fbpx
تقديرات

الإخوان وتداعيات التقارب السعودي التركي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

أثار التقارب الكبير الحادث الآن في العلاقة بين السعودية وتركيا والذي توج بتوقيع الطرفين نهاية ديسمبر الماضي بالرياض اتفاقا للتعاون الاستيراتيجي في مختلف المجالات بما فيها العسكري -تساؤلات حول توقيته الذي جاء بعد نحو أسبوعين فقط من إعلان المملكة تشكيل تحالف إسلامي يضم 34 دولة لمكافحة الإرهاب، كما طرح تساؤلات أخرى حول دوافع كلا الطرفين بشأنه، وإنعكاسات هذا التقارب على العلاقات التركية المصرية المتوترة منذ الانقلاب العسكري 3 يوليو 2013 من ناحية، لا سيما وأن زيارة أردوغان للسعودية تزامنت مع زيارة قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري للرياض، وما تردد حينها عن وساطة سعودية لتقريب وجهات النظر بين القاهرة وأنقره. أما ثالث هذه التساؤلات فيتعلق بانعكاس هذا التقارب على العلاقة بين السيسي والإخوان؟

أولا: توقيت ودوافع التقارب السعودي-التركي

يمكن القول بأن زيارة أردوغان للسعودية 29 ديسمبر 2015، والتي تمخض عنها اتفاق التعاون الاستراتيجي تعد الزيارة الثالثة له إلى السعودية خلال عام 2015، حيث سبق أن زارها مرتين خُصصت إحداهما للتعزية في وفاة الملك عبد الله، وبالرغم من أن الزيارة الأخيرة كانت معدة سلفا، إلا أنها جاءت في توقيت بالغ الأهمية، إذ سبقها بحوالي أسبوعين الإعلان السعودي عن تشكيل تحالف إسلامي لمواجهة داعش، كما جاءت قبيل أيام من توتر العلاقات بين السعودية وإيران على خلفية قيام السعودية بتنفيذ حكم الإعدام في المعارض الشيعي نمر النمر وما تلاه من الاعتداء على كل من السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد، مما أكسب هذا التحالف الجديد زخما كبيرا.

وبحسب تصريحات عادل الجبير وزير الخارجية السعودي فإن التحالف يأتي في ظل الظروف والتحديات التي نواجهها سوياً في سورية أو العراق أو اليمن أو ليبيا، سواء فيما يتعلق بالإرهاب والتطرف، أو فيما يتعلق بتدخلات إيران السلبية في شؤون المنطقة، مشيرا إلى أن جميع هذه الملفات تحتاج إلى المواجهة والتعامل معها.

ومن جانبها أشارت وسائل إعلام تركية إلى أن السعودية وقعت عددًا من الاتفاقيات مع تركيا أبرزها اتفاقية شراء عربات مدرعة ومعدات عسكرية بقيمة تبدأ من 2.5 مليار دولار ومن المتوقع أن تصل إلى 10 مليار دولار أمريكي خلال المرحلة القادمة.

1ـ الاحتياج السعودي للتقارب التركي

تاريخيا كانت إيران هي أحد نقاط التقارب بين السعودية وتركيا لاسيما مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002 وما تلاه من الغزو الأمريكي للعراق وبداية التغلغل الإيراني هناك.. لذا شهدت الفترة من 2002-2011 تقاربا كبيرا بين الجانبين لاسيما على الصعيد الاقتصادي . فتأسسس مجلس الأعمال التركي – السعودي 2003، وبعدها بعامين تأسس صندوق الاستثمار التركي – السعودي، ثم زيارة الملك عبد الله إلى تركيا مرتين عامي 2006 و2007 بعد أربعين عاماً من زيارة الملك السعودي الراحل فيصل الخاطفة إلى تركيا العام 1966(1 ).

ومؤخرا فإن السعودية في مواجهتها مع إيران تسعى لتشكيل تحالف إقليمي قوي يستند إلى الهوية الإسلامية السنية ..لا سيما في ظل التهديد الإيراني لها في كل من العراق واليمن، فضلا عن التهديدات المحتملة في المنطقة الشرقية، والبحرين. كما أن بروز داعش ودورها المتنامي في سوريا والعراق، وعدائها الأيدولوجي مع السعودية ربما يشكل عاملا ثانيا في الاهتمام السعودي بتوحيد جبهة السنة في مواجهة الإرهاب الداعشي.

