم الشرقاوي، إضافة إلى الدكتور محمد عبد الرحمن الذي تعرضت زوجته لإصابة ثم الوفاة وكان معتذرا عن التواصل في هذه المرحلة.

وكان من أبرز هذه الأسماء المعاونة التي تم اختيارها لاحقا: الأستاذ حسين إبراهيم والمهندس عبد الفتاح السيسي (الذي اختير كأمين عام للجنة الإدارية العليا) والمهندس محمد أبو الناس والدكتور علي بطيخ والأستاذ محمد سعد السيد وفرد آخر لم يتأكد الباحث من اسمه.

القبض على أحمد عارف المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين
القبض على أحمد عارف المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين

تميزت هذه المرحلة بحالة الصدمة الشديدة لدى أعضاء الجماعة والمتعاطفين معها بسبب العنف الشديد الذي حدث في فض اعتصام رابعة والذي ظل متصاعدا تجاه كل التظاهرات الاحتجاجية بعد فض الاعتصام في مختلف المحافظات، حيث عملت القوات الأمنية بشكل قمعي على إنهاء التظاهرات الضخمة بكل الوسائل مثل الاعتقالات العشوائية واستخدام وتوظيف البلطجية والسماح بإطلاق الرصاص الحي والخرطوش وقنابل الصوت والدخان وغير ذلك، كما تميزت هذه المرحلة بصمود واستمرار الهيكل التنظيمي للجماعة، وسرعة التئام الهيكل التنظيمي القيادي بعد عدة محاولات -رغم اعتقالات معظم قيادات ورموز الجماعة-، ونجحت الجماعة في استعادة الاتصالات التنظيمية وسد فجوة القيادة.

كما تميزت هذه المرحلة بسلاسة الاتصال القيادي بين الأعضاء الثلاثة الفاعلين من مكتب الإرشاد فيما بينهم من ناحية، وبينهم وبين الاتصالات والمشاورات المختلفة سواء كانت مع مجلس شورى عام الجماعة أو مع مختلف المحافظات، وبنهاية هذه المرحلة أصبح للجماعة إدارة وقيادة عملية لها شرعية تنظيمية، وتسعى هذه الإدارة لمحاولة الاستفادة من الروح الثورية والطاقات الشبابية للتفكير فيما يمكن فعله.

ثانيا: البحث عن استراتيجية:

نموذج يناير ٢٠١١:

مقتل نجل المرشد العام للإخوان
مقتل نجل المرشد العام للإخوان

كانت حركة الجماعة الرافضة لإزاحة الرئيس مرسي وإنهاء مسار التحول إلى الديمقراطية ترتكز على استمرار التظاهرات الاحتجاجية السلمية بقوة، وكانت حالة يناير ٢٠١١ -التي سبقت رحيل مبارك واعتصام التحرير- في مخيلة الجماعة وكثير من قادتها ورموزها، وكان هذا الخيال لا يزال مخيما على بعض المؤثرين والفاعلين ولدى بعض أعضاء مكتب الإرشاد الفاعلين بعد فض اعتصام رابعة، وبحسب أحد القيادات التي تم تكليفها من قبل عضو مكتب الإرشاد محمد طه وهدان لدراسة هذا الأمر “كانت الفكرة لدى الدكتور وهدان أننا إذا نجحنا في العودة للتحرير والاعتصام فيه فربما يحدث تغيير داخل المؤسسة العسكرية ويتأثر المشهد السياسي، وتم تكليفي بعمل دراسة لهذا الأمر، كانت الدراسة بسبب حالة القمع الشديد تحتاج فدائيين بمعنى الكلمة، فوفق دراستي وتقديري ربما يموت أكثر من ٩٠٪ من المجموعات التي تحاول دخول ميدان التحرير بسبب الطوق الأمني، ووفق تقديري ربما يموت ما لا يقل عن ٣٠٠ فرد من الطليعة الأولى التي ستحاول دخول ميدان التحرير وتتمكن من تأمينه، وذلك بسبب كثافة التواجد الأمني وجرأته على القمع والقتل بدون أي كابح، ورفض الدكتور وهدان هذا المقترح باعتباره سيؤدي إلى عنف وتبادل العنف، وكان الشعور المسيطر عليه كيف يمكن أن يتكرر نموذج يناير ٢٠١١ بدون وجود حالات عنف أو موت بأعداد كبيرة”[20].

لم يكن تصور استعادة اعتصام التحرير ممكنا خاصة بعد ما حدث في اعتصام رابعة العدوية، وكان هذا يمثل ضغطا وعبئا على القيادة التي تريد التعبير عن غضب الشباب الثائر والراغب في إحداث تغيير واستعادة شرعية مرسي أو المسار الديمقراطي أو إحداث تغيير يؤثر على المسار السياسي للسلطة الجديدة، ولا تملك نموذجا أو تصورا آخر.

من هنا وبعد الانتهاء من التئام هياكل التنظيم القيادية ووجود شرعية قيادية تمثلت في اللجنة الإدارية العليا، زادت لقاءات أعضاء اللجنة الادارية العليا بمختلف المحافظات؛ رغبة في التفكير في نقطة البدء، والاستماع للجسد التنظيمي، وكذلك الاستعداد لوضع تصور للحركة وخطة العمل، وأثناء ما كانت لجنة الخطة بالجماعة تحاول التفكير في خطة سريعة ليتحرك التنظيم من خلالها، كان هناك حرص شديد على الاستماع لكثير من القيادات الشابة والوسيطة خاصة من قبل الدكتور محمد كمال والدكتور محمد وهدان والأستاذ حسين إبراهيم، وبحسب أغلب من التقاهم الباحث فقد أكدوا أنه كانت هناك توجيهات من قبل اللجنة الإدارية العليا بضرورة أن يضم كل مكتب إداري أعضاء من الشباب ليكونوا ضمن المكاتب الإدارية للجماعة في المحافظات، وكان غالبا ما يُطلب -في بعض المحافظات- أن يكون مسئول الحراك الثوري في المحافظة هو نائب مسئول العمل الإخواني في المحافظة”[21]، بحيث يكون الشباب في مواقع قيادية.

زادت الضغوط والأعباء المعنوية على أعضاء اللجنة الإدارية العليا، فهم الآن مسئولون ولديهم ثقة قطاعات كبيرة داخل الجماعة وعليهم أن يفعلوا شيئا، وكانوا أمام سؤال محوري: كيف سيفكرون؟ ومن أين البداية؟

كان التفكير السائد هو أهمية استكمال الهياكل الإدارية وسد أي فجوة تنظيمية نشأت بسبب اعتقال أو غياب أي كادر أو عضو بالجماعة مع زيادة وتعظيم دور الشباب في مختلف الهياكل التنظيمية، كما أن هناك حاجة للتفكير في طريقة تعاطي الجماعة ومحاولة وضع أسس جديدة والاستفادة من الروح الثورية الهائلة للجماعة، وبحسب وصف أحد أعضاء اللجنة الإدارية العليا عما كان يشغلهم في بداية تجمع اللجنة الإدارية العليا: “استكمال الهياكل الإدارية ومتابعة حالة الشارع والميادين والتظاهرات التي كانت في حالة فوران غير طبيعية، والعمل على وضع تصور مناسب للحالة الحالية يختلف عن الوضع في الماضي، كما كانت لدى جميع أعضاء اللجنة الإدارية روح عامة للاستماع لمختلف قطاعات الجماعة والشباب والقيادات الوسيطة للاسترشاد بتصوراتهم وآرائهم”[22].

خطة الـ ٦ شهور:

اعتقال عصام العريان بعد منعه من السفر إلى تركيا
اعتقال عصام العريان بعد منعه من السفر

بمرور الوقت وبعد انتظام الهيكل القيادي للجماعة ازداد توتر الأعضاء مع انتظار تصورات الحركة وخطط العمل، وبحسب وصف أحد القيادات الوسيطة بالجماعة: “كانت هذه فترة يسودها التوتر والغضب، فالموت حولنا من كل جانب، وقد صنع الغضب من بعضنا -مع تأخر وجود تصور وخطة- رغبة في عدم الاستمرار إذا استمر الحال بدون تصورات واضحة، أنا شخصيا قررت ألا أساهم في أي عمل في اللجنة التي أنا أعمل فيها”[23].

في هذه الأجواء وقبل أن تأخذ الإدارة الجديدة وقتها، نزلت خطة أولية عرضتها لجنة الخطة في مارس ٢٠١٤ وسميت بخطة “الستة شهور”، لكنها قوبلت برفض وسخط من غالب المكاتب الإدارية وأعضاء ولجان الجماعة وصفت بأنها: “ضعيفة جدا وكلامها فضفاض ولا تحمل أي جديد”[24]، وبتعبير قيادي آخر: “ظهرت رؤيا كانت ضعيفة جدا وتحمل تصورات عامة، وتسببت في جدل داخلي كبير أدى لمحاولة البحث عن خطة وتفكير جديد”[25]، وبحسب وصف أحد أعضاء الإدارة المعترضين على هذه الخطة: “كان جوهر الخطة يتعلق بكيفية تدعيم الحشود المتظاهرة وزيادة عددها، وكيف يمكن توعية عدد أكبر من الناس في الشوارع والميادين والمواصلات، وأمور أخرى كانت عامة لا تعبر عن الواقع الذي نتعرض له من قمع شديد وعنف واستئصال، ولم تكن تمثل حالة إقناع لعموم الإخوان الذين يرون الموت حولهم من كل جانب”[26]، وبحسب وصف أحد أعضاء لجنة الخطة في إحدى محافظات مصر: “فقد كانت هذه الخطة فاقدة لوضوح الهدف الكلي الذي تسعى لتحقيقه، كانت هناك أفكار تتعلق بمزيد من التوعية الداخلية للناس بما يحدث والمزيد من نشر الوعي من خلال الحديث المباشر من كل فرد مع عدد معين من الناس، وكذلك إرسال رسائل لمختلف المنظمات الحقوقية الدولية للتعريف بالانتهاكات التي تحدث”[27].

واستمر الجدل والسجال حول هذه الخطة داخل أروقة التنظيم عدة شهور، مما زاد من الأعباء والضغوط على اللجنة الإدارية العليا للتفكير في خطط وتصورات واستراتيجية جديدة، حتى تبلور أمامهم تصورا آخر مع شهر أغسطس ٢٠١٤.

خطة أغسطس ٢٠١٤:

لم تكن هذه الأجواء الصراعية مؤثرة على اللجنة الإدارية العليا فقط، بل كانت هناك حالة من إعادة التفكير على مستوى كل فرد من أفراد الجماعة وليس فقط على المستويات الإدارية، فالأفراد بالجماعة -خاصة من هم داخل لجان الحراك الثوري والوعي والطلاب والإعلام- أصبحوا يبحثون عن كتب الثورات والكتابات الثورية ربما ليجدوا فيها إجابات تلهمهم بما يمكن فعله مع هذا الواقع، وبتعبير أحد هذه القيادات: “لقد كنا نمر بلحظات تغيير، وبدأت اهتماماتنا الشخصية تتغير، وبدأتُ شخصيا أبحث عن كتب مذكرات جيفارا وسيكولوجية الجماهير ورأس المال والثورة الصينية والثورة الإيرانية، إضافة لإعادة قراءة كتب سيد قطب خاصة العدالة الاجتماعية وهذا الدين”[28]، هذه الأجواء التي تمر بها الجماعة وفورة وغضب أفرادها وشبابها مثلت لحظة تحول لدى غالب أعضاء اللجنة الإدارية العليا، وبحسب وصف أحد قيادات الجماعة: “أظن أن لحظات تحول وتغير بعض أعضاء مكتب الإرشاد بدأ في هذه اللحظة، فالتفكير العادي التقليدي للجماعة -أمام حالة الضغط والقمع الشديدة وأمام الرغبة العارمة في الاستدراك- لم يعد مقنعا”[29]، لقد كان نبض الاتصال بعموم الشباب وعموم الإخوان الفاعلين والغاضبين عاملا مؤثرا وضاغطا على إدارة الجماعة، التي تشعر أنها في لحظة تاريخية مفصلية صعبة، وأن عليهم أن يفعلوا شيئا مختلفا لكنهم لا يعلمون ما هو حتى الآن.

كانت هناك حالة تفاعل كبيرة من مختلف الشباب والأعضاء بالجماعة، ورغبة حقيقية في التفكير من أجل التغيير، وبحسب وصف أحد أعضاء الجماعة الفاعلين في هذا التوقيت: “كان هناك اجتهادات كثيرة جدا من كثير من أفراد الجماعة، وكانت هناك حالة كبيرة وواسعة من النشاط والحركة في تقديم مقترحات وأفكار وتصورات عما يمكن للجماعة أن تفعله وعما تحتاجه الجماعة من أفكار وممارسات وتغييرات”[30].

اعتقال محمد البلتاجي القيادي في الاخوان المسلمين
اعتقال محمد البلتاجي القيادي في الاخوان المسلمين

في هذا المناخ زادت محاولات أعضاء مكتب الإرشاد وأعضاء اللجنة الإدارية العليا للاستماع لمختلف من يمكنهم الالتقاء بهم من اللجان والشباب في مختلف المحافظات، وشكلوا الكثير من اللجان وورش العمل من أجل رفع تصورات ومقترحات عما يمكن فعله، وكان الكثير من هذه اللجان وورش العمل يتحدث عن قسوة القمع وشدته وأنه بغير وجود قوة داعمة حامية للعمل السلمي الاحتجاجي فلا يمكن إحداث تغيير، كما توطدت العلاقة بين كثير من الشباب الذين تم الاستعانة بهم في اللجان المركزية سواء الإعلامية أو الشباب أو الحراك الثوري وبين اللجنة الإدارية العليا وأعضائها، وقد وجدوا أجواء حميمية تستمع لهم وجعلتهم يزدادون ثقة وتلاحما، وبحسب تعليق أحد هذه القيادات الشابة “كنت أول مرة أسمع كلمة “ما أعرفش” من مسئول إخواني كبير، كانت الصورة التقليدية السابقة أنهم دائما يعرفون، كانت هذه روح إيجابية كبيرة لنا وزادت ثقتنا وارتباطنا بهم، وكان هناك اهتمام واضح بالشباب والاستماع لهم”[31]، كما وصف أحد القيادات الوسيطة هذه اللقاءات والمشاورات الواسعة بـ: “كانت هذه الحالة إيجابية جدا بالنسبة لنا ولكثير من الأعضاء، وساهمنا في تقديم مقترحات وأفكار وأوراق كثيرة جدا، وكانت هناك رغبات كثيرة متكررة في ثنايا هذه المقترحات أن الإدارة يجب أن تقود التغيير بالجماعة أو سيفرض التغيير نفسه، ويجب احترام التخصص والخبراء ولا يمكن أن نتحرك بشكل ثوري بنفس طريقة اللجان الدعوية التقليدية للجماعة”[32].

