fbpx
تقديرات

الإدارة الأمريكية واعتبار “الإخوان” إرهابية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

وافقت اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي في الخامس والعشرين من فبراير 2016، على مشروع قانون (قدمه السيناتور الجمهوري تيد كروز في نوفمبر 2015) يطالب فيه باعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وجاء التصويت بأغلبية (17) أصوات من الجمهوريين مقابل (10) أصوات من الديمقراطيين، (ولم يدل 12 عضواً من الحزبين بأصواتهم) (1)، ويدعو مشروع القانون وزارة الخارجية الأميركية إلى إدراج جماعة الإخوان في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية من أجل حماية الأمن القومي الأميركي.

أولاً: الأسباب ودلالات التوقيت:

تباينت مواقف كلا من الجمهوريين والديمقراطيين داخل اللجنة القضائية بشأن تـأييد القرار أو رفضه فالجمهوريون برروا الأمر (حسب رئيس اللجنة القضائية للحزب بوب جودلاتي) بـ “احتضان الإخوان المسلمين للإرهاب، والتهديد الحقيقي الذي تشكله الجماعة على حياة الأميركيين والأمن القومي للولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل من المهم إقرار مشروع طال انتظاره على حد زعمه.

إلا أنه من الواضح أن القرار ربما لا يخضع لاعتبارات موضوعية بقدر خضوعه لاعتبارات أيديولوجية تتعلق بموقف الجمهوريين من الإسلام السياسي بصفة عامة، وهذا ليس موقفا جديدا، ولا هذه هي المحاولة الأولى بدليل قوله إن هذا مشروع طال انتظاره، لأن الإخوان في المجتمع الأمريكي، وعبر عشرات السنوات، لم تصدر عنهم أية تصريحات أو ممارسات تشكل تهديدا للأمن الأمريكي، بل لطالما نددوا بأية عملية إرهابية تتعرض لها الولايات المتحدة.

وبالتالي فإن الأمر يمكن تفسيره إما باعتبارات أيديولوجية خاصة بالجمهوريين من ناحية، أو باعتبارات سياسية خاصة بالسباق الانتخابي حول مقعد رئاسة البيت الأبيض، أو بوجود تأثيرات للوبيات التي قد تستفيد من مثل هذا القانون في تشويه الصورة الذهنية للإخوان المسلمين في هذه المرحلة.

فاللوبيات الصهيونية والإماراتية والمصرية لعبت دورا في تحريك هذا الملف الذي جاء بعد فترة وجيزة من زيارة وفد من المنظمات الأمريكية الصهيونية للسيسي قبل زيارتهم تل أبيب، وإشادة السيسي برئيس الوزراء نتنياهو الذي اعتبره بمثابة قائد كبير في المنطقة، وقبلها مطالبته بتوسيع السلام مع إسرائيل.

كما جاء المشروع في خضم فعاليات الانتخابات التمهيدية التي يشهدها الحزبان الرئيسيان الجمهوري والديمقراطي)، استعدادا للانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجري في نوفمبر 2016. وبالرغم من أن فكرة المشروع ليست جديدة، إذ سبقه عدة محاولات للجمهوريين أيضا، بعضها تم قبل خمس سنوات، وبعضها الآخر من قبل مواطنين عاديين، كما تم بعد الانقلاب على مرسي عندما قدم أكثر من 231 ألف مواطن عريضة لإدارة أوباما باعتبار الإخوان جماعة إرهابية، لكن رد أوباما الذي استغرق قرابة عام، جاء مخيبا لآمال هؤلاء عندما أكد على النهج السلمي والاجتماعي للجماعة منذ عدة عقود. ويبدو أن الجمهوريين يحاولون ثانية إحراج أوباما وحزبه، ففي حالة الرفض قد يوصم الحزب بدعمه للإرهاب، وفي حال تأييده سيعد ذلك انتصارا يحسب لهم.

أما الديمقراطيين ومنهم النائب جون كونيرس، زعيم الديمقراطيين باللجنة القضائية بمجلس النواب فقد رفض تأييده ليس فقط لاعتبار الجماعة سلمية، لكنه قال، تعليقا على التصويت، ما زال لدينا مشروع قانون يخدم داعش، ويقحمنا في قتال لا ضرورة له ويجعلنا أقل أمنا.