2ـ الاحتياج التركي للتقارب السعودي:

ربما ساهم الخلاف التركي الروسي الأخير بعد حادث إسقاط التركية، ودعم طهران لموسكو، في سعي تركيا لتوطيد علاقاتها مع دول الخليج لاسيما فيما يتعلق ببدائل الغاز الروسي من ناحية، وكبديل مؤقت –وإن كان محدودا- للسوق الروسي. وتعد السعودية ثم الدوحة القاطرة في هذا الشأن، فتركيا تستورد 200 ألف برميل يوميا من النفط الإيراني، بخلاف الغاز الإيراني والروسي. وبالتالي فإن السعودية وقطر هما وجهة تركيا للحصول على بدائل لمواجهة أزمات الطاقة المحتملة في البلاد. وفي هذا الإطار وقعت أنقره والدوحة في سبتمبر 2015 اتفاقا لتأسيس المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، كما تم التوقيع على اتفاقية بين الطرفين تقضي باستيراد 1.2 مليار متر مكعب من الغاز المسال القطري في تسع دفعات لشتاء 2015 و2016. ثم جاء الاتفاق الأخير مع السعودية تتميما لهذه المصلحة.

ثانياً: انعكاس التقارب على العلاقة بين تركيا ومصر:

بعد التقارب الكبير بين السعودية وأنقره، يثور التساؤل: هل يمكن أن تلعب السعودية دورا في التقارب بين مصر وتركيا؟ وفي المقابل هل يمكن أن تلعب أنقره هذا الدور أيضا؟

1ـ بالنسبة للسعودية :

قد يكون من المفيد للسعودية تحقيق هذا التقارب من أجل قيادة جبهة قوية في مواجهة إيران وداعش . لكن قد لا تضغط على الطرفين في سبيل ذلك، فالسعودية قد تسعى لتحقيق هذا التقارب رغبة في إنجاح قمة التعاون الإسلامي الذي ستعقد في أسطنبول في إبريل المقبل والتي يفترض أن تستلم تركيا رئاسة القمة من مصر الرئيس الحالي.

وتكتسب القمة أهميتها من كونها ستخصص لدعم السعودية في مواجهة إيران .لاسيما في ظل وجود مقر الأمانة في السعودية وتولي سعودي هو إياد مدني منصب الأمين العام منذ عام 2014. كما أن هذا التقارب من شأنه دعم تحالفها الجديد في مواجهة داعش.. وقد أشار جمال خاشقجي المقرب من السعودية إلى وجود جهود وساطة سعودية بين الجانبين. لكن قد لا تمارس الرياض ضغوطا على كلا الطرفين في هذا الشأن. ولعل ما حدث في مارس 2015 خير دليل على ذلك.

فقد زار السيسي في حينها السعودية تلاه زيارة أردوغان لكن لم يحدث تقارب في حينها، وبحسب تصريحات لأردوغان إلى تصريحات لصحيفة حريت في طريق عودته من السعودية في حينها قال: إن الرياض عرضت التوسط بين البلدين، ولكن ليس هناك إصرار من جانبها لفعل ذلك. بل إن أردوغان قبل سفره للرياض في حينها، حدد شروطا للقاء السيسي في الرياض منها قيام السيسي بخطوات إيجابية وجدية جداً. وحُدد مضمون الخطوات الإيجابية والجدية الواردة في هذا الشرط بوضوح على أنها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم مرسي وحصولهم على حق ممارسة العمل السياسي.

وهذه المرة فإن مصر نفت على لسان وزير الخارجية سامح شكرى قبل سفره إلى الرياض ما تردد فى العديد من وسائل الإعلام عن وجود وساطة سعودية بين مصر وتركيا، كما نفى إمكانية عقد لقاء بين المسئولين المصريين والرئيس التركى الموجود بالسعودية . وإن كان شكري ذاته كانت له تصريحات إيجابية تجاه أنقره في 16 ديسمبر2015 (في اليوم التالي لتشكيل التحالف الإسلامي) حيث اعتبر أن علاقة بلاده بتركيا لابد وأن تعود لحاجة المنطقة لما أسماه الجهود التركية، كما أشار إلى أن بلاده تتمنى أن تعود علاقتها مع تركيا ولكن على أساس الاحترام المتبادل بين الدولتين، كما أشار إلى الأزمة التركية الروسية قائلا إن مصر لن تنصر طرفا على حساب طرف آخر.