من اللجان السابقة الكثيرة التي تم تشكيلها من قبل اللجنة الإدارية العليا “شكلت لجنة لتنظم مجموعة من الاجتماعات وورش العمل من بعد شهر فبراير لمناقشة: هل يبقى العمل الثوري الحالي كما هو أم ننسحب أم نندفع خطوة للأمام؟”[33]، “وكانت هذه اللجنة تحمل تمثيلا من مختلف القطاعات والمحافظات، فهناك من قطاع وسط الدلتا والاسكندرية وغرب الدلتا وشرق الدلتا وشمال الصعيد وجنوب الصعيد”[34]، تمت هذه الاجتماعات بحضور أعضاء اللجنة الإدارية العليا خاصة حسين ابراهيم ومحمد كمال وعلي بطيخ وعبد الفتاح السيسي وطه وهدان وكانوا مستمعين دون توجيه أو إدارة لهذه الاجتماعات.

وانتهت هذه الاجتماعات بالتوصية باعتماد ما سمته “خيار العمل النوعي” والمقصود به استخدام منظم لبعض الأسلحة الخفيفة في الدفاع عن العمل السلمي والتظاهرات، وفي إحداث إرباك لجهاز الشرطة وإدارة السلطة الحاكمة والتأكيد على عدم الاستهداف أو سفك الدماء، إلا في إطار ثبوت حالة اغتصاب أو قتل عيني واضح عمد ليس فيه حالة شيوع[35]، وكان مبرر هذه التوصية بحسب إجابة أحد الحاضرين: “أننا مارسنا العمل السياسي السلمي ووصلنا لمستويات عليا بالبلاد ورغم ذلك تمت إزاحتك ومحاولة سحقك بالقوة في لحظة، وبالتالي العمل السلمي معرض في أي لحظة للقضاء عليه والإجهاز عليه تماما”[36].

كان المنطلق الأساسي الغالب لهذا التفكير هو منطلق سياسي، يتعلق بكيف يمكن إحداث تغيير سياسي مع استحالة صمود التظاهرات الاحتجاجية أمام الرصاص والقتل والقمع الشديد؟، وبالتالي فالخيال العام المهيمن على هذه الأجواء “أننا في حالة زخم كبير بالاحتجاجات في الميادين، وأننا بحاجة فقط إلى قدر من استخدام القوة حتى يحدث حالة نجاح وتأثير سياسي”[37].

بدأ بعض أفراد اللجنة الإدارية العليا يتحدثون عن الحاجة إلى قوة تحمي هذه التظاهرات والغضب السلمي، وأن الاعتصامات والتظاهرات وحدها غير قادرة على إحداث أي تغيير سياسي في المشهد، وأن حجم التضحيات كبيرة جدا، والحالة الإخوانية راغبة بقوة في الاستمرار، وكانت العوامل المشتركة الحاكمة قبل التفكير في أي خطة بحسب وصف أحد أعضاء اللجنة الإدارية العليا: “أن هناك حالة ثورية وزخم كبير وواسع في الشارع بملايين الناس، وإننا نحتاج إلى تصورات وأدوات تساعد هؤلاء الملايين على التعبير عن مطالبهم المشروعة، وأنه يمكن تحقيق ذلك”[38].

أفرزت نقاشات اللجنة الإدارية العليا (٩ أفراد) مع أعضاء مكتب الإرشاد الثلاثة من خارج الإدارة (الدكتور محمود غزلان والدكتور عبد الرحمن البر والمهندس عبد العظيم الشرقاوي) عن قبول ٧ أفراد لتصورات خطة أغسطس ٢٠١٤ مقابل رفض ٥، ثم سعت اللجنة الإدارية العليا إلى توسيع دائرة النقاش، ولجأت اللجنة الإدارية العليا إلى تشكيل لجنة شرعية لإبداء الرأي الشرعي، ثم الاسترشاد بآراء لجان وشخصيات مختلفة هي حددتها، ثم سعت إلى مجموعة من الإجراءات التنظيمية الأخرى مع صعوبة جمع أعضاء مجلس الشورى مرة أخرى كما حدث في فبراير ٢٠١٤، فقد تم الاجتماع بمسئولي المكاتب الإدارية التي تدير العمل الإخواني في كل محافظات مصر، وتمت مناقشات تفصيلية حول تصورات خطة أغسطس ٢٠١٤، ثم طلب الدكتور محمد كمال مرة أخرى أن ترسل كل محافظة ثلاثة أعضاء ممثلين عن المحافظة -إما اعضاء في مجلس شورى عام الجماعة او أعضاء في المكتب الإداري للمحافظة أو أعضاء في مجلس شورى المحافظة- وبلغ عددهم النهائي ٨١ عضوا ممثلين لمختلف المحافظات، لتنتهي بإقرار تصور خطة أغسطس والضوابط والسياسات المرتبطة بهذه الخطة.

تلقت هذه اللجنة -التي رفعت توصية بخيار العمل النوعي- ردا من اللجنة الإدارية العليا على ما رفعته من توصيات بأن اللجنة الإدارية العليا للجماعة وافقت على القرار والمقترح ومخرجات هذه الورشة، ولم يحدث شيوع وتناقل لفكرة الاستهداف لأعضاء الجماعة وتم التركيز على إبلاغ الأفراد بفكرة الإرباك، وبرغم تشكيل إدارة مركزية لهذا الأمر إلا أنه بحسب الكثير من الروايات والشهادات فقد كان الواقع أن ممارسة أفكار الإرباك مثل قطع بعض الطرق أمام بعض مواكب الشرطة أو التعدي على بعض كمائن الشرطة التي تهاجم المتظاهرين كانت موجودة في عدة محافظات بجهود فردية أو بموافقة بعض القيادات الوسيطة نتيجة لضغوط حالة القمع الشديدة.

اللجنة الإدارية العليا كانت ترفض كل أشكال التسليح:

 الإخوان تستقبل 2015 بانتخاب مكتب إدارة أزمة خارج البلاد
الإخوان تستقبل 2015 بانتخاب مكتب إدارة أزمة خارج البلاد

قبل هذا القرار وقبول توصية هذه اللجان المقترحة في أغسطس ٢٠١٤، ورغم حالة السيولة وما كانت تمثله هذه الحالات الفردية من إنقاذ لأبرياء أو الدفاع عن تظاهرات سلمية، فقد كانت توجهات اللجنة الإدارية العليا تأتي باستمرار لإيقاف أي مظهر مسلح، وشهدت هذه المرحلة الكثير من التوجيهات والعتاب والغضب واللوم والتحقيق أحيانا من قبل الدكتور محمد كمال كرئيس اللجنة الإدارية العليا أو مسئولين في المكاتب الإدارية في المحافظات إذا سمعوا عن أي مظهر مسلح، باعتبار ذلك ليس من نهج الجماعة ولم يتم الاتفاق والاصطلاح عليه، وعليه تم إصدار توجيهات واضحة خاصة منذ شهر سبتمبر ٢٠١٣ بمنع أي مظهر مسلح، وعدم السماح باستخدام الأسلحة النارية والتأكد من أي أحد تثار حوله شبهة هذا الأمر أنه تم التخلص منها تماما والتعهد بذلك بعد تشكيل لجنة تحقيق[39]، كما أكد أحد أعضاء الجماعة حين حضر بعض الاجتماعات التشاورية مع أعضاء اللجنة الإدارية العليا وفي حضور الدكتور محمد كمال: “حضرت بنفسي اجتماع حضر فيه الدكتور محمد كمال وبعض أعضاء اللجنة الإدارية العليا، وكان هناك أفراد من الجماعة يطلبون الإذن في القصاص وكان رافضا بشدة، ومع إلحاح بعض الأفراد عليه استمر في رفضه وأنه غير مستعد ليقف أمام الله متحملا هذه الدماء”[40].

لقد تعرضت الجماعة وأنصارها لموجة عنف وقمع غير مسبوقة كانت متصاعدة تدريجيا منذ عهد الرئيس مرسي، وبلغت ذروتها بفض اعتصام رابعة، واستمرت القسوة أكثر بعد فض الاعتصام، وكانت الإصابات والدماء على يد البلطجية أو قوات الأمن أمرا يصعب احتماله لدى الكثيرين، وكانت بعض المجموعات الفردية في محافظات مختلفة تحاول التفكير في حماية نفسها أو حماية المتظاهرين باستخدام بعض الأدوات البسيطة مثل الألعاب النارية “الشماريخ” أو أحيانا “الخرطوش” أو أحيانا بعض الأسلحة الخفيفة، وبحسب الكثير من المشاهدات في هذا الوقت فقد كانت هذه الأعداد محدودة جدا، وبحسب بعض الروايات والمشاهدات فإن محافظة مثل محافظة الاسكندرية مع كثافة الإخوان فيها ووهج وقوة الحراك الاحتجاجي فيها فقد كانت هذه المجموعات الفردية أمام أفواج من البلطجية المدعومة من قوات الداخلية لا تتعدى الـ ١٠ أفراد أو الـ ٢٠ فردا، يحاولون حماية التظاهرات والاحتجاجات فقط إذا تعرضت للهجوم من البلطجية أو قوات الأمن، وكان غالب التفكير ينصب على إطلاق طلقات نارية في الهواء لتأخير تدفق واندفاع قوات الأمن والبلطجية حتى تتمكن المظاهرة من المرور أو الانسحاب، لكنهم كانوا يضطرون -مع حالة الاندفاع من قبل مجموعات البلطجية المنظمة وقوات الأمن واستخدامهم المفرط والعنيف للرصاص والخرطوش- إلى الاشتباك خوفا من وقوع أعداد كبيرة من الشهداء.

هذا العنف وحالة القسوة الأمنية ساعدت في خلق مناخ من السيولة لدى بعض الشباب التي لم تكن تقبل الموت أو الإصابة بهذه السهولة، وكانت مشاهد العنف وقصصها مؤلمة، وكانت هي الدافع لقبول كثير من الإخوان للأمر الواقع، فهم عمليا تحت القمع والاستباحة، ويمتلك كل فرد من الإخوان قصصا مؤلمة عن هذه الفترات القمعية من اعتقال أو سحل أو تنكيل أو تمثيل بجثة، أو “ثبوت حالة اغتصاب تعرضت لها عضوة بالجماعة في محافظة القاهرة في مدينة نصر من قبل ضابط”[41].

عندما تم اتخاذ قرار ما سمي بـ “خيار العمل النوعي” والتركيز على عنصر الإرباك والدفاع لم تكن اللجنة هنا تستحدث شيئا من العدم، بل كانت هناك حالة سيولة وغضب واستباحة واشتباكات في الميادين نتيجة لهذه الاستباحة الأمنية (لكنها كانت محدودة الأعداد مقارنة بأعداد المتظاهرين أو أعداد قوات الأمن أو البلطجية)، وبالتالي كان كثير من دور اللجنة في هذا التوقيت هو محاولة الاتصال بأفراد أو مجموعات كانت تعمل وسط هذه السيولة والتنسيق معها، وكانت تقوم عمليا بمتابعة ما يحدث على الأرض فعليا وليس استحداثه من العدم.

كانت الجماعة ما تزال تدار من خلال مكاتب المحافظات وهناك بعض اللجان المركزية مثل الإعلامية مثلا تدار من قبل اللجنة الإدارية العليا مباشرة، لكن غالب العمل المتعلق بالحراك الثوري يدار من خلال المحافظات وفق توجهات الإدارة العليا، وشُكّلت هيئة مسئولة عن الإشراف والمتابعة لهذا الملف، لكنها لم تكن ذات قبضة إدارية مركزية قوية، بل كانت تعتمد غالبا على المجهود اللامركزي لكثير من شباب وأعضاء الجماعة في المحافظات.

تُرْجِمَتْ هذه التوجهات في خطة جديدة سميت بخطة الإرباك والإنهاك: “دخلت فكرة الرؤية في الإنهاك والإفشال تقريبا في شهر سبتمبر ٢٠١٤، وتمت لقاءات تشاورية مع مسئولي المحافظات ومع لجان الجماعة واتفقوا على سبل تقوية الحراك الشعبي السلمي خاصة مع الاستعداد لذكرى يناير ٢٠١٥، وما يمكن أن يكون حماية للمظاهرات السلمية، وخرجت شعارات مثل ما دون الرصاص فهو سلمية، وتم الاتفاق على التقييم بعد ثلاثة شهور أو بعد انتهاء فاعليات ذكري يناير”[42].

 الإخوان تعلن "محمد منتصر" متحدثا رسميا لها
الإخوان تعلن “محمد منتصر” متحدثا رسميا لها

نشطت الجماعة في الفاعليات الثورية السلمية وازدادت جرأة وشجاعة المتظاهرين وعادت الأعداد الجماهيرية الضخمة للظهور مرة أخرى في ذكرى يناير ٢٠١٥، وحاول كثير من أعضاء الجماعة في محافظات مختلفة خلق أفكار تتعلق بالإرباك حسب تفكير كل مجموعة أو كل محافظة، فبعض المحافظات زادت جدا من أفكار قطع الطرق ومحاولة الهجوم -بدافع التخويف والإرباك- على بعض كمائن الشرطة التي تتربص وتساعد في الهجوم على التظاهرات السلمية، “ورأي البعض أن فيها الكثير من التجاوزات”[43]، كما ذكر البعض أنه حصل توسع في قطع الطرق أو استهداف كمائن أو استهداف بعض محولات الكهرباء لإحداث أزمات[44]، ولم يكن هناك في الخطة المركزية أي توجيه بالاستهداف، وكان هذا عملا مرفوضا[45]، لكن خضع التنفيذ لطبيعة الأشخاص واللجان في مختلف المحافظات ولم يكن هناك تحضير مركزي شامل لكل شيء[46].