ويبدو أن هذا هو موقف الإدارة الديمقراطية منذ سنوات، وإن كانت هناك احتمالات واردة لتغيره مستقبلا لاسيما أن السياسة لا تقوم على فكرة المبادئ، وإنما تقوم على فكرة المصالح. وربما نتذكر تأييد إدارة أوباما للانقلاب ضد الإخوان في مارس 2013، واعتبار كيري تدخل الجيش في مصر تصحيحا للمسار الديمقراطي في البلاد!

ثانياً: مراحل واحتمالات تمرير القانون

لكي يصبح مشروع القانون نافذا لا بد من أن يمر بمراحل تشريعية ربما تستغرق بعضا من الوقت، إذ يتعين أن يُعرض المشروع على مجلس النواب للحصول على الأغلبية، ثم يُحول إلى مجلس الشيوخ الذي له إما تحويله للجنة الفرعية المختصة، أو مناقشته مباشرة، وفي حال المناقشة المباشرة قد يقر بالأغلبية نفس الصياغة التي وافق عليها النواب، أما في حالة التباين، فيتم تشكيل لجنة مشتركة من المجلسين تُعرف باسم لجنة المؤتمر لحل الاختلافات، وإذا عجزت اللجنة عن التوصل إلى اتفاق، يسقط المشروع. أما إذا توصلت إلى اتفاق، يُرسل مشروع القانون مجدداً إلى المجلسين الذين يتوجب عليهما التصويت عليه دونما تعديلات إضافية.

أما إذا كانت الهيمنة على المجلسين لحزب واحد، فإنه يتم اختصار الكثير من هذه الإجراءات وكذلك الوقت. فمشروع القانون الذي يتم إقراره، في مجلس النواب يمكن أن يوضع مباشرة على جدول مجلس الشيوخ، متجاوزاً بذلك مراجعات اللجنة الفرعية واللجنة الكاملة داخله. وعادة ما يتم تمرير التشريعات المتقاربة أو المماثلة لبعضها البعض بالتزامن عبر المجلسين.

ونظرا لأن الكونجرس بمجلسيه في الوقت الراهن ومنذ انتخابات التجديد النصفي الأخيرة نوفمبر 2014 يسيطر عليه الجمهوريون الذين يشغلون (244) مقعدا من إجمالي (435) في مجلس النواب أي ما يعادل نحو 56%، كما يشغلون 52 مقعدا في مجلس الشيوخ، من إجمالي 100 مقعد أي ما يعادل 52%”. فإن الأمر يمكن أن يستغرق وقتا أقل إلا إذا عارضه الرئيس الأمريكي، أو كانت هناك أولويات انتخابية أخرى لكلا الحزبين لاسيما على الصعيد الداخلي، وبالتالي يتم إرجاء البت في هذا المشروع إلى ما بعد الانتخابات القادمة في 8 نوفمبر 2016، والتي ستجرى على كافة مقاعد مجلس النواب، وعلى ثلث مقاعد الشيوخ 34 مقعدا. والتي من المتوقع أن تتغير خريطة الهيئة بها نظرا لأن الديمقراطيين يحتاجون لخمس مقاعد في مجلس الشيوخ لاستعادة الأغلبية، وهو أمر وإن كان صعباً لكنه ليس مستحيلاً.

وفي كل الأحوال، فإنه عندما يتم إقرار مشروع القانون داخل مجلسي الكونجرس بالطرق السابقة، لا يصبح قانونا إلا بعد عرضه على الإدارة الأمريكية التي يحق لها أن توافق عليه، أو ترفضه، أو تطلب تعديلاً عليه، ويعود المشروع للكونجرس من جديد، فإن قام الكونجرس بإدخال التعديلات المطلوبة قام الرئيس بالتوقيع عليه خلال 10 أيام ليصبح قانوناً نافذاً، أما في حالة إصرار الكونجرس على رفض التعديلات، فعندئذ يحتاج المشروع لموافقة ثلثي أعضاء الكونجرس بمجلسيه، وإلا يتم إلغاؤه (2).