وفي المقابل نفى أردوغان وجود وساطة سعودية للتقريب بين بلاده ومصر، لكن هذا النفي لا يعني عدم وجود دوافع لدى كلا الطرفين القاهرة وأنقره في إحداث هذا التقارب، وإن كان لا يخلو أيضا من عقبات

الاحتياج المصري للتقارب مع أنقرة.

2ـ الاحتياج المصري للتقارب مع أنقرة:

هناك عدة مبررات تدفع النظام المصري للتصالح مع تركيا أبرزها البحث عن مزيد من الشرعية لنظام الانقلاب لاسيما لدى الدول الداعمة للإخوان ومنها تركيا، وربما تسعى مصر لاستغلال ورقة السعودية في ذلك، لا سيما بعدما نجحت الرياض سابقا في الضغط على أنقره لغلق قناة مصر الآن، وربما يتم استخدامها هذه المرة أيضا لاسيما في ظل حالة الانقسام الحاد الذي يعاني منه تنظيم الإخوان.

3ـ الاحتياج التركي للتقارب مع القاهرة

تسعى أنقره لقطع الطريق على قبرص في تشكيل تحالف قريب من خاصرة أنقرة، يضم مصر واليونان والذي بدأ يتشكل مع زيارة السيسي الأخيرة إلى اليونان وعقده  قمة ثلاثية بين مصر وقبرص واليونان في ديسمبر 2015. هذا التحالف ربما يرتبط بالتنقيب على الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط . لذا قد يكون التقارب مع مصر أيضا أحد الوسائل لإفشال هذا التحالف.

ثالثاً: شروط وعقبات التقارب المصري التركي

ربما تكون هناك عقبات لإحداث عملية التقارب بين مصر وأنقره عبر الوساطة السعودية لعل أبرزها ملف الإخوان المسلمين وفكرة الشرعية ..إذ ربما لن يكون سهلا على أنقره –لاعتبارات أيديولوجية وأخلاقية- التخلي عن هذا الملف، وفي المقابل قد يكون من الصعب على السيسي قبول هذا الاحتواء التركي للإخوان. وبالتالي قد يشكل هذا الملف حجر عثرة .. وبالتالي قد تركز السعودية –لكي تحقق هدفها في تشكيل تحالف إسلامي سني بالأساس في مواجهة إيران- إلى تقريب وجهات النظر  بينهما، من خلال التركيز على النقاط الإيجابية في العلاقة مثل الجوانب الاقتصادية دون التطرق إلى نقاط الخلاف، وإن كان هذا ربما يشكل عائقا أمام أردوغان ومصداقيته الداخلية، لأن أي نمط من أنماط العلاقة يعني ضمنا اعتراف أردوغان بنظام السيسي. فتركيا على اقتناع راسخ بأنّ ما حصل في مصر هو انقلاب، ومع ذلك ترغب في التهدئة وعدم الاشتباك أو التصعيد مع الجانب المصري كمرحلة أولى، هذه الرغبة لا تتعلق بمصر بذاتها وإنما تأتي أيضا ضمن الجهد الأوسع الذي تقوم به الحكومة مؤخرا لإعادة إطلاق آلتها الدبلوماسية بكفاءة أعلى لاسيما في الملفات الشائكة كأرمينيا والعراق وقبرص واليونان(2 ).

كما أن الظروف الأخيرة التي تمر بها تركيا لاسيما فيما يتعلق بعلاقتها بروسيا يجعلها بداية لا تفكر في الضغط على السعودية فيما يتعلق بالملف المصري. وهو ما عبر عنه جمال خاشقجي في حوار له مع جريدة الشروق المصرية في مارس 2015 حيث قال السعودية لا يمكن أن تتخلى عن مصر والأتراك لم يطلبوا أن تختار السعودية بينهم وبين القاهرة، ولا السعودية ستختار(3 ).