في هذه الأجواء كانت اللجنة الإدارية العليا تتلقى الكثير من المقترحات المتعلقة بالإخوان في الخارج، ولأول مرة يكون هناك إخوان مصريون خارج مصر يعملون بشكل سياسي وإعلامي وقانوني ظاهر ومعلن للحالة المصرية، وكان هذا الأمر يتم بشكل تنسيقي بين أبرز القيادات التي خرجت من مصر قبيل أو بعد أحداث الثالث من يوليو ٢٠١٣، ومنهم الدكتور محمود حسين -عضو مكتب الإرشاد والأمين العام للجماعة حتى وقت سفره للخارج- والدكتور عمرو دراج -وزير الاستثمار في عهد الرئيس مرسي وعضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة- والقيادي الدكتور محمد جمال حشمت والقيادي المهندس أشرف بدر الدين وآخرون، كما كان هناك الأستاذ جمعة أمين -نائب المرشد العام الذي خرج من مصر قبيل الثالث من يوليو متوجها إلى لندن-، وأرادت اللجنة الإدارية العليا أن تنظم هذا العمل في الخارج ويكون تابعا لها بشكل مباشر، ويكون مجلسا منتخبا من قبل الإخوان الذي اضطروا للخروج خارج مصر بسبب أحداث الثالث من يوليو ٢٠١٣.

ومع اقتراب ذكري يناير وتحديدا في يوم ١٩ يناير ٢٠١٥، انتهى تشكيل ما عرف بمكتب الإخوان بالخارج أو مكتب إدارة الأزمة بالخارج واختير الدكتور أحمد عبد الرحمن مسئولا له[47]، كما أقدمت اللجنة الإدارية العليا على تعيين متحدث شاب للجماعة بعد أن عانت الجماعة من غياب أي متحدث رسمي لها، واختارت شابا يحمل اسم “محمد منتصر” كمتحدث رسمي باسم الجماعة[48].

انتهى عام ٢٠١٤ واستقبلت الجماعة عام ٢٠١٥ بتماسك قيادي في هيكل الجماعة وتصورا لاستراتيجية، وخطة هدفها تدعيم الحراك الاحتجاجي الشعبي وحمايته من القمع، والعمل على إرباك البلطجية وقوات الأمن والسلطة الحاكمة، ومحاولة التأثير على الوضع السياسي لفتح أفاق لتغيير المشهد السياسي للأفضل.

ثالثا: ظهور الخلاف التنظيمي الداخلي وتطوره إلى الانقسام:

 محمود حسين : لا زلت أمينا عاما لجماعة الإخوان المسلمين
محمود حسين : لا زلت أمينا عاما لجماعة الإخوان المسلمين

دخلت الجماعة عام ٢٠١٥ بحالة معنوية كبيرة: قيادة متماسكة، واختيار متحدث شاب من داخل مصر، وانتخاب مكتب يعبر عن الجماعة بالخارج، وتصور لتدعيم الحراك الثوري وحمايته في يناير ٢٠١٥، لكن هذا العام حمل الكثير من المفاجآت المتعلقة بالخلافات القيادية وبدت الخلافات الداخلية أمرا أكثر إلحاحا وفرضت نفسها على كل الجماعة بالداخل والخارج على حساب محاولات التفكير في تطوير فاعلية الجماعة لإحداث تغيير سياسي.

ثلاثة مواقف كبرى أظهرت عمق هذا الخلاف وصعوبة تجاوزه:

الأول: في ٢٤ مايو ٢٠١٥ تداول أعضاء الجماعة قرارا أصدره الدكتور محمود عزت نائب المرشد العام للجماعة بحل اللجنة الإدارية العليا برئاسة الدكتور محمد كمال، وتشكيل لجنة جديدة برئاسة الدكتور محمد عبد الرحمن وبقاء الدكتور محمد كمال عضوا فيها -وليس مسئولا-، كما قرر أن يكون مكتب الإخوان بالخارج أو مكتب إدارة الأزمة بالخارج -المنتخب حديثا- تابعا لإدارة رابطة الإخوان المصريين بالخارج (والمقصود الإدارة التي تنظم شئون الإخوان المصريين الذي خرجوا خارج مصر، ولم تكن في السابق معنية بالعمل السياسي تجاه الوضع في مصر ولم يكن لها أي صلاحيات في هذا الشأن خلال تاريخ الجماعة والتي أصبح يمثلها مكتب الإخوان في لندن متمثلا في الأستاذ إبراهيم منير)، ولا يكون تابعا للدكتور محمد كمال أو اللجنة الإدارية العليا بالداخل، وتعيين عضوين جديدين فيهما حددهما الدكتور محمود عزت من رابطة الإخوان (التابعة لمكتب لندن)، كما قرر التحقيق في ممارسات اللجنة الإدارية السابقة وأي تجاوزات صدرت برئاسة الدكتور محمد كمال، وبحسب أعضاء من مجلس شورى عام الجماعة المؤيدين لقرارات الدكتور محمود عزت فقد تم اعتماد هذه القرارات من قبل مجلس شورى عام الجماعة بالتمرير -لصعوبة الاجتماع في هذه الظروف الأمنية- في ١٠ يوليو ٢٠١٥.

وبحسب أعضاء مقربين من اللجنة الإدارية العليا برئاسة الدكتور محمد كمال وأعضاء بمجلس شورى عام الجماعة، فقد كان للدكتور محمد كمال طعن على هذا الاجتماع، أولا لأنه صدر من غير ذي صفة باعتباره هو المسئول عن اللجنة الإدارية العليا المعتمدة من قبل مجلس الشورى، والدكتور محمود عزت هو نائب للمرشد العام لكنه لا يقوم بإدارة اللجنة فعليا أو حضور اجتماعاتها، كما أنه قدم طعنا يتعلق بخلل الإجراءات وأن ما قيل أن مجلس شورى عام الجماعة تم اعتماده غير صحيح بسبب وجود تجاوزات ومخالفات وأعضاء لم يتم إخبارهم عن هذا الاجتماع.

 محمود عزت يفتتح "إخوان سيت"
محمود عزت يفتتح “إخوان سيت”

الثاني: أصدر الدكتور محمود حسين بيانا أكد فيه أن نائب المرشد العام للجماعة -يقصد الدكتور محمود عزت- هو من يدير الجماعة وهو يقوم مقام المرشد العام للجماعة، ووقع البيان بـ محمود حسين أمين عام الجماعة، وصدر الرد المضاد له من قبل محمد منتصر المتحدث الشاب للجنة الإدارية العليا من داخل مصر: “الجماعة أجرت انتخابات داخلية وقامت بانتخاب لجنة لإدارة الأزمة، وكانت نتيجة هذه الانتخابات استمرار الدكتور محمد بديع في منصب المرشد العام للجماعة، وتعيين رئيس للجنة إدارة الأزمة، وتعيين أمين عام للجماعة لتسيير أمورها (بدلا من الدكتور محمود حسين). كما قامت الجماعة بانتخاب مكتب إداري لإدارة شؤون الإخوان في الخارج”[49]، وصرّح الدكتور محمود حسين ردا على ذلك أنه ما زال هو الأمين العام للجماعة[50].

الثالث: أعلن مكتب رابطة الإخوان المصريين بالخارج في لندن في ١٤ ديسمبر ٢٠١٥ إقالة محمد منتصر وتعيين طلعت فهمي متحدثا باسم الجماعة[51]، ثم تبع ذلك إعلان موقع رسمي جديد للجماعة وصفحات تواصل اجتماعي جديدة تمثل الجماعة، تختلف عن الموقع والصفحات الأخرى التي تديرها اللجنة الإدارية العليا والفريق المقرب والمحسوب على الدكتور محمد كمال[52]، ثم أصدرت اللجنة الإدارية العليا (مجموعة الدكتور محمد كمال) بيانا أكدت فيه استمرار محمد منتصر متحدثا باسم الجماعة[53].

إرهاصات الخلاف:

منذ أغسطس ٢٠١٤ عاد الهيكل التنظيمي للجماعة في حالة انهماك عملي وتشغيلي مع الاستعداد لموجات التظاهر والاحتجاج في ذكرى يناير ٢٠١٥ ومحاولة دعم وحماية هذه الاحتجاجات من التدخلات القمعية العنيفة، ومحاولة إرباك الأجهزة الأمنية والقمعية وكذلك السلطة السياسية أملا أن يكون ذلك سببا في إحداث تطور في المشهد السياسية أو حلحلة يمكن للجماعة أن تستفيد منه سياسيا.

كانت الهياكل التنفيذية في مكاتب إدارة الجماعة في المحافظات أو لجان العمل المركزية كالإعلام والشباب والحراك الثوري تتحرك بسلاسة وتناغم، وبحسب وصف أحد قيادات هذه اللجان المركزية: “كنا في حالة انهماك وتركيز شديد بالتفاصيل وكان همنا أن تكون موجة تظاهرات يناير قوية ومؤثرة، ولم نشعر أن ثمة تباينات أو تحفظات على هذه الخطة إلا بعد يناير ٢٠١٥ وفي بعض جلسات التقييم، حيث ظهر لي لأول مرة أن هناك من كان متحفظا أو رافضا لهذه الخطة رغم اتفاق الأغلبية على ذلك”[54].

موقع "الإخوان" الرسمي: "منتصر" ما يزال متحدثًا إعلاميًا والجماعة تدار من الداخل
موقع “الإخوان” الرسمي: “منتصر” ما يزال متحدثًا إعلاميًا والجماعة تدار من الداخل

كانت جلسات التقييم هي بداية شعور قيادات وسيطة بوجود بعض التباينات بين بعض أعضاء اللجنة الإدارية العليا، وهو ما استدعى في جلسات التقييم إعادة التفكير في التوجه والاستراتيجية وطريقة توجيه الجماعة في هذه المرحلة، واعتبار الأمر ليس مجرد توجه تم حسمه وإنما هناك حاجة لإعادة التفكير بشكل مستمر في التوجهات والخيارات بغض النظر عن الأقلية والأغلبية، فبحسب وصف أحد القيادات عما سمعه من هذه التحفظات: “وسمعت لأول مرة في هذا التوقيت أن الدكتور محمد سعد عليوة عضو اللجنة الإدارية العليا وأحد أعضاء مكتب الإرشاد كان يرى أن هذا القرار كان غير حكيم ولم يكن مدروسا”[55].

كانت هناك بعض الإشارات ومقدمات إخوانية يمكن ملاحظتها تشير لإرهاصات هذا الخلاف، منها بعض الرسائل بين الأستاذ جمعة أمين نائب مرشد عام الجماعة -والمقيم في لندن بعد خروجه من مصر في يونيو ٢٠١٣- وبين قيادات في اللجنة الإدارية بالداخل حول بعض التوجهات خاصة المتعلقة بتشكيل مكتب منتخب للجماعة بالخارج والذي عرف لاحقا بمكتب إدارة الأزمة بالخارج أو مكتب الإخوان المسلمين بالخارج، وبحسب تأكيد أحد القيادات -الذي اطلع على هذه الرسائل بنفسه-: “أنها كانت تحمل ضمنيا إحالة الأستاذ جمعة أمين وبعض قيادات الجماعة مثل الدكتور محمود حسين إلى أدوار استشارية في هذه المرحلة، وهو ما كان أمرا شديدا وغير ملائم، كما أن الرسالة كانت تحمل أحيانا لغة قاسية لهذه القيادات”[56]، وكان آخر خطابات الأستاذ جمعة في ٢٧ ديسمبر ٢٠١٤ تحمل رسالة عما يمكن أن تشهده هذه الخلافات لاحقا فقد ذكر بحسب وصف أحد القادة المطلعين على هذه الرسالة الأخيرة: أن من كتب هذه الرسائل له “ليسوا هم الإخوان الذين يعرفهم وكان يجلس معهم، وأن هذه الرسائل تحمل كلاما خطيرا، وأعلن انسحابي ومكوثي كجندي أطيع الأوامر وأدعو لمن يقوم بالإدارة الآن بالتوفيق والسداد”[57]، كان الأستاذ جمعة أمين حريصا على التأكد من أن هذه الإجراءات والانتخابات تتم بعلم وموافقة الدكتور محمود عزت[58]، وهو ما سيكون له دور لاحق في التأثير على قيادات أخرى عندما يصبح للدكتور محمود عزت نائب المرشد العام للجماعة والمقيم داخل مصر رأي آخر يختلف مع القيادات الأخرى.

كما أكد أحد مسئولي اللجان المركزية للجنة الإدارية العليا في حديث ذكره له أحد أعضاء اللجنة الإدارية العليا عن بعض رسائل الأستاذ جمعة -والتي كانت تحمل كما يرى محاولة للدخول في تفاصيل كثيرة تتعلق بالواقع على الأرض- وكان رده: “لا نحتاج منكم غير الدعاء وليس المتابعة والتقييم”[59]، وكان يظهر أن هناك محاولات مبكرة للتدخل في عمل اللجنة الإدارية العليا أو محاولة التأثير عليها ثم تطور إلى عدم القبول بها، كما ظهرت في محاولات الأستاذ جمعة بشكل مبكر وقبل ذكرى يناير ٢٠١٥ أن يظهر ويتحدث إلى وسائل الإعلام دون تنسيق أو إخبار اللجنة الإدارية العليا بالداخل.

تصاعد الخلاف:

القبض على الإخوانيين محمود غزلان وعبدالرحمن البر
القبض على الإخوانيين محمود غزلان وعبدالرحمن البر

لم تكن هذه التباينات في بدايتها تحمل شكلا انقساميا، فقد كان الخلاف في وجهات النظر حول طبيعة إدارة الجماعة واستراتيجيتها أمرا طبيعيا وسط بيئة صعبة وقمعية ضاغطة على الهيكل التنظيمي، لكن مع استمرار التباينات والخلافات وعدم القدرة على التفاهم، انتقلت الخلافات إلى الآليات التنظيمية نفسها والمرجعيات العليا التي توجه هذه الآليات التنظيمية، وهنا تحولت الخلافات إلى أزمة حقيقية، فإذا كانت شرعية اللجنة الإدارية العليا ورئيسها الدكتور محمد كمال مستمدة من اجتماع الشورى في فبراير ٢٠١٤، فوقت الخلاف يتم البحث عن جهة أخرى تكون أعلى منها -مثل الدكتور محمود عزت- ويمكنه حل هذه الشرعية بخطاب واحد، وهنا فجأة تصبح الإدارة العليا في حالة صدمة أن الدكتور محمود عزت النائب العام الذي أقر شرعيتهم ولم يكن مشاركا في الإدارة هو المرجعية العليا وفوق كل ما تم إقراره من آليات، وأمام الخلاف حول المرجعيات العليا في التنظيم فسيتم تصاعد الصراع على من يتبع دعوات الدكتور محمود عزت والشورى الذي دعا له الدكتور محمود عزت ومن يتبع الطعن الذي رآه وقدمه الدكتور كمال عن خلل هذه الدعوات والإجراءات.