معنى ذلك أن القرار قد يستغرق بضعة شهور، وعلى الأغلب سيتجاوز الفترة المتبقية للرئيس أوباما والكونجرس. مع احتمال ضعيف أن يتم البت فيه قبل الانتخابات القادمة، لكنه في كلتا الحالتين يعطي جرس إنذار للإخوان بسرعة التحرك لاحتوائه لتداعياته السلبية على جماعة الإخوان المسلمين ليس في الولايات المتحدة فحسب، وإنما في باقي أنحاء العالم، لا سيما وأن تحركهم السابق في التعامل مع مشروع القانون لم يكن على المستوى المطلوب، خاصة أنه لم يكن مفاجئا. كما أن إمكانية فوز المرشح الجمهوري ترامب بسباق الرئاسة والمعروف بتوجهاته العدائية ليس للإخوان فحسب وإنما للإسلام أيضا، قد يعجل من صدور هذا القانون، وخاصة إذا تمكن الجمهوريون من الاحتفاظ بهيمنتهم على الكونجرس.

ثالثاً: تداعيات مشروع القانون على الإخوان:

لا شك أن القانون حال تمريره سيكون له تداعياته السلبية الكبيرة على الإخوان المسلمين في كل مكان في العالم، لاسيما إذا حذت باقي الدول حذو الولايات المتحدة، أو في أسوأ تقدير رفضت استقبال الإخوان الموجودين بأراضيها، أو طالبتهم بالرحيل تجنبا لمشكلات مع الولايات المتحدة وغيرها، لأنه وفق اللجنة القضائية التي أقرت مشروع القانون، فإن القانون يعني ثلاثة أمور:

الأول: إجبار الإدارة الأميركية عبر وزارة الخارجية على وضع الإخوان على قوائم الإرهاب الدولي، وما يعنيه ذلك من فرض حظر على المواطنين والمقيمين على الأراضي الأمريكية، فضلا عن إلزام الشركات بعدم التعامل مع كل من له ارتباط بجماعة الإخوان، سواء أفراد أو شركات أو هيئات، وعدم السماح لهؤلاء (سواء الإخوان أو المتعاملين معهم) بدخول الولايات المتحدة.

الثاني: تجريم أي دعم مادي للجماعة وإخضاع من يقُدم مثل هذا الدعم لطائلة العقوبة الجنائية.

الثالث: تمكين وزارة الخزانة الأميركية، بإلزام المؤسسات المالية الأميركية المودعة لديها أي أصول تابعة لجماعة الإخوان المسلمين بوقف جميع المعاملات المالية المتعلقة بها.

رابعاً: كيفية التحرك لاحتواء مشروع القانون:

هذا المشروع يحتاج لسرعة تحرك من جانب الجماعة على مختلف المستويات، الإقليمية والدولية، وعلى مستوى كل المؤيدين لها أو المتعاطفين معها (3) من الشخصيات والدول، لتدارك ما فات والعمل على وأد المشروع في مهده قبل أن يصل إلى مجلس النواب، ثم الشيوخ، فالإدارة الأمريكية، لاسيما في ظل تداعياته الكارثية السابق الإشارة إليها، وفي هذا الإطار تبرز عدة إجراءات مهمة:

1-تحديد جهة عليا داخل الجماعة تشرف على خطة التحرك والتنسيق بين كافة المستويات الإخوانية داخل الولايات المتحدة وخارجها، وخاصة تلك الجهات المعنية بالعلاقات الدولية، باعتبار أن الأمر يرتبط بصميم مهامها خاصة في بعده الدولي.

2-قيام هذه الجهة بالتواصل مع الجهات المنوط بها ملف العلاقات الدولية في الخارج، والاستفادة من تجاربهم في هذا الشأن، وهنا تبرز أهمية التواصل بين هذه الجهة وإدارة مكتب الإخوان المسلمين المصريين في الخارج (خاصة من تولوا إدارة الملفات السياسية والدولية) باعتبار الأزمة أكبر وأعقد وأكثر خطورة من أزمة التباينات الداخلية فيما يتعلق بالشأن المصري، بل ربما تكون هذه الأزمة فرصة لتقارب وجهات النظر ورأب الصدع داخل التنظيم واستعادة وحدته التي كانت مصدر قوته الأساسية حتى وقت قريب.