وفي هذا الإطار قد تفضل السعودية الاستمرار في نهج الملفات المتوازية في سياستها الخارجية بمعنى التنسيق مع تركيا التي يفترض أنها تدعم إخوان مصر – في ملف سوريا وإيران، دون أن يكون لذلك أثر على إمكانية حدوث تقارب سعودي – إخواني، أو تركي ـ مصري، أو سيساوي – إخواني. ونفس الأمر بالنسبة للملف اليمني، حيث التحالف السعودي القطري، لكن دون أن يكون له انعكاسات أيضا على العلاقة بين قطر وإخوان مصر بفرض أن قطر تدعمهم(4 ).

الخلاصة:

رغم وجود تباينات في العلاقات السعوية المصرية خاصة فيما يتعلق بالموقف في اليمن ورفض مصر المشاركة البرية في عاصفة الحزم مرورا بالأزمة السورية ودعم القاهرة لبشار الأسد في تحد واضح للرياض، إلا أن هذا ليس معناه تخلي الرياض كليا عن القاهرة، أو الضغط عليها بالنسبة لملف المصالحة مع الإخوان المسلمين إرضاء لتركيا .. وهنا لا بد من الإشارة لأمرين:

الأول: أن الرياض لا زالت متمسكة بالسيسي بالرغم من التباينات السابقة، فهي مضطره إليه باعتباره شريك الاضطرار أو الحليف العبء.

الثاني: أن تركيا في المقابل لم تضغط على الرياض من أجل تحسين علاقاتها بالقاهرة من ناحية، وبالتالي إمكانية تحقيق المصالحة بين السيسي والإخوان . بل على العكس فإن أنقره استجابت في فترة من الفترات لضغوط سعودية بشأن غلق القناة الفضائية للإخوان التي تبث من اسطنبول.

أي أن السعودية حريصة على عدم التضحية بالسيسي باعتباره الحليف الأقرب إليها في مواجهة الإخوان. ولم تؤثر تسريبات مكتبه إبان توليه حقيبة الدفاع بعد الانقلاب والتي أساء فيها لدول الخليج –على علاقته بهذه الدول التي لم تكتف السعودية على لسان الملك سلمان بالتأكيد على أن العلاقات الثنائية بين البلدين أقوى من أي محاولة لزعزعتها. بل شاركت هذه الدول في مؤتمر شرم الشيخ في مارس 2015، والمشاركة السعودية كانت من خلال ولي العهد في حينها الأمير مقرن، بل وتعهدت الدول الخليجية الثلاث (السعودية والإمارات والكويت) بتقديم منح ومساعدات وودائع له تقدر ب12 مليار دولار.

لذا فقد يكون من الخطأ تعويل الإخوان على التحالف الاستيراتيجي التركي السعودي الأخير في أن يكون لصالحهم .. فكلا الطرفين له حساباته الخاصة، وبالرغم من وجود تباينات بينهما، إلا أنهما يغلبان لغة المصالح في ظل وجود العدو الإيراني الذي يهدد السعودية، والدب الروسي الذي يناطح أنقره، فضلا عن خطر داعش الذي يهددهما معا .. وبالتالي فإن الطرفين يسيران وفق مبدأ نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضنا فيما اختلفنا فيه . وبالنسبة للملف المصري فإن إحداث التقارب مع أنقره قد يكون هو الأفضل للرياض، لكن إن لم يحدث، فإنه قد لا يؤثر على مصالحها كثيراً.

——————————-

الهامش

(1) د. مصطفى اللباد، التقارب السعودي التركي: الخلفيات التاريخية والسياق الإقليمي، موقع الخليج الجديد نقلا عن جريدة السفير اللبنانية، الرابط

(2) علي حسين باكير، تصريحات المسؤولين الأتراك ومستقبل العلاقات التركية ـ المصرية، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، الرابط

(3) جمال خاشقجي تقارب السعودية مع تركيا ليس تقارباً مع “الإخوان المسلمين” ،موقع المواطن نت نقلا عن الشروق المصرية، الرابط

(4) د. بدر شافعي، السعودية والإخوان بعد تولي الملك سلمان، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستيراتيجية ، 30 مايو2015. الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close