هذا الجوهر من المستحيل حله ما لم تتفق النخبة القيادية على حل مشاكلها بطريقة يقبلها الجميع ويمكن للطرفين تقديم تنازلات، ليعود النقاش داخل الجماعة حول فاعلية الجماعة وتأثيرها السياسي، بدل أن يصل إلى مَن الأحق بشرعية القيادة ومن انحرف.

هذا الوضع صعّب وجود أي بوادر للحل ما دام الأصل هو عدم الثقة والاتهام بالانحراف وحسم الآلية التنظيمية العليا التي سيحتكمون لها (فالانتخابات الشاملة في هذا التوقيت يراها الطرف الرافض لإدارة الدكتور محمد كمال ستفرز نفس الوضع، والاحتكام لمرجعية فرد واحد فوق الجميع تهدر كل العمل المؤسسي الجماعي)، فالطرف القديم يرى أن الشرعية العليا للتنظيم هي أولا للدكتور محمود عزت بالداخل والأستاذ إبراهيم منير بالخارج، وأن هذا هو أول مدخل للتفاهم والقبول بقراراته، والطرف الآخر يرى أن الخطوة الأولى هي الاحتكام لجمهور الإخوان وإجراء انتخابات وهذه الانتخابات هي التي تفرز قيادة لها صلاحية عليا في الجماعة، وهاتان النقطتان لا تلتقيان.

من هنا مهما تغير المشهد الإجرائي على الأرض فقد ظلت أزمة الخلاف في حالة تصاعد، فعلى سبيل المثال إذا تم الاحتجاج أن بعض أعضاء مكتب الإرشاد الذي كانوا مختفين لظروف تتعلق بصعوبة حركتهم وتواصهم الأمني ولم يكونوا فعليا ضمن اللجنة العليا (مثل الدكتور عبد الرحمن البر أو الدكتور محمود غزلان أو المهندس عبد العظيم الشرقاوي) لكن ذلك لا يلغي مسئولياتهم كما صرح أحد المسئولين بذلك: “قلة أو صعوبة حركة عضو من أعضاء مكتب الإرشاد لا تعني أنه أصبح غير مسئول، فالمسئولية تبقى ولا يمكن اعتباره خارج الإدارة”[60]، فقد اعتقل الدكتور عبد الرحمن البر والدكتور محمود غزلان في الثاني من يونيو ٢٠١٥[61] وكذلك المهندس عبد العظيم الشرقاوي[62]، ثم اعتقل الدكتور محمد سعد عليوة في الثامن عشر من يونيو ٢٠١٥[63]، وقبلهم في الثامن والعشرين من مايو أثناء محاولاته حل الأزمة والتقريب بين المجموعتين اعتقل الدكتور محمد طه وهدان[64]، ولم يبق إلا ثلاثة أعضاء فقط من أعضاء مكتب الإرشاد (الدكتور محمود عزت والدكتور محمد عبد الرحمن والدكتور محمد كمال رئيس اللجنة الإدارية العليا التي تدير الجماعة منذ فبراير ٢٠١٤)، رغم ذلك لم يكن ذلك عاملا مساعدا على التقارب، لأن جوهر الأزمة كان الحسم السريع لمرجعية عليا للتنظيم هل هي للدكتور محمود عزت أم لمؤسسات منتخبة تأخذ شرعية القيادة تحت مناخ إدارة الدكتور محمد كمال.

وأكثر ما يوضح هذا الأمر مثالان:

الأول: فكرة تعديل لائحة الجماعة والتمهيد لاختيار قيادة جديدة:

نجل محمد وهدان لـ”رصد”: والدي اعتقل من الشارع ولا نعرف مكانه
نجل محمد وهدان لـ”رصد”: والدي اعتقل من الشارع ولا نعرف مكانه

في نهايات عام ٢٠١٤ ومع ظهور بعض التباينات بين أعضاء مكتب الإرشاد (خاصة رفض الدكتور عبد الرحمن البر ومعه الدكتور محمود غزلان والمهندس عبد العظيم الشرقاوي وكذلك تحفظ المهندس محمد سعد عليوة على خطة أغسطس ٢٠١٤)، ظهرت فكرة من أحدهم أن الجماعة بحاجة لبعض التعديلات اللائحية والتي بالضرورة ستتطلب اختيارا لقيادة جديدة للجماعة فور إقرارها، لكن لم يترتب على هذه الأفكار أي شيء، وكان أعضاء اللجنة الإدارية العليا متفقين على مناقشة هذا الأمر والاستعداد له لكن بعد انتهاء موجة فاعليات ذكرى يناير، وتم التوافق على ترك الأمر حتى انتهاء ذكري يناير والفاعليات المصاحبة لهذه الذكرى، وخلال تقييمات ما بعد ذكرى يناير يمكن إعادة طرح الفكرة مرة أخرى.

بعد انتهاء يناير ٢٠١٥ والفاعليات الاحتجاجية المصاحبة للذكرى، وبدأ التفكير في التقييمات وأيضا إعادة طرح وجهات النظر المختلفة، وكان من ضمنها فكرة التعديلات اللائحية وظلت أكثر من شهرين أو ثلاثة في محاولات التفكير وشكلوا لجنة برئاسة الدكتور محمد سعد عليوة وعضوية الأستاذ حسين إبراهيم والدكتور علي بطيخ، لكن ما حدث أن الدكتور عبد الرحمن البر الذي كان متحمسا لفكرة التعديلات اللائحية أصبح -بعد انتهاء الإدارة من بلورة تصورات عن هذه التعديلات- رافضا للفكرة، وكانت هناك مسودتان مقترحتان، واحدة تحمل تصورا عن التعديلات يتعلق بتقليص أعداد مكتب الإرشاد وأعضاء شورى عام الجماعة وعمل انتخابات قاعدية شاملة تختار قيادات المحافظات ومجالس شورى المحافظات ومنها يتم انتخاب القيادة الجديدة ونائب جديد للمرشد العام (انتخابات شاملة من القاعدة للرأس)، والمسودة الأخرى ترتكز على عدم اللجوء لانتخابات قاعدية شاملة والاكتفاء بمجالس شورى الجماعة الحالية والانتخاب من خلالها، وكان الاتجاه العام في المكاتب الإدارية في المحافظات يتفق مع المسودة الأولى.

في هذه الأثناء زادت وتيرة عدم الثقة بين الدكتور محمود عزت ومن يتواصلون معه من الداخل والخارج في إدارة الدكتور محمد كمال (وبالتالي خلق لديهم شعورا بعدم ضرورة أخذ أي إجراء تغييري يتعلق بالجماعة أو قيادتها تحت هذه القيادة)، أمام ذلك كان الأستاذ حسين إبراهيم قد حسم أمره وشعر بالغضب ولم يجد بُدا من حسم هذا التباين إلا بإجراءات تنظيمية، فجمع توقيعات كافية بحسب اللائحة الإخوانية والتي بمقتضاها يمكن للجنة الإدارية العليا أن تباشر التجهيز للتعديلات اللائحية المقترحة، وبحسب تأكيد أحد القيادات المقربة من الأستاذ حسين إبراهيم “جمع الأستاذ حسين إبراهيم التوقيعات المطلوبة (أكثر من ٢٠ توقيع من أعضاء شورى عام الجماعة)، واضطر لاتخاذ إجراءات لائحيه بسبب رفض الدكتور عبد الرحمن البر للفكرة”[65]، وبدا أن أي وسيلة قد يلجأ لها مجموعة الدكتور محمد كمال لن تكون مقبولة، وقد نقل عن الدكتور محمد كمال أنه أخذ موافقة من أمكن التواصل معهم من مجلس شورى عام الجماعة -بالتمرير- على المضي قدما في إجراءات تعديل اللائحة، وهو ما أدى لتصاعد الإجراءات في مايو ٢٠١٥ من قبل دعوة الدكتور محمود عزت اللجنة الإدارية العليا للانعقاد برئاسته (وهو ما اعتبره الدكتور محمد كمال ليس مخولا بذلك) وتم اتخاذ قرارات (من قبل الدكتور محمود عزت) بتغيير اللجنة الإدارية وأن يصبح الدكتور محمد عبد الرحمن رئيسها (خاصة بعد اعتقال الدكتور محمود غزلان والدكتور عبد الرحمن البر والمهندس عبد العظيم الشرقاوي والدكتور محمد طه وهدان) بدلا من الدكتور محمد كمال، مع إجراء تحقيق في ممارسات الإدارة السابقة التي كانت برئاسة كمال، وسعى لاعتماد ذلك بالتمرير الفردي على أعضاء مجلس الشورى الذين أمكنه التواصل معهم، وقد طعن الدكتور كمال في ذلك وأن هذه الإجراءات ليست صحيحة.

الثاني: الاتفاق على أن تنتخب القطاعات الجغرافية للجماعة[66] لجنة إدارية جديدة وينتهي الخلاف:

 محمود عزت يعلن تشكيل لجنة إدارية جديدة للإخوان المسلمين
محمود عزت يعلن تشكيل لجنة إدارية جديدة للإخوان المسلمين

بعد قرارات الدكتور محمود عزت في مايو ٢٠١٥، وبعد تصاعد الضربات الأمنية ثم إقدام الأمن المصري على تصفية ١٣ قياديا من الجماعة، ومنهم المهندس عبد الفتاح السيسي الأمين العام للجنة الإدارية العليا، زادت الضغوط الأمنية على اللجنة الإدارية العليا واضطر بعضهم للسفر أو الابتعاد.

تواصل ممثلا قطاعيْن من القطاعات السبعة مع الدكتور محمود عزت، وأعلنا هذا بشكل واضح فيما يشبه أن يكون انحيازا لقرارات عزت وابتعادا عن اللجنة الإدارية العليا التي يشرف عليها الدكتور محمد كمال والتي ما زالت ترفض قرارات الدكتور محمود عزت، بالإضافة إلى ممثل قطاع ثالث تواصل أيضا مع الدكتور محمود عزت ولكنه أخفى تواصله هذا عن إدارة التنظيم في محافظته وعن الدكتور محمد كمال أيضا.

وكمعالجة لبداية هذا الانشقاق حث الدكتور محمد كمال القطاعات التابعة له (خمسة قطاعات، منهم واحد يتواصل سرا مع الدكتور محمود عزت) على أن يقوموا بانتخاب مسؤولين جدد لتمثيل هذه القطاعات ثم يحاولون الجلوس مباشرة مع الدكتور محمود عزت (الذي قرر في السابق تشكيل لجنة إدارية جديدة واختيارها من القطاعات الجغرافية)، وربما التوصل لاتفاق جديد، كانت إدارة الدكتور محمد عبد الرحمن تسعى لتشكيل لجنة إدارية جديدة -تنفيذا لقرار الدكتور محمود عزت- وكانت تحاول مراجعة إجراءات الانتخابات التي تتم في القطاعات قبل أن تختار أي ممثل، وظل هناك حالة من الشد والجذب والتفاوض والحذر من قبول حضور ممثلي هذه القطاعات (المقربين من الدكتور محمد كمال حتى لو تم انتخاب ممثلين جدد لهذه القطاعات، وكان عددهم 4 قطاعات فقط إضافة للقطاع الخامس الذي كان على اتصال سري بإدارة الدكتور محمود عزت) حتى يُسمح لهم بالجلوس في اللجنة الإدارية العليا الجديدة مع الدكتور محمد عبد الرحمن (التابع للدكتور محمود عزت)، وعند أول التئام لهم -وبدون حضور الدكتور محمود عزت- وبرئاسة الدكتور محمد عبد الرحمن جرى الخلاف على اللجان المركزية الأخرى التي سيختار تعيينها (والتي ستؤثر في أغلبية التصويت داخل اللجنة الإدارية)، وبأغلبية الحضور اتفقوا على اختيار لجنة الشباب والحراك (والتي كانت أقرب للإدارة السابقة للدكتور محمد كمال) بدل اللجان الأخرى المقترحة من قبل الدكتور محمد عبد الرحمن (والذي كان راغبا في لجنة التربية ولجنة الخطة المقربة منه ومن الدكتور محمود عزت)، وتم إقرار ذلك والتأكيد عليه في الاجتماع الثاني والذي حضره الدكتور محمد كمال وبرئاسة الدكتور محمد عبد الرحمن واتفقوا على هذا التشكيل بعدد أصوات ٧ (منهم الدكتور محمد كمال) مقابل ٤ (منهم الدكتور محمد عبد الرحمن)، كما أثير موضوع اختيار رئيس اللجنة هل يكون وفق قرار الدكتور محمود عزت أم وفق انتخاب واختيار وتوافق أعضاء اللجنة، ومن هنا فقد الدكتور محمود عزت أغلبية التأثير على هذه اللجنة الإدارية العليا (٥ قطاعات إضافة إلى ٣ لجان) تضمن الأغلبية أمام رئيس اللجنة محمد عبد الرحمن وثلاثة قطاعات، وبالتالي لم يهدأ الصراع ولم يكن حل انتخاب قيادات جديدة تمثل كل القطاعات الجغرافية حلا للأزمة والصراع الداخلي، وفي ديسمبر ٢٠١٥ تم الإعلان من قبل الدكتور محمد عبد الرحمن (المقرب من الدكتور محمود عزت عن حل هذه اللجنة الإدارية العليا الثانية، وتم الإعلان من قبل مكتب لندن (المقرب من الدكتور محمود عزت) عن تعيين متحدث جديد (الأستاذ طلعت فهمي) وإيقاف محمد منتصر (المتحدث المقرب من إدارة الدكتور محمد كمال) والإعلان عن موقع رسمي وصفحات رسمية غير تابعة للمجموعة المقربة من الدكتور محمد كمال والبدء بإجراءات تحقيق وإيقاف للمحسوبين على إدارة الدكتور محمد كمال”[67].

هذان الموقفان يبينان أن الخلاف انتقل من وجهات نظر حول فاعلية الجماعة واستراتيجية حركتها إلى حسم جهة الإدارة العليا التي عليها أن تدير هذا النقاش، وبالتالي من له حق التحكم في تقييم أو استمرار أو التحقيق مع اللجنة الإدارية العليا، وبحسب أحد القيادات المحسوبة على الدكتور محمود عزت في وصفها لجوهر الأزمة: “جوهر الأزمة أن مجموعة من الناس في اللجنة الإدارية المقربة من الدكتور محمد كمال أعطت نفسها حق إدارة الجماعة بدون وجه حق”[68]، فالخلاف هنا حول من يتحكم في الدفة القيادية للجماعة التي تقرر متى تدعو للانتخابات أو متى تكون غير جاهزة، ومن له صلاحيات الاختيار والتعديل على الإدارة التنفيذية للجماعة. ومع التخوفات من محاولات التفكير نحو التطوير أو تجريب التطوير سواء كانت في صورة قيادات إعلامية او قيادات تمثل الإخوان بالخارج أو انتخابات قد تفضي لمكتب إرشاد جديد أو التفكير في استراتيجيات وأساليب أخرى للجماعة، فإن هناك خوفا فطريا لدى الكثير من القيادات التاريخية التي اعتادت على المركزية والحذر الفطري خاصة في أوقات الأزمات والضغوط والقمع، وجعلتها خائفة من محاولات تجريب التطوير ووضعت أولوياتها في حسم دفة توجيه الجماعة أولا واستعادة البيئة التنظيمية المناسبة لهذه القيادات.