3-التواصل مع بعض الشخصيات العالمية العامة سواء السياسية أو الدينية، وكذلك بعض الدول التي ربما تكون متعاطفة مع الإخوان للاستفادة من خبرتها في هذا الشأن من ناحية، ولإمكانية أن يكون لها دور في تحسين الصورة الذهنية للإخوان لدى الكونجرس بصفة عامة، ووأد مشروع القانون بصفة خاصة.

4-ضرورة تشكيل فريق قانوني وإعلامي محترف لقيادة هذا الملف، مع ضرورة وجود شركة علاقات عامة كبرى تقوم بعملية الترويج لصورة الإخوان الإيجابية فيما يتعلق بنبذ العنف، فضلا عن ترتيب التواصل مع نواب الكونجرس سواء من الديمقراطيون الرافضون حتى هذه اللحظة لوصم الجماعة بالإرهاب، أو الجمهوريون الذين يمكن إقناعهم بخطأ هذا الموقف وأثره على دعم التطرف وعلى إفساد العلاقة مع المسلمين بشكل عام.

5-الاتفاق مع مكتب محاماة أمريكي ذو خبرة كبيرة لتفنيد الاتهامات الموجهة للإخوان بدعم الإرهاب وتهديد السلام الدولي، وتوفير التكاليف المالية المطلوبة لشركة العلاقات العامة ومكتب المحاماة حتى يبدأ العمل مباشرة تحت إشراف فريق إدارة الأزمة.

6-العمل على إنهاء النزاع الداخلي أو تجميده خلال هذه الفترة أو على الأقل التعاون فقط في هذا الملف حتى يمكن إدارة هذه الأزمة بطريقة أفضل تمنع صدور القرار.

7-ضرورة الاستفادة من تجربة الإخوان في لندن في التعامل مع ملف اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، والذي أسفر عن صدور تقرير لا يدين الإخوان صراحة. ويرتبط بذلك ضرورة تقييم تجربة إخوان أمريكا في التعامل مع هذا الملف منذ بداية تحريك الجمهوريين له قبل خمس سنوات.

8-ضرورة التفكير في تشكيل لوبي إسلامي قوي داخل الولايات المتحدة للدفاع بالأساس عن قضايا الإسلام لاسيما في ظل حملة الجمهوريين ضد الإسلام والمسلمين. ويكون من مهام هذا اللوبي الدفاع عن التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية الوسطية، وعن حقها في العمل السياسي وفق الأطر المتعارف عليها، خاصة وأن البديل الطبيعي لقمع هذه التيارات هو الحركات المتطرفة والتي تغذيها السياسات غير المسؤولة والنظم الاستبدادية والتسلطية الإقليمية والدولية.

————————————-

الهامش

(1) أثير كاكان، مشروع قانون بالنواب الأمريكي يصنف الإخوان إرهابية وقيادي بالجماعة يعتبره لا أخلاقي، وكالة الأناضول للأنباء، 24/2/2016، الرابط، تاريخ الزيارة (2 مارس 2016).

(2) من الجدير بالذكر أن اليد العليا في ملفات السياسة الخارجية بشكل عام (فيما لا يتعلق بالاعتمادات المالية) هي للإدارة الأمريكية، و ليس للكونجرس، و قرار إدراج جماعة ما على لائحة الإرهاب هو قرار الإدارة، و في حقيقة الأمر فان قرار اللجنة القضائية بمجلس النواب هو مطالبة وزير الخارجية بالإدراج في لائحة الإرهاب، و ليس الإدراج نفسه، و هي تطلب منه ان كانت هناك أسباب ضد مثل هذا الإدراج أن يفصح عنها وزير الخارجية كتابة في زمن لا يتجاوز 60 يوما من تاريخ القرار، و طبقا لمواقف الإدارة الحالية، و لتصريحات وزير الخارجية نفسه، فسيكون من المتوقع أن يدافع الوزير عن موقف الإدارة، و ينتهي الأمر عند هذا الحد.

(3) أو الناظرين لتعارض القانون مع المصالح الأمريكية العليا (من باب مطاردة التيارات المعتدلة بما يصب في صالح التيارات المتطرفة)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close