على هذا الأساس استمر الصراع الداخلي والضغط بالآليات والأدوات التنظيمية، واستمرار الطعن في شرعية كل طرف، والعمل على تقويض إدارة الدكتور محمد كمال وكل من ينتمي لها، حتى أخذ هذا الصراع منحى تصاعديا بدءا من يونيو ٢٠١٥ بعد قرار الدكتور محمود عزت وما قيل أنه تم التصديق عليه من شورى عام الجماعة وبحسب تصريحات الدكتور محمد عبد الرحمن عن هذه الإجراءات فقد شملت: “إيقاف عدد من أعضاء اللجنة وآخرين لمدة تتراوح بين شهرين وثمانية أشهر”[69]، وتصاعد الأمر وصولا إلى ١٤ ديسمبر ٢٠١٥ ليأخذ شكلا انقساميا معلنا بإقالة محمد منتصر وتعيين طلعت فهمي متحدثا باسم الجماعة[70]، ولأول مرة يجد عضو الجماعة نفسه أمام طرفين كل واحد يعلن نفسه أنه القيادة وكل طرف يعلن نفسه متحدثا رسمي ويعلن مواقف وصفحات إعلامية رسمية مختلفة عن الطرف الآخر.

التقييمات التي كانت بعيدة عن الخلافات القيادية:

لم تكن هذه الخلافات القيادية الكبيرة هي كل ما يدور بالجماعة، فقد كان هناك الكثير من ورش التقييم والتفكير تدور داخل الجماعة، سواء تقييم خطة وتصورات أغسطس ٢٠١٤، أو ما يتعلق بطريقة سير الجماعة في هذا التوقيت، لكن خلافات القيادة أضعفت هذه التقييمات، وتسببت في مد حالة السجال والمناقشات وإضعاف روح الفاعلية لدى أعضاء الجماعة وبحسب تعليق أحد القيادات: “من شهر أبريل ٢٠١٥ وبسبب النقاشات والخلافات فإن غالب حركة التنظيم التنفيذية بدأت تتوقف، خاصة مع تصاعد الاعتقالات المؤثرة في كل هياكل الجماعة”[71]، هذه الخلافات جعلت ما يدور من نقاشات وتقييمات تبدو وكأنها مسيسة وغير موضوعية، فكأنها موجهة من قبل طرف ما، فهناك طرف يدعو للتحقيق في تجاوزات، وهناك طرف يقوم بعملية تقييم، وهو ما يعكس سجالا يؤثر على الأفراد وعلى طريقة تعاطي المكاتب الإدارية واللجان المركزية للجماعة.

كان من الطبيعي أن تجلب هذه التجربة مناقشات وسجالات -خاصة بعد تصعيد الضربات الأمنية ضد الجماعة-، وكانت التقييمات المختلفة تدور داخل عموم المكاتب الإدارية للجماعة في المحافظات وكذلك اللجان المركزية، وكانت هناك خلافات وتباينات في التقييمات، فبعض المكاتب الإدارية في المحافظات بدأت تشعر بالضغط الشديد مع تصاعد الضربات الأمنية الشديدة، كما أنها رأت وجود تجاوزات واندفاعا من بعض الشباب الذين شاركوا في ملف الإرباك، وزاد الأمر بتصاعد السياسات الأمنية بالتصفيات وتنفيذ أحكام الإعدام كرسالة تحذيرية أن القادم سيكون أشد وأقسى على الجماعة وأنصارها.

ورغم دفاع مجموعة الدكتور محمد كمال وإدارته عن خطة أغسطس ٢٠١٤ وتصوراتها، فقد كانت اللجان التي مارست التقييم خاصة اللجنة التي أشرفت على ما سمي بالعمل النوعي لها تقييم آخر، فقد رأت أن هذه الخطة برغم أنها أحدثت حراكا وفاعلية للجماعة وهياكلها، إلا أنها لم تحقق هدفا سياسيا عمليا، والجماعة لم تستفد سياسيا[72]، كما كانت هناك تباينات ووجهات نظرة كثيرة مختلفة ومتباينة داخل اللجان والمكاتب الإدارية، صحيح أن الجماعة أحدثت زخما جماهيرا في التظاهرات الحاشدة بعد غيابها فترة طويلة من الزمن، ونجحت تكتيكيا في إرباك البلطجية والأجهزة الأمنية في بعض المحافظات، لكن النتيجة أن الواقع لم يتغير، وأُنهك الجسد التنظيمي مرة أخرى بالاعتقالات ثم التصفيات ثم رسائل الترهيب بتنفيذ أحكام إعدام لشخصيات غير محسوبة على التنظيم، وحاولت بعض المجموعات الشابة التفكير بطريقة تكون أكثر تأثيرا على المشهد السياسي، وظهرت فكرة الضغط على الإعلاميين ومدينة الإنتاج الإعلامي دون استهداف أي أحد أو إسالة أي قطرة دم، ولكن بتوجيه رسالة مؤثرة غاضبة، وتلقفت إدارة ملف العمل النوعي هذه الفكرة بحثا عن محاولة التأثير السياسي من خلال استهداف عدد من محولات الكهرباء المؤثرة على مدينة الإنتاج الإعلامي[73] وأدى ذلك إلى تسويد الشاشات لفترة مؤقتة في أبريل ٢٠١٥[74]، ولم يكن هذا بتخطيط من اللجنة الإدارية العليا ولكنه بمقترح من مجموعات شبابية مرتبطة بما سمي بملف العمل النوعي.

لكن أزمة الخلافات القيادية أثّرت سلبا وطغت على طبيعة التقييم الموضوعي وعلى محاولة تطويره وعلى وجود بيئة ملائمة للحوار والتطوير والتصويب، فالدكتور محمود عزت لا يحضر الاجتماعات لاعتبارات كثيرة –أمنية وتنظيمية- إلا أنه يرى لنفسه الحق والسلطة العليا على هذه الإدارة، وله الحق إذا رأى اعتراضات أو تجاوزات أن يتخذ ما يراه مناسبا، وأن يدعو أعضاء الشورى (الذين يتمكن من التواصل معهم عبر وسطاء) لدعم القرارات التي يراها ملائمة. بالمقابل هذه الطريقة لم تكن مناسبة أو مقبولة من الدكتور محمد كمال والإدارة التي سعت لالتئام هيكل الجماعة وأخذت شرعية من الشورى ومن الدكتور محمود عزت نفسه، وتعتبر نفسها هي إدارة عليا للجماعة، وبالتالي يجب حسم الخلافات بينهم بطريقة تقبلها غالبية الإدارة حضوريا (التي كانت في هذا الوقت غالبيتها مع إدارة الدكتور محمد كمال).

من هنا اتخذ شكل النقاش والتقييم والتباينات المختلفة شكلا صراعيا، صراع على من يملك دفة التوجيه والاستدراك التنظيمي حين يحدث اختلافات جوهرية في التوجه العام للجماعة، ومن الذي يحق له إصدار الرواية الرسمية ودعوة مكاتب الجماعة في المحافظات أو مجلس الشورى لمناقشة أمر ما والموافقة عليه، علما بأن كثيرا من هذه المجالس ستتم بالتمرير وليس بالحضور والاجتماع بسبب الصعوبات الأمنية، وهو ما سيعتمد على ثقة المتلقي للروايات التي ستقدم له بشكل منفرد خاصة وأن كثيرين من أعضاء الشورى العام لم يكونوا فاعلين في المشهد والهيكل التنظيمي واللجان المتعلقة بالحركة والثورة في مختلف المحافظات بعد فض اعتصام رابعة، وإذا كانت هناك درجة ثقة كبيرة في الشخص الذي ترسل الرواية باسمه فغالبا سيتم الموافقة والإقرار فلا توجد رفاهية الاشتباك والاستدراك والتعليق والحوارات المعمقة.

رابعا: في محاولة تفسير أسباب تصاعد أزمة الخلافات القيادية وصعوبة استعادة الجماعة لفاعليتها:

بدأ الخلاف الإخواني القيادي من ماذا يجب على الجماعة فعله، وكيف تفكر في استراتيجية فعالة، ثم انتقل إلى صراع على كيف تدار آليات الجماعة لتوجيه التفكير في هذه الأسئلة وما المرجعية العليا التي لا يُعلى عليها؟، وهل هي بحاجة إلى الاستمرار في محاولات التطوير الهيكلية التنظيمية والقيادية، أم بحاجة إلى العودة للحذر الفطري والمركزية والخوف من عواقب هذه المحاولات التغييرية، وباتت الأزمة حادة لم يفلح القادة في استعادة فاعلية التنظيم وضمان استمرار هذه الفاعلية، وحسن الاستفادة مما تبقى من موارد التنظيم البشرية وغير البشرية.

هناك عدة عوامل يمكن الإشارة إليها ساهمت في تزكية تصاعد الخلاف وحدته وصعوبة احتوائه، وكذلك صعوبة استعادة الجماعة لفاعليتها وقدرتها على التأثير في المشهد السياسي:

أولا: الضغوط الأمنية الشديدة المتصاعدة غير المسبوقة، مع استمرار الوهج الثوري الغاضب الراغب في عدم الاستسلام والمصر على التغيير.

ثانيا: الخطط ومحاولات التجريب -أو التطوير- لم تحقق أي هدف سياسي يذكر.

ثالثا: غياب عناصر مهمة في التفكير والتقييم والتركيز على الضغوط الأمنية والجوانب الإجرائية التنفيذية.

أولا: الضغوط الأمنية مقابل الغضب التنظيمي والوهج الثوري الراغب في التغيير:

ساهمت السياسات الأمنية في المزيد من الضغوط على التنظيم الإخواني، ورغم أن الاعتقالات ومواجهة التظاهرات بالعنف والقتل وتغييب القيادات والكوادر التنظيمية باتت أمرا عاديا مع نهاية عام ٢٠١٣ وخلال عام ٢٠١٤، إلا أنه يمكن ملاحظة تغييرات في السياسات الأمنية في عام ٢٠١٥ حاولت المساهمة في تزكية الصراع والخلاف الداخلي، هناك روايات كثيرة تذكر عن محاولات أمنية لاستثارة بعض قيادات التنظيم المعتقلة لحثها على ما وُصف بالحفاظ على الجماعة ونهجها أمام تهور وطيش الشباب أو أمام مجموعة الإدارة الجديدة (برئاسة الدكتور محمد كمال)، وأن هناك واجب تجاههم للحفاظ على الجماعة، بالتأكيد الحفاظ على الجماعة والخوف من التطرف أو العنف هو أمر موجود لدى مجموعة وقيادات كثيرة ولم يكن سبب نشأته هو السياسات الأمنية، وحاولت الأجهزة الأمنية استغلال ذلك في تصعيد التوتر الداخلي وزيادة عدم الثقة داخل الجماعة، وتذكر روايات كثيرة لمثل هذه الحوارات مع قيادات من محافظات مختلفة، ومنها توثيق الباحث لحوار دار بين أحد المسئولين المقربين من الإدارة في عام ٢٠١٥ مع أحد كوادر التنظيم في حزب الحرية والعدالة في إحدى محافظات الدلتا وكان معتقلا وتم الإفراج عنه في فبراير ٢٠١٥ وقبل الإفراج عنه مع آخرين حرصت القيادات الأمنية على حوارات منفردة معهم في مقر جهاز الأمن الوطني بالمحافظة لا تقل عن ٨ ساعات، يركزون فيها على محاولة إقناعهم بأنهم عندما سيخرجون سيجدون الجماعة أصبحت فريقين وهناك فريق أخذ اتجاه العنف، وواجبكم الحفاظ على الجماعة ونهجها السلمي في مواجهة الطرف الآخر”[75]، لقد كان تعليق هذا القيادي على هذا الحوار بأن الأمن يحاول تزكية الاستقطاب والصراع الداخلي، وأنه لم يثمر معه شخصيا بغض النظر عن موقفه من طرفي الأزمة.

وفي ٥ مارس ٢٠١٥ حدثت تعديلات وزارية شملت تغيير وزير الداخلية وتعيين مجدي عبد الغفار[76] وزيرا للداخلية، وقد كان سابقا مسئولا عن قطاع الأمن الوطني بالوزارة، وتوالت بعد ذلك تطوير السياسات الأمنية لتلحق مزيدا من الضغوط والتأثير على التنظيم، لتبدأ مرحلة جديدة في السياسات الأمنية القمعية مع الجماعة.

وفي ٧ مارس ٢٠١٥ أقدمت الداخلية على تنفيذ قرار الإعدام بحق الشاب محمود رمضان[77] المتهم بإلقاء أطفالا من فوق أسطح عمارات بالإسكندرية أثناء تظاهرات مناهضة للانقلاب في عام ٢٠١٣، ولم يكن الشاب منتميا لتنظيم الإخوان وكانت التهم والمحاكمات تُلقِي بالكثير من علامات الاستفهام حول العدالة والتحقيق، وطالبت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان بإيقاف حكم الإعدام[78]، وبدا تنفيذ حكم الإعدام في هذا التوقيت رسالة عن تغيير حقيقي متصاعد في السياسات الأمنية، وبحسب مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان فإن:” إقدام السلطات المصرية على تنفيذ هذا الحكم أمر مؤسف، خصوصا وأن إجراءات المحاكمة شابها العديد من العيوب … وهذا الإعدام مؤشر واضح لتدهور حالة حقوق الإنسان في مصر، ومخاوفنا من أن يكون ذلك تمهيدا لتنفيذ المزيد من الأحكام التعسفية المماثلة، التي قررتها المحاكم في حق المئات إثر محاكمات غير عادلة”[79].

وفي ٧ مايو ٢٠١٥ تم تنفيذ حكم الإعدام في قضية عرفت بـ”عرب شركس”[80] وهم ليسوا أعضاء في التنظيم، وكانت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان أيضا قد طالبت مصر بإيقاف تنفيذ حكم الإعدام وطالب زاينابو سيلفي رئيس اللجنة الحكومة بـ: “تحقيق المعايير الأساسية للمحاكمة العادلة، ووقف عقوبة الإعدام والتمسك بالتزاماتها بالقانون الدولي لحقوق الإنسان[81]، لكن تنفيذ الحكم بدا أنه استكمالا لإيصال رسالة أمنية بأن السياسات الأمنية ستكون في حالة تصاعد وفي شكل أكثر عنفا وانتقاما.

وفي ١ يوليو 2015 وجهت وزارة الداخلية لأول مرة ضربة أمنية قاسية وعنيفة بقتل ١٣ قياديا إخوانيا عقب مداهمة اجتماع لهم في منطقة أكتوبر[82]، وقد كانوا قيادات مسئولة عن قطاع وسط الدلتا وكانوا من أكثر الفاعلين داخل الجماعة وكان من بينهم الذراع الأيمن للدكتور محمد كمال وأمين عام اللجنة الإدارية العليا المهندس عبد الفتاح السيسي.

وتحدث كثيرون من مسئولي العمل الإخواني أن الاعتقالات في هذه المرحلة لم تكن كسابقتها، فقد كانت أكثر تركيزا وتأثيرا على الهيكل التنظيمي في اللجان المركزية للجماعة وفي مختلف المحافظات وتستهدف كثيرا من المؤثرين والفاعلين لتعجيز قدرة التنظيم على الحركة والفاعلية، وبحسب وصف أحد أعضاء اللجنة الإدارية العليا في هذه التوقيت “كانت الاعتقالات بعد تولي مجدي عبد الغفار أكثر تركيزا على الهيكل التنظيمي والفاعلين داخل الهيكل التنظيمي والعمل على ضرب الفاعلية داخل التنظيم، وزاد الحرص على جمع المعلومات عن الهيكل والفاعلين ومحاولات التتبع والتنصت ونشر كاميرات المراقبة في كل مكان”[83].

ساهمت هذه الأجواء في صعوبة الالتقاء والتواصل، وزيادة الهواجس وعدم الثقة، كما ألقت بضغوط كبيرة على كل من في سدة المسئولية القيادية، ورغم وحدة مرجعيتهم وطول خبرتهم التنظيمية اختلفت استجابتهم وردود أفعالهم وطريقة تعاطيهم مع الضغوط في ظل غياب اليقين واستمرار المصير المجهول، وارتفاع كلفة التضحيات.

ثانيا: الخطط ومحاولات التجريب -أو التطوير- لم تحقق هدفا سياسيا:

كانت غاية التفكير في الخطط الإخوانية وفي الحراك والتظاهرات وخطة الستة شهور ثم خطة أغسطس ٢٠١٤، العمل من أجل إحداث تغيير أو حلحلة في المشهد السياسي تخفف من وطأة الإقصاء والعنف وتفتح أفقا لاستعادة مسار التغيير والديمقراطية، وعلى عكس ما كان حاصلا من سجال ظاهر بين قيادات الإخوان، فقد كانت بعض التقييمات الداخلية تراجع ما أقرته سابقا، بل وتسعى لتعديله أو تصحيحه أو إيقافه، ومنها ما أقرته اللجنة المشرفة على خيار أغسطس ٢٠١٤ “أن ما تم خلال خطة يناير ٢٠١٥ من أعمال الإرباك أو التحركات النوعية لم تستفد منه الجماعة سياسيا ولم يُحدث تأثيرا على القرار السياسي، ولم يتحقق أي هدف سياسي”[84]، ووفق ذلك أقرت اللجنة “وقف كل الأعمال المتعلقة بالإرباك”[85]، ولم تكن النقاشات داخل مختلف اللجان الثورية أو الشبابية أو النوعية تأخذ شكلا واحدا بل كان هناك تنوع في التفكير وطريقة وأسلوب العمل.

وأمام العجز عن تحقيق أي هدف سياسي ملموس، فقد اندفعت الأجهزة الأمنية خطوات للأمام، سواء بتركيز الاعتقالات بشكل أكثر تأثيرا خاصة على كل إدارات المكاتب الإدارية الإخوانية في المحافظات، ومع تصاعد الضغوط الأمنية بدأ يحدث حالة من البلبلة بين بعض المكاتب الإدارية وبين إدارة الملف المتعلق بالإرباك أو ما سمي العمل النوعي، بسبب الضغوط الأمنية أو التجاوزات، أو تقييم الجدوى أو طبيعة الأفراد الذي يعملون في هذا الملف، وقد أدت كثير من هذه النقاشات والتقييمات مع زيادة مناخ الخلاف والاستقطاب الحاد الداخلي وقوة الضربات الأمنية إلى توقف أو انسحاب بعض المشاركين في هذا الملف، وهو ما أدى لاحقا إلى اتخاذ قرار مهم -لم يسلط عليه الضوء كثير داخل الجماعة أو خارجها من قِبَل إدارة هذا الملف “بترك تنظيم الإخوان والانفصال التام بشكل قيادي وهيكلي عن الجماعة في سبتمبر ٢٠١٥، وهو ما تم فعليا”[86]، ولم يمثل هذا الأمر فرصة لحل الخلافات الداخلية إذ أن الخلافات الداخلية كانت قد أخذت منحى يتعلق بحسم القيادة ومن له اليد العليا في الجماعة بغض النظر عن أي تفاصيل تتعلق بلجان أو أشخاص أو خيارات.

كانت خطة أغسطس ٢٠١٤ تمثل محاولة لتجريب التفكير بطريقة مختلفة في التعامل مع الحالة الاستبدادية القمعية في البلاد، وكانت لها الكثير من الآثار السلبية على الجماعة، لكن كان لها بعض الآثار الإيجابية التي ساهمت في إنجاح التظاهرات الحاشدة في يناير ٢٠١٥ بشكل لم يحدث منذ وقت طويل ربما منذ ٣٠ أغسطس ٢٠١٣، لكن وفق ما بشرت به اللجنة الإدارية العليا منذ أغسطس ٢٠١٤ مع غلبة الروح الثورية على شباب وأعضاء الجماعة وارتفاع سقف آمال الأعضاء عليها، وكذلك ما أضفته تصريحات المتحدث محمد منتصر من ثقة وارتفاع الثقة وربما اقتراب الحسم الثوري، حتى سميت خطة أغسطس ٢٠١٤ داخل التنظيم الإخواني بخطة الإنهاك والإرباك والحسم، وفق ما سبق لم تحقق اللجنة الإدارية العليا ما يتناسب مع هذا السقف وهذه الطموحات والآمال، وانتقل الخلاف القيادي إلى صراع على حسم المرجعية العليا الإجرائية والإدارية للجماعة، فبين فريق ينظر إلى محاولة التفكير أنه خطر وكارثة، وفريق يرى أن التجريب في حد ذاته هو التطوير وأن حسم الإجراءات القيادية الإدارية كفيل بأن يحفظ هذا التطوير في الجماعة.

لقد كانت اللجنة الإدارية العليا والغالبية التي تؤيد الدكتور محمد كمال في حالة اندفاع وعنفوان، وكانت تمثل حالة ثورية راغبة في إحداث تغيير بأي طريقة في المشهد السياسي وتريد أن تكون الجماعة سبيلا لذلك، لكن تغيير جماعة بهذا الحجم أكبر بكثير من حسم آلية انتخابات تحت وطأة قمع واستبداد وصراع، بل يحتاج الكثير من الحكمة ومهارات وفنون خاصة في الاتصال والتنظيم حتى لا يتحول الخلاف إلى أزمة يصعب تجاوزها، لقد كانت اللجنة الإدارية العليا هي القيادة الفعلية للجماعة، وطبيعة الجماعة أنها مركزية ولم يكن تتخيل اللجنة أنها يمكن أن تُرفض وتُواجه بهذه الطريقة من قبل القيادات التاريخية، بسبب محاولات الإقدام على تغييرات داخل الجماعة وفي هياكلها ولجانها ولوائحها وقيادتها استجابة لضغوط الواقع.

لكن هذه اللجنة كانت تتمتع بالكثير من الميزات التي لم ترها ولم تحسن القيادات التاريخية الاستفادة منها فقد كان ولائها -ليس لأشخاص- وكانت بسهولة تتقبل تغيير الدكتور محمد كمال (وحدث ذلك متأخرا عندما قرر التنحي في مايو ٢٠١٦)، وكان لهم سبق المواصلة والاستمرار في وقت غاب أو غُيبت فيه كل قيادات ورموز الجماعة، كما أن أخطاءهم لم تكن نابعة من تآمر مسبق بل كان من تفكير ومشاورات داخل التنظيم واستفادوا من آليات التنظيم، لقد كان تأثير الموت والتعذيب والتنكيل والسحل والتصفية والإعدام هائلا على أعضاء الجماعة وخاصة شبابها وهو ما كان يتطلب حكمة أكبر في استيعاب طاقات الجماعة بدل سرعة الدخول في استقطاب إجرائي تنظيمي إداري من يتبع هذا أو من يتبع فلان، وبالتالي من يبقى أو من يصبح مفصولا أو منشقا، فمن الطبيعي في هذه المراحل الصعبة أن تحدث خلافات في الرؤى وتوجهات الحركة، ولا يمكن حسمها بالاستقطاب الإجرائي التنظيمي.

لقد كانت نقاشات قادة اللجنة الإدارية العليا لا تنبع من تطلعات شخصية حتى اللحظات الأخيرة، فالدكتور محمد كمال لم يقبل السفر للخارج ورفض ذلك مرارا برغم تضييق الخناق الأمني عليه وتم قتله في الثالث من أكتوبر ٢٠١٦، وكذلك الأستاذ حسين إبراهيم الذي كانت آخر حواراته قبل الاعتقال -اعتقل في ٢٦ أكتوبر ٢٠١٥[87]– تنم عن محاسبة للنفس والاستعداد للاعتراف بأي تقصير أو خطأ مع أهمية دعم الشباب وتقديم قيادات جديدة يقف الجميع وراءها ويدعمها، ووفق حوار لأحد القيادات الشابة معه قبيل اعتقال الأستاذ حسين إبراهيم كان يرى أن: “هذه الإدارة -يقصد اللجنة الإدارية العليا- لم تنجح في حسم ملف الخلافات الداخلية وإنهائها، ولم تنجح في التأثير في المشهد السياسي، وأنه يجب التفكير بطريقة مختلفة مع أشخاص مختلفين عن الإدارة الحالية (يقصد كل مجموعة إدارة الدكتور محمد كمال)، وربما يحاولون هم التواصل بطريقة مختلفة وضوابط مختلفة مع الدكتور محمود عزت”[88].

ثالثا: غياب عناصر مهمة في التفكير والتقييم، والتركيز على العنصر الاجرائي في مواجهة القوى الأمنية:

من محصلة عشرات المقابلات والحوارات مع كثير من القيادات التنظيمية والأعضاء الفاعلين فيها، فقد كان النظر لتقييم الواقع قاصرا، كان التركيز على أن الجماعة وصلت بالنضال الاحتجاجي والدستوري السلمي إلى الرئاسة لكن تمت إزاحتها بالقوة بسهولة، ولم تكن قادرة على منع القوة القمعية الباطشة من تنفيذ مخطط إزاحة الجماعة وإنهاء المسار الديمقراطي الوليد وكبح القوى الأمنية عن ممارسات القمع والانتهاك والإقصاء وسحق القوى المجتمعية والروح التغييرية.

لم تشمل تلك الحوارات نظرات معمقة في المسار الطويل -منذ رحيل مبارك في ١١ فبراير ٢٠١١- الذي كان سببا في الوصول لهذه الحالة، وكان النقاش يبدأ غالبا من مدخل إجرائي تنفيذي مرتبط بضغط الواقع واللحظة الحالية بغض النظر عن الأسباب السياسية، والحاجة الملحة السريعة لوجود خطة تنفذها الجماعة في الشوارع والميادين، ولم تتحدث الجماعة عن تقييم استراتيجيتها في المرحلة الانتقالية، وأسلوب تعاملها مع المؤسسة العسكرية والأمنية، ولا على أسلوب تعاطيها السياسي وطريقة بناء تحالفاتها وما نوعية العلاقات والتحالفات التي تحتاجها، ولا عن مرتكزاتها الاقليمية والدولية، لم يتم تقييم الأسباب الداخلية للجماعة التي أدت لسيادة حالة الاستقطاب الحاد، ولماذا لم تتمكن الجماعة من إحباط محاولات تقليب حالة شعبية ضدها، ولماذا لم تتمكن الجماعة من ترجمة أغلبيتها إلى واقع سياسي، نعم تفسير التآمر موجود وله دلائله وشواهده، لكن أين التفكير في العوامل الداخلية التي ساهمت في تفاقم الأزمة ووصولها لهذا الحد؟، لم تحاول وربما لم تمتلك الجماعة قدرات ملائمة للتفكير السياسي في كيف تطور قدراتها في فهم وتحليل الواقع؟ وكيف تتعامل مع المراحل الانتقالية وتغيير النظم الاستبدادية القمعية؟ وكيف يمكنها اختراق المنظومة السياسية الداعمة للسلطة؟ وكيف تعمل على تقليل وتخذيل هذا التحالف؟ وكيف يمكن التأثير على مرتكزات قوة السلطة القمعية الجديدة؟

لم تتعرض الجماعة لاختلاف طبيعة النظام ورأس النظام وعلاقته بباقي أجهزة الدولة عما كان عليه في يناير ٢٠١١ والوضع بعد ٢٠١٣، لقد كانت مخيلة يناير ٢٠١١ واعتصام التحرير حاضرًا في الأذهان لكن الواقع السياسي كان مختلفا، كانت هناك شقوق واضحة في نظام الرئيس مبارك وداخل أجهزته وأذرعه قبيل يناير ٢٠١١، حتى أن الحالة الإعلامية المقربة من النظام كانت تنتقد رأس النظام والتوريث، لقد كانت هناك خلافات تتعلق بخليفة مبارك ومدى قبول المؤسسة العسكرية لتولي جمال مبارك في الحكم، وهذا وضع مختلف تماما عما هو عليه بعد الثالث من يوليو ٢٠١٣، حيث يقود الصراع الحالي رأس المؤسسة العسكرية -الذي اختاره الرئيس محمد مرسي- وهو يحكم قبضته على المؤسسة العسكرية إضافة لخلفيته المخابراتية، كما لم تتعرض الجماعة لفارق السياق الاقليمي والدولي، فالحالة قبل ٢٠١١ الاقليمية والدولية لم تكن بهذا العداء والسفور والدعم للقمع والاستبداد والوحشية المواجهة للثورة ودعاة التغيير.

كما لم تتعرض الجماعة لنقاش موضوعي حول بنيتها وطبيعة أفرادها وتكوينهم وقدراتهم وما هم مؤهلون له وكفاءتهم وكفاءة قادتهم في التعامل السياسي قبل أن تفكر وتختار أي استراتيجية وقرار سياسي يتناسب مع قدراتها وقدرات أعضائها وقادتها، وكذلك لم تناقش تصورات الجماعة عن الحكم والتغيير والثورة، ولماذا حين امتلكت أغلبية جماهيرية لم يتحقق لها ما كانت تنشده ولم تتمكن من الحفاظ عليه، لقد ظلت الاستنتاجات المتداولة المستخلصة من الأزمة بسيطة وسريعة وانطباعية، فما بين من يقول إن هناك تسرع حدث في مرحلة المجتمع، أو من يقول إن الأزمة تتعلق بالقوة، دون أن يكون هناك إجابة واضحة وعملية هل تملك الجماعة تصورا عمليا للتغيير أو تصورا عن الثورة؟

لقد كان عبء هذه القيادة -وعبء كل نخب الجماعة شبابا وشيوخا- في هذه المرحلة ثقيلا تحت وطأة ظروف وتحديات استثنائية، وكانوا أمام مهمة تتعلق بمحاولة الاستجابة للواقع ومحاولة السعي لتطوير الجماعة وتطوير العمل الثوري ومواجهة المنظومة القمعية الأمنية، ومحاولة التركيز على تحقيق انتصارات سريعة ممكنة في كل هذه الملفات، وهو أمر بالغ الصعوبة والتعقيد بعد مسار أليم منذ رحيل الرئيس مبارك وحتى هذه اللحظة، وقد نجحوا في ترميم الخلخلة القيادية التي حدثت بعد فض اعتصام رابعة، لكنهم لم ينجحوا في تطوير استراتيجية فعالة تؤثر على المشهد السياسي ولم يتمكنوا من تجاوز استجاباتهم المختلفة لكل هذه الضغوط أو تجاوز تباين آرائهم وهواجسهم ومخاوفهم حتى بلغت حدا أحبط محاولات التقييم الموضوعي، ومحاولات التطوير، وبدد الأمل عند كثير من أعضائها، وأهدر كثيرا مما تبقى لها من موارد، وجعل الجماعة تعاني من داخلها بأكثر مما تعاني من السياسات الأمنية التي تمارس ضدها.

خاتمة البحث:

عاشت جماعة الإخوان المسلمين في مصر عقودا مع حالة الجمود في عهد مبارك، كانت بيئة محددة السقف السياسي خاملة وخامدة يمكن للجماعة أن تتقدم فيها بمزيد من الأعضاء والمتعاطفين ومزيد من التنظيم والمركزية والصبر والحذر وعدم التعجل، ثم تغيرت البيئة السياسية -التي تكيفت معها الجماعة فترة طويلة- منذ يناير ٢٠١١ فأصبحت تتسم بالتغير السريع والتقلب والغموض وسيادة “اللايقين” في المستقبل، كما اختلف الفاعلون والمتنافسون عما كانوا عليه في عهد مبارك.

تغيير البيئة كان أكبر من احتمال واستعداد الجماعة وطبيعة ثقافتها الداخلية -القيادية وغير القيادية-، وظل إرث الخوف والحذر والمركزية في تقدير الأمور حاضرا، وجعل الجماعة مترددة ومتقلبة؛ تتصرف برد فعل وفق الضغوط التي تفرض نفسها عليها، فتبدأ بالحذر والخوف والتردد من دعوات التغيير في يناير 2011 ثم تسارع بدعمها وتأييدها، وعندما أخذت قرارا استراتيجيا يتعلق بمحددات تعاملها مع المرحلة الانتقالية في حالة رحيل مبارك (شملت إعلان عدم رغبتها في التقدم للرئاسة وعدم رغبتها في تصدر المشهد السياسي العام)، اضطرت الجماعة تحت كثير من الضغوط التي مورست حولها إلى التخلي عما رسمته لنفسها، لتعود للوقوف دائما على حافة الضغوط وتسير بقيادة الاضطرار، اضطرار إنفاذ خارطة طريق -المتوافق ضمنيا مع المؤسسة العسكرية-، واضطرار العجز عن بناء جبهات وتحالفات سياسية قوية استراتيجية وليست تكتيكية، واضطرار التصدر لأغلبية ورئاسة البرلمان ومجلس الشورى ولجنة الدستور، وعندما نجحت في الوصول لمحطة النجاح في الرئاسة، لم تهنأ بلحظة راحة بل أصبحت الديمقراطية مهددة من كل جانب حتى تمت إزاحة الرئيس مرسي بعد عام واحد فقط، وهيمن على الحكم سلطة أشد قمعا من عهد مبارك.

توالت الضغوط التي تحولت إلى صدمات كبرى بدأت بإزاحة الرئيس مرسي وبممارسات قمعية شديدة -لا تعبأ بالحشود والأغلبية والديمقراطية وتجيد تقليب الرأي العام وتشويه المطالبين بالتغيير والتهديد بالحرب الأهلية ودعم الاستقطابات الحادة واستباحة الانتهاكات- وتصاعدت أكثر بفض اعتصام رابعة الوحشي واستمرار المجازر والقمع العنيف للاحتجاج السلمي، وظلت الجماعة في كل مرة تحاول التفكير في كيفية التعامل مع اللحظة الحالية، وكيف يمكن تحقيق “استدراك لحظي” فيكون حلا سحريا، لكن الحلول السحرية لم تأت، كما لم يصبح تصدر المرحلة الانتقالية هو أنسب حل لحماية الثورة، ولم تكن رئاسة الرئيس مرسي هي الحل السحري، وكذلك لم يكن رد فعل الجماعة -عما حدث بعد الانقلاب على الرئيس مرسي والمسار الديمقراطي الانتقالي أو بعد فض اعتصام رابعة- حلا سحريا، لقد بات الاستدراك سرابا يسعى له بعض التنظيميين أن هناك إجراءً واحدا يمكنه أن يكون حلا سحريا، فقد ظنّوا أن تغيير بعض القيادات كافيا، أو قد يكون تعديل اللائحة حلا سحريا أو قد تكون الانتخابات القاعدية في بيئة تنازع وصراع حلا سحريا، أو ربما يكون الحذر والكمون وفعل “اللاشيء” هو الحل السحري، أو تعليق الحل السحري على لوم آخرين من خارج الجماعة أو من داخلها، وكل ذلك لم يقدم جديدا، فالأزمة السياسية معقدة وهي تحتاج تقييما سياسيا دقيقا وعقولا سياسية ملائمة للتعامل مع صراع بهذا الحجم.

من المفارقات أن التنظيم عمل بسلاسة في غياب القيادة وغياب الاستراتيجية، ولم تنشا الخلافات إلا بعد محاولة تجريب التطوير والتغيير في بيئة شديدة التعقيد والظروف الأمنية، وهو ما يشير إلى طبيعة النمط الإداري والتنظيمي الذي اعتادته الجماعة وأنه ليس من السهولة تغييره تغييرا مفاجئا خاصة لو لم يثمر التغيير عن نجاحات سريعة وقدرة عالية على الحفاظ على تماسك التنظيم في حالة التغيير، كما أن الخلافات تمثل في أحد أوجهها صراعا بين محاولة تجريب وتطوير -غير محددة المعالم وغير مضمونة العواقب- وبين العودة للحذر الفطري والمركزية المحدودة والخوف من فتح آفاق الحوار والنقاش حول الرؤى والتوجهات والاستراتيجيات العليا للجماعة.

لقد أدت محاولة التفكير في تطوير الجماعة إلى النظر بحذر في خيار الاستفادة من استخدام القوة بشكل منظم في إطار دفاعي يسبب إرباكا للسلطة والأجهزة الأمنية القمعية، ويحقق دعما للمتظاهرين والمحتجين ويدفع السلطة السياسية أو داعميها إلى التفكير في إيجاد حلحلة وتغيير في الوضع السياسي الحالي، وقد كان هذ التفكير نابعا من الغضب الشديد تحت تأثير الضغوط والقتل والدم والانتهاكات، مع عجز كل الاحتجاجات السلمية عن التأثير والاستمرار، وارتفاع الكلفة والتضحيات، واستمرار الحاجة إلى التفكير بطريقة ثورية مختلفة عن السابق. لقد كان هذا التفكير نابعا من شعور داخلي أن الجماعة بحاجة إلى تطوير، صحيح أنه لم يكن تطويرا نابعا من تصور فكري أو أيديولوجي مسبق، لكنه كان نابعا من ضغوط عملية وميدانية.

لقد تطور التفكير الأمني للسلطة الحاكمة بعد إزاحة الرئيس مرسي أولا بتكثيف القمع والقتل منذ فض اعتصام رابعة وزادت وتيرته في ٣٠ أغسطس ٢٠١٣، ثم تطورت السياسات الأمنية خاصة بعد يناير ٢٠١٥ بالعمل على تزكية الخلاف الداخلي والعمل على إقناع بعض القيادات بخطورة قيادات أخرى، كما سعت لأن توجه للجنة الإدارية العليا التي أدارت الجماعة منذ فبراير ٢٠١٤ ضربات مؤلمة ومُعَجّزة، بدأت بتكثيف الاعتقالات للعناصر النشطة في مختلف المحافظات بعد تجميع المعلومات المطلوبة، ثم توجيه رسائل ردع وتخويف شديدة لهذه الإدارة بتنفيذ حكم الإعدام على الشاب محمود رمضان وقضية عرب شركس -غير المنتمين للجماعة- كما سعت إلى تقويض إدارة الدكتور محمد كمال بضرب أهم من يعتمد عليهم أولا باغتيال ١٣ قياديا في يوليو ٢٠١٥ وهم مسئولون للجماعة في قطاع وسط الدلتا ومن أقوى داعمي الدكتور محمد كمال وفيهم المهندس عبد الفتاح السيسي أمين عام اللجنة الإدارية العليا وأحد أهم الفاعلين في اللجنة الإدارية العليا المعاونين للدكتور محمد كمال، ثم لاحقا اعتقلت حسين إبراهيم أكتوبر ٢٠١٥، ثم اعتقال محمد السعيد مسئول الشباب والطلاب في سبتمبر ٢٠١٦، وأخيرا قتل الدكتور محمد كمال في أكتوبر ٢٠١٦.

عبرت أزمة الجماعة في جوهرها عن أزمة نخبتها القيادية، فجوهر الأزمة كان بين قيادات الجماعة ولم يكن بين أعضائها، ولكنه فيما بعد انتقل إلى كل الجماعة، وهي أزمة في جوهرها تدل على عجز القادة عن التفاهم.

أفقد الصراع الداخلي -على حسم مرجعية القيادة العليا- قدرة الجماعة وعموم أعضائها على التقييم الموضوعي لتجارب الجماعة وطرق تفكير قادتها، فتحْتَ عنوان الحفاظ على الجماعة تم تجميد النقاشات حول رؤية الجماعة وتوجهاتها والاستفادة من طاقات وخبرات أكبر، وتم في سبيل ذلك الإيقاف والتحقيق والفصل ونزع الشرعية التنظيمية عن آخرين، وتحت عنوان فكرة الحسم الثوري والخيارات الثورية ظهرت تجاوزات وأخطاء ونتج عنها مزيد من إنهاك التنظيم ومزيد من التضحيات الباهظة بلا أي أثر سياسي يذكر.

تصاعد هذا الخلاف والصراع زاد من التباين وعدم الثقة، ولم تنجح أي آلية أو مبادرة في تبديد هذه التخوفات والهواجس، وباتت القيادات التاريخية الرافضة لإدارة الدكتور محمد كمال راغبة في إنهاء فكرة التدافع داخل الجماعة تماما، وعجزت إدارة الدكتور محمد كمال -التي كانت هي الإدارة التنظيمية ويتبعها جميع أعضاء الجماعة- التي امتلكت شرعية تنظيمية في فبراير ٢٠١٤ ونجحت في بناء هيكل يمثلها في الخارج ومتحدث شاب يمثلها في الداخل، وسعت إلى تعديلات لائحية وانتخابات قاعدية شاملة وقربت الكثير من الشباب، وحاولت تجريب تصورات واستراتيجية جديدة منذ أغسطس ٢٠١٤، لم تنجح رغم كل ذلك في تحقيق هدف سياسي مناسب لخطاباتها الثورية مرتفعة السقف، ولم تنجح في حسن إدارة الصراع والاحتفاظ بقدراتها داخل التنظيم، ولم تنجح في تدبير الموارد اللازمة التي تؤمن لها الاستمرار في هذا الصراع.

كان من الطبيعي مع تفاقم هذا الصراع بهذه الطبيعة أن لا تفلح معه أي متغيرات مؤثرة: مثل كثرة الاعتقالات من جميع أعضاء مكتب الإرشاد -لم يتبق منهم داخل مصر في يونيو ٢٠١٥ إلا ثلاثة فقط-، ولم تفلح التصفيات الأمنية الموجهة لقيادات بالجماعة في أن تكون سببا للتقارب، ولم تفلح أي مبادرة (حتى لو كانت من مرجعية ورمز كبير مثل الدكتور يوسف القرضاوي الذي حاول تقديم مبادرة في يناير ٢٠١٦ مع رموز أخرى) في تغيير هذا الصراع الداخلي، حتى حين قرر الدكتور محمد كمال الاستقالة والانسحاب من المشهد في مايو ٢٠١٦ لم يغير ذلك من جوهر الصراع شيئا، فحالة التوجس بلغت حدا كبيرا ومهيمنا لدى بعض القيادات التاريخية التي ازداد تأثيرها يوما بعد يوم داخل التنظيم، وضعفت إدارة الدكتور محمد كمال تنظيميا أو من تبقى منها يوما بعد يوم.

رأى كثيرون من المجموعة التي التفت حول قرارات وشرعية الدكتور محمود عزت أن نتائج التطوير والتغيير غير مأمونة العواقب، وطغى الشعور الأبوي الذي حاولوا به ضبط إيقاع التنظيم وإعادته إلى الحذر الفطري والمركزية والنمط القيادي الذي كان سائدا قبل يناير ٢٠١١.

كان الراغبون في التغيير داخل الجماعة كُثُر، لكنهم لا يمتلكون تصورا واحدا، ومع تزايد الضغوط والتهديدات والتحديات والإخفاقات، كان من الطبيعي أن تكون الاستجابات مختلفة والتصورات والتقييمات مختلفة، وكانت البيئة الصراعية غير مناسبة لصهر هؤلاء جميعا وجمعهم على هدف واحد، فسهل تفرقهم وتشرذمهم وتبديد طاقتهم.

تركت هذه الأزمة جرحا عميقا لدى كثير من أعضاء الجماعة بالداخل والخارج -شبابا وشيوخا- أيا كان موقفهم من طرفي الأزمة، كما أضفت بظلال مؤلمة داخل السجون والمعتقلات، ووضعت الجماعة أمل أفرادها -في تطوير قدرتها وفاعليتها- في مهب الريح، فخلافات القادة وتزايد النزيف والتضحيات بدد هذا الأمل.

بعد مقتل الدكتور محمد كمال في أكتوبر ٢٠١٦، استمر النزاع بين مجموعة أطلقت على نفسها اسم المكتب العام واعتبرت نفسها امتدادا شرعيا ومنتخبا لإدارة الدكتور محمد كمال، وورثت إرثا ثقيلا من النزاع والصراع الداخلي والنزيف السياسي الباهظ وسط مشهد أمني وسياسي معقد في مصر، وزاد تشرذم رموزها في الخارج بعد استقالة مكتب الإخوان بالخارج (الذي شكلته إدارة الدكتور محمد كمال) وتفرق بعض أعضائه أو اختلف بعضهم مع الإدارة الشابة الجديدة في الداخل، أو عمل بعضهم بشكل مستقل، أو عاد بعضهم للتواصل مع القيادات التاريخية، وسعت هذه المجموعة (التي سمت نفسها المكتب العام من داخل مصر) لمحاولة ضبط أفرادها تنظيميا حتى وإن كانت أقل عددا، وحاولت وضع آمالها وأحلامها وتصوراتها في اوراق سمتها الرؤية وبعض المراجعات، ولا زالت تصطدم بواقع الأزمات السياسية وصعوبة الإرث الذي تحمله وعدم قدرتها على تقديم شيء جديد يضيف شيئا ملموسا للمشهد الإخواني أو السياسي.

ووفق استبيان أجراه الباحث في يونيو ٢٠١٧ فإن نسبة ٣٨٪ -من العينة الشبابية الإخوانية التي بلغت مائة شاب- يرون أنه لا يمكن أن يستعيد تنظيم الإخوان حيوته وقدرته على التأثير قريبا، ونسبة ٣٦٪ مترددون في تحديد ذلك، ونسبة ٢٥٪ فقط يرون أنه يمكن للتنظيم أن يعود أكثر حيوية وقدرة على التأثير[89]، وهي نسب تبين بعض خيبات الأمل التي أضفتها نتيجة الصراع التنظيمي الداخلي على الأعضاء، كما رأت نسبة ٣٣٪ أنه يمكن أن يحدث تغييرا في مصر مرة أخرة نحو الديمقراطية بينما قال ٣٩٪ أنه لا يمكن حدوث ذلك، وقال ٢٦٪ أنهم غير قادرين على التحديد[90].

كُتبت خاتمة هذا البحث ولا زالت الفاعلية السياسية للراغبين في التغيير مفقودة، ولا زالت سطوة القمع وانتهاكات حقوق الإنسان متصاعدة، كما أن موت الرئيس مرسي في محبسه -يونيو ٢٠١٩- كان حدثا صادما بعد كل ما تعرض له من انتهاكات وإهمال وتضييق ومنعه من كل حقوقه الإنسانية -وسط شكوك حول موته-، يمثل موت الرئيس مرسي رسالة لا يمكن أن تحاول الجماعة أو أي قوى وتيارات التغيير أن تتجاهلها، ولا يمكن أن تظل الاستجابات وأساليب وأنماط التفكير والقيادة كما هي، بل تتطلب -أكثر من أي وقت مضى- عزما وصدقا على الوفاء لكل من مات من أجل حرية البلاد وأن نكون أكثر وعيا بالأسباب التي أوصلتنا لذلك وأن نكون أكثر إرادة لأن نغير أنفسنا للأحسن، وأن لا يهدر أي فرد يدعو للتغيير وقته وجهده وموارده عبثا بلا تقييم وتطوير مستمر.

إذا أراد المهتمون بالشأن العام في مصر والراغبون في تغيير البلاد للأفضل سواء كانوا من الإخوان أم لا، وسواء كانوا منتظمين في عمل منظم أم لا، فإن المدخل الحقيقي الأول للتفكير هو كيفية بناء العقلية السياسية المناسبة، وتحتاج هذه العقلية البدء من سؤال ما الممكن الذي يمكن تقديمه لصالح البلاد؟ وما أزمات البلاد الحقيقة؟ وما تصورات إصلاحها وحلها؟ وكيف يمكن مواجهة منظومات الفساد والاستبداد والحكم القمعي -الذي يخاف من الحرية والعدالة والكرامة وحق الناس في محاسبة حكامهم وتطوير بلادهم-؟ وكيف ننجح فيما أخفقنا فيه سابقا؟ هذه الأسئلة إذا طرحت بعمق ومسئولية وتجرد بين مختصين مع الوعي بالواقع وموازين القوى فهي تُولّد اختلافات وتباينات، لكن وفق رؤى وبرامج عملية يتنافس أصحابها لتحقيقها والاستفادة والتعلم التراكمي منها، بدل الخلافات الشكلية واللائحية والإدارية والدعائية.

ومع كل هذه الأسئلة فهناك آلاف من الشهداء وآلاف من المصابين والمتضررين من السلطة الحالية في مصر والمطاردين دفعوا -ولا زالوا- ثمنا باهظا من أجل أن يروا بلادهم أفضل، فكيف يمكن الدفاع عنهم؟ وكيف يمكن الإفراج عن المعتقلين؟ وكيف يمكن احترام تضحياتهم؟ وكيف يمكن تقليل نزيفهم؟ وكيف نسعى لعدم تبديد هذه التضحيات؟

الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب أشخاصا وأشكالا وأنماطا متنوعة من التفكير السياسي، من الأفراد والمؤسسات والحركات والتيارات، وتتطلب ممن يديرون هذه الحوارات أن يكونوا أكثر إدراكا بالواقع وتعقيداته وأكثر علما وكفاءة ومهارة فيما يفكرون، ويملكون تجردا وقدرة على الاتصال والتعاون والعمل الجماعي الواسع، ويملكون رغبة وقدرة على تطبيق ذلك من خلال مؤسسات وتنظيمات فاعلة تحقق أهدافها، فإن أخفقت أو تعثرت امتلكت القدرة على إعادة النظر والتقييم والتصويب والتطوير [91].


الهامش

[1] الرابط

[2] الرابط

[3] الرابط

[4] الرابط

[5] الرابط

[6] الرابط

[7] الرابط

[8] الرابط

[9] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة التابعة للجنة الإدارية العليا (الأولى والثانية) لإدارة الجماعة يونيو ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[10] عضو (٢) مجلس شورى عام الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر (٢) من عام ٢٠١١، وعضو اللجنة الإدارية العليا لإدارة الجماعة أكتوبر ٢٠١٤، مقابلة أجراها الباحث في يناير ٢٠١٩.

[11] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة التابعة للجنة الإدارية العليا (الأولى والثانية) لإدارة الجماعة يونيو ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[12] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة عام ٢٠١٤، وعضو مكتب إداري بإحدى محافظات مصر نهاية عام ٢٠١٣ وبداية عام ٢٠١٤، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[13] مسئول الإخوان بإحدى جامعات مصر وعضو المكتب الإداري لإحدى محافظات مصر عام ٢٠١٤، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[14] مسئول الإخوان بإحدى جامعات مصر وعضو المكتب الإداري لإحدى محافظات مصر عام ٢٠١٤، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[15] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة عام ٢٠١٤، وعضو مكتب إداري بإحدى محافظات مصر نهاية عام ٢٠١٣ وبداية عام ٢٠١٤، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[16] عضو اللجنة الإدارية العليا الثانية لإدارة الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر سبتمبر ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[17] عضو اللجنة الإدارية العليا الثانية لإدارة الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر سبتمبر ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[18] عضو اللجنة الإدارية العليا الثانية لإدارة الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر سبتمبر ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[19] عضو (١) مجلس شورى عام الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر (١) من عام ٢٠١١، وعضو إدارة رابطة الإخوان بالخارج، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[20] عضو اللجنة الإدارية العليا الثانية لإدارة الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر سبتمبر ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[21] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[22] عضو (٢) مجلس شورى عام الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر (٢) من عام ٢٠١١، وعضو اللجنة الإدارية العليا لإدارة الجماعة أكتوبر ٢٠١٤، مقابلة أجراها الباحث في يناير ٢٠١٩.

[23] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة التابعة للجنة الإدارية العليا (الأولى والثانية) لإدارة الجماعة يونيو ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[24] عضو اللجنة الإدارية العليا الثانية لإدارة الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر سبتمبر ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[25] عضو اللجنة الإدارية العليا الثانية لإدارة الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر سبتمبر ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[26] عضو (٢) مجلس شورى عام الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر (٢) من عام ٢٠١١، وعضو اللجنة الإدارية العليا لإدارة الجماعة أكتوبر ٢٠١٤، مقابلة أجراها الباحث في يناير ٢٠١٩.

[27] عضو لجنة الخطة في إحدى محافظات مصر، مقابلة اجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[28] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة التابعة للجنة الإدارية العليا (الأولى والثانية) لإدارة الجماعة يونيو ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[29] عضو (٣) شورى عام الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر (٣) من ٢٠٠٥ وحتى ٢٠١٢، وعضو مكتب إدارة الأزمة بالخارج (أو مكتب الإخوان بالخارج) عام ٢٠١٥ مقابلة أجراها الباحث في يناير ٢٠١٩.

[30] عضو لجنة الخطة في إحدى محافظات مصر، مقابلة اجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[31] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة التابعة للجنة الإدارية العليا (الأولى والثانية) لإدارة الجماعة يونيو ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[32] عضو اللجنة الإدارية العليا الثانية لإدارة الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر سبتمبر ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[33] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[34] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[35] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[36] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[37] عضو (٣) شورى عام الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر (٣) من ٢٠٠٥ وحتى ٢٠١٢، وعضو مكتب إدارة الأزمة بالخارج (أو مكتب الإخوان بالخارج) عام ٢٠١٥ مقابلة أجراها الباحث في يناير ٢٠١٩.

[38] عضو (٣) شورى عام الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر (٣) من ٢٠٠٥ وحتى ٢٠١٢، وعضو مكتب إدارة الأزمة بالخارج (أو مكتب الإخوان بالخارج) عام ٢٠١٥ مقابلة أجراها الباحث في يناير ٢٠١٩.

[39] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة عام ٢٠١٤، وعضو مكتب إداري بإحدى محافظات مصر نهاية عام ٢٠١٣ وبداية عام ٢٠١٤، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[40] عضو لجنة الخطة في إحدى محافظات مصر، مقابلة اجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[41] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[42] نائب مسئول قسم الطلاب بالجماعة حتى عام ٢٠١٣، مقابلتين أجراها الباحث يونيو ٢٠١٧، يناير ٢٠١٩.

[43] عضو اللجنة الإدارية العليا الثانية لإدارة الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر سبتمبر ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[44] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[45] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[46] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[47] الرابط

[48] الرابط

[49] الرابط

[50] الرابط

[51] الرابط

[52] الرابط

[53] الرابط

[54] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة التابعة للجنة الإدارية العليا (الأولى والثانية) لإدارة الجماعة يونيو ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[55] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة التابعة للجنة الإدارية العليا (الأولى والثانية) لإدارة الجماعة يونيو ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[56] عضو (١) مجلس شورى عام الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر (١) من عام ٢٠١١، وعضو إدارة رابطة الإخوان بالخارج، واطلع على هذه الرسائل والمكاتبات التي أرسلها أ جمعة أمين، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[57] عضو (١) مجلس شورى عام الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر (١) من عام ٢٠١١، وعضو إدارة رابطة الإخوان بالخارج، واطلع على هذه الرسائل والمكاتبات التي أرسلها أ جمعة أمين، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[58] نائب مسئول قسم الطلاب بالجماعة حتى عام ٢٠١٣، مقابلتين أجراها الباحث يونيو ٢٠١٧، يناير ٢٠١٩.

[59] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة التابعة للجنة الإدارية العليا (الأولى والثانية) لإدارة الجماعة يونيو ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[60] نائب مسئول قسم الطلاب بالجماعة حتى عام ٢٠١٣، مقابلتين أجراها الباحث يونيو ٢٠١٧، يناير ٢٠١٩.

[61] الرابط

[62] الرابط

[63] الرابط

[64] الرابط

[65] مسئول أحد اللجان المركزية للجماعة التابعة للجنة الإدارية العليا (الأولى والثانية) لإدارة الجماعة يونيو ٢٠١٥، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[66] تقسم الجمهورية في الهيكل الإخواني ل ٧ قطاعات جغرافية.

[67] الرابط

[68] عضو (١) مجلس شورى عام الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر (١) من عام ٢٠١١، وعضو إدارة رابطة الإخوان بالخارج، مقابلات أجراها الباحث بين أكتوبر ٢٠١٨ ويناير ٢٠١٩.

[69] الرابط

[70] الرابط

[71] نائب مسئول قسم الطلاب بالجماعة حتى عام ٢٠١٣، مقابلتين أجراها الباحث يونيو ٢٠١٧، يناير ٢٠١٩.

[72] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[73] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[74] الرابط

[75] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[76] الرابط

[77] الرابط

[78] الرابط

[79] الرابط

[80] الرابط

[81] الرابط

[82] الرابط

[83] عضو (٢) مجلس شورى عام الجماعة، ومسئول الإخوان بإحدى محافظات مصر (٢) من عام ٢٠١١، وعضو اللجنة الإدارية العليا لإدارة الجماعة أكتوبر ٢٠١٤، مقابلة أجراها الباحث في يناير ٢٠١٩.

[84] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[85] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[86] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[87] الرابط

[88] عضو مكتب إداري بإحدى محافظات وسط الدلتا ٢٠١٤ وبدايات ٢٠١٥، مقابلة أجراها الباحث يوليو ٢٠١٩.

[89] استبانة أجراها الباحث لشباب الجماعة، يونيو ٢٠١٧.

[90] استبانة أجراها الباحث لشباب الجماعة، يونيو ٢٠١٧.

[91] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close